المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب مناقب أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم] - مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٩

[الملا على القاري]

فهرس الكتاب

- ‌[بَابُ صِفَةِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِهَا]

- ‌[بَابُ رُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى]

- ‌[بَابُ صِفَةِ النَّارِ وَأَهْلِهَا]

- ‌[بَابُ خَلْقِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ]

- ‌[بَابُ بَدْءِ الْخَلْقِ وَذِكْرِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ]

- ‌[كِتَابِ الْفَضَائِلِ] [

- ‌بَابُ فَضَائِلِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ]

- ‌[بَابُ أَسْمَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَصِفَاتِهِ]

- ‌[بَابٌ فِي أَخْلَاقِهِ وَشَمَائِلِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[بَابُ الْمَبْعَثِ وَبَدْءِ الْوَحْيِ]

- ‌[بَابُ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ]

- ‌[بَابٌ فِي الْمِعْرَاجِ]

- ‌[بَابٌ فِي الْمُعْجِزَاتِ]

- ‌[بَابُ الْكَرَامَاتِ]

- ‌[بَابٌ هِجْرَةُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ وَوَفَاتُهُ]

- ‌[بَابٌ]

- ‌[كِتَابُ الْمَنَاقِبِ وَالْفَضَائِلِ] [

- ‌بَابُ مَنَاقِبِ قُرَيْشٍ وَذِكْرِ الْقَبَائِلِ]

- ‌[بَابُ مَنَاقِبِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ]

- ‌[بَابُ مَنَاقِبِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه]

- ‌[بَابُ مَنَاقِبِ عُمَرَ رضي الله عنه]

- ‌[بَابُ مَنَاقِبِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما]

- ‌[بَابُ مَنَاقِبِ عُثْمَانَ رضي الله عنه]

- ‌[بَابُ مَنَاقِبِ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ رضي الله عنهم]

- ‌[بَابُ مَنَاقِبِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه]

- ‌[بَابُ مَنَاقِبِ الْعَشَرَةِ رضي الله عنهم]

- ‌[بَابُ مَنَاقِبِ أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم]

- ‌[بَابُ مَنَاقِبِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهن]

- ‌[بَابُ جَامِعِ الْمَنَاقِبِ]

- ‌[تَسْمِيَةُ مَنْ سُمِّيَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ]

- ‌[بَابُ ذِكْرِ الْيَمَنِ وَالشَّامِ وَذِكْرِ أُوَيْسٍ الْقَرَنِيِّ]

- ‌[بَابُ ثَوَابِ هَذِهِ الْأُمَّةِ]

الفصل: ‌[باب مناقب أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم]

الْمُوجِبُ لِلْخَلَاصِ، وَفِي رِوَايَةٍ تَجِدُوهُ مُسْلِمًا أَمِينًا. وَفِي رِوَايَةٍ: تَجِدُوهُ قَوِيًّا فِي أَمْرِ اللَّهِ ضَعِيفًا فِي نَفْسِهِ، (" وَإِنْ تُؤَمِّرُوا عُمَرَ تَجِدُوهُ قَوِيًّا ")، أَيْ: قَادِرًا عَلَى حَمْلِ ثِقَلِ أَعْبَاءِ الْإِمَارَةِ (" أَمِينًا ")، أَيْ: لَا تَجِيءُ مِنْهُ الْخِيَانَةُ (" لَا يَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ ") ، أَيْ لَا يُرَاعِي أَحَدًا فِي أَمْرِ الدِّينِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ صُلْبٌ فِي الدِّينِ إِذَا شَرَعَ فِي أَمْرٍ مِنْ أُمُورِهِ لَا يَخَافُ إِنْكَارَ مُنْكِرٍ، وَمَضَى فِيهِ كَالْمِسْمَارِ الْمُحْمَى لَا يَزَعُهُ قَوْلُ قَائِلٍ، وَلَا اعْتِرَاضُ مُعْتَرِضٍ، وَلَا لَوْمَةُ لَائِمٍ يَشُقُّ عَلَيْهِ جِدُّهُ، وَاللَّوْمَةُ الْمَرَّةُ مِنَ اللَّوْمِ، وَفِيهَا وَفِي التَّنْكِيرِ مُبَالَغَتَانِ كَأَنَّهُ قِيلَ: لَا يَخَافُ شَيْئًا قَطُّ مِنْ قَوْمٍ مِنْ لَوْمِ أَحَدٍ مِنَ اللُّوَّامِ، وَفِي رِوَايَةٍ تَجِدُوهُ قَوِيًّا فِي أَمْرِ اللَّهِ قَوِيًّا فِي نَفْسِهِ. (" وَإِنْ تُؤَمِّرُوا عَلِيًّا وَلَا أُرَاكُمْ ") : بِضَمِّ الْهَمْزَةِ أَيْ وَالْحَالُ أَنِّي لَا أَظُنُّكُمْ (" فَاعِلِينَ ")، أَيِ: التَّأْمِيرَ لَهُ بِلَا خِلَافٍ حَالَ خِلَافَتِهِ (" تَجِدُوهُ هَادِيًا ")، أَيْ: مُرْشِدًا مُكَمِّلًا (" مَهْدِيًّا ")، بِفَتْحِ مِيمٍ وَتَشْدِيدِ تَحْتِيَّةٍ أَيْ مُهْتَدِيًا كَامِلًا (" لَأَخَذَ بِكُمُ الطَّرِيقَ الْمُسْتَقِيمَ ") . قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: يَعْنِي: الْأَمْرُ مُفَوَّضٌ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الْأُمَّةُ لِأَنَّكُمْ أُمَنَاءُ مُجْتَهِدُونَ مُصِيبُونَ فِي الِاجْتِهَادِ، وَلَا تَجْتَمِعُونَ إِلَّا عَلَى الْحَقِّ الصِّرْفِ، وَهَؤُلَاءِ الْمَذْكُورُونَ كَالْحَلْقَةِ الْمُفَرَّغَةِ لَا يَدْرِي أَيُّهُمْ أَفْضَلُ فِيمَا يُدْلَى إِلَيْهِ مِمَّا يَسْتَحِقُّ بِهِ الْإِمَارَةَ. قِيلَ: وَفِي تَقْدِيمِ أَبِي بَكْرٍ إِيمَاءٌ إِلَى تَقَدُّمِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ عُثْمَانَ صَرِيحًا لَكِنَّ فِي قَوْلِهِ:(وَلَا أُرَاكُمْ) إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ الْمُتَقَدِّمُ عَلَى عَلَيٍّ ثُمَّ أَبْعَدَ مَنْ قَالَ قَوْلُهُ: وَلَا أُرَاكُمْ فَاعِلِينَ مُتَعَلِّقٌ بِإِمَارَةِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ رضي الله عنهما نَعَمْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الْمَعْنَى لَا أُرَاكُمْ فَاعِلِينَ تَأْمِيرَ عَلِيٍّ مُقَدَّمًا عَلَى كُلِّهِمْ لِمَا عُلِمَ مِنْ قَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ أَنَّ عُمْرَ عَلِيٍّ أَطْوَلُ مِنْ أَعْمَارِهِمْ، فَلَوْ قُدِّمَ لَفَاتَهُمُ الْخِلَافَةَ مَعَ أَنَّهُ كَتَبَ لَهُمُ الْخِلَافَةَ أَيْضًا، فَيَتَعَيَّنُ أَنَّكُمْ غَيْرُ فَاعِلِينَ، فَالظَّنُّ بِمَعْنَى الْيَقِينِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَهُوَ الْمُوَفِّقُ وَالْمُعِينُ. (رَوَاهُ أَحْمَدُ) . وَعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ:«قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَسْتَخْلِفُ؟ قَالَ: " لَا، إِنِّي إِنِ اسْتَخْلَفْتُ عَلَيْكُمْ فَعَصَيْتُمْ خَلِيفَتِي نَزَلَ الْعَذَابُ ". قَالُوا: أَلَا نَسْتَخْلِفُ أَبَا بَكْرٍ؟ قَالَ: " إِنْ تَسْتَخْلِفُوهُ تَجِدُوهُ قَوِيًّا فِي أَمْرِ اللَّهِ ضَعِيفًا فِي نَفْسِهِ " قَالُوا: أَلَا نَسْتَخْلِفُ عُمَرَ؟ قَالَ: " إِنْ تَسْتَخْلِفُوهُ تَجِدُوهُ قَوِيًّا فِي أَمْرِ اللَّهِ قَوِيًّا فِي بَدَنِهِ ". قَالُوا: أَلَا تَسْتَخْلِفُ عَلِيًّا؟ قَالَ: " إِنْ تَسْتَخْلِفُوهُ تَجِدُوهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا يَسْلُكُ بِكُمُ الطَّرِيقَ الْمُسْتَقِيمَ» خَرَّجَهُ ابْنُ السَّمَّانِ.

ص: 3961

6134 -

وَعَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «رَحِمَ اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ، زَوَّجَنِي ابْنَتَهُ، وَحَمَلَنِي إِلَى دَارِ الْهِجْرَةِ، وَصَحِبَنِي فِي الْغَارِ، وَأَعْتَقَ بِلَالًا مِنْ مَالِهِ، رَحِمَ اللَّهُ عُمَرَ يَقُولُ الْحَقَّ وَإِنْ كَانَ مُرًّا، تَرَكَهُ الْحَقُّ وَمَا لَهُ مِنْ صَدِيقٍ. رَحِمَ اللَّهُ عُثْمَانَ تَسْتَحْيِيهِ الْمَلَائِكَةُ، رَحِمَ اللَّهُ عَلِيًّا، اللَّهُمَّ أَدِرِ الْحَقَّ مَعَهُ حَيْثُ دَارَ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.

ــ

6134 -

(وَعَنْهُ)، أَيْ: عَنْ عَلِيٍّ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " رَحِمَ اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ ") ، فِيهِ جَوَازُ الدُّعَاءِ بِالرَّحْمَةِ لِلْأَحْيَاءِ (" زَوَّجَنِي ابْنَتَهُ ") بِهَمْزَةِ وَصْلٍ، وَالْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافُ تَعْلِيلٍ، وَهَذَا تَوَاضُعٌ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم وَإِلَّا فَلَهُ صَنِيعٌ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ تَزَوُّجِهَا (" وَحَمَلَنِي إِلَى دَارِ الْهِجْرَةِ ")، أَيْ: عَلَى بَعِيرِهِ وَلَوْ عَلَى قَبُولِ ثَمَنِهِ (" وَصَحِبَنِي فِي الْغَارِ ") ، أَيْ حِينِ هَجَرَنِي الْأَغْيَارُ (" وَأَعْتَقَ بِلَالًا مِنْ مَالِي ") أَيْ وَجَعَلَهُ خَادِمًا لِي فِي مَآلِهِ (" رَحِمَ اللَّهُ عُمَرَ يَقُولُ الْحَقَّ ")، أَيِ: الصِّرْفَ أَوِ الْقَوْلَ الْحَقَّ (" وَإِنْ كَانَ ")، أَيْ: وَلَوْ كَانَ الْحَقُّ الصِّرْفُ أَوِ الْقَوْلُ الْحَقُّ (" مُرًّا ") أَيْ صَعْبًا عَلَى الْخَلْقِ (" تَرَكَهُ الْحَقُّ) : اسْتِئْنَافُ بَيَانٍ (" وَمَا لَهُ مِنْ صَدِيقٍ ") : جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ أَيْ صَيَّرَهُ قَوْلُ الْحَقِّ بِهَذِهِ الصِّفَةِ أَوْ خَلَّاهُ بِهَذِهِ الْحَالَةِ، وَهِيَ أَنَّهُ لَا صَدِيقَ لَهُ اكْتِفَاءً بِرِضَا اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَالْمَعْنَى مِنْ صَدِيقٍ تَكُونُ صَدَاقَتُهُ لِلْمُرَاعَاةِ وَالْمُدَارَاةِ لَا مُطْلَقًا، وَإِلَّا فَلَا شَكَّ أَنَّ الصِّدِّيقَ كَانَ صَدِيقًا لَهُ. قَالَ الطِّيبِيُّ، قَوْلُهُ: تَرَكَهُ إِلَخْ جُمْلَةٌ مُبَيِّنَةٌ لِقَوْلِهِ يَقُولُ الْحَقَّ وَإِنْ كَانَ مُرًّا، لِأَنَّ تَمْثِيلَ الْحَقِّ بِالْمَرَارَةِ يُؤْذِنُ بِاسْتِبْشَاعِ النَّاسِ مِنْ سَمَاعِ الْحَقِّ اسْتِبْشَاعَ مَنْ يَذُوقُ الْعَلْقَمَ، فَيَقِلُّ لِذَلِكَ صَدِيقُهُ. وَقَوْلُهُ:(وَمَا لَهُ مِنْ صَدِيقٍ) حَالٌ مِنَ الْمَفْعُولِ إِذَا جُعِلَ (تَرَكَ) بِمَعْنَى خَلَّى، وَإِذَا ضُمِّنَ مَعْنَى صَيَّرَ كَانَ هَذَا مَفْعُولًا ثَانِيًا، وَالْوَاوُ فِيهِ دَاخِلَةٌ عَلَى الْمَفْعُولِ الثَّانِي كَمَا فِي بَعْضِ الْأَشْعَارِ. (رَحِمَ اللَّهُ عُثْمَانَ تَسْتَحْيِي مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ، رَحِمَ اللَّهُ عَلِيًّا اللَّهُمَّ أَدِرِ الْحَقَّ ") : أَمْرٌ مِنَ الْإِدَارَةِ أَيِ اجْعَلِ الْحَقَّ دَائِرًا وَسَائِرًا (مَعَهُ حَيْثُ دَارَ)، أَيْ: عَلِيٌّ أَوِ الْحَقُّ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) .

ص: 3961

[بَابُ مَنَاقِبِ أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم]

ص: 3961

بَابُ مَنَاقِبِ أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

6135 -

عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ} [آل عمران: 61] دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلِيًّا وَفَاطِمَةَ وَحَسَنًا وَحُسَيْنًا فَقَالَ: " اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

بَابُ مَنَاقِبِ أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ زِيَادَةُ: وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

6135 -

(عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ)، أَيِ: الْمُسَمَّاةُ بِآيَةِ الْمُبَاهَلَةِ {نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ} [آل عمران: 61] : أَوَّلُهَا: نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ (دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلِيًّا) : فَنَزَّلَهُ مَنْزِلَةَ نَفْسِهِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْقَرَابَةِ وَالْأُخُوَّةِ (وَفَاطِمَةَ)، أَيْ: لِأَنَّهَا أَخَصُّ النِّسَاءِ مِنْ أَقَارِبِهِ (وَحَسَنًا وَحُسَيْنًا) : فَنَزَّلَهُمَا مَنْزِلَةَ ابْنَيْهِ صلى الله عليه وسلم (فَقَالَ: " «اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي» ") . أَيْ أَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

ص: 3962

6136 -

وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: «خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم غَدَاةً وَعَلَيْهِ مِرْطٌ مُرَحَّلٌ مِنْ شَعْرٍ أَسْوَدَ، فَجَاءَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ فَأَدْخَلَهُ، ثُمَّ جَاءَ الْحُسَيْنُ فَدَخَلَ مَعَهُ، ثُمَّ جَاءَتْ فَاطِمَةُ فَأَدْخَلَهَا، ثُمَّ جَاءَ عَلَيٌّ فَأَدْخَلَهُ ثُمَّ قَالَ: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الفاتحة: 33 - 31345] » رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

6136 -

(وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم غَدَاةً)، أَيْ: صَبَاحًا وَفِي رِوَايَةٍ: ذَاتَ غَدَاةٍ (وَعَلَيْهِ مِرْطٌ) : بِكَسْرِ مِيمٍ وَسُكُونِ رَاءٍ، كِسَاءٌ يَكُونُ مِنْ خَزٍّ وَصُوفٍ فِيهِ عَلَمٌ (مُرَحَّلٌ) : بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ الْمُشَدَّدَةِ، ضَرْبٌ مِنْ بُرُودِ الْيَمَنِ لِمَا عَلَيْهِ مِنْ تَصَاوِيرِ الرَّحْلِ، كَذَا ذَكَرَهُ شَارِحٌ، وَرُوِيَ بِجِيمٍ وَهُوَ مَا عَلَيْهِ صُورَةُ الْمَرَاجِلِ بِمَعْنَى الْقُدُورِ (مِنْ شَعْرٍ) : بِفَتْحِ عَيْنٍ وَيُسَكَّنُ (أَسْوَدَ، فَجَاءَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ فَأَدْخَلَهُ) ، أَيْ تَحْتَ الْمِرْطِ بِالْأَمْرِ أَوِ الْفِعْلِ، وَفِي رِوَايَةٍ فَأَدْخَلَهُ فِيهِ (ثُمَّ جَاءَ الْحُسَيْنُ فَدَخَلَ مَعَهُ) ، أَيْ بِإِدْخَالٍ أَوْ بِغَيْرِهِ لِصِغَرِهِ، وَفِي رِوَايَةٍ فَأَدْخَلَهُ فِيهِ (ثُمَّ جَاءَتْ فَاطِمَةُ فَأَدْخَلَهَا) أَيْ فِيهِ كَمَا فِي رِوَايَةٍ (ثُمَّ جَاءَ عَلَيٌّ فَأَدْخَلَهُ)، أَيْ: فِيهِ كَمَا فِي رِوَايَةٍ (ثُمَّ قَالَ)، أَيْ: قَرَأَ {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ} [الفاتحة: 33 - 31323] أَيِ الْإِثْمَ وَكُلَّ مَا يُسْتَقْذَرُ مُرُوءَةً (أَهْلَ الْبَيْتِ) نُصِبَ عَلَى النِّدَاءِ أَوِ الْمَدْحِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ نِسَاءَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ أَيْضًا، لِأَنَّهُ مَسْبُوقٌ بِقَوْلِهِ:{يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ} [الأحزاب: 32] وَمَلْحُوقٌ بِقَوْلِهِ: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب: 34] فَضَمِيرُ الْجَمِيعِ إِمَّا لِلتَّعْظِيمِ أَوْ لِتَغْلِيبِ ذُكُورِ أَهْلِ الْبَيْتِ عَلَى مَا يُسْتَفَادُ مِنَ الْحَدِيثِ. {وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33] مِنَ التَّلَوُّثِ بِالْأَرْجَاسِ وَالْأَدْنَاسِ الْمُبْتَلِي بِهَا أَكْثَرَ النَّاسِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: اسْتَعَارَ لِلذَّنْبِ الرِّجْسَ، وَلِلتَّقْوَى الطُّهْرَ، لِأَنَّ غَرَضَ الْمُقْتَرِفِ لِلْمُقَبَّحَاتِ أَنْ يَتَلَوَّثَ بِهَا وَيَتَدَنَّسَ كَمَا يَتَلَوَّثُ بَدَنُهُ بِالْأَرْجَاسِ، وَأَمَّا الْمُحَسِّنَاتُ فَالْغَرَضُ مِنْهَا نَقِيٌّ مَصُونٌ كَالثَّوْبِ الطَّاهِرِ، وَفِي هَذِهِ الِاسْتِعَارَةِ مَا يُنْفِّرُ أُولِي الْأَلْبَابِ عَمَّا كَرِهَ اللَّهُ لِعِبَادِهِ، وَيَنْهَاهُمْ عَنْهُ وَيُرَغِّبُهُمْ فِيمَا رَضِيَهُ لَهُمْ وَأَمَرَهُ بِهِ، وَسَيَأْتِي تَرَاجِمُ الْحَسَنَيْنِ وَأُمِّهِمَا فِي مِحَالِّهَا الْمُخْتَصَّةِ بِهِمْ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) . وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ وَاثِلَةَ وَزَادَ فِي آخِرِهِ: اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي وَأَهْلُ بَيْتِي أَحَقُّ. وَفِي الرِّيَاضِ عَنْ سَعْدٍ قَالَ: أَمَرَ مُعَاوِيَةُ سَعْدًا أَنْ يَسُبَّ أَبَا تُرَابٍ فَقَالَ: أَمَا مَا ذَكَرْتُ ثَلَاثًا قَالَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَنْ أَسُبَّهُ لِأَنْ يَكُونَ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ حُمُرِ النَّعَمِ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لَهُ، وَخَلَفَهُ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ فَقَالَ عَلِيٌّ: تُخَلِّفُنِي مَعَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي» " وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ يَوْمَ خَيْبَرَ: " لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ " وَذَكَرَ الْقِصَّةَ، وَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ:{تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ} [آل عمران: 61]" دَعَا رَسُولُ اللَّهِ " عَلِيًّا وَفَاطِمَةَ وَالْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَقَالَ: " «اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي» " أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ عَلَى الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَعَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ كِسَاءً.

