الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(1) باب الإحرام والتلبية
ــ
وحديث أبى هريرة هذا ذكره المنذري في الترغيب (ج2: ص60) وقال: رواه أبو يعلى من رواية محمد بن إسحاق، وبقية رواته ثقات، ونسبه الحافظ أيضاً في المطالب العالية (ج1: ص326) لأبي يعلى وسكت عليه. وقال البوصيري: رواه أبو يعلى بسند ضعيف لتدليس محمد بن إسحاق.
(باب الإحرام والتلبية) قال القاري: حقيقة الإحرام الدخول في الحرمة والمراد الدخول في حرمات مخصوصة أي التزامها، والتزامها شرط الحج شرعًا، غير أنه لا يتحقق ثبوته إلا بالنية والتلبية أو ما يقوم مقامها، فعطف التلبية على الإحرام من باب عطف الخاص على العام، أو مبني على القواعد الشافعية من أن الإحرام هو النية فقط، أو المراد بالتلبية غير المقرونة بالنية منب يان ألفاظها وأحوالها وفضائلها - انتهى. وقال في غنية الناسك (ص32، 33) : الإحرام لغة الدخول في حرمة لا تنتهك من الذمة وغيرها، وشرعًا الدخول في حرمات مخصوصة أي التزامها غير أن التزامها لا يتحقق شرعًا إلا بالنية مع الذكر أو الخصوصية - فتح - قال في النهر: فهما شرطان في تحققه لا جزآن لماهيته كما توهمه في البحر، حيث عرفه بنية النسك من الحج أو العمرة مع الذكر أو الخصوصية - انتهى. والمراد بالذكر التلبية ونحوها، وبالخصوصية ما يقوم مقامها من تقليد البدنة مع السوق، فلو نوى ولم يلب أو لب ولم ينو لا يصير محرمًا، وهل يصير محرمًا بالنية والتلبية أو بأحدهما بشرط الآخر؟ المعتمد ما ذكره الحسام الشهيد أنه بالنية لكن عند التلبية كما يصير شارعًا في الصلاة بالنية لكن بشرط التكبير لا بالتكبير، وعن أبى يوسف أنه يصير بالنية وحدها، وهو أحد قولي الشافعي قياسًا على الصوم بجامع أنهما عبادة كف عن المحظورات، وقياسه على الصلاة أولى لأنه التزام أفعال لا مجرد كف، بل التزام الكف شرط فكان بالصلاة أشبه، فلا بد من ذكر يفتتح به أو بما يقوم مقامه مما هو من خصوصياته - فتح - انتهى. وقال ابن جاسر النجدي في مفيد الأنام: الإحرام أول الأركان، وهو في اللغة الدخول في التحريم، يقال: أشتى إذا دخل في الشتاء، وأربع إذا دخل في الربيع، وأنجد إذا دخل نجدًا، وأتهم إذا دخل تهامة، وأصبح وأمسى إذا دخل في الصباح والمساء، وفي الشرع نية الدخول في النسك وإن لم يتجرد من ثيابه المحظورة على المحرم لا نيته ليحج أو يعتمر سمي الدخول في النسك إحرامًا لأن المحرم بإحرامه حرم على نفسه أشياء كانت مباحة له من النكاح، والطيب، والصيد، وأشياء من اللباس ونحوها، ومنه في الصلاة ((تحريمها التكبير)) - انتهى. وقال ابن قاسم الحنبلي: الإحرام لغة: الدخول في التحريم، لأنه يحرم على نفسه بنيته ما كان مباحًا له قبل الإحرام من النكاح والطيب والتقليم والحلق وأشياء من اللباس ونحو ذلك. وشرعًا: نية الدخول في النسك مع التلبية أو سوق الهدي، لا نية أن يحج أو يعتمر، فإن ذلك لا يسمى إحرامًا، وكذا التجرد وترك سائر المحظورات لكونه محرمًا بدونها. وقال الشيخ (يعني ابن تيمية) لا يكون الرجل محرمًا بمجرد ما في قلبه من قصد الحج ونيته، فإن القصد ما زال في القلب منذ خرج من بلده، بل لابد من قول
..............................................................................................
ــ
أو عمل يصير به محرمًا، هذا هو الصحيح من القولين - انتهى.
