الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإن كان قد فر من الزحف. رواه الترمذي، وأبو داود، لكنه عند أبي داود: هلال بن يسار، وقال الترمذي: هذا حديث غريب.
(الفصل الثالث)
2377-
(32) عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل ليرفع الدرجة للعبد الصالح في الجنة، فيقول: يا رب: أنى لي
ــ
ذكرناه في شرح حديث (2358) فراجعه (وإن كان قد فر) أي هرب (من الزحف) بفتح الزاي وسكون الحاء أي من الجهاد ولقاء العدو في الحرب يعني وإن ارتكب الكبيرة فإن الفرار من الزحف كبيرة أوعد الله تعالى عليه: {وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَاّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللهِ} (الأنفال: 16) الآية قال الطيبي: الزحف الجيش الكثير الذي يرى لكثرته كأنه يزحف. قال في النهاية: من زحف الصبي إذا دب على لسته قليلاً قليلاً. وقال المظهر: هو اجتماع الجيش في وجه العدو. أي فر من حرب الكفار حيث لا يجوز الفرار بأن لا يزيد الكفار على المسلمين مثلي عدد المسلمين ولا نوى التحرف أو التحيز. قال الشوكاني: في الحديث دليل على أن الاستغفار يمحو الذنوب سواء كانت كبائر أو صغائر، فإن الفرار من الزحف من الكبائر بلا خلاف. وقال أبو نعيم الأصبهاني هذا يدل على أن بعض الكبائر تغفر ببعض العمل الصالح وضابطه الذنوب التي لا توجب على مرتكبها حكمًا في نفس ولا مال. ووجه الدلالة منه إنه مثل بالفرار من الزحف وهو من الكبائر، فدل على أن ما كان مثله أو دونه يغفر إذا كان مثل الفرار من الزحف فإنه لا يوجب على مرتكبه حكمًا في نفس ولا مال كذا في الفتح (رواه الترمذي) في الدعوات عن الإمام البخاري عن موسى بن إسماعيل، (وأبو داود) في أواخر الصلاة عن موسى بن إسماعيل، وأخرجه أيضًا البخاري في التاريخ الكبير (1/2/347) ، وأبو نعيم، وأبو موسى المديني وذكره على المتقي في الكنز (ج1: ص431) وزاد في نسبته ابن سعد، والبغوي، وابن مندة، والباوردي، والطبراني، وسعيد بن منصور، وابن عساكر. (وقال الترمذي: هذا حديث غريب) لا نعرفه إلا من هذا الوجه. قال المنذري في الترغيب بعد نقل كلام الترمذي هذا: ((وإسناده جيد متصل فقد ذكر البخاري في تاريخه الكبير (2/1/108) إن بلالاً سمع من أبيه (2/4/421) وإن يسار سمع من أبيه زيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ورواه الحاكم من حديث ابن مسعود. وقال صحيح على شرطهما إلا أنه قال يقولها ثلاثًا - انتهى. قلت: وروا الطبراني موقوفًا من قول ابن مسعود. قال الهيثمي: (ج10: ص210) : ورجاله وثقوا. ونسبه في الكنز لابن أبي شيبة موقوفًا على ابن مسعود ومعاذ.
2377-
قوله: (في الجنة) متعلق بيرفع (فيقول) أي: العبد (أنى لي) أي كيف حصل أو من أين
هذه؟ فيقول: باستغفار ولدك لك. رواه أحمد.
2378-
(33) وعن عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما الميت في القبر إلا كالغريق المتغوث، ينتظر دعوة تلحقه من أب، أو أم، أو أخ، أو صديق، فإذا لحقته كان أحب إليه من الدنيا وما فيها، وإن الله تعالى ليدخل على أهل القبور من دعاء أهل الأرض أمثال الجبال، وإن هدية الأحياء إلى الأموات الاستغفار لهم. رواه البيهقي في ((شعب الإيمان)) .
ــ
حصل لي (هذه) أي: الدرجة (فيقول: باستغفار) أي حصل باستغفار (ولدك لك) الولد يطلق على الذكر والأنثى، المراد به المؤمن وهذا أحد منافع النكاح وأعظمها وأحد الأشياء التي تلحق المؤمن من حسناته وعمله بعد موته كما جاء في الحديث. قال الطيبي: دل الحديث السابق على أن الاستغفار يحط من الذنوب أعظمها، وهذا يدل على أنه يرفع درجة غير المستغفر إلى ما يبلغها بعمله فما ظنك بالعامل المستغفر ولو لم يكن في النكاح فضيلة غير هذا لكفى به فضلاً والله أعلم (رواه أحمد) (ج2: ص509) وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (ج10: ص210) بهذا اللفظ، ثم قال رواه أحمد والطبراني في الأوسط ورجالهما رجال الصحيح غير عاصم بن بهدلة، وقد وثق - انتهى. وفي الباب عن أبي سعيد عند الطبراني في الأوسط: قال الهيثمي: وفيه ضعفاء وقد وثقوا.
2378-
قوله: (ما الميت في قبر) أي: في حال من أحوال الشدة (إلا كالغريق) أي المشرف على الغرق (المتغوث) أي المستغيث المستعين المستجير الرافع صوته بأقصى ما عنده بالنداء لمن يخلصه المتعلق بكل شيء رجاءً لخلاصه، وفي المثل الغريق يتعلق بكل حشيش (تلحقه) أي من وراءه (من أب) أي من جهة أب (أو أم أو أخ أو صديق) أي محب وهذا تخصيص ببعض من يرجى منه الغوث ويتوقع الدعاء والاستغفار أكثر ممن سواه، وإلا فالحكم عام كما قال في آخر الحديث، ولم يذكر الولد في هذا الحديث لكونه معلومًا مقررًا مذكورًا في الأحاديث (فإذا لحقته) أي وصلته الدعوة. قال ابن حجر: بأن دعى له بها فإنه تصل إليه بمجرد ذلك إجماعًا (كان) أي لحوقها إياه (أحب إليه من الدنيا وما فيها) أي من مستلذاتها. وقال ابن حجر: أي: لو عاد إليها (وإن الله ليدخل على أهل القبور من دعاء أهل الأرض) أي: ممن هو حي فوق الأرض ومن تعليلية أو ابتدائية (أمثال الجبال) أي: من الرحمة والغفران لو تجسمت (رواه البيهقي) ، وأخرجه أيضًا أبو الشيخ في فوائده وذكره الذهبي في ترجمة محمد بن جابر بن أبي عياش الحمصي، وقال فيه: لا أعرفه وخبره منكر جدًا، ثم قال وروى الفضل بن محمد الباهلي وعبد الله بن محمد بن خالد الرازي عنه، قال حدثنا ابن المبارك عن يعقوب بن القعقاع
2379-
(33م) وعن عبد الله بن بسر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: طوبى لمن وجد في صحيفته استغفارًا كثيرًا. رواه ابن ماجة، وروى النسائي في ((عمل اليوم والليلة)) .
