المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

إِلا أنَّه ((في دُبُرِ الصَّلَاة)) وَرَوَى أَحْمَد لَفْظ الحَدِيث عِنْدَهُ: - مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٨

[عبيد الله الرحماني المباركفوري]

الفصل: إِلا أنَّه ((في دُبُرِ الصَّلَاة)) وَرَوَى أَحْمَد لَفْظ الحَدِيث عِنْدَهُ:

إِلا أنَّه ((في دُبُرِ الصَّلَاة)) وَرَوَى أَحْمَد لَفْظ الحَدِيث عِنْدَهُ: ((في دُبُرِ كُلِّ صَلاة)) .

2505-

(25) وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ الْكُفْرِ وَالدَّيْنِ. فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَعْدِلُ الْكُفْرِ بالدَّيْنَ؟ قَالَ: نَعَمْ. وَفي رِوَايةٍ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْكُفْرِ وَالْفَقْرِ. قَالَ رَجُلٌ: وَيَعْدِلَانِ؟ قَالَ: نَعَمْ. رَوَاهُ النِسَائِّي.

(9) باب جمع الدعاء

(الفصل الأول)

ــ

حسن غريب، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم وأقره الذهبي (إلا أنه) أي الترمذي (لم يذكر ((في دبر الصلاة)) وروي أحمد لفظ الحديث وعنده ((في دبر الصلاة)) ) قلت روى الإمام أحمد هذا حديث ثلاث مرات الأولى: (ج5: ص36) بدون ذكر دبر الصلاة وبدون القصة، والثانية:(ج5: 39) مع ذكر دبر كل الصلاة، والثالثة:(ج5: ص44) مع ذكر القصة ودبر كل الصلاة.

2505 -

قوله (أتعدل الكفر) أي تساويه وتقارنه (بالدين؟ قال: نعم) قال السندي: أراد الرجل أن قرانهما في الذكر يقتضي قوة المناسبة بينهما في المضرة بحيث أن كلا منهما يساوي الآخر فهل الدين بلغ هذا المبلغ حتى استحق أن يجعل عديلاً للكفر ويذكر قرينًا معه في الذكر فأجاب بأنه كذلك كيف وهو يمنع دخول الجنة كالكفر نعم هو دائمي ومنع الدين إلى غاية الأداء والله تعالى أعلم. (وفي رواية ((اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر)) قال) وفي النسائي ((فقال)) وهكذا في بعض النسخ للمشكاة (رجل: ويعدلان؟) بصيغة المجهول أو المعلوم أي: يعدل أحدهما بالآخر أي: يستويان (قال: نعم) أي نعم المديون يساوي الكافر المنافق لأن الرجل إذا غلب عليه الدين حدث فكذب ووعد فأخلف وتلك من صفات المنافقين وعلامات النفاق، والفقير أيضًا إذا لم يصبر كاد يفضى فقره إلى كفره فهو أسوأ حالاً من المديون (رواه النسائي) الرواية الأولى في باب الاستعاذة من الدين، والثانية في باب الاستعاذة من شر الكفر، وكذا أخرج الروايتين ابن حبان كما في موارد الظمآن (ص604، 605)، وأخرج الحاكم الرواية الأولى فقط (ج1: ص532) وقال: حديث صحيح الإسناد ووافقه الذهبي. قلت: في سنده عندهم دراج أبو السمح رواه عن أبي الهيثم عن أبي سعيد وثقه ابن معين وضعفه الدارقطني. وقال أبو داود: حديثه مستقيم إلا عن أبي الهيثم. وقال أحمد: أحاديث دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد فيها ضعف، وقال في التقريب: صدوق، في حديثه عن أبي الهيثم ضعف.

(باب جامع الدعاء) هو من إضافة الصفة إلى الموصوف أي: الدعاء الجامع لمعان كثيرة في ألفاظ قليلة.

