المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌(الفصل الثاني) 2512- (7) عن ابن عباس قال: كان النبي صلى - مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٨

[عبيد الله الرحماني المباركفوري]

الفصل: ‌ ‌(الفصل الثاني) 2512- (7) عن ابن عباس قال: كان النبي صلى

(الفصل الثاني)

2512-

(7) عن ابن عباس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو يقول: رب أعني ولا تعن عليَّ، وانصرني ولا تنصر عليَّ، وامكر لي ولا تمكر عليَّ، واهدني، ويسر الهدى لي، وانصرني على من بغى عليَّ، رب اجعلني لك شاكرًا، لك ذاكرًا، لك راهبًا، لك مطواعًا، إليك مخبتًا

ــ

2512-

قوله (يقول) بدل أو حال (رب أعني) من الإعانة، ((أي على أعدائي في الدين والدنيا من النفس والشيطان والجن والإنس)) (ولا تعن عليّ) ، أي أحدًا منهم (وانصرني ولا تنصر عليّ) أحدًا من خلقك، أي لا تسلطهم عليّ (وامكر لي ولا تمكر عليّ) بضم الكاف فيهما، أي أعني على أعدائي بإيقاع المكر منك عليهم لا عليّ. قال الطيبي: المكر الخداع وهو من الله إيقاع بلائه بأعدائه من حيث لا يشعرون، وقد يكون مكر الله باستدارجه بطول العمر وحسن الصحة وبظاهر النعمة، وقد يكون باستدراج العبد بالطاعات فيتوهم أنها مقبولة، وهي مردودة بما وقع فيها من الرياء والسمعة. والحاصل ألحق مكرك بأعدائي لا بي. وقال ابن الملك: المكر الحيلة والفكر في دفع عدو بحيث لا يشعر به العدو، فالمعنى اللهم اهدني إلى طريق دفع أعدائي عني ولا تهد عدوي إلى طريق دفعه إياي عن نفسه (واهدني) ، أي دلني على الخيرات والمبرآت، (ويسر الهدى لي) ، أي وسهل إتباع الهداية أو طرق الدلالة لي حتى لا أستثقل الطاعة ولا أشتغل عن الطاعة (وانصرني على من بغي علي) ، أي ظلمني وتعدى على (رب اجعلني لك شاكرًا) ، أي لا لغيرك (لك ذاكرًا) ، أي لا لمن سواك (لك راهبًا) ، أي خائفًا منك خاصة في السراء والضراء، فتقديم الجار والمجرور للاهتمام والاختصاص أو لتحقيق مقام الإخلاص، وهذا لفظ أبي داود. ولأحمد، والترمذي، وابن ماجة، وابن حبان، والحاكم، وابن أبي شيبة، والبغوي:((لك ذكارًا، لك شكارًا، لك رهابًا)) ، أي على وزن فعال بصيغة المبالغة في المواضع الثلاثة، أي كثير الذكر لك في الأوقات والآناء، كثير الشكر على النعماء والآلاء، كثير الخوف والرهبة من المعصية ومن الغضب والسخط، أو جامعًا لشكر القلب وشكر العمل وشكر اللسان، وشكر القلب أن تعلم أن كل نعمة عليك فهي من الله وأن تلتذ بكونها من الله وشكر العمل أن تجعل النعمة في محلها كما أمر الله وشكر اللسان التلفظ بحمده بعد هذا والعلم والعمل (لك مطواعًا) بكسر الميم مفعال للمبالغة، أي كثير الطوع وهو الانقياد والطاعة يعني كثير الطاعة لأمرك والانقياد إلى قبول أوامرك ونواهيك، وفي رواية ابن ماجة، وابن أبي شيبة:((مطيعًا)) من الإطاعة، أي منقادًا (لك مخبتًا) من الإخبات وهو الخشوع والتواضع والخضوع، أي اجعلني لك خاشعًا خاضعًا متواضعًا، قال في القاموس: أخبت: خشع. وقيل: من الخبت بفتح فسكون وهو المطئن من الأرض، يقال أخبت الرجل قصد الخبت أو نزله نحو أسهل، ثم استعمل الخبت استعمال اللين والتواضع، قال الله تعالى:{وَأَخْبَتُواْ إِلَى رَبِّهِمْ} (11: 23) ، أي اطمأنوا وسكنت نفوسهم إلى أمره فالمخبت هو

ص: 252

إليك أواهًا منيبًا، رب تقبل توبتي، واغسل حوبتي، وأجب دعوتي، وثبت حجتي، وسدد لساني، واهد قلبي، واسلل سخيمة صدري. رواه الترمذي، وأبو داود، وابن ماجة.

