الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
]
الْحُكْمُ مُخْتَصٌّ بِنَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} [مريم: 6] وَقَالَ: وَهِيَ وِرَاثَةُ مَالٍ لَا نُبُوَّةَ، وَإِلَّا لَمْ يَقُلْ:{وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي} [مريم: 5] إِذْ لَا يَخَافُهُمْ عَلَى النُّبُوَّةِ، وَصَوَّبَ الْجُمْهُورَ خِلَافَ قَوْلِهِ لِخَبَرِ النَّسَائِيِّ:(إِنَّا مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ) . وَالْمُرَادُ فِي الْآيَةِ: وِرَاثَةُ النُّبُوَّةِ دُونَ حَقِيقَةِ الْإِرْثِ، بَلْ قِيَامُهُ مَقَامَهُ وَحُلُولُهُ مَكَانَهُ، وَعَلَى هَذَا فَإِنَّمَا خَافَ مِنِ اسْتِيلَاءِ الْمَوَالِي عَلَى مَرْتَبَتِهِ الظَّاهِرَةِ بِالْقَهْرِ وَالْقُوَّةِ وَالْغَلَبَةِ، هَذَا وَقَالَ الْبَاجِيُّ: أَجْمَعَ أَهْلُ السُّنَّةِ أَنَّ هَذَا حُكْمُ جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ، وَقَالَ ابْنُ عُلَيَّةَ: إِنَّ ذَلِكَ لِنَبِيِّنَا عليه الصلاة والسلام وَقَالَتِ الْإِمَامِيَّةُ: إِنَّ جَمِيعَ الْأَنْبِيَاءِ يُوَرَّثُونَ ذَكَرَهُ السُّيُوطِيُّ.
5976 -
وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
5976 -
(وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (لَا نُورَثُ) ، بِسُكُونِ الْوَاوِ وَفَتْحِ الرَّاءِ أَيْ نَحْنُ مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ، قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ: لَا يُورَثُ مِنَّا، فَحُذِفَ الْجَارُّ فَاسْتَمَرَّ ضَمِيرُ الْجَمْعِ فِي الْفِعْلِ، فَانْقَلَبَ الْفِعْلُ عَنْ لَفْظِ الْغَائِبِ إِلَى لَفْظِ الْمُتَكَلِّمِ اه. وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ، وَجَعَلَهُ بَعْضُ اللُّغَوِيِّينَ مُتَعَدِّيًا بِنَفْسِهِ وَبِمَنْ، فَلَا خِلَافَ وَلَا تَحْوِيلَ عَنِ الْإِسْنَادِ، وَكَذَا حَقَّقَهُ الْأُسْتَاذُ مَوْلَانَا عَبْدُ اللَّهِ السِّنْدِيُّ رحمه الله وَقَدْ جَاءَ اللُّغَتَانِ فِي التَّنْزِيلِ:{يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} [مريم: 6] . وَفِي الْقَامُوسِ: وَرِثَ أَبَاهُ وَمِنْهُ بِكَسْرِ الرَّاءِ يَرِثُهُ كَيَعِدُهُ وَأَوْرَثَهُ جَعَلَهُ مِنْ وَرَثَتِهِ، وَحَكَى نُورِثُ عَلَى صِيغَةِ الْمَعْلُومِ، وَكَذَا ضُبِطَ فِي نُسْخَةٍ أَيْ لَا نَتْرُكُ مَالًا مِيرَاثًا لِأَحَدٍ. قَالَ الْمُغْرِبُ: وَرَّثَ أَبَاهُ مَالًا يَرِثُ وَارِثَهُ فَهُوَ وَارِثٌ وَالْأَبُ وَالْمَالُ كِلَاهُمَا مَوْرُوثٌ، وَمِنْهُ: إِنَّا مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ وَكَسْرُ الرَّاءِ خَطَأُ دِرَايَةٍ اه.
وَبِهِ انْدَفَعَ زَعْمُ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ هُوَ الْأَظْهَرُ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَيْسَ بِخَطَأِ دِرَايَةٍ لَوْ صَحَّتْ رِوَايَةً لِمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْمَعْنَى الْمُسْتَفَادِ مِنْ (الْقَامُوسِ) . (مَا تَرَكْنَاهُ) : الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى مَا: الْمَوْصُولَةِ (صَدَقَةٌ) : بِالرَّفْعِ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ، لِمَا قِيلَ: لَا نُورَثُ، فَقِيلَ: مَا تَفْعَلُونَ بِتَرِكَتِكُمْ؟ فَأُجِيبَ: مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ. ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ، وَيُرْوَى صَدَقَةً بِالنَّصْبِ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي نُسْخَةٍ أَيْ: مَا تَرَكْنَاهُ مَبْذُولٌ صَدَقَةً، فَحُذِفَ الْخَبَرُ وَبَقِيَ الْحَالُ كَالْعِوَضِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} [يوسف: 8] بِالنَّصْبِ فِي قِرَاءَةٍ شَاذَّةٍ،: وَأَمَّا قَوْلُ الشِّيعَةِ: إِنَّ (مَا) نَافِيَةٌ. وَصَدَقَةٌ: مَفْعُولُ تَرَكْنَا فَبُهْتَانٌ وَزُورٌ، وَيَرُدُّهُ وُجُودُ الضَّمِيرِ فِي تَرَكْنَا. فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ وَوُجُودُ فَهُوَ صَدَقَةٌ فِي بَعْضِهَا وَصَرَائِحُ بَعْضِ الْأَحَادِيثِ كَقَوْلِهِ:( «إِنَّا مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ» ) . لِمَا يَلْزَمُ مِنَ التَّنَاقُضِ بَيْنَ السَّابِقِ وَاللَّاحِقِ وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّادِقِ.
وَأَمَّا مَا جَاءَ فِي رِوَايَةِ (مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ) مِنْ غَيْرِ ضَمِيرٍ، فَهُوَ كَمَا قَالَ الْمَالِكِيُّ: إِنَّ (مَا) فِي مَا تَرَكْنَا مَوْصُولَةٌ مُبْتَدَأٌ، وَتَرَكْنَا صِلَةٌ، وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ وَصَدَقَةٌ خَبَرٌ، وَبِهِ يَحْصُلُ الْجَمْعُ رِوَايَةً وَدِرَايَةً. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
5977 -
وَعَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: ( «إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَرَادَ رَحْمَةَ أُمَّةٍ مِنْ عِبَادِهِ قَبَضَ نَبِيَّهَا قَبْلَهَا فَجَعَلَهُ لَهَا فَرَطًا وَسَلَفًا بَيْنَ يَدَيْهَا، وَإِذَا أَرَادَ هَلَكَةَ أُمَّةٍ عَذَّبَهَا وَنَبِيُّهَا حَيٌّ فَأَهْلَكَهَا وَهُوَ يَنْظُرُ، فَأَقَرَّ عَيْنَيْهِ بِهَلَكَتِهَا حِينَ كَذَّبُوهُ وَعَصَوْا أَمْرَهُ» ) . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
5977 -
(وَعَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: ( «إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَرَادَ رَحْمَةَ أُمَّةٍ مِنْ عِبَادِهِ قَبَضَ نَبِيَّهَا قَبْلَهَا فَجَعَلَهُ لَهَا فَرَطًا وَسَلَفًا» ) : بِفَتْحَتَيْنِ فِيهِمَا تَفْسِيرٌ لِأَوَّلِهِمَا أَيْ: سَابِقًا وَمُقَدَّمًا وَشَفِيعًا (بَيْنَ يَدَيْهَا)، أَيْ قُدَّامَهَا حِينَ مَاتَ رَاضِيًا عَنْهَا (وَإِذَا أَرَادَ) أَيِ: اللَّهُ (هَلَكَةَ أُمَّةٍ) بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ هَلَاكَهَا (عَذَّبَهَا وَنَبِيُّهَا حَيٌّ فَأَهْلَكَهَا وَهُوَ يَنْظُرُ)، أَيْ: إِلَيْهَا أَوْ إِلَى قُدْرَةِ خَالِقِهَا (فَأَقَرَّ)، أَيِ: اللَّهُ (عَيْنَيْهِ) : بِالتَّثْنِيَةِ لِلْمُبَالَغَةِ أَيْ: أَسَرَّهُمَا بِمَا تَرَيَاهُ مِمَّا يَشْفِي غَيْظَهُ (بِهَلَكَتِهَا) أَيْ: بِسَبَبِ هَلَاكِهَا (حِينَ كَذَّبُوهُ) ، أَيْ مِنَ الْكُفَّارِ (وَعَصَوْا أَمْرَهُ) . أَيْ مِنَ الْفُجَّارِ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
5978 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أَحَدِكُمْ يَوْمٌ وَلَا يَرَانِي، ثُمَّ لَأَنْ يَرَانِي أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ مَعَهُمْ» ) . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
[وَهَذَا الْبَابُ خَالٍ عَنِ الْفَصْلِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ
ــ
5978 -
(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أَحَدِكُمْ) : يَشْمَلُ الصَّحَابَةَ وَغَيْرَهُمْ (يَوْمٌ) أَيْ زَمَانٌ (وَلَا يَرَانِي)، أَيْ أَحَدُكُمْ حِينَئِذٍ (ثُمَّ لَأَنْ يَرَانِي) أَيْ: لِرُؤْيَتِهِ إِيَّايَ (أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ مَعَهُمْ) . أَيْ مَعَ أَهْلِهِ، وَهُوَ يُفِيدُ التَّأْكِيدَ دَفْعًا لِمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ بِمَعْنَى (أَوْ) أَوْ يُحْمَلُ عَلَى الْأَهْلِ تَارَةً وَعَلَى الْمَالِ أُخْرَى. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
وَفِي الْحَدِيثِ إِيمَاءٌ إِلَى مَعْنَى مَا وَرَدَ مِنَ الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ: ( «طُوبَى لِمَنْ رَآنِي وَآمَنَ بِي» ) .
[وَهَذَا الْبَابُ خَالٍ عَنِ الْفَصْلِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ]
[كِتَابُ الْمَنَاقِبِ وَالْفَضَائِلِ] [
بَابُ مَنَاقِبِ قُرَيْشٍ وَذِكْرِ الْقَبَائِلِ]
[كِتَابُ الْمَنَاقِبِ وَالْفَضَائِلِ]
[1]
بَابُ مَنَاقِبِ قُرَيْشٍ وَذِكْرِ الْقَبَائِلِ
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
5979 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ( «النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي هَذَا الشَّأْنِ، مُسْلِمُهُمْ تَبَعٌ لِمُسْلِمِهِمْ، وَكَافِرُهُمْ تَبَعٌ لِكَافِرِهِمْ» ) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
[كِتَابُ الْمَنَاقِبِ وَالْفَضَائِلِ]
[1]
بَابُ مَنَاقِبِ قُرَيْشٍ وَذِكْرِ الْقَبَائِلِ
الْمَنَاقِبُ جَمْعُ الْمَنْقَبَةِ، وَهِيَ الشَّرَفُ وَالْفَضِيلَةُ، وَذِكْرُ الْقَبَائِلِ عَطْفٌ عَلَى الْمَنَاقِبِ، وَالْمُرَادُ بِذِكْرِهِمْ أَعْلَمُ مِنْ مَدْحِهِمْ وَذَمِّهِمْ.
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
5979 -
(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (النَّاسُ تَبَعٌ) : بِفَتْحَتَيْنِ جَمْعُ تَابِعٍ كَخَدَمٍ جَمْعُ خَادِمٍ أَيِ: النَّاسُ كُلُّهُمْ تَابِعُونَ (لِقُرَيْشٍ فِي هَذَا الشَّأْنِ) أَيْ: فِي الدِّينِ وَالطَّاعَةِ أَوْ فِي الْخِلَافَةِ وَيُؤَيِّدُ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ قَوْلُهُ (مُسْلِمُهُمْ) أَيْ: مُسْلِمُ عَامَّةِ النَّاسِ (تَبَعٌ لِمُسْلِمِهِمْ) أَيْ مُسْلِمِ قُرَيْشٍ (وَكَافِرُهُمْ تَبَعٌ لِكَافِرِهِمْ)، قَالَ شَارِحٌ: وَإِذَا قَدْ عَلِمْنَا أَنَّ أَحَدًا مِنْ قُرَيْشٍ لَمْ يَبْقَ بَعْدَهُ عَلَى الْكُفْرِ عَلِمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ أَنَّ الْإِسْلَامَ لَمْ يَنْقُصْهُمْ مِمَّا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنَ الشَّرَفِ فَهُمْ سَادَةٌ فِي الْإِسْلَامِ كَمَا كَانُوا قَادَةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ اه.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ إِنْ كَانُوا خِيَارًا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَخْيَارًا مِنْهُمْ، وَإِنْ كَانُوا أَشْرَارًا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَشْرَارًا مِنْهُمْ كَمَا قِيلَ: أَعْمَالُكُمْ عُمَّالُكُمْ، وَكَمَا رُوِيَ:«كَمَا تَكُونُوا يُوَلَّى عَلَيْكُمْ» . وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: مَعْنَاهُ تَفْضِيلُ قُرَيْشٍ عَلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ وَتَقْدِيمُهَا فِي الْإِمَامَةِ وَالْإِمَارَةِ. وَقَالَ الْمُظْهِرُ: كَانَتِ الْعَرَبُ تُقَدِّمُ قُرَيْشًا وَتُعَظِّمُهَا إِذْ كَانَتْ دَارُهُمْ مَوْسِمًا وَالْبَيْتُ الَّذِي هُمْ سَدَنَتُهُ مَنْسَكًا، وَكَانَتْ لَهُمُ السِّقَايَةُ وَالرِّفَادَةُ يُعَظِّمُونَ الْحَجِيجَ وَيَسْقُونَهُمْ، فَحَازُوا بِهِ الشَّرَفَ وَالرِّيَاسَةَ عَلَيْهِمْ. وَقَالَ الْقَاضِي: الْمُرَادُ بِهَذَا الشَّأْنِ الدِّينُ، وَالْمَعْنَى أَنَّ مُسْلِمِي قُرَيْشٍ قُدْوَةُ غَيْرِهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، لِأَنَّهُمُ الْمُتَقَدِّمُونَ فِي التَّصْدِيقِ السَّابِقُونَ فِي الْإِيمَانِ وَكَافِرُهُمْ قُدْوَةُ غَيْرِهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ، فَإِنَّهُمْ أَوَّلُ مَنْ رَدَّ الدَّعْوَةَ وَكَفَرَ بِالرَّسُولِ وَأَعْرَضَ عَنِ الْآيَاتِ. قَالَ الْأَشْرَفُ: فَلَا يَكُونُ حِينَئِذٍ قَوْلُهُ: وَكَافِرُهُمْ إِلَى آخِرِهِ فِي مَعْرِضِ الْمَدْحِ. قُلْتُ: فَلَا مَحْذُورَ حِينَئِذٍ مَعَ أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ: لَيْسَ مَدْحًا شَرْعًا، لَكِنَّهُ يَتَضَمَّنُ مَدْحًا عُرْفِيًّا، وَهُوَ أَنَّ هَذَا الْجِنْسَ مَتْبُوعُونَ فِي الْجُمْلَةِ لَا تَابِعُونَ كَمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ النَّاسَ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ لَمَّا بُعِثَ صلى الله عليه وسلم قَالَ عَامَّةُ الْعَرَبِ: يَنْظُرُ مَا يَصْنَعُ قَوْمُهُ، فَلَمَّا فَتَحَ مَكَّةَ وَأَسْلَمَتْ قُرَيْشٌ تَبِعَهُمُ الْعَرَبُ وَدَخَلُوا فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا، وَلِهَذَا اسْتَمَرَّتْ خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ فِي قُرَيْشٍ، ثُمَّ رَأَيْتُ الطِّيبِيَّ قَالَ: وَيُؤَيِّدُ قَوْلَ الْقَاضِي الْحَدِيثُ الَّذِي يَتْلُوهُ كَأَنَّهُ قِيلَ مَتْبُوعُونَ فِي كُلِّ أَمْرٍ وَالنَّاسُ يَقْتَفُونَ آثَارَهُمْ وَيَزْعُمُونَ أَنَّ كُلَّ مَا صَدَرَ عَنْهُمْ خَيْرٌ وَنَحْوُهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
وَنَحْنُ التَّارِكُونَ لِمَا سَخِطْنَا
…
وَنَحْنُ الْآخِذُونَ لَمَّا رَضِينَا.
