الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فجعل يلقى النوى على ظهر إصبعيه السبابة والوسطى، ثُمَّ أُتِيَ بِشَرَابٍ فَشَرِبَهُ. فَقَالَ أَبِي: وَأَخَذَ بِلِجَامِ دَابَّتِهِ: ادْعُ اللَّهَ لَنَا. فَقَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي مَا رَزَقْتَهُمْ وَاغْفِرْ لَهُمْ وَارْحَمْهُمْ. رواه مسلم.
(الفصل الثاني)
2451-
(13) عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا رَأَى الْهِلالَ قَالَ: اللَّهُمَّ أَهله
ــ
صحيح مسلم بل هي في سنن أبي داود (فجعل يلقي النوى على ظهر إصبعيه السبابة والوسطى)، بالجر بدل أو بيان ويجوز الرفع والنصب وفي رواية لأحمد وكذا الترمذي ((فكان يأكله ويلقي النوى بإصبعيه يجمع السبابة والوسطى)) قال السيوطي: لم يلق النوى في إناء التمر لأنه صلى الله عليه وسلم نهى أن يجعل الآكل النوى على الطبق. رواه البيهقي وعلله الترمذي بأنه قد يخالطه الريق ورطوبة الفم فإذا خالطه ما في الطبق عافته النفس. كذا في فتح الودود (ثم أتي) بصيغة المجهول (بشراب) ، أي بماء أو ما يقوم مقامه، وفي جميع الروايات بعد ذلك ((ثم ناوله الذي عن يمينه)) وفيه أن الشراب ونحوه يدار على اليمين (وأخذ) ، أي وقد أخذ، جملة حالية معترضة بين القول والمقول وأخذ منه أن يسن أخذ ركاب الأكابر ولجامه والضيف تواضعًا واستمالة (ادع الله لنا) إلخ، فيه أنه ينبغي للمضيف أن يسأل الدعاء من الضيف، وفيه استحباب طلب الدعاء من الفاضل ودعاء الضيف بتوسعة الرزق والمغفرة والرحمة، وقد جمع صلى الله عليه وسلم في هذا الدعاء خيرات الدنيا والآخرة قاله النووي. (واغفر لهم) ، أي ذنوبهم (وارحمهم) بالتفضل عليهم بالواوين فيهما في جميع نسخ المشكاة، وهكذا وقع عند أحمد، والترمذي، وأبي داود. قال الجزري: والذي رويناه في جميع أصول مسلم ((فاغفر لهم)) بالفاء وكذلك ((فارحمهم)) في أكثرها (رواه مسلم) في الأشربة، وأخرجه أيضًا أحمد (ج4: ص187، 188، 189، 190) ، والترمذي في الدعوات، وأبو داود في الأشربة، والنسائي في اليوم والليلة، وابن أبي شيبة، وابن السني في اليوم والليلة (ص152) .
2451-
قوله (عن طلحة بن عبيد) التيمي المدني أحد العشرة المبشرة (كان إذا رأى الهلال) الهلال يكون أول ليلة والثانية والثالثة، ثم هو قمر. وقال في القاموس: الهلال غرة القمر أو لليلتين أو إلى ثلاث أو إلى سبع وليلتين من آخر الشهر ست وعشرين وسبع وعشرين وفي غير ذلك قمر - انتهى. والمشهور أنه من أول الشهر إلى ثلاث واقتصر عليه في المهذب، وإنما قيل: له هلال لأن الناس يرفعون أصواتهم بالإخبار عنه من الإهلال الذي هو رفع الصوت (اللهم أهله) بفتح الهمزة وكسر الهاء وتشديد اللام مفتوحة دعاء بصيغة الأمر من الإهلال. قال الجزري: أهل الهلال وأهل واستهل إذا رؤى وأبصر، وأهله الله أطلعه، وأهللته إذا أبصرته. وأصل الإهلال رفع الصوت كأنهم إذا رأوا الهلال رفعوا أصواتهم بالتكبير ومنه الإهلال في الإحرام وهو رفع الصوت بالتلبية. قال الطيبي: أهله يروى مدغمًا
عَلَيْنَا بِالْيُمْنِ وَالإِيمَانِ وَالسَّلامَةِ وَالإِسْلَامِ رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ. رواه الترمذي وقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
ــ
ومفكوكًا أي أطلعه (علينا) مقترنًا (بالأمن) كذا في جميع نسخ المشكاة، وكذا في المصابيح، والمستدرك (ج4: ص285) ، وهكذا وقع في بعض نسخ الترمذي، والدارمي، وابن السني، ووقع في بعض نسخ هذه الكتب الثلاثة باليمن بالياء مضمومة وهكذا وقع في المسند، وهو البركة. قال الحكيم الترمذي: اليمن: السعادة، والإيمان: الطمأنينة بالله. كأنه يسأل دوامهما والسلامة والإسلام: أن يدوم الإسلام ويسلم له شهره فإن لله تعالى في كل شهر حكمة وقضاء وشأنًا في الملكوت - انتهى. (والإيمان) ، أي بدوامه وكماله (والسلامة) ، أي عن كل مضرة وسوء، (والإسلام)، أي دوامه. قال القاضي: الإهلال في الأصل رفع الصوت ثم نقل إلى رؤية الهلال لأن الناس يرفعون أصواتهم إذا رأوه بالإخبار عنه ولذلك سمي الهلال هلالاً نقل منه إلى طلوعه لأنه سبب لرؤيته ومنه إلى إطلاعه، وهو في الحديث بهذا المعنى، أي أطلعه علينا وأرنا إياه مقترنًا بالأمن والإيمان: أي باطنًا، والسلامة والإسلام، أي ظاهرًا ونبه بذكر الأمن والسلامة على دفع كل مضرة وبالإيمان والإسلام على جلب كل منفعة على أبلغ وجه وأوجز عبارة. (ربي وربك الله) خطاب للهلال على طريق الإلتفات ولما توسل به لطلب الأمن والإيمان دل على عظم شأن الهلال فقال ملتفتًا إليه ربي وربك الله تنزيهًا للخالق أن يشارك في تدبير ما خلق وردًا للأقاويل الداحضة في الآثار العلوية. وفي الحديث تنبيه على أن الدعاء مستحب عند ظهور الآيات وتقلب أحوال النيرات، وعلى أن التوجه فيه إلى الرب لا إلى المربوب، والإلتفات في ذلك إلى صنع الصانع لا إلى المصنوع، ذكره التوربشتي. وقال الشوكاني: في الحديث مشروعية الدعاء عند رؤية الهلال بما اشتمل عليه هذا الحديث. (رواه الترمذي) في الدعوات، وأخرجه أيضًا أحمد (ج1: ص163) والدارمي في أول الصوم، والحاكم في الأدب (ج4: ص285) ، والبخاري في التاريخ الكبير (2، 1، 109) في ترجمة بلال بن يحيى بن طلحة، وابن السني (ص207)، والبغوي (ج5: ص128) ، ونسبه في الحصن لابن حبان أيضًا، قال الشوكاني: وزاد ابن حبان بعد قوله والإسلام ((والتوفيق لما تحب وترضى)) ، والحديث رواه كلهم من طريق سليمان بن سفيان المدني عن بلال بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله عن أبيه عن جده طلحة بن عبيد الله (وقال: هذا حديث حسن غريب) ، وقال الشيخ أحمد شاكر في شرح المسند (ج2: ص365) : إسناده حسن ورمز لحسنه السيوطي في الجامع الصغير، وسكت عنه الحاكم والذهبي. قلت: سليمان بن سفيان ضعفه ابن معين، وأبو حاتم، والنسائي وغيرهم، وفي التهذيب (ج4: ص194) عن الترمذي في العلل المفردة عن البخاري ((منكر الحديث)) ، وفيه أيضًا أن ابن حبان ذكره في الثقات، وقال ((كان يخطئ)) وهذا أعدل ما فيه. قال ورواه البخاري في الكبير في ترجمة بلال ولم يذكر له علة ولذلك رجحنا تحسينه إلا أن البخاري لم يذكر سليمان بن سفيان في الضعفاء - انتهى. وقال المناوي في فيض القدير (ج5: ص136) بعد نقل تحسين الترمذي: وهو مستند
2452، 2453- (14، 15) وعن عمر بن الخطاب وأَبِي هُرَيْرَةَ قَالا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ رَأَى مُبْتَلًى فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي مِمَّا ابْتَلَاكَ بِهِ وَفَضَّلَنِي عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلاً إلا لَمْ يُصِبْهُ ذَلِكَ الْبَلَاءُ كائنًا من كان.
ــ
المصنف يعني السيوطي في رمزه لحسنه ونوزع بأن الحديث عد من منكرات سليمان وقد ضعفه ابن المدني وأبو حاتم والدارقطني. وقال ابن معين: ليس بثقة. وذكره ابن حبان في الثقات وقال: كان يخطئ. وقال الحافظ ابن حجر: صححه الحاكم وغلط في ذلك فإن فيه سليمان بن سيفان ضعوه وإنما حسنه الترمذي لشواهده - انتهى. قلت: لم يحكم الحاكم في المستدرك (ج4: ص285) على هذا الحديث بشيء بل سكت عنه هو والذهبي، وأما شواهده - انتهى. فمنها ما رواه الدارمي وابن حبان والطبراني عن ابن عمر مثل حديث طلحة وزاد ((والتوفيق لما تحب وترضى)) وفي سنده عندهم عثمان بن إبراهيم الحاطبي. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (ج10: ص139) فيه ضعف وبقية رجاله ثقات. ومنها ما رواه ابن السني (ص208) عن حدير أبي فوزة السلمي بلفظ ((كان إذا رأى الهلال قال: اللهم أدخله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام والسكينة والعافية والرزق الحسن)) وحدير هذا مختلف في صحبته ذكره جماعة. ومنهم الذهبي في تجريده (ج1: ص133) في الصحابة وذكره ابن حبان في التابعين.
2452، 2453 - قوله (ما من رجل رأى مبتلى) أي في أمر بدني: كبرص وجذام، وقصر فاحش أو طول مفرط، أو عمى أو عرج، أو اعوجاج يد ونحوها. أو ديني: بنحو فسق وظلم، وبدعة وكفر وغيرها (الحمد الله الذي عافاني) ، أي نجاني وسلمني (مما ابتلاك به) فإن العافية أو سمع من البلية لأنها مظنة الجزع والفتنة وحينئذٍ تكون محنة أي محنة والمؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف كما ورد،.قال العلماء: إن كان مبتلى بالفسوق يقوله جهرًا ويسمعه لينزجر عنها، وإن كان مريضًا أو ناقص الخلقة يقوله سرًا لئلا يتألم قلبه بذلك. ولا يلزم من لفظ الخطاب الجهر والإسماع، والطيبي حمله على القسم الأول بقرينة الخطاب حيث قال هذا إذا كان مبتلى بالمعاصي والفسوق، وأما إذا كان مريضًا أو ناقص الخلقة لا يحسن الخطاب. قال القاري: الصواب أنه يأتي به لورود الحديث بذلك وإنما يعدل عن رفع الصوت إلى إخفاءه في غير الفاسق بل في حقه أيضًا إذا كان يترتب عليه مفسدة ولذا قال الترمذي بعد إيراد الحديث المرفوع: وقد روى عن أبي جعفر محمد بن علي أنه قال: إذا رأى صاحب بلاء يتعوذ يقول ذلك في نفسه ولا يسمع صاحب البلاء - انتهى. ويسمع صاحب البلاء الديني إذا أراد زجره يرجو انزجاره (وفضلني على كثير ممن خلق)، أي صيرني أفضل منهم أي أكثر خيرًا أو أحسن حالاً. وقال القاري: أي في الدين والدنيا والقلب والقالب (تفضيلاً) مصدر مؤكد لما قبله (كائنًا ما كان) الظاهر أنه حال من الفاعل يدل على ذلك آخر حديث عمر كما سيأتي، أي حال كون ذلك البلاء أي شيء كان، وقال الطيبي: حال من الفاعل أو الهاء في
رواه الترمذي.