ــ

المتواضع الذي اطمأن قلبه إلى ذكر ربه وأقيم اللام مقام ((إلى)) لتفيد الاختصاص قال تعالى: {وبشر المخبتين الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} الآية (22: 35) وفي رواية البغوي: ((إليك مخبتًا)) (إليك) وللبغوي: ((لك)) مكان ((إليك)) (أوّاهًا) بتشديد الواو أي أكثر التأوه من الذنوب وهو التضرع ، وقيل: كثير الدعاء، وقيل: كثير البكاء. وقال القاري: أي متضرعًا فعال للمبالغة من أوه تأويهًا وتأوه تأوهًا إذا قال: أوه أي قائلاً لفظ أوه وهو صوت الحزين أي: اجعلني حزنيًا ومتفجعًا على التفريط أو هو قول النادم من معصيته المقصر في طاعته، وقيل: الأواه البكاء (منيبًا) من الإنابة، أي راجعًا إليك في أموري كلها، وقيل التوبة رجوع من المعصية إلى الطاعة والإنابة من الغفلة إلى الذكر والفكرة والأوبة من الغيبة إلى الحضور والمشاهدة. قال الطيبي: وإنما اكتفى في قوله: ((أواهًا منيبًا)) بصلة واحدة لكون الإنابة لازمة للتأوه ورديفًا له فكأنه شيء واحد ومنه قوله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ} (11: 75)(رب تقبل توبتي) بجعلها صحيحة بشرائطها واستجماع آدابها فإنها لا تتخلف عن حيز القبول قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} (42: 25)(واغسل حوبتي) بفتح الحاء وتضم، أي امح ذنبي وأزل خطيئتي وإثمي. قيل: هي مصدر حبت بكذا، أي أثمت، تحوب حوبة وحوبًا وحبابة والجواب بالضم، والحاب الإثم سمي بذلك لكونه مزجورًا عنه إذ الحوب في الأصل لزجر الإبل وذكر المصدر دون الإثم وهو الحوب لأن الاستبراء من فعل الذنب أبلغ منه من نفس الذنب كذا قيل، ويمكن أن يكون مراعاة للسجع، ثم ذكر الغسل ليفيد إزالته بالكلية بحيث لا يبقى منه أثر، والتنزة والتفصي عنه عن القذر الذي يستنكف عن مجاورته (وأجب دعوتي) ، أي دعائي (وثبت حجتي)، أي على أعدائك في الدنيا والعقبى أو ثبت قولي وتصديق في الدنيا وعن جواب الملكين في القبر وقيل: أي قو إيماني بك وثبتني على الصواب عند السؤال (وسدد لساني) ، أي صوبه وقومه حتى لا ينطق إلا بالصدق ولا يتكلم إلا بالحق (واهد قلبي)، أي إلى الصراط المستقيم وقيل: أي إلى معرفة ربي، وقيل: أي إلى درك الحقائق الشرعية (واسلل) بضم اللام الأولى، أي أخرج وأنزع من سل السيف إذا أخرجه من الغمد (سخيمة صدري) ، بضم المهملة وكسر المعجمة، أي غشه وغله وحقده. قيل: السخيمة الضغينة من السخمة وهو السواد ومنه سخام القدر وإنما أضاف السخيمة إلى المصدر إضافة الشيء إلى محله والمعنى أخرج من صدري وانزع عنه ما ينشأ منه ويسكن فيه ويستولى عليه من مساوي الأخلاق وفي رواية ابن حبان، والبغوي ((قلبي)) بدل ((صدري)) . (رواه الترمذي) في الدعوات، (وأبو داود) في أواخر الصلاة، (وابن ماجة) في الدعاء، وأخرجه أيضًا أحمد (ج1: ص227) ، والبخاري في الأدب المفرد (ج2: ص118، 119) ، والنسائي في اليوم والليلة، وابن حبان في صحيحه، والحاكم (ج1: ص520) ، وابن أبي شيبة، والبغوي (ج5: ص175، 176) وقال

ص: 253

2513-

(8) وعن أبي بكر قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر ثم بكى، فقال: سلوا الله العفو والعافية، فإن أحدًا لم يعط بعد اليقين خيرًا من العافية.

ــ

الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. كت عنه أبو داود، ونقل المنذري كلام الترمذي وأقره. وقال الحاكم: حديث صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.

2513-

قوله: (ثم بكى) وفي رواية ابن حبان ((فخنقته العبرة ثلاث مرات)) قيل إنما بكى لأنه علم وقوع أمته في الفتن وغلبة الشهوة والحرص على جمع المال وتحصيل الجاه فأمرهم بطلب العفو والعافية ليعصمهم من الفتن (سلوا الله العفو) أي: عن الذنوب، قال في النهاية العفو معناه التجاوز عن الذنب، وترك العقاب عليه وأصله المحو والطمس (والعافية) زاد في رواية لأحمد، والحاكم، والبغوي:((واليقين في الأولى والآخرة)) قيل العافية هي السلامة في الدين من الفتنة وفي البدن من الأسقام والمحنة، قال في الصحاح: عافاه الله وأعفاه بمعنى واحد والاسم العافية وهي دفاع الله تعالى عن العبد، وتوضع موضع المصدر فيقال: عافاه عافية فقوله: دفاع الله عن العبد يفيد أن العافية تشمل جميع ما يدفعه الله عن العبد من البلايا كائنة ما كانت. وقال في النهاية: العافية أن تسلم من الأسقام والبلايا وهذا يفيد العموم كما أفاده كلام صاحب الصحاح، وقال في القاموس: والعافية دفاع الله عن العبد، عافاه الله من المكروه معافاة وعافية وهب له العافية من العلل كأعفاه - انتهى. وهكذا كلام سائر أئمة اللغة، وبهذا علم أن العافية هي دفاع الله عن العبد، وهذا الدفاع المضاف إلى الإسم الشريف يشمل كل نوع من أنواع البلايا والمحن فكل ما دفعه الله عن العبد منها فهو عافية، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:(فإن أحدًا لم يعط بعد اليقين) أي: الإيمان، وفي رواية لأحمد، وابن حبان ((بعد كلمة الإخلاص)) (خيرًا من العافية) قال الطيبي: وهي السلامة من الآفات فيندرج فيها العفو - انتهى. يعني ولعموم معنى العافية الشاملة للعفو اكتفى بذكرها عنه والتنصيص عليه سابقًا للإيماء إلى أنه أهم أنواعها قال الشوكاني: أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يسأل الإنسان ربه أن يرزقه العفو الذي هو العمدة في الفوز بدار المعاد وبأن يرزقه العافية التي هي العمدة في صلاح أمور الدنيا والسلامة من شرورها ومحنها فكان هذا الدعاء من الكلم الجوامع والفوائد النوافع فعلى العبد أن يكثر من الدعاء بالعافية وقد أغنى عن التطويل في ذكر فوائدها ومنافعها ما ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث فإنها إذا كانت بحيث أنه لم يعط أحد بعد اليقين خيرًا منها فقد فاقت كل الخصال وارتفعت درجتها كل خير وقد ورد في حديث العباس عند أحمد، والبخاري في الأدب المفرد، والترمذي، والطبراني ما يدل على أن العافية تشمل أمور الدنيا والآخرة وهو الظاهر من كلام أهل اللغة لأن قولهم دفاع الله عن العبد غير مقيد بدفاعه عنه لأمور الدنيا فقط بل يعم كل دفاع يتعلق بالدنيا والآخرة، قال: وفي أمره صلى الله عليه وسلم للعباس بالدعاء بالعافية بعد تكرير العباس سؤاله بأن يعلمه شيئًا يسأل الله به دليل جلي بأن الدعاء بالعافية لا يساويه شيء