ــ
عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما الميت في قبره إلا كالغريق ينتظر دعوة تلحقه من أبٍ أو أمٍ أو صديقٍ، وإن الله ليدخل من الدعاء على أهل القبور كأمثال الجبال، وإن هدية الأحياء إلى الأموات الاستغفار لهم. زاد الرازي: والصدقة عنهم - انتهى. قال الحافظ في اللسان (ج5: ص99) بعد ذكره أورده البيهقي في الشعب، ونقل عن ابن علي الحافظ أنه غريب من حديث ابن المبارك لم يقع عند أهل خراسان، قال: ولم أكتبه إلا عن هذا الشيخ يعني الفضل بن محمد. قال البيهقي: وتابعه محمد بن خزيمة عن ابن أبي عياش. وابن عياش تفرد به.
2379-
قوله: (وعن عبد الله بن بسر) بضم الموحدة وسكون المهملة (طوبى) فعل من الطيب، وهي اسم الجنة أو شجرة فيها. وقيل: المراد راحة وطيب عيش. قال القاري: طوبى أي: الحالة الطيبة والعيشة الراضية أو الشجرة المشهورة في الجنة العالية (لمن وجد في صحيفته) أي: في الآخرة (استغفارًا كثيرًا) أي: لعظم منافعه قال الطيبي: فإن قيل لم يقل طوبى لمن استغفر كثيرًا وما فائدة العدول؟ قلت: هو كناية عنه فيدل على حصول ذلك جزمًا وعلى الإخلاص، لأنه إذا لم يكن مخلصًا فيه كان هباءً منثورًا فلم يجد في صحيفته إلا ما يكون حجة عليه ووبالاً له - انتهى. وقوله:((استغفارًا كثيرًا)) هكذا وقع في النسخ الحاضرة من المشكاة وسنن ابن ماجة بنصب استغفارًا، وكذا في الحصن، والكنز، والجامع الصغير، وعدة الحصن، والأذكار للنووي، وفي الترغيب للمنذري برفع استغفار. قال الشوكاني في تحفة الذاكرين شرح عدة الحصن الحصين: قوله: ((استغفارًا كثيرًا)) هكذا في نسخ هذا الكتاب أي: العدة بنصب استغفارًا على أنه مفعول به وإن الفعل وهو وجد مبني للمعلوم، وفي غير هذا الكتاب برفع استغفار على أن الفعل مبني للمجهول، وهذا أقوى وأولى لأن المقصود وجود ذلك في الصحيفة لأي واحد كان من ملك أو بشر لا وجود ذلك لصاحب الصحيفة نفسه، وإن كان لابد أن يجدها يوم الحساب - انتهى. قلت: ولم أجد ((استغفار)) بالرفع إلا في الترغيب للمنذري. وأما ما عدا ذلك من الكتب التي ذكرناها، ففي كلها بنصب استغفارًا فهو أولى وأقوى بل هو الصحيح (رواه ابن ماجة) في باب الاستغفار من سننه. قال المنذري: بإسناد صحيح. وقال البوصيري: إسناده صحيح رجاله ثقات. (وروى النسائي) الأولى أن يقول ورواه النسائي (في عمل يوم وليلة) قال الطيبي: ترجمة كتاب صنفه في الأعمال اليومية والليلية - انتهى. ورواه أيضًا البيهقي كما في الترغيب، وروى الطبراني في الأوسط عن الزبير بن العوام مرفوعًا:((من أحب أن تسره صحيفته فليكثر فيها من الاستغفار)) . قال الهيثمي: رجاله ثقات، ورواه البيهقي أيضًا. قال المنذري: بإسناد لا بأس به، وعزاه في
2380-
(34) وعن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: اللهم اجعلني من الذين إذا أحسنوا استبشروا، وإذا أساؤا استغفروا. رواه ابن ماجة، والبيهقي ((في الدعوات الكبير)) .
2381-
(35) وعن الحارث بن سويد،
ــ
الكنز للضياء أيضًا، وفي الباب أيضًا عن عائشة أخرجه أبو نعيم في الحلية، وعن أبي الدرداء موقوفًا أخرجه أحمد في الزهد وعن أنس مرفوعًا أخرجه البزار ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (ج10: ص208) ، والجزري في الحصن وعن معاوية بن جندب أخرجه ابن عساكر، والديلمي في مسند الفردوس ذكره في الكنز (ج1: ص424) .
2380-
قوله: (اللهم اجعلني من الذين إذا أحسنوا) أي العلم والعمل (استبشروا) أي فرحوا بالتوفيق قال تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ} (يونس: 58)(وإذا أساؤا) أي: قصروا في أحدهما (استغفروا) كان ظاهر المقابلة أن يقال: وإذا أساؤا حزنوا فعدل عن الداء إلى الدواء إيماء إلى أن مجرد الحزن لا يكون مفيدًا، وإنما يكون مفيدًا إذا أبحر إلى الاستغفار المزيل للإصرار كذا في المرقاة. وقال الطيبي: إذا أحسنوا استبشروا أي إذا أتوا بعمل خير قرنوه بالإخلاص فيترتب عليه الجزاء فيستحقوا الجنة ويستبشروا بها، كما قال:{وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} (فصلت:30) فهو كناية تلويحية، وقوله:((وإذا أساؤا استغفروا)) عبارة عن أن لا يبتليهم بالاستدراج ويرى أعمالهم حسنة فيهلكوا كما قال تعالى: {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ} (فاطر: 8) - انتهى. وهذا تعليم للأمة وإرشاد إلى لزوم الاستغفار وإلا فهو صلى الله عليه وسلم أرقى وأتقى من كل الأخيار (رواه ابن ماجة) في باب الاستغفار من سننه، وفي إسناده علي بن زيد بن جدعان. قال في الزوائد: وهو: ضعيف. قلت: ضعفه ابن سعد، وأحمد، ويحي والجوزجاني، والنسائي. وقال أبو زرعة: ليس بقوي. وقال الحاكم: ليس بقوي يكتب حديثه ولا يحتج به. وقال ابن خزيمة: لا أحتج به لسوء حفظه. وقال الحاكم: أبو أحمد ليس بالمتين عندهم. وقال الدارقطني: أنا أقف فيه لا يزال عندي فيه لين. وقال يعقوب بن شيبة: ثقة صالح الحديث وإلى اللين ما هو. قال الساجي: كان من أهل الصدق، ويحتمل لرواية الجلة (قتادة، والسفيانين، والحمادين وشعبة، وغيرهم) عنه وقال الترمذي: صدوق إلا أنه ربما رفع الشيء الذي يوقفه غيره. والحديث ذكره السيوطي في الجامع الصغير وعلي المتقي في الكنز (ج2: ص113) ورمزا له ابن ماجة، والبيهقي في الشعب وذكره في الكنز (ج2 ص128) أيضًا وزاد في نسبته الخطيب، وابن عساكر وذكره ابن رجب في شرح الأربعين (ص163) وعزاه لأحمد فقط.