2454-
(16) ورواه ابن ماجة عن ابن عمر، وقَالَ الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وعمرو بن دينار الراوي ليس بالقوي.
ــ
لم يصبه وهذا الوجه. وذهب المظهر إلى أنه من المفعول. وقال: أي في حال ثباته وبقائه ما كان أي ما دام باقيًا في الدنيا كذا في المرقاة. (رواه الترمذي) في الدعوات عن عمر وأبي هريرة. قلت: روى الترمذي أولاً من حديث عمرو بن دينار مولى آل الزبير عن سالم بن عبد الله بن عمر عن ابن عمر عن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من رأى صاحب بلاء فقال: ((الحمد لله الذي عافاني مم ابتلاك به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً)) إلا عوفي من ذلك البلاء كائنًا ما كان ما عاش. وقد ضعف الترمذي إسناد هذا الحديث حيث قال: هذا حديث غريب وعمرو بن دينار قهرمان آل الزبير ليس بالقوي في الحديث وقد تفرد بأحاديث عن سالم بن عبد الله بن عمر ثم روى الترمذي من حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رأى مبتلى فقال: ((الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً)) لم يصبه ذلك البلاء. قال الترمذي بعد إخراجه: حديث حسن غريب من هذا الوجه. قال ميرك: روى الترمذي من حديث أبي هريرة وحسن إسناده، ومن حديث عمر بن الخطاب بمعناه وضعفه - انتهى. فإطلاق المصنف ليس على بابه، وتصرفه في سياق المتن ليس مما يستحسن، والظاهر أنه تبع في سوق المتن البغوي صاحب المصابيح وزاد أبا هريرة في ذكر مخرج الحديث ولم يلتفت إلى تغاير سنديهما ولا إلى تحسين الترمذي لحديث أبي هريرة، وحديث عمر أخرجه أيضًا البغوي في شرح السنة (ج5: ص130) وأخرج البيهقي كما في الجامع الصغير، والبزار، والطبراني في الصغير والأوسط، كما في الترغيب (ج4: ص84) ، ومجمع الزوائد (ج10: ص138) من حديث أبي هريرة وحده. وقال فيه: فإذا قال ذلك شكر تلك النعمة. قال المنذري والهيثمي: إسناده حسن، وأخرج ابن السني (ص101) من حديث عمر وحده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من رجل يفجأه صاحب بلاء فيقول الحمد لله إلخ. وفيه أيضًا عمرو بن دينار قهرمان آل الزبير.
2454-
قوله (ورواه ابن ماجة) في آخر الدعاء (عن ابن عمر) بلا واو بلفظ ((من فجئه (بكسر الجيم وفتحها أي لقيه فجاءة) صاحب بلاء فقال: الحمد لله)) الحديث. وفي سنده أيضًا عمرو بن دينار وأخرجه أيضًا الطبراني في الأوسط بلفظ حديث أبي هريرة، قال الهيثمي (ج10: ص138) : وفيه زكريا بن يحيى بن أيوب الضرير ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات (وقال الترمذي هذا) ، أي حديث عمر بن الخطاب (غريب) ، أي ضعيف، وأما حديث أبي هريرة فقد حسنه الترمذي كما تقدم (وعمرو بن دينار الراوي) ، أي لحديث عمر عن سالم بن عبد الله بن عمر عن ابن عمر عن عمر (ليس بالقوي) في الحديث وضعفه أيضًا ابن معين وعمر بن علي وأبو حاتم وأبو زرعة، والنسائي، والدارقطني، وأبو داود وغيرهم.
2455-
(17) وعن ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ دَخَلَ السُّوقَ فَقَالَ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لا يَمُوتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَلْفَ أَلْفِ حَسَنَةٍ وَمَحَا عَنْهُ أَلْفَ أَلْفِ سَيِّئَةٍ وَرَفَعَ لَهُ أَلْفَ أَلْفِ دَرَجَةٍ وَبَنَى لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ.
ــ
وقالوا: روى عن سالم بن عبد الله بن عمر أحاديث منكرة، وقال البخاري: فيه نظر. فحديث عمر عند الترمذي وابن السني ضعيف وكذا حديث ابن عمر عند ابن ماجه لكن يؤيدهما حديث أبي هريرة وهو حديث حسن الإسناد.
2455-
قوله (من دخل السوق) قال الطيبي: خصه بالذكر لأنه مكان الغفلة عن ذكر الله والاشتغال بالتجارة فهو موضع سلطنة الشيطان ومجمع جنوده، فالذاكر هناك يحارب الشيطان ويهزم جنوده فهو خليق بما ذكر من الثواب انتهى. (فقال) أي سرًا أو جهرًا. قيل: والأفضل الجهر به لأن فيه تذكيرًا للغافلين حتى يقولوا مثل قوله ففيه القول والنفع المتعدي ولكنه إذا أمن الرياء والسمعة (بيده الخير) وكذا الشر لقوله تعالى: {قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللهِ} (4: 78) فهو من باب الاكتفاء أو من طريق الأدب فإن الشر لا ينسب إليه (وهو على كل شيء)، أي مشيء (قدير) تام القدرة. قال الطيبي: فمن ذكر الله فيه دخل في زمرة من قال تعالى في حقهم: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ} (24: 37)(كتب الله له) ، أي أثبت له أو أمر بالكتابة لأجله (ألف ألف حسنة) إلخ. كناية عن كثرة الثواب قالوا وذلك من جهة أنه يدفع عنهم ظلمة الغفلة وما هم فيه من الزور والأيمان الكاذبة كما يشاهد في الأسواق ولما كان في ذلك غلظة وشدة وفيهم كثرة كان الأجر أيضًا كثيرًا. كذا قال في اللمعات وهو محصل كلام الطيبي في شرح المشكاة (ومحا عنه) ، أي بالمغفرة أو أمر بالمحو عن صحيفته (ألف ألف سيئة) ، أي إن كانت وإلا تزاد في الحسنة بقدر ذلك (وبنى له بيتًا في الجنة)، أي أمر ببنائه وهذه الجملة وقعت في رواية أخرى للترمذي مكان قوله ((ورفع له ألف ألف درجة)) ورواه بهذا اللفظ أحمد (ج1: ص47) ، وابن ماجة في التجارات، وابن السني (ص63) ، والبغوي (ج5 ص132)، وابن أبي الدنيا والحاكم (ج1: ص538) كلهم من رواية عمرو بن دينار قهرمان آل الزبير عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن جده وقد تقدم الكلام في عمرو بن دينار ورواه أيضًا الحاكم (ج1: ص539) من حديث عبد الله بن عمر مرفوعًا أيضًا، وقال: هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. قال المنذري في الترغيب: كذا قال الحاكم، وفي إسناده مسروق ابن المرزبان يأتي الكلام عليه - انتهى. قلت قد ذكر في آخر كتابه مسروق بن المرزبان هذا. وقال: قال أبو حاتم: ليس بالقوي ووثقه غيره - انتهى. قلت: ذكره ابن حبان في الثقات وقال صالح بن محمد: صدوق. وقال الذهبي في الميزان: صدوق معروف، ثم ذكر كلام أبي حاتم. وقال في تلخيص المستدرك: مسروق بن المرزبان ليس
رواه الترمذي وابن ماجة وقال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ. وفي شرح السنة: ((من قال في سوق جامع يباع فيه)) بدل ((من دخل السوق)) .
2456-
(18) وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ سَمِعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً يَدْعُو يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ تَمَامَ النِّعْمَةِ. فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ تَمَامُ النِّعْمَةِ؟ قَالَ: دَعْوَةٌ أَرْجُو بِهَا خَيْرًا.
ــ
بحجة. قال الحاكم: تابع مسروقًا عمران بن مسلم عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر ثم ساقه من رواية يحيى بن سليم عنه، قال الذهبي: وقال البخاري: عمران منكر الحديث. (رواه الترمذي) في الدعوات من طريق أزهر بن سنان عن محمد بن واسع عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن جده وانتهى هذا الطريق إلى قوله ((ورفع له ألف ألف درجة)) . قال الترمذي: هذا حديث غريب. وقد رواه عمرو بن دينار عن سالم بن عبد الله هذا الحديث نحوه ثم ساقه من رواية أحمد ابن عبدة عن حماد بن زيد والمعتمر بن سليمان عن عمرو بن دينار وفيه: ((وبنى له بيتًا في الجنة)) مكان ((ورفع له ألف ألف درجة)) (وابن ماجة) ، وكذا أحمد، وابن السني، والحاكم، والبغوي، والترمذي، كلهم من رواية عمرو بن دينار عن سالم بن عبد الله بزيادة ((بنى له بيتًا في الجنة)) مكان ((ورفع له ألف ألف درجة)) وللحديث عدة طرق ذكرها الحاكم في المستدرك (ج1: ص538، 539) (وقال الترمذي هذا) أي حديث عمر من طريق أزهر بن سنان عن محمد بن واسع عن سالم بن عبد الله (غريب) . وقال المنذري في الترغيب بعد ذكر سياق أزهر بن سنان وكلام الترمذي هذا ما نصه: إسناده متصل حسن ورواته ثقات أثبات، وفي أزهر بن سنان خلاف. قال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به. قلت: قد ذكره أيضًا في آخر كتابه. وقال قال ابن معين: ليس بشيء، وقال ابن عدي: ليست أحاديثه بالمنكرة جدًا أرجو أنه لا بأس به - انتهى. قال الشوكاني في تحفة الذاكرين: والحديث أقل أحواله أن يكون حسنًا وإن كان في ذكر العدد على هذه الصفة نكارة - انتهى. ولا يخفى ما في سياق المصنف للحديث ولكلام الترمذي من الخلل والخرازة. هذا وقد بسط الكلام في طرق هذا الحديث ابن القيم في تهذيب السنن (ج7: ص336) فارجع إليه (وفي شرح السنة)، أي لصاحب المصابيح (ج5: ص132) (من قال سوق جامع بباع فيه بدل ((من دخل السوق)) ) قال البغوي: وهذه الرواية تقتضي طلب ذلك وهو الأقرب لأن حكمة ترتب هذا الثواب العظيم على هذا الذكر اليسير أنه ذاكر لله تعالى في الغافلين فهو بمنزلة المجاهد مع الغازين - انتهى. وفي المستدرك للحاكم ((قال محمد بن واسع: فأتيت قتيبة بن مسلم فقلت له أتيتك بهدية فحدثته بالحديث فكان يركب في موكبه حتى يأتي باب السوق فيقولها ثم ينصرف)) .