أَقُولُ: وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ الْخَلْقَ لَا يَأْنَفُونَ عَنْ مُتَابَعَتِهِمْ، وَأَنَّ قَابِلِيَّةَ الْمَتْبُوعِيَّةِ مَجْبُولَةٌ فِي جُبَاتِهِمْ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَخْرُجَ عَنْهُمْ أَمْرُ الْخِلَافَةِ لِئَلَّا يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْمُخَالَفَةُ وَبِهِ يَحْصُلُ الْجَمْعُ بَيْنَ أَقْوَالِ الْأَئِمَّةِ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) . وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ صَالِحُهُمْ تَابِعٌ لِصَالِحِهِمْ وَشِرَارُهُمْ تَبَعٌ لِشِرَارِهِمْ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي (الْمَنَاقِبِ) .
5980 -
وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ( «النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ» ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
5980 -
(وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ) : وَجْهُ تَسْمِيَتِهِمْ بِقُرَيْشٍ مَبْسُوطٌ فِي (الْقَامُوسِ)(فِي الْخَيْرِ)، أَيِ: الْإِسْلَامِ (وَالشَّرِّ) . أَيِ الْكُفْرِ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) . وَكَذَا أَحْمَدُ وَفِي (الْجَامِعِ الصَّغِيرِ) : (قُرَيْشٌ صَلَاحُ النَّاسِ وَلَا يَصْلُحُ النَّاسُ إِلَّا بِهِمْ، كَمَا أَنَّ الطَّعَامَ لَا يَصْلُحُ إِلَّا بِالْمِلْحِ) . رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي (الْكَامِلِ) عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عَسَاكِرَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مَرْفُوعًا: ( «قُرَيْشٌ خَالِصَةُ اللَّهِ - تَعَالَى - فَمَنْ نَصَبَ لَهَا حَرْبًا سُلِبَ، وَمَنْ أَرَادَهَا بِسُوءٍ خُزِيَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» ) . وَرَوَى ابْنُ عَدِيٍّ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا:
(قُرَيْشٌ عَلَى مُقَدِّمَةِ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَوْلَا أَنْ تَبَطَّرَ قُرَيْشٌ لَأَخْبَرْتُهَا بِمَا لِمُحْسِنِهَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الثَّوَابِ) . وَرَوَى أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مَرْفُوعًا (قُرَيْشٌ وُلَاةُ النَّاسِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) . وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَسَعْدٍ مَرْفُوعًا (قُرَيْشٌ وُلَاةُ هَذَا الْأَمْرِ فَبَرُّ النَّاسِ تَبَعٌ لِبَرِّهِمْ، وَفَاجِرُهُمْ تَبَعٌ لِفَاجِرِهِمْ) . وَعَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ( «شِرَارُ قُرَيْشٍ خَيْرُ شِرَارِ النَّاسِ» ) . أَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ فِي (مُسْنَدِهِ) ، وَعَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «قُوَّةُ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ تَعْدِلُ قُوَّةَ رَجُلَيْنِ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَأَمَانَةُ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ تَعْدِلُ أَمَانَةَ رَجُلَيْنِ مِنْ غَيْرِهِمْ» ) . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «يَا مَعْشَرَ بَنِي هَاشِمٍ وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ نَبِيًّا لَوْ أَخَذْتُ بِحَلَقَةِ الْجَنَّةِ مَا بَدَأْتُ إِلَّا بِكُمْ» ) . أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي الْمَنَاقِبِ.
5981 -
وَعَنِ ابْنِ عُمَرُ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ( «لَا يَزَالُ هَذَا الْأَمْرُ فِي قُرَيْشٍ مَا بَقِيَ مِنْهُمُ اثْنَانِ» ) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
5981 -
(وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (لَا يَزَالُ هَذَا الْأَمْرُ) أَيْ: أَمْرُ الْخِلَافَةِ (فِي قُرَيْشٍ مَا بَقِيَ مِنْهُمْ)، أَيْ مِنَ النَّاسِ (اثْنَانِ) أَيْ: فَيَكُونُ وَاحِدٌ خَلِيفَةٌ وَوَاحِدٌ تَابِعٌ لَهُ. قَالَ النَّوَوِيُّ: هَذِهِ الْأَحَادِيثُ وَمَا أَشْبَهَهَا فِيهَا دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى أَنَّ الْخِلَافَةَ مُخْتَصَّةٌ بِقُرَيْشٍ، لَا يَجُوزُ عَقْدُهَا لِغَيْرِهِمْ، وَعَلَى هَذَا انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَمَنْ خَالَفَ فِيهِ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ، فَهُوَ مَحْجُوبٌ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، وَبَيَّنَ صلى الله عليه وسلم أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ مُسْتَمِرٌّ إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ مَا بَقِيَ مِنَ النَّاسِ اثْنَانِ، وَقَدْ ظَهَرَ مَا قَالَهُ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْآنِ اه.
وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ هَذَا خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ أَيْ: مَنْ كَانَ مُسْلِمًا فَلْيَتَّبِعْهُمْ وَلَا يَخْرُجْ عَلَيْهِمْ، وَإِلَّا فَقَدَ خَرَجَ هَذَا الْأَمْرُ عَنْ قُرَيْشٍ فِي أَكْثَرِ الْبِلَادِ مِنْ مُدَّةٍ أَكْثَرَ مِنْ مِائَتَيْ سَنَةٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَأَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآتِي:«مَا أَقَامُوا الدِّينَ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُمْ إِلَّا وَقَدِ انْتَهَكُوا حُرُمَاتِهِ» ، كَذَا ذَكَرَهُ السُّيُوطِيُّ، وَقِيلَ: هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَالْمُرَادُ بِالنَّاسِ بَعْضُ النَّاسِ أَيْ: سَائِرُ الْعَرَبِ، ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ فَتَدَبَّرْ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) . وَفِي ذَخَائِرِ الْعَقَبِيِّ نِسْبَةٌ إِلَى الْبُخَارِيِّ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ.
5982 -
وَعَنْ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ( «إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ فِي قُرَيْشٍ، لَا يُعَادِيهِمْ أَحَدٌ إِلَّا كَبَّهُ اللَّهُ عَلَى وَجْهِهِ، مَا أَقَامُوا الدِّينَ» ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
ــ
5982 -
(وَعَنْ مُعَاوِيَةَ) أَيِ: ابْنِ أَبِي سُفْيَانَ (قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ) أَيْ: أَمْرَ الْإِمَارَةِ (فِي قُرَيْشٍ لَا يُعَادِيهِمْ أَحَدٌ)، أَيْ: لَا يُخَالِفُهُمْ (إِلَّا كَبَّهُ اللَّهُ) أَيْ: أَسْقَطَهُ، وَفِي رِوَايَةٍ: إِلَّا كَبَّهُ اللَّهُ (عَلَى وَجْهِهِ) : وَالْمَعْنَى أَذَلَّهُ وَأَهَانَهُ (مَا أَقَامُوا)، أَيْ: قُرَيْشٌ (الدِّينَ)، أَيْ: أَحْكَامَ دِينِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ مَا: مَصْدَرِيَّةٌ وَالْوَقْتُ مُقَدَّرٌ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: كَبَّهُ اللَّهُ. قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ أَيْ؟ مُدَّةَ مُحَافَظَتِهِمْ عَلَى الدِّينِ وَأَهْلِهِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ الصَّلَاةُ لِرِوَايَةِ: مَا أَقَامُوا الصَّلَاةَ، لَكِنْ عَلَى هَذَا إِنَّمَا يَسْتَقِيمُ الْمَعْنَى إِذَا عُلِّقَ قَوْلُهُ: مَا أَقَامُوا بِكَبِّهِ إِلَّا بِأَنَّ هَذَا الْأَمْرَ فِي قُرَيْشٍ ; لِأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُقِمِ الصَّلَاةَ وَلَمْ يُصْرَفْ عَنْهُ الْأَمْرُ، كَذَا قَالَهُ التُّورِبِشْتِيُّ، وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى اخْتِصَاصِ الْإِمَامَةِ بِقُرَيْشٍ، وَهُمْ بَنُو النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ، وَجَمِيعُ بُطُونِهَا فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ لِعِلْمِهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ يُوجَدُ فِيهِمْ مَنْ هُوَ جَامِعٌ لِأَوَامِرِ الْمُلْكِ وَالدِّينِ وَصَالِحٌ لِأُمُورِ الْمُسْلِمِينَ. وَفِي شَرْحِ الطِّيبِيِّ، قَالَ الْمُظْهِرِيُّ: الْخِلَافَةُ فِي قُرَيْشٍ لَا يُعَادِيهِمْ وَلَا يُخَالِفُهُمْ أَحَدٌ فِي ذَلِكَ إِلَّا أَذَلَّهُ اللَّهُ تَعَالَى، مَا دَامُوا يُحَافِظُونَ الدِّينَ اه كَلَامُهُ.
وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ التُّورِبِشْتِيِّ أَنَّ قَوْلَهُ: مَا أَقَامُوا الدِّينَ إِذَا عُلِّقَ بِكَبِّهِ يَسْتَقِيمُ الْمَعْنَى إِذَا حُمِلَ الدِّينُ عَلَى الصَّلَاةِ، وَأَمَّا إِذَا حُمِلَ عَلَى الدِّينِ بِأُصُولِهِ وَتَوَابِعِهَا. فَلَا، لِأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ غَيَّرَ وَبَدَّلَ وَلَمْ يُصْرَفْ عَنْهُ الْأَمْرُ، وَقِيلَ: مَعْنَى الْحَدِيثِ لَا يُخَالِفُ قُرَيْشًا أَحَدٌ فِي الْأُمُورِ الْمُتَعَلِّقَةِ فِي الدِّينِ بِأَنْ أَرَادُوا نَقْضَهُ وَبُطْلَانَهُ، وَقُرَيْشٌ تُرِيدُ إِقَامَتَهُ وَإِمْضَاءَهُ إِلَّا أَذَلَّهُ اللَّهُ وَقَهَرَهُ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَاللَّفْظُ لَا يُسَاعِدُ إِلَّا مَا عَلَيْهِ لِيَظْهَرَ وَهُوَ أَظْهَرُ. أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّلَاةِ الدِّينُ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ عَنْهُ بِهَا لِأَنَّهَا عِمَادُ الدِّينِ، وَلِكَوْنِهَا أُمُّ الْعِبَادَاتِ، وَأَنَّهَا تَنْهَى عَنِ السَّيِّئَاتِ أَوْ ذَكَرَهَا عَلَى مِنْوَالِ الْمِثَالِ أَيِ الصَّلَاةَ وَنَحْوَهَا مِنْ أُمُورِ الدِّينِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) وَعَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ حَنْطَبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْجُمُعَةَ فَقَالَ: ( «أَيُّهَا النَّاسُ قَدِّمُوا قُرَيْشًا وَلَا تَقَدَّمُوهَا، وَتَعَلَّمُوا مِنْهَا وَلَا تُعَلِّمُوهَا» ) . أَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ فِي (مُسْنَدِهِ) ، وَأَحْمَدُ فِي (الْمَنَاقِبِ) .
