الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
]
الْحُكْمُ مُخْتَصٌّ بِنَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} [مريم: 6] وَقَالَ: وَهِيَ وِرَاثَةُ مَالٍ لَا نُبُوَّةَ، وَإِلَّا لَمْ يَقُلْ:{وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي} [مريم: 5] إِذْ لَا يَخَافُهُمْ عَلَى النُّبُوَّةِ، وَصَوَّبَ الْجُمْهُورَ خِلَافَ قَوْلِهِ لِخَبَرِ النَّسَائِيِّ:(إِنَّا مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ) . وَالْمُرَادُ فِي الْآيَةِ: وِرَاثَةُ النُّبُوَّةِ دُونَ حَقِيقَةِ الْإِرْثِ، بَلْ قِيَامُهُ مَقَامَهُ وَحُلُولُهُ مَكَانَهُ، وَعَلَى هَذَا فَإِنَّمَا خَافَ مِنِ اسْتِيلَاءِ الْمَوَالِي عَلَى مَرْتَبَتِهِ الظَّاهِرَةِ بِالْقَهْرِ وَالْقُوَّةِ وَالْغَلَبَةِ، هَذَا وَقَالَ الْبَاجِيُّ: أَجْمَعَ أَهْلُ السُّنَّةِ أَنَّ هَذَا حُكْمُ جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ، وَقَالَ ابْنُ عُلَيَّةَ: إِنَّ ذَلِكَ لِنَبِيِّنَا عليه الصلاة والسلام وَقَالَتِ الْإِمَامِيَّةُ: إِنَّ جَمِيعَ الْأَنْبِيَاءِ يُوَرَّثُونَ ذَكَرَهُ السُّيُوطِيُّ.
5976 -
وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
5976 -
(وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (لَا نُورَثُ) ، بِسُكُونِ الْوَاوِ وَفَتْحِ الرَّاءِ أَيْ نَحْنُ مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ، قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ: لَا يُورَثُ مِنَّا، فَحُذِفَ الْجَارُّ فَاسْتَمَرَّ ضَمِيرُ الْجَمْعِ فِي الْفِعْلِ، فَانْقَلَبَ الْفِعْلُ عَنْ لَفْظِ الْغَائِبِ إِلَى لَفْظِ الْمُتَكَلِّمِ اه. وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ، وَجَعَلَهُ بَعْضُ اللُّغَوِيِّينَ مُتَعَدِّيًا بِنَفْسِهِ وَبِمَنْ، فَلَا خِلَافَ وَلَا تَحْوِيلَ عَنِ الْإِسْنَادِ، وَكَذَا حَقَّقَهُ الْأُسْتَاذُ مَوْلَانَا عَبْدُ اللَّهِ السِّنْدِيُّ رحمه الله وَقَدْ جَاءَ اللُّغَتَانِ فِي التَّنْزِيلِ:{يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} [مريم: 6] . وَفِي الْقَامُوسِ: وَرِثَ أَبَاهُ وَمِنْهُ بِكَسْرِ الرَّاءِ يَرِثُهُ كَيَعِدُهُ وَأَوْرَثَهُ جَعَلَهُ مِنْ وَرَثَتِهِ، وَحَكَى نُورِثُ عَلَى صِيغَةِ الْمَعْلُومِ، وَكَذَا ضُبِطَ فِي نُسْخَةٍ أَيْ لَا نَتْرُكُ مَالًا مِيرَاثًا لِأَحَدٍ. قَالَ الْمُغْرِبُ: وَرَّثَ أَبَاهُ مَالًا يَرِثُ وَارِثَهُ فَهُوَ وَارِثٌ وَالْأَبُ وَالْمَالُ كِلَاهُمَا مَوْرُوثٌ، وَمِنْهُ: إِنَّا مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ وَكَسْرُ الرَّاءِ خَطَأُ دِرَايَةٍ اه.
وَبِهِ انْدَفَعَ زَعْمُ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ هُوَ الْأَظْهَرُ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَيْسَ بِخَطَأِ دِرَايَةٍ لَوْ صَحَّتْ رِوَايَةً لِمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْمَعْنَى الْمُسْتَفَادِ مِنْ (الْقَامُوسِ) . (مَا تَرَكْنَاهُ) : الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى مَا: الْمَوْصُولَةِ (صَدَقَةٌ) : بِالرَّفْعِ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ، لِمَا قِيلَ: لَا نُورَثُ، فَقِيلَ: مَا تَفْعَلُونَ بِتَرِكَتِكُمْ؟ فَأُجِيبَ: مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ. ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ، وَيُرْوَى صَدَقَةً بِالنَّصْبِ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي نُسْخَةٍ أَيْ: مَا تَرَكْنَاهُ مَبْذُولٌ صَدَقَةً، فَحُذِفَ الْخَبَرُ وَبَقِيَ الْحَالُ كَالْعِوَضِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} [يوسف: 8] بِالنَّصْبِ فِي قِرَاءَةٍ شَاذَّةٍ،: وَأَمَّا قَوْلُ الشِّيعَةِ: إِنَّ (مَا) نَافِيَةٌ. وَصَدَقَةٌ: مَفْعُولُ تَرَكْنَا فَبُهْتَانٌ وَزُورٌ، وَيَرُدُّهُ وُجُودُ الضَّمِيرِ فِي تَرَكْنَا. فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ وَوُجُودُ فَهُوَ صَدَقَةٌ فِي بَعْضِهَا وَصَرَائِحُ بَعْضِ الْأَحَادِيثِ كَقَوْلِهِ:( «إِنَّا مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ» ) . لِمَا يَلْزَمُ مِنَ التَّنَاقُضِ بَيْنَ السَّابِقِ وَاللَّاحِقِ وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّادِقِ.