2456-
قوله (يقول) بدل أو حال (فقال) أي النبي صلى الله عليه وسلم سؤال امتحان (دعوة)، أي مستجابة ذكره الطيبي أو هو دعوة أو مسألة دعوة (أرجو بها خيرًا) قال القاري: أي مالاً كثيرًا. وقوله: خيرًا كذا في جميع النسخ من المشكاة
فَقَالَ: إِنَّ مِنْ تَمَامِ النِّعْمَةِ دُخُولَ الْجَنَّةِ وَالْفَوْزَ مِنْ النَّارِ. وَسَمِعَ رَجُلاً يَقُولُ: يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ فَقَالَ: قَدْ اسْتُجِيبَ لَكَ فَسَلْ. وَسَمِعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الصَّبْرَ. فَقَالَ: سَأَلْتَ اللَّهَ الْبَلَاءَ فَاسألهُ الْعَافِيَةَ. رواه الترمذي.
2457-
(19) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ جَلَسَ مَجْلِسًا فَكَثُرَ فِيهِ لَغَطُهُ فَقَالَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ
ــ
ووقع الترمذي ((أرجو بها الخير)) وهكذا في المسند. قال الطيبي: وجه مطابقة الجواب السؤال هو أن جواب الرجل من باب الكناية أي أسأله دعوة مستجابة فيحصل مطلوبي منها، ولما صرح بقوله خيرًا فكان غرضه المال الكثير كما في قوله تعالى:{إِن تَرَكَ خَيْراً} (2: 180) فرده صلى الله عليه وسلم بقوله: ((إن من تمام النعمة)) إلخ. وأشار إلى قوله تعالى: {فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} (3: 185) انتهى. قال القاري: والأظهر أن الرجل حمل النعمة على النعم الدنيوية الزائلة الفانية وتمامها على مدعاة في دعائه فرده صلى الله عليه وسلم عن ذلك ودله على أن لا نعمة إلا النعمة الباقية الأخروية - انتهى. وقال الشيخ الدهلوي في اللمعات: قوله ((أرجو بها خيرًا)) ، أي هذه دعوة أرجو بها خيرًا، وأعلم مجملاً أن عند الله نعمة تامة فأسألها ولا أعرف حقيقة تمام النعمة فعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم حقيقة تمام النعمة هذا ما يخيل بالبال في معنى الحديث وهو المتبادر وإن لم يذكره الطيبي. (فقال إن) ، وفي الترمذي ((قال فإن)) (من تمام النعمة دخول الجنة) ، أي ابتداء (والفوز) ، أي الخلاص والنجاة (من النار) ، أي ولو انتهاء (وسمع) ، أي النبي صلى الله عليه وسلم (يا ذا الجلال والإكرام) ، أي يا ذا العظمة والكبرياء والإكرام لأولياءه (قد استجيب لك) ، أي وقع لك استحقاق الإجابة أو قصد به التفاؤل والمبالغة على أن الاستجابة بمعنى الإجابة (فسل) ، أي ما تريد، وفيه دليل على أن استفتاح الدعاء بقول الداعي يا ذا الجلال والإكرام يكون سببًا في الإجابة وفضل الله واسع (فقال)، في الترمذي قال:(سألت الله البلاء) ، أي لأنه يترتب عليه (فاسأله العافية)، أي فإنها أوسع وكل أحد لا يقدر أن يصبر على البلاء ومحل هذا إنما هو قبل وقوع البلاء وأما بعده فلا منع من سؤال الصبر بل مستحب لقوله تعالى:{رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً} (2: 250، 7: 126)(رواه الترمذي) في الدعوات وقال هذا حديث حسن، وأخرجه أيضًا أحمد (ج5: ص231، 235) ، والبخاري في الأدب المفرد (ج2: ص187) .
2457-
قوله (فكثر) بضم الثاء (لغطه) بفتحتين، قال في القاموس: اللغط الصوت والجلبة أو أصوات مبهمة لا يفهم معناها - انتهى. والمراد ههنا كلام لا طائل تحته وما لا يعني. وقال القاري: أي تكلم بما فيه إثم لقوله: ((غفر له)) . وقال الطيبي ((اللغط)) بالتحريك الصوت والمراد به الهزء من القول وما لا طائل تحته فكأنه مجرد الصوت العري عن المعنى (فقال قبل أن يقوم) في الترمذي بعده ((من مجلسه ذلك)) (سبحانك اللهم وبحمدك) لعله مقتبس من
أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ إِلا غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ. رواه الترمذي والبيهقي في الدعوات الكبير.
2458-
(20) عَنْ عَلِيِّ أنه أُتِيَ بِدَابَّةٍ لِيَرْكَبَهَا فَلَمَّا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الرِّكَابِ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَى ظَهْرِهَا
ــ
قوله تعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} (52: 48) قال عطاء: من كل مجلس تجلسه. واللهم معترض لأنه قوله: ((وبحمدك)) متصل بقوله: ((سبحانك)) إما بالعطف، أي أسبح وأحمد أو بالحال، أي أسبح حامدًا لك (إلا غفر له) ، أي ما جلس شخص مجلسًا فكثر لغطه فيه فقال ذلك قبل أن يقوم إلا غفر له. وفي المستدرك للحاكم ((ما جلس قوم مجلسًا كثر لغطهم فيه فقال قائل قبل أن يقوم سبحانك اللهم)) إلخ (ما كان) ، أي من اللغط (رواه الترمذي) في الدعوات من جامعه (والبيهقي في الدعوات الكبير)، وأخرجه أيضًا أحمد (ج: ص) ، وأبو داود في الأدب، والنسائي في الكبرى، وابن حبان في صحيحه، كما في الموارد (ص588)، والحاكم (ج1: ص536، 537) ، وابن السني (ص144)، والبغوي في شرح السنة (ج5: ص134) ، وقال الترمذي حديث حسن صحيح غريب وسكت عنه أبو داود والمنذري، وقال الحاكم بعد روايته من طريق موسى بن عقبة عن سهيل عن أبيه: هذا الإسناد صحيح على شرط مسلم إلا أن البخاري قد علله بحديث وهيب عن موسى بن عقبة عن سهيل عن أبيه عن كعب الأحبار من قوله ووافقه الذهبي. وذكر الحاكم في علوم الحديث (ص113) هذا الحديث مثالاً للجنس الأول من أجناس العلل وهو أن يكون السند ظاهره الصحة وفيه من لا يعرف بين أهل الحديث بالسماع عمن روى عنه. قال الحاكم بعد ذكر هذا الحديث: هذا الحديث من تأمله لم يشك أنه من شرط الصحيح وله علة فاحشة، ثم نقل عن البخاري أنه قال: هذا حديث مليح ولا أعلم في الدنيا في هذا الباب غير هذا الحديث إلا أنه معلول حدثنا به موسى بن إسماعيل قال حدثنا وهيب قال ثنا سهيل عن عون بن عبد الله قوله: قال محمد بن إسماعيل هذا أولى فإنه لا يذكر لموسى بن عقبة سماع من سهيل - انتهى. وقد روى في الباب عن أبي برزة، وعائشة، وجبير بن مطعم، ورافع بن خديج، وعبد الله بن عمرو بن العاص، والسائب بن يزيد، وعبد الله ابن مسعود، وأم سلمة، وأنس. ذكر أحاديثهم الهيثمي في مجمع الزوائد (ج10:ص141، 142) ، والمنذري في الترغيب (ج4: ص174، 175) ، والشوكاني في تحفة الذاكرين (ص180، 181) وقد أفرد الحافظ ابن كثير لأحاديث الباب جزءًا بذكر طرقها وعللها وما يتعلق بها.
2458-
قوله (أتي) بصيغة المجهول، أي جيء (فلما وضع رجله) أي أراد وضع رجله (في الركاب) بكسر الراء هو ما يعلق في السرج فيجعل الراكب فيه رجله والذي يكون من الجلد يسمى غرزًا (فلما استوى على ظهرها) أي استقر
قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ. ثُمَّ قَالَ {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} . ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ ثَلَاثًا وَاللَّهُ أَكْبَرُ ثَلَاثًا سُبْحَانَكَ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ. ثُمَّ ضَحِكَ فقيل: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ ضَحِكْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَنَعَ كَمَا صَنَعْتُ ثُمَّ ضَحِكَ فَقُلْتُ: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ ضَحِكْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: إِنَّ رَبَّكَ لَيَعْجَبُ مِنْ عَبْدِهِ إِذَا قَالَ: رَبِّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي. يقول: يعلم إِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ غَيْرُي. رواه أحمد والترمذي وأبو داود.
ــ
على ظهرها (قال الحمد لله) ، أي على نعمة الركوب وغيرها (ثم قال) ، أي قرأ {سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا} ، أي ذلله {وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} ، أي مطيقين من أقرن للأمر إذا أطاقه وقوي عليه، أي ما كنا نطيق قهره واستعماله لولا تسخير الله تعالى إياه لنا {وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ} ، أي لصائرون إليه بعد مماتنا وإليه سيرنا الأكبر (ثم قال: الحمد لله ثلاثًا، والله أكبر ثلاثًا) كذا في جميع نسخ المشكاة وهكذا في المصابيح وشرح السنة، والمستدرك، ووقع في الترمذي بغير واو العطف وكذا في صحيح ابن حبان. ورواه أبو داود بلفظ ((ثم قال: الحمد لله ثلاث مرات، ثم قال: الله أكبر ثلاث مرات، ثم قال سبحانك)) إلخ، وزاد في رواية أحمد، وابن السني، والحاكم، ((لا إله إلا أنت مرة)) (ثم ضحك) ، أي عليّ (صنع كما صنعت) ، أي كصنعي المذكور. وفي رواية أحمد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فعل مثل ما فعلت وقال مثل ما قلت (ثم ضحك)، أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن ربك ليعجب) بفتح الجيم (من عبده إذا قال: رب اغفر لي ذنوني) قال الطيبي: أي يرتضي هذا القول ويستحسنه استحسان المتعجب - انتهى. وقال الجزري في النهاية في معنى قوله صلى الله عليه وسلم: ((عجب ربك من قوم يساقون إلى الجنة في السلاسل)) : أي عظم ذلك عنده وكبر لديه، أعلم الله أنه إنما يتعجب الآدمي من الشيء إذا عظم موقعه عنده وخفي عليه سببه فأخبرهم بما يعرفون ليعلموا موقع هذه الأشياء عنده. وقيل: معنى عجب ربك، أي رضي وأثاب فسماه عجبًا مجازًا وليس بعجب في الحقيقة. والأول الوجه وإطلاق التعجب على الله مجاز لأنه لا يخفى على الله أسباب الأشياء والتعجب بما خفي سببه ولم يعلم - انتهى. فتأمل (يقول) ، أي الله (يعلم) أي العبد كذا في بعض نسخ المشكاة بجمع يقول ويعلم وفي بعضها يعلم، أي بحذف يقول وهكذا وقع في سنن أبي داود والمسند (ج1: ص128) ، وشرح السنة، وفي رواية أخرى لأحمد (ج1: ص97) يقول: علم عبدي أنه لا يغفر الذنوب غيري. وفي الترمذي ((إن ربك ليعجب من عبده إذا قال: رب اغفرلي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب غيرك)) (رواه أحمد)(ج1: ص97، 115، 128)(والترمذي) في الدعوات، (وأبو داود) في الجهاد، وأخرجه أيضًا النسائي، وابن حبان في صحيحه، وابن السني (ص158، 159)، والحاكم (ج2: ص98) والبغوي (ج5
2459-
(21) وعن ابْنَ عُمَرَ قََالَ: كَانَ النبي صلى الله عليه وسلم إِذَا وَدَّعَ رَجُلاً أَخَذَ بِيَدِهِ فَلا يَدَعُهَا حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ هُوَ يَدَعُ يَدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَيَقُولُ: اسْتَوْدِعْ اللَّهَ دِينَكَ وَأَمَانَتَكَ وَآخِرَ عَمَلِكَ. وفي رواية: وَخَوَاتِيمَ عَمَلِكَ. رواه الترمذي.