5983 -
وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ( «لَا يَزَالُ الْإِسْلَامُ عَزِيزًا إِلَى اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً، كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ» ) . وَفِي رِوَايَةٍ: ( «لَا يَزَالُ أَمْرُ النَّاسِ مَاضِيًا مَا وَلِيَهُمُ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ» ) . وَفِي رِوَايَةٍ: ( «لَا يَزَالُ الدِّينُ قَائِمًا حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، يَكُونُ عَلَيْهِمُ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ» ) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
5983 -
(وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (لَا يَزَالُ الْإِسْلَامُ عَزِيزًا) أَيْ: قَوِيًّا شَدِيدًا أَوْ مُسْتَقِيمًا سَدِيدًا إِلَى اثْنَي عَشَرَ خَلِيفَةً، قَالَ الطِّيبِيُّ: إِلَى هَا هُنَا نَحْوَ حَتَّى فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى ; لِأَنَّ التَّقْدِيرَ لَا يَزَالُ الدِّينُ قَائِمًا حَتَّى يَكُونَ عَلَيْهِمُ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً فِي أَنَّ مَا بَعْدَهَا دَاخِلٌ فِيمَا قَبْلَهَا. الْكَشَّافُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6] إِلَى تُفِيدُ مَعْنَى الْغَايَةِ مُطْلَقًا. فَأَمَّا دُخُولُهَا فِي الْحُكْمِ وَخُرُوجُهَا، فَأَمْرٌ يَدُورُ مَعَ الدَّلِيلِ، فَمِمَّا فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الْخُرُوجِ قَوْلُهُ تَعَالَى:{ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] لِأَنَّهُ لَوْ دَخَلَ اللَّيْلُ لَوَجَبَ الْوِصَالُ، وَمِمَّا فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الدُّخُولِ قَوْلُكُ: حَفِظْتُ الْقُرْآنَ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ لِأَنَّ الْكَلَامَ مَسُوقٌ لِحِفْظِ الْقُرْآنِ كُلِّهِ. (كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ) : قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: قَدْ مَضَى مِنْهُمُ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَمَامِ هَذَا الْعَدَدِ قَبْلَ قِيَامِ السَّاعَةِ، وَقِيلَ: إِنَّهُمْ يَكُونُوا فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ يَفْتَرِقُ النَّاسُ عَلَيْهِمْ. وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: السَّبِيلُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَمَا يَعْتَقِبُهُ فِي هَذَا الْمَعْنَى أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْمُقْسِطِينَ مِنْهُمْ، فَإِنَّهُمْ هُمُ الْمُسْتَحِقُّونَ لِاسْمِ الْخَلِيفَةِ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونُوا عَلَى الْوَلَاءِ، وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّهُمْ عَلَى الْوَلَاءِ، فَإِنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الْمُسَمَّوْنَ بِهَا عَلَى الْمَجَازِ.
وَفِي (شَرْحِ مُسْلِمٍ) لِلنَّوَوِيِّ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: تَوَجَّهَ هُنَا سُؤَالٌ، وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ: الْخِلَافَةُ بَعْدِي ثَلَاثُونَ سَنَةً، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَضُوضًا، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ. وَأُجِيبُ: بِأَنَّ الْمُرَادَ بِثَلَاثِينَ سَنَةً خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ، وَقَدْ جَاءَ مُفَسَّرًا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ بَعْدِي ثَلَاثِينَ سَنَةً، ثُمَّ يَكُونُ مُلْكًا، وَلَمْ يَشْتَرِطْ هَذَا فِي الْإِثْنَيْ عَشَرَ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِاثْنَيْ عَشَرَ أَنْ يَكُونُوا مُسْتَحِقِّي الْخِلَافَةِ مِنَ الْعَادِلِينَ، وَقَدْ مَضَى مِنْهُمْ مَنْ عُلِمَ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَمَامِ هَذَا الْعَدَدِ قَبْلَ قِيَامِ السَّاعَةِ.
قُلْتُ: وَقَدْ حَمَلَ الشِّيعَةُ الْإِثْنَيْ عَشَرَ عَلَى أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ النُّبُوَّةِ مُتَوَالِيَةً أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ لَهُمْ خِلَافَةٌ حَقِيقَةً أَوِ اسْتِحْقَاقًا، فَأَوَّلُهُمْ عَلِيٌّ، فَالْحَسَنُ، فَالْحُسَيْنُ، فَزَيْنُ الْعَابِدِينَ، فَمُحَمَّدٌ الْبَاقِرُ، فَجَعْفَرٌ الصَّادِقُ، فَمُوسَى الْكَاظِمُ، فَعَلِيُّ الرِّضَا، فَمُحَمَّدٌ التَّقِيُّ، فَعَلِيٌّ التَّقِيُّ، فَحَسَنٌ الْعَسْكَرِيُّ، فَمُحَمَّدٌ الْمَهْدِيُّ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - عَلَى مَا ذَكَرَهُ زُبْدَةُ الْأَوْلِيَاءِ خَوَاجَهْ مُحَمَّدُ يَارْسَا فِي كِتَابِ (فَصْلِ الْخِطَابِ) مُفَصَّلَةً، وَتَبِعَهُ مَوْلَانَا نُورُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْجَامِيُّ فِي أَوَاخِرِ شَوَاهِدِ النُّبُوَّةِ، وَذِكْرِ فَضَائِلِهِمْ وَمَنَاقِبِهِمْ وَكَرَامَاتِهِمْ وَمَقَامَاتِهِمْ مُجْمَلَةً، وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى الرَّوَافِضِ حَيْثُ يَظُنُّونَ بِأَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّهُمْ يُبْغِضُونَ أَهْلَ الْبَيْتِ لِاعْتِقَادِهِمُ الْفَاسِدِ وَوَهْمِهُمُ الْكَاسِدِ، وَإِلَّا فَأَهْلُ الْحَقِّ يَحْمُونَ جَمِيعَ الصَّحَابَةِ، وَكُلَّ أَهْلِ الْبَيْتِ لَا كَالْخَوَارِجِ الْأَعْدَاءِ لِأَهْلِ بَيْتِ النُّبُوَّةِ وَلَا كَالرَّوَافِضِ الْمُعَادِينَ لِجُمْهُورِ الصَّحَابَةِ وَأَكَابِرِ الْأُمَّةِ.
وَفِي رِوَايَةٍ (لَا يَزَالُ النَّاسُ) أَيْ: أَمْرُ دِينِهِمْ (مَاضِيًا) أَيْ: جَارِيًا مُسْتَمِرًّا عَلَى الصَّوَابِ وَالْحَقِّ (مَا وَلِيَهُمْ) أَيْ: مُدَّةَ مَا تَوَلَّى أَمْرَهُمْ (اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا كُلُّهُمْ فِي قُرَيْشٍ) وَفِي رِوَايَةٍ: (لَا يَزَالُ الدِّينُ قَائِمًا حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ أَوْ) : أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ أَيْ وَ (حَتَّى يَكُونَ عَلَيْهِمْ) أَيْ: عَلَى النَّاسِ مُتَوَلِّيًا (اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
5984 -
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «غِفَارُ غَفَرَ اللَّهُ لَهَا) وَأَسْلَمُ سَالَمَهَا اللَّهُ، وَعُصَيَّةُ عَصَتِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» ) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
5984 -
(وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (غِفَارُ) : بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ الْفَاءِ وَبِالرَّاءِ عَلَمُ قَبِيلَةٍ، وَفِي (الْقَامُوسِ) بَنُو غِفَارٍ كَكِتَابٍ رَهْطُ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ، وَهُوَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (غَفَرَ اللَّهُ لَهَا) : قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ أَيْ أَقُولُ فِي حَقِّهِمْ. أَقُولُ: وَإِنَّمَا يُقَدَّرُ مِثْلُ هَذَا فِي نَحْوِ: زَيْدًا ضَرَبَ حَيْثُ.
لَا يَصِحُّ حَمْلُ الْجُمْلَةِ الْإِنْشَائِيَةِ عَلَى الِاسْمِ الْمَرْفُوعِ بِالِابْتِدَائِيَّةِ. (وَأَسْلَمُ) : قَبِيلَةٌ أُخْرَى (سَالَمَهَا اللَّهُ)، أَيْ صَنَعَ اللَّهُ بِهِمْ مَا يُرَافِقُهُمْ مِنْ أَمْرِ السَّلَامَةِ عَنِ الْمَكْرُوهِ (وَعُصَيَّةُ) : بِالتَّصْغِيرِ بَطْنٌ عَلَى مَا فِي (الْقَامُوسِ)، وَالْمُرَادُ بِهِ قَبِيلَةٌ أَوْ جَمَاعَةٌ (عَصَتِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) . وَفِي الْحَدِيثِ: إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ الْأَسْمَاءَ تَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: الْجُمْلَتَيْنِ الْأُولَيَانِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَا خَبَرِيَّتَيْنِ، وَأَنْ يُحْمَلَا عَلَى الدُّعَاءِ لَهُمَا. وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَعُصَيَّةُ عَصَتِ اللَّهَ، فَهُوَ إِخْبَارٌ وَلَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى الدُّعَاءِ، لَكِنَّ فِيهِ إِظْهَارَ شِكَايَةٍ مِنْهُمْ يَسْتَلْزِمُ الدُّعَاءَ عَلَيْهِمْ بِالْخِذْلَانِ لَا بِالْعِصْيَانِ. وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ قِيلَ: إِنَّمَا دَعَا لِغِفَارَ وَأَسْلَمَ لِأَنَّ دُخُولَهُمَا فِي الْإِسْلَامِ كَانَ مِنْ غَيْرِ حَرْبٍ، وَكَانَتْ غِفَارُ مُتَّهَمَةً بِسَرِقَةِ الْحُجَّاجِ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأَنْ يَمْحُوَ عَنْهُمْ تِلْكَ السَّيِّئَةَ وَيَغْفِرَهَا لَهُمْ، وَأَمَّا عُصَيَّةُ فَهُمُ الَّذِينَ قَتَلُوا الْقُرَّاءَ بِبِئْرِ مَعُونَةَ، فَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْنُتُ عَلَيْهِمْ. وَفِي (شَرْحِ مُسْلِمٍ) لِلنَّوَوِيِّ قَالَ الْقَاضِي: هُوَ مِنْ حُسْنِ الْكَلَامِ وَالْمُجَانَسَةِ فِي الْأَلْفَاظِ مَأْخُوذٌ مِنْ سَالَمْتُهُ إِذَا لَمْ تَرَ فِيهِ مَكْرُوهًا، فَكَأَنَّهُ دَعَا لَهُمْ بِأَنْ يَضَعَ اللَّهُ عَنْهُمُ التَّعَبَ الَّذِي كَانُوا فِيهِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ، وَالْحَاكِمِ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا:( «أَسْلَمُ سَالَمَهَا اللَّهُ وَغِفَارُ غَفَرَ اللَّهُ لَهَا، أَمَا وَاللَّهِ مَا أَنَا قُلْتُهُ، وَلَكِنَّ اللَّهَ قَالَهُ» ) . وَفِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَنْدَرَ بِلَفْظِ: ( «أَسْلَمُ سَالَمَهَا اللَّهُ وَغِفَارُ غَفَرَ اللَّهُ لَهَا، وَتُجِيبُ أَجَابُوا اللَّهَ» ) . فَفِي الْقَامُوسِ: تُجِيبُ ابْنُ كِنْدَةَ بَطْنٌ.
5985 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «قُرَيْشٌ وَالْأَنْصَارُ وَجُهَيْنَةُ وَمُزَيْنَةُ وَأَسْلَمُ وَغِفَارُ وَأَشْجَعُ مَوَالِيَّ، لَيْسَ لَهُمْ مَوْلًى دُونَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ» ) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
5985 -
(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (قُرَيْشٌ)، أَيْ: مُسْلِمُوهُمْ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَغَيْرِهِمْ (وَالْأَنْصَارُ) أَيْ: قَبِيلَتُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. وَفِي (الْقَامُوسِ) : إِنَّ أَنْصَارَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم غَلَبَتْ عَلَيْهِمُ الصِّفَةُ (وَجُهَيْنَةُ) : بِالتَّصْغِيرِ قَبِيلَةٌ (وَمُزَيْنَةُ) : كَذَلِكَ (وَأَسْلَمُ وَغِفَارُ وَأَشْجَعُ) أَبُو قَبِيلَةٍ، وَالْمُرَادُ هُنَا أَوْلَادُهُ الْمُؤْمِنُونَ (مَوَالِيَّ) : بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ جَمْعُ مَوْلَى مُضَافًا إِلَى يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ. وَقَالَ شَارِحٌ: يُرْوَى عَلَى الْإِضَافَةِ أَيْ أَحِبَّائِي وَأَنْصَارِي، وَيُرْوَى مَوَالٍ بِالتَّنْوِينِ أَيْ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَحِبَّاءُ وَأَنْصَارٌ، لَا وَلَاءَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِمْ إِلَّا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ أَيْ: هُمْ نَاصِرُوهُ وَالْمُخْتَصُّونَ بِهِ وَهُوَ أَيْضًا وَلِيُّهُمْ وَنَاصِرُهُمْ. وَالْمُتَكَفِّلُ بِهِمْ وَبِمَصَالِحِهِمْ لِقَوْلِهِ: (لَيْسَ لَهُمْ مَوْلًى دُونَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ)، أَيْ: غَيْرُهَا. قَالَ الطِّيبِيُّ: جُمْلَةٌ مُقَرِّرَةٌ لِلْجُمْلَةِ الْأُولَى عَلَى الطَّرْدِ وَالْعَكْسِ، وَفِي تَمْهِيدِ ذِكْرِ اللَّهِ لِذِكْرِ رَسُولِهِ، وَتَخْصِيصِ ذِكْرِ الرَّسُولِ إِيذَانٌ بِمَكَانَتِهِ وَمَنْزِلَتِهِ عِنْدَ اللَّهِ، وَإِشْعَارٌ بِأَنَّ تَوَلِّيهِ إِيَّاهُمْ بَلَغَ مَبْلَغًا لَا يُقَادِرُ قَدْرَهُ وَلَا يَكْتَنِهُ كُنْهَهُ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
5986 -
وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «أَسْلَمُ وَغِفَارُ وَمُزَيْنَةُ وَجُهَيْنَةُ، خَيْرٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ وَمِنْ بَنِي عَامِرٍ وَالْحَلِيفَيْنِ بَنِي أَسْدٍ وَغَطَفَانَ» ) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
5986 -
(وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ) : بِالتَّاءِ وَهُوَ الثَّقَفِيُّ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (أَسْلَمُ وَغِفَارُ وَمُزَيْنَةُ وَجُهَيْنَةُ خَيْرٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ) ، فِي (الْقَامُوسِ) تَمِيمٌ كَأَمِيرٍ أَبُو قَبِيلَةٍ وَيُصْرَفُ (وَمِنْ بَنِي عَامِرٍ)، عَطْفٌ بِإِعَادَةِ الْجَارِّ (وَالْحَلِيفَيْنِ) أَيْ: وَمِنَ الْحَلِيفَيْنِ يَعْنِي الْمُتَحَالِفَيْنِ عَلَى التَّنَاصُرِ (بَنِي أَسْدٍ) : بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ (وَغَطَفَانَ) . بِفَتْحَتَيْنِ وَهَمَا بَدَلٌ مِنَ الْحَلِيفَيْنِ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ قَالَ النَّوَوِيُّ: وَتَفْضِيلُ تِلْكَ الْقَبَائِلِ لِسَبْقِهِمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَحُسْنِ آثَارِهِمْ فِي الْأَحْكَامِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : إِلَّا أَنَّ الْبُخَارِيَّ لَمْ يَذْكُرِ الْحَلِيفَيْنِ ذَكَرَهُ مِيرَكُ.