ص: 3962

وَقَالَ: " «اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي وَحَامَتِي أَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا» ". أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَفِي رِوَايَةٍ لِلتِّرْمِذِيِّ قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: وَأَنَا مَعَهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " «أَنْتِ عَلَى مَكَانِكِ وَأَنْتِ عَلَى خَيْرٍ» ". وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: «بَيَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِهِ يَوْمًا إِذْ قَالَتِ الْخَادِمُ: إِنَّ عَلِيًّا وَفَاطِمَةَ بِالسَّدِّ أَيِ الْبَابِ قَالَتْ فَقَالَ لِي: " قُوْمِي فَتَنَحَّيْ لِي عَنْ أَهْلِ بَيْتِي " قَالَتْ: فَقُمْتُ فَتَنَحَّيْتُ فِي الْبَيْتِ قَرِيبًا فَدَخَلَ عَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ وَمَعَهُمَا الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ، وَهُمَا صَبِيَّانِ صَغِيرَانِ، فَأَخَذَ الصَّبِيَّيْنِ فَوَضَعَهُمَا فِي حِجْرِهِ فَقَبَّلَهُمَا وَاعْتَنَقَ عَلِيًّا بِإِحْدَى يَدَيْهِ وَفَاطِمَةَ بِالْأُخْرَى وَقَبَّلَ فَاطِمَةَ وَقَبَّلَ عَلِيًّا، وَأَغْدَفَ أَيْ أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ خَمِيصَةً سَوْدَاءَ ثُمَّ قَالَ: " اللَّهُمَّ إِلَيْكَ لَا إِلَى النَّارِ أَنَا وَأَهْلُ بَيْتِي " قَالَتْ قُلْتُ: وَأَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ -؟ قَالَ: " وَأَنْتِ» " أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ تَكَرَّرَ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، وَالْمَنْعُ وَقَعَ مِنْ دُخُولِهَا مَعَهُمْ فِيمَا جَلَّلَهُمْ بِهِ، وَعَلَيْهَا يُحْمَلُ قَوْلُهَا فِي الْحَدِيثَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَأَنَا مَعَهُمْ أَيْ: أَدْخُلُ مَعَهُمْ لَا أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ، بَلْ هِيَ مِنْهُمْ، وَلِذَلِكَ لَمَّا قَالَتْ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: وَأَنَا وَلَمْ تَقُلْ مَعَهُمْ أَيْ أَنَا أَيْضًا إِلَى اللَّهِ لَا إِلَى النَّارِ. قَالَ: " وَأَنْتِ إِلَى اللَّهِ لَا إِلَى النَّارِ " وَكَذَا لَمَّا قَالَتْ: وَأَنَا مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ فِي رِوَايَةٍ قَالَ: " وَأَنْتِ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ " وَأَثْبَتُّكَ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَذِنَ لَهَا فِي الدُّخُولِ مَعَهُمْ فِي الْكِسَاءِ، وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33] قَالَ: نَزَلَتْ فِي خَمْسَةٍ: رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ، أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي الْمَنَاقِبِ، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ. وَعَنْ أَنَسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَمُرُّ بِبَابِ فَاطِمَةَ إِذَا خَرَجَ إِلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ يَقُولُ: " الصَّلَاةَ يَا أَهْلِ الْبَيْتِ {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهَ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33] » . رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَعَنْ عَلِيٍّ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِفَاطِمَةَ: (أَنَا وَإِيَّاكِ وَهَذَيْنِ يَعْنِي حَسَنًا وَحُسَيْنًا وَهَذَا الرَّاقِدُ يَعْنِي عَلِيًّا فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) » . أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى: 23] قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ قَرَابَتُكَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَجَبَتْ عَلَيْنَا مَوَدَّتُهُمْ؟ قَالَ: " عَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ وَابْنَاهُمَا» ". أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي الْمَنَاقِبِ.

ص: 3963

6137 -

وَعَنِ الْبَرَاءِ رضي الله عنه قَالَ: «لَمَّا تُوُفِّيَ إِبْرَاهِيمُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ لَهُ مُرْضِعًا فِي الْجَنَّةِ» ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ــ

6137 -

(وَعَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ إِبْرَاهِيمُ)، أَيِ: ابْنُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ مَارِيَةَ الْقِبْطِيَّةِ سِرِّيَّتِهِ وُلِدَ بِالْمَدِينَةِ فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَمَاتَ وَلَهُ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَقِيلَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ عِنْدَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ عَمُّهُ الرَّضَاعِيُّ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ لَهُ مُرْضِعًا) : بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الضَّادِ أَيْ مَنْ يُكْمِلُ رَضَاعَهُ، وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ بِفَتْحِهِمَا أَيْ: مَوْضِعَ رَضَاعٍ كَامِلٍ (فِي الْجَنَّةِ) . فِيهِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ أَنَّ أَرْبَابَ الْكَمَالِ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ فِي الْحَالِ عُقَيْبَ الِانْتِقَالِ، وَأَنَّ الْجَنَّةَ الْمَوْعُودَةَ مَخْلُوقَةٌ مَوْجُودَةٌ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ؟ هَذَا يُرْوَى عَلَى وَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: مَرْضَعًا بِفَتْحِ الْمِيمِ أَيْ رَضَاعًا، وَالْآخِرُ مَضْمُومَةُ الْمِيمِ أَيْ مِنْ يُتِمُّ رَضَاعَهُ. يُقَالُ: امْرَأَةٌ مُرْضِعٌ بِلَا هَاءٍ، وَأَرْضَعَتِ الْمُرْضِعَةُ، فَهِيَ مُرْضِعَةٌ إِذَا نِيبَ الِاسْمُ مِنَ الْفِعْلِ. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: أَصْوَبُ الرِّوَايَتَيْنِ الْفَتْحُ ; لِأَنَّ الْعَرَبَ إِذَا أَرَادُوا الْفِعْلَ أَلْحَقُوا بِهِ هَاءَ التَّأْنِيثِ، وَإِذَا أَرَادُوا أَنَّهَا ذَاتَ رَضِيعٍ أَسْقَطُوا الْهَاءَ فَقَالُوا: امْرَأَةٌ مُرْضِعٌ بِلَا هَاءٍ، وَلَمَّا كَانَ الْمُرَادُ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ أَنَّ اللَّهَ يُقِيمُ لَهُ مِنْ لَذَّاتِ الْجَنَّةِ وَرَوْحِهَا مَا يَقَعُ مِنْهُ مَوْقِعَ الرَّضَاعِ، فَكَأَنَّهُ كَانَ رَضِيعًا لَمْ يَسْتَكْمِلْ مُدَّةَ الرَّضَاعِ كَانَ الْمَصْدَرُ فِيهِ أَقْوَمَ وَأَصْوَبَ، وَلَوْ كَانَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنَ الرِّوَايَةِ لَكَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يُلْحِقَ بِهِ هَاءَ التَّأْنِيثِ.

قَالَ الطِّيبِيُّ: هَذَا إِذَا أُرِيدَ تَصْوِيرُ حَالَةِ الْإِرْضَاعِ وَإِلْقَامِ الْمُرْضِعَةِ الثَّدْيَ فِي فِي الصَّبِيِّ فِي مُشَاهَدَةِ السَّامِعِ، كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَإِلَّا فَلَا. الْكَشَّافِ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ} [الحج: 2] فَإِنْ قِيلَ: لِمَ قِيلَ مُرْضِعَةٌ دُونَ مُرْضِعٍ؟ قُلْتُ: الْمُرْضِعَةُ الَّتِي فِي حَالِ الْإِرْضَاعِ مُلْقِمَةً ثَدْيَهَا الصَّبِيَّ، وَالْمُرْضِعُ الَّتِي شَأْنُهَا أَنْ تُرْضِعَ وَإِنْ لَمْ تُبَاشِرِ الْإِرْضَاعَ فِي حَالِ وَصْفِهَا بِهِ، فَقِيلَ: مُرْضِعَةٌ لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْهَوْلَ إِذَا فُوجِئَتْ بِهِ هَذِهِ وَقَدْ أَلْقَمَتِ الرَّضِيعَ ثَدْيَهَا نَزْعَتَهُ مِنْ فِيهِ لِمَا يَلْحَقُهَا مِنَ الدَّهْشَةِ عَمَّا أَرْضَعَتْ أَيْ: عَنْ إِرْضَاعِهَا، أَوْ عَنِ الَّذِي أَرْضَعَتْهُ، وَهُوَ الطِّفْلُ، وَوَجَّهَهُ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ مُجِيبًا عَنْهُ بِقَوْلِهِ: أَوْ أَنَّ لَهُ مَنْ يَقُومُ مَقَامَ الْمُرْضِعَةِ فِي الْمُحَافَظَةِ وَالْأُنْسِ اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ ارْتِكَابَ الْمَجَازِ غَيْرُ جَائِزٍ مَعَ إِمْكَانِ الْحَقِيقَةِ، بَلْ لِأَجْلِ الْمُبَالَغَةِ فِي تَحَقُّقِ الْإِرْضَاعِ، عَبَّرَ عَنِ الْمُرْضِعِ بِالْمُرْضِعَةِ إِيمَاءً إِلَى أَنَّ حَالَةَ إِرْضَاعِهِ أَمْرٌ مُشَاهَدٌ لَهُ صلى الله عليه وسلم (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .

ص: 3963

6138 -

وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: «كُنَّا - أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَهُ، فَأَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ مَا تَخْفَى مِشْيَتُهَا مِنْ مِشْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا رَآهَا قَالَ: " مَرْحَبًا بِابْنَتِي " ثُمَّ أَجْلَسَهَا، ثُمَّ سَارَّهَا، فَبَكَتْ بُكَاءً شَدِيدًا، فَلَمَّا رَأَى حُزْنَهَا سَارَّهَا الثَّانِيَةَ، فَإِذَا هِيَ تَضْحَكُ، فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَأَلْتُهَا عَمَّا سَارَّكِ؟ قَالَتْ: مَا كُنْتُ لِأُفْشِيَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ سِرَّهُ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ قُلْتُ: عَزَمْتُ عَلَيْكِ بِمَا لِي مِنَ الْحَقِّ لِمَا أَخْبَرْتِنِي. قَالَتْ: أَمَّا الْآنَ فَنَعَمْ؟ أَمَّا حِينَ سَارَّ بِي فِي الْأَمْرِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ أَخْبَرَنِي " إِنَّ جِبْرَئِيلَ كَانَ يُعَارِضُنِي الْقُرْآنَ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً، وَإِنَّهُ عَارَضَنِي بِهِ الْعَامَ مَرَّتَيْنِ، وَلَا أَرَى الْأَجَلَ إِلَّا قَدِ اقْتَرَبَ، فَاتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي، فَإِنِّي نِعْمَ السَّلَفُ أَنَا لَكِ ". فَبَكَيْتُ، فَلَمَّا رَأَى جَزَعِي سَارَّنِيَ الثَّانِيَةَ قَالَ: " يَا فَاطِمَةُ " أَلَا تَرْضِينَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَوْ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ؟ ". وَفِي رِوَايَةٍ: فَسَارَّنِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ يُقْبَضُ فِي وَجَعِهِ، فَبَكَيْتُ، ثُمَّ سَارَّنِي فَأَخْبَرَنِي أَنِّي أَوَّلُ أَهْلِ بَيْتِهِ أَتْبَعُهُ، فَضَحِكْتُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

6138 -

(وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: " كُنَّا أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) : نَصْبُهُ عَلَى النِّدَاءِ عَلَى سَبِيلِ الِاخْتِصَاصِ، أَوْ تَفْسِيرٌ لِلضَّمِيرِ الْمُبْهَمِ عَلَى تَقْدِيرِ أَعْنِي وَخَبَرُ كَانَ قَوْلُهَا (عِنْدَهُ)، أَيْ: جَالِسِينَ أَوْ مُجْتَمِعِينَ، وَفِي رِوَايَةٍ لَمْ تُغَادِرْ مِنْهُنَّ وَاحِدَةٌ (فَأَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ) : رُوِيَ إِنَّمَا سُمِّيَتْ بِهَا لِأَنَّ اللَّهَ فَطَمَهَا وَذُرِّيَّتَهَا وَمُحِبِّيهَا عَنِ النَّارِ، وَفِي رِوَايَةٍ فَأَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ تَمْشِي (مَا تُخْفِي)، أَيْ: مَا تَمْتَازُ، وَفِي رِوَايَةٍ مَا تُخْطِئُ (مِشْيَتُهَا) : بِكَسْرِ الْمِيمِ، لِأَنَّ الْمُرَادَ هَيْئَتُهَا (مِنْ مِشْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ) : وَفِي نُسْخَةٍ مِنْ مِشْيَةِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلم) ، أَيْ شَيْئًا كَمَا فِي رِوَايَةٍ، فَمَا لِلنَّفْيِ، وَالْمَعْنَى مِشْيَتُهَا كَمِشْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ هَذَا قُرْبَ مَرَضِ مَوْتِهِ. (فَلَمَّا رَآهَا قَالَ:" مَرْحَبًا؟ بِابْنَتِي " ثُمَّ أَجْلَسَهَا ") ، أَيْ أَمَرَهَا بِالْجُلُوسِ (عِنْدَهُ) ، أَيْ: قَرِيبًا مِنْهُ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ (ثُمَّ سَارَّهَا) : بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَفِي رِوَايَةٍ فَسَارَّهَا أَيْ كَلَّمَهَا سِرًّا (فَبَكَتْ بُكَاءً شَدِيدًا، فَلَمَّا رَأَى حُزْنَهَا) : بِضَمٍّ فَسُكُونٍ، وَفِي نُسْخَةٍ بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ شِدَّةَ حُزْنِهَا وَكَثْرَةَ بُكَائِهَا وَفِي رِوَايَةٍ جَزَعَهَا (سَارَّهَا الثَّانِيَةَ، فَإِذَا هِيَ) ، أَيْ: فَاطِمَةُ (تَضْحَكُ) ، أَيْ: تَتَبَسَّمُ وَتَنْبَسِطُ وَتَنْشَرِحُ، وَفِي رِوَايَةٍ فَضَحِكَتْ فَقُلْتُ لَهَا: خَصَّكِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ بَيْنِ نِسَائِهِ بِالسِّرَارِ، ثُمَّ أَنْتِ تَبْكِينَ (فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، أَيْ: لِطَهَارَةٍ أَوْ صَلَاةٍ (سَأَلْتُهَا عَمَّا سَارَّكِ) ؟ الظَّاهِرُ عَمَّا سَارَّهَا عَلَى أَنَّ مَا مَوْصُولَةٌ، لَكِنَّ التَّقْدِيرَ سَأَلْتُهَا قَائِلَةً عَمَّ سَارَّكِ؟ فَمَا اسْتِفْهَامِيَّةٌ، وَفِي رِوَايَةٍ سَأَلْتُهَا مَا قَالَ لَكِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (قَالَتْ: مَا كُنْتُ لِأُفْشِيَ) : مِنَ الْإِفْشَاءِ أَيْ أُذِيعُ وَأُظْهِرُ (عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سِرَّهُ) : بِكَسْرِ السِّينِ أَيْ مَا أَخْفَاهُ لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ إِفْشَاءَهُ لَمَا أَسَرَّهُ (فَلَمَّا تُوُفِّيَ قُلْتُ: عَزَمْتُ) ، أَيْ: أَقْسَمْتُ (عَلَيْكِ بِمَا لِي عَلَيْكِ مِنَ الْحَقِّ) ، أَيْ: مِنْ نِسْبَةِ الْأُمُومِيَّةِ الثَّانِيَةِ أَوِ الْأُخُوَّةِ أَوِ الْمَحَبَّةِ الصَّادِقَةِ وَالْمَوَدَّةِ السَّابِقَةِ، فَمَا مَوْصُولَةٌ (لَمَّا) : بِفَتْحِ لَامٍ وَتَشْدِيدِ مِيمٍ أَيْ أَلَا (أَخْبَرْتِنِي) : وَفِي نُسْخَةٍ بِإِشْبَاعِ التَّاءِ، وَفِي رِوَايَةٍ لَمَّا حَدَّثْتِنِي مَا قَالَ لَكِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ الطِّيبِيُّ: يَعْنِي مَا أَطْلُبُ مِنْكِ إِلَّا إِخْبَارَكِ إِيَّايَ بِمَا سَارَّكِ وَنَحْوَهُ: أُنْشِدُكِ بِاللَّهِ أَلَّا فَعَلْتِ. (قَالَتْ: أَمَّا الْآنَ فَنَعَمْ) ؟ أَيْ أُخْبِرُكِ وَتَفْصِيلُهُ هَذَا (أَمَّا حِينَ سَارَّنِي فِي الْأَمْرِ الْأَوَّلِ) ، أَيِ: الْمُوجِبِ لِلْحُزْنِ، وَفِي رِوَايَةٍ: فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى (" فَإِنَّهُ أَخْبَرَنِي: " أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُنِي ") : وَفِي رِوَايَةٍ يُعَارِضُهُ (" الْقُرْآنَ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً ") ، أَيْ يُدَارِسُنِي جَمِيعَ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ مِنَ الْمُعَارَضَةِ الْمُقَابِلَةِ، وَمِنْهُ عَارَضْتُ الْكِتَابَ بِالْكِتَابِ أَيْ قَابَلْتُهُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَلَعَلَّ سَبَبَ الْمُقَابَلَةِ إِبْقَاءُ الْمُحَافَظَةِ وَلِيَظْهَرَ النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ مِنَ الْمُقَابَلَةِ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى اسْتِحْبَابِ الْمُدَارَسَةِ (وَإِنَّهُ) : بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِالْفَتْحِ (" عَارَضَنِي بِهِ الْعَامَ ")، أَيْ: هَذِهِ السَّنَةَ، وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ عَارَضَهُ الْآنَ (" مَرَّتَيْنِ ")، فِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ بَعْدَ رَمَضَانَ الْآخِرِ مِنْ عُمْرِهِ (" وَلَا أُرَى ") : بِضَمِّ الْهَمْزِ وَفَتْحِ الرَّاءِ أَيْ: وَلَا أَظُنُّ، وَفِي رِوَايَةٍ وَإِنِّي لَا أَرَى (" الْأَجَلَ ")، أَيِ: انْتِهَاءَهُ (" إِلَّا قَدِ اقْتَرَبَ، فَاتَّقِي اللَّهَ ")، أَيْ: دُومِي عَلَى التَّقْوَى أَوْ زِيدِي فِيهَا مَا اسْتَطَعْتِ (" وَاصْبِرِي) أَيْ عَلَى الطَّاعَةِ وَعَنِ الْمَعْصِيَةِ، وَفِي الْبَلِيَّةِ لَا سِيَّمَا عَلَى مُفَارَقَتِي (" فَإِنِّي ") : وَفِي رِوَايَةٍ فَإِنَّهُ (" نِعْمَ السَّلَفُ ")، أَيِ: الْفَرْطُ (" أَنَا لَكِ ")، أَيْ: عَلَى الْخُصُوصِ، وَالْجُمْلَةُ بِتَأْوِيلِ مَقُولٍ فِي حَقِّي خَبَرٌ لِأَنَّ فِي أَنِّي. قَالَ الطِّيبِيُّ: أَنَا مَخْصُوصٌ بِالْمَدْحِ، وَلَكِ بَيَانٌ كَأَنَّهُ لَمَّا قِيلَ نِعْمَ السَّلَفُ أَنَا قِيلَ لِمَنْ قِيلَ لَكِ (فَبَكَيْتُ)، وَفِي رِوَايَةٍ قَالَتْ: فَبَكَيْتُ لِلَّذِي رَأَيْتُ (فَلَمَّا رَأَى جَزَعِي)، أَيْ: قِلَّةَ صَبْرِي (سَارَّنِيَ الثَّانِيَةَ. قَالَ) : وَفِي رِوَايَةٍ فَقَالَ (" يَا فَاطِمَةُ أَلَا تَرْضِينَ ") : وَفِي رِوَايَةٍ: أَمَا تَرْضِينَ (" أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ")، أَيْ: جَمِيعِهَا أَوْ مَخْصُوصَةً بِهَذِهِ الْأُمَّةِ، وَفِي رِوَايَةٍ سَيِّدَةَ نِسَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ (" أَوْ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ ") ؟ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي. وَالْحَدِيثُ بِظَاهِرِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا أَفْضَلُ النِّسَاءِ مُطْلَقًا حَتَّى مِنْ خَدِيجَةَ وَعَائِشَةَ وَمَرْيَمَ وَآسِيَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْخِلَافُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ص: 3964