ــ
ص139) . وقال الترمذي حديث حسن صحيح وسكت عليه أبو داود ونقل المنذري كلام الترمذي وأقره وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، ونسبه السيوطي في الدر المنثور (ج6: ص14) أيضًا للطيالسي، وعبد الرزاق، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن مردويه، والبيهقي في الأسماء والصفات.
2459-
قوله (إذا ودع رجلاً) أي مسافرًا (أخذ بيده فلا يدعها) ، أي فلا يترك يد ذلك الرجل من غاية التواضع ونهاية إظهار المحبة والرحمة (حتى يكون الرجل هو) الذي (يدع يد النبي صلى الله عليه وسلم) باختياره (ويقول) للمودع (استودع الله دينك) ، أي استحفظ واطلب منه حفظ دينك (وأمانتك)، أي حفظ أمانتك فيما تزاوله من الأخذ والإعطاء ومعاشرة الناس في السفر إذ قد يقع منك هناك خيانة. وقيل: أريد بالأمانة الأهل والأولاد الذين خلفهم - قال الخطابي: الأمانة ها هنا: أهله ومن يخلفه منهم وماله الذي يودعه ويستحفظه أمينة ووكيله ومن في معناهما، وجرى ذكر الدين مع الودائع لأن السفر موضع خوف وخطر وقد يصيبه فيه المشقة والتعب فيكون سببًا لإهمال بعض الأمور المتعلقة بالدين فدعا له بالمعونة والتوفيق فيهما - انتهى. وقال في فتح الودود: قوله ((أمانتك)) ، أي ما وضع عندك من الأمانات من الله أو من أحد من خلقه أو ما وضعت عند أحد أو ما يتعلق بك من الأمانات - انتهى. وقيل المراد بالأمانة التكاليف كلها كما فسر بها قوله تعالى {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} (33: 72) الآية (وآخر عملك)، أي في سفرك أو مطلقًا كذا قيل. قال القاري: والأظهر أن المراد به حسن الخاتمة لأن المدار عليها في أمر الآخرة وأن التقصير فيما قبلها مجبور بحسنها ويؤيده قوله: ((وخواتيم عملك)) في الرواية الأخرى وهو جمع خاتم، أي ما يختم به عملك، أي أخيره. والجمع لإفادة عموم أعماله. قال الطيبي: قوله: ((استودع الله)) هو طلب حفظ الوديعة وفيه نوع مشاكلة للتوديع وجعل دينه وأمانته من الودائع لأن السفر يصيب الإنسان فيه المشقة والخوف فيكون ذلك سببًا لإهمال بعض أمور الدين فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالمعونة والتوفيق. ولا يخلو الرجل في سفره ذلك من الاشتغال بما يحتاج فيه إلى الأخذ والإعطاء والمعاشرة مع الناس فدعا له بحفظ الأمانة والاجتناب عن الخيانة، ثم إذا انقلب إلى أهله يكون مأمون العاقبة عما يسوءه في الدين والدينا (وفي رواية) عند الثلاثة الترمذي، وأبي داود، وابن ماجة، وكذا عند أحمد، والنسائي في الكبرى، وابن حبان، والحاكم. (وخواتيم عملك) دعا له بذلك لأن الأعمال بخواتيمها كما تدل عليه الأحاديث (رواه الترمذي) في الدعوات
وأبو داود وابن ماجة. وفي روايتهما لم يذكر ((وَآخِرَ عَمَلِكَ)) .
2460-
(22) وعن عبد الله الخطمي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يستودع الجيش قال: أستودع الله دينكم وأمانتكم وخواتيم أعمالكم. رواه أبو داود.
2461-
(23) وعَنْ أَنَسٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُرِيدُ سَفَرًا فَزَوِّدْنِي فَقَالَ: زَوَّدَكَ اللَّهُ التَّقْوَى. قَالَ: زِدْنِي.
ــ
(وأبو داود وابن ماجة) في الجهاد. واللفظ للترمذي رواه هكذا مطولاً وفيه ((آخر عملك)) وكذا رواه بهذا اللفظ ولكن معلقًا البغوي في شرح السنة (ج5: ص143) ثم قال: ورواه سالم عن ابن عمر وقال: ((وخواتيم عملك)) وقال الترمذي: حديث غريب. ثم رواه مختصرًا بلفظ ((أن ابن عمر كان يقول للرجل إذا أراد سفرًا: أن ادن مني أودعك كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يودعنا فيقول: استودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك)) . قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وبهذا اللفظ المرفوع رواه أبو دواد وسكت عليه هو والمنذري، وابن ماجة، وكذا أحمد (ج2: ص7، 25، 38، 136) والنسائي، وابن حبان، والحاكم (ج1: ص442، وج2: ص97) وصححه، ووافقه الذهبي، والبخاري في الكبير، والضياء في المختارة (وفي روايتهما) أي أبي داود، وابن ماجة وكذا في رواية من ذكرنا ممن خرج هذا الحديث سوى الترمذي (لم يذكر) بصيغة المجهول (وآخر عملك)، أي بل ذكر ((وخواتيم عملك)) وللحديث شواهد ذكرها ابن علان في الفتوحات الربانية (ج5: ص118) .
2460-
قوله (وعن عبد الله الخطمي) بفتح الخاء المعجمة وسكون المهلة هو أبو موسى عبد الله بن يزيد بن زيد بن حصين بن عمرو بن الحارث بن خطمة الأوسي الأنصاري صحابي صغير شهد الحديبية وهو صغير كذا في التهذيب. وقال الخررجي: شهدها وهو ابن سبع عشرة سنة وشهد الجمل وصفين مع علي، ولي الكوفة لأبن الزبير، وكان الشعبي كاتبه (إذا أراد أن يستودع الجيش) ، أي العسكر المتوجه إلى العدو، ولابن السني ((كان إذا شيع جيشًا فبلغ ثنية الوداع قال: استودع الله)) إلخ (وخواتيم أعمالكم) فيه مقابلة الجمع بالجمع (رواه أبو داود) في الجهاد وسكت عليه، وقال النووي في الأذكار: حديث صحيح، وفي الرياض: رواه أبو داود بإسناد صحيح، وأخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة، وابن السني (ص161) والحاكم (ج2: ص98) وسكت عليه هو والذهبي.
2461-
قوله (فزودني) أمر من التزويد وهو إعطاء الزاد والزاد طعام يتخذ للسفر يعني ادع لي دعاء يكون بركته معي في سفري كالزاد. وقال الطيبي: ويحتمل أن يكون المراد الزاد المتعارف فالجواب على طريقة أسلوب الحكيم (زودك الله التقوى) ، أي الاستغناء عن المخلوق أو امتثال الأوامر واجتناب النواهي (قال زدني) بكسر المعجمة وسكون
قَالَ: وَغَفَرَ ذَنْبَكَ. قَالَ: زِدْنِي بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي. قَالَ: وَيَسَّرَ لَكَ الْخَيْرَ حَيْثُمَا كُنْتَ. رواه الترمذي وقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
2462-
(24) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال: إنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُسَافِرَ فَأَوْصِنِي. قَالَ: عَلَيْكَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالتَّكْبِيرِ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ. فَلَمَّا وَلَّى الرَّجُلُ قَالَ: اللَّهُمَّ اطْوِ لَهُ البعد
ــ
المهملة أي من الزاد أو من الدعاء (قال: وغفر ذنبك) فيه إشارة إلى صحة التقوى وترتب أثره عليه والتجاوز عما يقع فيه من التقصيرات (بأبي أنت وأمي) ، أي أفديك بهما، وأجعلهما فداءك فضلاً عن غيرهما (ويسر لك الخير) أي: سهل لك خير الدارين أو أراد المال الكثير (حيثما كنت) أي: في أي مكان حللت ومن لازمه أي: زمان نزلت. وفي رواية الدارمي، وابن السنى:((ووجهك للخير حيثما توجهت)) قال الطيبي: يحتمل أن الرجل طلب الزاد المتعارف فأجابه عليه الصلاة والسلام بما أجابه على طريقة أسلوب الحكيم. أي: زادك أن تتقي محارمه وتجتنب معاصيه، ومن ثم لما طلب الزيادة قال: وغفر ذنبك، فإن الزيادة من جنس المزيد عليه، وربما زعم الرجل أن يتقي الله وفي الحقيقة لا يكون تقوى تترتب عليه المغفرة فأشار بقوله: وغفر ذنبك أن يكون ذلك الاتقاء بحيث يترتب عليه المغفرة ثم ترقى منه إلى قوله: ((ويسر لك الخير)) فإن التعريف في الخير للجنس فيتناول خير الدنيا والآخرة - انتهى. وفيه دليل على مشروعية الدعاء للمسافر بهذه الدعوات. وقال المناوي: يندب لكل من ودع مسافرًا أن يقوله له ويحصل أصل السنة بقوله: ((زودك الله التقوى)) والأكمل الإتيان بما ذكر كله (رواه الترمذي) في الدعوات، وأخرجه أيضًا النسائي كما في تحفة الذاكرين، والدارمي في الاستيذان، والحاكم (ج2: ص97) ، وابن السنى (ص160)، وأخرج نحوه البغووي في شرح السنة (ج5: ص142) ، والبزار في مسنده، والطبراني في الكبير من حديث قتادة ، قال الهيثمي (ج10: ص131) : ورجالهما يعني البزار والطبراني ثقات (وقال هذا حديث حسن غريب) وسكت عليه الحاكم، والذهبي.
2462-
قوله: (عليك) اسم فعل بمعنى خذ يقال عليك زيدًا وعليك بزيد، أي خذه، والمعنى الزم التقوى وداوم عليها بجميع أنواعها فإنها الوصية التي وصى الله بها عباده كما قال الله تعالى:{وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللهَ} (4: 131)(بتقوى الله) ، أي بمخافته والحذر من عصيانه (والتكبير)، أي بقول: الله أكبر (على كل شرف) بفتح الشين المعجمة والراء، أي مكان عال، ومناسبة التكبير عند الصعود إلى المكان المرتفع أن الاستعلاء والارتفاع محبوب للنفوس لما فيه من استشعار الكبرياء فشرع لمن تلبس به أن يذكر كبرياء الله تعالى وأنه أكبر من كل شيء فيكبره ليشكر له ذلك فيزيده من فضله. قاله الحافظ. (فلما ولى الرجل) في الترمذي ((فلما أن ولى الرجل)) أي: أدبر، وأن زائدة وفي شرح السنة، والمستدرك ((فلما مضى)) (قال) أي: دعا له بظهر الغيب فإنه أقرب إلى الإجابة (اللهم اطو له البعد) بهمزة
وَهَوِّنْ عَلَيْهِ السَّفَرَ. رواه الترمذي.