5987 -
ــ
5987 -
(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: مَا زِلْتُ) بِكَسْرِ الزَّايِ أَيْ: مَا بَرِحْتُ (أُحِبُّ بَنِي تَمِيمٍ مُنْذُ ثَلَاثٍ) أَيْ: خِصَالٍ أَوْ كَلِمَاتٍ وَقَوْلُهُ: (سَمِعْتُ) : صِفَةٌ لِثَلَاثٍ وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ أَيْ: سَمِعْتُهَا (مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِيهِمْ) : جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ أَيْ: قَائِلًا إِيَّاهَا فِي حَقِّهِمْ، وَالْمَعْنَى أَنِّي دَائِمًا أُحِبُّهُمْ مِنَ الْوَقْتِ الَّذِي قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي حَقِّهِمْ ثَلَاثَ خِصَالٍ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ، قَوْلُهُ ثَلَاثٌ صِفَةُ مَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ، وَكَذَا سَمِعْتُ اه. وَالْأَظْهَرُ مَا سَمِعْتُ ثُمَّ.
قَوْلُهُ: (سَمِعْتُهُ يَقُولُ) : بَيَانٌ أَوْ بَدَلٌ لِقَوْلِهِ سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبِالْجُمْلَةِ هُوَ تَفْصِيلٌ لِلْخِصَالِ الثَّلَاثِ وَالْخِصَالُ الثَّلَاثُ أَحَدُهَا قَوْلُهُ: (هُمْ أَشَدُّ أُمَّتِي عَلَى الدَّجَّالِ) . أَيْ: حِينَ ظُهُورِهِ، وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِوُجُودِهِمْ إِلَى زَمَانِهِ بِكَثْرَةٍ (قَالَ) أَيْ: أَبُو هُرَيْرَةَ (وَجَاءَتْ صَدَقَاتُهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (هَذِهِ صَدَقَاتُ قَوْمِنَا)، شَرَّفَهُمْ بِإِضَافَتِهِمْ إِلَى نَفْسِهِ صلى الله عليه وسلم وَهَذِهِ ثَانِيَتُهَا. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ:(وَكَانَتْ سَبِيَّةٌ) : بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ فَتَشْدِيدِ تَحْتِيَّةٍ أَيْ: أَسِيرَةٌ (مِنْهُمْ عِنْدَ عَائِشَةَ) : قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ اسْتِرْقَاقِ الْعَرَبِ اه. وَفِي اسْتِدْلَالِهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى. (فَقَالَ) أَيِ: النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام (أَعْتِقِيهَا فَإِنَّهَا مِنْ وُلُدِ إِسْمَاعِيلَ) : بِضَمِّ اللَّامِ وَسُكُونٍ جَمْعُ وَلَدٍ، ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ. وَفِي نُسْخَةٍ بِفَتْحِهَا، فَفِي (الصِّحَاحِ) : الْوَلَدُ يَكُونُ وَاحِدًا وَجَمْعًا، وَكَذَلِكَ الْوُلُدُ بِالضَّمِّ، وَقَدْ يَكُونُ الْوَلَدُ جَمْعَ الْوَلَدِ كَالْأَسَدِ وَالْأُسْدِ، وَهَذِهِ ثَالِثَتُهَا، فَإِنَّهُ دَلَّ عَلَى أَنَّ فَضِيلَتَهُمْ لِكَوْنِهِمْ مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيلَ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
الْفَصْلُ الثَّانِي
الْفَصْلُ الثَّانِي
5988 -
عَنْ سَعْدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ( «مَنْ يُرِدْ هَوَانَ قُرَيْشٍ أَهَانَهُ اللَّهُ» ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
ــ
5988 -
(عَنْ سَعْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَنْ يُرِدْ) مِنَ الْإِدَارَةِ أَيْ: مَنْ يَقْصِدْ (هَوَانَ قُرَيْشٍ) أَيْ: ذُلَّهُمْ وَإِهَانَتَهُمْ (أَهَانَهُ اللَّهُ) . أَيْ: أَذَلَّهُ وَأَخْزَاهُ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) . وَكَذَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ) ، وَالْحَاكِمُ فِي (مُسْتَدْرَكِهِ) .
5989 -
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «اللَّهُمَّ أَذَقْتَ أَوَّلَ قُرَيْشٍ نَكَالًا، فَأَذِقْ آخِرَهُمْ نَوَالًا» ) . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
ــ
5989 -
(وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «اللَّهُمَّ أَذَقْتَ أَوَّلَ قُرَيْشٍ» ) أَيْ: يَوْمَ بَدْرِ وَالْأَحْزَابِ (نَكَالًا) : بِفَتْحِ النُّونِ أَيْ: بَلَاءً وَوَبَالًا. وَقَالَ شَارِحٌ: فُسِّرَ هَذَا بِالْقَحْطِ وَالْغَلَاءِ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: النَّكَالُ الْعِبْرَةُ، وَقِيلَ الْعُقُوبَةُ (فَأَذِقْ آخِرَهُمْ نَوَالًا)، أَيْ: إِنْعَامًا وَعَطَاءً ثِقَالًا (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) .
5990 -
وَعَنْ أَبِي عَامِرٍ الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «نَعْمَ الْحَيُّ الْأَسْدُ وَالْأَشْعَرُونَ لَا يَفِرُّونَ فِي الْقِتَالِ وَلَا يَغُلُّونَ، هُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ» ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.
ــ
5990 -
(وَعَنْ أَبِي عَامِرٍ الْأَشْعَرِيِّ) : لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُؤَلِّفُ فِي أَسْمَائِهِ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (نِعْمَ الْحَيُّ) أَيِ: الْقَبِيلَةُ (الْأَسْدُ) : بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: هُوَ بِسُكُونِ السِّينِ، أَبُو حَيٍّ مِنَ الْيَمَنِ، وَيُقَالُ لَهُمُ الْأَزْدُ، وَهُوَ بِالسِّينِ أَفْصَحُ وَهُمَا أَزْدَانَ: أَزْدُ شَنُوءَةَ وَأَزْدُ عُمَانَ اه. وَسَيَأْتِي أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا أَزْدُ شَنُوءَةَ (وَالْأَشْعَرُونُ) : وَفِي نُسْخَةٍ: وَالْأَشْعَرِيُّونَ بِإِثْبَاتِ يَاءِ النِّسْبَةِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: هُوَ بِسُقُوطِ الْيَاءِ فِي (جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ) ، وَ (جَامِعِ الْأُصُولِ) ، وَبِإِثْبَاتِهِ فِي (الْمَصَابِيحِ) . قَالَ الْجَوْهَرِيُّ، تَقُولُ الْعَرَبُ: جَاءَتْكَ الْأَشْعَرُونَ بِحَذْفِ الْيَاءِ (لَا يَفِرُّونَ فِي الْقِتَالِ) أَيْ: فِي حَالِ قِتَالِهِمْ مَعَ الْكُفَّارِ، وَهُوَ حَالٌ مِنَ الْقَبِيلَتَيْنِ عَلَى حَدِّ (هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا (وَلَا يَغُلُّونَ) بِفَتْحٍ فَضَمٍّ فَتَشْدِيدٍ أَيْ: وَلَا يَخُونُونَ (فِي الْمَغْنَمِ هُمْ مِنِّي) أَيْ: مِنْ أَتْبَاعِي فِي سُنَنِي وَطَرِيقَتِي أَوْ مِنْ أَوْلِيَائِي (وَأَنَا مِنْهُمْ) .
مِنْ أَوْلِيَائِهِمْ، وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّهُمْ مُتَّقُونَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ} [الأنفال: 34](رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) . وَرَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ مُرْسَلًا. الْأَشْعَرُونَ فِي النَّاسِ كَصُرَّةٍ فِيهَا مِسْكٌ.
5991 -
وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «الْأَزْدُ أَزْدُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ، يُرِيدُ النَّاسُ أَنْ يَضَعُوهُمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يَرْفَعَهُمْ، وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَقُولُ الرَّجُلُ: يَا لَيْتَ أَبِي كَانَ أَزْدِيًا، وَيَا لَيْتَ أُمِّي كَانَتْ أَزْدِيَّةً» ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.
ــ
5991 -
(وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (الْأَزْدُ) أَيْ: أَزْدُ شَنُوءَةَ. وَفِي (الْقَامُوسِ) : أَزْدُ بْنُ الْغَوْثِ وَهُوَ بِالسِّينِ أَفْصَحُ، أَبُو حَيٍّ مِنَ الْيَمَنِ وَمِنْ أَوْلَادِهِ الْأَنْصَارِ كُلِّهِمْ. (أَزْدُ اللَّهِ) أَيْ: جُنْدُهُ وَأَنْصَارُ دِينِهِ (فِي الْأَرْضِ) : قَدْ كَرَّمَهُمُ اللَّهُ بِذَلِكَ فَهُمْ يُضَافُونَ إِلَيْهِ (يُرِيدُ النَّاسُ أَنْ يَضَعُوهُمْ) أَيْ: يُخَفِّرُوهُمْ وَيُذِلُّوهُمْ (وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يَرْفَعَهُمْ) أَيْ: يَنْصُرَهُمْ وَيُعِزَّهُمْ وَيُعَلِّيَهُمْ عَلَى أَعْدَاءِ دِينِهِمْ. قَالَ الْقَاضِي: يُرِيدُ بِالْأَزْدِ أَزْدَ شَنُوءَةَ، وَهُوَ حَيٌّ مِنَ الْيَمَنِ أَوْلَادُ أَزْدِ بْنِ الْغَوْثِ بْنِ لَيْثِ بْنِ مَالِكِ بْنِ كَهْلَانَ بْنِ سَبَأٍ، وَأَضَافَهُمْ إِلَى اللَّهِ - تَعَالَى - مِنْ حَيْثُ أَنَّهُمْ حِزْبُهُ، وَأَهْلُ نُصْرَةِ رَسُولِهِ. قَالَ الطِّيبِيُّ، قَوْلُهُ: أَزْدُ اللَّهِ يَحْتَمِلُ وُجُوهًا. أَحَدُهَا: اشْتِهَارُهُمْ بِهَذَا الِاسْمِ لِأَنَّهُمْ ثَابِتُونَ فِي الْحَرْبِ لَا يَفِرُّونَ، عَلَى مَا مَرَّ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ، وَعَلَيْهِ كَلَامُ الْقَاضِي. وَثَانِيهَا: أَنْ تَكُونَ الْإِضَافَةُ لِلِاخْتِصَاصِ وَالتَّشْرِيفِ، كَبَيْتِ اللَّهِ وَنَاقَةِ اللَّهِ، عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: يُرِيدُ النَّاسُ أَنْ يَضَعُوهُمْ إِلَخْ. وَثَالِثُهَا: أَنْ يُرَادَ بِهَا الشَّجَاعَةُ وَالْكَلَامُ عَلَى التَّشْبِيهِ أَيِ: الْأَسْدُ أَسْدُ اللَّهِ، فَجَاءَ بِهِ إِمَّا مُشَاكَلَةً أَوْ قَلَبَ السِّينَ زَايًا اه. وَتَبِعَهُ صَاحِبُ (الْأَزْهَارِ) مِنْ شُرَّاحِ (الْمَصَابِيحِ) ، لَكِنْ إِنَّمَا يَتِمُّ هَذَا لَوْ كَانَ الْأَسْدُ بِالْفَتْحِ وَالسُّكُونِ لُغَةً فِي الْأَسَدِ بِفَتْحَتَيْنِ، كَمَا لَا يَخْفَى، وَهُوَ لَيْسَ كَذَلِكَ عَلَى مَا يُفْهَمُ مِنْ (الْقَامُوسِ) . ( «وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَقُولُ الرَّجُلُ» )، أَيْ: فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ ( «يَا لَيْتَ أَبِي كَانَ أَزْدِيًّا. وَيَا لَيْتَ أُمِّي كَانَتْ أَزْدِيَّةً» ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) . قَالَ مِيرَكُ: وَقَدْ رُوِيَ مَوْقُوفًا: عَلَى أَنَسٍ، وَهُوَ عِنْدَنَا أَصَحُّ اه. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ وَلَوْ كَانَ مَوْقُوفًا، فَهُوَ فِي الْحُكْمِ يَكُونُ مَرْفُوعًا، لِأَنَّ مِثْلَهُ لَا يُقَالُ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
5992 -
وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنهما قَالَ: مَاتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَكْرَهُ ثَلَاثَةَ أَحْيَاءٍ: ثَقِيفٌ، وَبَنِي حَنِيفَةَ، وَبَنِي أُمَيَّةَ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.
ــ
5992 -
(وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ) : أَسْلَمِيٌّ خُزَاعِيٌّ، أَسْلَمَ هُوَ وَأَبُوهُ وَسَكَنَ الْبَصْرَةَ إِلَى أَنْ مَاتَ بِهَا سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِينَ (قَالَ: مَاتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَكْرَهُ ثَلَاثَةَ أَحْيَاءٍ) : جَمْعُ حَيٍّ بِمَعْنَى قَبِيلَةٍ (ثَقِيفَ) ، كَأَمِيرٍ أَبُو قَبِيلَةٍ مِنْ هَوَازِنَ، وَاسْمُهُ قَسِيُّ بْنُ مُنَبِّهِ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ كَمَا فِي (الْقَامُوسِ)(وَبَنِي حَنِيفَةَ) ، كَسَفِينَةَ لَقَبُ أَثَالِ بْنِ لُجَيْمٍ أَبُو حَيٍّ مِنْهُمْ خَوْلَةُ بِنْتُ جَعْفَرٍ الْحَنَفِيَّةُ أُمُّ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (وَبَنِي أُمَيَّةَ)، بِضَمٍّ فَفَتْحٍ فَتَشْدِيدِ تَحْتِيَّةٍ قَبِيلَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ. قَالَ الْعُلَمَاءُ: إِنَّمَا كَرِهَ ثَقِيفًا لِلْحَجَّاجِ، وَبَنِي حَنِيفَةَ لِمُسَيْلِمَةَ، وَبَنِي أُمَيَّةَ لِعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادِ. قَالَ الْبُخَارِيُّ: قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: أَتَى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ بِرَأْسِ الْحُسَيْنِ، فَجَعَلَهُ فِي طَسْتٍ وَجَعَلَ يَنْكُتُهُ بِقَضِيبٍ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي الْجَامِعِ: قَالَ عِمَارَةُ بْنُ عُمَيْرٍ: لَمَّا جِيءَ بِرَأْسِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ وَأَصْحَابِهِ فِي رَحْبَةِ الْمَسْجِدِ، فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِمْ فَقَالُوا: قَدْ جَاءَتْ فَإِذَا حَيَّةٌ قَدْ جَاءَتْ حَتَّى دَخَلَتْ فِي مَنْخَرِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ، فَمَكَثَتْ سَاعَةً ثُمَّ خَرَجَتْ، فَذَهَبَتْ حَتَّى تَغَيَّبَتْ، ثُمَّ قَالُوا: قَدْ جَاءَتْ فَفَعَلَتْ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ كَذَا فِي (الْأَزْهَارِ) . (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) .