وفى تحفة المحتاج بشرح المنهاج لابن حجر الهيتمى المكي: الإحرام يطلق على نية الدخول في النسك، وبهذا الاعتبار أي المعنى يعد ركنًا، وعلى نفس الدخول فيه بالنية لاقتضاءه دخول الحرم، كأنجد إذا دخل نجدًا، وتحريم الأنواع الآتية. وهذا هو الذي يفسده الجماع وتبطله الردة، وهو أي المعنى الثاني المراد هنا. قال الشرواني في حاشيته: قوله: ((يطلق على نية الدخول)) إلخ. أي يطلق شرعًا على الفعل المصدري فيراد به نية الدخول في النسك، إذ معنى ((أحرم به)) نوى الدخول في ذلك، ويطلق على الأثر الحاصل بالمصدر فيراد به نفس الدخول في النسك، أي الحالة الحاصلة المترتبة على النية. قال: وقد يقال: المراد به (أي بالنسك) هنا حالة حرم عليه بها ما كان حلالاً - انتهى. وقال ابن دقيق العيد: الإحرام الدخول في أحد النسكين والتشاغل بأعمالهما، وقد كان شيخنا العلامة أبو محمد بن عبد السلام يستشكل معرفة حقيقة الإحرام جدًا، ويبحث فيه كثيرًا، وإذا قيل: إنه النية اعترض عليه بأن النية شرط في الحج الذي الإحرام ركنه وشرط الشيء غيره، ويعترض على أنه التلبية بأنها ليست بركن، والإحرام ركن هذا أو قريب منه، وكان يحرم على تعيين فعل تتعلق به النية في الابتداء - انتهى. وفى الشرح الكبير للدردير: وركن الحج والعمرة ثلاثة: الأول: الإحرام وهو: نية أحد النسكين مع قول أو فعل متعلقين به كالتلبية والتجرد من المخيط والراجح أنه النية فقط. قال الدسوقي: قوله ((الراجح النية)) أي نية الدخول في حرمات الحج أو العمرة، وأما التلبية والتجرد فكل منهما واجب على حدته يجبر بالدم - انتهى. وقال ابن العربي في عارضة الأحوذى: ينعقد الحج بمجرد النية عندنا وإن لم ينطق به، وقال الشافعي، وأبو حنيفة: لا ينعقد إلا بالنية والتلبية أو سوق الهدي. وقال أبو عبد الله الزبيري من أصحاب الشافعي: لا ينعقد إلا بالنية والتلبية خاصة - انتهى. وفى الهداية: ولا يصير شارعًا في الإحرام بمجرد النية ما لم يأت بالتلبية خلافًا للشافعي لأنه عقد على الأداء فلابد من ذكر، كما في تحريمه الصلاة، ويصير شارعًا بذكر يقصد به التعظيم سوى التلبية فارسية كانت أو عربية، هذا هو المشهور عن أصحابنا، والفرق بينه وبين الصلاة على قولهما أن باب الحج أوسع من باب الصلاة حتى يقام غير الذكر مقام الذكر كتقليد البدن، فكذا غير التلبية وغير العربية. قال ابن الهمام: قوله ((خلفًا للشافعي)) في أحد قوليه، وروي عن أبى يوسف كقوله قياسًا على الصوم، إلى آخر ما قال. وقال ابن رشد: اتفقوا على أن الإحرام لا يكون إلا بنية، واختلفوا هل تجزئ النية فيه من غير التلبية؟ فقال مالك، والشافعي: تجزئ النية من غير التلبية، وقال أبو حنيفة: التلبية في الحج كالتكبيرة في الإحرام بالصلاة، إلا أنه يجزئ عنده كل لفظ يقوم مقام التلبية كما في افتتاح الصلاة عنده - انتهى. وقال ابن قدامة (ج3: ص281) : يستحب للإنسان النطق بما أحرم به ليزول الالتباس، فإن لم ينطق بشيء واقتصر على مجرد النية كفاه في قول إمامنا ومالك، والشافعي. وقال أبو حنيفة: لا ينعقد بمجرد النية حتى تضاف إليها التلبية أو سوق الهدي لما روي من حديث خلاد بن السائب (الآتي في الفصل الثاني) ولأنها عبادة ذات تحريم وتحليل فكان لها نطق واجب كالصلاة....