(وَفِي رِوَايَةٍ: فَسَارَّنِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ يُقْبَضُ)، أَيْ: يَمُوتُ (فِي وَجَعِهِ، فَبَكَيْتُ، ثُمَّ سَارَّنِي فَأَخْبَرَنِي أَنِّي أَوَّلُ أَهْلِ بَيْتِهِ أَتْبَعُهُ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ فَفَتْحٍ، وَفِي نُسْخَةٍ بِتَشْدِيدِ التَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ أَلْحَقُهُ (فَضَحِكْتُ) . وَتَوْضِيحُهُ مَا فِي الذَّخَائِرِ أَنَّهُ قَالَ، وَفِي رِوَايَةٍ بَعْدَ قَوْلِ عَائِشَةَ: حَتَّى إِذَا قُبِضَ سَأَلْتُهَا فَقَالَتْ إِنَّهُ حَدَّثَنِي أَنَّهُ كَانَ جِبْرِيلُ يُعَارِضُنِي الْقُرْآنَ كُلَّ عَامٍ مَرَّةً وَأَنَّهُ عَارَضَنِي بِهِ فِي الْعَامِ مَرَّتَيْنِ، هَذَا وَلَا أُرَى إِلَّا قَدْ حَضَرَ أَجْلِي، وَإِنَّكِ أَوَّلُ أَهْلِي لُحُوقًا بِي، وَنِعْمَ السَّلَفُ أَنَا لَكِ، ثُمَّ سَارَّنِي وَذَكَرَ مِثْلَ الْأَوَّلِ. أَخْرَجَهُمَا مُسْلِمٌ. وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَشْبَهَ سَمْتًا وَدَلًّا وَهَدْيًا وَحَدِيثًا بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي قِيَامِهَا وَقُعُودِهَا مِنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَتْ: وَكَانَتْ إِذَا دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ إِلَيْهَا فَقَبَّلَهَا وَأَجْلَسَهَا فِي مَجْلِسِهِ، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا قَامَتْ لَهُ فَقَبَّلَتْهُ وَأَجْلَسَتْهُ فِي مَجْلِسِهَا، «فَلَمَّا مَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَتَتْ فَاطِمَةُ فَأَكَبَّتْ عَلَيْهِ فَقَبَّلَتْهُ، ثُمَّ رَفَعَتْ رَأْسَهَا فَبَكَتْ ثُمَّ أَكَبَّتْ عَلَيْهِ ثُمَّ رَفَعَتْ رَأْسَهَا فَضَحِكَتْ، فَقُلْتُ: إِنْ كُنْتُ لَأَظُنُّ أَنَّ هَذِهِ مِنْ أَعْقَلِ نِسَائِنَا، فَإِذَا هِيَ مِنَ النِّسَاءِ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قُلْتُ لَهَا: رَأَيْتُ حِينَ أَكْبَبْتِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَرَفَعْتِ رَأْسَكِ فَبَكَيْتِ، ثُمَّ أَكْبَبْتِ عَلَيْهِ فَرَفَعْتِ رَأْسَكِ فَضَحِكْتِ مَا حَمَلَكِ عَلَى ذَلِكَ؟ قَالَتْ: إِنِّي إِذًا لَبَذِرَةٌ أَخْبَرَنِي أَنَّهُ مَيِّتٌ مِنْ وَجَعِهِ هَذَا فَبَكَيْتُ، ثُمَّ أَخْبَرَنِي أَنِّي أَسْرَعُ أَهْلِهِ لُحُوقًا بِهِ، فَذَلِكَ حِينَ ضَحِكْتُ.» أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَفِي الذَّخَائِرِ عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا سَافَرَ آخِرُ عَهْدِهِ إِتْيَانُ فَاطِمَةَ، وَأَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ عَلَيْهِ إِذَا قَدِمَ فَاطِمَةُ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَعَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَدِمَ مِنْ غَزْوٍ أَوْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَتَى فَاطِمَةَ ثُمَّ أَتَى أَزْوَاجَهُ. أَخْرَجَهُ أَبُو عَمْرٍو، قَالَ الْمُؤَلِّفُ: هِيَ فَاطِمَةُ الْكُبْرَى بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأُمُّهَا خَدِيجَةُ وَهِيَ أَصْغَرُ بَنَاتِهِ فِي قَوْلٍ، وَهِيَ سَيِّدَةُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ، تَزَوَّجَهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَبَنَى عَلَيْهَا فِي ذِي الْحِجَّةِ، فَوَلَدَتْ لَهُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَالْمُحْسِنَ وَزَيْنَبَ وَأُمَّ كُلْثُومٍ وَرُقَيَّةَ، وَمَاتَتْ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَقِيلَ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَلَهَا ثَمَانٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً، وَغَسَّلَهَا عَلَيٌّ وَصَلَّى عَلَيْهَا وَدُفِنَتْ لَيْلًا، رَوَى عَنْهَا عَلَيٌّ وَابْنَاهَا الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَجَمَاعَةٌ سِوَاهُمْ. قَالَتْ عَائِشَةُ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا قَطُّ أَصْدَقَ مِنْ فَاطِمَةَ غَيْرَ أَبِيهَا. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) . وَرَوَى الْحَاكِمُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: «فَاطِمَةُ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِلَّا مَرْيَمَ بِنْتَ عِمْرَانَ.»

ص: 3965

6139 -

وَعَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي، فَمَنْ أَغْضَبَهَا أَغْضَبَنِي» ". وَفِي رِوَايَةٍ: " يُرِيبُنِي مَا أَرَابَهَا، وَيُؤْذِينِي مَا أَذَاهَا ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

6139 -

(وَعَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ) . سَبَقَ ذِكْرُهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " فَاطِمَةُ) وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّ فَاطِمَةَ (" بَضْعَةٌ ") : بِفَتْحِ مُوَحَّدَةٍ أَيْ قِطْعَةُ لَحْمٍ (" مِنِّي ") : وَقَدْ تُكْسَرُ الْيَاءُ عَلَى مَا فِي النِّهَايَةِ، وَفِي الْقَامُوسِ: الْبَضْعَةُ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ، وَحُكِيَ ضَمُّهَا وَكَسْرُهَا وَسُكُونُ الْمُعْجَمَةِ قِطْعَةٌ مِنَ اللَّحْمِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهَا جُزْءٌ مِنِّي كَمَا أَنَّ الْقِطْعَةَ جُزْءٌ مِنَ اللَّحْمِ، وَنِعْمَ مَا قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ: وَلَا أُفَضِّلُ أَحَدًا عَلَى بَضْعَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (" فَمَنْ أَغْضَبَهَا أَغْضَبَنِي ")، أَيْ: فَكَأَنَّهُ أَغْضَبَنِي، فَفِيهِ نَوْعٌ مِنَ التَّشْبِيهِ الْبَلِيغِ، فَانْدَفَعَ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ السُّهَيْلِيُّ عَلَى أَنَّ مَنْ سَبَّهَا يَكْفُرُ، إِذْ لَا يَخْفَى أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي مَقَامِ الْمَرَامِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ عليه السلام عَلَى مَا رَوَاهُ ابْنُ عَسَاكِرَ، عَنْ عَلِيٍّ:" مَنْ آذَى مُسْلِمًا فَقَدْ آذَانِي، مَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللَّهَ ". وَمِنْهُ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ، وَابْنِ حَبَّانَ، عَنِ الْبَرَاءِ:" «مَنْ أَحَبَّ الْأَنْصَارَ فَقَدْ أَحَبَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ أَبْغَضَ الْأَنْصَارَ أَبْغَضَهُ اللَّهُ» ". وَمِنْهُ مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: " «حُبُّ قُرَيْشٍ إِيمَانٌ وَبُغْضُهُمْ كُفْرٌ، وَحُبُّ الْعَرَبِ إِيمَانٌ وَبُغْضُهُمْ كُفْرٌ، فَمَنْ أَحَبَّ الْعَرَبَ فَقَدْ أَحَبَّنِي وَمَنْ أَبْغَضَ الْعَرَبَ فَقَدْ أَبْغَضَنِي» . (وَفِي رِوَايَةٍ) ، أَيْ: بَعْدَ قَوْلِهِ: فَقَدْ أَغْضَبَنِي أَوْ زِيَادَةٌ عَلَيْهِ (" يُرِيبُنِي ") : مِنَ الْإِرَابَةِ بِالْمُوَحَّدَةِ أَيْ: يُقْلِقُنِي فِي الظَّاهِرِ (" مَا أَرَابَهَا، وَيُؤْذِينِي ") ، أَيْ فِي الْبَاطِنِ (" مَا آذَاهَا ") . فِي شَرْحِ السُّنَّةِ رَابَنِي الشَّيْءُ وَأَرَابَنِي بِمَعْنَى شَكَّكَنِي وَأَدْهَمَنِي مَا اسْتَيْقَنَهُ. قَالَ الطِّيبِيُّ: بِغَيْرِ أَلْفٍ مَعْنَاهُ يَسُوءُنِي مَا يَسُوءُهَا وَيُزْعِجُنِي مَا أَزْعَجَهَا. قُلْتُ: الظَّاهِرُ أَنَّهُمَا لُغَتَانِ، وَالْمَزِيدُ لَهُ مَزِيَّةٌ وَمُنَاسِبَةٌ لِقَوْلِهِ مَا أَرَابَهَا، وَيُؤَيِّدُهُ اتِّفَاقُ النُّسَخِ عَلَى الضَّمِّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ أَوَّلُ الْحَدِيثِ قَالَ مِسْوَرٌ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: إِنَّ بَنِي هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ اسْتَأْذَنُونِي فِي أَنْ يَنْكِحُوا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَلَا آذَنُ ثُمَّ

ص: 3965

لَا آذَنُ ثُمَّ لَا آذَنُ إِلَّا أَنْ يُرِيدَ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ أَنْ يُطَلِّقَ ابْنَتِي وَيَنْكِحَ ابْنَتَهُمْ، فَإِنَّمَا هِيَ بَضْعَةٌ مِنِّي» يُرِيبُنِي. الْحَدِيثَ. وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالُوا فِي الْحَدِيثِ تَحْرِيمُ إِيذَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِكُلِّ حَالٍ وَعَلَى كُلِّ وَجْهٍ وَإِنْ تَوَلَّدَ الْإِيذَاءُ مِمَّا كَانَ أَصْلُهُ مُبَاحًا وَهُوَ مِنْ خَوَاصِّهِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - وَهُوَ لِوَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى أَذَى فَاطِمَةَ فَيَتَأَذَّى حِينَئِذٍ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَيَهْلِكُ عَلَيٌّ رضي الله عنه مِنْ أَذَاهِ، فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ لِمَكَانِ شَفَقَتِهِ عَلَى عَلِيٍّ. وَثَانِيهُمَا: أَنَّهُ خَافَ الْفِتْنَةَ عَلَيْهَا بِسَبَبِ الْغَيْرَةِ، وَقِيلَ: لَيْسَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ لَا آذَنُ النَّهْيُ عَنْ جَمْعِهِمَا، بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم عَلِمَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ. كَمَا قَالَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ: وَاللَّهِ لَا تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) . وَفِي لَفْظِ الذَّخَائِرِ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَقُولُ: " إِنْ بَنِي هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ اسْتَأْذَنُونِي فِي أَنْ يَنْكِحُوا ابْنَتَهُمْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَلَا آذَنُ لَهُمْ، ثُمَّ لَا آذَنُ لَهُمْ، ثُمَّ لَا آذَنُ لَهُمْ إِلَّا أَنْ يُحِبَّ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ أَنْ يُطْلِّقَ ابْنَتِي وَيَنْكِحَ ابْنَتَهُمْ، فَإِنَّمَا ابْنَتِي بَضْعَةٌ مِنِّي يُرِيبُنِي مَا رَابَهَا وَيُؤْذِينِي مَا آذَاهَا. أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

وَعَنِ الْمِسْوَرِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ خَطَبَ بِنْتَ أَبِي جَهِلٍ، وَعِنْدَهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا سَمِعَتْ بِذَلِكَ فَاطِمَةُ «أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ لَهُ: إِنَّ قَوْمَكَ يَتَحَدَّثُونَ أَنَّكَ لَا تَغْضَبُ لِبَنَاتِكِ، وَهَذَا عَلِيٌّ نَاكِحٌ ابْنَةَ أَبِي جَهْلٍ. قَالَ الْمِسْوَرُ: فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَسَمِعْتُهُ حِينَ تَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ: " أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَنْكَحْتُ أَبَا الْعَاصِ بْنَ الزُّبَيْرِ فَحَدَّثَنِي وَصَدَقَنِي، وَإِنَّ فَاطِمَةَ بَضْعَةٌ مِنِّي وَإِنَّمَا أَكْرَهُ أَنْ يَفْتِنُوهَا وَإِنَّهُ وَاللَّهِ لَا تَجْتَمِعُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ وَبِنْتُ عَدُوِّ اللَّهِ عِنْدَ رَجُلٍ وَاحِدٍ أَبَدًا. قَالَ: فَتَرَكَ عَلِيٌّ الْخِطْبَةَ» . وَعَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ صلى الله عليه وسلم قَامَ يَخْطُبُ عَلَى مِنْبَرِهِ هَذَا، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ مُحْتَلِمٌ فَقَالَ: "«إِنَّ فَاطِمَةَ مِنِّي وَإِنِّي أَخَافُ أَنْ تُفْتَنَ فِي دِينِهَا» ". ثُمَّ ذَكَرَ صِهْرًا لَهُ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ فَأَثْنَى عَلَيْهِ فِي مُصَاهَرَتِهِ إِيَّاهُ فَأَحْسَنَ، قَالَ: "«حَدَّثَنِي فَصَدَقَنِي وَوَعَدَنِي فَأَوْفَى لِي وَإِنَّمَا لَسْتُ أُحَرِّمُ حَلَالًا وَلَا أُحِلُّ حَرَامًا، وَلَكِنْ وَاللَّهِ لَا تَجْتَمِعُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ وَبِنْتُ عَدُوِّ اللَّهِ مَكَانًا وَاحِدًا أَبَدًا» . وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ قَالَ: ذَاكَرْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ دَاوُدَ قَوْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: " «لَا آذَنُ إِلَّا أَنْ يُحِبَّ عَلِيٌّ أَنْ يُطْلِّقَ ابْنَتِي وَيَنْكِحَ ابْنَتَهُمْ» " قَالَ ابْنُ دَاوُدَ: حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى عَلِيٍّ أَنْ يَنْكِحَ عَلَى فَاطِمَةَ حَيَاتَهَا لِقَوْلِهِ عز وجل: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7] فَلَمَّا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " لَا آذَنُ " لَمْ يَكُنْ يَحِلُّ لِعَلِيٍّ أَنْ يَنْكِحَ عَلَى فَاطِمَةَ إِلَّا أَنْ يَأْذَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَسَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ دَاوُدَ يَقُولُ: لَمَّا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " «فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي يُرِيبُنِي مَا رَابَهَا وَيُؤْذِينِي مَا آذَاهَا» " حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى عَلِيٍّ أَنْ يَنْكِحَ عَلَى فَاطِمَةَ وَيُؤْذِيَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ} [الأحزاب: 53] أَخْرَجَهُمَا الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ الدِّمَشْقِيُّ.

وَعَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَنَّهُ بَعَثَ إِلَيْهِ حَسَنَ بْنَ الْحَسَنِ يَخْطُبُ ابْنَتَهُ فَقَالَ لَهُ: فَلْيَأْتِنِي فِي الْعَتَمَةِ، فَلَقِيَهُ فَحَمِدَ الْمِسْوَرُ اللَّهَ عز وجل وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَمَا مِنْ نَسَبٍ وَلَا سَبَبٍ وَلَا صِهْرٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَسَبِكُمْ وَصِهْرِكُمْ، وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" «فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي يَقْبِضُنِي مَا يَقْبِضُهَا وَيَبْسُطُنِي مَا يَبْسُطُهَا وَإِنَّ الْأَنْسَابَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَنْقَطِعُ إِلَّا نَسَبِي وَسَبَبِي وَصِهْرِي» ". وَعِنْدَكَ ابْنَتُهُ وَلَوْ زَوَّجْتُكَ لِقَبَضَهَا ذَلِكَ، فَانْطَلَقَ عَاذِرًا. أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَيِّتَ يُرَاعَى مِنْهُ مَا يُرَاعَى فِي الْحَيِّ، وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ، أَنَّهُ يَحْرُمُ التَّزْوِيجُ عَلَى بَنَاتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَعَلَّهُ يُرِيدُ مَنْ يَنْتَسِبُ إِلَيْهِ بِالنُّبُوَّةِ، وَيَكُونُ هَذَا دَلِيلُهُ. وَفِي الْجَامِعِ:" «فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي يَقْبِضُنِي مَا يَقْبِضُهَا، يَبْسُطُنِي مَا يَبْسُطُهَا وَإِنَّ الْأَنْسَابَ تَنْقَطِعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غَيْرَ نَسَبِي وَسَبَبِي وَصِهْرِي» ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ. وَعَنِ الْمِسْوَرِ: " «فَاطِمَةُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْكَ وَأَنْتَ أَعَزُّ عَلَيَّ مِنْهَا» " قَالَهُ لِعَلِيٍّ. رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَفِي الصَّوَاعِقِ: رُوِيَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «إِذَا كَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ مِنْ بُطْنَانِ الْعَرْشِ: يَا أَهْلَ الْجَمْعِ نَكِّسُوا رُءُوسَكُمْ وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ حَتَّى تَمُرَّ فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ عَلَى الصِّرَاطِ " فَتَمُرُّ مَعَ سَبْعِينَ أَلْفَ جَارِيَةٍ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ كَمَرِّ الْبَرْقِ» .

ص: 3966

6140 -

وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رضي الله عنه قَالَ: «قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا فِينَا خَطِيبًا بِمَاءٍ يُدْعَى: خُمًّا، بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ. وَوَعَظَ وَذَكَّرَ، ثُمَّ قَالَ: " أَمَّا بَعْدُ. أَلَا أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَنِي رَسُولُ رَبِّي فَأُجِيبَ، وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: أَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللَّهِ، فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ، فَخُذُوا بِكِتَابِ اللَّهِ وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ " فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَرَغَّبَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: وَأَهْلُ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي» ". وَفِي رِوَايَةٍ: "«كِتَابُ اللَّهِ هُوَ حَبْلُ اللَّهِ، مَنِ اتَّبَعَهُ كَانَ عَلَى الْهُدَى، وَمَنْ تَرَكَهُ كَانَ عَلَى الضَّلَالَةِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

6140 -

(وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا فِينَا خَطِيبًا بِمَاءٍ)، أَيْ: بِمَوْضِعٍ فِيهِ مَاءٌ (يُدْعَى)، أَيْ: يُسَمَّى ذَلِكَ الْمَاءُ أَوْ ذَلِكَ الْمَكَانُ (خُمًّا) بِضَمٍّ فَتَشْدِيدٍ، وَهُوَ مَوْضِعٌ بِالْجُحْفَةِ (بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ) وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ كَانَ حِينَ رُجُوعِهِ مِنْ مَكَّةَ، وَتَوَجُّهُهُ إِلَى الْمَدِينَةِ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ (فَحَمِدَ اللَّهَ)، أَيْ: شَكَرَهُ (وَأَثْنَى عَلَيْهِ) أَيْ بِعَلِيِّ ذَاتِهِ وَجَلِيِّ صِفَاتِهِ (وَوَعَظَ)، أَيْ: نَصَحَهُمْ بِمَا نَفَعَهُمْ (وَذَكَّرَ) بِتَشْدِيدِ الْكَافِ أَيْ: نَبَّهَهُمْ مِنْ نَوْمِ غَفْلَتِهِمْ (ثُمَّ قَالَ: " أَمَّا بَعْدُ ") :

ص: 3966

أَيْ بَعْدَ الْحَمْدِ وَالثَّنَاءِ (" أَلَا ") : بِتَخْفِيفِ اللَّامِ لِلتَّنْبِيهِ زِيَادَةً فِي الِاهْتِمَامِ عَلَى التَّوْجِيهِ (" أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ ")، أَيْ: مِثْلُكُمْ لَكِنَّ امْتِيَازِي عَنْكُمْ بِأَنَّهُ يُوحَى إِلَيَّ (" يُوشِكُ ")، أَيْ: يَقْرُبُ (أَنْ يَأْتِيَنِي رَسُولُ رَبِّي ")، أَيْ: جِبْرِيلُ وَمَعَهُ عِزْرَائِيلُ، أَوِ الْمُرَادُ بِهِ مَلَكُ الْمَوْتِ (" فَأُجِيبَهُ ") : بِالنَّصْبِ (" وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ ") : بِفَتْحَتَيْنِ أَيِ: الْأَمْرَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ، سَمَّى كِتَابَ اللَّهِ وَأَهْلَ بَيْتِهِ بِهِمَا لِعِظَمِ قَدْرِهِمَا، وَلِأَنَّ الْعَمَلَ بِهِمَا ثَقِيلٌ عَلَى تَابِعِهِمَا. قَالَ صَاحِبُ الْفَائِقِ: الثَّقَلُ الْمَتَاعُ الْمَحْمُولُ عَلَى الدَّابَّةِ، وَإِنَّمَا قِيلَ لِلْجِنِّ وَالْإِنْسِ: الثَّقَلَانِ لِأَنَّهُمَا ثَقَالُ الْأَرْضِ فَكَأَنَّهُمَا ثَقَلَاهَا، وَقَدْ شَبَّهَ بِهِمَا الْكِتَابَ وَالْعِتْرَةَ فِي أَنَّ الدِّينَ يُسْتَصْلَحُ بِهِمَا وَيَعْمُرُ كَمَا عَمُرَتِ الدُّنْيَا بِالثَّقَلَيْنِ، وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: سَمَّاهُمَا ثَقَلَيْنِ لِأَنَّ الْأَخْذَ وَالْعَمَلَ بِهِمَا ثَقِيلٌ، وَقِيلَ: فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [المزمل: 5] أَيْ أَوَامِرَ اللَّهِ وَنَوَاهِيهِ، لِأَنَّهُ لَا يُؤَدَّى إِلَّا بِتَكَلُّفِ مَا يَثْقُلُ، وَقِيلَ: قَوْلًا ثَقِيلًا أَيْ لَهُ وَزْنٌ، وَسُمِّيَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ ثَقَلَيْنِ لِأَنَّهُمَا فُضِّلَا بِالتَّمْيِيزِ عَلَى سَائِرِ الْحَيَوَانِ وَكُلِّ شَيْءٍ لَهُ وَزْنٌ وَقَدْرٌ مُتَنَافَسٌ فِيهِ فَهُوَ ثَقِيلٌ. (" أَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ الْهُدَى ")، أَيِ: الْهِدَايَةُ عَنِ الضَّلَالَةِ (" وَالنُّورُ ")، أَيْ: نُورُ الْقَلْبِ لِلِاسْتِقَامَةِ أَوْ سَبَبُ ظُهُورِ النُّورِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (" فَخُذُوا بِكِتَابِ اللَّهِ ")، أَيِ: اسْتِنْبَاطًا وَحِفْظًا وَعِلْمًا (" وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ ") . أَيْ وَتَمَسَّكُوا بِهِ اعْتِقَادًا وَعَمَلًا، وَمِنْ جُمْلَةِ كِتَابِ اللَّهِ الْعَمَلُ بِأَحَادِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]، {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: 80] وَ {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31] وَفِي رِوَايَةٍ: فَتَمَسَّكُوا بِكِتَابِ اللَّهِ وَخُذُوا بِهِ (فَحَثَّ) : بِتَشْدِيدِ الْمُثَلَّثَةِ أَيْ فَحَرَّضَ أَصْحَابَهُ (عَلَى كِتَابِ اللَّهِ)، أَيْ: عَلَى مُحَافَظَةِ وَمُرَاعَاةِ مَبَانِيهِ وَمَعَانِيهِ وَالْعَمَلِ بِمَا فِيهِ (وَرَغَّبَ فِيهِ) بِتَشْدِيدِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ: ذَكَرَ الْمُرَغِّبَاتِ مِنْ حُصُولِ الدَّرَجَاتِ فِي حَقِّهِ، ثُمَّ يُمْكِنُ أَنَّهُ رَهَّبَ وَخَوَّفَ بِالْعُقُوبَاتِ لِمَنْ تَرَكَ مُتَابَعَةَ الْآيَاتِ، فَيَكُونُ حَذْفُهُ مِنْ بَابِ الِاكْتِفَاءِ، وَيُمْكِنُ أَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى الْبِشَارَةِ إِيمَاءً إِلَى سَعَةِ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّ رَحْمَتَهُ لِلْعَالَمِينَ، وَأُمَّتُهُ أُمَّةٌ مَرْحُومَةٌ.

(ثُمَّ قَالَ)، أَيِ: النَّبِيُّ عليه السلام (" وَأَهْلُ بَيْتِي ")، أَيْ: وَثَانِيهُمَا أَهْلُ بَيْتِي (" أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ ") : بِكَسْرِ الْكَافِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ أُحَذِّرُكُمُوهُ (" فِي أَهْلِ بَيْتِي ") : وَضَعَ الظَّاهِرَ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ اهْتِمَامًا بِشَأْنِهِمْ وَإِشْعَارًا بِالْعِلَّةِ، وَالْمَعْنَى أُنَبِّهُكُمْ حَقَّ اللَّهِ فِي مُحَافَظَتِهِمْ وَمُرَاعَاتِهِمْ وَاحْتِرَامِهِمْ وَإِكْرَامِهِمْ وَمَحَبَّتِهِمْ وَمَوَدَّتِهِمْ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ، أَيْ: أُحَذِّرُكُمُ اللَّهَ فِي شَأْنِ أَهْلِ بَيْتِي وَأَقُولُ لَكُمُ: اتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُؤْذُوهُمْ وَاحْفَظُوهُمْ، فَالتَّذْكِيرُ بِمَعْنَى الْوَعْظِ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ وَعَظَ وَذَكَّرَ. قُلْتُ: وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّغَايُرُ بَيْنَهُمَا وَالْحَمْلُ عَلَى التَّأْسِيسِ أَوْلَى (" أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي ") كَرَّرَ الْجُمْلَةَ لِإِفَادَةِ الْمُبَالِغَةِ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِأَحَدِهِمَا آلَهُ وَبِالْأُخْرَى أَزْوَاجَهُ لِمَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ أَهْلَ الْبَيْتِ يُطْلَقُ عَلَيْهِمَا. وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.

(وَفِي رِوَايَةٍ)، أَيْ: بَدَلَ أَوَّلِهِمَا كِتَابُ اللَّهِ إِلَخْ (" كِتَابُ اللَّهِ هُوَ حَبْلُ اللَّهِ ") ، أَيْ مَا يُوَصِّلُ الْعَبْدَ إِلَى رَبِّهِ وَيُتَوَسَّلُ بِهِ إِلَى قُرْبِهِ وَالتَّرَقِّي مِنْ حَضِيضِ الْبَشَرِيَّةِ إِلَى أَوْجِ رِفْعَةِ الْمَلَكِيَّةِ بِالْحُضُورِ فِي الْحَضْرَةِ الْإِلَهَةِ وَالْغَيْبَةِ عَنْ شُعُورِ أُمُورِ الْكَوْنِيَّةِ، وَهُوَ مُقْتَبَسٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا} [آل عمران: 103](" مَنِ اتَّبَعَهُ ")، أَيْ: إِيمَانًا وَحِفْظًا وَعِلْمًا وَعَمَلًا وَإِخْلَاصًا (كَانَ عَلَى الْهُدَى ") أَيْ عَلَى الْهِدَايَةِ الْكَامِلَةِ (" وَمَنْ تَرَكَهُ ")، أَيْ: بِجِهَةٍ مِنَ الْجِهَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ (" كَانَ عَلَى الضَّلَالَةِ ") . أَيِ الْغَوَايَةِ الشَّامِلَةِ، فَالْقُرْآنُ كَالْحَبْلِ ذُو وَجْهَيْنِ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ وَسِيلَةً لِلتَّرَقِّي، وَأَنْ يَكُونَ ذَرِيعَةً لِلتَّنَزُّلِ وَالتَّدَلِّي كَالنَّيْلِ مَاءٌ لِلْمَحْبُوبِينَ وَدِمَاءٌ لِلْمَحْجُوبِينَ يَضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا، الْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ، (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا)، نَفَعَنَا اللَّهُ بِهِ وَرَفَعَنَا بِسَبَبِهِ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَفِي الذَّخَائِرِ فَقِيلَ لِزَيْدٍ: مَنْ أَهْلُ بَيْتِهِ، أَلَيْسَ نِسَاؤُهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ؟ قَالَ: بَلَى إِنَّ نِسَاءَهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَلَكِنَّ أَهْلَ بَيْتِهِ مَنْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةَ بَعْدَهُ. قَالَ: وَمَنْ هُمْ؟ قَالَ: هُمْ آلُ عَلِيٍّ وَآلُ جَعْفَرٍ وَآلُ عَقِيلٍ وَآلُ عَبَّاسٍ. قَالَ: كُلُّ هَؤُلَاءِ حَرَّمَ عَلَيْهِمُ الصَّدَقَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَخْرَجَ مَعْنَاهُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَلَفْظُهُ: أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «إِنِّي أُوشِكُ أَنْ أُدْعَى فَأُجِيبَ وَإِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ كِتَابُ اللَّهِ وَعِتْرَتِي كِتَابُ اللَّهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ وَعِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي، وَإِنَّ اللَّطِيفَ الْخَبِيرَ أَخْبَرَنِي أَنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ فَانْظُرُوا بِمَا تَخْلُفُونِي فِيهِمَا.»

ص: 3967

6141 -

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ كَانَ إِذَا سَلَّمَ عَلَى ابْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ ذِي الْجَنَاحَيْنِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ــ

6141 -

(وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ)، أَيْ: مَوْقُوفًا (أَنَّهُ كَانَ)، أَيِ: ابْنُ عُمَرَ، وَالْأَظْهَرُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (إِذَا سَلَّمَ عَلَى ابْنِ جَعْفَرٍ)، أَيِ: ابْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنُ جَعْفَرٍ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُؤَلِّفُ فِي أَسْمَائِهِ (قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ ذِي الْجَنَاحَيْنِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ. قَالَ الْقَاضِي: لَمَّا رَأَى جَعْفَرًا فِي الْجَنَّةِ يَطِيرُ مَعَ الْمَلَائِكَةِ لَقَّبَهُ بِذِي الْجَنَاحَيْنِ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَ طَيَّارًا أَيْضًا. قَالَ الْمُؤَلِّفُ: أَسْلَمَ قَدِيمًا بَعْدَ أَحَدٍ وَثَلَاثِينَ إِنْسَانًا، وَكَانَ أَكْبَرَ مِنْ أَخِيهِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ بِعَشْرِ سِنِينَ، وَكَانَ أَشْبَهَ النَّاسِ خُلُقًا وَخَلْقًا بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ وَخَلْقٌ كَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، قُتِلَ شَهِيدًا يَوْمَ مُؤْتَةَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَلَهُ إِحْدَى وَأَرْبَعُونَ سَنَةً، فَوُجِدَ فِيمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ سَبْعُونَ ضَرْبَةً مَا بَيْنَ طَعْنَةٍ بِرُمْحٍ وَضَرْبَةٍ بِسَيْفٍ (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .

ص: 3968

6142 -

وَعَنِ الْبَرَاءِ رضي الله عنه قَالَ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَى عَاتِقِهِ يَقُولُ: " اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

6142 -

(وَعَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ) : بِالرَّفْعِ وَالْوَاوُ لِلْحَالِ (عَلَى عَاتِقِهِ) : بِكَسْرِ التَّاءِ وَهُوَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبِ وَالْعُنُقِ (يَقُولُ: " اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ ")، أَيْ: حُبًّا بَلِيغًا (" فَأَحِبَّهُ ") . وَلَا شَكَّ أَنَّهُ أَحَبَّهُ اللَّهُ فَيُحِبُّ التَّخَلُّقَ بِأَخْلَاقِ اللَّهِ وَالتَّعَلُّقَ بِشَمَائِلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَى آلِهِ فِي جَمِيعِ أَحْيَانِهِ وَأَحْوَالِهِ -. قَالَ الْمُؤَلِّفُ: كُنْيَتُهُ أَبُو مُحَمَّدٍ سِبَطُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَيْحَانَتُهُ وَسَيِّدُ شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وُلِدَ فِي النِّصْفِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَلَاثٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَهُوَ أَصَحُّ مَا قِيلَ فِي وِلَادَتِهِ، وَمَاتَ سَنَةَ خَمْسِينَ، وَقِيلَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ، وَقِيلَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ، وَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ، رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ الْحَسَنُ بْنُ الْحَسَنِ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَجَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ، وَلَمَّا قُتِلَ أَبُوهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِالْكُوفَةِ بَايَعَهُ النَّاسُ عَلَى الْمَوْتِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ أَلْفًا وَسَلَّمَ الْأَمْرَ إِلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ فِي النِّصْفِ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ، وَأَمَّا الْحُسَيْنُ فَكُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، وُلِدَ لِخَمْسٍ خَلَوْنَ مِنْ شَعْبَانَ لِسَنَةِ أَرْبَعٍ، وَكَانَتْ فَاطِمَةُ عُلِّقَتْ بِهِ بَعْدَ أَنْ وَلَدَتِ الْحَسَنَ بِخَمْسِينَ لَيْلَةً، وَقُتِلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّينَ بِكَرْبَلَاءَ مِنْ أَرْضِ الْعِرَاقِ فِيمَا بَيْنَ الْكُوفَةِ وَالْحِلَّةِ، وَقَتَلَهُ سِنَانُ بْنُ أَنَسٍ النَّخَعِيُّ، وَيُقَالُ أَيْضًا سِنَانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ، وَقِيلَ: قَتَلَهُ شِمْرُ بْنُ ذِي الْجَوْشَنِ. وَأَجْهَزَ عَلَيْهِ خَوْلِيٌّ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ ابْنُ يَزِيدَ الْأَصْبَحِيُّ مِنْ حِمْيَرَ، جَزَّ رَأَسَهُ وَأَتَى بِهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زِيَادٍ وَقَالَ:

أَوْ قَرَّرَ كَأَبِي فِضَّةً وَذَهَبًا

إِنِّي قَتَلْتُ الْمَلِكَ الْمُحَجَّبَا

قَتَلْتُ خَيْرَ النَّاسِ أُمًّا وَأَبًا

وَخَيْرَهُمْ إِذْ يُنْسَبُونَ نَسَبًا

وَقِيلَ: إِنَّهُ قُتِلَ مَعَ الْحُسَيْنِ مِنْ وَلَدِهِ وَإِخْوَاتِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ رَجُلًا، رَوَى عَنْهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُهُ عَلِيٌّ زَيْنُ الْعَابِدِينَ وَفَاطِمَةُ وَسُكَيْنَةُ بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْكَافِ وَسُكُونِ الْيَاءِ وَالنُّونِ ابْنَتَاهُ، وَكَانَ لِلْحُسَيْنِ يَوْمَ قَتْلِهِ ثَمَانٍ وَخَمْسُونَ سَنَةً، وَقَضَى اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ قَتْلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ يَوْمَ عَاشُورَاءَ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّينَ قَتَلَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَالِكِ بْنِ الْأَشْتَرِ النَّخَعِيُّ فِي الْحَرْبِ، وَبَعَثَ رَأْسَهُ إِلَى الْمُخْتَارِ، وَبَعَثَهُ الْمُخْتَارُ إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَبَعَثَهُ بِهِ ابْنُ الزُّبَيْرِ إِلَى عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

ص: 3968

6143 -

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: «خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي طَائِفَةٍ مِنَ النَّهَارِ حَتَّى أَتَى خِبَاءَ فَاطِمَةَ فَقَالَ: " أَثَمَّ لُكَعُ؟ أَثَمَّ لُكَعُ؟ " يَعْنِي حَسَنًا، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ جَاءَ يَسْعَى، حَتَّى اعْتَنَقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ، وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

6143 -

(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي طَائِفَةٍ مِنَ النَّهَارِ)، أَيْ: قِطْعَةٍ مِنْهُ (حَتَّى أَتَى خِبَاءَ فَاطِمَةَ) بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَبِمُوَحَّدَةٍ بَعْدَهَا أَلْفٌ فَهَمْزٌ أَيْ بَيْتَهَا كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ قَالَ الطِّيبِيُّ: هُوَ مِنَ الْمَجَازِ عَلَى نَحْوِ اسْتِعْمَالِ الْمِشْفَرِ عَلَى الشَّفَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ مَخْبَأَ وَهُوَ الْمَخْدَعُ، وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَصَابِيحِ خَبَابَ فَاطِمَةَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُغَيَّرٌ اهـ.