5993 -
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «فِي ثَقِيفٍ كَذَّابٌ وَمُبِيرٌ» ) قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِصْمَةَ: يُقَالُ: الْكَذَّابُ هُوَ الْمُخْتَارُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ، وَالْمُبِيرُ هُوَ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ، وَقَالَ هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ: أَحْصَوْا مَا قَتَلَ الْحَجَّاجُ صَبْرًا فَبَلَغَ مِائَةَ أَلْفٍ وَعِشْرِينَ أَلْفًا. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
ــ
5993 -
(وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (فِي ثَقِيفٍ كَذَّابٌ) أَيْ: مُبَالِغٌ فِي الْكَذِبِ (وَمُبِيرٌ) : بِضَمِّ مِيمٍ. وَكَسْرِ مُوَحَّدَةٍ أَيْ: مُفْسِدٌ وَمُهْلِكٌ مِنَ الْبَوَارِ، وَهُوَ الْهَلَاكُ وَالْفَسَادُ وَتَنْوِينُهُمَا لِلتَّعْظِيمِ. (قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِصْمَةَ) : بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ كُوفِيٌّ حَنَفِيٌّ، رَوَى عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعَنْهُ إِسْرَائِيلُ
وَشَرِيكٌ. (يُقَالُ: الْكَذَّابُ هُوَ الْمُخْتَارُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ) : بِالتَّصْغِيرِ، وَهُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ، قَامَ بَعْدَ وَقْعَةِ الْحُسَيْنِ وَدَعَا النَّاسَ إِلَى طَلَبِ ثَأْرِهِ، وَكَانَ غَرَضُهُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَصْرِفَ إِلَى نَفْسِهِ وُجُوهَ النَّاسِ، وَيَتَوَسَّلَ بِهِ إِلَى الْإِمَارَةِ، وَكَانَ طَالِبًا لِلدُّنْيَا مُدَلِّسًا فِي تَحْصِيلِهَا، كَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَقِيلَ: كَانَ يُبْغِضُ عَلِيًّا، وَقِيلَ: كَانَ يَدَّعِي النُّبُوَّةَ بِكُوفَةَ، فَسُمِّيَ كَذَّابًا، وَمِنْ جُمْلَةِ كَذِبِهِ دَعْوَاهُ أَنَّ جِبْرِيلَ عليه السلام يَأْتِيهِ بِالْوَحْيِ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كَانَ أَبُوهُ مِنْ جُمْلَةِ الصَّحَابَةِ، وُلِدَ الْمُخْتَارُ عَامَ الْهِجْرَةِ وَلَيْسَتْ لَهُ صُحْبَةٌ وَلَا رِوَايَةٌ وَلَا رُؤْيَةٌ، وَأَخْبَارُهُ غَيْرُ مَرْضِيَّةٍ، وَذَلِكَ مُذْ طَلَبَ الْإِمَارَةَ إِلَى أَنْ قَتَلَهُ مُصْعَبُ بْنُ الزُّبَيْرِ سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِينَ، وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ مَعْدُودًا فِي أَهْلِ الْفَضْلِ وَالْخَيْرِ، يَظْهَرُ بِذَلِكَ كُلِّهِ، وَلَا يَكْتُمُ الْفِسْقَ، فَظَهَرَ مِنْهُ مَا كَانَ يَكْتُمُهُ إِلَى أَنْ فَارَقَ ابْنَ الزُّبَيْرِ، وَطَلَبَ الْإِمَارَةِ. وَكَانَ الْمُخْتَارُ يُزَيِّفُ لِطَلَبِ دَمِ الْحُسَيْنِ، وَيَسْتُرُ طَلَبَ الدُّنْيَا وَالْإِمَارَةِ، فَيَأْتِي مِنْهُ الْكَذِبُ وَالْجُنُونُ، وَإِنَّمَا كَانَتْ إِمَارَتُهُ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَيُقَالُ: كَانَ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ خَارِجِيًّا، ثُمَّ صَارَ زُبَيْرِيًّا ثُمَّ صَارَ رَافِضِيًّا، وَكَانَ يُضْمِرُ بُغْضَ عَلِيٍّ - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ - وَيَظْهَرُ مِنْهُ لِضَعْفِ عَقْلِهِ أَحْيَانًا. كَذَا نَقَلَهُ مِيرَكُ عَنِ التَّصْحِيحِ، وَكَذَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي أَسْمَائِهِ. (وَالْمُبِيرُ هُوَ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ)، وَهُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ مُبَالَغَةُ الْحَاجِّ بِمَعْنَى الْآتِي بِالْحُجَّةِ. قَالَ الْمُؤَلِّفُ: هُوَ عَامِلُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ عَلَى الْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ، وَبَعْدَهُ لِابْنِهِ الْوَلِيدِ، مَاتَ بِوَاسِطَ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ، وَعُمُرُهُ أَرْبَعٌ وَخَمْسُونَ سَنَةً. (وَقَالَ هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ) : بِفَتْحٍ فَتَشْدِيدٍ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ وَقَدْ يَنْصَرِفُ (أَحْصَوْا) : بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالصَّادِ أَيِ: اضْبُطُوا وَعِدُّوا (مَا قَتَلَ الْحَجَّاجُ صَبْرًا) : بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ أَيْ: مَصْبُورًا يَعْنِي مَحْبُوسًا مَأْسُورًا لَا فِي مَعْرَكَةٍ وَلَا خِلْسَةٍ (فَبَلَغَ مِائَةَ أَلْفٍ وَعِشْرِينَ أَلْفًا. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) .
5994 -
وَرَوَى مُسْلِمٌ فِي (الصَّحِيحِ) حِينَ قَتَلَ الْحَجَّاجُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ قَالَتْ أَسْمَاءُ: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدَّثَنَا (أَنَّ فِي ثَقِيفٍ كَذَّابًا وَمُبِيرًا) فَأَمَّا الْكَذَّابُ فَرَأَيْنَاهُ، وَأَمَّا الْمُبِيرُ فَلَا إِخَالُكَ إِلَّا إِيَّاهُ» ، وَسَيَجِيءُ تَمَامُ الْحَدِيثِ فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ.
ــ
5994 -
(وَرَوَى مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ) أَيْ: صَحِيحِهِ لَا فِي كِتَابٍ آخَرَ مِنْ تَصَانِيفِهِ (حِينَ قَتَلَ الْحَجَّاجُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ قَالَتْ أَسْمَاءُ) أَيْ: أُمُّهُ بِنْتُ الصِّدِّيقِ (إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدَّثَنَا أَنَّ فِي ثَقِيفٍ كَذَّابًا وَمُبِيرًا، فَأَمَّا الْكَذَّابُ فَرَأَيْنَاهُ) أَيْ: أَبْصَرْنَاهُ أَوْ عَلِمْنَاهُ، وَتَعْنِي بِهِ الْمُخْتَارَ عَلَى مَا بَيَّنَاهُ (وَأَمَّا الْمُبِيرُ فَلَا إِخَالُكَ) : بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَفْتَحُ قَالَ شَارِحٌ: أَخَالُ بِالْفَتْحِ هُوَ الْقِيَاسُ وَبِالْكَسْرِ هُوَ الْأَفْصَحُ، وَفِي (الْأَزْهَارِ) وَالْكَسْرُ أَشْهَرُ أَيْ: لَا أَظُنُّكَ (إِلَّا إِيَّاهُ) . قِيلَ: وَالظَّاهِرُ فَلَا أَخَالُهُ إِلَّا إِيَّاكَ فَقَدَّمَتِ الْمَفْعُولَ الثَّانِيَ لِلِاهْتِمَامِ. (وَسَيَجِيءُ تَمَامُ الْحَدِيثِ) أَيْ: بَسْطُهُ (فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ) .
5995 -
وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: «قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَحْرَقَتْنَا نِبَالُ ثَقِيفٍ، فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ قَالَ: (اللَّهُمَّ اهْدِ ثَقِيفًا) » . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
ــ
5995 -
(عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالُوا) أَيْ: بَعْضُ الصَّحَابَةِ (يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَحْرَقَتْنَا نِبَالُ ثَقِيفٍ) . بِكَسْرِ النُّونِ جَمْعُ نِبْلٍ أَيْ: سِهَامُهُمْ، وَلَعَلَّهُ فِي غَزْوَةِ الطَّائِفِ وَمُحَاصَرَتِهِمْ، (فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ. قَالَ:(اللَّهُمَّ اهْدِ ثَقِيفًا) أَيْ: إِلَى الْإِسْلَامِ، أَوْ غَالِبَهُمْ إِلَى إِطَاعَةِ الْأَحْكَامِ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) .
5996 -
عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مِينَاءَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:«كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَجَاءَهُ رَجُلٌ أَحْسَبُهُ مِنْ قَيْسٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! الْعَنْ حِمْيَرًا فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ جَاءَهُ مِنَ الشِّقِّ الْآخَرِ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ جَاءَهُ مِنَ الشِّقِّ الْآخَرِ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (رَحِمَ اللَّهُ حِمْيَرًا، أَفْوَاهُهُمْ سَلَامٌ، وَأَيْدِيهِمْ طَعَامٌ، وَهُمْ أَهْلُ أَمْنٍ وَإِيمَانٍ) » رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَيُرْوَى عَنْ مِينَاءَ هَذَا أَحَادِيثُ مَنَاكِيرُ.
ــ
5996 -
(وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ) : قَالَ الْمُؤَلِّفُ فِي فَصْلِ التَّابِعِينَ: هُوَ ابْنُ هَمَّامٍ يُكَنَّى أَبَا بَكْرٍ أَحَدُ الْأَعْلَامِ، رَوَى عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَمَعْمَرٍ وَغَيْرِهِمَا، وَعَنْهُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَصَنَّفَ الْكُتُبَ وَمَاتَ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَمِائَتَيْنِ وَلَهُ خَمْسٌ وَثَمَانُونَ سَنَةً. (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ: هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ النَّخَعِيِّ، تَابِعِيٌّ، سَمِعَ ابْنَ مَسْعُودٍ وَعَائِشَةَ وَغَيْرَهُمَا مِنَ الصَّحَابَةِ، وَرَوَى عَنْهُ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ (عَنْ مِينَاءَ) : بِمِيمٍ مَكْسُورَةٍ فَمُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ سَاكِنَةٍ فَأَلْفٍ مَمْدُودَةٍ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. وَقَالَ (صَاحِبُ الْمَطَالِعِ) : بِمَدٍّ وَقَصْرٍ كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ. وَقَالَ الْمُؤَلِّفُ: رَوَى عَنْ مَوْلَاهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ عَوْفٍ وَعُثْمَانَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَنْهُ وَالِدُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ضَعَّفُوهُ. (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَجَاءَهُ رَجُلٌ أَحْسَبُهُ) : بِكَسْرِ السِّينِ وَفَتْحِهَا أَيْ: أَظُنُّهُ (مِنْ قَيْسٍ) : فِي الْقَامُوسِ: قَيْسُ غَيْلَانَ بِالْفَتْحِ، أَبُو قَبِيلَةٍ وَاسْمُهُ إِلْيَاسُ بْنُ مُضَرَ (فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْعَنْ حِمْيَرًا) : بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ فَفَتْحٍ أَيِ: ادْعُ عَلَيْهِمْ بِالْبُعْدِ عَنِ الرَّحْمَةِ، وَهُوَ أَبُو قَبِيلَةٍ مِنَ الْيَمَنِ، فَفِي (الْقَامُوسِ) حِمْيَرٌ كَدِرْهَمٍ مَوْضِعٌ غَرْبِيَّ صَنْعَاءِ الْيَمَنِ، وَابْنُ سَبَأِ بْنِ يَشْجُبَ أَبُو قَبِيلَةٍ (فَأَعْرَضَ عَنْهُ)، أَيْ: عَنِ الرَّجُلِ بِإِدْبَارِ وَجْهِهِ عَنْهُ (ثُمَّ جَاءَهُ مِنَ الشِّقِّ الْآخَرِ، فَأَعْرَضِ عَنْهُ، ثُمَّ جَاءَهُ مِنَ الشِّقِّ الْآخَرِ فَأَعْرَضَ عَنْهُ)، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ أَعْرَضَ عَنْهُ مِنَ الْجَانِبَيْنِ (فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:(رَحِمَ اللَّهُ حِمْيَرًا أَفْوَاهُهُمْ سَلَامٌ)، أَيْ: ذَاتُ سَلَامٍ أَوْ مَحَلُّ سَلَامٍ (وَأَيْدِيهِمْ طَعَامٌ) أَيْ: ذَاتُ طَعَامٍ قَالَهُ شَارِحٌ. فَالْمُضَافُ مِقْدَارٌ لِصِحَّةِ الْحَمْلِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: جَعَلَ أَفْوَاهَهُمْ نَفْسَ السَّلَامِ وَأَيْدِيَهُمْ نَفْسَ الطَّعَامِ مُبَالَغَةً انْتَهَى. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الطِّيبِيُّ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ يَفْشُونَ السَّلَامَ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ، فَجَمَعُوا بَيْنَ الْإِحْسَانِ وَحَلَاوَةِ اللِّسَانِ. (وَهُمْ أَهْلُ أَمْنٍ)، أَيْ: مِنَ الْمَضَرَّةِ (وَإِيمَانٍ) : وَتَصْدِيقٍ كَامِلٍ بَلَّغَهُمْ إِلَى مَرْتَبَةِ الْإِيقَانِ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ) . أَيْ: مِنْ طَرِيقِهِ إِلَى مِينَاءَ.