2381-
قوله: (وعن الحارث بن سويد) بالتصغير التيمي من بني تيم الرباب الكوفي أبو عائشة. قال
قال: حدثنا عبد الله بن مسعود حديثين: أحدهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والآخر عن نفسه قال: إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه فقال به هكذا - أي بيده -
ــ
المؤلف: من كبار التابعين وثقاتهم. وقال الحافظ: ثقة ثبت من كبار التابعين. وقال ابن عيينة: كان الحارث من علية أصحاب ابن مسعود توفى آخر خلافة ابن الزبير وأرخه ابن أبي خيثمة سنة إحدى أو اثنتين وسبعين. (قال: حدثنا عبد الله بن مسعود حديثين) نصبه على المفعول الثاني، وفي رواية لمسلم قال: دخلت على عبد الله أعوده وهو مريض فحدثنا بحديثين (أحدهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي: يروى عنه (والآخر عن نفسه) أي: نفس ابن مسعود يعني مروي من قوله (قال) وهو الحديث الموقوف. قال الحافظ: لم يقع التصريح برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم في شيء من نسخ كتب الحديث إلا ما قرأت في شرح مغلطائي، إنه روي مرفوعًا من طريق وهاها أبو أحمد الجرحاني يعني ابن عدي - انتهى. (أن المؤمن يرى ذنوبه) قال الطيبي: ذنوبه المفعول الأول والمفعول الثاني محذوف أي كالجبال بدليل قوله في الآخر: كذباب مراى عظيمة ثقيله أو هو قوله: (كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه) قال ابن أبي جمرة: السبب في ذلك إن قلب المؤمن منور، فإذا رأى من نفسه ما يخاف ما ينور به قلبه عظم الأمر عليه، والحكمة في التمثيل بالجبل إن غيره من المهلكات قد يحصل النسبب إلى النجاة منه بخلاف الجبل إذا سقط على الشخص لا ينجو منه عادة، وحاصله أن المؤمن يغلب عليه الخوف لقوة ما عنده من الإيمان فلا يأمن العقوبة بسببها، وهذا شأن المؤمن أنه دائم الخوف والمراقبة يستصغر عمله الصالح ويخشى من صغير عمله السيئ كذا في الفتح. وقال القاري: وهو تشبيه تمثيل شبه حاله بالقياس إلى ذنبه وأنه يرى أنها مهلكة بحاله إذا كان تحت جبل يخافه، فدل الحديث على أن المؤمن في غاية الخوف والاحتراز من الذنوب، ولا ينافيه الاعتدال المطلوب بين الخوف والرجاء في المحبوب، لأن رجاء المؤمن وحسن ظنه بربه في غاية ونهاية - انتهى. (وإن الفاجر) أي: العاصي الفاسق (يرى ذنوبه كذباب) بضم المعجمة وموحدتين الأولى خفيفة بينهما ألف الطير المعروف، وفي رواية الإسماعيلي يرى ذنوبه كأنها ذباب (مر على أنفه) أراد أن ذنبه سهل عنده فلا يبالي به لاعتقاده عدم حصول ضرر كبير بسببه كما أن ضرر الذباب عنده سهل (فقال به) أي: أشار إلى الذباب أو فعل به (هكذا) يعني نحاه بيده أو دفعه وذبه وهو من إطلاق القول على الفعل قالوا: وهو أبلغ (أي: بيده) تفسير للإشارة أي دفع الذباب بيده. وقوله: ((أي: بيده)) كذا في جميع النسخ الحاضرة وهكذا في جامع الأصول (ج3: ص65) والذي في البخاري قال أبو شهاب (راوي الحديث عن الأعمش عن عمارة بن
فذبه عنه، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الله أفرح بتوبة عبد المؤمن من رجل، نزل في أرض دوية مهلكة،
ــ
عمير عن الحارث بن سويد عن ابن مسعود وهو موصول بهذا السند) بيده فوق أنفه وهو تفسير منه لقوله فقال به، وعند أحمد، والترمذي كذباب وقع على أنفه فقال به هكذا فطار. قال المحب الطبري: إنما كانت هذه صفة المؤمن لشدة خوفه من الله ومن عقوبته، لأنه على يقين من الذنب وليس على يقين من المغفرة، والفاجر قليل المعرفة بالله فلذلك قل خوفه واستهان بالمعصية. وقال ابن أبي جمرة: السبب في ذلك إن قلب الفاجر مظلم فوقوع الذنب خفيف عنده، ولهذا تجد من يقع في المعصية منهم إذا وعظ يقول هذا سهل قال: والحكمة في تشبيه ذنوب الفاجر بالذباب كون الذباب أخف الطير وأحقره وهو مما يعاين ويدفع بأقل الأشياء، قال: وفي ذكر الأنف مبالغة في اعتقاده خفة الذباب عنده، لأن الذباب قلما ينزل على الأنف، وإنما يقصد غاليًا العين قال: وإشارته بيده تأكيد للخفة أيضًا لأنه بهذا القدر اليسير يدفع ضرره (فذبه عنه) تفسير لما قبله أي: دفع الذباب عن نفسه وبه سمي الذباب ذبابًا لأنه كلما ذب آب أي: كلما دفع رجع، وليست هذه الجملة في البخاري. والظاهر أن المؤلف ذكرها تبعًا للجزري في جامع الأصول وقد تم الحديث الموصول على هذا (ثم قال) أي: ابن مسعود (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم) كذا في جميع النسخ الحاضرة، وهكذا في جامع الأصول والترغيب ولم يقع التصريح برفعه عند البخاري، نعم وقع بيان ذلك في رواية مسلم مع كونه لم يسق حديث ابن مسعود الموقوف ولفظه من طريق جرير عن الأعمش عن عمارة عن الحارث، قال: دخلت على ابن مسعود أعوده وهو مريض فحدثنا بحديثين حديثًا عن نفسه وحديثًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لله أشد فرحًا - الحديث (لله) بلام التأكيد المفتوحة (أفرح بتوبة عبده) أي: من المعصية إلى الطاعة. قال الطيبي: لما صور حال المذنب بتلك الصورة الفظيعة أشار إلى أن الملجأ هو التوبة والرجوع إلى الله تعالى انتهى. يعني فحصلت المناسبة بين الحديثين من الموقوف والمرفوع، وهذا لفظ البخاري، ولمسلم: لله أشد فرحًا بتوبة عبده (المؤمن) . هذا من زيادات مسلم وليس عند البخاري (من رجل) متعلق بأفرح (نزل) هذا من زيادات البخاري وليس مسلم وليس عند مسلم (في أرض دوية مهلكة) بفتح الدال وتشديد الواو المكسورة وتشديد الياء المفتوحة بعدها هاء التأنيث نسبة إلى الدو، بفتح الدال وتشديد الواو، وهي الأرض الفقر والفلاة الخالية أي البرية والصحراء التي لا نبات بها، قال ابن الأثير: ألدو الصحراء، والدوية منسوبة إليها ووقع في رواية داويّة، وهي أيضًا بتشديد الياء. وقيل: ذلك لإبدال الواو الأولى ألفًا، وقد يبدل في النسبة على غير قياس نحو طائي في النسبة إلى طي، ومهلكة بفتح الميم واللام بينهما هاء ساكنة أي موضع الهلاك أو الهلاك
معه راحلته، عليها طعامه وشرابه، فوضع رأسه فنام نومة، فاستيقظ وقد ذهبت راحلته، فطلبها حتى إذ اشتد عليه الحر والعطش أو ما شاء الله، قال: أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه، فأنام حتى أموت، فوضع رأسه على ساعده ليموت، فاستيقظ، فإذا راحلته عنده، عليها زاده وشرابه فالله أشد فرحًا بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته وزاده.