وَأَمَّا مَا جَاءَ فِي رِوَايَةِ (مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ) مِنْ غَيْرِ ضَمِيرٍ، فَهُوَ كَمَا قَالَ الْمَالِكِيُّ: إِنَّ (مَا) فِي مَا تَرَكْنَا مَوْصُولَةٌ مُبْتَدَأٌ، وَتَرَكْنَا صِلَةٌ، وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ وَصَدَقَةٌ خَبَرٌ، وَبِهِ يَحْصُلُ الْجَمْعُ رِوَايَةً وَدِرَايَةً. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
5977 -
وَعَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: ( «إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَرَادَ رَحْمَةَ أُمَّةٍ مِنْ عِبَادِهِ قَبَضَ نَبِيَّهَا قَبْلَهَا فَجَعَلَهُ لَهَا فَرَطًا وَسَلَفًا بَيْنَ يَدَيْهَا، وَإِذَا أَرَادَ هَلَكَةَ أُمَّةٍ عَذَّبَهَا وَنَبِيُّهَا حَيٌّ فَأَهْلَكَهَا وَهُوَ يَنْظُرُ، فَأَقَرَّ عَيْنَيْهِ بِهَلَكَتِهَا حِينَ كَذَّبُوهُ وَعَصَوْا أَمْرَهُ» ) . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
5977 -
(وَعَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: ( «إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَرَادَ رَحْمَةَ أُمَّةٍ مِنْ عِبَادِهِ قَبَضَ نَبِيَّهَا قَبْلَهَا فَجَعَلَهُ لَهَا فَرَطًا وَسَلَفًا» ) : بِفَتْحَتَيْنِ فِيهِمَا تَفْسِيرٌ لِأَوَّلِهِمَا أَيْ: سَابِقًا وَمُقَدَّمًا وَشَفِيعًا (بَيْنَ يَدَيْهَا)، أَيْ قُدَّامَهَا حِينَ مَاتَ رَاضِيًا عَنْهَا (وَإِذَا أَرَادَ) أَيِ: اللَّهُ (هَلَكَةَ أُمَّةٍ) بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ هَلَاكَهَا (عَذَّبَهَا وَنَبِيُّهَا حَيٌّ فَأَهْلَكَهَا وَهُوَ يَنْظُرُ)، أَيْ: إِلَيْهَا أَوْ إِلَى قُدْرَةِ خَالِقِهَا (فَأَقَرَّ)، أَيِ: اللَّهُ (عَيْنَيْهِ) : بِالتَّثْنِيَةِ لِلْمُبَالَغَةِ أَيْ: أَسَرَّهُمَا بِمَا تَرَيَاهُ مِمَّا يَشْفِي غَيْظَهُ (بِهَلَكَتِهَا) أَيْ: بِسَبَبِ هَلَاكِهَا (حِينَ كَذَّبُوهُ) ، أَيْ مِنَ الْكُفَّارِ (وَعَصَوْا أَمْرَهُ) . أَيْ مِنَ الْفُجَّارِ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
5978 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أَحَدِكُمْ يَوْمٌ وَلَا يَرَانِي، ثُمَّ لَأَنْ يَرَانِي أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ مَعَهُمْ» ) . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
[وَهَذَا الْبَابُ خَالٍ عَنِ الْفَصْلِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ
ــ
5978 -
(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أَحَدِكُمْ) : يَشْمَلُ الصَّحَابَةَ وَغَيْرَهُمْ (يَوْمٌ) أَيْ زَمَانٌ (وَلَا يَرَانِي)، أَيْ أَحَدُكُمْ حِينَئِذٍ (ثُمَّ لَأَنْ يَرَانِي) أَيْ: لِرُؤْيَتِهِ إِيَّايَ (أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ مَعَهُمْ) . أَيْ مَعَ أَهْلِهِ، وَهُوَ يُفِيدُ التَّأْكِيدَ دَفْعًا لِمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ بِمَعْنَى (أَوْ) أَوْ يُحْمَلُ عَلَى الْأَهْلِ تَارَةً وَعَلَى الْمَالِ أُخْرَى. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
وَفِي الْحَدِيثِ إِيمَاءٌ إِلَى مَعْنَى مَا وَرَدَ مِنَ الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ: ( «طُوبَى لِمَنْ رَآنِي وَآمَنَ بِي» ) .
[وَهَذَا الْبَابُ خَالٍ عَنِ الْفَصْلِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ]
[كِتَابُ الْمَنَاقِبِ وَالْفَضَائِلِ] [
بَابُ مَنَاقِبِ قُرَيْشٍ وَذِكْرِ الْقَبَائِلِ]