(وَيُرْوَى) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (عَنْ مِينَاءَ هَذَا) أَيِ: الْمُشَارُ إِلَيْهِ (أَحَادِيثُ مَنَاكِيرُ) : قَالَ مِيرَكُ: قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مِينَاءُ يَكْذِبُ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِثِقَةٍ انْتَهَى. وَقَالَ شَارِحٌ (لِلْمَصَابِيحِ) قَوْلُهُ: مُنْكَرٌ هَذَا إِلْحَاقٌ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ، لِأَنَّ الْمُؤَلِّفَ رحمه الله يَعْنِي مُحْيِي السُّنَّةِ: لَوْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ مُنْكَرٌ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ: لِأَنَّهُ قَدِ الْتَزَمَ الِاعْتِرَاضَ عَنْ ذِكْرِ الْمُنْكَرِ فِي عُنْوَانِ الْكِتَابِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
5997 -
وَعَنْهُ، قَالَ:«قَالَ لِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (مِمَّنْ أَنْتَ؟) قُلْتُ: مِنْ دَوْسٍ. قَالَ: (مَا كُنْتُ أَرَى أَنَّ فِي دَوْسٍ أَحَدًا فِيهِ خَيْرٌ) » . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
ــ
5997 -
(وَعَنْهُ) أَيْ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ (قَالَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (مِمَّنْ أَنْتَ) ؟ أَيْ: مِنْ أَيْ: قَبِيلَةٍ (قُلْتُ: مِنْ دَوْسٍ) . بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ، قَبِيلَةٌ مِنَ الْيَمَنِ مِنَ الْأَزْدِ، كَذَا فِي (الْأَزْهَارِ) . وَفِي (الْقَامُوسِ) : هُوَ دَوْسُ بْنُ عَدْنَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَبُو قَبِيلَةٍ، (قَالَ) أَيْ: عَلَى سَبِيلِ التَّعَجُّبِ (مَا كُنْتُ أُرَى) : بِضَمِّ الْهَمْزِ عَلَى الْمَجْهُولِ أَيْ: مَا كُنْتُ أَظُنُّ قَبْلَ ذَلِكَ (أَنَّ فِي دَوْسٍ أَحَدًا فِيهِ خَيْرٌ) : قَالَ فِي (الْأَزْهَارِ) : فِيهِ مَنْقَبَةٌ لِأَبِي هُرَيْرَةَ، وَمَذَمَّةٌ لِدَوْسٍ لَوْلَا أَبُو هُرَيْرَةَ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) .
5998 -
وَعَنْ سُلَيْمَانَ رضي الله عنه قَالَ: «قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " لَا تُبْغِضُنِي فَتُفَارِقَ دِينَكَ قَلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! كَيْفَ أُبْغِضُكَ وَبِكَ هَدَانَا اللَّهُ؟ قَالَ: (تُبْغِضُ الْعَرَبَ فَتُبْغِضُنِي) » . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
ــ
5998 -
(وَعَنْ سُلَيْمَانَ قَالَ: قَالَ لِي) أَيْ: خَاصَّةً فِي الْخِطَابِ أَوْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ بِلَا حِجَابٍ (رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «لَا تُبْغِضْنِي فَتُفَارِقَ دِينَكَ» ) . بِالنَّصْبِ عَلَى جَوَابِ النَّهْيِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ زَيْنُ الْعَرَبِ ( «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ أُبْغِضُكَ» ) أَيْ: كَيْفَ يُتَصَوَّرُ مِنِّي أَنِّي أُبْغِضُكَ وَأَنْتَ حَبِيبُ اللَّهِ وَمَحْبُوبُ أُمَّتِكَ (وَبِكَ هَدَانَا اللَّهُ. . .) ؟ أَيْ: إِلَى الْإِسْلَامِ، وَسَائِرِ مَكَارِمِ الْأَحْكَامِ (قَالَ:( «تُبْغِضُ الْعَرَبَ فَتُبْغِضُنِي» ) أَيْ: حِينَ تُبْغِضُ الْعَرَبَ عُمُومًا فَتُبْغِضُنِي فِي ضِمْنِهِمْ خُصُوصًا، أَوْ إِذَا أَبْغَضْتَ جِنْسَ الْعَرَبِ، فَرُبَّمَا يَجُرُّ ذَلِكَ إِلَى بُغْضِكَ إِيَّايَ نَعُوذُ بِاللَّهِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ بُغْضَ الْعَرَبِ قَدْ يَصِيرُ سَبَبًا لِبُغْضِ سَيِّدِ الْخَلْقِ، فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ كَيْلَا يَقَعَ فِي الْخَطَرِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: الْعَرَبُ مَا يُقَابِلُ الْعَجَمَ. وَفِي النِّهَايَةِ: الْعَرَبُ اسْمٌ لِهَذَا الْجَبَلِ الْمَعْرُوفِ مِنَ النَّاسِ، وَلَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ، وَسَوَاءً أَقَامَ بِالْبَادِيَةِ أَوِ الْمُدُنِ، وَالنِّسْبَةُ إِلَيْهِمَا أَعْرَابِيٌّ وَعَرَبٌ. وَفِي الْقَامُوسِ: الْعَرَبُ بِالضَّمِّ وَبِالتَّحْرِيكِ خِلَافُ الْعَجَمِ مُؤَنَّثٌ، وَهُمْ سُكَّانُ الْأَمْصَارِ أَوْ عَامٌّ، وَالْأَعْرَابُ مِنْهُمْ سُكَّانُ الْبَادِيَةِ لَا وَاحِدَ لَهُ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) .
5999 -
وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «مَنْ غَشَّ الْعَرَبَ لَمْ يَدْخُلْ فِي شَفَاعَتِي، وَلَمْ تَنَلْهُ مَوَدَّتِي» ) . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ حُصَيْنِ بْنِ عُمَرَ، وَلَيْسَ هُوَ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ بِذَاكَ الْقَوِيِّ.
ــ
5999 -
(وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ) : بِغَيْرِ صَرْفٍ وَقَدْ يُصْرَفُ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ غَشَّ الْعَرَبَ) أَيْ: خَانَهُمْ وَقَالَ شَارِحٌ أَيْ: أَبْغَضَهُمْ (لَمْ يَدْخُلْ فِي شَفَاعَتِي)، أَيِ: الصُّغْرَى لِعُمُومِ الْكُبْرَى، (وَلَمْ تَنَلْهُ مَوَدَّتِي) . أَيْ: لَمْ تُصِبْهُ مَحَبَّتِي إِيَّاهُ، أَوْ لَمْ تَصِلْ وَلَمْ تَحْصُلْ لَهُ مَحَبَّتُهُ إِيَّايَ، وَالْمَقْصُودُ نَفْيُ الْكَمَالِ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ حُصَيْنِ بْنِ عُمَرَ وَلَيْسَ هُوَ) أَيْ: حُصَيْنُ الْمَذْكُورُ (عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ بِذَاكَ الْقَوِيِّ) . قُلْتُ: فَلْيَكُنِ الْحَدِيثُ ضَعِيفًا مِنْ طَرِيقِهِ، وَهُوَ مُعْتَبَرٌ فِي الْفَضَائِلِ، وَكَيْفَ وَهُوَ مُؤَيَّدٌ بِأَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ تَكَادُ تَصِلُ إِلَى التَّوَاتُرِ الْمَعْنَوِيِّ، كَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:( «حُبُّ الْعَرَبِ إِيمَانٌ وَبُغْضُهُمْ نِفَاقٌ» ) . رَوَاهُ الْحَاكِمُ عَنْ أَنَسٍ. وَفِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْهُ: ( «حُبُّ قُرَيْشٍ إِيمَانٌ وَبُغْضُهُمْ كُفْرٌ، وَحُبُّ الْعَرَبِ إِيمَانٌ بُغْضُهُمْ كُفْرٌ، فَمَنْ أَحَبَّ الْعَرَبَ فَقَدْ أَحَبَّنِي وَمَنْ أَبْغَضَ الْعَرَبَ فَقَدْ أَبْغَضَنِي» ) . وَفِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْكَبِيرِ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَهْدٍ:( «أَحِبُّوا قُرَيْشًا فَإِنَّ مَنْ أَحَبَّهُمْ أَحَبَّهُ اللَّهُ» ) . وَرَوَى الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: ( «أَحِبُّوا الْفُقَرَاءَ وَجَالِسُوهُمْ، وَأَحِبَّ مِنْ قَلْبِكَ، وَلْيَرُدُّكَ عَنِ النَّاسِ مَا تَعْلَمُ مِنْ نَفْسِكَ» ) . هَذَا وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ فِي الْمَتْنِ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ أَيْضًا، وَأَقَلُّ مَرْتَبَةِ أَسَانِيدِهِ أَنْ يَكُونَ حَسَنًا، فَالْحَدِيثُ حَسَنٌ لِغَيْرِهِ.
6000 -
وَعَنْ أُمِّ الْحَرِيرِ، مَوْلَاةِ طَلْحَةَ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَتْ: سَمِعْتُ مَوْلَايَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ( «مِنِ اقْتِرَابِ السَّاعَةِ هَلَاكُ الْعَرَبِ» ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
ــ
6000 -
(وَعَنْ أُمِّ الْحَرِيرِ) ، بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ فَكَسْرِ الرَّاءِ الْأُولَى، كَذَا نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي أَسْمَائِهِ، وَكَذَا ضَبَطَهُ صَاحِبُ (الْمُغْنِي) ، وَكَذَا فِي (جَامِعِ الْأُصُولِ) ، وَفِي نُسْخَةٍ بِضَمٍّ فَفَتْحٍ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا فِي التَّقْرِيبِ حَيْثُ قَالَ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مُصَغَّرًا، وَيُقَالُ بِفَتْحِ أَوَّلِهَا لَا يُعْرَفُ حَالُهَا مِنَ الرَّابِعَةِ (مَوْلَاةِ طَلْحَةَ بْنِ مَالِكٍ) : لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُؤَلِّفُ (قَالَتْ: سَمِعْتُ مَوْلَايَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مِنِ اقْتِرَابِ السَّاعَةِ) أَيْ: مِنْ عَلَامَاتِ قُرْبِ الْقِيَامَةِ (هَلَاكُ الْعَرَبِ) أَيْ: مُسْلِمِهِمْ أَوْ جِنْسِهِمْ، وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ غَيْرَهُمْ تَابِعٌ لَهُمْ، وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا عَلَى شِرَارِ النَّاسِ، بَلْ وَلَا يَكُونُ فِي الْأَرْضِ مَنْ يَقُولُ: اللَّهُ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) .
6001 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «الْمُلْكُ فِي قُرَيْشٍ وَالْقَضَاءُ فِي الْأَنْصَارِ، وَالْأَذَانُ فِي الْحَبَشَةِ، وَالْأَمَانَةُ فِي الْأَزْدِ» ) يَعْنِي الْيَمَنَ. وَفِي رِوَايَةٍ مَوْقُوفًا. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا أَصَحُّ.
ــ
6001 -
(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) : رضي الله عنه (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (الْمُلْكُ) : بِالضَّمِّ أَيِ الْخِلَافَةُ (فِي قُرَيْشٍ) أَيْ: غَالِبًا، أَوْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ الْمُطَابِقُ لِبَقِيَّةِ الْقَرَائِنِ الْآتِيَةِ، وَهِيَ قَوْلُهُ:(وَالْقَضَاءُ فِي الْأَنْصَارِ) أَيِ: الْحُكْمُ الْجُزْئِيُّ قَالَهُ تَطَيُّبًا لِقُلُوبِهِمْ، لِأَنَّهُمْ آوَوْا وَنَصَرُوا، وَبِهِمْ قَامَ عَمُودُ الْإِسْلَامِ، وَفِي بَلَدِهِمْ تَمَّ أَمْرُهُ وَاسْتَقَامَ، وَبُنِيَتِ الْمَسَاجِدُ وَجُمِعَتِ الْجَمَاعَاتُ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ. وَقَالَ فِي (الْأَزْهَارِ) : قِيلَ: الْمُرَادُ بِالْقَضَاءِ النِّقَابَةُ لِأَنَّ النُّقَبَاءَ كَانُوا مِنْهُمْ، وَقِيلَ: الْقَضَاءُ الْجُزْئِيُّ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ( «أَعْلَمُكُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذٌ» ) . وَقِيلَ: الْقَضَاءُ الْمَعْرُوفُ لِبَعْثِهِ صلى الله عليه وسلم مُعَاذًا قَاضِيًا إِلَى الْيَمَنِ انْتَهَى. وَالْأَخِيرُ هُوَ الْأَظْهَرُ لِقَوْلِهِ: (وَالْأَذَانُ فِي الْحَبَشَةِ)، أَيْ: لِأَنَّ رَئِيسَ مُؤَذِّنِيهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ بِلَالًا وَهُوَ حَبَشِيٌّ (وَالْأَمَانَةُ فِي الْأَزْدِ) أَيْ: أَزْدُ شَنُوءَةَ، وَهُمْ حَيٌّ مِنَ الْيَمَنِ، وَلَا يُنَافِي قَوْلَ بَعْضِ الرُّوَاةِ (يَعْنِي الْيَمَنَ) لَكِنَّ الظَّاهِرَ الْمُتَبَادَرَ مِنْ كَلَامِهِ إِرَادَةُ عُمُومِ أَهْلِ الْيَمَنِ، فَإِنَّهُمْ أَرَقُّ أَفْئِدَةً وَأَهْلُ أَمْنٍ وَإِيمَانٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَفِي رِوَايَةٍ مَوْقُوفًا) أَيْ: جَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ مَوْقُوفًا، وَلَوْ قَالَ مَوْقُوفٌ بِالرَّفْعِ لَكَانَ أَظْهَرُ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ وَقَّفَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَمْ يَرْفَعْهُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَكِنَّ مِثْلَهُ مَوْقُوفًا يَكُونُ حُكْمُهُ مَرْفُوعًا. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا) أَيْ: سَنَدُهُ مَوْقُوفًا (أَصَحُّ) أَيْ: مِنْ إِسْنَادِهِ مَرْفُوعًا، وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مَرْفُوعًا، وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ الْأَزْدِيِّ: الْأَمَانَةُ فِي الْأَزْدِ وَالْحَيَاءُ فِي قُرَيْشٍ.