..............................................................................................
ــ
ولنا أنها عبادة ليس في آخرها نطق واجب فلم يكن في أولها كالصيام. والحديث المراد به الاستحباب فإن منطوقه رفع الصوت، ولا خلاف في أنه غير واجب فما هو من ضرورته أولى، ولو وجب النطق لم يلزم كونه شرطًا، فإن كثيرًا من واجبات الحج غير مشترطة فيه، والصلاة في آخرها نطق واجب بخلاف الحج والعمرة. قال: والتلبية في الإحرام مسنونة لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها وأمر برفع الصوت بها، وأقل أحوال ذلك الاستحباب. ثم ذكر حديث: العج والثج، وحديث سهل ابن سعد الآتي في الفصل الثاني، ثم قال: وليست بواجبة، وبهذا قال الحسن بن حي، والشافعي، وعن أصحاب مالك أنها واجبة يجب بتركها دم، وعن الثوري وأبى حنيفة: أنها من شرط الإحرام لا يصح إلا بها كالتكبير للصلاة، لأن ابن عباس قال في قوله تعالى:{فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ} قال ابن عباس: الإهلال، وعن عطاء، وطاوس، وعكرمة: هو التلبية، ولأن النسك عبادة ذات إحرام وإحلال فكان فيها ذكر واجب كالصلاة، ولنا أنها ذكر فلم تجب في الحج كسائر الأذكار، وفارق الصلاة، فإن النطق يجب في آخرها فوجب في أولها، والحج بخلافه - انتهى. وقال في حدائق الأزهار: وإنما ينعقد (أي الإحرام) بالنية مقارنة لتلبية أو تقليد. قال الشوكاني: أقول: الإحرام هو مصير الشخص من الحالة التي كان يحل له فيها ما يحرم عليه بعدها إلى الحالة التي يحرم عليه بعدها إلى الحالة التي يحرم عليه فيها ما كان يحل له فيها. ولو لم يكن إلا مجرد الكف عن محظورات الإحرام لكان ذلك معنى معقولاً لكل عاقل، كالصوم فإنه ليس إلا الكف عن تناول المفطرات. فمن قال إنه لا يعقل معنى الإحرام وإنه ليس هناك إلا مجرد النية وإن النية لا تنوى وإلا لزم التسلسل، فقد أخطأ خطأ بينًا ومعلوم أن الشريعة المطهرة بعضها أوامر وبعضها نواه، والتعبد في النواهي ليس إلا بالكف فيلزمه أن يطرد هذا التشكيك الركيك في شطر الشريعة. وأما إيجاب النية فقد عرفناك غير مرة أن كل عمل يحتاج إلى النية والعمل يشمل الفعل والترك والقول والفعل، وعرفناك أن ظاهر الأدلة يقتضي أن النية شرط في جميع ما تقدم من العبادات لدلالة أدلتها على أن عدمها يؤثر في العدم، وهذا هو معنى الشرط عند أهل الأصول. وأما كون النية تقارن التلبية فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في دواوين الإسلام من غير وجه أنه أهل ملبيًا. وقد قدمنا لك أن أفعاله وأقواله في الحج محمولة على الوجوب لأنها بيان لمجمل القرآن وامتثال لأمره صلى الله عليه وسلم لأمته أن يأخذوا عنه مناسكهم. فمن ادعى في شيء منها أنه غير واجب فلا يقبل منه ذلك إلا بدليل. وأما كونها تقارن التقليد فلما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في عام الحديبية ((أنه لما كان بذي الحليفة قلد الهدي وأشعره وأحرم بالعمرة)) . وقال في غنية الناسك بعد ذكر صفة التلبية وحكمها وذكر كيفية الإحرام، والحاصل أن التلبية: فرض، وسنة، ومستحب، ومؤكد، ومندوب، فالفرض: مرة واحدة عند الإحرام والزيادة على المرة سنة، وعند تغير الحالات مستحب مؤكد، والإكثار منها من غير تغير مندوب - انتهى. وقال الحافظ في الفتح: في التلبية مذاهب أربعة يمكن توصيلها إلى عشرة الأول: أنها سنة من السنن لا يجب بتركها شيء، وهو قول الشافعي وأحمد، ثانيها: واجبة، ويجب بتركها دم، حكاه الماوردي عن ابن
..............................................................................................