وَفِيهِ نَظَرٌ إِذْ قَالَ شَارِحُ الْمَصَابِيحِ الْخَبَابُ بِالْفَتْحِ مُقَدَّمُ الْبَابِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: أَرَادَ بِهِ حُجْرَتَهَا وَقِيلَ: حَوْلَ دَارِهَا وَقَالَ الْجَزَرِيُّ: جَنَابٌ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالنُّونِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ فَنَاءُ الدَّارِ. (فَقَالَ)، أَيِ: النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (" أَثَمَّ ") : بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ أَيْ أَهُنَاكَ (" لُكَعُ ") بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْكَافِ مِنْ غَيْرِ انْصِرَافٍ كَعُمَرَ وَزُفَرَ، وَفِي نُسْخَةٍ بِصَرْفِهِ. قَالَ شَارِحٌ: اللُّكَعُ الصَّبِيُّ الصَّغِيرُ مَعْدُولٌ مِنَ اللُّكِعِ بِكَسْرِ الْكَافِ يُقَالُ: لَكَعَ الرَّجُلُ لَكْعًا فَهُوَ لُكَعُ إِذَا خَسَّ أَيْ صَارَ خَسِيسًا، وَهُوَ غَالِبُ الِاسْتِعْمَالِ فِي الصَّغِيرِ الذَّكَرِ، وَيُقَالُ لِلْأُنْثَى لَكَاعِ مَبْنِيَّةٌ، وَقِيلَ: هُوَ لَيْسَ بِمَعْدُولٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مِثْلُ نُغَرَ وَصُرَدَ، فَحَقُّهُ أَنْ.

ص: 3968

يُنَوَّنُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْدُولٍ، وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: لُكَعُ بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْكَافِ؛ الصَّغِيرُ قَدْرًا أَوْ جُثَّةً، وَالثَّانِي هُوَ الْمُرَادُ هُنَا. وَقَالَ غَيْرُهُ يُقَالُ لِلصَّبِيِّ الصَّغِيرِ: لُكَعٌ مَصْرُوفًا ذَهَابًا إِلَى صِغَرِ جُثَّتِهِ، وَيُطْلَبُ عَلَى الْعَبْدِ وَاللَّئِيمِ وَالْأَحْمَقِ لِصِغَرِ قِدْرِهِمْ، وَفِي الْقَامُوسِ: اللُّكَعُ كَصُرَدِ اللَّئِيمِ وَالْعَبْدُ وَالْأَحْمَقُ، وَمَنْ لَا يَتَّجِهُ لِمَنْطِقٍ وَلَا غَيْرِهِ، وَيُقَالُ فِي النِّدَاءِ: يَا لُكَعُ، وَلَا يُصْرَفُ فِي الْمَعْرِفَةِ لِأَنَّهُ مَعْدُولٌ مِنْ لُكَعَ.

وَفِي النِّهَايَةِ: اللُّكَعُ عِنْدَ الْعَرَبِ الْعَبْدُ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي الْحُمْقِ وَالذَّمِّ، وَقِيلَ: يُطْلَقُ عَلَى الصَّغِيرِ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم جَاءَ لِطَلَبِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: أَثَمَّ لُكَعُ؟ فَإِنْ أُطْلِقَ عَلَى الْكَبِيرِ أُرِيدَ بِهِ الضَّعِيفُ الْعِلْمِ وَالْعَقْلِ. قَالَ الْقَاضِي: الْمُرَادُ بِهَذَا الِاسْتِصْغَارِ الرَّحْمَةُ وَالشَّفَقَةُ كَالتَّصْغِيرِ فِي يَا حُمَيْرَاءُ (" أَثَمَّ لُكَعُ ") كَرَّرَهُ لِلِاهْتِمَامِ فِي تَحْصِيلِهِ (يَعْنِي حَسَنًا) تَفْسِيرٌ مِنَ الرَّاوِي (فَلَمْ يَلْبَثْ) : بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ لَمْ يَمْكُثْ مَجِيئُهُ (أَنْ جَاءَ يَسْعَى)، أَيْ: سَاعِيًا (حَتَّى اعْتَنَقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ) أَيْ طَالِبَ صُحْبَتِهِ. قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: فِيهِ جَوَازُ الْمُعَانَقَةِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: فِيهِ اسْتِحْبَابُ مُلَاطَفَةِ الصَّبِيِّ فِي مُعَانَقَتِهِ وَمُدَاعَبَتِهِ رَحْمَةً وَلُطْفًا وَاسْتِحْبَابُ التَّوَاضُعِ مَعَ الْأَطْفَالِ وَغَيْرِهِمْ. (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ، وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُ» ") . اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْ مُحِبِّيهِ وَمَوَالِيهِ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنْ مُبْغَضِيهِ وَمُعَادِيهِ، فَإِنَّ مَحْبُوبَ الْمَحْبُوبِ مَحْبُوبٌ، وَفِي قَلْبِ الْمُحِبِّ الْمَغْلُوبِ مَطْلُوبٌ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

ص: 3969

6144 -

وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يُقْبِلُ عَلَى النَّاسِ مَرَّةً وَعَلَيْهِ مَرَّةً، وَيَقُولُ: " إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ــ

6144 -

(وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ)، أَيِ: الثَّقَفِيِّ (قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ) : بِالرَّفْعِ وَيَجُوزُ نَصْبُهُ (إِلَى جَنْبِهِ) : يُحْتَمَلُ الْأَيْمَنُ وَالْأَيْسَرُ (وَهُوَ)، أَيْ: رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (يُقْبِلُ عَلَى النَّاسِ مَرَّةً وَعَلَيْهِ)، أَيْ: وَعَلَى الْحَسَنِ (أُخْرَى) : وَفِي رِوَايَةِ الذَّخَائِرِ يَنْظُرُ إِلَى النَّاسِ مَرَّةً وَإِلَيْهِ مَرَّةً (وَيَقُولُ: " إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ ") : أَصْلُهُ سَيْوِدٌ قُلِبَتِ الْوَاوُ يَاءً وَأُدْغِمَتْ. قِيلَ: وَهُوَ مَنْ لَا يَغْلِبُهُ غَضَبُهُ، وَقِيلَ: الَّذِي يَفُوقُ فِي الْخَيْرِ، وَالْأَوَّلُ أَلْيَقُ بِمَا بَعْدَهُ الْآتِي، وَالْأَظْهَرُ الثَّانِي لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُطْلَقُ حَقِيقَةً عَلَى مَنْ جَمَعَ السِّيَادَةَ نَسَبًا وَحَسَبًا وَعِلْمًا وَعَمَلًا (" وَلَعَلَّ اللَّهَ ") : أَتَى بِصِيغَةِ الرَّجَاءِ إِيمَاءً إِلَى عَدَمِ وُجُوبِ شَيْءٍ عَلَى الْمَوْلَى، فَالْمَعْنَى أَرْجُو مِنْهُ سُبْحَانَهُ (" أَنْ يُصْلِحَ بِهِ ")، أَيْ: بِسَبَبِهِ (" بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ") . قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: كَفَى بِهِ شَرَفًا وَفَضْلًا فَلَا أَسْوَدَ مِمَّنْ سَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ سَيِّدًا، لِأَنَّمَا وَصْفُ الْفِئَتَيْنِ بِالْعَظِيمَتَيْنِ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا يَوْمَئِذٍ فِرْقَتَيْنِ فِرْقَةٌ مَعَهُ وَفِرْقَةٌ مَعَ مُعَاوِيَةَ، وَكَانَ الْحَسَنُ رضي الله عنه يَوْمَئِذٍ أَحَقَّ النَّاسِ بِهَذَا الْأَمْرِ فَدَعَاهُ وَرَعُهُ وَشَفَقَتُهُ عَلَى أُمَّةِ جَدِّهِ إِلَى تَرْكِ الْمُلْكِ وَالدُّنْيَا رَغْبَةً فِيمَا عِنْدَ اللَّهِ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِقِلَّةٍ وَلَا ذِلَّةٍ، فَقَدْ بَايَعَهُ عَلَى الْمَوْتِ أَرْبَعُونَ أَلْفًا وَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَحْبَبْتُ مُنْذُ عَلِمْتُ مَا يَنْفَعُنِي وَيَضُرُّنِي أَنَّ لِي أَمْرَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَنْ يُهْرَاقَ فِي ذَلِكَ مِحْجَمَةُ دَمٍ، وَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى بَعْضِ شِيعَتِهِ حَتَّى حَمْلَتْهُ الْعَصَبِيَّةُ عَلَى أَنْ قَالَ عِنْدَ الدُّخُولِ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا عَارَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ: الْعَارُ خَيْرٌ مِنَ النَّارِ، وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ وَاحِدًا مِنَ الْفَرِيقَيْنِ لَمْ يَخْرُجْ بِمَا كَانَ مِنْهُ فِي تِلْكَ الْفِتْنَةِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ عَنْ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام جَعَلَهُمْ كُلَّهُمْ مُسْلِمِينَ مَعَ كَوْنِ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ مُصِيبَةً وَالْأُخْرَى مُخْطِئَةً، وَهَكَذَا سَبِيلُ كُلِّ مُتَأَوِّلٍ فِيمَا يَتَعَاطَاهُ مِنْ رَأْيٍ وَمَذْهَبٍ إِذَا كَانَ لَهُ فِيمَا تَنَاوَلَهُ شُبْهَةٌ، وَإِنْ كَانَ مُخْطِئًا فِي ذَلِكَ، وَمِنْ هَذَا اتَّفَقُوا عَلَى قَبُولِ شَهَادَةِ أَهْلِ الْبَغْيِ وَنُفُوذِ قَضَاءِ قَاضِيهِمْ، وَاخْتَارَ السَّلَفُ تَرْكَ الْكَلَامِ فِي الْفِتْنَةِ الْأُولَى، وَقَالُوا: تِلْكَ دِمَاءٌ طَهَّرَ اللَّهُ عَنْهَا أَيْدِيَنَا فَلَا نُلَوِّثُ بِهِ أَلْسِنَتَنَا (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) . وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِنَا، وَكَانَ الْحَسَنُ يَجِيءُ وَهُوَ صَغِيرٌ، فَكَانَ كُلَّمَا سَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَثَبَ عَلَى رَقَبَتِهِ وَظَهْرِهِ، فَيَرْفَعُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَأْسَهُ رَفْعًا رَفِيقًا حَتَّى يَضَعَهُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْنَاكَ تَصْنَعُ بِهَذَا الْغُلَامِ شَيْئًا مَا رَأَيْنَاكَ تَصْنَعُهُ بِأَحَدٍ. قَالَ: " أَنَّهُ رَيْحَانَتِي مِنَ الدُّنْيَا إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَعَسَى اللَّهُ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» ".

أَخْرَجَهُ أَبُو حَاتِمٍ، وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِمَعْنَاهُ، وَلَمْ يَقُلْ رَيْحَانَتِي مِنَ الدُّنْيَا. وَزَادَ قَالَ؟ الْحَسَنُ بْنُ الْحُسَيْنِ: وَاللَّهِ بَعْدَ أَنْ وَلِيَ لَمْ يُهْرِقْ فِي

ص: 3969

خِلَافَتِهِ مِلْءَ مِحْجَمَةِ دَمٍ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:«كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْعِشَاءَ، فَإِذَا سَجَدَ وَثَبَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ عَلَى ظَهْرِهِ، فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ أَخْذَهُمَا بِيَدِهِ مِنْ خَلْفِهِ أَخْذًا رَفِيقًا، فَيُضَمَّا عَلَى الْأَرْضِ، فَإِذَا عَادَ عَادَا حَتَّى قَضَى صِلَاتَهُ فَأَقْعَدَهُمَا عَلَى فَخِذَيْهِ قَالَ: فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرُدُّهُمَا فَبَرَقَتْ بَرْقَةٌ فَقَالَ: الْحَقَا بِأُمِّكُمَا. قَالَ: فَمَكَثَ ضَوْءُهَا حَتَّى دَخَلَا» . أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ. وَعَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمُصُّ لِسَانَ الْحَسَنِ أَوْ شَفَتَهُ» ، وَإِنَّهُ لَنْ يُعَذِّبَ اللَّهُ لِسَانًا أَوْ شَفَةً مَصَّهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ.

وَفِي الذَّخَائِرِ قَالَ أَبُو عَمْرٍو: لَمَّا قُتِلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بَايَعَ الْحَسَنَ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِينَ أَلْفًا كُلُّهُمْ قَدْ بَايَعَ أَبَاهُ قَبْلَهُ عَلَى الْمَوْتِ، وَكَانُوا أَطْوَعَ لِلْحَسَنِ وَأَحَبَّ فِيهِ مِنْهُمْ فِي أَبِيهِ، فَبَقِيَ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ خَلِيفَةً بِالْعِرَاقِ وَمَا وَرَاءَ النَّهْرِ مِنْ خُرَاسَانَ، ثُمَّ سَارَ إِلَى مُعَاوِيَةَ وَسَارَ مُعَاوِيَةُ إِلَيْهِ، فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ بِمَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ يَسْكُنُ بِنَاحِيَةِ الْأَنْبَارِ مِنْ أَرْضِ السَّوَادِ عَلِمَ أَنَّهُ لَنْ تُغْلَبَ إِحْدَى الْفِئَتَيْنِ حَتَّى يَذْهَبَ أَكْثَرُ الْأُخْرَى، فَكَتَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ يُخْبِرُهُ أَنَّهُ يَصِيرُ الْأَمْرُ إِلَيْهِ عَلَى أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَطْلُبَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ بِشَيْءٍ مِمَّا كَانَ فِي أَيَّامِ أَبِيهِ، فَأَجَابَهُ مُعَاوِيَةُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: عَشَرَةُ أَنْفُسٍ فَلَا أُؤَمِّنُهُمْ، فَرَاجَعَهُ الْحَسَنُ فِيهِمْ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ يَقُولُ: إِنِّي قَدْ آلَيْتُ إِنَّنِي مَتَى ظَفِرْتُ بِقَيْسِ بْنِ سَعْدٍ أَنْ أَقْطَعَ لِسَانَهُ وَيَدَهُ، فَرَاجَعَهُ الْحَسَنُ إِنِّي لَا أُبَايِعُكَ أَبَدًا وَأَنْتَ تَطْلُبُ قَيْسًا أَوْ غَيْرَهُ بِتَبِعَةٍ قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ حِينَئِذٍ بَرِقٍّ أَبْيَضَ وَقَالَ: اكْتُبْ مَا شِئْتَ فِيهِ، فَأَنَا أَلْتَزِمُهُ فَاصْطَلَحَا عَلَى ذَلِكَ، وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ الْحَسَنُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ، فَالْتَزَمَ ذَلِكَ كُلَّهُ مُعَاوِيَةُ، وَاصْطَلَحَا عَلَى ذَلِكَ، وَكَانَ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «إِنَّ اللَّهَ سَيُصْلِحُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» ، وَكَانَ رضي الله عنه يَقُولُ: مَا أَحْبَبْتُ مُنْذُ عَلِمْتُ مَا يَنْفَعُنِي وَيَضُرُّنِي أَنَّ لِي أَمْرَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَنْ يُهْرَاقَ فِي ذَلِكَ مِحْجَمَةُ دَمٍ. وَعَنْ أَبِي الْعَرِّيفِ قَالَ: كُنَّا فِي مُقَدِّمَةِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا مُسْتَمِيتِينَ حِرْصًا عَلَى قِتَالِ أَهْلِ الشَّامِ، فَلَمَّا جَاءَنَا صُلْحُ الْحَسَنِ كَأَنَّمَا كُسِرَتْ ظُهُورُنَا مِنَ الْغَيْظِ وَالْحُزْنِ، فَلَمَّا جَاءَ الْحَسَنُ الْكُوفَةَ أَتَاهُ شَيْخٌ مِنَّا يُكَنَّى أَبَا عَمْرٍو سُفْيَانُ بْنُ أَبِي لَيْلَى فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مُذِلَّ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ: لَا تَقُلْ يَا أَبَا عَمْرٍو، فَإِنِّي لَمْ أُذِلَّ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَكِنْ كَرِهْتُ أَنْ أَقْتُلَهُمْ فِي طَلَبِ الْمُلْكِ. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، أَنَّ الْحَسَنَ دَخَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَقَالَ لَأُجِيزَنَّكَ بِجَائِزَةٍ لَمْ أُجْزِ بِهَا أَحَدًا قَبْلَكَ وَلَا أُجِيزُ بِهَا أَحَدًا بَعْدَكَ، فَأَجَازَهُ بِأَرْبَعِمِائَةِ أَلْفِ أَلْفٍ فَقَبِلَهَا. وَرُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا جَرَى الصُّلْحُ بَيْنَ مُعَاوِيَةَ وَالْحَسَنِ فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: قُمْ فَاخْطُبِ النَّاسَ وَاذْكُرْ مَا كُنْتَ فِيهِ، فَقَامَ الْحَسَنُ فَخَطَبَ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا وَحَقَنَ بِنَا دِمَاءَكُمْ أَلَا إِنَّ أَكْيَسَ الْكَيْسِ الْتَقِيُّ، وَإِنَّ أَعْجَزَ الْعَجْزِ الْفَجُورُ، وَإِنَّ هَذَا الْأَمْرَ الَّذِي اخْتَلَفْتُ فِيهِ أَنَا وَمُعَاوِيَةُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ أَحَقَّ بِهِ مِنِّي أَوْ أَنْ يَكُونَ حَقِّي وَتَرَكْتُهُ لِلَّهِ وَلِصَلَاحِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَحَقْنِ دِمَائِهِمْ، ثُمَّ الْتَفْتَ وَقَالَ:(وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ)، ثُمَّ نَزَلَ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ لِمُعَاوِيَةَ: مَا أَرَدْتُ إِلَّا هَذَا. وَفِي رِوَايَةٍ: إِنَّ الْحَسَنَ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ: يَا مُعَاوِيَةُ إِنَّ الْخَلِيفَةَ مَنْ سَارَ سِيرَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَمِلَ بِطَاعَتِهِ، وَلَيْسَ الْخَلِيفَةُ مَنْ دَانَ بِالْجَوْرِ وَعَطَّلَ السُّنَنَ وَاتَّخَذَ الدُّنْيَا أُمًّا وَأَبًا.