ص: 245

2506-

(1) عن أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي جِدِّي وَهَزْلِي وَخَطَئِي

ــ

2506-

قوله: (أنه كان يدعوا بهذا الدعاء) قال الحافظ: لم أر في شيء من طرقه محل الدعاء بذلك، وقد وقع معظم أخره في حديث ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم كان يقوله في صلاة الليل، ووقع أيضًا في حديث علي عند مسلم أنه كان يقوله في آخر الصلاة، واختلف الرواية هل كان يقوله قبل السلام أو بعده؟ ففي رواية لمسلم ((ثم يكون من آخر ما يقول بين التشهد والسلام: اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت)) وفي رواية له (ولأحمد، وأبي داود، والترمذي)((وإذا سلم قال: اللهم اغفر لي ما قدمت)) إلى آخره. ويجمع بينهما بحمل الرواية الثانية على إرادة السلام لأن مخرج الطريقين واحد، وأورده ابن حبان في صحيحه بلفظ:((كان إذا فرغ من الصلاة وسلم)) وهذا ظاهر في أنه بعد السلام، ويحتمل أنه كان يقول ذلك قبل السلام وبعده وقد وقع في حديث ابن عباس نحو ذلك كما بينته عند شرحه - انتهى (اللهم اغفر لي خطيتئي) أي: سيئتي أو ذنبي قال الحافظ: الخطئية الذنب يقال خطئي يخطأ، ويجوز تسهيل الهمزة فيقال خطية بتشديد الياء (وجهلي) أي: ما صدر مني من أجل جهلي، والجهل ضد العلم، وقال القاري:((وجهلي)) أي: فيما يجب علي علمه وعمله، وقيل: أي: ما لم أعلمه (وإسرافي) الإسراف الإفراط في كل شيء، ومجاوزة الحد فيه أي: تجاوزي عن حدي (في أمري) أي: في أموري كلها قال الكرماني: يحتمل أن يتعلق بالإسراف فقط، ويحتمل أن يتعلق بجميع ما ذكر على سبيل التنازع بين العوامل (وما أنت أعلم به مني) أي: تعلمه ولا أعلمه من المعاصي والسيئات والتقصيرات في الطاعة، وقيل: أي: مما علمته وما لم أعلمه وهو تعميم بعد تخصيص وتتميم لما يستغفر منه (اللهم اغفر لي جدي) بكسر الجيم وهو الاجتهاد في الأمر والتحقيق وضد الهزل (وهزلي) بفتح الهاء وسكون الزاي وهو المزاح أي: ما وقع مني في الحالين أو هو التكلم بالسخرية والبطلان والهذيان (وخطائي) قال في الصحاح: الخطأ نقيض الصواب وقد يمد، والخطأ الذنب، وقال في القاموس: الخطء والخطأ والخطاء ضد الصواب. والخطيئة: الذنب أو ما تعمد منه كالخطء بالكسر والخطأ ما لم يتعمد – انتهى. وقوله: خطائي كذا في جميع نسخ المشكاة والمصابيح بلفظ ضد العمد وهكذا وقع عند مسلم ووقع عند أكثر رواة البخاري ((خطاياي)) قال الحافظ: وقع في رواية الكشميهني ((خطئي)) وكذا أخرجه البخاري في الأدب المفرد بالسند الذي في الصحيح وهو مناسب لذكر العمد، ولكن جمهور الرواة على الأول والخطايا جمع خطيئة وعطف العمد عليها من عطف الخاص على العام فإن الخطيئة أعم من أن تكون عن خطأ أو عمد أو هو من عطف أحد العامين على الآخر يعني أنه اعتبر المغايرة بينهما باختلاف الوصفين. وقال العيني: عطف العمد على الخطايا إما عطف الخاص على العام باعتبار أن الخطيئة

ص: 246

وَعَمْدِي وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. متفقٌ عليه.

