المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌(الفصل الثاني) 2398- (12) عن عقبة بن عامر، قال: قال رسول - مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٨

[عبيد الله الرحماني المباركفوري]

الفصل: ‌ ‌(الفصل الثاني) 2398- (12) عن عقبة بن عامر، قال: قال رسول

(الفصل الثاني)

2398-

(12) عن عقبة بن عامر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن مثل الذي يعمل السيئات ثم يعمل الحسنات، كمثل رجل كانت عليه درع ضيقة قد خنقته، ثم عمل حسنة فانكفت حلقة ثم عمل أخرى فانفكت أخرى حتى تخرج إلى الأرض.رواه في ((شرح السنة)) .

2399-

(13) وعن أبي الدرداء. أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم: يقص على المنبر وهو يقول

ــ

2398-

قوله: (إن مثل الذي يعمل السيئات ثم يعمل الحسنات) أي صفته (كمثل رجل) قيد به لمناسبته بالدرع (كانت عليه درع) بكسر الدال المهملة، وهي قميص من زر والحديد يلبس وقاية من سلاح العدو مؤنث، وقد يذكر بخلاف درع المرأة أي قميصها فإنه مذكر (قد خنقته) أي عصرت حلقه ولبته لضيقها (ثم عمل حسنة) أي أي حسنة كانت والتنوين للتنكير (فانفكت) أي انحلت (حلقة) بسكون اللام أي من حلق تلك الدرع (ثم عمل) أخرى أي حسنة أخرى (فانفكت أخرى) أي حلقة من الحلق وهكذا تنفك واحدة بواحدة بعد أخرى (حتى تخرج إلى الأرض) أي حتى تسقط تلك الدرع. قال الطيبي: أي حتى تنحل وتنفك بالكلية ويخرج صاحبها من ضيقها فقوله: تخرج إلى الأرض كناية عن سقوطها - انتهى. والمقصود من الحديث أن عمل السيئات يضيق صدر عاملها، ويحيره في أمره ويعسره عليه فلا تيسر له أموره ويسود قلبه ويضيق عليه رزقه ويبغضه إلى الناس، وإذا عمل الحسنات تذهب حسناته سيئاته كما قال الله عز وجل:{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} (هود: 114) فإذا زالت سيئاته انشرح صدره وتوسع رزقه وطاب قلبه وتيسر له أموره وصار محبوبًا في قلوب الناس فالحديث تمثيل وبيان لقوله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} (رواه) أي البغوي (في شرح السنة) أي بإسناده، وأخرجه أيضًا أحمد (ج4: ص145) من رواية عبد الله بن المبارك. قال أنا ابن لهيعة قال حدثني يزيد بن أبي حبيب قال: حدثا أبو الخير، أنه سمع عقبة بن عامر وابن لهيعة فيه كلام معروف، لكن رواية ابن المبارك عنه حسن. قال عبد الغني بن سعيد الأزدي، إذا روى العبادلة عن ابن لهيعة فهو صحيح ابن المبارك وابن وهب والمقري، وذكر الساجي وغيره مثله كذا في التهذيب (ج5: ص 378) وقال في التقريب: إنه صدوق خلط بعد احتراق كتبه، ورواية ابن المبارك وابن وهب عنه أعدل من غيرهما، وله في مسلم بعض شيء مقرون والحديث ذكره المنذري في الترغيب (ج4 ص 25)، والهيثمي في مجمع الزوائد (ج10: ص 201، 202) وقالا: رواه أحمد والطبراني وأحد أسنادي الطبراني رجاله رجال الصحيح.

2399-

قوله (يقص) أي يحدث الناس ويعظهم ويذكرهم (ويقول) أي والحال أنه يقول ويحتمل أن

ص: 102

{وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} قلت: وإن زنى وإن سرق؟ يا رسول الله! فقال الثانية: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ}