ص: 3970

6145 -

وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نُعْمٍ، قَالَ:«سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنِ الْمُحْرِمِ، قَالَ شُعْبَةُ أَحْسَبُهُ، يَقْتُلُ الذُّبَابَ؟ قَالَ: أَهْلُ الْعِرَاقِ يَسْأَلُونِي عَنِ الذُّبَابِ. وَقَدْ قَتَلُوا ابْنَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " هُمَا رَيْحَانَّيَّ مِنَ الدُّنْيَا» ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ــ

6145 -

(وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِيِ نُعْمٍ) : بِضَمِّ نُونٍ وَسُكُونِ عَيْنٍ كَذَا فِي الْمُغْنِي، وَكَذَا فِي النُّسَخِ الْمُعْتَمَدَةِ وَسَائِرِ النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُؤَلِّفُ فِي أَسْمَائِهِ بَلْ ذَكَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي غَنْمٍ وَقَالَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ النُّونِ. (قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، وَسَأَلَنِي رَجُلٌ عَنِ الْمُحْرِمِ) ، جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ (قَالَ شُعْبَةُ)، أَيْ: أَحَدُ رُوَاةِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُؤَلِّفُ فِي أَسْمَائِهِ (أَحْسَبُهُ) ، بِكَسْرِ السِّينِ وَفَتْحِهَا أَيْ أَظُنُّهُ أَيِ السَّائِلَ سَأَلَهُ عَنِ الْمُحْرِمِ، وَفِي الذَّخَائِرِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَقَدْ سُئِلَ عَنِ الْمُحْرِمِ (يَقْتُلُ الذُّبَابَ) : يَعْنِي أَيَجُوزُ قَتْلُهُ أَمْ لَا؟ وَالْجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةٌ (قَالَ) : وَفِي رِوَايَةٍ فَقَالَ، أَيِ: ابْنُ عُمَرَ فِي جَوَابِهِ مُتَعَجِّبًا. (أَهْلُ الْعِرَاقِ)، أَيِ: الْكُوفَةِ فَإِنَّهَا «وَالْبَصْرَةُ» تُسَمَّيَانِ عِرَاقَ الْعَرَبَ (يَسْأَلُونِّي) : بِتَشْدِيدِ النُّونِ وَيُخَفَّفُ (عَنِ الذُّبَابِ)، أَيْ: عَنْ قَتْلِ الذُّبَابِ كَمَا فِي نُسْخَةٍ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ يُظْهِرُونَ كَمَالَ رِعَايَةِ التَّقْوَى فِي نُسُكِهِمْ. قَالَ الطِّيبِيُّ، قَوْلُهُ:(قَالَ أَهْلُ الْعِرَاقِ) حَالٌ مِنْ سَمِعْتُ وَقَدْ مُقَدَّرَةٌ، وَالْأَصْلُ سَمِعْتُ قَوْلَ عَبْدِ اللَّهِ، وَقَوْلُهُ وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنِ الْمُحْرِمِ أَيْضًا حَالٌ، وَقَوْلُهُ قَالَ شُعْبَةُ أَحْسَبُهُ يَقْتُلُ الذُّبَابَ قَوْلُ بَعْضِ الرُّوَاةِ تَفْسِيرُ سُؤَالِ الرَّجُلِ وَاسْتِفْتَاؤُهُ، أَيْ: مَا تَقُولُ فِي

ص: 3970

شَأْنِ الْمُحْرِمِ يَقْتُلُ الذُّبَابَ اهـ. (وَقَدْ قَتَلُوا ابْنَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم . حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ فِي يَسْأَلُونِي (وَقَالَ) : وَفِي رِوَايَةٍ وَقَدْ قَالَ أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ قَالَ (رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم)، أَيْ: فِي حَقِّ ابْنِ بِنْتِهِ (" هُمَا " يَعْنِي الْحَسَنَيْنِ - " رَيْحَانَيَّ ") ؟ ضُبِطَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ بِفَتْحِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ، وَفِي الذَّخَائِرِ هُمَا رَيْحَانَتَايَ (" مِنَ الدُّنْيَا ") . أَيْ: مِنْ رِزْقِ اللَّهِ الَّذِي رَزَقَنِيهِ مِنَ الدُّنْيَا يُقَالُ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَرَيْحَانَهُ أَيْ أُسَبِّحُ اللَّهَ وَأَسْتَرْزِقُهُ وَهُوَ مُخَفَّفٌ مِنْ رَيْحَانٍ مُشَدَّدًا فَيْعَلَانِ مِنَ الرُّوحِ، لِأَنَّ انْتِعَاشَهُ بِالرِّزْقِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالرَّيْحَانِ الْمَشْمُومِ لِأَنَّ الشَّمَّامَاتِ تُسَمَّى رَيْحَانًا، وَيُقَالُ حَبَاهُ بِطَاقَةَ نَرْجِسٍ وَبِطَاقَةَ رَيْحَانٍ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّهُمَا مِمَّا أَكْرَمَنِي اللَّهُ بِهِ وَحَبَانِي، أَوْ لِأَنَّ الْأَوْلَادَ يَشُمُّونَ وَيَقْبَلُونَ، فَكَأَنَّهُمَا مِنْ جُمَلَةِ الرَّيَاحِينَ الَّتِي أَنْبَتَهَا اللَّهُ، وَفِي النِّهَايَةِ: الرَّيْحَانُ الرَّحْمَةُ وَالرَّاحَةُ وَالرِّزْقُ، وَبِهِ سُمِّيَ الْوَلَدُ رَيْحَانًا، وَكُلُّ نَبْتٍ طَيِّبِ الرِّيحِ مِنْ أَنْوَاعِ الشُّمُومِ.

وَقَالَ الطِّيبِيُّ: مَوْقِعٌ مِنَ الدُّنْيَا هَا هُنَا كَمَوْقِعِهَا فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: " «حُبِّبَ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا الطِّيبُ وَالنِّسَاءُ» ". أَيْ نَصِيبِي مِنْهَا، وَنَصَبَ رَيْحَانَيَّ عَلَى الْمَدْحِ. أَقُولُ: الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الْفَائِقِ أَنَّهُ جَعَلَ رَيْحَانَيَّ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ، وَمِنَ الدُّنْيَا بِمَعْنَى فِي الدُّنْيَا، لَكِنْ يُشْكَلُ عَلَى رِوَايَةِ الْكِتَابِ بِغَيْرِ رَفْعٍ، وَلَعَلَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا رَوَى رَيْحَانَتَايَ أَوْ رَيْحَانَايَ أَوْ رَيْحَانِي بِكَسْرِ النُّونِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ، وَالْإِفْرَادُ بِاعْتِبَارِ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَالتَّقْدِيرُ كَانَا رَيْحَانِي، ثُمَّ رَأَيْتُ الْقَاضِيَ عِيَاضًا قَالَ فِي الْمَشَارِقِ قَوْلُهُ: وَهُمَا رَيْحَانَاتِي مِنَ الدُّنْيَا. الْوَلَدُ يُسَمَّى الرَّيْحَانَ، وَمِنْ هُنَا بِمَعْنَى فِي أَيْ فِي الدُّنْيَا، وَقِيلَ: رَيْحَانَايَ مِنَ الْجَنَّةِ فِي الدُّنْيَا كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ: الْوَلَدُ الصَّالِحُ رَيْحَانَةٌ مِنْ رَيَاحِينِ الْجَنَّةِ، وَقَدْ قِيلَ: يُوجَدُ مِنْهُمَا رِيحُ الْجَنَّةِ، وَالرَّيْحَانُ مَا يُسْتَرَاحُ إِلَيْهِ أَيْضًا، وَقِيلَ: سَمَّاهُمَا بِذَلِكَ لِأَنَّ الْوَلَدَ يُشَمُّ كَمَا يُشَمُّ الرَّيْحَانُ اهـ.

وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَلَى مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي الْمَنَاقِبِ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: " سَلَامٌ عَلَيْكَ يَا أَبَا الرَّيْحَانَيْنِ، فَعَنْ قَلِيلٍ يَذْهَبُ رُكْنَاكَ وَاللَّهُ خَلِيفَتِي عَلَيْكَ» " فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا أَحَدُ الرُّكْنَيْنِ، فَلَمَّا مَاتَتْ فَاطِمَةُ قَالَ هَذَا الرُّكْنَ الْآخَرُ. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) . وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نُعْمٍ: أَنَّ رَجُلًا مَنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ عَنْ دَمِ الْبَعُوضِ يُصِيبُ الثَّوْبَ؟ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا يَسْأَلُ عَنْ دَمِ الْبَعُوضِ، وَقَدْ قَتَلُوا ابْنَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "«الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ هُمَا رَيْحَانَتَايَ مِنَ الدُّنْيَا» ". أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

ص: 3971

6146 -

وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَشْبَهَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، وَقَالَ فِي الْحُسَيْنِ أَيْضًا: كَانَ أَشْبَهَهُمْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ــ

6146 -

(وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَشْبَهَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَقَالَ) أَيْ أَنَسٌ (فِي الْحُسَيْنِ أَيْضًا: كَانَ أَشْبَهَهُمْ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) وَسَيَأْتِي فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي تَفْصِيلُ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) وَكَذَا التِّرْمِذِيُّ.

ص: 3971

6147 -

«وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: ضَمَّنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى صَدْرِهِ فَقَالَ: " اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْحِكْمَةَ» ". وَفِي رِوَايَةٍ: " عَلِّمْهُ الْكِتَابَ ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ــ

6147 -

(وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ضَمَّنِي) : بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ أَيْ أَخَذَنِي (النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى صَدْرِهِ) : إِيمَاءً إِلَى أَنَّهُ مَنْبَعُ الْعِلْمِ وَمَعْدَنُ الْحِكَمِ (فَقَالَ: " اللَّهُمَّ عِلِّمْهُ الْحِكْمَةَ ")، أَيْ: إِتْقَانَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ. قَالَ تَعَالَى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة: 269] وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا حِكْمَةُ الْفَلَاسِفَةِ، فَفِي النِّهَايَةِ: الْحِكْمَةُ عِبَارَةٌ عَنْ مَعْرِفَةِ الْفُضَلَاءِ الْأَشْيَاءَ بِأَفْضَلِ الْعُلُومِ، وَالْحَكِيمُ الَّذِي يَحْكُمُ الْأَشْيَاءَ وَيُتْقِنُهَا، وَفِي فَتْحِ الْبَارِي: وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِالْحِكْمَةِ هَا هُنَا فَقِيلَ: الْإِصَابَةُ فِي الْقَوْلِ، وَقِيلَ: الْفَهْمُ عَنِ اللَّهِ، وَقِيلَ: مَا يَشْهَدُ الْعَقْلُ بِصِحَّتِهِ، وَقِيلَ: نُورٌ يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِلْهَامِ وَالْوِسْوَاسِ، وَقِيلَ: سُرْعَةُ الْجَوَابِ، وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ. قُلْتُ: لَا مَنْعَ مِنَ الْجَمْعِ شِعْرُ:

عِبَارَتُنَا شَتَّى وَحُسْنُكَ وَاحِدٌ كُلٌّ إِلَى ذَاكَ الْجَمَالِ يُشِيرُ.

ص: 3971

(وَفِي رِوَايَةٍ: عَلِّمْهُ الْكِتَابَ)، أَيْ: عَلِّمْهُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ سَائِرِ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ:

جَمِيعُ الْعِلْمِ فِي الْقُرْآنِ لَكِنْ

تَقَاصَرَ عَنْهُ أَفْهَامُ الرِّجَالِ

وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تُؤَيِّدُ قَوْلَ مَنْ فَسَّرَ الْحِكْمَةَ بِعِلْمِ الْكِتَابِ، وَلِذَا يُقَالُ لِابْنِ عَبَّاسٍ تَرْجُمَانُ الْكِتَابِ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: الظَّاهِرُ أَنْ يُرَادَ بِالْحِكْمَةِ السُّنَّةَ. قَالَ تَعَالَى: {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [البقرة: 129] قُلْتُ: الْأَظْهَرُ أَنْ يُرَادَ بِالْكِتَابِ لَفْظُهُ وَقِرَاءَتُهُ، وَبِالْحِكْمَةِ مَعْرِفَةُ أَحْكَامِهِ وَتَبْيِينُ آيَاتِهِ، فَإِنَّهُ رضي الله عنه كَانَ مَشْهُورًا بِالْعِلْمَيْنِ، أَعْنِي الْقِرَاءَةَ وَالتَّفْسِيرَ عَلَى أَنَّ تَفْسِيرَ الْحِكْمَةِ بِالسُّنَّةِ فِي الْآيَةِ لِوُقُوعِهَا عَطْفًا عَلَى الْكِتَابِ، وَالْأَصْلُ التَّغَايُرُ فِي الْعَطْفِ، لَكِنْ سَيَأْتِي أَنَّهُ دَعَا لَهُ بِالْفِقْهِ أَيْضًا، وَهُوَ الْعِلْمُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أُصُولًا وَفُرُوعًا، فَهُوَ جَامِعُ الْعُلُومِ رضي الله عنه. قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وُلِدَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِثَلَاثِ سِنِينَ، وَتُوُفِّيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَقِيلَ: خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَقِيلَ: عَشْرٌ، كَانَ حَبْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَعَالِمَهَا، دَعَا لَهُ صلى الله عليه وسلم بِالْحِكْمَةِ وَالْفِقْهِ وَالتَّأْوِيلِ، وَرَأَى جِبْرِيلَ عليه السلام مَرَّتَيْنِ، وَكُفَّ بَصَرُهُ فِي آخِرِ عُمُرِهِ، وَمَاتَ بِالطَّائِفِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ فِي أَيَّامِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَهُوَ ابْنُ إِحْدَى وَسَبْعِينَ سَنَةً، رَوَى عَنْهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .

ص: 3972

6148 -

«وَعَنْهُ، قَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ الْخَلَاءَ فَوَضَعْتُ لَهُ وَضُوءًا، فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ: " مَنْ وَضَعَ هَذَا؟ فَأُخْبِرَ فَقَالَ: " اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

6148 -

(وَعَنْهُ)، أَيْ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (قَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ الْخَلَاءَ) : بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ أَيْ مَكَانَ الْبُرَازِ (فَوَضَعْتُ لَهُ وَضُوءًا) : بِفَتْحِ الْوَاوِ مَاءُ الْوُضُوءِ (فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ: " مَنْ وَضَعَ هَذَا ") ؟ أَيْ ظَرْفَ الْمَاءِ (فَأُخْبِرَ)، بِصِيغَةِ الْمَاضِي الْمَجْهُولِ أَيْ فَأَخْبَرَهُ مُخْبِرٌ وَهُوَ يَحْتَمِلُهُ وَغَيْرَهُ (فَقَالَ:" اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ) : بِكَسْرِ الْقَافِ الْمُشَدَّدَةِ أَيِ اجْعَلْهُ فَقِيهًا عَالِمًا (" فِي الدِّينِ ") . أَيْ أُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْفِقْهَ الْمُتَعَارَفَ الْمُخْتَصَّ بِفُرُوعِ الْمُعَامَلَاتِ وَالْخُصُومَاتِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: فِيهِ فَضِيلَةُ الْفِقْهِ وَاسْتِحْبَابُ الدُّعَاءِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ وَاسْتِحْبَابُ الدُّعَاءِ لِمَنْ عَمِلَ خَيْرًا، وَقَدْ أَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَهُ فِي حَقِّهِ، فَكَانَ مِنَ الْفِقْهِ بِالْمَحَلِّ الْأَعْلَى. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

ص: 3972

6149 -

وَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُهُ وَالْحَسَنَ، فَيَقُولُ:" «اللَّهُمَّ أَحِبَّهُمَا فَإِنِّي أُحِبُّهَا» ".

وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْخُذُنِي فَيُقْعِدُنِي عَلَى فَخِذِهِ، وَيُقْعِدُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ عَلَى فَخِذِهِ الْأُخْرَى، ثُمَّ يَضُمُّهُمَا، ثُمَّ يَقُولُ: " اللَّهُمَّ ارْحَمْهُمَا فَإِنِّي أَرْحَمُهُمَا» ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ــ

6149 -

(وَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ) أَيِ ابْنِ حَارِثَةَ الْقُضَاعِيِّ، وَأُمُّهُ أُمُّ أَيْمَنَ وَاسْمُهَا بَرَكَةُ وَهِيَ حَاضِنَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَتْ مَوْلَاةً لِأَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَأُسَامَةُ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَابْنُ مَوْلَاهُ وَحِبُّهُ وَابْنُ حِبِّهِ، قُبِضَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ ابْنُ عِشْرِينَ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَنَزَلَ وَادِي الْقُرَى، وَتُوُفِّيَ بِهِ بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ، وَقِيلَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. وَهُوَ عِنْدِي أَصَحُّ، رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ (عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْخُذُهُ)، أَيْ: يَأْخُذُ أُسَامَةَ (وَالْحَسَنَ فَيَقُولُ: " اللَّهُمَّ أَحِبَّهُمَا فَإِنِّي أُحِبُّهُمَا ") . فِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ مَحَبَّتَهُ لِلَّهِ وَلِذَا رَتَّبَ مَحَبَّةَ اللَّهِ عَلَى مَحَبَّتِهِ، وَفِي ذَلِكَ أَعْظَمُ مَنْقَبَةٍ لَهُمَا وَلَفْظُ الذَّخَائِرِ اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا أَوْ كَمَا قَالَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

(وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ)، أَيْ: أُسَامَةُ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْخُذُنِي فَيُقْعِدُنِي) : بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ أَيْ يُجْلِسُنِي (عَلَى فَخِذِهِ) أَيِ الْيُمْنَى أَوِ الْيُسْرَى (وَيُقْعِدُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ عَلَى فَخِذِهِ الْأُخْرَى، ثُمَّ يَضُمُّهُمَا) كَذَا فِي الْمَصَابِيحِ وَجَامِعِ الْأُصُولِ، وَفِيهِ الْتِفَاتٌ مِنَ التَّكَلُّمِ إِلَى الْغَيْبَةِ، ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ يَضُمَّنَا عَلَى تَغْلِيبِ الْمُتَكَلِّمِ كَمَا أَنَّ فِي يَضُمُّهُمَا تَغْلِيبُ الْغَالِبِ، فَفِي تَسْمِيَتِهِ الْتِفَاتًا نَوْعُ مُسَامَحَةٍ (ثُمَّ يَقُولُ:" اللَّهُمَّ ارْحَمْهُمَا ") ، أَيْ: رَحْمَةً شَامِلَةً كَامِلَةً تُغْنِهِمَا عَنْ رَحْمَةِ مَنْ سِوَاكَ (فَإِنِّي أَرْحَمُهُمَا) . أَيْ رَحْمَةً خَاصَّةً وَإِلَّا فَرَحْمَتُهُ عَامَّةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ بَلْ شَامِلَةٌ لِلْعَالَمِينَ. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .

ص: 3972

6150 -

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ بَعْثًا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، فَطَعَنَ بَعْضُ النَّاسِ فِي إِمَارَتِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنْ كُنْتُمْ تَطْعَنُونَ فِي إِمَارَتِهِ فَقَدْ كُنْتُمْ تَطْعَنُونَ فِي إِمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلُ، وَأَيْمُ اللَّهِ إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لِلْإِمَارَةِ، وَإِنْ كَانَ لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَإِنَّ هَذَا لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ بَعْدَهُ» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ نَحْوُهُ وَفِي آخِرِهِ: "«أُوصِيكُمْ بِهِ، فَإِنَّهُ مِنْ صَالِحِيكُمْ» ".

ــ

6150 -

(وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ بَعْثًا)، أَيْ: أَرْسَلَ جَيْشًا (وَأَمَّرَ) : بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ أَيْ جَعَلَ أَمِيرًا (عَلَيْهِمْ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، فَطَعَنَ) : بِفَتْحِ الْعَيْنِ مِنْ طَعَنَ كَمَنَعَ فِي الْعِرْضِ وَالنَّسَبِ، وَأَمَّا بِالضَّمِّ فَبِالرُّمْحِ وَالْيَدِ، وَيُقَالُ: هُمَا لُغَتَانِ، وَالْمَعْنَى فَتَكَلَّمَ (بَعْضُ النَّاسِ)، أَيِ: الْمُنَافِقُونَ أَوْ أَحْلَافُ الْعَرَبِ (فِي إِمَارَتِهِ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ أَيْ وِلَايَتِهِ لِكَوْنِهِ مَوْلًى (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ) : وَفِي نُسْخَةٍ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (" إِنْ كُنْتُمْ تَطْعَنُونَ فِي إِمَارَتِهِ فَقَدْ كُنْتُمْ تَطْعَنُونَ فِي إِمَارَةِ أَبِيهِ ") : يُشِيرُ إِلَى إِمَارَةِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ (" مِنْ قَبْلُ ") أَيْ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ مِنْ قَبْلِ إِمَارَةِ ابْنِهِ قَالَ الطِّيبِيُّ: قَوْلُهُ: فَقَدْ كُنْتُمْ طَعَنْتُمْ هَذَا الْجَزَاءُ إِنَّمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الشَّرْطِ بِتَأْوِيلِ التَّنْبِيهِ وَالتَّوْبِيخِ، أَيْ: طَعَنُكُمُ الْآنَ فِيهِ سَبَبٌ، لِأَنْ أُخْبِرَكُمْ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ عَادَةِ الْجَاهِلِيَّةِ وَهَجِيرَاهُمْ وَمِنْ ذَلِكَ طَعَنُكُمْ فِي أَبِيهِ مِنْ قَبْلُ نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى:{إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} [يوسف: 77](" وَأَيْمُ اللَّهِ ") : بِهَمْزِ وَصْلٍ، وَقِيلَ: قَطْعٍ أَيْ: وَاللَّهِ (" إِنْ ") : مُخَفَّفَةٌ أَيِ الشَّأْنُ (" كَانَ ")، أَيْ: أَبُوهُ (" لَخَلِيقًا ")، أَيْ: لَجَدِيرًا وَحَقِيقًا (" لِلْإِمَارَةِ ") أَيْ لِفَضْلِهِ وَسَبْقِهِ وَقُرْبِهِ مِنِّي، وَفِي أَصْلِ الْمَالِكِيِّ: وَأَيْمُ اللَّهِ لَقَدْ كَانَ، وَفِي نُسْخَةٍ عِنْدَهُ إِنْ كَانَ خَلِيقًا فَقَدِ اسْتَعْمَلَ أَنَّ الْمُخَفَّفَةَ الْمَتْرُوكَةَ الْعَمَلَ عَارِيًا مَا بَعْدَهَا مِنَ اللَّامِ الْفَارِقَةِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إِلَيْهَا. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: إِنَّمَا طَعَنَ مَنْ طَعَنَ فِي إِمَارَتِهِمَا لِأَنَّهُمَا كَانَا مِنَ الْمَوَالِي، وَكَانَتِ الْعَرَبُ لَا تَرَى تَأْمِيرَ الْمَوَالِي وَتَسْتَنْكِفُ عَنِ اتِّبَاعِهِمْ كُلَّ الِاسْتِنْكَافِ، فَلَمَّا جَاءَ اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ وَرَفَعَ قَدْرَ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عِنْدَهُمْ قَدْرٌ بِالسَّابِقَةِ وَالْهِجْرَةِ وَالْعِلْمِ وَالتُّقَى وَعَرَّفَ حَقَّهُمُ الْمَحْفُوظُونَ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ، فَأَمَّا الْمُرْتَهَنُونَ بِالْعَادَةِ وَالْمُمْتَحَنُونَ بِحُبِّ الرِّيَاسَةِ مِنَ الْأَعْرَابِ وَرُؤَسَاءِ الْقَبَائِلِ، فَلَمْ يَزَلْ يَخْتَلِجُ فِي صُدُورِهِمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، لَاسِيَّمَا أَهْلُ النِّفَاقِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ إِلَى الطَّعْنِ وَشِدَّةِ النَّكِيرِ عَلَيْهِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ بَعَثَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ رضي الله عنه أَمِيرًا عَلَى عِدَّةِ سَرَايَا، وَأَعْظَمُهَا جَيْشُ مُؤْتَةَ وَسَارَ تَحْتَ رَايَتِهِ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ خِيَارُ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ: جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه وَكَانَ خَلِيقًا بِذَلِكَ لِسَوَابِقِهِ وَفَضْلِهِ وَقُرْبِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ كَانَ يَبْعَثُ أُسَامَةَ، وَقَدْ أَمَّرَهُ فِي مَرَضِهِ عَلَى جَيْشٍ فِيهِمْ جَمَاعَةٌ مِنْ " مَشْيَخَةِ الصَّحَابَةِ وَفُضَلَائِهِمْ، وَكَأَنَّهُ رَأَى فِي ذَلِكَ سِوَى مَا تَوَسَّمَ فِيهِ مِنَ النَّجَابَةِ أَنْ يُمَهِّدَ الْأَمْرَ وَيُوَطِّئَهُ لِمَنْ يَلِيَ الْأَمْرَ بَعْدَهُ، لِئَلَّا يَنْزِعَ أَحَدٌ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ، وَلِيَعْلَمَ كُلٌّ مِنْهُمْ أَنَّ الْعَادَاتِ الْجَاهِلِيَّةَ قَدْ عَمِيَتْ مَسَالِكُهَا وَخَفِيَتْ مَعَالِمُهَا. (" وَإِنْ كَانَ ") ، أَيْ: أَبُوهُ (" لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ وَإِنَّ هَذَا ") ، أَيْ: أُسَامَةَ (" لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ أَبِيهِ زَيْدٍ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

وَعِنْدَ النَّسَائِيِّ «عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ فِي جَيْشٍ قَطُّ إِلَّا أَمَّرَهُ عَلَيْهِمْ» . قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: فِيهِ جَوَازُ إِمَارَةِ الْمَوْلَى، وَتَوْلِيةِ الصِّغَارِ عَلَى الْكِبَارِ، وَالْمَفْضُولِ عَلَى الْفَاضِلِ: قُلْتُ: وَلَعَلَّ تَأْمِيرَهُ مَعَ تَأْمِيرِ ابْنِهِ وَقَعَ جَبْرًا لِمَا اخْتَارَهُ مِنْ عُبُودِيَّتِهِ صلى الله عليه وسلم خَيَّرَهُ، فَقَدْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ: زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ أُمُّهُ سُعَدَى بِنْتُ ثَعْلَبَةَ مِنْ بَنِي مَعْنٍ خَرَجَتْ بِهِ تَزُورُ قَوْمَهَا، فَأَغَارَتْ خَيْلٌ لِبَنِي الْقَيْنِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَمَرُّوا عَلَى أَبْيَاتٍ مِنْ بَنِي مَعْنٍ رَهْطِ أُمِّ زَيْدٍ، فَاحْتَمَلُوا زَيْدًا وَهُوَ يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ، يُقَالُ: لَهُ ثَمَانِ سِنِينَ، فَوَافَوْا بِهِ سُوقَ عُكَاظَ، فَعُرِضَ لِلْبَيْعِ فَاشْتَرَاهُ حَكِيمُ بْنُ حِزَامِ بْنِ خُوَيْلِدٍ لِعَمَّتِهِ خَدِيجَةَ بِأَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَلَمَّا تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهَبَتْهُ لَهُ، فَقَبَضَهُ ثُمَّ إِنَّ خَبَرَهُ اتَّصَلَ بِأَهْلِهِ، فَحَضَرَ أَبُوهُ حَارِثَةُ وَعَمُّهُ كَعْبٌ فِي فِدَائِهِ، فَخَيَّرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ نَفْسِهِ وَالْمَقَامِ عِنْدَهُ، وَبَيْنَ أَهْلِهِ وَالرُّجُوعِ إِلَيْهِمْ، فَاخْتَارَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِمَا يَرَى مِنْ بِرِّهِ لِإِحْسَانِهِ إِلَيْهِ، فَحِينَئِذٍ خَرَجَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْحِجْرِ فَقَالَ: يَا مَنْ حَضَرَ اشْهَدُوا إِنَّ زِيدًا ابْنِي يَرِثُنِي وَأَرِثُهُ فَصَارَ يُدْعَى زَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ إِلَى أَنْ جَاءَ اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ، وَنَزَلَ:{ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} [الأحزاب: 5] فَقِيلَ لَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الذُّكُورِ فِي قَوْلٍ، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَكْبَرَ مِنْهُ بِعَشْرِ سِنِينَ، وَقِيلَ: بِعِشْرِينَ سَنَةً. وَزَوَّجَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَوْلَاتَهُ أُمَّ أَيْمَنَ، فَوَلَدَتْ لَهُ أُسَامَةَ، ثُمَّ تَزَوَّجَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ بِنْتَ عَمَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ طَلَّقَهَا لِتَكَبُّرِهَا عَلَيْهِ، فَتَزَوَّجَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يُسَمِّ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ أَحَدًا مِنَ الصَّحَابَةِ غَيْرَهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ} [الأحزاب: 37] .

ص: 3973

رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ أُسَامَةُ وَغَيْرُهُ، وَقُتِلَ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ، وَهُوَ أَمِيرُ الْجَيْشِ، فِي جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ ثَمَانٍ وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً.

(وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ نَحْوُهُ)، أَيْ: نَحْوُ الْحَدِيثِ الْمُتَّفِقِ عَلَيْهِ سَابِقًا (وَفِي آخِرِهَا)، أَيْ: رِوَايَةِ مُسْلِمٍ (" أُوصِيكُمْ بِهِ ") أَيْ: بِأُسَامَةَ (فَإِنَّهُ مِنْ صَالِحِيكُمْ) . أَيْ: مِمَّنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الصَّلَاحُ فِيمَا بَيْنَكُمْ، وَإِلَّا فَكَلُّ الصَّحَابَةِ صَالِحُونَ، وَالْخِطَابُ لِجَمَاعَةٍ مِنَ الْحَاضِرِينَ أَوِ الْمَبْعُوثِينَ مَعَهُ.

ص: 3974

6151 -

وَعَنْهُ، قَالَ:«إِنَّ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا كُنَّا نَدْعُوهُ إِلَّا زَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ، حَتَّى نَزَلَ الْقُرْآنُ: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} [الأحزاب: 5] » مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَذُكِرَ حَدِيثُ الْبَرَاءِ قَالَ لِعَلِيٍّ: " أَنْتَ مِنِّي " فِي " بَابِ بُلُوغِ الصَّغِيرِ وَحَضَانَتِهِ ".

ــ

6151 -

(وَعَنْهُ)، أَيْ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ (قَالَ)، أَيِ: ابْنُ عُمَرَ (إِنَّ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم)، إِيرَادُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي هَذَا الْبَابِ لِلْإِشْعَارِ بِأَنَّ مَوْلَى الرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ (مَا كُنَّا نَدْعُوهُ إِلَّا زَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ) قَالَ النَّوَوِيُّ: كَانَ صلى الله عليه وسلم تَبَنَّى زَيْدًا وَدَعَاهُ ابْنَهُ، وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَتَبَنَّى مَوَالِيَهُمْ وَغَيْرَهُمْ فَيَصِيرُ ابْنًا لَهُ يُوَارِثُهُ وَيُنْسَبُ إِلَيْهِ (حَتَّى نَزَلَ الْقُرْآنُ)، أَيِ: الْآيَةُ مِنْهُ {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} [الأحزاب: 5] قَبْلَهُ {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} [الأحزاب: 4] ادْعُوهُمْ، أَيِ: انْسُبُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ، أَيْ: أَعْدَلُ عِنْدَ اللَّهِ {فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} [الأحزاب: 5] الْآيَةَ. فَرَجَعَ كُلُّ إِنْسَانٍ إِلَى نَسَبِهِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

(وَذُكِرَ حَدِيثُ الْبَرَاءِ قَالَ لِعَلِيٍّ: " أَنْتَ مِنِّي " فِي بَابِ بُلُوغِ الصَّغِيرِ وَحَضَانَتِهِ) . بِكَسْرِ الْحَاءِ وَيُفْتَحُ أَيْ تَرْبِيَتِهِ.

ص: 3974

الْفَصْلُ الثَّانِي

6152 -

عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حِجَّتِهِ يَوْمَ عَرَفَةَ وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ يَخْطُبُ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ " إِنِّي تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ اللَّهِ، وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

ــ

الْفَصْلُ الثَّانِي

6152 -

(عَنْ جَابِرٍ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حِجَّتِهِ. أَيْ حِجَّةِ الْوَدَاعِ (يَوْمَ عَرَفَةَ وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ) : بِفَتْحِ الْقَافِ مَمْدُودًا وَيُقْصَرُ، قِيلَ: سُمِّيَتْ قَصْوَاءُ لَا لِأَنَّهَا مَجْدُوعَةُ الْأُذُنُ، بَلْ لِأَنَّ الْقَصْوَاءَ لَقَبٌ لَهَا (يَخْطُبُ) : حَالٌ (فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا ") : مَوْصُولَةٌ صِلَتُهَا (" إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ ")، أَيْ: تَمَسَّكْتُمْ بِهِ عِلْمًا وَعَمَلًا (" لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ ")، أَيْ: بَعْدَ أَخْذِ ذَلِكَ الشَّيْءِ (" كِتَابَ اللَّهِ ") بِالنَّصْبِ، بَيَانُ مَا فِي (مَا إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ، أَوْ بَدَلٌ أَوْ بِتَقْدِيرِ أَعْنِي، وَفِي نُسْخَةٍ بِالرَّفْعِ؛ أَيْ هُوَ كِتَابُ اللَّهِ (" وَعِتْرَتِي ") : فِي مَحَلِّ نَصْبٍ أَوْ رَفْعٍ، وَقَوْلُهُ:(" أَهْلَ بَيْتِي ") . مُعْرَبٌ مِنْ وَجْهَيْنِ. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: عِتْرَةُ الرَّجُلِ أَهْلُ بَيْتِهِ وَرَهْطُهُ الْأَدْنَوْنَ، وَلِاسْتِعْمَالِهِمُ الْعِتْرَةَ عَلَى أَنْحَاءٍ كَثِيرَةٍ بَيَّنَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ: أَهْلَ بَيْتِي، لِيُعْلَمَ أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ نَسْلَهُ وَعِصَابَتَهُ الْأَدْنَيْنَ وَأَزْوَاجَهُ اهـ.

وَالْمُرَادُ بِالْأَخْذِ بِهِمُ التَّمَسُّكُ بِمَحَبَّتِهِمْ وَمُحَافَظَةُ حُرْمَتِهِمْ وَالْعَمَلُ بِرِوَايَتِهِمْ وَالِاعْتِمَادُ عَلَى مَقَالَتِهِمْ، وَهُوَ لَا يُنَافِي أَخْذَ السُّنَّةِ مِنْ غَيْرِهِمْ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:" أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمُ اقْتَدَيْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ " وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: التَّمَسُّكُ بِالْكِتَابِ الْعَمَلُ بِمَا فِيهِ وَهُوَ الِائْتِمَارُ بِأَوَامِرِ اللَّهِ وَالِانْتِهَاءُ بِنَوَاهِيهِ، وَمَعْنَى التَّمَسُّكِ بِالْعِتْرَةِ مَحَبَّتُهُمْ وَالِاهْتِدَاءُ بِهَدْيِهِمْ وَسِيرَتِهِمْ. زَادَ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ: إِذَا لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا لِلدِّينِ. قُلْتُ: بِإِطْلَاقِهِ صلى الله عليه وسلم إِشْعَارٌ بِأَنَّ مَنْ يَكُونُ مِنْ عِتْرَتِهِ فِي الْحَقِيقَةِ لَا يَكُونُ هَدْيُهُ سِيرَتُهُ إِلَّا مُطَابِقًا لِلشَّرِيعَةِ وَالطَّرِيقَةِ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) .