2507-

(2) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي

ــ

أعم من التعمد، أو عطف أحد المتقابلين الآخر بأن الخطيئة على ما وقع على سبيل الخطأ (وعمدي) ، أي وتعمدي في ذنبي، (وكل ذلك) ، أي جميع مال ذكر من الذنوب والعيوب، (عندي) ، أي موجود أو ممكن وهو كالتذييل للسابق، أي أنا متصف بجميع هذه الأشياء فاغفرها لي قاله تواضعًا وهضمًا واستكانة وشكرًا لما أعلم أنه قد غفر له أو عد ترك الأولى وفوات الكمال ذنبًا وقيل: أراد ما كان عن غفلة وسهو، وقيل: أراد ما كان قبل النبوة، وقيل: هو محض مجرد تعليم للأمة وعلى كل حال فهو صلى الله عليه وسلم مغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فدعا بهذا وغيره تواضعًا لأن الدعاء عبادة، قاله النووي وغيره (اللهم اغفر لي ما قدمت)، أي من الذنوب والأعمال السيئة أو من التقصير في العمل قبل هذا الوقت (وما أخرت) أي: وما يقع مني بعد ذلك على الفرض والتقدير، وعبر عنه بالماضي لأن المتوقع كالمتحقق، أو معناه ما تركت من العمل، أو قلت سأفعل أو سوف أترك، وقيل: يحتمل أن يكون المراد ما قدم الفاضل وأخر الأفضل، وهذا القدر من هذا الدعاء يدخل فيه جميع ما أشتمل عليه لأن جميع ما ذكر فيه لا يخلو عن أحد الأمرين فهما شاملان لجميع ما سبق كقوله (وما أسررت) أي: أخفيت (وما أعلنت) أي: أظهرت والمقصود استيفاء المغفرة لأنواع الذنوب كلها، وقيل: المراد ما حدثت به نفسي وما تحرك به لساني (أنت المقدم) لمن تشاء من خلقك بتوفيقك إلى رحمتك (وأنت المؤخر) لمن تشاء عن ذلك، وقيل: أي: أنت المقدم بعض العباد إليك بتوفيق الطاعة أو أنت المقدم لي بالبعث في الآخرة وأنت المؤخر بخذلان بعضهم عن التوفيق فتؤخره عنك أو أنت المؤخر لي بالبعث في الدنيا أو أنت الرافع والخافض أو المعز والمذل (وأنت على كل شيء قدير) جملة مؤكدة لمعنى ما قبلها وعلى كل شيء متعلق بقدير وهو فعيل بمعنى فاعل أي: كامل القدرة، وفي الحديث الإحاطة بمغفرة جميع الذنوب متقدمها ومتأخرها وسرها وعلنها وما كان منها على جهة الإسراف وما علم به الداعي وما لم يعلم به (متفق عليه) أخرجاه في الدعوات، وأخرجه أيضًا أحمد (ج4: ص391 - 417) ، والبخاري في الأدب المفرد (ج2: ص139، 140، 141) ، والبيهقي، والبغوي وغيرهم.

2507-

قوله: (اللهم أصلح لي) أي: عن الخطأ (ديني الذي هو عصمة أمري) بكسر العين أي: يعصمني من النار وغضب الجبار وقيل: أي: ما يعتصم به فإن العصمة في النفس والمال والعرض إنما يحصل بالدين. والعصمة على ما في الصحاح المنع والحفظ، فقيل هو مصدر ها هنا بمعنى الفاعل أي: الذي هو حافظ لأمري أي: لجميع أموري لأنه مفرد مضاف. قال المناوي: فإن من فسد دينه فسدت جميع أموره وخاب وخسر في الدنيا والآخرة (وأصلح لي دنياي التي

ص: 247

فِيهَا مَعَاشِي وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي وَاجْعَلْ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ وَاجْعَلْ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ. رواه مسلم.

2508-

(3) وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى

ــ

فيها معاشي) أي: بإعطاء الكفاف فيما يحتاج إليه وكونه حلالاً معينًا على الطاعة. وقيل: معناه احفظ من الفساد ما أحتاج إليه في الدنيا (وأصلح لي آخرتي) أي: بالتوفيق للعبادة والإخلاص في الطاعة وحسن الخاتمة (التي فيها معادي) مصدر عاد إذا رجع أي: وفقني للطاعة التي هي إصلاح معادي قاله القاري. وقال الجزري: أي: ما أعود إليه يوم القيامة وهو إما مصدر أو ظرف انتهى أي: مكان عودي أو زمان إعادتي (واجعل الحياة زيادة لي في كل خير) أي: اجعل حياتي سبب زيادة الخيرات من العبادة والطاعة والإخلاص وقيل: أي: اجعل عمري مصروفًا فيما تحب وترضى وجنبني عما تكره (واجعل الموت راحة لي من كل شر) أي: من الفتن والمحن والابتلاء بالمعصية والغفلة. وقال زين العرب: أي: بأن يكون على شهادة واعتقاد حسن وتوبة حتى يكون موتي سبب خلاصي عن مشقة الدنيا والتخليص من غمومها وهمومها وحصول الراحة في العقبى. وقيل: فيه إشارة إلى قوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أردت بقوم فتنة فتوفني غير مفتون)) وهذا هو النقصان الذي يقابل الزيادة في القرينة السابقة. قال الشوكاني في تحفة الذاكرين (ص284) : هذا الحديث من جوامع الكلم لشموله لصلاح الدين والدنيا، ووصف إصلاح الدين بأنه عصمة أمره لأن صلاح الدين هو رأس مال العبد وغاية ما يطلبه، ووصف إصلاح الدنيا بأنها مكان معاشه الذي لا بد منه في حياته وسأله إصلاح آخرته التي هي المرجع وحولها يدندن العباد وقد استلزم ذلك سؤال إصلاح الدين لأنه إذا أصلح دين الرجل فقد أصلح له آخرته التي هي دار معاده، وسأله أن يجعل الحياة زيادة له في كل خير لأن من زاده الله خيرًا في حياته كانت حياته صلاحًا وفلاحًا وسأله أن يجعل له الموت راحة له من كل شر لأنه إذا كان الموت دافعًا للشرور قاطعًا لها ففيه الخير الكثير للعبد ولكنه ينبغي له أن يقول: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه يشمل كل أمره ومعلوم أن من لم يكن في حياته إلا الوقوع في الشرور فالموت خير له من الحياة وراحة له من محنها - انتهى. (رواه مسلم) في الدعاء، ولم يخرجه البخاري في صحيحه فهو من أفراد مسلم، نعم أخرجه البخاري في الأدب المفرد (ج2: ص122) ، وأبو عوانة في الدعوات، والطبراني في الصغير (ص128) .