ص: 254

رواه الترمذي، وابن ماجة. وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب إسنادًا.

2514-

(9) وعن أنس أن رحلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! أي الدعاء أفضل؟ قال: سل ربك العافية والمعافاة في الدنيا والآخرة، ثم أتاه في اليوم الثاني فقال: يا رسول الله! أي الدعاء أفضل؟ فقال له مثل ذلك، ثم أتاه في اليوم الثالث فقال له مثل ذلك. قال: فإذا أعطيت العافية والمعافاة في الدنيا والآخرة

ــ

من الأدعية، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل عمه العباس منزلة أبيه ويرى له من الحق ما يراه الولد لوالده ففي تخصيصه بهذا الدعاء وقصروه على مجرد الدعاء بالعافية تحريك لهمم الراغبين على ملازمته، وأن يجعلوه من أعظم ما يتوسلون به إلى ربهم ويستدفعون به في كل ما يهمهم ثم كلمه صلى الله عليه وسلم بقوله:((سل الله العافية في الدنيا والآخرة)) فكأن الدعاء من هذه الحيثية قد صار لدفع كل ضر وجلب كل خير (رواه الترمذي، وابن ماجة) في الدعاء، وأخرجه أيضًا أحمد (ج1: ص3، 4، 5، 7، 8، 9، 10) ، والبخاري في الأدب المفرد (ج2: ص186) ، والنسائي، وابن حبان، والحاكم (ج1: ص529) ، والبغوي (ج5: ص178) ، وأبو بكر المروزي في مسند أبي بكر الصديق (وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب إسنادًا تمييز عن الثاني فإن الغرابة قد تكون في المتن وأخرى في الإسناد كما هو مقرر في موضعه، وأما الحسن فلا يكون إلا باعتبار إسناده، فليس فيه إبهام ليحتاج إلى رفعه بالتمييز قاله القاري. قلت: الذي في الترمذي هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه عن أبي بكر - انتهى. وهذا واضح، وكأن ما في المشكاة نقل بالمعنى. وقال البغوي بعد روايته: هذا حديث غريب. والحديث رواه النسائي من طرق وعن جماعة من الصحابة. قال المنذري: وأحد أسانيده صحيح. وقال الحاكم: حديث صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.

2514-

قوله: (سل ربك العافية والمعافاة) يعني أن الدعاء بالعافية أفضل من غيره من الأدعية لاشتماله على جلب كل نفع ودفع كل ضر، وقد تقدم كلام وصاحب القاموس: في بيان العافية والمعافاة، وقال الجزري في النهاية: العافية أن تسلم من الأسقام والبلايا وهي الصحة وضد المرض والمعافاة هي أن يعافيك الله من الناس ويعافيهم منك أي: يغنيك عنهم، ويغنيهم عنك ويصرف أذاهم عنك وأذاك عنهم. وقيل: هي مفاعلة من العفو وهو أن يعفو عن الناس ويعفو لهم عنه - انتهى. وقال في اللمعات: أراد بالعافية السلامة عن جميع الآفات الظاهرة والباطنة ويدخل فيه الإيمان ولذلك سمي هذا الدعاء أفضل، والمعافاة مفاعلة من العافية فالمعنى أن يعافيك الله عن الناس، يصرف عنك أذاهم وأذاك عنهم، وقيل: مفاعلة من العفو يعني عفوك عنهم وعفوهم عنك والمآل واحد (فقال له مثل ذلك)

ص: 255

فقد أفلحت. رواه الترمذي، وابن ماجة، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب إسنادًا.