2463-
(25) وعَنْ ابْنِ عُمَرٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا سَافَرَ فَأَقْبَلَ اللَّيْلُ قَالَ: يَا أَرْضُ رَبِّي وَرَبُّكِ اللَّهُ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّكِ وَشَرِّ مَا فِيكِ وَشَرِّ مَا خُلِقَ فِيكِ وَشَرِّ مَا يَدِبُّ عَلَيْكِ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ أَسَدٍ وَأَسْوَدَ
ــ
وصل وكسر واو أمر من الطي أي قرب له البعد بطي الأرض. قال الجزري: أي: قربه له وسهل له السير حتى لا يطول. قال القاري: والمعنى ارفع عنه مشقة السفر بقريب المسافة البعيدة له حسًا أو معنى (وهون عليه السفر) أي: أموره ومتاعبه وهو تعميم بعد تخصيص (رواه الترمذي) في الدعوات وقال حديث حسن، وأخرجه النسائي في اليوم والليلة، وابن ماجة في الجهاد، وابن حبان في صحيحه، والحاكم (ج1: ص445، 446، وج2: ص98) وصححه وأقره الذهبي، وابن السنى (ص160)، والبغوي (ج5: ص143) .
2463-
قوله: (إذا سافر فأقبل الليل) وفي رواية أحمد، والحاكم ((إذا غزا أو سافر فأدركه الليل)) (يا أرض) خاطب الأرض ونادها على الاتساع وإرادة الاختصاص. وذكره الطيبي (ربي وربك الله) يعني إذا كان خالقي وخالقك هو الله فهو المستحق أن يلتجأ إليه ويتعوذ به من شر المؤذيات (أعوذ بالله من شرك) أي: من شر ما حصل من ذاتك من الخسف والزلزلة والسقوط عن الطريق والتحير في الفيافي. ذكره الطيبي. (وشر ما فيك) أي: من الضرر بأن يخرج منك ماء فيهلك أحدًا أو نبات فيصيب أحدًا ضرر من أكله أو يجرح أعضاء أحد بشوكه، وقال الطيبي: أي: شر ما استقر فيك من الصفات والأحوال الخاصة بطبائعك أي: العادية كالحرارة والبرادة وغيرهما (وشر ما خلق فيك) أي: من الحيوانات الساكنة في باطن الأرض، وقال القاري: أي: من الهوام وغيرها من الفلذات، وقال الطيبي: أي: من أجناس الأرض وحشراتها وما يعيش في ثقب الأرض وأجوافها (وشر ما يدب) بكسر الدال وتشديد الموحدة أي: يمشي ويتحرك (عليك) أي: على ظهرك يعني من شر الحيوانات الساكنة على ظاهر الأرض (وأعوذ بالله) كذا في المشكاة، والمصابيح، وشرح السنة وهكذا نقل في الحصن، ووقع في سنن أبي دواد ((أعوذ بالله)) بدون الواو وكذا في رواية أحمد (ج2: ص132) ، والحاكم (ج2: ص100) وهكذا نقله الجزري في جامع الأصول (من أسد وأسود) قال الطيبي: حكي في أسود هنا وجهان: الصرف وعدمه. وقال التوربشتي: أسود هنا منصرف لأنه اسم جنس وليس بصفة إذ ليس فيه شيء من الوصفية كما هو معتبر في الصفات الغالبة عليها الاسمية في منع الصرف ولذا يجمع على أساود والمسموع من أفواه المشائخ والمضبوط في أكثر النسخ بالفتح غير منصرف، وعن بعضهم الوجه أن لا ينصرف لأن وصيفته أصلية وإن غلب عليه الاسمية، وهو الحية العظيمة الكبيرة التي فيها سواد وهي أخبث الحيات وذكر من شأنها
وَمِنْ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ وَمِنْ شَرِّ سَاكِنِ الْبَلَدِ وَمِنْ وَالِدٍ وَمَا وَلَدَ. رواه أبو داود.
2464-
(26) وعَنْ أَنَسِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا غَزَا قَالَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَضُدِي وَنَصِيرِي
ــ
أنها تعارض الركب وتتبع الصوت إلى أن تظفر بصاحبه ولهذا خصصها بالذكر وجعلها جنسًا آخر برأسها ثم عطف عليها الحية. قال الشيخ الدهلوي: فيكون ذكر أسد وأسود من باب التخصيص بعد التعميم وذكر ما يغلب منه الأذى والضرر (ومن الحية) كل حية غير الأسود التي تقدم ذكرها أو يكون في الحديث ذكر العام بعد الخاص، ووقع في بعض نسخ سنن أبي داود ((من الحية)) أي: بدون الواو العاطفة، فعلى هذا من بيانية على تغليب الأسود، ويؤيد رواية الواو ما وقع عند أحمد، والحاكم بلفظ:((من شر كل أسد وأسود وحية وعقرب)) (والعقرب) وفي معناهما سائر الهوام السميات (ومن شر ساكن البلد قيل: المراد بساكن البلد الإنس، سماهم بذلك لأنهم يسكنون البلاد غالبًا، أو لأنهم بنوا البلدان واستوطنوها، وقيل: هم الجن الذين هم سكان الأرض، والعرب تسمي الأرض المستوية التي يأوي إليها الحيوان البلد وإن لم تكن مسكونة ولا ذات أبنية أي: وإن لم يكن فيها بناء ومنازل. قال الله تعالى: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ} (7: 58) ولو حمل على كليهما لكان وجهًا، ووقع في بعض النسخ ساكني البلد بصيغة الجمع مضافًا، وكذا اختلف فيه نسخ أبي داود (ومن والد) ولأحمد، والحاكم ((ومن شر والد)) أي: آدم أو إبليس (وما ولد) أي: ذريتهما. وقيل: هما عامان لجميع ما يوجد بالتوالد من الحيوانات أصولها وفروعها، قال في اللمعات: والحمل على العموم أولى ليعم الكل (رواه أبو داود) في الجهاد من طريق بقية بن الوليد حدثني صفوان حدثني شريح بن عبيد عن الزبير بن الوليد عن عبد الله بن عمر. وأخرجه أيضًا أحمد (ج2: ص132)، والبغوي (ج5: ص147) ، والنسائي، والحاكم (ج1: ص447) ، و (ج2: ص100) وصححه ووافقه الذهبي وحسنه الحافظ كما في حاشية الأذكار وسكت عنه أبو داود. وقال المنذري: ((وأخرجه النسائي وفي إسناده بقية بن الوليد وفيه مقال)) وهو تعليل من المنذري غير سديد، أولاً لأن المقال في بقية بن الوليد أنه يدلس وهو صرح عند أبي داود، والبغوي بالتحديث فانتفت تهمة التدليس، وثانيًا لم ينفرد بقية بروايته عن صفوان حتى يكون ذلك علة له فقد رواه عند أحمد، والحاكم أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج عن صفوان أيضًا ورواه أحمد مرة أخرى بهذا الاسناد من حديث عبد الله بن عمر أثناء مسند أنس.
2464-
قوله: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا) أي خرج للغزو (اللهم أنت عضدي) بفتح المهملة وضم معجمة أي معتمدي في جميع الأمور سيما في الحرب فلا أعتمد على غيرك أو أنت قوتي أتقوى وأعتضد بك كما يتقوى الشخص بعضده. قال القاضي: العضد ما يعتمد عليه ويثق به المرأ في الحرب وغيره من الأمور، وقال الطيبي: العضد كناية عما يعتمد عليه ويثق المرأ به في الخير وغيره من القوة، أو أنت ناصري ومعيني، ففي القاموس العضد بالفتح وبالضم وبالكسر وككتف وندس وعنق ما بين المرفق إلى الكتف والعضد الناصر والمعين وهم عضدي وأعضادي (ونصيري) أي: ناصري ومعيني
بِكَ أَحُولُ وَبِكَ أَصُولُ وَبِكَ أُقَاتِلُ. رواه الترمذي، وأبو داود.
2465-
(27) وعن أبي موسى أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا خَافَ قَوْمًا قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا نَجْعَلُكَ فِي نُحُورِهِمْ وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرُورِهِمْ. رواه أحمد، وأبو داود.
ــ
فهو عطف تفسير على التفسير الثاني لعضدي (بك أحول) بحاء مهملة من الحول وهو الحيلة. قال الزمخشري: من حال يحول حيلة بمعنى احتال أي: بك أحتال لدفع مكر الأعداء وكيدهم. وقيل: معناه أتحرك وأتحول من حال إلى حال أو أحول من المعصية إلى الطاعة. والحول الحركة، يقال: حال الشخص إذا تحرك. وقيل: معناه المنع والدفع من قولك حال بين الشيئين إذا منع أحدهما عن الأخر، فمعناه لا أمنع ولا أدفع إلا بك. وقيل: الحول الفرق بين الشيئين أي: بقوتك ونصرتك إياي أفرق بين الحق والباطل. وقيل: الحول التردد أي: بك أتردد، ويروى ((وبك أحاول)) أي: أطالب (وبك أصول) بصاد مهملة أي: أحمل على العدو حتى أغلبه وأستأصله ومنه الصولة بمعنى الحملة والحمل والصائل بمعنى الحامل (وبك) أي: بحولك وقوتك وعونك ونصرتك (أقاتل) أي: أعدائك حتى لا يبقى إلا مسلم أو مسالم. وفي الحديث دليل على أنه يشرع له أن يدعو عند غزوه بهذا الدعاء ومثله (رواه الترمذي) في الدعوات، (وأبو داود) في الجهاد وأخرجه أيضًا أحمد، والنسائي في اليوم والليلة، وابن حبان في صحيحه، والضياء في المختارة، وأبو عوانة، وابن أبي شيبة وذكره البغوي (ج5: ص153) معلقًا وقد حسنه الترمذي وسكت عنه أبو داود. ونقل المنذري تحسين الترمذي وأقره.
2465-
قوله: (كان إذا خاف قومًا) أي: شر قوم (قال) في دعائه (اللهم إنا نجعلك في نحورهم) بضمتين جمع النحر وهو الصدر أي: في إزاء صدورهم لتدفع عنا صدورهم وتحول بيننا وبينهم، تقول: جعلت فلانً في نحر العدو إذا جعلته قبالته وحذاءه ليقاتل عنك ويحول بينك وبينه، وخص النحر بالذكر لأنه أسرع وأقوى في الدفع والتمكن من المدفوع والعدو إنما يستقبل بنحره عند المناهضة للقتال أو للتفاؤل بنحرهم أي: قتلهم (ونعوذ بك من شرورهم) والمعنى نسألك أن تصد صدورهم وتدفع شرورهم وتكفي أمورهم وتحول بيننا وبينهم، وقيل: المعنى نسألك أن تتولانا في الجهة التي يريدون أن يأتونا منها، وقيل: نجعلك في إزاء أعدائنا حتى تدفعهم عنا فإنه لا حول ولا قوة لنا بل القوة والقدرة لك وفي الحديث دليل على مشروعية الدعاء عند الخوف من قوم بهذا الدعاء (رواه أحمد)(ج4: ص414، 415) ، (وأبو داود) في الصلاة، وأخرجه النسائي في اليوم والليلة، والحاكم (ج2: ص142) ، وابن حبان في صحيحه، وابن السنى (ص108) ، وأبو عوانة، وسكت عنه أبو داود، والمنذري، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي وقال النووي في الأذكار: والرياض، والعراقي: سنده صحيح.