ــ
أبى هريرة من الشافعية وقال: إنه وجد للشافعي نصًا يدل عليه، وحكاه ابن قدامة عن بعض المالكية، والخطابي عن مالك وأبى حنيفة. قلت: وهو مختار أصحاب الفروع من المالكية. قال الدسوقي: والحاصل أن التلبية في ذاتها واجبة وعدم الفصل بينها وبين الإحرام بكثير واجب أيضاً ومقارنتها للإحرام سنة وتجديدها مستحب - انتهى. قال الحافظ: وحكى ابن العربي أنه يجب عندهم بترك تكرارها دم، وهذا قدر زائد على أصل الوجوب. ثالثها: واجبة لكن يقوم مقامها فعل يتعلق بالحج كالتوجه على الطريق، وبهذا صدر ابن شاس من المالكية كلامه في الجواهر له. وحكى صاحب الهداية من الحنفية مثله لكن زاد القول الذي يقوم مقام التلبية من الذكر كما في مذهبهم من أنه لا يجب لفظ معين وقال ابن المنذر: قال أصحاب الرأي: إن كبر أو هلل أو سبح ينوي بذلك الإحرام فهو محرم. رابعها: أنها ركن في الإحرام لا ينعقد بدونها حكاه ابن عبد البر عن الثوري، وأبى حنيفة، وابن حبيب، والزبيري من الشافعية، وأهل الظاهر قالوا: هي نظير تكبيرة الإحرام للصلاة، ويقويه ما تقدم من بحث ابن عبد السلام عن حقيقة الإحرام، وهو قول عطاء. أخرجه سعيد بن منصور بإسناد صحيح عنه. قال: التلبية فرض الحج، وحكاه ابن المنذر عن ابن عمر، وطاوس، وعكرمة، وحكى النووي عن داود أنه لابد من رفع الصوت بها، وهذا قدر زائد على أصل كونها ركنًا - انتهى. وقال ابن رشد: كان مالكًا لا يرى التلبية من أركان الحج، ويرى على تاركها دمًا، وكان غيره يراها من أركانه، وحجة من رآها واجبة أن أفعاله صلى الله عليه وسلم إذا أتت بيانًا لواجب أنها محمولة على الوجوب حتى يدل الدليل على غير ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: خذوا عني مناسككم - انتهى. وقال القاري في شرح النقاية: فرض الحج الإحرام بإجماع الأمة وهو عندنا شرط الأداء لا ركن كما قال الشافعي، ومالك، لأنه يدوم إلى الحلق ولا ينتقل إلى غيره، ويجامع كل ركن في الجملة ولو كان ركنًا لما كان كذلك - انتهى. وقد علم مما ذكرنا من كلام أصحاب الفروع وغيرهم أن ها هنا عدة مسائل: الأولى: أن الإحرام فرض للحج والعمرة وهي مما أجمعوا عليه. والثانية: هل هو شرط أو ركن؟ وهى خلافية، فذهبت الحنفية إلى أنه شرط وقالت المالكية والشافعية والحنابلة: إنه ركن. والثالثة: أنه لابد من النية وهى إجماعية. والرابعة: هل التلبية فرض للإحرام؟ وقد اختلفوا فيه فعند الحنفية: شرط، وعند المالكية: واجب، وعند الشافعية والحنابلة: سنة. وفي تركها أو ترك اتصالها بالإحرام هدي عند القائلين بالوجوب وبالشرطية إذا انعقد الإحرام بدونها من قول أو فعل متعلق به. والخامسة: هل لابد من التلبية خاصة أو يجزئ كل ذكر يقصد به التعظيم سوى التلبية أو ما يقوم مقامه مما هو من خصوصيات الحج والعمرة من تقليد البدنة مع السوق، وهي أيضاً خلافية، كما يدل عليه كلام صاحب الهداية وغيره. والسادسة: أنه إذا نوى بقلبه ما يحرم به من حج أو عمرة أو قران أو نسك من غير تعيين وعزم من قلبه على ذلك فهل يتلفظ بالنية مع ذلك ويقول: نويت الحج أو العمرة لله؟ فقالت الحنفية التلفظ بالنية مع ذلك حسن ليجتمع القلب
..............................................................................................