ــ

يكون للعطف على يقص (ولمن خاف) أي لكل فرد من أفراد الخائفين أو لمجموعهم يعني الكلام على سبيل التوزيع فإحدى الجنتين للخائف الإنسي، والأخرى للخاف الجني، فكل خائف ليس له إلا جنة واحدة والأول هو المعتمد (مقام ربه) مقامه سبحانه هو الموقف الذي يقف فيه العباد للحساب أو قيام الخائف عند ربه للحساب يعني ولمن خاف من القيام بحضرة ربه يوم القيامة، قال تعالى:{يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} (المطففين: 6) وقيل: المعنى خاف مقام ربه عليه وهو إشرافه على أحواله وإطلاعه على أفعاله وأقواله من قام عليه إذ راقبه، كما في قوله:{أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} ، ومحصل ذلك احتمالات ثلاث في تفسير المقام. أولها: إنه اسم مكان. والثاني: أنه مصدر تحته احتمالان إما بمعنى قيام الخلائق بين يدي الله أو بمعنى قيام الله على الخلائق، وأضاف إلى الرب تفخيمًا وتهويلاً. وقيل: أي لمن خاف ربه مقام مقحم للمبالغة، كقوله: أنفيت عنه مقام الذئب. قال مجاهد والنخعي: هو الرجل الذي يهم بالمعصية فيذكر الله فيدعها من خوفه، وفيه إشارة إلى سبب استحقاق الجنتين في نفس الأمر، وهو أنه ليس مجرد الخوف بل الخوف الناشئ عنه ترك المعاصي. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في هذه الآية قال: وعد الله المؤمنين الذين خافوا مقامه فأدوا فرائضه الجنة، وأخرج ابن جرير عنه أيضًا يقول خاف ثم أتقى والخائف من ركب طاعة الله وترك معصيته. (جنتان) أي جنتان ذواتا أفنان إلى آخر صفاتهما المذكورة في القرآن المبينة أنهما أعلى من الجنتين المذكورتين بعدهما من الجنان ومن ثمة قال:{وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} أي في المرتبة والنعيم والشرف، واختلف في الجنتين أولاً، فقيل: جنة لفعل الطاعة وأخرى لترك المعصية. وقيل: جنة للعقيدة وأخرى للعمل. وقيد جنة بالعمل، وجنة بالتفضيل. وقيل: غير ذلك، والأظهر أن يقال: جنتان من ذهب آنيتهما وقصورهما وحليهما وما فيهما ومن دونهما جنتان أي من فضة كذلك وإليه ذهب ابن كثير حيث قال الصحيح إن هذه الآية عامة كما قاله ابن عباس وغيره بقول الله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ} (النازعات: 40) بين يدي الله عز وجل يوم القيامة {وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} (النازعات 40) ولم يطغ ولا آثر الحياة الدنيا، وعلم أن الآخرة خير وأبقى، فأدى فرائض الله واجتنب محارمه فله يوم القيامة عند ربه جنتان، كما روى البخاري (بسنده) عن أبي موسى الأشعري مرفوعًا: جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما - الحديث. وقال في فتح القدير (ج5: ص141) أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله:{وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} (الرحمن: 46) وفي قوله: {وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} (الرحمن: 62) قال: جنتان من ذهب للمقربين، وجنتان من وِرق لأصحاب اليمين. وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد وابن المنذر، والحاكم

ص: 103

فقلت الثانية: وإن زنى وإن سرق؟ يا رسول الله! فقال الثالثة: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} فقلت الثالثة: وإن زنى وإن سرق يا رسول الله! قال: وإن رغم أنف أبي الدرداء. رواه أحمد.

2400-

(14) وعن عامر الرام،

ــ

وصححه ابن مردويه والبيهقي في البعث عن أبي موسى في الآية. قال: جنتان من ذهب للسابقين، وجنتان من فضة للتابعين. (قلت: وإن زنى وإن سرق يا رسول الله) إن وصلية. أي ولو زنى وسرق الخائف له جنتان. قال ابن حجر: إن سبق منه قبل هذا الخوف نحو الزنا والسرقة ويصح على بعد وإن فعلهما مع هذا الخوف، ووجه بعده اجتماع هذا الخوف وفعل ذينك وأمثالها - انتهى. وقيل: المعنى من خاف الله في معصيته فتركها يعطيه الله بستانين في الجنة وإن زنا وإن سرق في وقت وتاب لم يبطل زناه وسرقته ثواب خوفه من الله تعالى في معصية أخرى غير تلك الزنية والسرقة. (فقال الثانية) أي في المرة الثانية زيادة في التأكيد (وإن رغم أنف أبي الدرداء) بكسر الغين المعجمة أي لصق بالرغام وهو التراب ذلاً وهوانًا. قال القارئ: ظاهر الحديث إن من على عمومه، والمراد بالخائف المؤمن فكيف يكون نظير حديث رواه الشيخان عن أبي ذر مرفوعًا ما من عبد قال: لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة. قلت: وإن زنى وإن سرق. قال: وإن زنى وإن سرق، ثم قال في الثالثة أو الرابعة: على رغم أنف أبي ذر - الحديث. كما سبق في كتاب الإيمان - انتهى. قلت: ونحوه ما رواه أحمد (ج6: ص442) عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له دخل الجنة. قال: قلت: وإن زنى وإن سرق، قال: وإن زنى وإن سرق. ثم قال في الثالثة: على رغم أنف أبي الدرداء. قال: فخرجت لأنادي بها في الناس، قال: فلقيني عمر فقال: ارجع فإن الناس إن علموا بهذه اتكلوا عليها، فرجعت فأخبرته صلى الله عليه وسلم فقال: صدق عمر. (رواه أحمد) لم أجده في مسنده في مسند أبي الدرداء. ويمكن أن يكون ذكره في غير مظنته، والحديث ذكره الحافظ ابن كثير في تفسيره ولم يعز لأحمد بل عزاه لابن جرير، والنسائي، وقال وقد روي موقوفًا على أبي الدرداء وروي عنه أنه قال: إن من خاف مقام ربه لم يزن ولم يسرق. نعم عزا الحديث الهيثمي في مجمع الزوائد (ج7: ص118) لأحمد والطبراني، وقال: ورجال أحمد رجال الصحيح وذكره الشوكاني في فتح القدير (ج5: ص140) وعزاه لابن أبي شيبة، وابن منيع، وأحمد، والحاكم والنسائي، والبزار، وأبي يعلى، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والطبراني.