ــ
نفسه. وقال النووي: وهي موضع خوف الهلاك، ويقال لها: مفازة - انتهى. وتفتح لامها وتكسر وهما بمعنى، والمراد يهلك سالكها أو من حصل فيها، ويروى مهلكة بضم الميم وكسر اللام اسم فاعل من الثلاثي المزيد فيه أي: تهلك هي من يحصل بها واللفظ المذكور لمسلم، ولفظ البخاري:((نزل منزلاًً وبه مهلكة)) أي: بالمنزل أي: فيه مهلكة. قال الحافظ: كذا في الروايات التي وقفت عليها من صحيح البخاري بواو مفتوحة ثم موحدة خفيفة مكسورة ثم هاء ضمير ثم ذكر الحافظ لفظ مسلم مع ضبطه وشرحه (عليها طعامه وشرابه) زاد الترمذي وما يصلحه (فوضع رأسه فنام نومة فاستيقظ وقد ذهبت راحلته) أي: فخرج في طلبها واستمر على ذلك وهذا لفظ البخاري، ولمسلم: فنام فاستيقظ وقد ذهبت فطلبها. وفي رواية أحمد، والترمذي: فأضلها فخرج في طلبها (حتى إذا اشتد عليه الحر والعطش) هذا لفظ البخاري. ولمسلم حتى أدركه العطش، ولأحمد، والترمذي حتى إذا أدركه الموت (أو ما شاء الله) قال الحافظ والعيني والقسطلاني: شك من أبي شهاب (راوي الحديث عن الأعمش) وقال الطيبي: إما شك من الراوي والتقدير، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك أو قال ما شاء الله. أو تنويع أي: اشتد الحر والعطش أو ما شاء الله من العذاب والبلاء غير الحر والعطش. قال القاري: والأظهر إن ((أو)) بمعنى الواو، وهو تعميم بعد تخصيص أي: وما شاء الله بعد ذلك (قال) أي: في نفسه وهو جواب إذا (أرجع) بفتح الهمزة بلفظ المتكلم وهذا للبخاري وعند مسلم ثم قال: ارجع (إلى مكاني الذي كنت فيه) لاحتمال أن تعود الراحلة إليه لا لفها له أولاً (فأنام حتى أموت) أي: أو حتى ترجع إلى راحلتي. وإنما اقتصر على ما ذكر استبعادًا لجانب الحياة ويأسًا عن رجوع الراحلة (فوضع رأسه على ساعة ليموت فاستيقظ) أي: فنام فاستنبه (فإذا راحلته عنده) أي: حاضرة أو واقفة (فالله أشد فرحًا بتوبة العبد المؤمن من هذا) أي: من فرح هذا الرجل (براحلته وزاده) هذا فذلك القصة أعيدت لتأكيد القضية، وقوله: الذي كنت فيه فأنام إلى آخر الحديث لفظ مسلم. وللبخاري قال: أرجع إلى مكاني فرجع فنام نومة، ثم رفع رأسه فإذا رحلته عنده، وللترمذي قال: أرجع إلى مكاني الذي أضللتها فيه فأموت فيه، فرجع إلى مكانه فغلبته عينه فاستيقظ فإذا راحلته عند رأسه، عليها طعامه وشرابه وما يصلحه، وهكذا وقع عند أحمد. والحديث فيه إشارة إلى قوله:{إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ} (البقرة: 222) وإنهم بمكان عظيم عند رب كريم رؤوف رحيم تنبيه: ذكر مسلم من حديث البراء لهذا الحديث المرفوع سببًا، وأوله كيف تقولون في رجل انفلتت
روى مسلم المرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه فحسب، وروى البخاري الموقوف على ابن مسعود أيضًا.
2382-
(36) وعن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يحب العبد المؤمن المفتن التواب.
ــ
عنه راحلته بأرض قفر ليس بها طعام ولا شراب وعليها له طعام وشراب فطلبها حتى شق عليه فذكر معناه وأخرجه ابن حبان من حديث أبي هريرة مختصرًا ذكروا الفرح عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، والرجل يجد ضالته فقال: لله أشد فرحًا - الحديث. ذكره الحافظ في الفتح
(روى مسلم المرفوع) أي: الحديث المرفوع (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه أي: مما ذكر أي: مما ذكر من الحديث المروي المركب من الموقوف والمرفوع (فحسب) أي: فقط (وروى البخاري الموقوف على ابن مسعود أيضًا) وهو: إن المؤمن. إلخ. وحاصله أن الحديث المرفوع متفق عليه والموقوف من أفراد البخاري وأخرج أحمد (ج1: ص383) ، والترمذي في الزهد الموقوف والمرفوع جميعًا، وأخرج النسائي في الكبرى المرفوع فقط، وروي المرفوع أيضًا من حديث البراء عند أحمد ومسلم، ومن حديث أنس، وقد تقدم، ومن حديث النعمان بن بشير عند أحمد، ومسلم: ومن حديث أبي هريرة عند مسلم وغيره، ومن حديث أبي سعيد عند أحمد، وابن ماجة.