2515-

(10) وعن عبد الله بن يزيد الخطمي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في دعائه: اللهم ارزقني حبك وحب من ينفعني حبه عندك، اللهم ما رزقتني مما أحب فاجعله قوة لي فيما تحب. اللهم ما زويت عني

ــ

أي: مثل ذلك القول فنصبه على المصدرية (فقد أفلحت) أي: فزت بمرادك وظفرت بمقصودك له بذلك عظم ذلك الدعاء وعموم بركته لمصالح الدنيا والآخرة، وفي الحديث التصريح بأن الدعاء بالعفاية أفضل الدعاء ولاسيما بعد تكريره للسائل في ثلاثة أيام حين أن يأتيه للسؤال عن أفضل الدعاء فأفاد هذا أن الدعاء بالعافية أفضل من غيره من الأدعية، ثم في قوله:((فإذا أعطيت العافية)) إلخ. دليل ظاهر واضح بأن الدعاء بالعافية يشمل أمور الدنيا والآخرة لأنه قال هذه المقالة بعد أن قاله له: سل ربك العافية ثلاث مرات فكان ذلك كالبيان لعموم بركة هذه الدعوة بالعافية لمصالح الدنيا والآخرة ثم رتب على ذلك الفلاح الذي هو المقصد الأسنى والمطلب الأكبر (رواه الترمذي، وابن ماجة) في الدعاء، وأخرجه أيضًا أحمد (ج: ص) ، والبخاري في الأدب المفرد (ج2: ص93) ، وابن أبي الدنيا كلهم من طريق سلمة بن وردان عن أنس وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه إنما نعرفه من حديث سلمة بن وردان - انتهى. قلت: سلمة هذا ضعيف، والظاهر أن الترمذي حسنه لشواهده.

2515-

قوله: (وعن عبد الله بن يزيد) بمثناتين تحتيتين من الزيادة، ابن زيد بن حصين الأنصاري الأوسي (الخطمي) بفتح المعجمة وسكون المهملة نسبة إلى خطمة بن جشم بن مالك بن الأوس، كان من أفاضل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال ابن الأثير: يكنى أبا موسى وهو كوفي وله بها دار، شهد الحديبية وهو ابن سبع عشرة سنة وشهد ما بعدها، واستعمله عبد الله بن الزبير على الكوفة، وكان الشعبي كاتبه لما كان أميرًا على الكوفة وشهد مع علي بن أبي طالب الجمل وصفين والنهروان. قال الدارقطني: له ولأبيه صحبة، شهد بيعة الرضوان وهو صغير، وشهد أبوه أحدًا وما بعدها وهلك قبل فتح مكة (اللهم ارزقني حبك) أي: لأنه لا سعادة للقلب ولا لذة ولا نعيم ولا صلاح إلا بأن يكون الله أحب إليه مما سواه، فقوله ((حبك)) ، فيه إضافة المصدر إلى مفعولة (وحب من ينفعني حبه عندك) كالملائكة والأنبياء والأصفياء والأتقياء، والظرف متعلق بينفعني (اللهم ما رزقتني مما أحب) ، أي الذي أعطيتني من الأشياء التي أحبها منصحة البدن وقوته وأمتعة الدنيا من المال والجاه والأولاد والفراغ وسائر النعم (فاجعله قوة) ، أي عدة (لي فيما تحب) بأن أصرفه فيما تحبه وترضاه من الطاعة والعبادة (اللهم ما زويت عني) في الترمذي ((اللهم وما زويت عني)) بزيادة الواو وهكذا نقله في جامع الأصول والجامع الصغير وجمع الفوائد والحصن، أي ما صرفت ونحيت من الزى بمعنى القبض

ص: 256

مما أحب فاجعله فراغًا لي فيما تحب. رواه الترمذي.

2516-

(11) وعن ابن عمر قال: قلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم من مجلس حتى يدعو بهؤلاء الدعوات لأصحابه: اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك،

ــ

والجمع، يقال: زوى فلان المال عن وارثه زيًا، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: اللهم ازو لنا الأرض وهون علينا السفر، أي اطوها كما في رواية أخرى، أي وما قبضته ونحيته وصرفته عنى بأن منعتني ولم تعطني (مما أحب) أي: مما أشتهيه من المال والجاه والأولاد وأمثال ذلك (فاجعله فراغًا لي) أي: سبب فراغ خاطري (فيما تحب) أي: من الذكر والفكر والطاعة والعبادة، قال القاضي: يعني ما صرفت عني من محابي فنحه عن قلبي واجعله سببًا لفراغي لطاعتك ولا تشغل به قلبي فيشغل عن عبادتك. وقال الطيبي: أي: اجعل ما نحيته عني من محابي عونًا على شغلي بمحابك وذلك أن الفراغ خلاف الشغل فإذا زوى عنه الدنيا ليتفرغ لمحاب ربه كان ذلك الفراغ عونًا له على الاشتغال بطاعة الله ذكره القاري (رواه الترمذي) في الدعوات وقال: هذا حديث حسن غريب، قال ابن القطان: ولم يصححه لأن رواته ثقات إلا سفيان بن وكيع فمتهم بالكذب وترك الرازيان حديثه بعد ما كتباه. وقيل لأبي زرعة أكان يكذب؟ قال: نعم. كذا في فيض القدير (ج2: ص102) قلت: سفيان هذا من شيوخ الترمذي، قال الحافظ عنه: كان صدوقًا إلا أنه ابتلي بوراقه فأدخل عليه ما ليس من حديثه فنصح فلم يقبل فسقط حديثه.