2400-

قوله (وعن عامر الرام) أي الرامي، فحذف الياء تخفيفًا كما في المتعال، وهو أخو الخضر بضم الخاء وسكون الضاد المعجمتين المحاربي من ولد مالك بن مطرف بن خلف بن محارب صحابي له حديث واحد. قال في التهذيب: عامر الرام. وقيل: الرامي أخو الخضر بن محارب عداده في الصحابة، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم -

ص: 104

قال: بينا نحن عنده، يعني عند النبي صلى الله عليه وسلم، إذا أقبل رجل عليه كساء في يده شيء قد التفت عليه، فقال: يا رسول الله! مررت بغيضة شجر، فسمعت فيها أصوات فراخ طائر، فأخذتهن فوضعتهن في كسائي فجاءت أمهن فاستدارت على رأسي فكشفت لها عنهن، فوقعت عليهن فلففتهن بكسائي، فهن أولاء معي قال: ضعهن فوضعتهن وأبت أمهن إلا لزومهن. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتعجبون لرحم أم الأفراخ فراخها، فوا لذي بعثني بالحق: لله أرحم بعباده من أم الأفراخ بفراخها إرجع بهن حتى تضعهن من حيث أخذتهن

ــ

: إن المؤمن إذا ابتلى ثم عافاه الله كان كفارة لذنوبه - الحديث. قاله محمد بن إسحاق عن رجل من أهل الشام يقال له: أبو منظور عن عمه عن عامر به، وقال في الإصابة: كان عامر راميًا حسن الرمي فلذلك قيل له الرامي وكان شاعرًا وفيه يقول الشماخ:

فحلأها عن ذي الاراكة عامر

أخو الخضر يرمي حيث تردى الهواجر

وكان يقال لولد مالك الخضر لأنه كان شديد الأدمة، وقال في أسد الغابة: قيل لمالك وأولاده الخضر. لأنه كان آدم وكان عامر أرمى العرب (يعني عند النبي صلى الله عليه وسلم) تفسير من الرواي عن الرامي قاله القاري. والظاهر إن هذا التفسير من البغوي، إذ وقع كذلك في المصابيح (كساء) بكسر الكاف (قد التف عليه) أي لف الرجل كساءه على ذلك الشيء (فقال) أي الرجل (مررت بغيضة شجر) الغيضة بفتح الغين الأجمة ومجتمع الشجر وبالفارسية بيشه وجنكل. والأجمة الشجرة الكثيرة الملتف، وبالفارسية نيستان وأنبوه درختان. والشجر اسم الجنس يقع على القليل والكثير وأضاف الغيضة إليه لمزيد البيان (فسمعت فيها) أي في الغيضة (أصوات فِراخ طائر) بكسر الفاء جمع فرخ هو ولد الطائر (فأخذتهن) أي الفراخ (فاستدارت) أي دارت (فكشفت لها) أي لأم الفراخ (عنهن) أي عن الفراخ يعني رفعت الكساء ونحيته عن وجه الفراخ لأجل أمهن حتى رأتهن (فوقعت) أي سقطت أم الفراخ (فلففتهن) أي جميعهن (فهن) أي هن وأمهن (أولاء) اسم إشارة (معي) أي تحت كسائي. (فقال) أي النبي صلى الله عليه وسلم، وفي بعض النسخ قال: أي بدون الفاء كما في أبي داود (فوضعتهن) أي وكشفت عنهن وعن أمهن (وأبت أمهن) أي امتنعت (إلا لزومهن) أي عدم مفارقتهن استثناء مفرغ لما في أبت من معنى النفي، أي ما فارقتهن بعد كشف الكساء بل ثبتت معهن من غاية رحمتها بهن (أتعجبون لرحم أم الأفراخ) أي لشفقتها ورحمتها، والرحم بالضم وبضمتين مصدر كالرحمة وهو التعطف والشفقة (فراخها) منصوب على المفعولية (ارجع بهن حتى تضعهن من حيث أخذتهن)

ص: 105