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
6002 -
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُطِيعٍ، عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: ( «لَا يُقْتَلُ قُرَشِيٌّ صَبْرًا بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
6002 -
(عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُطِيعٍ عَنْ أَبِيهِ) : قَالَ الْمُؤَلِّفُ: قُرَشِيٌّ عَدَوِيٌّ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يُقَالُ: وُلِدَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَذَهَبَ بِهِ أَبُوهُ إِلَيْهِ، وَكَانَ اسْمُ أَبِيهِ الْعَاصَ، فَسَمَّاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُطِيعًا، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ مِنْ سَادَاتِ قُرَيْشٍ، وَهُوَ الَّذِي أَمَّرَهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ عَلَيْهِمْ حِينَ خَلَعُوا يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ، سَمِعَ أَبَاهُ، وَرَوَى عَنْهُ الشَّعْبِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقُتِلَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ، وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى الْكُوفَةِ، فَأَخْرَجَهُ مِنْهَا الْمُخْتَارُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ. (قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: (لَا يُقْتَلُ) : بِصِيغَةِ النَّفْيِ مَجْهُولًا (قُرَشِيٌّ)، أَيْ: مَنْسُوبٌ إِلَى قُرَيْشٍ بِحَذْفِ الزَّائِدِ، وَفِي (الْقَامُوسِ) : النِّسْبَةُ قُرَشِيٌّ وَقُرَيْشِيٌّ (صَبْرًا) أَيْ: لَا فِي الْمَعْرَكَةِ كَمَا فِي (الْأَزْهَارِ)(بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ) أَيْ: يَوْمِ الْفَتْحِ (إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) . قَالَ الْحُمَيْدِيُّ: وَقَدْ تَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ: مَعْنَاهُ لَا يُقْتَلُ قُرَشِيٌّ بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ صَبْرًا، وَهُوَ مُرْتَدٌّ عَنِ الْإِسْلَامِ ثَابِتٌ عَلَى الْكُفْرِ، إِذْ قَدْ وُجِدَ مِنْ قُرَيْشٍ مَنْ قُتِلَ صَبْرًا فِيمَا سَبَقَ وَمَضَى مِنَ الزَّمَانِ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُمْ مَنْ قُتِلَ صَبْرًا وَهُوَ ثَابِتٌ عَلَى الْكُفْرِ انْتَهَى. وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُوجَدُ قُرَشِيٌّ مُرْتَدًّا فَيُقْتَلُ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَرَدَ مِنْ أَنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ.
وَقَالَ الطِّيبِيُّ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّفْيُ بِمَعْنَى النَّهْيِ، وَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ صَرِيحِ النَّهْيِ، كَمَا أَنَّ رَحِمَكَ اللَّهُ وَيَرْحَمُكَ أَبْلَغُ. وَنَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى:{الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً} [النور: 3] فِي وَجْهٍ. قُلْتُ: هَذَا وَجْهٌ غَيْرُ وَجِيهٍ، كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى كُلِّ نَبِيهٍ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا الْوَجْهُ أَقْرَبُ إِلَى مَدْحِ قُرَيْشٍ وَتَعْظِيمِهِمْ، وَيَبْقَى الْكَلَامُ عَلَى إِطْلَاقِهِ. قُلْتُ: لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ هَذَا النَّهْيُ عَلَى إِطْلَاقِهِ لِأَنَّهُ قَدْ يَجِبُ الْقَتْلُ عَلَى قُرَشِيٍّ قِصَاصًا أَوْحَدًّا، وَهُوَ لَا يَكُونُ إِلَّا صَبْرًا، فَيَكُونُ حُكْمُهُ كَحُكْمِ غَيْرِهِ، فَلَا يَحْصُلُ لِقُرَيْشٍ مَزِيَّةٌ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ أَقْرَبَ إِلَى مَدْحِهِمْ وَتَعْظِيمِهِمْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
6003 -
وَعَنْ أَبِي نَوْفَلٍ، مُعَاوِيَةَ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ عَلَى عَقَبَةِ الْمَدِينَةِ، قَالَ: فَجَعَلَتْ قُرَيْشٌ تَمُرُّ عَلَيْهِ وَالنَّاسُ، حَتَّى مَرَّ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما فَوَقَفَ عَلَيْهِ، قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَبَا خُبَيْبٍ! السَّلَامُ عَلَيْكَ أَبَا خُبَيْبٍ! السَّلَامُ عَلَيْكَ أَبَا خُبَيْبٍ. أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا، أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا، أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا، أَمَا وَاللَّهِ إِنْ كُنْتَ مَا عَلِمْتُ صَوَّامًا قَوَّامًا وَصُولًا لِلرَّحِمِ، أَمَا وَاللَّهِ لَأُمَّةٌ أَنْتَ شَرُّهَا لَأُمَّةُ سَوْءٍ - وَفِي رِوَايَةٍ لَأُمَّةُ خَيْرٍ - ثُمَّ نَفَذَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، فَبَلَغَ الْحَجَّاجَ مَوْقِفُ عَبْدِ اللَّهِ وَقَوْلُهُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ، فَأُنْزِلَ عَنْ جِذْعِهِ، فَأُلْقِيَ فِي قُبُورِ الْيَهُودِ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى أُمِّهِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، فَأَبَتْ أَنْ تَأْتِيَهُ، فَأَعَادَ عَلَيْهَا الرَّسُولَ لَتَأْتِيَنِّي أَوْ لَأَبْعَثَنَّ إِلَيْكِ مَنْ يَسْحَبُكِ بِقُرُونِكِ، قَالَ: فَأَبَتْ وَقَالَتْ: وَاللَّهِ لَا آتِيكَ حَتَّى تَبْعَثَ إِلَيَّ مَنْ يَسْحَبُنِي بِقَرُونِي وَقَالَ: فَقَالَ: أَرُونِي سِبْتِيَّ، فَأَخَذَ نَعْلَيْهِ، ثُمَّ انْطَلَقَ يَتَوَذَّفُ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهَا، فَقَالَ: كَيْفَ رَأَيْتِنِي صَنَعْتُ بِعَدُوِّ اللَّهِ؟ قَالَتْ: رَأَيْتُكَ أَفْسَدْتَ عَلَيْهِ دُنْيَاهُ وَأَفْسَدَ عَلَيْكَ آخِرَتَكَ، بَلَغَنِي أَنَّكَ تَقُولُ لَهُ: يَا ابْنَ ذَاتِ النِّطَاقَيْنِ! أَنَا وَاللَّهِ ذَاتُ النِّطَاقَيْنِ، أَمَّا أَحَدُهُمَا: فَكُنْتُ أَرْفَعُ بِهِ طَعَامَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَطَعَامَ أَبِي بَكْرٍ مِنَ الدَّوَابِّ، وَأَمَّا الْآخَرُ: فَنِطَاقُ الْمَرْأَةِ الَّتِي لَا تَسْتَغْنِي عَنْهُ، أَمَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدَّثَنَا:( «إِنَّ فِي ثَقِيفٍ كَذَّابًا وَمُبِيرًا» )، فَأَمَّا الْكَذَّابُ فَرَأَيْنَاهُ وَأَمَّا الْمُبِيرُ فَلَا إِخَالُكَ إِلَّا إِيَّاهُ قَالَ: فَقَامَ عَنْهَا فَلَمْ يُرَاجِعْهَا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
6003 -
(وَعَنْ أَبِي نَوْفَلٍ مُعَاوِيَةَ بْنِ مُسْلِمٍ) : قَالَ الْمُؤَلِّفُ: سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ وَابْنَ عُمَرَ، وَرَوَى عَنْهُ شُعْبَةُ، وَابْنُ جُرَيْجٍ. (قَالَ: رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ عَلَى عَقَبَةِ الْمَدِينَةِ) : يُرِيدُ عَلَى عَقَبَةِ مَكَّةَ وَاقِعَةٌ فِي طَرِيقِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ حِينَ يَنْزِلُونَ مَكَّةَ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ مَصْلُوبًا هُنَاكَ. وَلِذَا جُعِلَ لَهُ قَبْرٌ فِي الْحَجُونِ قَرِيبَ الْعَقَبَةِ، لَكِنَّهُ غَيْرُ ثَابِتٍ، وَكَذَا سَائِرُ قُبُورِ الصَّحَابَةِ فِي مَقْبَرَةِ مَكَّةَ لَيْسَ لَهَا مَحَلٌّ مُعَيَّنٌ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ حَتَّى تُرْبَةِ خَدِيجَةَ رضي الله عنها أَيْضًا، وَإِنَّمَا بَنَى عَلَيْهَا اعْتِمَادًا عَلَى رُؤْيَا بَعْضِ الْأَوْلِيَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (قَالَ) أَيْ: أَبُو نَوْفَلٍ (فَجَعَلَتْ قُرَيْشٌ تَمُرُّ عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ (وَالنَّاسُ) أَيْ: وَسَائِرُ النَّاسِ يَمُرُّونَ عَلَيْهِ أَيْضًا (حَتَّى مَرَّ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَوَقَفَ عَلَيْهِ قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَبَا خُبَيْبٍ) ، بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ الْأُولَى بَعْدَهَا تَحْتِيَّةٌ سَاكِنَةٌ، كُنْيَةُ ابْنِ الزُّبَيْرِ كُنِّيَ بِابْنِهِ خُبَيْبٍ أَكْبَرِ أَوْلَادِهِ، (السَّلَامُ عَلَيْكَ أَبَا خُبَيْبٍ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَبَا خُبَيْبٍ) ، فِيهِ اسْتِحْبَابُ تَثْلِيثِ السَّلَامِ عَلَى الْمَيِّتِ وَلَوْ قَبْلَ الدَّفْنِ. (لَقَدْ كُنْتُ أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا، لَقَدْ كُنْتُ أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا، لَقَدْ كُنْتُ أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا) . الْمُشَارُ إِلَيْهِ بِهَذَا صَلْبُهُ، وَالْمَعْنَى كُنْتُ أَنْهَاكَ عَمَّا يُؤَدِّي إِلَى مَا أَرَاكَ فِيهِ. قَالَ الطِّيبِيُّ فَعَلَى هَذَا هُوَ مِنْ وَادِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} [النساء: 10] يَعْنِي مِنْ جِهَةِ مَجَازِ الْأَوَّلِ نَحْوَ قَوْلِهِ: {أَعْصِرُ خَمْرًا} [يوسف: 36](أَمَا) : بِالتَّخْفِيفِ لِلتَّنْبِيهِ (وَاللَّهِ إِنْ كُنْتُ) : إِنْ هِيَ الْمُخَفَّفَةُ مِنَ الْمُثْقَّلَةِ وَضَمِيرُ الشَّأْنِ مَحْذُوفٌ وَقَوْلُهُ (مَا) : زَائِدَةٌ (عَلِمْتُ) أَيْ: عَلِمْتُكَ (صَوَّامًا) أَيْ: كَثِيرَ الصِّيَامِ فِي النَّهَارِ (قَوَّامًا) : كَثِيرَ الْقِيَامِ فِي اللَّيْلِ (وَصُولًا) : بِفَتْحِ الْوَاوِ أَيْ: مُبَالِغًا فِي الصِّلَةِ (لِلرَّحِمِ) أَيْ: لِلْقَرَابَةِ وَفِي (شَرْحِ مُسْلِمٍ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: هَذَا أَصَحُّ مِنْ قَوْلِ بَعْضِ الْأَخْبَارِيِّينَ وَوَصْفِهِ بِالْإِمْسَاكِ، وَقَدْ عَدَّهُ صَاحِبُ كِتَابِ (الْأَجْوَادِ) فِيهِمْ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ أَحْوَالِهِ انْتَهَى.
وَقَدْ أَرَادَ ابْنُ عُمَرَ بِهَذَا الْقَوْلِ بَرَاءَةَ ابْنِ الزُّبَيْرِ مِمَّا نَسَبَ إِلَيْهِ الْحَجَّاجُ مِنْ قَوْلِ عَدُوِّ اللَّهِ وَظَالِمٍ وَنَحْوِهِ، وَإِعْلَامَ النَّاسِ بِمَحَاسِنِهِ، وَأَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ كَانَ مَظْلُومًا وَمَرْجُومًا وَعَاشَ سَعِيدًا وَمَاتَ شَهِيدًا أَمَا كَرَّرَهُ تَأْكِيدًا، (وَاللَّهِ لَأُمَّةٌ) أَيْ: لَجَمَاعَةٌ (أَنْتَ شَرُّهَا) أَيْ: بِزَعْمِهِمْ (لَأُمَّةُ سَوْءٍ) : بِفَتْحِ السِّينِ وَتُضَمُّ أَيْ: لِفَسَادِ فَهْمِهِمْ وَسُوءِ اعْتِقَادِهِمْ. قَوْلُهُ: لَأُمَّةُ مُبْتَدَأٌ. وَأَنْتَ شَرُّهَا صِفَتُهَا أَيْ: وَلَأُمَّةٌ أَنْتَ أَكْثَرُ مَنْ وَصَلَ إِلَيْهِ شَرُّ النَّاسِ لَأُمَّةُ سَوْءٍ، فَالْحُكْمُ فَرْضِيُّ وَتَقْدِيرِيُّ، أَوَزَعْمِيٌّ وَادِّعَائِيٌّ عَلَى طَرِيقِ الْإِنْكَارِيِّ.
