الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4-
وأوامر ربانية أخرى للنبي صلى الله عليه وسلم بإبلاغ الناس بأنه لا يستطيع أن يضر أحدا ولا ينفعه، وأنه لا يجيره من الله تعالى إلّا إبلاغ رسالته ووحيه، وأن من يعص الله ورسوله فمصيره الخلود في جهنّم حيث يدرك العصاة حينما يرون مصداق ما يوعدون من هو الأضعف والأقل، كأنما يراد بهذا تحدّي الكفار وإنذارهم بأن عصيانهم على الله ورسوله هو منتهى السخف والضلال والجرأة، لأنهم أعجز من أن يستطيعوا الانتصار على الله، وأنهم مخدوعون إذا قاسوا وقائع الحياة الدنيا على الآخرة واغترّوا بقوّتهم وكثرتهم لأن ذلك لن يغني عنهم من الله شيئا.
5-
وأمرا ربانيا للنبي صلى الله عليه وسلم بإبلاغ الناس كذلك بأنه لا يدري وقت تحقيق ما يوعدون به أيطول أم يقصر. فالله لا يظهر على غيبه أحدا إلّا ما شاء ممن ارتضى من الرسل الذين يجعلهم تحت حفظه ومراقبته للتحقق من قيامهم بمهمتهم وتبليغ رسالاته التي انتدبهم إليها، ويحيط بكل أمر من أمورهم وهو المحيط بكل أمر والمحصي لكل شيء.
تعليق على مفهوم آيات الفصل ودلالته وتلقيناته
ولقد تعددت الأقوال والروايات التي يرويها المفسرون عزوا إلى ابن عباس وعلماء التابعين في مدى الآيات الثلاث الأولى «1» . من ذلك أنها من جملة كلام الجن المحكي في الفصل الأول «2» . ومن ذلك أنها مع بقية الفصل كلام مستقل عن الجن. وتقرير قرآني مباشر. ومن ذلك أنها عنت الإنس والجن معا. ومن ذلك أنها عنت الكفار فقط.
(1) انظر تفسير الآيات في الطبري والبغوي وابن كثير والخازن والزمخشري والطبرسي.
(2)
في الحديث الذي رواه البخاري والترمذي عن ابن عباس وأوردناه قبل زيادة مروية للترمذي وهي: (لما رأى الجنّ النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يصلّون بصلاته ويسجدون بسجوده فعجبوا من طواعية أصحابه له وقالوا لقومهم لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا) ويبدو أن الذين قالوا إن الآيات تقرير مباشر أو من أقوال الكفار أو في صددهم لم تثبت عندهم هذه الزيادة. [.....]
والمتبادر المستلهم من روح الآيات أنها مع سائر آيات الفصل الثاني كلام مستقلّ وأن المقصود بالآيات الثلاث كفار العرب. وأن هذا الفصل قد جاء تعقيبا التفاتيا للفصل السابق له. ويوثق ذلك تماثل الضمير في جمل وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا وكادُوا يَكُونُونَ وحَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ وواوات العطف المستمرة في جميع آيات الفصلين.
ولعل في الآية [24] صورة لما كان في نفس زعماء الكفار من استصغار لشأن النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه لما كانوا عليه من قلّة وضعف. وقد احتوت الآية ردا عليهم منددة بسخفهم متوعدة إياهم باليوم الآخر الذي يظهر فيه القوي من الضعيف والقليل من الكثير حيث لا ينفع مال ولا بنون إلّا من أتى الله بقلب سليم. وفي هذا كما هو المتبادر تسلية وتطمين للنبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين.
ويستلهم من الآية [25] أنها جواب على تساؤل الناس عن موعد قيام القيامة حيث أمرت النبي صلى الله عليه وسلم بإعلان عدم علمه به ثم عقبت الآية [26] على هذا بأن ذلك من خصائص الله الذي لا يطلع على غيبه أحدا إلّا من ارتضى من رسول.
وفي هذا تماثل لموقف حكته آيات السورة السابقة [186- 187] مع فرق الاستثناء هنا. على أن روح الآيات هنا تلهم أنها ليست بسبيل استثناء علم ذلك الموعد.
وتكرر السؤال والجواب يدلّ على أن أفكار الناس ظلّت تشتغل بالآخرة وموعدها بين مستعلم وساخر مما هو تجاوب طبيعي لكثرة ورود الوعد والوعيد بها. وقد يدل تماثل السؤال والجواب في هذه السورة وسابقتها على صحة ترتيبها في النزول.
وآيات هذا الفصل مصدر إلهام وتلقين جليل مستمر المدى. سواء أفيما احتواه من عادة الله في اختبار الناس بنعمه وتذكيرهم بواجب شكره، أم في تنزيه النفس عن الدعاء والصلاة لغير الله في كل حال، أم في نفي أي نفع وضرر من أحد على أحد إلّا الله، أم في التنديد بالمغترين بقوتهم وعددهم. أم في تذكير الناس بإحاطة الله بكل شيء ووجوب مراقبته وابتغاء رضائه والبعد عن موجبات سخطه وغضبه.