ــ
واللسان، قال ابن الهمام وغيره من محققي الحنفية: إن التلفظ بالنية مع ذلك إنما يحسن لمن لا يجتمع عزيمة قلبه أما من اجتمعت عزيمته فلا يحسن له في جميع العبادات، بل هو بدعة - انتهى. وفى ((تحفة المحتاج)) من فروع الشافعية: المحرم أي مريد الإحرام ينوي بقلبه وجوبًا، لخبر ((إنما الأعمال بالنيات)) ولسانه ندبًا للإتباع، وعقبهما يلبي ندبًا فيقول:((نويت الحج وأحرمت به لله تعالى، لبيك اللهم)) ، إلخ. قال الشرواني: قوله: ((ينوى بقلبه)) إلخ، أي دخوله في حج أو عمرة أو كليهما، وقوله:((ولسانه ندبًا للإتباع)) إن أراد الإتباع في هذا أيضاً فقد ذكر المحقق ابن الهمام في شرحه على الهداية أنه لم يعلم أن أحدًا من الرواة لنسكه صلى الله عليه وسلم روى أنه سمعه صلى الله عليه وسلم يقول: نويت العمرة ولا الحج - انتهى. وفي شرح مختصر خليل لبهرام: ومما يستحب عند الإحرام ترك التلفظ بما يحرم به، وروى عن مالك كراهة التلفظ بذلك - انتهى. قلت: قد تواترت الروايات المصرحة بأنه صلى الله عليه وسلم أحرم من ذي الحليفة وسمى وعين ما أحرم به من إفراد أو قران أو تمتع، واتفقت على تعيين النسك في التلبية الأولى التي تكون عند عقد الإحرام وإن اختلفت في نوعه، وصرحت أيضاً بأنه صلى الله عليه وسلم لبى عند ذلك كما ورد في الروايات، وقال: خذوا عني مناسككم، فعلينا أن نأخذ عنه من مناسكنا الإحرام والتلبية والتسمية، وهذا القدر هو الذي قام عليه الدليل، أما كون الإحرام شرطًا أو ركنًا وكون التلبية مسنونة أو مستحبة أو واجبة يصح الحج بدونها وتجبر بدم، وكذا كون الذكر الدال على تعظيم الله سوى التلبية مجزئًا والتلفظ بالنية بأن يقول: نويت العمرة، أو: نويت الحج، أو: نويت العمرة والحج، أو: اللهم إني أريد العمرة أو الحج، أو: اللهم إني أهل أو أحرم بكذا، فكل ذلك لم يرد فيه دليل خاص، والخير كله في إتباعه صلى الله عليه وسلم، فعلى كل من وصل إلى ميقاته ممن يريد الحج أو العمرة أن يحرم وينوي بقلبه الدخول في النسك الذي يريده ويعزم عليه بقلبه لقول النبي صلى الله عليه وسلم ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)) ويشرع له التلفظ بما نوى كما نقل، فإن كانت نية العمرة قال: لبيك عمرة، أو: اللهم لبيك عمرة، وإن كانت نية الحج قال: لبيك حجًا، أو: اللهم لبيك حجًا. لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك. ولا يشرع له التلفظ بما نوى إلا في الإحرام خاصة لوروده عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأما الصلاة والطواف والصيام وغير ذلك من العبادات فلا ينبغي له أن يتلفظ بشيء منها بالنية، لأن ذلك لم يثبت، ولو كان التلفظ بالنية مشروعًا لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم وأوضحه للأمة بفعله أو قوله، ولسبق إليه السلف الصالح، هذا والتلبية مصدر لبى أي قال:((لبيك)) قال العيني: هي مصدر من لبى يلبى، وأصله لبب على وزن فعّل لا فعلل فقلبت الباء الثالثة ياء استثقالاً لثلاث باءات ثم قلبت ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها، وما قال صاحب التلويح من أن قولهم: لبى مشتق من لفظ لبيك كما قالوا: حمدل وحوقل، ليس بصحيح، ثم بسط في الرد والتعقب عليه، قال: ومعنى التلبية الإجابة، فإذا قال الرجل لمن دعاه:((لبيك)) فمعناه أجبت لك فيما قلت.