2516-

قوله: (قلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، اتصلت ها هنا حرف ما الكافة الزائدة بقل فكفته عن عمل الرفع كما في قول الشاعر:

قلما يبرح اللبيب إلى ما

يورث المجد داعيًا أو مجيبًا

قال شيخنا: قد تتصل ما بقل فيقال: قلما جئت وتكون ما كافة عن عمل الرفع فلا اقتضاء للفاعل وتستعمل قلما لمعنيين أحدهما النفي الصرف والثاني إثبات الشيء القليل (يقوم من مجلس حتى يدعو بهؤلاء الدعوات لأصحابه) وبعض نسخ الترمذي بهذه الكلمات، وفي رواية ابن السني ((كان ابن عمر إذا جلس مجلسًا لم يقم حتى يدعو لجلسائه بهذه الكلمات)) وزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو بهن لجلسائه (اللهم اقسم لنا) ، أي اجعل لنا قسمًا ونصيبًا (من خشيتك) ، أي من خوفك، والخشية الخوف أو خوف مقترن بالتعظيم (ما تحول به) من حال يحول حيلولة، أي مقدار تحجب أنت بسببه (بيننا وبين معاصيك) فإنه لا أمنع لها من خشية الله تعالى. وقيل: لأن القلب إذا امتلأ من الخوف أحجمت الأعضاء جميعها من ارتكاب المعاصي وبقدر قله الخوف يكون الهجوم على المعاصي فإذا قل الخوف جدًا واستولت الغفلة كان ذلك من علامة الشقاء، ومن ثم قالوا: المعاصي بريد الكفر كما أن القبلة بريد الجماع والغناء بريد الزنا والنظر بريد العشق والمرض بريد الموت وللمعاصي من الآثار القبيحة المذمومة المضرة بالعقل والبدن والدنيا

ص: 257

ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصيبات الدنيا، ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا،

ــ

والآخرة ما ل يحصيه إلا الله وقوله: ((ما تحول به)) ، كذا وقع في أكثر نسخ المشكاة، وهكذا في المصابيح، وشرح السنة، وابن السني، وعدة الحصن، ووقع في بعض نسخ المشكاة: ما يحول بالتحية، أي بالتذكير على أن الضمير لما وترك به وهكذا وقع في الترمذي، أي اجعل لنا من خوفك قسما ونصيبًا يحجب ويمنع هو بيننا وبينها واختلفت نسخ الحصن في ذلك (ومن طاعتك) ، بإعطاء القدرة عليها والتوفيق لها (ما تبلغنا) بتشديد اللام المكسورة، أي توصلنا أنت (به جنتك) ، أي مع شمولنا برحمتك، وليست الطاعة وحدها مبلغة (ومن اليقين) ، أي بك وبأنه لا راد لقضائك وبأنه لا يصيبنا إلا ما كتبت لنا وبأن ما أخطأنا لم يكن ليصيبنا وما أصابنا لم يكن ليخطئنا وبأن ما قدرته لا يخلو عن حكمه ومصلحة واستجلاب منفعة ومثوبة (ما تهون به) ، من التهوين أي تسهل به أنت بذلك اليقين (مصيبات الدنيا) ، وفي رواية الحاكم، وابن السني ((مصائب الدنيا)) ، أي من المرض والغم والجراحة وتلف المال والأولاد فإن من علم يقينًا أن ما يصيبه من المصيبات في الدنيا يعطيه الله عوضه في الآخرة الثواب ويكفر السيئات ويرفع الدرجات لا يغتم بما أصابه ولا يحزن بما نابه بل يفرح بذلك غاية حرصه على تحصيل الثواب (ومتعنا) ، أي التمتيع، أي اجعلنا متمتعين منتفعين (بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا) ، أي بأن نستعملها في طاعتك، وقال ابن الملك: التمتيع بالسمع والبصر إبقاءهما صحيحين إلى الموت (ما أحييتنا) ، أي مدة حياتنا، قال الطيبي: وإنما خص السمع والبصر بالتمتيع من الحواس لأن الدلائل الموصلة إلى معرفة الله وتوحيده إنما تحصل من طريقهما لأن البراهين إنما تكون مأخوذة من الآيات المنزلة وذلك بطريق السمع أو من الآيات المنصوبة في الآفاق والأنفس وذلك بطريق البصر فسأل التمتيع بهما حذرًا من الانخراط في سلك الذين ختم لله عَلَى قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة، ولما حصلت المعرفة بالأولين يترتب عليها العبادة فسأل القوة ليتمكن بها من عبادة ربه - انتهى. والمراد بالقوة قوة سائر الأعضاء والحواس أو جميعها فيكون تعميمًا بعد تخصيص (واجعله) ، أي كل واحد منها أو أي المذكور من الأسماع والأبصار والقوة، فالضمير راجع لما سبق من الأسماع والأبصار والقوة وإفراده وتذكيره على تأيلها بالمذكور، أي اجعل ما متعتنا به (الوارث) ، أي الباقي (منا)، أي بأن يبقى إلى الموت. قال البغوي: قوله ((واجعله الوارث منا)) ، أي أبقه معي حتى أموت. قيل: أراد بالسمع وعي ما يسمع والعمل به وبالبصر الاعتبار بما يرى، وقيل: يجوز أن يكون أراد بقاء السمع والبصر بعد الكبر وانحلال القوى فيكون السمع والبصر وارثي سائر القوى والباقيين بعدها ورد الهاء إلى الإمتاع فلذلك وحده فقال ((واجعله الوارث منا)) - انتهى. وقال في اللمعات: الضمير في قوله اجعله للمصدر المحذوف الذي هو الجعل أي اجعل الجعل وهو المفعول المطلق وعلى هذا الوارث مفعول أول ومنا في محل المفعول الثاني أي اجعل الوارث من نسلنا لا كلالة خارجة منا، والكلالة قرابة ليست من جهة

ص: 258

واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا. رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن غريب.

