الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويقولون إنما نريد السلام ولا نتأثر بالجاهلين وأساليبهم ولغوهم، أو لا شأن لنا معهم.
تعليق على آية الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) وما بعدها
ولقد تعددت الروايات «1» في هذا الفريق. فقيل إنهم وفد نصارى نجران.
وقيل إنهم وفد نصارى الحبشة. وقيل إنهم وفد من نصارى الشام. وقيل إنهم خليط. وقد ذكرت الروايات أيضا أن هذه الآيات مدنية وأن المشهد من مشاهد المدينة. وسمت بعض أسماء الذين آمنوا وقالوا ما حكته الآيات وبعضهم يهود مثل عبد الله بن سلام وبعضهم نصارى مثل تميم الداري والجارود العبدي.
وذكر في من ذكر سلمان الفارسي، وبحيرا الراهب وأبرهة، والأشرف وعامر وأيمن وإدريس ونافع وتميم. وقد ذكر المصحف الذي اعتمدناه أيضا أن الآيات مدنية.
ونحن نشك في مدنية الآيات ومدنية المشهد. وقد يكون ما احتوته من أذى الجاهلين وسفاهتهم نحو المؤمنين من قرائن مكية الآيات بل من دلائلها. وهناك آيات عديدة لا اختلاف في مكيتها ذكرت مثل هذا الموقف منها آيات سورة الأنعام هذه أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (114) وآيات سورة الإسراء هذه قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً (107) وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولًا (108) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً (109) . وبعض الأسماء التي ذكرها المفسرون ذكروها في سياق آيات مدنية احتوت تنويها بالذين أسلموا من علماء اليهود، منها آية النساء هذه لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ
(1) انظر كتب تفسير الطبري والطبرسي والزمخشري والخازن وابن كثير.
الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً (162) ونرجح بل نعتقد أن الآيات متصلة بالآيات السابقة لها موضوعا وسياقا، وأنها نزلت لتكون ردّا عمليّا على الكفار العرب في مكة الذين كانوا يكابرون ويصدرون في مواقفهم عن عناد وهوى، ويتحدون النبي صلى الله عليه وسلم بالإتيان بمثل ما أتى به موسى فلما قيل لهم إنكم كفرتم بالمبادئ التي جاء بها موسى نكصوا على رؤوسهم وقالوا إنّا كافرون بها وبما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم. فاحتوت الآيات ردّا مفاده أن كفار قريش إذا كانوا يقولون ما يقولون عنادا ومكابرة فالذين أوتوا العلم والكتاب يشهدون بصدق رسالة النبي صلى الله عليه وسلم وصدق صدور القرآن عن الله تعالى، ويعلنون إيمانهم بهما تبعا لما كان من إسلامهم لله قبل ذلك، ولعل الآيات كما قلنا قبل قليل تسجيل لشهادة اليهود الذين سألهم كفار قريش وأجابوهم بما أجابوا على ما ذكرته الرواية الأولى من الروايات السابق إيرادها في سياق الفصل السابق، واليهود لم يكونوا محصورين في المدينة. والاحتمال بوجود أفراد وجالية منهم في مكة قوي.
ومن الشواهد على ذلك آية الأحقاف [10]«1» التي أوردنا نصّها قبل قليل.
فإن لم يكن هذا الفريق يهوديا فيكون من النصارى الذين كان منهم جالية في مكة أيضا مما تواترت فيه الروايات وأشارت إليه بعض الآيات التي سقناها في سياق تفسير بعض آيات سورة الفرقان. وفحوى الآيات يلهم بقوة أن هذا الفريق كان من المقيمين في مكة المعروفين في أوساطها ومن ذوي اليسار أيضا. وقد ينفي هذا ما جاء في بعض الروايات من كونه وفدا حبشيا أو شاميا أو يمنيا «2» . ولا يمنع هذا من أن يكون قد وفد إلى مكة من نصارى هذه الأقطار وفود لاستطلاع النبأ العظيم، أي بعثة النبي صلى الله عليه وسلم بطبيعة الحال.
(1) ذكرت بعض الروايات أن هذه الآية مدنية مع أنها موجهة إلى كفار مكة على سبيل التحدي مما يجعل هذه الرواية موضع شك كبير.
(2)
حياة محمد تأليف محمد حسين هيكل.