الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الطوفان، وأخذ زوجين اثنين من كل حي، وموج الطوفان العظيم الذي شبه بالجبال، واستواء السفينة على الجودي، ومسألة ابن نوح الذي ظل مع الكفار، والحوار الذي جرى بينه وبين قومه حول رسالته وحول الذين آمنوا بها منهم وبينه وبين الله حول غرق ابنه.
والقصة كما ذكرنا قبل واردة في سفر التكوين، وليس في السفر المتداول اليوم ذلك التفصيل ولا الحوار ولا مسألة ابن نوح وإن كان فيه تفصيل عن حجم السفينة لم يرد في الآيات. والذي نرجحه أن ما ذكر في الآيات كان واردا في قراطيس أو أسفار أخرى كانت متداولة في أيدي أهل الكتاب وكان هو المتداول في أوساطهم.
ولقد أورد المفسرون في سياق قصة نوح في هذه السورة وفي غيرها بيانات كثيرة معزوة إلى كعب الأحبار وغيره من رواة المسلمين من اليهود وغيرهم وكثير منها لم يرد في القرآن ولا في سفر التكوين المتداول «1» حيث يؤيد هذا ما قلناه، هذا ويدل على أن من أهل بيئة النبي صلى الله عليه وسلم من كان يعرف أشياء كثيرة من قصة نوح وطوفانه. ولم نر ضرورة ولا فائدة في إيراد ذلك أو تلخيصه لأنه غير متصل بشروط القرآن من القصة.
واسم الجبل الذي استوت عليه السفينة في سفر التكوين أرارات، وهو في شمال جزيرة الفرات. وهذا الجبل يذكر في كتب التفسير والتاريخ العربية القديمة باسم الجودي وهو الاسم المذكور في الآيات وذكره في القرآن دليل على أنه كان متداولا معروف المكان في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم.
تعليق على آية تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا
والآية الأخيرة من الآيات تثير إشكالا حيث تذكر أن ما أوحاه الله تعالى
(1) انظر تفسير الآيات في الطبري وابن كثير والخازن والمنار والطبرسي والبغوي.
للنبي صلى الله عليه وسلم من القصة هو من أنباء الغيب التي ما كان يعرفها هو ولا قومه من قبل.
ومن شأنها أن تنقض ما قلناه. ولما كان سفر التكوين متداولا في أيدي الكتابيين في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم حتما، سواء كان بنصه اليوم أو زائدا أو ناقصا والعرب كانوا على صلة بهم، ومنهم من كان يدين بالنصرانية واليهودية، بل ومنهم من كان يعرف العبرانية ويقرأ الكتب بها «1» . فمن الصعب أن يفرض أن لا يكون من العرب السامعين من لا يعرف قصة نوح والحالة هذه. ومما يحسن إيراده في صدد قصة نوح مسألة أصنام قومه المذكورة في سورة نوح وهي: ودّ وسواع ويغوث ويعوق ونسر، حيث كانت هذه الأصنام مما تعبدها العرب ومما كانوا يعزونها إلى قوم نوح، وحيث يفيد هذا بطبيعة الحال أن اسم نوح وقصته مع قومه مما كان متداولا في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم قبل نزول القرآن ولقد قلنا آنفا إن في كتب التفسير بيانات كثيرة حول قصة نوح غير واردة في القرآن عزاها رواة الأخبار إلى أناس عاشوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك أشياء وردت في سفر التكوين المتداول اليوم مثل إطلاق نوح غرابا ثم حمامة من السفينة مرتين لاختبار جفاف الأرض وعودة الحمامة في المرة الثانية وفي فمها ورقة زيتون «2» . وهذا مما قد يدل على أن ذلك مما كان متداولا في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم من طريق الكتابيين الذين كان سفر التكوين في أيديهم، ويؤيد ما قلناه من أن القصة كانت معروفة في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم عن طريق أهل الكتاب الذين كان سفر التكوين في أيديهم.
ولقد كان هذا الإشكال مما تنبه له بعض المفسرين حيث أشار إليه الخازن وعلّله باحتمال كون العلم بها كان مجملا لأن قصة نوح كانت مشهورة معروفة كما قال وأشار إليه كذلك البيضاوي وعلله باحتمال كون القصد هو عدم معرفة النبي صلى الله عليه وسلم وجميع قومه بجميع التفصيلات وأن هذا لا يمنع أن يكون عرفها بعضهم أو عرف بعضهم بعضها. ومن الجدير بالذكر أن قصة نوح في السور الأخرى السابقة والآتية خلت من مثل هذا الإشكال. ونحن نرى في تعليق هذين المفسرين
(1) جاء في صدد ورقة بن نوفل في حديث رواه البخاري وأوردناه في سياق تفسير سورة العلق. [.....]
(2)
انظر تفسير الآيات في الطبري مثلا وانظر الإصحاح 8 من سفر التكوين.