2382-
قوله: (إن الله يحب العبد المؤمن المفتّن) بتشديد التاء المفتوحة أي الممتحن بالذنب (التواب) أي الكثير التوبة، ومحبة الله تعالى له إنما هي من جهة التوبة. قال في النهاية: المفتن الممتحن يمتحنه الله بالذنب ثم يتوب ثم يعود إليه ثم يتوب منه. قال المناوي: وهكذا وذلك لأنه محل تنفيذ إرادته وإظهار عظمته وسعة رحمته. وقال ابن القيم: المفتن التواب هو الذي كلما فتن بالذنب تاب منه. وقال القرطي: معناه الذي يتكرر منه الذنب والتوبة فكلما وقع في الذنب عاد إلى التوبة. وقال القاري: المفتن أي: المبتلى كثيرًا بالسيئات أو بالغفلات أو بالحجب عن الحضرات لئلا يبتلى بالعجب والغرور الذين هما من أعظم الذنوب وأكثر العيوب - انتهى. والحديث صريح في صحة التوبة مع وقوع العودة وفيه رد على من اشترط لصحة التوبة أن لا يعود إلى ذلك الذنب، وقال: فإن عاد إليه بأن أن توبته باطلة، وقد عزى هذا القول للقاضي أبي بكر الباقلاني ويرده أيضًا حديث (رقم 2258) المتقدم في الفصل الأول من هذا الباب قال ابن القيم في مدارج السالكين (ج1: ص152) ومن أحكام التوبة أنه هل يشترط في صحتها أن لا يعود إلى الذنب أبدًا أم ليس ذلك بشرط؟ فشرط بعض الناس عدم معاودة الذنب، فقال: متى عاد تبين أن التوبة كانت باطلة غير صحيحة والأكثرون على إن ذلك ليس بشرط. وإنما صحة التوبة تتوقف على الإقلاع عن الذنب والندم عليه والعزم الجازم على ترك معاودته، فإن كانت في حق آدمي
2383-
(37) وعن ثوبان، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما أحب أن لي الدنيا بهذه الآية
ــ
فهل يشترط تحلله؟ فيه تفصيل سنذكره إنشاء الله، فإذا عاوده مع عزمه حال التوبة على أن لا يعاوده صار كمن ابتدأ المعصية ولم تبطل توبته المتقدمة والمسألة مبنية على أصل وهو أن العبد إذا تاب من الذنب ثم عاوده فهل يعود إليه إثم الذنب الذي قد تاب منه، ثم عاوده بحيث يستحق العقوبة على الأول والآخر إن مات مصرًا؟ أو إن ذلك قد بطل بالكلية فلا يعود إثمه وإنما يعاقب على هذا الأخير؟ وفي هذا الأصل قولان ثم ذكرهما مع البسط (ج1: ص152: 156) فارجع إليه إن شئت، والحديث عزاه المؤلف لأحمد وكذا نسبه إليه السيوطي في الجامع الصغير وعلي المتقي في الكنز (ج4: ص121) وفيه نظر فإنه ليس مما رواه أحمد بل هو من زيادات ابنه عبد الله ومن طريقه رواه أبو نعيم في الحلية (ج3: ص178، 179) قال عبد الله: حدثني عبد الأعلى بن حماد النرسي حدثنا أبو داود بن عبد الرحمن العطار حدثنا أبو عبد الله مسلمة الرازي عن أبي عمرو البجلي عن عبد الملك بن سيفان الثقفي عن أبي جعفر محمد بن علي عن محمد بن الحنيفة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهو في المسند في موضوعين بالسند المذكور (ج1: ص80، 103) قال العلامة الشيخ أحمد شاكر في شرح المسند (ج2: ص39) : إسناده ضعيف جدًا. أبو عبد الله مسلمة الرازي لم أجد له ترجمة، وذكر في التعجيل عوضًا في ترجمة أبي عمرو البجلي وأبو عمرو البجلي قال في التعجيل (ص508) ((يقال اسمه عبيدة روي عنه حرمي بن حفص)) ثم نقل عن ابن حبان قال:((لا يحل الاحتجاج به)) وعبد الملك بن سفيان الثقفي قال في التعجيل (ص265)((قال الحسيني مجهول)) والحديث في مجمع الزوائد (ج10: ص200) وقال الهيثمي: ((رواه عبد الله، وأبو يعلى وفيه من لم أعرفه)) وعزاه إليهما شيخه العراقي في تخريج الإحياء (ج4: ص5) وقال: ((سنده ضعيف)) قلت: أبو عمرو البجلي قد جزم الحافظ في الكنى من لسان الميزان (ج6: ص419) بأنه هو عبيدة بن عبد الرحمن ويؤيده لأن الذهبي ثم الحافظ أورداه في الأسماء هكذا عبيدة بن عبد الرحمن أبو عمرو الجلي ذكره ابن حبان فقال: روى عن يحيى بن سعيد حدث عنه حرمي بن حفص يروي الموضوعات عن الثقات، والحديث ذكره الحافظ في الفتح نقلاً عن القرطبي بلفظ: خيركم كل مفتن تواب، ثم عزاه لمسند الفردوس عن علي ولم يحكم عليه بشيء وذكر السيوطي في الجامع الصغير وعلي المتقي في الكنز (ج4: ص123) بهذا اللفظ وعزاه للبيهقي في الشعب عن علي.