2508-

قوله: (اللهم إني أسألك الهدى والتقى) بالضم والقصر أي: الهداية والتقوى (والعفاف) بالفتح الكف عن المعاصي وعما لا ينبغي (والغنى) بالكسر والقصر اليسار والمراد غنى القلب لا غنى اليد. قال النووي: العفاف والعفة هو التنزه عما لا يباح والكف عنه والغنى ها هنا غنى النفس والاستغناء عن الناس وعما في أيديهم. وقال في

ص: 248

رَوَاهُ مُسْلِم.

2509-

(4) وعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: قُلْ اللَّهُمَّ اهْدِنِي وَسَدِّدْنِي وَاذْكُرْ بِالْهُدَى هِدَايَتَكَ الطَّرِيقَ وَبالسَّدَادِ سَدَادَ السَّهْمِ. رواه مسلم.

ــ

المعتصر: ليس المراد بالغنى غنى المال بل غنى النفس القاطع عن المال الذي يقطع المرء عن الطاعات ويشغل القلب عن الله تعالى فالغنى المحمود هو الغنى الذي يتفرغ به القلب عن الدنيا وعن الاهتمام بها فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما أحب أن لي أحدًا ذهبًا تأتي عليّ ليلة وعندي منه دينار إلا دينارًا أرصده لدين أو أقول به في عباد الله هكذا وهكذا. قال الطيبي: أطلق الهدى والتقى ليتناول كل ما ينبغي أن يهتدي إليه من أمر المعاش والمعاد ومكارم الأخلاق وكل ما يجب أن يتقى منه من الشرك والمعاصي ورذائل الأخلاق وطلب العفاف والغنى تخصيص بعد تعميم (رواه مسلم)، في الدعاء وأخرجه أيضًا أحمد (ج1: ص389، 411، 416، 427) ، والبخاري في الأدب المفرد (ج2: ص128) ، والترمذي، وابن ماجة في الدعاء والبغوي (ج5: ص174) .

2509-

قوله (اللهم اهدني) ، أي إلى مصالح أمري أو ثبتني على الهداية إلى الصراط المستقيم أو دلني على الكمالات الزائدة (وسددني) ، أمر من التسديد، أي اجعلني على السداد بفتح السين المهملة وهو الاستقامة وإصابة القصد في الأمر والعدل فيه، أي وفقني واجعلني مصيبًا في جميع أموري مستقيمًا. قال الطيبي: فيه معنى قوله تعالى: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} (11: 112) و {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} ، أي اهدني هداية لا أميل بها إلى طرفي الإفراط والتفريط (واذكر) عطف على قل، أي اقصد وتذكر يا علي (بالهدى) بالضم والقصر معناه الرشاد ويذكر ويؤنث (هدايتك الطريق) ، أي المستقيم (وبالسداد) بفتح السين (سداد السهم)، وفي رواية أحمد وأبي داود تسد يدك السهم. قال النووي: سداد السهم تقويمه. وأصل السداد الاستقامة والقصد في الأمور. قال الطيبي: أمره بأن يسأل الهدى والسداد وأن يكون في ذكره مخطرًا بباله أن المطلوب هداية كهداية من ركب متن الطريق وأخذ في المنهج المستقيم، وسداد يشبه بسداد السهم نحو الغرض. وقال الخطابي في المعالم (ج6: ص116) قوله: ((واذكر بالهدى هداية الطريق)) معناه أن سالك الطريق والفلاة وإنما يؤم سمت الطريق ولا يكاد يفارق الجادة ولا يعدل عنها يمنة ويسرة خوفًا من الضلال وبذلك يصيب الهداية وينال السلامة، يقول: إذا سألت الهدى فاخطر بقلبك هداية الطريق وسل الله الهدى والاستقامة كما تتحراه في هداية الطريق إذا سلكتها، وقوله:((واذكر بالسداد تسديدك السهم)) معناه أن الرامي إذا رمى غرضًا سدد بالسهم نحو الغرض ولم يعدل عنه يمينَا ولا شمالاً ليصيب الرمية فلا يطيش سهمه ولا يخفق سعيه يقول: فاختر المعنى بقلبك حين تسأل الله السداد ليكون ما تنويه من ذلك على شاكلة ما تستعمله في الرمي. (رواه مسلم) في الدعاء، وأخرجه أيضًا أحمد (ج1: ص88، 134، 138، 154) ، وأبو داود في الخاتم، والنسائي في الزينة.