2466-
(28) وعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ نَزِلَّ أَوْ نَضِلَّ أَوْ نَظْلِمَ أَوْ نُظْلَمَ أَوْ نَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيْنَا. رواه أحمد، والترمذي، والنسائي. وقَالَ الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
ــ
2466-
قوله: (قال بسم الله) أي: خرجت مستعينًا بذكر اسم الله (توكلت على الله) أي: اعتمدت عليه في جميع أموري (اللهم إنا نعوذ بك من أن نزل) أي: من أن نقع في ذنب ومعصية من الزلل يقال: زلت رجله إذا زلفت والزلة الزبقة وهي هنا كناية عن وقوع الذنب من غير قصد. وقال القاري: نزل أي: عن الحق وهو بفتح النون وكسر الضاد من الضلالة وهو ضد الرشاد والهداية أي: نضل عن الحق، وقال القاري: أي: عن الهدى (أو نظلم) بفتح النون وكسر اللام على بناء المعلوم أي: أنفسنا أو أحدًا (أو نظلم) بضم النون وفتح اللام على بناء المجهول أي: من أحد والأفعال الثلاثة من باب ضرب (أو نجهل) بفتح النون على بناء المعروف أي: أمور الدين أو حقوق الله أو حقوق الناس أو في المعاشرة أو في المخالطة مع الأصحاب أو أن نفعل بالناس فعل الجهال من الإيذاء وإيصال الضرر إليهم (أو يجهل علينا) بضم الياء على صيغة المجهول أي: يفعل الناس بنا أفعال الجهال من إيصال الضرر إلينا. قال الطيبي: الزلة السيئة بلا قصد، استعاذ من أن يصدر عنه ذنب بغير قصد أو قصد، ومن أن يظلم الناس في المعاملات أو يؤذيهم في المخالطات. أو يجهل أي: يفعل بالناس فعل الجهال من الإيذاء، قال: ومن خرج من منزله لا بد أن يعاشر الناس ويزاول الأمور فيخاف أن يعدل عن الصراط المستقيم فإما أن يكون في أمر الدين فلا يخلو من أن يضل أو يضل وإما أن يكون في أمر الدنيا فإما بسبب جريان المعاملة معهم بأن يظلم أو يظلم وإما بسبب الاختلاط والمصاحبة فإما أن يجهل أو يجهل عليه فاستعيذ من هذه الأحوال كلها بلفظ سلس وجسر ومتن رشيق وروعي المطابقة المعنوية والمشاكلة اللفظية كقول الشاعر:
ألا لا يجهلن أحد علينا
…
فنجهل فوق جهل الجاهلينا
والقصد من ذلك تعليم الأمة وإلا فهو صلى الله عليه وسلم معصوم من الظلم والجهل (رواه أحمد، والترمذي) في الدعوات، (والنسائي) في الاستعاذة واللفظ لأحمد (ج4: ص306) ، والترمذي وبهذا اللفظ، رواه ابن السني (ص61)، ولفظ النسائي ((كان إذا خرج من بيته قال: بسم الله رب أعوذ بك من أن أزل، أو أضل، أو أظلم أو أظلم، أو أجهل أو يجهل علي)) وهكذا رواه الحاكم (ج1: ص519) ونحوه رواه أحمد (ج4: ص318، 332)، ولابن ماجة كان إذا خرج من منزله قال: اللهم إني أعوذ بك أن أضل، أو أزل، أو أظلم أو أظلم، أو أجهل أو يجهل علي. (وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح) وقال البغوي: حديث صحيح ونقل النووي، والمنذري كلام الترمذي وأقراه وقال الحاكم: حديث صحيح على شرط الشيخين
وفي رواية أبي داود، وابن ماجة:((قالت أُمُّ سَلَمَةَ: مَا خَرَجَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مِنْ بَيْتِي قَطُّ إِلَّا رَفَعَ طَرْفَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ)) .
2467-
(29) وعَنْ أَنَسِ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ فَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ. يُقَالُ لهُ حِينَئِذٍ هُدِيتَ وَكُفِيتَ وَوُقِيتَ فيتَنَحَّى لَهُ الشَّيطان،
ــ
ووافقه الذهبي (وفي رواية أبي داود، وابن ماجة) أي: في الحديث السابق، وأخرجه أبو داود في الأدب، وابن ماجة في الدعاء. واللفظ الآتي لأبي داود. وأما ابن ماجة فقد تقدم سياقه ولا موافقة بين روايتهما إلا في لفظ التوحيد ففي إطلاق المصنف نظر لا يخفى (ما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيتي) لا ينافي هذا رواية من بيته لأن بيت أم سلمة رواية هذا الحديث هو بيته صلى الله عليه وسلم لكونها من أمهات المؤمنين. وظاهر الحديث يدل على المواظبة والمداومة والمعنى أبدًا (قط إلا رفع طرفه) بفتح فسكون أي: بصره (أن أضل) بصيغة المتكلم المعلوم من الضلالة أو بصيغة المتكلم المعلوم من الإضلال (أو أضل) بصيغة المتكلم المجهول من الإضلال أو المعلوم إذا كان الأول من الضلالة ووقع في سنن أبي داود بعد هذا ((أو أزل أو أزل)) وهكذا نقل في جامع الأصول وسقط ذلك من نسخ المشكاة والمصابيح والظاهر أن المصنف تبع في ذلك البغوي وغفل عن هذا السقوط. قال السندي بعد نقل هذه الرواية: الأول فيهما مبني على الفاعل والثاني للمفعول وهو المناسب بقوله بعده: أو أظلم أو أظلم، أو أجهل أو يجهل علي. فإن الأول فيهما مبني للفاعل والثاني للمفعول ويقدر في: أجهل على أحد ليوازن قوله في الثاني علي (أو أظلم) على بناء المعلوم أي أحدًا (أو أظلم) على بناء المجهول أي يظلمني أحد (أو أجهل) على بناء المعلوم ومعناه سبق (أو يجهل علي) على بناء المجهول. والحديث سكت عنه أبو داود، والمنذري. وقال النووي، والبغوي: حديث صحيح.
2467-
قوله: (إذا خرج الرجل) المراد به الجنس (يقال له حينئذ) أي: يناديه ملك يا عبد الله، ولابن حبان ((فيقال له: حسبك)) (هديت) بصيغة المجهول أي: طريق المجهول أي: طريق الحق (وكفيت) بضم الكاف وكسر الفاء على بناء المجهول أي: مهماتك (ووقيت) بضم الواو وكسر القاف من الوقاية أي: حفظت من شر أعدائك. وأشار الطيبي إلى أن في الكلام لفًا ونشرًا مرتبًا حيث قال: هدي بواسطة التبرك باسم الله وكفي مهماته بواسطة التوكل ووقي بواسطة قول لا حول ولا قوة إلا بالله. وهو معنى حسن أي إذا استعان العبد بالله وباسمه المبارك هداه الله وأرشده وأعانه في الأمور الدينية والدنيوية وإذا توكل على الله كفاه الله تعالى فيكون حسبه {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} (65: 3) ومن قال: لا حول ولا قوة إلا بالله وقاه الله من شر الشيطان فلا يسلط عليه (فيتنحى له الشيطان) أي: يبتعد عنه إبليس أو شيطانه الموكل عليه
وَيَقُولُ شَيْطَانٌ آخَرُ كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِيَ وَكُفِيَ وَوُقِيَ؟ . رواه أبو داود، وروى الترمذي إلى قوله:((له الشيطان)) .
2468-
(30) وعَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا وَلَجَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَ الْمَوْلَجِ وَخَيْرَ الْمَخْرَجِ بِسْمِ اللَّهِ وَلَجْنَا
ــ
فيتنحى له الطريق. قاله القاري. وقيل: يتنحى لأجل القائل عن طريق إضلاله متحسرًا (ويقول) أي: للمتنحي (شيطان آخر) أي: مسليًا له، ولابن السني ((فيلاقيه شيطان آخر فيقول له)) (كيف لك برجل) أي: إضلال رجل (قد هدي وكفي ووقي) أي من الشياطين أجمعين ببركة هذه الكلمات فإنك لا تقدر عليه. قال الطيبي: هذه تسلية، أي كيف يتيسر لك الإغواء متلبسًا برجل إلخ. أي أنت معذور في ترك إغوائه والتنحي عنه فقوله لك متعلق بـ ((يتيسر)) وبرجل حال - انتهى. فإن قلت: بم علم الشيطان أنه هدي وكفي ووقي؟ قلت: قال ابن حجر: علم من الأمر العام أن كل من دعا بهذا الدعاء المرغب من حضرته صلى الله عليه وسلم استجيب له. (رواه أبو داود) في الأدب، أي بتمامه وكذا رواه النسائي، وابن حبان، وابن السني (ص62)(وروى الترمذي) في الدعوات (إلى قوله له) في الترمذي عنه (الشيطان) والحديث سكت عنه أبو داود، وقال المنذري: وأخرجه الترمذي والنسائي. وقال الترمذي: حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه - انتهى. قلت: وفي نسخ الترمذي الموجودة عندنا ((حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه)) ويؤيد الأول أنه وقع في الأذكار لفظ ((حسن غريب)) فقط.
2468-
قوله (إذا ولج الرجل)، أي دخل أو أراد أن يدخل وهو من باب ضرب (بيته) قيد واقعي للغلبة (خير المولج) بفتح الميم وكسر اللام كالموعد ويفتح (وخير المخرج) بفتح الميم والراء المهملة بينهما خاء معجمة. قال الطيبي: على ما في الخلاصة المولج بكسر اللام ومن الرواة من فتحها والمراد المصدر أي الولوج والخروج أو الموضع أي خير الموضع الذي يولج فيه ويخرج منه. قال ميرك: المولج بفتح الميم وإسكان الواو وكسر اللام لأن ما كان فاءه واو ساقطة في المستقبل (نحو بعد ويهب ويلد ويزن) فالمفعل منه مكسور العين في الاسم والمصدر جميعًا (أي ولا يفتح مفتوحًا كان يفعل منه أو مكسورًا بعد أن تكون الواو منه ذاهبة إلا أحرفًا جاءت نوادر) ومن فتح ها هنا فإما أنه سها أو قصد مزاوجته للمخرج وإرادة المصدر بهما أتم (وأولى) من إرادة الزمان والمكان لأن المراد الخير الذي يأتي من قبل الولوج والخروج - انتهى. وضبط السيوطي في مرقاة الصعود بضم الميم فيهما وفيه إيماء إلى قوله تعالى تعليمًا له: {وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ} (17: 80) وهو يشمل كل دخول وخروج وإن نزل القرآن في فتح مكة لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب (بسم الله ولجنا) ، أي دخلنا، ووقع في سنن أبي داود بعد هذا
وَعَلَى اللَّهِ رَبِّنَا تَوَكَّلْنَا ثُمَّ لِيُسَلِّمْ عَلَى أَهْلِهِ. رواه أبو داود.