2383-
قوله: (ما أحب إن لي الدنيا) أي: جميع ما فيها بأن أتصدق بخيراتها أو أتلذذ بلذاتها (بهذه الآية) أي: بدلها أي: لو أعدمت هذه الآية وأعطيت بدلها جميع الدنيا ما أحببت ذلك وخصت لكونها أرجى آية في القرآن، حيث دلت على غفران جميع الذنوب وإلا فغير هذه الآية مثلها في كونه صلى الله عليه وسلم لا يرضى بجميع الدنيا
{يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا} الآية فقال رجل: فمن أشرك؟ فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: إلا ومن أشرك
ــ
بدلها ( {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا} الآية بالحركات الثلاث، وذكر في المسند الآية بتمامها أي: إلى قوله: {إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (الزمر: 53) قال الشوكاني: هذه الآية أرجى آية في كتاب الله سبحانه لاشتمالها على أعظم بشارة فإنه أولاً أضاف العباد إلى نفسه لقصد تشريفهم ومزيد تبشيرهم، ثم وصفهم بالإسراف في المعاصي والاستكثار من الذنوب، ثم عقب ذلك بالنهي عن القنوط من الرحمة لهؤلاء المستكثرين من الذنوب، فالنهي عن القنوط للمذنبين غير المسرفين من باب الأولى وبفحوى الخطاب. ثم جاء بما لا يبقى بعده شك ولا يتخالج القلب عند سماعه ظن فقال:{إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} (الزمر: 53) فالألف واللام قد صيرت الجمع الذي دخلت عليه للجنس الذي يستلزم استغراق أفراده فهو في قوة إن الله يغفر كل ذنب كائنًا ما كان، إلا ما أخرجه النص القرآني وهو الشرك {إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} ثم لم يكتف بما أخبر عباده به من مغفرة كل ذنب بل أكد ذلك بقوله جميعًا وما أحسن ما علل سبحانه به هذا الكلام قائلاً أنه {إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} أي كثير المغفرة والرحمة عظيمهما بليغهما واسعهما - انتهى. وقال الطيبي: هي أرجى آية في القرآن ولذلك اطمأن إليها وحشي قاتل حمزة دون سائر الآيات - انتهى. وقد ذكر البغوي في المعالم إن عطاء بن رباح روى عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إلى وحشي يدعوه إلى الإسلام فأرسل إليه كيف تدعوني إلى دينك وأنت تزعم إن من قتل أوزنى أو أشرك {يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً} (الفرقان: 68، 69) وأنا قد فعلت هذا كله فأنزل الله تعالى: {إِلا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً} (الفرقان: 70) فقال وحشي هذا شرط شديد لعلي لا أقدر عليه فهل غير ذلك فأنزل الله عز وجل {إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} (النساء: 48) فقال: أراني بعد في شبهة فلا أدري يغفر لي أم لا فأنزل الله {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (الزمر: 53) قال وحشي: نعم هذا وجاء فأسلم فقال المسلمون: هذا له خاصة أم للمسلمين عامة فقال: بل للمسلمين عامة كذا في المرقاة. وذكر الهيثمي هذا الحديث في مجمع الزوائد (ج10: ص214، 215) وقال: رواه الطبراني وفيه أبين بن سليمان وهو ضعيف - انتهى. (فقال رجل) يا رسول الله (فمن أشرك) أي: أهو داخل في الآية أم خارج عنها (فسكت النبي صلى الله عليه وسلم) أي: أدبًا مع الله تعالى وانتظارًا لأمره ووحيه (ثم قال ألا) بالتخفيف (ومن أشرك) أي: التوبة، قال في اللمعات: لولا الواو حملت إلا على الاستثناء فهي حرف تنبيه وغفران الإشراك يكون بالتوبة، وهذا لا ينافي عموم الآية بأن الله تعالى يغفر الذنوب جميعًا - انتهى. وقال الطيبي: أجاب بأنه داخل فيكون منهيًا عن القنوط، والواو في ومن مانعه من حمل إلا على الاستثناء وموجبة لحملها على التنبيه - انتهى. أي:
ثلاث مرت.
2384-
(38) وعن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى ليغفر لعبده ما لم يقع الحجاب. قالوا: يا رسول الله! وما الحجاب؟ قال: أن تموت النفس وهي مشركة.
ــ
والمعنى إن المشرك داخل في هذه الآية، ومنهي عن القنوط ويغفر ذنبه لكن بالتوبة. قلت: قوله: إلا من أشرك هكذا وقع في جميع نسخ المشكاة الحاضر؛ وهكذا في تفسير ابن كثير والشوكاني، ووقع في المسند (ج5: ص275) (طبعة الحلي)((إلا من أشرك)) أي: بسقوط الواو، وعلى هذا فيمكن حمل إلا على الاستثناء والمعنى إلا المشرك فلا يغفر ذنبه إلا بالتوبة كما قال:{إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} ومعنى قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} (الزمر: 53) إن كل ذنب كائنًا ما كان ماعدا الشرك بالله مغفور لمن يشاء الله، أي يغفر له (ثلاث مرات) ظرف لقال والتكرار لتأكيد الحكم. والحديث في المسند (ج5: ص275) قال أحمد: حدثنا حسن وحجاج قالا: ثنا ابن لهيعة ثنا أبو قبيل قال: سمعت أبا عبد الرحمن المري أنه سمع ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما أحب. إلخ وهو في مجمع الزوائد (ج10: ص214) وليس فيه ذكر السؤال والجواب. قال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط: وإسناده حسن وذكره ابن كثير في تفسيره عن المسند مطولاً وقال تفرد الإمام أحمد وزاد الشوكاني في نسبته ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه، والبيهقي في الشعب، وعزاه السيوطي في الجامع الصغير لأحمد فقط: قال العزيزي وإسناده صحيح ولا يخفى ما فيه.
2384-
قوله: (إن الله تعالى) وفي المسند إن الله عز وجل (ليغفر) بلام مفتوحة للتأكيد (لعبده) أي ما شاء من الذنوب وفي رواية لأحمد إن الله يقبل توبة عبده أو يغفر لعبده وهذا شك من الراوي (ما لم يقع الحجاب) أي: بينه وبين رحمة الله، وقال القاري: أي: الإثنينية قال الله تعالى: {لَا تَتَّخِذُواْ إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ} (النحل: 51)(وما الحجاب) هكذا في رواية ووقع في أخرى وما وقوع الحجاب أي: الذي يبعد العبد عن رحمة ربه ومغفرة ذنبه (قال: أن تموت النفس وهي مشركة) وفي معنى الشرك كل نوع من أنواع الكفر، والحديث في المسند (ج5: ص174) وفي سنده عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان العنبسي الدمشقي الزاهد. قال الحافظ: صدوق يخطئي ورمي بالقدر وتغير بآخره وهو في مجمع الزوائد (ج1: ص198) قال الهيثمي: رواه أحمد، والبراز، وفيه عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان وقد وثقه جماعة وضعفه آخرون وبقية رجالهما ثقات وأحد إسنادي البراز فيه إبراهيم بن هانئ وهو ضعيف - انتهى. وذكره في الكنز (ج1: ص66) ورمز له حم، خ
روى الأحاديث الثلاثة أحمد، وروى البيهقي الأخير في كتاب ((البعث والنشور)) .
2385-
(39) وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لقى الله لا يعدل به شيئًا في الدنيا ثم كان عليه مثل جبال ذنوب غفر الله له. رواه البيهقي في كتاب ((البعث والنشور)) .
2386-
(40) وعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له.
ــ
في التاريخ صلى الله عليه وسلم، حب، والبغوي في الجعديات: ك، ص، عن أبي ذر رضي الله عنه (روى الأحاديث الثلاثة) أي: جميعها (أحمد) أي: في مسنده وتقدم الكلام في كل منها (وروى البيهقي الأخير) أي: الحديث الأخير.
2385-
قوله: (من لقى الله) أي: من مات (لا يعدل به شيئًا) أي: لا يوازي ولا يساوي بالله شيئًا. قال الطببي: ويجوز أن المعنى لا يتجاوزه إلى شيء، فشيئًا منصوب على نزع الخافض (في الدنيا) بيان للواقع إذ لإشراك إنما يكون فيها، وأما الآخرة فكل الناس فيها مؤمنون وإن لم ينفع الكفار إيمانهم (ثم كان عليه مثل جبال) بالنصب على أنه خبر كان واسمه قوله:(ذنوب غفر الله له) أي: إياها يعني جميعها إن شاء لقوله تعالى: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} (النساء: 48)(رواه البيهقي إلخ) وأخرجه ابن مردويه عن أبي الدرداء بلفظ: من مات لا يعدل بالله شيئًا ثم كانت عليه من الذنوب مثل الرمال غفر له. ويؤيده حديث النواس بن سمعان: من مات وهو لا يشرك بالله شيئًا فقد حلت له مغفرته. أخرجه الطبراني، وحسن ويؤيده أيضًا ما روي في الصحيحين وغيرهما في فضل الإيمان وكلمة الشهادة من يشاء الوقوف عليه رجع إلى الكنز (ج1: ص73 - 75) .