ص: 249

2510-

(5) وعن أبي مالك الأشجعي عن أبيه قال: كان الرجل إذا أسلم علمه النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة، ثم أمره أن يدعو بهؤلاء الكلمات: اللهم اغفر لي، وارحمني، واهدني، وعافني، وارزقني.

رواه مسلم.

2511-

(6) وعن أنس قال: كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

ــ

2510-

قوله (وعن أبي مالك الأشجعي) اسمه سعد بن طارق بن أشيم، تقدم ترجمته وترجمة أبيه في (ج2: ص223) (كان الرجل إذا أسلم علمه النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة) ، أي جنس مسائل الصلاة من شروطها وأركانها أو الصلاة تحضره فإنه فرض عينه (ثم أمره أن يدعو بهؤلاء الكلمات) لكونها جامعة لجميع خيرات الدنيا والآخرة (اللهم اغفر لي) ، أي بمحو ذنوبي (وارحمني) ، أي بستر عيوبي (واهدني) ، أي إلى سبيل السلامة أو ثبتني على نهج الاستقامة (وعافني) ، أي من البلايا والخطايا (وارزقني) ، أي رزقًا حلالاً. (رواه مسلم)، في الدعاء وأخرجه أيضًا أحمد (ج3: ص472) ، وروى مسلم وأحمد أيضًا (ج3: ص472، وج6: ص394) ، وابن ماجة في الدعاء من طريق يزيد بن هارون عن أبي مالك الأشجعي عن أبيه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وأتاه رجل فقال: يا رسول الله كيف أقول حين أسأل ربي؟ قال: قل اللهم اغفر لي وارحمني وعافني وارزقني، ويجمع أصابعه إلا الإبهام فإن هؤلاء تجمع لك دنياك وآخرتك.

2511-

قوله (كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم) ، أي لكونه دعاء جامعًا ولكونه من القرآن مقتبسًا وجعل الله داعية ممدوحًا (اللهم آتنا في الدنيا) ، أي قبل الموت، وهذا لفظ البخاري في الدعوات ورواه في تفسير البقرة بلفظ ((كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم ربنا آتنا في الدنيا)) . وأخرجه مسلم وغيره بلفظ ((كان أكثر دعوة يدعو بها يقول اللهم آتنا في الدنيا)) إلى آخرة. قال: وكان أنس إذا أراد أن يدعو بدعوة (أي واحدة) ، دعا بها، (أي بهذه الدعوة أي اللهم آتنا في الدنيا حسنة إلى آخره) ، وإذا أراد أ، يدعو بدعاء (أي كثير طويل) دعا بها فيه (أي بهذه الدعوة في ضمن دعواته الكثيرة) وللبغوي قال:((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول)) (حسنة) ، أي كل ما يسمى نعمة ومنحة عظيمة وحالة مرضية (وفي الآخرة) ، أي بعد الموت (حسنة) ، أي مرتبة مستحسنة (وقنا عذاب النار) ، أي احفظنا منه وما يقرب إليه، قال الطيبي: قوله ((وقنا عذاب النار)) تنميم، أي إن صدر منا ما يوجبه من التقصير والعصيان فاعف عنا وقنا عذاب النار. قيل: المراد بالحسنة كل ما يعطاه العبد في الدنيا مما يلائم طبعه من العيشة الطيبة والغنى والعافية والمرأة الحسنة وغير ذلك مما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين من المباح والحلال وكذلك كل ما يعطاه في الآخرة يكون حسنة بلا واسطة أو بواسطة،

ص: 250

متفق عليه.