2469-
(31) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا رَفَّأَ الإنسان إذا تزوج
ــ
((وبسم الله خرجنا)) ، وهكذا وقع في الحصن وجامع الأصول والأذكار والمصابيح والظاهر أن السقوط في المشكاة من الناسخ (وعلى الله ربنا) بالجر بدل أو بيان أي وعلى ربنا الذي ربانا بنعمه ومنها نعمة الإيجاد والإمداد وكأن هذه حكمة الإتيان به بعد الاسم الجامع (توكلنا) ، أي اعتمدنا، وقيل: أي فوضنا أمورنا كلها ورضينا بتصرفه كيفما شاء (ثم ليسلم على أهله) ، أي على أهل بيته، أي على سبيل الاستحباب المتأكد (رواه أبو داود) في الأدب وسكت عليه قال النووي في الأذكار بعد ذكر الحديث لم يضعفه أبو داود، أي فهو عنده حسن أو صحيح. وقال المنذري: في إسناده محمد بن إسماعيل بن عياش رواه عن أبيه وهو وأبوه فيهما مقال - انتهى. قلت: قال الحافظ: عابوا على محمد بن إسماعيل أنه حدث عن أبيه بغير سماع، وقد أخرج أبو داود عن محمد بن عوف عنه عن أبيه عدة أحاديث، منها حديث أبي مالك هذا لكن يروونها بأن محمد بن عوف رآها في أصل إسماعيل، أي كتابه وقد وقع ذلك مصرحًا في إسناد هذا الحديث وأما أبوه إسماعيل الحمصي فقال الحافظ: هو صدوق في روايته عن أهل بلده مخلط في غيرهم. قلت وروي هذا الحديث عن ضمضم بن زرعة الحمصي فالحديث لا ينزل عن درجة الحسن.
2469-
قوله (كان إذا رفأ الإنسان) بفتح الراء وتشديد الفاء بعدها همزة وقد تقلب ألفًا أي أراد الدعاء للمتزوج من الترفئة بهمز بمعنى التهنئة وإذا شرطية وقوله (إذا تزوج) ظرفيه محضة، وقوله ((قال بارك الله)) جزاء الشرط، أي إذا هنأه ودعا له حين تزوجه قال بارك الله إلخ. بدل قولهم في تهنئة المتزوج والدعاء له ((بالرفاء والبنين)) وكانت كلمة تقولها أهل الجاهلية فورد النهي عنها كما روى بقي بن مخلد من طريق غالب عن الحسن عن رجل من بني تميم قال: كنا نقول في الجاهلية ((بالرفاء والبنين)) فلما جاء الإسلام علمنا نبينا قال: قولوا ((بارك الله لكم وبارك فيكم وبارك عليكم)) وأخرجه النسائي والطبراني، وابن السني من طريق أخرى عن الحسن عن عقيل بن أبي طالب أنه قدم البصرة فتزوج امرأة فقالوا له ((بالرفاء والبنين)) فقال: لا تقولوا هكذا وقولوا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم بارك لهم وبارك عليهم)) ورجاله ثقات إلا أن الحسن لم يسمع من عقيل فيما يقال. قاله الحافظ في الفتح. قال الزمخشري: معنى الحديث أنه كان يضع الدعاء له بالبركة موضع الترفئة المنهي عنها. والترفئة في الأصل أن يقول للمتزوج: ((بالرفاء والبنين)) والرفاء بكسر الراء والمد الالتئام والاجتماع والتوافق من ((رفأت الثوب)) إذا أصلحته ولأمت خرقه وضممت بعضه إلى بعض، أو السكون والطمأنينة من رفوت الرجل إذا سكنته من الرعب والروع وعلى هذا يكون همزتها غير أصلية والباء متعلقة بمحذوف دل عليه المعنى، أي عرست، ثم استعير للدعاء للمتزوج وإن لم يكن بهذا اللفظ. قال الحافظ: دل حديث أبي هريرة على أن اللفظ كان مشهورًا عندهم غالبًا حتى سمي كل دعاء للمتزوج ترفية واختلف في علة النهي عن ذلك فقيل لأنه لا حمد فيه ولا
قَالَ: بَارَكَ اللَّهُ لَك وَبَارَكَ عَلَيْكُما وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي خَيْرٍ. رواه أحمد، والترمذي، وأبو داود، وابن ماجة.
2470-
(32) وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِذَا تَزَوَّجَ أَحَدُكُمْ امْرَأَةً أَوْ اشْتَرَى خَادِمًا فَلْيَقُلْ
ــ
ثناء ولا ذكر الله. وقيل: لما فيه من الإشارة إلى بغض البنات لتخصيص البنين بالذكر وقيل غير ذلك. (بارك الله لك) قال القاري: أي بالخصوص أي كثر لك الخير في هذا الأمر المحتاج إلى الإمداد، والبركة النماء والزيادة والسعادة (وبارك عليكما) بنزول الخير والرحمة والرزق والبركة في الذرية (وجمع بينكما في خير)، أي في طاعة وصحة وعافية وسلامة وملاءمة وحسن معاشرة وتكثير ذرية صالحة. قيل: قال أولاً بارك الله لك لأنه المدعو له أصالة، أي بارك لك في هذا الأمر ثم ترقى منه ودعا لهما وعداه بعلى بمعنى بارك عليه بالذراري والنسل لأنه المطلوب من التزوج وأخر حسن المعاشرة والمرافقة والاستمتاع تنبيهًا على أن المطلوب الأول هو النسل وهذا تابع، وكذا في المرقاة. قلت: قوله ((وبارك عليكما)) كذا وقع في جميع النسخ من المشكاة، والذي في الترمذي وأبي داود، ((وبارك عليك)) وهكذا وقع عند ابن حبان، وابن السني، والحاكم، وكذا ذكر في المصابيح والأذكار، والمنتقى، وجامع الأصول الصغير، والحصن، وتحفة الذكرين، وفي ابن ماجة ((بارك الله لكم وبارك عليكم وجمع بينكما في خير)) . قال السندي: البركة لكونها نافعة تتعدى باللام ولكونها نازلة من السماء تتعدي بعلى فجاءت في الحديث بالوجهين للتأكيد والتفنن والدعاء محل للتأكيد - انتهى. وروى الشيخان عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعبد الرحمن بن عوف حين أخبره أنه تزوج ((بارك الله لك)) وروي في الصحيح أيضًا أنه صلى الله عليه وسلم قال لجابر حين أخبره أنه تزوج ((بارك الله لك)) والأحاديث في ذلك معروفة وهي تدل على أن الدعاء للمتزوج بالبركة هو المشروع ولا شك أنها لفظة جامعة يدخل فيها كل مقصود من ولد وغيره (رواه أحمد)(ج: ص)(والترمذي، وأبو داود، وابن ماجة) في النكاح وأخرجه أيضًا النسائي في الكبرى، وابن حبان، والحاكم (ج2: ص183) وابن السني (ص194) . قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وسكت عنه أبو داود، ونقل المندري كلام الترمذي وأقره. وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. وأقره الذهبي. وقال النووي في الأذكار: وقد عزاه للأربعة: أسانيده صحيحة.
2470-
قوله (إذا تزوج أحدكم امرأة أو اشترى خادمًا) ، أي جارية كما في رواية الحاكم وكأنه ترك حال العبد مقايسة، وقيل هو على إطلاقه فيكون تأنيث الضمير فيما سيأتي باعتبار النفس أو النسمة، وزاد في رواية ابن ماجة، وابن السني، والحاكم:((أو دابة)) (فليقل) وفي رواية الثلاثة المذكورين: ((فليأخذ بناصيتها)) وهي الشعر الكائن في مقدم الرأس كما في الصحاح والظاهر أن المراد هنا مقدم الرأس سواء كان فيه شعر أم لا. قال القاري: ويمكن أن يراد بها
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَمِنْ شَرِّ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ. وَإِذَا اشْتَرَى بَعِيرًا فَلْيَأْخُذْ بِذِرْوَةِ سَنَامِهِ وَلْيَقُلْ مِثْلَ ذَلِكَ. وفي رواية: فِي الْمَرْأَةِ وَالْخَادِمِ: ((ثُمَّ لِيَأْخُذْ بِنَاصِيَتِهَا وَلْيَدْعُ بِالْبَرَكَةِ)) . رواه أَبُو دَاوُد، وابن ماجة.
2471-
(33) وعن أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَعَوَاتُ الْمَكْرُوبِ: اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو فَلَا تَكِلْنِي
ــ
مطلق الرأس، ثم ليقل (اللهم إني أسالك خيرها) كذا في رواية أبي داود والحاكم، وابن السني أي خير ذاتها ولابن ماجة، وأبي يعلى من خيرها وهو الملائم لما سيأتي من مقابله في قوله: من شرها لكن يفيد التبعيض والمطلوب كل خيرها (وخير ما جبلتها) ، أي خلقتها وطبعتها (عليه) ، أي من الأخلاق البهية والصفات الحميدة، قيل: الأول عام والثاني خاص. وقال الشوكاني: أي ما خلقتها عليه وطبعتها عليه وحببته إليها (وشر ما جبلتها عليه) من الأفعال المردية والأوصاف القبيحة والأخلاق الذميمة (وإذا اشترى بعير فليأخذ بذروة سنامه) بكسر الذال المعجمة، أي بأعلاه، وقيل: إنه يجوز في الذال المحركات الثلاث، وذروة الشيء أعلاه والسنام بفتح السين ما ارتفع من ظهر الجمل (وليقل مثل ذلك) ، أي مثل ما ذكر من الدعاء (وفي رواية في المرأة والخادم) وكذلك في الدابة كما تقدم (ثم ليأخذ بناصيتها وليدع بالبركة)، أي بالدعاء المذكور السابق. قال أبو داود بعد قوله ((بذروة سنامه)) : زاد أبو سعيد يعني سعيد بن عبد الله أحد شيخيه في رواية هذا الحديث ((ثم ليأخذ بناصيتها وليدع بالبركة في المرأة والخادم)) . وفي الحديث مشروعية هذا الدعاء عند التزوج واشتراء الخادم والدابة (رواه أبو داود، وابن ماجة) في النكاح لكن الشرطية الثانية لأبي داود فقط. والحديث رواه أيضًا بتمامه النسائي في الكبرى، والحاكم (ج2: ص185) ، وابن السني (ص193) ، وأبو يعلى، والبيهقي (ج7: ص148) والبخاري في أفعال العباد (ص27) وسكت عنه أبو داود. وصححه الحاكم. ووافقه الذهبي وصححه أيضًا النووي في الأذكار وجود الحافظ العراقي إسناده في تخريج أحاديث الإحياء، وفي الباب عن زيد بن أسلم مرسلاً مرفوعًا أخرجه مالك في الموطأ.
2471-
قوله (وعن أبي بكرة) بفتح الباء وسكون الكاف آخره تاء (دعوات المكروب) أي الواقع في الكرب يعني المغموم المحزون، والكرب ما يدهم المرأ مما يأخذ بنفسه وبغمه ويحزنه، أي الدعوات النافعة له المزيلة لكربه وسماه دعوات لاشتماله على معان جمة، قال في اللمعات جمعها لاشتمال المذكور على معان جمة ودعوات متعددة، لأن قوله:((رحمتك أرجو)) بمعنى ارحمني، ففيه دعوات مع أن قوله:((وأصلح لي شأن كله)) يشتمل على ما لا يعد ولا يحصى - انتهى. وفي رواية الطبراني، وابن السني كلمات المكروب ولابن حبان دعوة المكروب بلفظ الإفراد (اللهم رحمتك أرجو) التقديم للحصر، أي لا أرجو إلا رحمتك (فلا تكلني) بفتح التاء وكسر الكاف من باب ضرب، أي لا تتركني ولا
إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ. رواه أَبُو دَاوُد.