2386-
قوله: (التائب من الذنب) أي: توبة صحيحة وإطلاق الذنب يشمل الذنوب كلها، فيدل الحديث على أن التوبة مقبولة من أي ذنب كان، وظاهر الحديث يدل على أن التوبة إذا صحت بشرائطها فهي مقبولة (كمن لا ذنب له) أي: مثله في عدم تضرره. وقال السندي: ظاهره إن الذنب يرفع من صحائف أعماله ويحتمل أعماله ويحتمل أن المراد التشبيه في عدم العقاب فقط والله أعلم. وقال الطيبي: هذا من قبيل إلحاق الناقص بالكامل مبالغة كما يقال زيد كالأسد إذ لا شك أن المشرك التائب ليس كالنبي المعصوم، وتعقبه ابن حجر بأن المراد بمن لا ذنب له من هو عرضة له لكنه حفظ منه فخرج الأنبياء والملائكة فليسوا مقصودين بالتشبيه. قال القاري: فالخلاف لفظي. واختلفوا فيمن عمل ذنوبًا وتاب منها ومن لم يعملها أصلاً أيهما أفضل؟ قال في اللمعات: والتحقيق إن الحيثية مختلفة. وقال ابن القيم في مدارج السالكين (ج1: ص163) هل المطيع الذي لم يعص خير من العاصي الذي تاب إلى الله توبة
..............................................................................................
ــ
نصوحًا أو هذا التائب أفضل منه؟ اختلف في ذلك، فطائفة رجحت من لم يعص على من عصى وتاب توبة نصوحًا واحتجوا بوجوه ثم ذكرها وبلغها إلى عشرة، ثم قال: وطائفة رجحت التائب وإن لم تنكر كون الأول أكثر حسنات منه، واحتجت بوجوه ثم ذكرها إلى أن بلغت أيضًا إلى عشرة وجوه تركنا نقلها لئلا يطول الكلام. والمسألة لطيفة شريفة جدًا فعليك أن تراجع المدارج لكي تتبين لك بها مسألة أخرى اختلفوا فيها أيضًا، وهي: أن العبد إذا تاب من الذنب فهل يرجع إلى ما كان عليه قبل الذنب من الدرجة التي حطه عنها الذنب أولا يرجع إليها؟ قال ابن القيم (ج1 ص161) : قالت: طائفة يرجع إلى درجته لأن التوبة تجب الذنب بالكلية وتصيره كأنه لم يكن، والمقتضي لدرجته ما معه من الإيمان والعمل الصالح فعاد إليها بالتوبة، قالوا: ولأن التوبة حسنة عظيمة وعمل صالح، فإذا كان ذنبه قد حطه عن درجته فحسنته بالتوبة قد رقته إليها، وهذا كمن سقط في بئر وله صاحب شفيق أدلى إليه حبلاً تمسك به حتى رقى منه إلى موضعه، فهكذا التوبة العمل الصالح مثل هذا القرين الصالح والأخ الشفيق. وقالت طائفة: لا يعود إلى درجته وحاله لأنه لم يكن في وقوف، وإنما كان في صعود فبالذنب صار في نزول وهبوط، فإذا تاب نقص عليه ذلك القدر الذي كان مستعدًا له للترقي، قالوا: ومثل هذا مثل رجلين سائرين على طريق سيرًا واحدًا، ثم عرض لأحدهما ما رده على عقبه أو أوقفه وصاحبه سائر فإذا استقال هدا رجوعه ووقفته وسار بأثر صاحبه لم يلحقه أبدًا لأنه كلما سار مرحلة تقدم ذاك أخرى قالوا: والأول يسير بقوة أعماله وإيمانه وكلما ازداد سيرًا ازدادت قوته، وذلك الواقف الذي رجع قد ضعفت قوة سيره وإيمانه بالوقوف والرجوع، وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يحكي هذا الخلاف، ثم قال: والصحيح إن من التائبين من لا يعود إلى درجته، ومنهم من يعود إليها، ومنهم من يعود إلى أعلى منها فيصير خيرًا مما كان قبل الذنب وكان داود بعد التوبة خيرًا منه قبل الخطيئة، قال: وهذا بحسب حال التائب بعد توبته وجده وعزمه، وحذره وتشميره فإن كان ذلك أعظم مما كان له قبل الذنب عاد خيرًا مما كان وأعلى درجة وإن كان مثله عاد إلى مثل حاله وإن كان دونه لم يعد إلى درجته وكان منحطًا عنها. وهذا الذي ذكره هو فصل النزاع في هذه المسألة ويتبين هذا بمثلين مضروبين أحدهما: رجل مسافر سائر على الطريق بطمأنينة وأمن فهو يعدو مرة ويمشي أخرى ويستريح تارة، وينام أخرى، فبينا هو كذلك إذ عرض له في طريق سيره ظل ظليل، وماء بارد ومقيل، وروضة مزهرة فدعته نفسه إلى النزول على تلك الأماكن فنزل عليها فوثب عليه منها عدو، فأخذه وقيده وكتفه ومنعه عن السير فعاين الهلاك وظن أنه منقطع به وإنه رزق الوحوش والسباع، وأنه قد حيل بينه وبين مقصده الذي يؤمه، فبينا هو على ذلك تتقاذف به الظنون إذ وقف على رأسه والده الشفيق القادر فحل كتافه وقيوده، وقال له: اركب الطريق واحذر هذا العدو فإنه على منازل الطريق بالمرصاد. واعلم أنك ما دمت حاذرًا له متيقظًا لا يقدر عليك، فإذا
رواه ابن ماجة، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) .
ــ
غفلت وثب عليك وأنا متقدمك إلى المنزل وفرط لك فاتبعني على الأثر، فإن كان هذا السائر كيسًا فطنًا لبيبًا حاضر الذهن والعقل، استقبل سيراه استقبالاً آخر أقوى من الأول وأتم، واشتد حذره وتأهب لهذا العدو وأعد له عدته، فكان سيره الثاني أقوى من الأول وخيرًا منه، ووصوله إلى المنزل أسرع وإن غفل عن عدوه وعاد إلى مثل حاله الأول من غير زيادة ولا نقصان، ولا قوة حذر، واستعداد عاد كما كان وهو معرض لما عرض له أولاً وإن أورثه ذلك توانيًا في سيره وفتورًا وتذكرا لطيب مقيله وحسن ذلك الروض وعذوبة ماءه وتفيؤ ظلاله وسكونًا بقلبه إليه لم يعد إلى مثل سيره ونقص عما كان المثل الثاني: عبد في صحة وعافية جسم عرض له مرض أوجب له حمية وشرب دواء وتحفظًا من التخليط ونقض بذلك مادة ردية كانت منقصة لكمال قوته وصحته فعاد بعد المرض أقوى مما كان قبله كما قيل:
لعل عتبك محمود عواقبه وربما صحت الأجسام بالعلل
أوجب وإن له ذلك المرض ضعفًا في القوة وتداركه بمثل ما نقص من قوته عاد إلى مثل ما كان، وإن تداركه بدون ما نقص من قوته عاد إلى دون ما كان عليه من القوة، وفي هذين المثلين كفاية لمن تدبرها. وقد ضرب لذلك مثل آخر برجل خرج من بيته يريد الصلاة في الصف الأول لا يلوي على شيء في طريقه، فعرض له رجل من خلفه جبذ ثوبه وأوقفه قليلاً يريد تعويقه عن الصلاة فله معه حالان: أحدهما: أن يشتغل به حتى تفوته الصلاة فهذه حال غير التائب. الثاني: أن يجاد به على نفسه ويتفلت منه لئلا تفوت الصلاة ثم له بعد هذا التفلت ثلاثة أحوال: أحدها: أن يكون سيره جمزًا ووثبًا ليستدرك ما فاته بتلك الوقفة فربما استدركه وزاد عليه. الثاني: أن يعود إلى سيره. الثالث: أن تورثه تلك الوقفة فتورًا وتهاونًا فيفوته فضيلة الصف الأول أو فضيلة الجماعة، وأول الوقت فهكذا حال التائبين السائرين سواء - انتهى كلام ابن القيم. (رواه ابن ماجة) في باب ذكر التوبة (والبيهقي) والحديث ذكره المنذري في الترغيب، وقال: رواه ابن ماجة، والطبراني كلاهما من رواية أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه ولم يسمع منه، ورواة الطبراني رواة الصحيح، ورواه ابن أبي الدنيا، والبيهقي مرفوعًا أيضًا من حديث ابن عباس وزاد والمستغفر من الذنب وهو مقيم عليه كالمستهزئ بربه. وقد روي بهذا الزيادة موقوفًا ولعله أشبه - انتهى. وقال الهيثمي (ج10: ص200) بعد ذكر حديث ابن مسعود: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه - انتهى. وقال السخاوي في المقاصد: رواه ابن ماجة، والطبراني في الكبير، والبيهقي في الشعب من طريق أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه رفعه، ورجاله ثقات بل حسنه شيخنا (الحافظ ابن حجر) يعني لشواهده وإلا فأبوه عبيدة جزم غير واحد بأنه لم يسمع من
وقال: تفرد به النهراني وهو مجهول. وفي ((شرح السنة)) روى عنه موقوفًا. قال: الندم توبة، والتائب كمن لا ذنب له.
ــ
أبيه - انتهى. وقال ابن الديبع الشيباني (ص67) بعد ذكر كلام السخاوي هذا: وللحديث شواهد ضعيفة (وقال) أي: البيهقي (تفرد به) أي بنقل هذا الحديث (النهراني) بفتح النون وسكون الهاء (وهو مجهول) إما عينه أو حاله وقد تقدم إن رجال الطبراني رجال الصحيح، وكذا رجال ابن ماجة ثقات، والعلة فيه إنما هي الانقطاع في إسناده ولم أجد للنهراني هذا في ما عندي من كتب الرجال ترجمة (وفي شرح السنة روى) أي: البغوي ويحتمل أن يكون بصيغة المجهول (عنه) أي: عن ابن مسعود (موقوفًا) لكنه في حكم المرفوع (قال الندم) أي: على المعصية أي: لكونها معصية وإلا فإذا ندم عليها من جهة أخرى كما إذا ندم على شرب الخمر من جهة صرف المال عليه فليس من التوبة في شيء (توبة) معناه إنه معظمها ومستلزم لبقية أجزائها عادة فإن النادم ينقطع من الذنب في الحال عادة ويعزم على عدم العود إليه في الاستقبال، وبهذا القدر تتم التوبة إلا في الفرائض التي يجب قضاءها فتحتاج التوبة فيها إلى القضاء وإلا في حقوق العباد فتحتاج فيها إلى الاستحلال أي الرد والندم يعني على كل ذلك كما لا يخفى قاله السندي. وقال القاري:((الندم توبة)) أي: أعظم أركانها الندامة، إذ يترتب عليها بقية الأركان من القلع والعزم على عدم العود، وتدارك الحقوق ما أمكن وهو نظير الحج عرفة إلا أنه عكس مبالغة. والمراد الندامة على فعل المعصية من حيث أنها معصية لا غير - انتهى. قلت: اختلفوا في حد التوبة فقال بعضهم: إنها الندم. وقال بعضهم: إنها العزم على أن لا يعود. وقال بعضهم: هي الإقلاع عن الذنب، ومنهم من يجمع بين الأمور الثلاثة وهي أكملها. قال الحافظ: وقال بعضهم: يكفي في التوبة تحقق الندم على وقوع الذنب منه فإنه يستلزم الإقلاع عنه والعزم على عدم العود فهما ناشئان عن الندم لا أصلان معه. ومن ثم جاء الحديث الندم توبة، وهو حديث حسن من حديث ابن مسعود، وأخرجه ابن ماجة، وصححه الحاكم، وأخرجه ابن حبان من حديث أنس وصححه، وقال أيضًا: قد تمسك من فسر التوبة بالندم بما أخرجه أحمد، وابن ماجة، وغيرهما من حديث ابن مسعود رفعه الندم توبة، ولا حجة فيه، لأن المعنى الحض عليه وإنه الركن الأعظم في التوبة لا أنه توبة نفسها - انتهى. (والتائب كمن لا ذنب له) أي: فإذا تاب توبة صحيحة خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، وحديث ابن مسعود هذا رواه أحمد (ج1: ص276: 423: 633) ، والبخاري في تاريخه الكبير (2/1/341 - 343) ، وابن ماجة في باب ذكر التوبة، والحاكم (ج4: ص243) مختصرًا أي: بدون قوله: التائب كمن لا ذنب له، وحسنه الحافظ وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وانظر التهذيب (ج4: ص384، 385) ، وذكر البخاري أسانيد كثيرة للحديث يظهر من بعضها أنه رواه بعضهم موقوفًا من قول ابن مسعود، ولا يضر ذلك لكثرة من رفعه، ولأن الرفع زيادة من الثقة،