ــ

الولادة وهذا الوجه قد ذكره بعض النحاة في قولهم: أن المفعول قد يضمر ولكن لا يتبادر إلى الفهم من الفظ ولا ينساق الذهن إليه كما لا يخفى. وقيل: أن الضمير فيه للمتمتع الذي هو مدلول متعنا والمعنى اجعل تمتعنا بها باقيًا مأثورًا فيمن بعدنا لأن وارث المرأ لا يكون إلا الذي يبقى بعده وهو المفعول الأول والوارث مفعول ثان و ((منا)) صلته، وهذا المعنى يشبه سؤال خليل الرحمن على نبينا وعليه الصلاة والسلام {وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ} (26: 84) وقيل: معنى وراثنه دوامه إلى يوم الحاجة إليه يعني يوم القيامة والأول أوجه لأن الوارث إنما يكون باقيًا في الدنيا. وقيل: إن الضمير للأسماع والأبصار والقوة بتأويل المذكور ومثل هذا شائع في العبارات لا كثير تكلف فيها، وإنما التكليف فيما قيل: أن الضمير راجع إلى أحد المذكورات، ويدل ذلك على وجود الحكم في الباقي لأن كل شيئين تقاربا في معنييهما فإن الدلالة على أحدهما دلالة على الآخر والمعنى بوراثتها لزومها إلى موته لأن الوارث يلزم إلى موته - انتهى. (واجعل ثأرنا) بالهمزة بعد المثلثة المفتوحة، أي إدراك ثأرنا (على من ظلمنا) ، أي مقصورًا عليه ولا تجعلنا ممن تعدى في طلب ثأره فأخذ به غير الجاني كما كان معهودًا في الجاهلية فنرجع ظالمين بعد أن كنا مظلومين. وأصل الثأر الحقد والغضب ثم غلب استعماله في طلب الدم من القاتل يقال ثأرت القتيل وبالقتيل، أي قتلت قاتله (وانصرنا على من عادانا) ، أي ظفرنا عليه وانتقم منه، (ولا تجعل مصيبتنا في ديننا) ، أي لا تصبنا بما ينقص ديننا من اعتقاد السوء وأكل الحرام والفترة في العبادة وغيرها (ولا تجعل الدنيا أكبر همنا) ، ((الهم)) القصد والحزن، أي لا تجعل طلب المال والجاه أكبر قصدنا أو حزننا أو لا تجعل أكبر قصدنا أو حزننا لأجل الدنيا بل اجعل أكبر قصدنا أو حزننا مصروفًا في عمل الآخرة، وفيه أن قليلاً من الهم فيما لابد منه في أمر المعاش مرخص فيه بل مستحب بل واجب (ولا مبلغ علمنا) ، أي غاية علمنا، أي لا تجعلنا بحيث لا نعلم ولا نتفكر إلا في أمور الدنيا بل اجعلنا متفكرين في أحوال الآخرة متفحصين عن العلوم التي تتعلق بالله تعالى وبالدار الآخرة والمبلغ بفتح الميم واللام بينهما موحدة ساكنة. الغاية التي يبلغه الماشي والمحاسب فيقف عنده (ولا تسلط علينا من لا يرحمنا) أي: لا تجعلنا مغلوبين للكفار والظلمة أو لا تجعل الظالمين علينا حاكمين فإن الظالم لا يرحم الرعية. وقيل: المراد ملائكة العذاب في القبر وفي النار ولا مانع من إرادة معنى الجمع هذا وقد أطال الشوكاني في شرح هذا الدعاء وأطاب في بيان فوائده في تحفة الذاكرين (ص300، 301) فارجع إليه (رواه الترمذي) في الدعوات، وأخرجه أيضًا النسائي، وابن السني (ص143)، والحاكم (ج1: ص528) ، والبغوي (ج5: ص171) (وقال: هذا حديث حسن غريب) . وقال الحاكم: صحيح على شرط البخاري

ص: 259

2517-

(12) وعن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم انفعني بما علمتني وعلمني ما ينفعني، وزدني علمًا. الحمد لله على كل حال، وأعوذ بالله من حال أهل النار. رواه الترمذي، وابن ماجة، وقال الترمذي: هذا حديث غريب إسنادًا.

ــ

وأقره الذهبي، وفي إسناده عبيد الله بن زحر وقد ضعفوه بما يقتضي أن لا يكون حديثه صحيحًا، بل غاية رتبة هذا الحديث أن يكون حسنًا كما قال الترمذي. فقد قال أبو زرعة: أنه صدوق. وقال النسائي: لا بأس به. قال في المنار: فالحديث لأجله حسن لا صحيح.

2517-

قوله: (اللهم انفعني بما علمتني) أي: في الأزمنة السابقة يعني بالعمل بمقتضاه خالصًا لوجهك (وعلمني) أي: فيما بعد (ما ينفعني) أي: علمًا ينفعني، فيه أنه لا يطلب من العلم إلا النافع والنافع ما يتعلق بأمر الدين والدنيا فيما يعود فيها على نفع الدين وإلا فما عدا هذا العلم فإنه ممن قال الله فيه:{وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ} (2: 102) أي: بأمر الدين فإنه نفى العلم عن علم السحر لعدم نفعه في الآخرة بل لأنه ضار فيها وقد ينفعهم في الدنيا لكنه لم يعد نفعًا (وزدني علمًا) مضافًا إلى ما علمتنيه. وقال السندي: أي: نافعًا بقرينة السياق أو هو مبني على تنزيل غير النافع بمنزلة الجهل. قال الطيبي: طلب أولاً النفع بما رزق من العلم وهو العمل بمقتضاه ثم توخى علمًا زائدًا عليه ليترقى منه إلى عمل زائد على ذلك، وفيه إشارة إلى أن من عمل بما علم ورثه الله علمًا لا يعلم، ثم قال:((رب زدني علمًا)) يشير إلى طلب الزيادة في السير والسلوك إلى أن يوصله إلى مخدع الوصال فظهر من هذا أن العلم وسيلة إلى العمل وهما متلازمان. ومن ثم قيل: ما أمر الله ورسوله بطلب الزيادة في شيء إلا في العلم بقوله تعالى: {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً} (20: 114) وهذا من جامع الدعاء الذي لا مطمع وراءه (الحمد لله على كل حال) من أحوال السراء والضراء فيحمده تعالى لكونه لم ينزل به أشد من هذا البلاء الذي نزل به وكم يترتب على الضراء من عواقب حميدة ومواهب كريمة يستحق الحمد عليها: {وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} (2: 216) قال في الحكم: من ظن انفكاك لطفه عن قدره فذاك لقصور نظره. وقال الغزالي: لا شدة إلا وفي جنبها نعم لله فليلزم الحمد والشكر على تلك النعم المقترنة بها. وقوله: ((الحمد لله)) إلخ كذا وقع في الترمذي بغير عطف ووقع عند ابن ماجة، والحمد لله أي بزيادة الواو. قال السندي: قوله: ((والحمد لله على كل حال)) أي: زيادة العلم وقيل: أن يزداد وظاهر العطف يقتضي أن الجملة إنشائية فلذلك عطفت على إنشائية (وأعوذ بالله من حال أهل النار) من الكفر والفسوق في الدنيا والعذاب والعقاب في العقبى. (رواه الترمذي) في الدعوات، (وابن ماجة) في السنة، والدعاء، وأخرجه أيضًا البغوي (ج5: ص123) ، وابن أبي شيبة كما في الحصن، والبزار كما في تفسير الحافظ ابن كثير (وقال الترمذي: هذا حديث غريب إسنادًا) في سنده عندهم موسى بن عبيدة الربذي عن محمد بن ثابت عن أبي هريرة وموسى ضعفه النسائي وغيره ومحمد بن ثابت لم يروه عنه غير موسى. قال الذهبي ((مجهل)) ذكره المناوي، وقال الحافظ في التقريب: محمد بن ثابت عن أبي هريرة مجهول

ص: 260

2518-

(13) وعن عمر بن الخطاب قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أنزل عليه الوحي سمع عند وجهه دوي كدوي النحل، فأنزل عليه يومًا فمكثنا ساعة، فسري عنه، فاستقبل القبلة ورفع يديه وقال: اللهم زدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تهنا، وأعطنا ولا تحرمنا،

ــ

وقيل: هو محمد بن ثابت بن شرحبيل، وقال فيه: إنه مقبول. وفي الباب عن أنس أخرجه النسائي، والحاكم (ج1: ص510) .

2518-

قوله: (سمع) على بناء الماضي المجهول، وهذا لفظ الترمذي، وفي المسند ((يسمع)) أي: بلفظ المضارع المجهول وكذا نقله الشوكاني في فتح القدير، وفي المستدرك وشرح السنة ((نسمع)) بصيغة المضارع المتكلم المعلوم، ونقله الذهبي في تلخيصه بلفظ:((يسمع)) أي: كرواية المسند (عند وجهه) أي: عند قرب وجهه بحذف المضاف (دويّ كدويّ النحل) كذا وقع في أكثر نسخ المشكاة وهكذا في المسند ووقع في بعض نسخ المشكاة ((سمع عند وجهه كدويّ النحل)) أي: بإسقاط ((دويّ)) وهكذا عند الترمذي، والبغوي وكذا نقله المناوي في فيض القدير والشوكاني في تحفة الذاكرين وفتح القدير. والدويّ بفتح الدال وكسر الواو وتشديد الياء وهو صوت لا يفهم منه شيء، وهذا هو صوت جبريل عليه السلام يبلغ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي ولا يفهم الحاضرون من صوته شيئًا. وقال الطيبي: أي: سمع من جانب وجهه وجهته صوت خفي كأن الوحي يؤثر فيهم وينكشف لهم انكشافًا غير تام فصاروا كمن يسمع دويّ صوت ولا يفهمه لما سمعوه من غطيطه وشدة تنفسه عند نزول الوحي - انتهى. وقال في اللمعات: وهذا الدويّ إما صوت الوحي يسمعها الصحابة ولا ينكشف لهم انكشافًا تامًا، أو ما كانوا يسمعونه من النبي صلى الله عليه وسلم من شدة تنفسه من ثقل الوحي، والأول أظهر لأنه قد وصف الوحي بأنه كان تارة مثل صلصة الجرس - انتهى. (فأنزل عليه يومًا) أي: نهارًا أو وقتًا (فمكثنا) بفتح الكاف وضمها أي: لبثنا (ساعة) أي: زمنًا يسيرًا ننتظر الكشف عنه (فسرى عنه) بصيغة المجهول من التسرية وهو الكشف والإزالة أي: كشف عنه وأزيل ما اعتراه من برحاء الوحي وشدته (اللهم زدنا) أمر من الزيادة أي: من الخير والترقي أو كثرنا (ولا تنقصنا) بفتح حرف المضارعة وضم القاف من نقص المتعتدى أي: لا تنقص خيرنا ومرتبتنا وعددنا وعددنا. قال القاضي والطيبي: عطفت هذه النواهي على الأوامر للمبالغة والتأكيد وحذف ثواني المفعولات في بعض الألفاظ للتعميم والمبالغة كقولك فلان يعطي ويمنع (وأكرمنا) بقضاء مآربنا في الدنيا ورفع منازلنا في العقبى (ولا تهنا) بضم تاء وكسرها وتشديد نون على أنه نهى من الإهانة وأصله ولا تهوننا، نقلت كسرة الواو إلى الهاء فالتقت ساكنة مع النون الأولى الساكنة فحذفت وأدغمت النون الأولى في الثانية أي: لا تذلنا (وأعطنا) من الإعطاء (ولا تحرمنا) بفتح التاء وكسر الراء. وفي القاموس: حرمه

ص: 261

وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وارض عنا، ثم قال: أنزل عليَّ عشر آيات من أقامهن دخل الجنة، ثم قرأ:{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} حتى ختم عشر آيات. رواه أحمد، والترمذي.

ــ

الشيء كضربه وعلمه حرمانًا بالكسر منعه حقه وأحرمه لغية، أي لا تمنعنا ولا تجعلنا محرومين (وآثرنا بالمد وكسر المثلثة أمر من الإيثار، أي اخترنا برحمتك وإكرامك وعنايتك (ولا تؤثر علينا) ، أي غيرنا بلطفك وحمايتك، وقيل لا تغلب علينا أعداءنا (وأرضنا) أمر من الإرضاء، أي أرضنا عنك بمعنى اجعلنا راضين بما قضيت لنا أو علينا بإعطاء الصبر وتوفيق الشكر وتحمل الطاعة والتقنع بما قسمت لنا (وارض عنا) بهمزة وصل وفتح ضاد أمر من الرضاء، أي كن راضيًا عنا بالطاعة اليسيرة الحقيرة التي في جهدنا ولا تؤاخذنا بسوء أعمالنا (ثم قال: انزل عليَّ) ، أي آنفًا (من أقامهن) ، أي حافظ وداوم عليهن وعمل بهن (دخل الجنة) ، أي دخولاً أولياً، هذا وارجع للبسط في شرح الحديث إلى فيض القدير (ج2 ص107، 108)، وتحفة الذاكراين (ص 298) (رواه أحمد) (ج1 ص34) عن عبد الرزاق عن يونس بن سليم قال: أملى عليَّ يونس بن يزيد الأبلي عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمن بن عبد القاري عن عمر بن الخطاب. ومن هذا الطريق أخرجه البغوي (ج5، 177)، (والترمذي) في الدعوات من طريق عبد الرزاق عن يونس بن سليم عن الزهري. ثم رواه الترمذي من طريق عبد الرزاق أيضًا عن يونس بن سليم عن يونس بن يزيد عن الزهري. ثم قال: هذا أصح من الحديث الأول سمعت إسحاق بن منصور يقول: روى أحمد بن حنبل وعلي بن المديني وإسحاق بن إبراهيم عن عبد الرزاق عن يونس بن سليم عن يونس بن يزيد عن الزهري هذا الحديث. قال أبو عيسى: ومن سمع من عبد الرزاق قديمًا فإنهم إنما يذكرون فيه عن يونس بن يزيد، وبعضهم لا يذكر فيه عن يونس بن يزيد. ومن ذكر فيه عن يونس بن يزيد فهو أصح، وكان عبد الرزاق ربما ذكر في هذا الحديث يونس بن يزيد وربما لم يذكره، وإذا لم يذكر فيه يونس فهو مرسل - انتهى. وذكر نحو هذا الكلام البغوي في شرح السنة. والحديث نسبه السيوطي في الدر المنثور (ج5 ص2) والشوكاني في فتح القدير (ج3 ص460) لعبد الرزاق وعبد بن حميد، والنسائي، وابن المنذر، والعقيلي، والحاكم، والبيهقي في الدلائل، والضياء في المختارة وفي سنده عندهم جميعًا يونس بن سليم الصنعاني. قال الحافظ في التقريب: مجهول. وقال الذهبي: في الميزان في ترجمته: حدث عنه عبد الرزاق وتكلم فيه ولم يعتمد في الرواية ومشاه غيره. وقال العقيلي: لا يتابع على حديثه ولا يعرف إلا به - انتهى. وقال في تهذيب التهذيب: قال النسائي: هذا حديث منكر لا نعلم أحدًا رواه غير يونس، ويونس لا نعرفه، وذكره ابن حبان في الثقات - انتهى. ورواه الحاكم (ج1 ص535) بإسنادين أحدهما من طريق المسند وصححه ووافقه الذهبي فهذا موافقة من الحاكم والذهبي على توثيق يونس بن سليم، وهو يدل على أن توثيق ابن حبان ليونس بن سليم صحيح ولذا حسن هذا الحديث البغوي في شرح السنة وصححه الشيخ أحمد شاكر في شرح المسند.

ص: 262