2472-
(34) وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رجل: هُمُومٌ لَزِمَتْنِي وَدُيُونٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَفَلا أُعَلِّمُكَ
ــ
تفوضني، وأصله جعل الغير وكيلاً لإنجاح أموره (إلى نفسي) فإنها أعدى لي من جميع أعدائي وإنها عاجزة لا تقدر على قضاء حوائجي (طرفة عين) بفتح الطاء وسكون الراء أي مقدار إطباق أحد الجفنين على الآخر يعني لا تفوض أمري إلى نفسي لحظة قليلة قدر ما يتحرك البصر. قال الطيبي: الفاء في فلا تكلني مرتب على قوله: رحمتك أرجو. فقدم المفعول ليفيد الاختصاص والرحمة عامة فيلزم تفويض الأمور كلها إلى الله كأنه قيل فإذا فوضت أمري إليك فلا تكلني إلا نفسي لأني لا أدري ما صلاح أمري وما فساده وربما زاولت أمرًا واعتقدت أن فيه صلاح أمري فانقلب فسادًا وبالعكس، ولما فرغ عن خاصة نفسه وأراد أن ينفي تفويض أمره إلى الغير ويثبته لله قال (وأصلح لي شأني) أي أمري (كله) أي جميعه تأكيد لإفادة العموم. وقال الشوكاني: الشأن يطلق على الأمر والحال والخطب وجمعه شئون، والمراد هنا إصلاح حاله وما يحتاج إليه من أمره في حياته وبعد موته (لا إله إلا أنت) قال القاري: هذه فذلكة المقصود لأنها تفيد وحدة المعبود. وقال المناوي: ختمه بهذه الكلمة الحضورية الشهودية إشارة إلى أن الدعاء إنما ينفع المكروب ويزيل كربه إذا كان مع حضور وشهود ومن شهد بالتوحيد والجلال مع جمع الهمة وحضور البال فهو حري بزوال الكرب في الدنيا والرحمة ورفع الدرجات في العقبى (رواه أبو داود) في الأدب في حديث طويل تقدم أوله في الفصل الثالث من باب الدعاء في الصباح والمساء وأخرجه أيضًا أحمد (ج5: ص42) والنسائي في الكبرى والبخاري في الأدب المفرد وابن حبان في صحيحه وابن السني (ص111) وابن أبي شيبة، والطبراني إلا أنه انتهت روايته إلى قوله كله وسكت عنه أبو داود. وقال الهيثمي (ج10: ص137) : رواه الطبراني وإسناده حسن. قلت: في سنده عندهم جعفر بن ميمون وتقدم الكلام فيه في شرح حديث أبي بكرة السابق.
2472-
قوله (هموم) جمع الهم (وديون) عطف على هموم أي وديون لزمتني. قال الطيبي. هموم لزمتني مبتدأ وخبر كما في قولهم ((شر أهر ذا ناب)) أي همومه عظيمة لا يقادر قدرها وديون جمة نهضتني وأثقلتني - انتهى. قلت: الظاهر أن قوله: ((هموم)) إلخ. خبر مبتدأ محذوف يدل عليه أول الحديث وهو أن أبا سعيد قال دخل رسول الله ذات يوم في المسجد فإذا هو برجل من الأنصار يقال له: أبو أمامة فقال: يا أبا أمامة مالي أراك جالسًا في المسجد في غير وقت الصلاة، قال: هموم لزمتني وديون أي سبب جلوسي في المسجد في غير وقت الصلاة هموم وديون لزمتني فالتجأت إلى ربي في بيته فلزمتني صفة لهموم لا خبر له (أفلا أعلمك) عطف على محذوف أي ألا أرشدك فلا أعلمك ولا الثانية
كَلَامًا إِذَا قُلْتَهُ أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّكَ وَقَضَى عَنْكَ دَيْنَكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: قُلْ إِذَا أَصْبَحْتَ وَإِذَا أَمْسَيْتَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْبُخْلِ والْجُبْنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ
ــ
مزيدة للتأكيد وقيل أصله فألا أعلمك ثم قدمت الهمزة لأن لها صدر الكلام وهو أظهر لبعده عن التكلف بل التعسف فإنه لا يبقى للفاء فائدة. كذا في المرقاة (كلامًا) أي دعاء (قال) أي الرجل المذكور وهو أبو أمامة (قلت بلى) هذا صريح في أن الحديث من رواية الرجل أي أبي أمامة وكذا قوله: ((قال: ففعلت ذلك فأذهب الله همي، وقضى عني ديني)) وظاهر سياقه في أوله كما تقدم أنه من حديث أبي سعيد. قال الطيبي: الظاهر أن يقال: قال: قال بلى أي بدل قوله: ((قال: قلت بلى)) لأن أبا سعيد لم يرو عن ذلك الرجل بل شاهد الحال كما دل عليه أول الكلام اللهم إلا أن يأول ويقال تقديره قال أبو سعيد قال لي رجل قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم هموم لزمتني (قل إذا أصبحت وإذا أمسيت) أي دخلت في الصباح والمساء (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن) بضم الحاء وإسكان الزاي وبفتحهما ضد السرور، وقيل: الهم والحزن بمعنى واحد، وقيل: الهم ما يتصور من المكروه الحالي والحزن لما في الماضي، وقيل: الهم فيما يتوقع أي في الخوف من أمرٍ في المستقبل والحزن فيما قد وقع وفات. أي بفوات أمر حصل في الماضي كموت ولد، أو الهم هو الحزن الذي يذيب الجسم، يقال: همني الأمر بمعنى أذابني وسمى به ما يعتري الإنسان من شدائد الغم لأنه يذيبه فهو أشد وأبلغ من الحزن الذي أصله الخشونة، وقال ميرك: الهم الكرب الذي ينشأ عند ذكر ما يتوقع حصوله مما يتأذى به والغم ما يحدث للقلب بسبب ما حصل والحزن ما يحصل لفقد ما يشق على المرأ فقده (وأعوذ بك من العجز) بفتح العين وسكون الجيم وهو ضد القدرة، وأصله التأخر عن الشيء مأخوذ من العجز وهو مؤخر الشيء وللزومه الضعف والقصور عن الإتيان بالشيء استعمل في مقابلة القدرة واشتهر فيها، والمراد هنا فقد القدرة على أداء الطاعة والعبادة ودفع الفساد وتحمل المصيبة والمحنة (والكسل) بفتحتين وهو التثاقل عن الشيء مع وجود القدرة والداعية إليه، وقيل: التواني عن الطاعة والتثاقل عن الأمر المحمود وعدم انبعاث النفس في الخير وقلة الرغبة فيه مع وجود القدرة عليه (وأعوذ بك من البخل والجبن) كذا في جميع النسخ من المشكاة وهكذا وقع في جامع الأصول والذي في سنن أبي داود ((من الجبن والبخل)) وهكذا في المصابيح والجامع الصغير والحصن، والجبن بضم الجيم وسكون الموحدة وبضمها. ضد الشجاعة وهو الخوف عند القتال ومنه عدم الجرأة عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقيل: هو ضعف القلب الناشئ عنه عدم الإقدام على المخاوف، والبخل بضم الباء وكجبل ونجم وعنق ضد الكرم (وأعوذ بك من غلبة الدين) أي استيلائه وكثرته وهي أن يفدحه الدين ويثقله وفي معناه ضلع الدين كما في رواية أي ثقله الذي يميل صاحبه عن الاستواء والضلع بالتحريك الاعوجاج والمراد به ها هنا ثقل الدين وذلك حيث لا يجد من عليه الدين وفاءه ولا يسامح الدائن مع المطالبة الشديدة
وَقَهْرِ الرِّجَالِ. قَالَ: فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَ اللَّهُ هَمِّي وَقَضَى عَنِّي دَيْنِي. رواه أبو داود.
2473-
(35) وعَنْ عَلِيٍّ أَنَّه جَاءَهُ مكاتب فَقَالَ: إِنِّي عَجَزْتُ عَنْ كِتَابَتِي فَأَعِنِّي. قَالَ: أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ عَلَّمَنِيهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِثْلُ جَبَلِ كبيرٍ دَيْنًا
ــ
(قهر الرجال) ، أي غلبتهم كما في رواية وهو شدة تسلطهم بغير حق تغلبًا وجدلاً، وقيل: الإضافة إلى الفاعل أو المفعول فكأنه إشارة إلى التعوذ من أن يكون مظلومًا أو ظالمًا وفيه إيماء إلى العوذ من الجاه المفرط والذل المهين، وقيل غير ذلك. ويأتي مزيد الكلام في معاني القرائن المذكورة في شرح حديث أنس ثاني أحاديث باب الاستعاذة (قال) : أي الرجل وهو أبو أمامة (ففعلت ذلك) ، أي ما ذكر من الدعاء عند الصباح والمساء (فأذهب الله) ببركة هذا الدعاء (همي)، أي وحزني (رواه أبو داود في آخر الصلاة وسكت عنه. وقال المنذري: في إسناده غسان بن عوف وهو بصري وقد ضعف - انتهى. وفي تهذيب الحافظ قال الآجري: سألت أبا داود عن غسان بن عوف الذي يحدث عنه الجريري بحديث الدعاء يعني حديث أبي سعيد هذا فقال شيخ بصري، وهذا حديث غريب، قلت (قائله الحافظ) : ضعفه الساجي والأزدي، وقال العقيلي: لا يتابع على كثير من حديثه - انتهى. وقال في التقريب عنه: لين الحديث.
2473-
قوله: (جاءه مكاتب) ، أي لغيره، والمكاتب بفتح التاء عبد علق سيده عتقه على إعطاءه كذا من المال (إني عجزت عن كتابتي) بكسر الكاف، أي عند بدلها وهو المال الذي كاتب به العبد سيده يعني بلغ وقت أداء مال الكتابة وليس لي مال، واختلف في تعريف الكتابة فقيل: هي تعليق عتق بصفة على معاوضة مخصوصة. وقال ابن قدامة: الكتابة إعتاق السيد عبده على مال في ذمته يؤدي مؤجلاً، وقيل: هي عتق على مال مؤجل من العبد موقوف على أدائه، وقيل: هي تحرير المملوك يدًا (أي: تصرفًا في البيع والشراء ونحوهما) ورقبة مالاً (أي: عند أداء البدل)(فأعني) أي: بالمال أو بالدعاء بسعة المال (قال: ألا أعلمك كلمات علمنيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال الطيبي: طلب المكاتب المال فعلمه الدعاء إما لأنه لم يكن عنده من المال ليعينه فرده أحسن رد عملاً بقوله تعالى: {قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ} (2: 263) أو أرشده إشارة إلى أن الأولى والأصلح له أن يستعين بالله لأدائها ولا يتكل على الغير وينصر هذا الوجه قوله: ((وأغنني بفضلك عمن سواك)) (لو كان عليك مثل جبل كبير دينًا) بفتح الدال والنصب على التمييز. قال الطيبي: قوله: ((دينًا)) يحتمل أن يكون تمييزًا عن اسم كان الذي هو ((مثل)) لما فيه من الإبهام، و ((عليك)) خبره مقدمًا عليه، وأن يكون ((دينًا)) خبر كان و ((عليك)) حالاً من المستتر في الخبر والعامل هو الفعل المقدر في الخبر ومن جوز إعمال كان في الحال فظاهر على مذهبه - انتهى. وقوله ((مثل جبل كبير)) كذا في نسخ المشكاة تبعًا للمصابيح، والذي في جامع الترمذي ((مثل جبل صير ((بكسر الصاد المهملة بعدها ياء تحتية ساكنة ثم راء وهو جبل ببلاد طئ، وهكذا وقع في زيادات المسند لعبد الله