ــ

وأما ما يذكر عن علي أن الحسنة في الدنيا المرأة الصالحة، وفي الآخرة الحور العين، وعذاب النار المرأة السوء، وعن الحسن البصري أنها العلم النافع والعبادة والرزق الطيب، وفي الآخرة الجنة، وعن قتادة أنها العافية في الدنيا والآخرة. وعن السدي ومقاتل أن حسنة الدنيا الرزق الحلال الواسع والعمل الصالح وحسنة الآخرة المغفرة والثوب. وعن عطية: حسنة الآخرة تيسير الحساب ودخول الجنة، وعن غيره: أن حسنة الدنيا الصحة والكفاف والعفاف في الدنيا والثواب والرحمة في الآخرة ونحو ذلك فمثال لا غير. قال القاضي عياض: إنما كان يكثر الدعاء بهذه الآية لجمعها معاني الدعاء كلها من أمر الدنيا والآخرة، قال: والحسنة عندهم ها هنا النعمة، فسأل نعيم الدنيا والآخرة، والوقاية من العذاب. وقال ابن كثير في تفسيره: جمعت هذه الدعوة كل خير في الدنيا وصرفت كل شر فإن الحسنة في الدنيا تشمل كل مطلوب دنيوي من عافية ودار رحبة وزوجة حسنة، وولد بار، ورزق واسع، وعلم نافع، وعمل صالح، ومركب هين، وثناء جميل، إلى غير ذلك، مما اشتملت عليه عبارات المفسرين ولا منافاة بينها فإنها كلها مندرجة في الحسنة في الدنيا، وأما الحسنة في الآخرة فأعلى ذلك دخول الجنة وتوابعه من الأمن من الفزع الأكبر في العرصات وتيسير الحساب وغير ذلك من أمور الآخرة الصالحة، وأما النجاة من النار والوقاية من عذابه فهو يقتضي تيسير أسبابه في الدنيا من اجتناب المحارم والآثام وترك الشبهات والحرام. قال الحافظ: أو العفو محضًا ومراده بقوله وتوابعه ما يلتحق به في الذكر لا ما يتبعه حقيقة - انتهى. وقال القرطبي: والذي عليه أكثر أهل العلم أن المراد بالحسنتين نعيم الدنيا والآخرة. قال: وهذا هو الصحيح فإن اللفظ يقتضي هذا كله فإن ((حسنة)) نكرة في سياق الدعاء فهو محتمل لكل حسنة من الحسنات على البدل وحسنة الآخرة الجنة بإجماع - انتهى. وقال القاري: لعله صلى الله عليه وسلم كان يكثر هذا الدعاء لأنه من الجوامع التي تحوز جميع الخيرات الدنيوية والأخروية، وبيانه أنه صلى الله عليه وسلم كرر الحسنة ونكرها وقد تقرر في علم المعاني أن النكرة إذا أعيدت كانت غير الأول فالمطلوب في الأولى الحسنات الدنيوية من الاستقامة والتوفيق والوسائل إلى اكتساب الطاعات والميراث بحيث تكون مقبولة عند الله، وفي الثانية ما يترتب عليها من الثواب والرضوان في العقبى، وفي تفسير الآية أقوال كثيرة كلها ترجع إلى المعنى الأعم - انتهى. وقال الشوكاني: الظاهر أن المراد أنه يكون ما يعطاه في الدنيا حسنة فيكون كل خصلة من خصال الدنيا حسنة وكل خصلة من خصال الآخرة حسنة. أو يقال: المراد حسن المعاش وحسن المعاد وحسن الحياة وحسن الممات فإن ذلك يستلزم أن يكون كل أمور دنياه وآخرته حسنة (متفق عليه) أخرجه البخاري في تفسير البقرة، وفي الدعوات، ومسلم في الدعاء. واللفظ للبخاري في الدعوات، وأخرجه أيضًا أحمد (ج: ص) ، والبخاري في الأدب المفرد (ج2: ص130، 134) ، وأبو داود في أواخر الصلاة، والنسائي في اليوم والليلة، والبغوي (ج5: ص181، 182) .

ص: 251