(وَفِي رِوَايَةٍ: لَأُمَّةُ خَيْرٍ) . فَهُوَ سَبِيلٌ تَهَكُّمِيٌّ وَاسْتِهْزَائِيٌّ وَهُوَ نَظِيرُ مَا قَالَ بَعْضُهُمْ حِينَ إِخْرَاجِ أَبِي يَزِيدَ الْبَسْطَامِيِّ مِنْ بَلَدِهِ بَلَدُ أَبُو يَزِيدَ شَرُّ أَهْلِهَا نِعْمَ الْبَلَدُ. وَفِي (شَرْحِ مُسْلِمٍ) لِلنَّوَوِيِّ: هَكَذَا هُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مَشْيَخَتِنَا، وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ جُمْهُورِ رُوَاةِ (صَحِيحِ مُسْلِمٍ)، وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ رُوَاةِ السَّمَرْقَنْدِيِّ: لَأُمَّةُ سَوْءٍ. قَالَ: وَهُوَ خَطَأٌ وَتَصْحِيفٌ أَيْ: سَهْوٌ وَتَحْرِيفٌ، لَكِنْ حَيْثُ صَحَّتِ الرِّوَايَةُ وَطَابَقَتِ الدِّرَايَةَ فَلَا مَعْنَى لِلتَّخْطِيَةِ. (ثُمَّ نَفَذَ) : بِفَتْحِ النُّونِ وَالْفَاءِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ: ذَهَبَ (وَمَضَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، فَبَلَغَ الْحَجَّاجَ) أَيِ: الظَّالِمَ (مَوْقِفُ عَبْدِ اللَّهِ، وَقَوْلُهُ) أَيْ: خَبَرُ وُقُوفِهِ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ فِي حَقِّهِ لَدَيْهِ (فَأَرْسَلَ) أَيِ: الْحَجَّاجُ (إِلَى) أَيْ: إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ (فَأُنْزِلَ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (عَنْ جِذْعِهِ) أَيِ: الْمَصْلُوبِ عَلَيْهِ (فَأُلْقِيَ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ: فَطُرِحَ (فِي قُبُورِ الْيَهُودِ) أَيْ: فِي مَوْضِعِ قُبُورِهِمْ مِنْ سُكَّانِ مَكَّةَ، أَوْ مِنْ وَادِيهَا مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا، وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا سَبَقَ مِنْ أَنَّهُ مَدْفُونٌ فِي أَعْلَى الْمُعَلَّى ; لِأَنَّهُ حُمِلَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ ذَلِكَ الْمَحَلِّ الْأَدْنَى وَدُفِنَ فِي الْمَوْضِعِ الْأَوَّلِ. (ثُمَّ أَرْسَلَ أَيِ: الْحَجَّاجُ (إِلَى أُمِّهِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ) أَيْ: يَطْلُبُهَا (فَأَبَتْ أَنْ تَأْتِيَهُ) أَيْ: فَامْتَنَعَتْ مِنَ الْإِتْيَانِ إِلَيْهِ، وَالْوُقُوفِ لَدَيْهِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ، (فَأَعَادَ عَلَيْهَا الرَّسُولَ) أَيْ: قَائِدًا عَلَى لِسَانِهِ (لَتَأْتِيَنِّي) : بِتَشْدِيدِ النُّونِ عَلَى صِيغَةِ الْخِطَابِ لِقَوْلِهِ: (أَوْ لَأَبْعَثَنَّ إِلَيْكِ)، أَيْ: لَأُرْسِلَنَّ إِلَى إِتْيَانِكِ إِلَيَّ (مَنْ يَسْحَبُكِ) : بِفَتْحِ الْحَاءِ أَيْ: يَجُرُّكِ (بِقُرُونِكِ) أَيْ: بِضَفَائِرِ شَعْرِكِ.
(قَالَ) أَيْ: أَبُو نَوْفَلٍ (فَأَبَتْ، وَقَالَتْ: وَاللَّهِ لَا آتِيكَ) :. بِمَدِّ الْهَمْزَةِ أَيْ: لَا أَجِيئُكَ (حَتَّى تَبْعَثَ إِلَيَّ مَنْ يَسْحَبُنِي بِقُرُونِي. قَالَ)، أَيْ: أَبُو نَوْفَلٍ (فَقَالَ) أَيِ: الْحَجَّاجُ (أَرُونِي سِبْتَيَّ) : بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ.
وَفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ أَيْ: نَعْلَيَّ وَكَذَا ضَبَطَهُ النَّوَوِيُّ وَقَالَ: هِيَ النَّعْلُ الَّتِي لَا شَعَرَ عَلَيْهَا. وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ سِبْتِيَّتَيَّ بِكَسْرٍ فَسُكُونِ فَكَسْرِ فَوْقِيَّةٍ فَتَشْدِيدِ تَحْتِيَّةِ فَفَتَحِ فَوْقِيَّةٍ فَتَحْتِيَّةٍ مُشَدَّدَةٍ، فَفِي النِّهَايَةِ: السِّبْتُ بِالْكَسْرِ الْجُلُودُ الْمَدْبُوغَةُ بِالْقَرْظِ، وَهُوَ بِالتَّحْرِيكِ وَرَقُ السِّلْمِ يُتَّخَذُ مِنْهَا النِّعَالُ أَيِ: السِّبْتِيَّةُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ شَعَرَهَا قَدْ سُبِتَ عَنْهَا أَيْ: حُلِقَ وَأُزِيلَ. وَقِيلَ: لِأَنَّهَا انْسَبَتَتْ بِالدِّبَاغِ أَيْ: لَانَتْ، وَيُقَالُ لِلنَّعْلِ الْمُتَّخَذِ مِنْهَا سِبْتٌ اتِّسَاعًا، وَمِنْهُ: يَا صَاحِبَ السِّبْتَيْنِ، وَيُرْوَى السِّبْتِيَّتَيْنِ عَلَى النَّسَبِ، وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: مَنْسُوبٌ إِلَى مَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ: سُوقُ السَّبْتِ، وَفِي الْمَشَارِقِ قَوْلُهُ: أَرُونِي سِبْتِيَّتَيَّ، وَيَا صَاحِبَ السِّبْتِيَّتَيْنِ بِيَائَيْنِ، وَذَكَرَ الْهَرَوِيُّ بِيَاءٍ وَاحِدَةٍ مُخَفَّفَةٍ تَثْنِيَةُ سِبْتٍ انْتَهَى.
وَالْمَعْنَى ائْتُونِي بِهِمَا أَوْ قَدِّمُوهُمَا لِي (فَأَخَذَ نَعْلَيْهِ) أَيْ: فَلَبَسَهُمَا (ثُمَّ انْطَلَقَ يَتَوَذَّفُ) : بِالْوَاوِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ الْمُشَدَّدَةِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: مَعْنَاهُ يُسْرِعُ، وَقِيلَ: يَتَبَخْتَرُ (حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهَا) أَيْ: عَلَى أَسْمَاءَ (فَقَالَ: كَيْفَ رَأَيْتِنِي) : بِكَسْرِ التَّاءِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِإِشْبَاعِ كَسْرَتِهَا يَاءٌ أَيْ: كَيْفَ وَجَدْتِنِي (صَنَعْتُ بِعَدُوِّ اللَّهِ) ؟ أَرَادَ بِهِ ابْنَهَا عَلَى زَعْمِهِ الْفَاسِدِ، وَاعْتِقَادِهِ الْكَاسِدِ (قَالَتْ: رَأَيْتُكَ أَفْسَدْتَ عَلَيْهِ دُنْيَاهُ، وَأَفْسَدَ عَلَيْكَ آخِرَتَكَ) . وَالْإِسْنَادُ سَبَبِيٌّ فِيهِمَا (ثُمَّ قَالَتْ: بَلَغَنِي أَنَّكَ تَقُولُ لَهُ) أَيْ: فِي حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ مَمَاتِهِ (يَا ابْنَ ذَاتِ النِّطَاقَيْنِ) : بِكَسْرِ النُّونِ وَهُوَ مَا تَشُدُّ بِهِ الْمَرْأَةُ وَسَطَهَا عِنْدَ مُعَانَاةِ الْأَشْغَالِ، لِتَرْفَعَ بِهِ ثَوْبَهَا، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا قَطَعَتْ نِطَاقَهَا نِصْفَيْنِ عِنْدَ مُهَاجَرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَشَدَّتْ بِأَحَدِهِمَا قِرْبَتَهُ، وَبِالْآخَرِ سُفْرَتَهُ، فَسَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ، وَقِيلَ: شَدَّتْ بِأَحَدِهِمَا سُفْرَتَهُ، وَبِالْآخَرِ وَسَطَهَا لِلشُّغْلِ، وَكَانَ الْحَجَّاجُ مِنْ خُبْثِهِ حَمَلَ قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم فِي حَقِّهَا ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ عَلَى الذَّمِّ، وَأَنَّهَا خَدَّامَةٌ وَخَرَّاجَةٌ وَلَاجَّةٌ تَشُدُّ نِطَاقَهَا لِلْخِدْمَةِ، فَكَأَنَّهَا سَلَّمَتْ أَنَّهَا ذَاتُ نِطَاقَيْنِ، وَلَكِنْ نِطَاقٌ لَيْسَ هَذَا شَأْنُهُ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهَا:(أَنَا وَاللَّهِ ذَاتُ النِّطَاقَيْنِ: أَمَّا أَحَدُهُمَا، فَكُنْتُ أَرْفَعُ بِهِ طَعَامَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَطَعَامَ أَبِي بَكْرٍ مِنَ الدَّوَابِّ) : مُتَعَلِّقٌ بِأَرْفَعَ أَيْ: أَرْبُطُ بِهِ سُفْرَةَ طَعَامِهِمَا، وَأُعَلِّقُهَا مَرْفُوعَةً خَشْيَةً مِنَ الدَّوَابِّ كَالْفَأْرَةِ وَالذَّرَّةِ وَنَحْوِهِمَا. (وَأَمَّا الْآخَرُ، فَنِطَاقُ الْمَرْأَةِ الَّتِي لَا تَسْتَغْنِي عَنْهُ) . إِمَّا لِخِدْمَتِهَا الْمُتَعَارَفَةِ فِي بَيْتِهَا الْمَمْدُوحَةِ فِي حَقِّهَا، وَإِمَّا لِرَبْطِهَا فِي وَسَطِهَا إِبْقَاءً لِحَالِهَا خَشْيَةَ أَنْ تَصِيرَ بَطُونِيَّةً، كَمَا هُوَ الْآنَ عَادَةُ الْعَرَبِ مِنَ الْحِزَامِ، الْمَصْنُوعِ مِنَ الْجِلْدِ لِلْفُقَرَاءِ، وَأَلْحَقُوا بِهِ الْمَصْنُوعَ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِلْأَغْنِيَاءِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ} [التوبة: 61] كَأَنَّهُ قِيلَ: نَعَمْ هُوَ أُذُنٌ كَمَا قُلْتُمْ إِلَّا أَنَّهُ أُذُنُ خَيْرٍ لَا أُذُنُ شَرٍّ، فَسَلَّمَ لَهُمْ قَوْلَهُمْ فِيهِ: إِلَّا أَنَّهُ فَسَّرَ. بِمَا هُوَ مَدْحٌ وَإِنْ كَانُوا قَصَدُوا بِذَلِكَ الْمَذَمَّةَ. (أَمَا) : بِالتَّخْفِيفِ لِلتَّنْبِيهِ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدَّثَنَا أَنَّ) : بِالْفَتْحِ وَجُوِّزَ الْكَسْرُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمُحَدِّثِ ( «فِي ثَقِيفٍ كَذَّابًا وَمُبِيرًا» )، أَيْ: مُفْسِدًا (فَأَمَّا الْكَذَّابُ فَرَأَيْنَاهُ) . تَعْنِي الْمُخْتَارَ (وَأَمَّا الْمُبِيرُ فَلَا إِخَالُكَ) : بِكَسْرِ الْهَمْزِ وَتُفْتَحُ أَيْ: فَلَا أَظُنُّكَ (إِلَّا إِيَّاهُ) أَيْ: ذَلِكَ الْمُبِيرَ.
قَالَ الطِّيبِيُّ: الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ: لَا إِخَالُهُ إِلَّا إِيَّاكَ فَقَدَّمَ ثَانِي مَفْعُولَيْهِ اهْتِمَامًا، وَأَنَّ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ بِهَذَا الْحُكْمِ هُوَ لَا أَنَّ الْمُبِيرَ مَنْ هُوَ فَهُوَ يَنْظُرُ إِلَى قَوْلِهِ:{وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ} [الأنعام: 100] قَدَّمَ شُرَكَاءَ وَهُوَ الْمَفْعُولُ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ، وَهُوَ الْجِنُّ، وَقَدَّمَ أَيْضًا لِلَّهِ عَلَيْهِمَا اهْتِمَامًا وَمَزِيدًا لِلْإِنْكَارِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: فِي سَلَامِ ابْنِ عُمَرَ عَلَيْهِ وَهُوَ مَصْلُوبٌ اسْتِحْبَابُ السَّلَامِ عَلَى الْمَيِّتِ وَتَكْرِيرِهِ، وَفِيهِ الثَّنَاءُ عَلَى الْمَوْتَى بِجَمِيلِ صِفَاتِهِمُ الْمَعْرُوفَةِ، وَفِيهِ مَنْقَبَةٌ عَظِيمَةٌ لِابْنِ عُمَرَ لِقَوْلِهِ الْحَقَّ فِي الْمَلَأِ وَعَدَمِ اكْتِرَاثِهِ بِالْحَجَّاجِ ; لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ مَقَامَهُ وَثَنَاءَهُ عَلَيْهِ يَبْلُغُهُ، فَلَمْ يَمْنَعْهُ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الْحَقَّ، وَيَشْهَدَ لِابْنِ الزُّبَيْرِ بِمَا يَعْلَمُهُ فِيهِ مِنَ الْخَيْرِ، وَبُطْلَانِ مَا أَشَاعَ عَنْهُ الْحَجَّاجُ مِنْ قَوْلِهِ: عَدُوُّ اللَّهِ وَظَالِمٌ وَنَحْوُهُ، فَأَرَادَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما بَرَاءَةَ ابْنِ الزُّبَيْرِ مِنَ الَّذِي نَسَبَ إِلَيْهِ الْحَجَّاجُ، وَإِعْلَامَ النَّاسِ بِمَحَاسِنِهِ، وَمَذْهَبُنَا أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ كَانَ مَظْلُومًا انْتَهَى.
وَلَا أَظُنُّ أَنَّ فِيهِ خِلَافًا فِي مَذْهَبٍ مِنَ الْمَذَاهِبِ إِلَّا عِنْدَ الْخَوَارِجِ (قَالَ) أَيْ: أَبُو نَوْفَلٍ (فَقَامَ عَنْهَا) أَيِ: الْحَجَّاجُ (فَلَمْ يُرَاجِعْهَا) أَيْ: فَلَمْ يَرُدَّهَا فِي الْكَلَامِ، ثُمَّ إِنَّهَا مَاتَتْ بَعْدَ قَتْلِ ابْنِهَا بِعَشَرَةِ أَيَّامٍ، وَلَهَا مِائَةُ سَنَةٍ وَلَمْ يَقَعْ لَهَا سِنٌّ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .