الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والجنة، واستعفاه برحمته من النار. رواه الشافعي.
(الفصل الثالث)
2577-
(14) عن جابر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد الحج أذن في الناس، فاجتمعوا، فلما أتى البيداء أحرم. رواه البخاري.
ــ
الله مغفرته ورضوانه (والجنة) أي في العقبى (واستعفاه) أي طلب عفوه، فهو عطف على ((سأل)) وفي الدارقطني، والبيهقي:((استعاذ)) وفي الحصن: ((استعتقه)) ونسبه للطبراني، (برحمته) أي بسبب رحمته تعالى لا بكسب نفسه، (من النار) أي نار العذاب. والحديث دليل على استحباب الدعاء بعد الفراغ من كل تلبية يلبيها المحرم في أي حين بهذا الدعاء ونحوه بأن يقول: اللهم إني أسألك مغفرتك ورضاك والجنة في الآخرة، وأن تعفو عني وتعيذني وتعتقني برحمتك من النار، ويحتمل أن المراد بالفراغ منها انتهاء وقت مشروعيتها وهو عند رمي جمرة العقبة، والأول أوضح (رواه الشافعي) في الأم (ج2: ص134) بإسناد ضعيف، لأن فيه صالح بن محمد بن أبى زائدة وهو ضعيف. قاله الحافظ، وقال الولي العراقي: صالح هذا ضعفه الجمهور، وقال أحمد: لا أرى به بأسًا. وفيه أيضًا إبراهيم بن أبى يحيى الراوي عنه ولكنه قد تابعه عليه عبد الله بن عبد الله الأموي، أخرجه البيهقي (ج5: ص46) ، والدارقطني (ص263) ، وروى الشافعي والدارقطني، والبيهقي عن القاسم بن محمد يقول: كان يستحب للرجل إذا فرغ من تلبيته أن يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم.
2577-
قوله: (أذن في الناس) لقوله تعالى: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} (22: 27) الآية أي نادي بينهم بأني أريد الحج، قاله ابن الملك. قال القاري: والأظهر أنه أمر مناديًا بأنه صلى الله عليه وسلم يريد الحج كما سيأتي في حديث جابر الطويل، (فاجتمعوا) أي خلق كثير في المدينة، (فلما أتى البيداء) هي: الشرف أي المكان العالي الذي قدام ذي الحليفة بقربها إلى جهة مكة سميت بيداء لأنها لا بناء بها ولا أثر، وكل مفازة لا شيء فيها سمي بيداء، وهي ها هنا اسم موضع مخصوص بذي الحليفة كما ذكرنا، (أحرم) أي كرر إحرامه أو أظهره، قال القاري هو أظهر لما ثبت أنه أحرم ابتداء في مسجد ذي الحليفة بعد ركعتي الإحرام - انتهى. وقد تقدم بيان اختلاف الروايات في موضع إحرامه صلى الله عليه وسلم ووجه الجمع بينها. (رواه البخاري) هذا وهم من المصنف فإن حديث جابر هذا ليس في صحيح البخاري لا بلفظه ولا بمعناه بل هو مما انفرد الترمذي بروايته هكذا. ولذلك اقتصر الساعاتي في الفتح الرباني على نسبته إلى الترمذي، والظاهر أن المصنف تبع في ذلك الجزري حيث قال بعد ذكر هذه الرواية في جامع الأصول (ج3: ص436) : أخرجه البخاري، والترمذي، وكذلك نسبه إليهما محمد بن محمد بن سليمان الفاسي في جمع الفوائد (ج1: ص461) والحديث أخرجه مسلم مطولاً كما سيأتي.
2578-
(15) وعن ابن عباس قال: كان المشركون يقولون لبيك لا شريك لك فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ((ويلكم قد قد)) . إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك يقولون هذا وهم يطوفون بالبيت. رواه مسلم.
ــ
2578-
قوله: (ويلكم قد قد) قال القاضي: روى بإسكان الدال وكسرها مع التنوين فيهما، ومعناه كفاكم هذا الكلام فاقتصروا عليه ولا تزيدوا، فلا تقولوا ما بعده من الاستثناء، وفيه: بيان أن من رأى منكرًا ولم يقدر على تغييره باليد فإنه يغيره بالقول لأن قد قد إنكار (إلا شريكًا) كذا في جميع النسخ من المشكاة. وهو متعلق بمقول المشركين، وقوله:((فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قد)) جملة معترضة للتنبيه على أن رسل الله صلى الله عليه وسلم يقول لهم ذلك بين الاستثناء وما قبله قبل أن يتكلموا الاستثناء. وفي صحيح مسلم: ((فيقولون إلا شريكًا)) وهكذا في جامع الأصول (ج3: ص444)(هو لك تملكه وما ملك) ما نافية، وقيل: موصولة عطف على مفعول تملكه، والمعنى على الأول: أنت تملكه وهو لا يملك وعلى الثاني: أنت تملك إياه وما في ملكه، قال الطيبي كان المشركون يقولون: لبيك لا شريك لك إلا شريكًا هو لك تملكه وما ملك. فإذا انتهى كلامهم إلى ((لا شريك لك)) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قد. أي اقتصروا عليه ولا تتجاوزوا عنه إلى ما بعده، وقوله:((إلا شريكًا)) الظاهر فيه الرفع على البداية من المحل كما في كلمة التوحيد، فاختير في الكلمة السفلى اللغة السافلة كما اختير في الكلمة العليا العالية، (يقولون) أي المشركون، وهو مقول ابن عباس (هذا) أي هذا القول وهو قولهم إلا شريكًا مع ما قبله وما بعده. (رواه مسلم) الحديث من أفراد مسلم، لم يخرجه البخاري ولا أحد من أصحاب السنن، نعم أخرجه البيهقي (ج5: ص45) وزاد في آخره: فيقولون: ((غفرانك غفرانك)) قال: فأنزل الله عز وجل: {وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} (8: 33) فقال ابن عباس: كان فيهم أمانان، نبي الله صلى الله عليه وسلم والاستغفار، قال فذهب نبي الله صلى الله عليه وسلم وبقي الاستغفار {وَمَا لَهُمْ أَلَاّ يُعَذِّبَهُمُ اللهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُواْ أَوْلِيَاءهُ إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلَاّ الْمُتَّقُونَ} (8: 34) قال: فهذا عذاب الآخرة، وذلك عذاب الدنيا. قال البيهقي بعد روايته: أخرجه مسلم في الصحيح من حديث النضر بن محمد عن عكرمة بن عمار مختصرًا دون قولهم: غفرانك إلى آخره - انتهى. وفى الباب عن أنس بن مالك، قال: كان الناس بعد إسماعيل على الإسلام فكان الشيطان يحدث الناس بالشيء يريد أن يردهم عن الإسلام حتى أدخل عليهم في التلبية: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك إلا شريكًا هو لك تملكه وما ملك. قال فما زال حتى أخرجهم عن الإسلام إلى الشرك، أخرجه البزار. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (ج3: ص223) : رجاله رجال الصحيح.
بعون الله وحسن توفيقه تم الجزء الثامن من مشكاة المصابيح مع شرحه مرعاة المفاتيح،
ويليه الجزء التاسع إن شاء الله تعالى. وأوله ((باب قصة حجة الوداع)) .