ص: 3974

6153 -

وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رضي الله عنه قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي، أَحَدُهُمَا أَعْظَمُ مِنَ الْآخَرِ: كِتَابُ اللَّهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ، وَعِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي، وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ، فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِي فِيهِمَا» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

ــ

6153 -

(وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي ") أَيْ بَعْدَ فَوْتِي وَفِي نُسْخَةٍ بَعْدَ مَوْتِي (" أَحَدُهُمَا ") وَهُوَ كِتَابُ اللَّهِ (" أَعْظَمُ مِنَ الْآخَرِ ") : وَهُوَ الْعِتْرَةُ كَمَا بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ: (كِتَابَ اللَّهِ) : بِالنَّصْبِ وَبِالرَّفْعِ وَهُوَ أَظْهَرُ هُنَا لِقَوْلِهِ: (حَبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) أَيْ قَابِلٌ لِلتَّرَقِّي وَالتَّنَزُّلِ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ وَسَبَقَ بُرْهَانُهُ (وَعِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي) : قَالَ الطِّيبِيُّ فِي قَوْلِهِ: " إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ، إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُمَا بِمَنْزِلَةِ التَّوْأَمَيْنِ الْخَلَفَيْنِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّهُ يُوصِي الْأُمَّةَ بِحُسْنِ الْمُخَالَفَةِ مَعَهُمَا وَإِيثَارِ حَقِّهِمَا عَلَى أَنْفُسِهِمْ كَمَا يُوصِي الْأَبُ الْمُشْفِقُ النَّاسَ فِي حَقِّ أَوْلَادِهِ، وَيُعَضِّدُهُ الْحَدِيثُ السَّابِقُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ: " أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي " كَمَا يَقُولُ الْأَبُ الْمُشْفِقُ: اللَّهَ اللَّهَ فِي حَقِّ أَوْلَادِي، وَأَقُولُ: الْأَظْهَرُ هُوَ أَنَّ أَهْلَ الْبَيْتِ غَالِبًا يَكُونُونَ أَعْرَفَ بِصَاحِبِ الْبَيْتِ وَأَحْوَالِهِ، فَالْمُرَادُ بِهِمْ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنْهُمُ الْمُطَّلِعُونَ عَلَى سِيرَتِهِ، الْوَاقِفُونَ عَلَى طَرِيقَتِهِ، الْعَارِفُونَ بِحُكْمِهِ وَحِكْمَتِهِ، وَلِهَذَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونُوا مُقَابِلًا لِكِتَابِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ كَمَا قَالَ: {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [البقرة: 129] وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي الْمَنَاقِبِ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ذُكِرَ عِنْدَهُ قَضَاءٌ قَضَى بِهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَأَعْجَبَهُ وَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِينَا الْحِكْمَةَ أَهْلَ الْبَيْتِ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ الْيَقِينِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مِسْعَرٍ الْيَرْبُوعِيِّ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ لِلْحَسَنِ: كَمْ بَيْنَ الْإِيمَانِ وَالْيَقِينِ؟ قَالَ: أَرْبَعُ أَصَابِعَ. قَالَ: بَيِّنْ. قَالَ: الْيَقِينُ مَا رَأَتْهُ عَيْنُكَ، وَالْإِيمَانُ مَا سَمِعَتْهُ أُذُنُكَ وَصَدَّقَتْ بِهِ. قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ مِمَّنْ أَنْتَ مِنْهُ ذَرِّيَةٌ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، وَقَارَفَ الزُّهْرِيُّ فَهَامَ عَلَى وَجْهِهِ فَقَالَ لَهُ زَيْنُ الْعَابِدِينَ: قُنُوطُكَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ أَعْظَمُ عَلَيْهِ مِنْ ذَنْبِكَ. فَقَالَ الزُّهْرِيُّ: اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ فَرَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ وَحَالِهِ. (" وَلَنْ يَتَفَرَّقَا ") أَيْ كِتَابُ اللَّهِ وَعِتْرَتِي فِي مَوَاقِفِ الْقِيَامَةِ (" حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ ") ، أَيِ الْكَوْثَرَ. قَالَ الطِّيبِيُّ: فِي تَفْصِيلٍ مُجْمَلٍ لِحَدِيثِ " مَا " مَوْصُولَةٌ، وَالْجُمْلَةُ الشَّرْطِيَّةُ صِلَتُهَا، وَإِمْسَاكُ الشَّيْءِ التَّعَلُّقُ بِهِ وَحِفْظُهُ قَالَ تَعَالَى: {وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ} [الحج: 65] وَتَمَسَّكَ بِالشَّيْءِ إِذَا تَحَرَّى الْإِمْسَاكَ بِهِ، وَلِهَذَا لَمَّا ذَكَرَ التَّمَسُّكَ عَقَبَهً بِالْمُتَمَسِّكِ بِهِ صَرِيحًا وَهُوَ الْحَبْلُ فِي قَوْلِهِ: كِتَابُ اللَّهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ، فِيهِ تَلْوِيحٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} [الأعراف: 176] كَأَنَّ النَّاسَ وَاقِعُونَ فِي مَهْوَاةِ طَبِيعَتِهِمْ مُشْتَغِلُونَ بِشَهْوَتِهِمْ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُرِيدُ بِلُطْفِهِ رَفَعَهُمْ فَأَدْنَى حَبْلَ الْقُرْآنِ إِلَيْهِمْ لِيُخَلِّصَهُمْ. مِنْ تِلْكَ الْوَرْطَةِ، فَمَنْ تَمَسَّكَ بِهِ نَجَا، وَمَنْ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ هَلَكَ، وَمَعْنَى كَوْنِ أَحَدِهِمَا أَعْظَمَ مِنَ الْآخَرِ أَنَّ الْقُرْآنَ هُوَ أُسْوَةٌ لِلْعِتْرَةِ وَعَلَيْهِمُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ، وَهُمْ أَوْلَى النَّاسِ بِالْعَمَلِ بِمَا فِيهِ، وَلَعَلَّ السِّرَّ فِي هَذِهِ التَّوْصِيَةِ وَاقْتِرَانِ الْعِتْرَةِ بِالْقُرْآنِ أَنَّ إِيجَابَ مَحَبَّتِهِمْ لَائِحٌ مِنْ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى: 23] فَإِنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ شُكْرَ إِنْعَامِهِ وَإِحْسَانِهِ بِالْقُرْآنِ مَنُوطًا بِمَحَبَّتِهِمْ عَلَى سَبِيلِ الْحَصْرِ، فَكَأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم يُوصِي الْأُمَّةَ بِقِيَامِ الشُّكْرِ، وَقَيَّدَ تِلْكَ النِّعْمَةَ بِهِ، وَيُحَذِّرُهُمْ عَنِ الْكُفْرَانِ، فَمَنْ أَقَامَ بِالْوَصِيَّةِ. وَشَكَرَ تِلْكَ الصَّنِيعَةَ بِحُسْنِ الْخِلَافَةِ فِيهِمَا لَنْ يَفْتَرِقَا، فَلَا يُفَارِقَانِهِ فِي مَوَاطِنِ الْقِيَامَةِ وَمَشَاهِدِهَا حَتَّى يَرِدَ الْحَوْضَ، فَشَكَرَ صَنِيعَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَحِينَئِذٍ هُوَ بِنَفْسِهِ يُكَافِئُهُ وَاللَّهُ تَعَالَى يُجَازِيهِ بِالْجَزَاءِ الْأَوْفَى، وَمَنْ أَضَاعَ الْوَصِيَّةَ وَكَفَرَ النِّعْمَةَ فَحُكْمُهُ عَلَى الْعَكْسِ، وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ حَسُنَ مَوْقِعُ قَوْلِهِ: (" فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِي فِيهِمَا ") وَالنَّظَرُ بِمَعْنَى التَّأَمُّلِ وَالتَّفَكُّرِ أَيْ: تَأَمَّلُوا وَاسْتَعْمِلُوا الرَّوِيَّةَ فِي اسْتِخْلَافِي إِيَّاكُمْ هَلْ تَكُونُونَ خَلَفَ صِدْقٍ أَوْ خَلَفَ سُوءٍ. اهـ. وَتَجَوُّلُهُ: تَخْلُفُونِّي بِتَشْدِيدِ النُّونِ وَتُخَفُّفُ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) . وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَلَفْظُهُ: "«إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ خَلِيفَتَيْنِ كِتَابَ اللَّهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي وَإِنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ» ".

ص: 3975

6154 -

وَعَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِعَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ:" «أَنَا حَرْبٌ لِمَنْ حَارَبَهُمْ، وَسِلْمٌ لِمَنْ سَالَمَهُمْ» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

ــ

6154 -

(وَعَنْهُ) : - أَيْ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِعَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ)، أَيْ: لِأَجْلِهِمْ وَفِي حَقِّهِمْ (" أَنَا حَرْبٌ ")، أَيْ: مُحَارِبٌ، وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ:«قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (مَنْ أَحَبَّنِي وَأَحَبَّ هَذَيْنِ وَأَبَاهُمَا وَأَمَّهُمَا كَانَ مَعِي فِي دَرَجَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: كَانَ مَعِي فِي الْجَنَّةِ وَقَالَ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ (" لِمَنْ حَارَبَهُمْ ") جَعَلَ صلى الله عليه وسلم نَفْسَهُ نَفْسَ الْحَرْبِ مُبَالَغَةً كَرَجُلٍ عَدْلٍ (" وَسِلْمٌ ") : بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَيُفْتَحُ أَيْ مُسَالِمٌ وَمُصَالِحٌ (" لِمَنْ سَالَمَهُمْ ") . وَالْمَعْنَى: مَنْ أَحَبَّهُمْ أَحَبَّنِي، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ أَبْغَضَنِي. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) .

ص: 3976

6155 -

وَعَنْ جُمَيْعِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ:«دَخَلْتُ مَعَ عَمَّتِي عَلَى عَائِشَةَ، فَسَأَلْتُ: أَيُّ النَّاسِ كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَتْ: فَاطِمَةُ. فَقِيلَ: مِنَ الرِّجَالِ؟ قَالَتْ: زَوْجُهَا إِنْ كَانَ مَا عَلِمْتُ صَوَّامًا قَوَّامًا. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.»

ــ

6155 -

(وَعَنْ جُمَيْعِ بْنِ عُمَيْرٍ) بِالتَّصْغِيرِ فِيهِمَا قَالَ الْمُؤَلِّفُ: تَيْمِيٌّ مِنَ الْكُوفَةِ، قَالَ السَّخَاوِيُّ: سَمِعَ عُمَرَ وَعَائِشَةَ، رَوَى عَنْهُ الْعَلَاءُ بَنُ صَالِحٍ، وَصَدَقَةُ بْنُ الْمُثَنَّى (قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ عَمَّتِي عَلَى عَائِشَةَ، فَسَأَلْتُ) ، أَيْ: أَنَا، وَفِي نُسْخَةٍ بِصِيغَةِ التَّأْنِيثِ أَيْ عَمَّتِي (أَيُّ النَّاسِ كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَتْ)، أَيْ: عَائِشَةُ (فَاطِمَةُ) أَيْ هِيَ كَانَتْ أَحَبَّ (فَقِيلَ: مِنَ الرِّجَالِ) ؟ أَيْ هَذَا جَوَابُكِ مِنَ النِّسَاءِ فَمَنْ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الرِّجَالِ؟ (قَالَتْ: زَوْجُهَا، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) . وَفِي الرِّيَاضِ «عَنْ عَائِشَةَ، سُئِلَتْ أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: فَاطِمَةُ فَقِيلَ مِنَ الرِّجَالِ؟ قَالَتْ: زَوْجُهَا؛ إِنْ كَانَ مَا عَلِمْتُ صَوَّامًا قَوَّامًا،» أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَفِي الْأَزْهَارِ رَوَاهُ السُّدِّيُّ وَقَالَ الْحَاكِمُ: السُّدِّيُّ شِيعِيٌّ يَسُبُّ الشَّيْخَيْنِ. اهـ.

وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ السُّدِّيَّ شَخْصَانِ: كَبِيرٌ وَهُوَ سُنِّيٌّ، وَصَغِيرٌ وَهُوَ رَافِضِيٌّ. قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي شَرْحِ التَّقْرِيبِ: مِنْ إِمَارَاتِ كَوْنِ الْحَدِيثِ مَوْضُوعًا أَنْ يَكُونَ الرَّاوِي رَافِضِيًّا، وَالْحَدِيثُ فِي فَضَائِلِ أَهْلِ الْبَيْتِ. قَالَ الشَّيْخُ الْحَافِظُ عَلِيُّ بْنُ عِرَاقٍ فِي كِتَابِ: تَنْزِيهِ الشَّرِيعَةِ الْمَرْفُوعَةِ عَنِ الْأَخْبَارِ الشَّنِيعَةِ الْمَوْضُوعَةِ، أَوْ فِي ذَمِّ مَنْ حَارَبَهُمْ، وَذَكَرَ بَعْضُ شُيُوخِي أَنَّهُ رَوَى عَنْ شَيْخِهِ الْحَافِظِ الْمُحَدِّثِ الْبُرْهَانِ النَّاجِي بِالنُّونِ أَنَّ مِنْ أَمَارَاتِ الْمَوْضُوعِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ، وَأُعْطَى ثَوَابُ نَبِيٍّ أَوِ النَّبِيِّينَ وَنَحْوِهِمَا. قُلْتُ: كَلَامُ السُّيُوطِيِّ وَابْنِ عِرَاقٍ لَيْسَ عَلَى الْإِطْلَاقِ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُقَيَّدًا بِمَا إِذَا وُجِدَ فِيهِ مُبَالَغَةٌ زَائِدَةٌ غَيْرُ مَعْرُوفَةٍ فِي مَدْحِ أَهْلِ الْبَيْتِ أَوْ ذَمِّ أَعْدَائِهِمْ، وَإِلَّا فَفَضْلُ أَهْلِ الْبَيْتِ وَذَمُّ مَنْ حَارَبَهُمْ أَمْرٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ عِنْدَ عُلَمَاءِ السُّنَّةِ وَأَكَابِرِ أَئِمَّةِ الْأُمَّةِ، ثُمَّ لَا يَلْزَمُ مِنْ أَكْثَرِيَّةِ الْمَحَبَّةِ تَحَقُّقُ الْأَفْضَلِيَّةِ إِذْ مَحَبَّةُ الْأَوْلَادِ، وَبَعْضِ الْأَقَارِبِ أَمْرٌ جِبِلِيٌّ مَعَ الْعِلْمِ الْقَطْعِيِّ بِأَنَّ غَيْرَهُمْ قَدْ يُوجَدُ أَفْضَلَ مِنْهُمْ وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَجَانِبِ فَالْأَفْضَلِيَّةُ تُوجِبُ زِيَادَةَ الْمَحَبَّةِ، وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالْأَحْوَالِ.

ص: 3976

6156 -

وَعَنْ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ رَبِيعَةَ، «أَنَّ الْعَبَّاسَ رضي الله عنه دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُغْضَبًا وَأَنَا عِنْدَهُ، فَقَالَ: " مَا أَغْضَبَكَ؟ " قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا لَنَا وَلِقُرَيْشٍ إِذَا تَلَاقَوْا بَيْنَهُمْ تَلَاقَوْا بِوُجُوهٍ مُبْشَرَةٍ. وَإِذَا لَقُونَا لَقُونَا بِغَيْرِ ذَلِكَ؟ فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى احْمَرَّ وَجْهُهُ، ثُمَّ قَالَ: " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَدْخُلُ قَلْبَ رَجُلٍ الْإِيمَانُ حَتَّى يُحِبَّكُمْ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ " ثُمَّ قَالَ: " أَيُّهَا النَّاسُ! مَنْ آذَى عَمِّي فَقَدْ آذَانِي، فَإِنَّمَا عَمُّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَفِي " الْمَصَابِيحِ " عَنِ الْمُطَّلِبِ.

ــ

6156 -

(وَعَنْ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ رَبِيعَةَ) أَيِ ابْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ الْهَاشِمِيِّ سَكَنَ الْمَدِينَةَ، ثُمَّ تَحَوَّلَ عَنْهَا إِلَى دِمَشْقَ وَمَاتَ بِهَا سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ. رَوَى عَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ، ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي فَصْلِ الصَّحَابَةِ. (أَنَّ الْعَبَّاسَ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُغْضَبًا) : بِصِيغَةِ الْمَفْعُولِ (وَأَنَا عِنْدَهُ فَقَالَ: " مَا أَغْضَبَكَ ") ؟ أَيْ: أَيُّ شَيْءٍ جَعَلَكَ غَضْبَانَ؟ (قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا لَنَا)، أَيْ: مَعْشَرَ بَنِي هَاشِمٍ (وَلِقُرَيْشٍ)، أَيْ: بَقِيَّتِهِمْ (إِذَا تَلَاقَوْا بَيْنَهُمْ تَلَاقَوْا بِوُجُوهٍ مُبْشَرَةٍ) عَلَى صِيغَةِ الْمَفْعُولِ مِنَ الْإِبْشَارِ. وَرُوِيَ مِنَ التَّبْشِيرِ، وَعَلَيْهِ بَعْضُ النُّسَخِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: كَذَا فِي جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ، وَفِي جَامِعِ الْأُصُولِ مُسْفِرَةٍ يَعْنِي عَلَى أَنَّهُ اسْمُ فَاعِلٍ مِنَ الْإِسْفَارِ بِمَعْنَى مُضِيئَةٍ. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: هُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ

ص: 3976

الْبَاءِ وَفَتْحِ الشِّينِ يُرِيدُ بِوُجُوهٍ عَلَيْهَا الْبِشْرُ مِنْ قَوْلِهِمْ: فُلَانٌ مُؤْدَمٌ مُبْشَرٌ إِذَا كَانَتْ لَهُ أَدَمَةٌ وَبَشَرَةٌ مَحْمُودَتَيْنِ. اهـ. وَالْمَعْنَى تَلَاقَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِوُجُوهٍ ذَاتِ بِشْرٍ وَبَسْطٍ. (وَإِذَا لَقُونَا) : بِضَمِّ الْقَافِ (لَقُونَا بِغَيْرِ ذَلِكَ) ؟ أَيْ بِوُجُوهٍ ذَاتِ قَبْضٍ وَعُبُوسٍ، وَكَأَنَّ وَجْهَهُ أَنَّهُمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ. (فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم)، أَيْ: مِنْ إِظْهَارِ ذَلِكَ أَوْ مِنْ أَصْلِ هَذِهِ الصِّفَةِ الذَّمِيمَةِ. (حَتَّى احْمَرَّ وَجْهُهُ) أَيِ اشْتَدَّ حُمْرَتُهُ مِنْ كَثْرَةِ غَضَبِهِ (ثُمَّ قَالَ: " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَدْخُلُ قَلْبَ رَجُلٍ الْإِيمَانُ ")، أَيْ: مُطْلَقًا وَأُرِيدَ بِهِ الْوَعِيدُ الشَّدِيدُ، أَوِ الْإِيمَانُ الْكَامِلُ، فَالْمُرَادُ بِهِ تَحْصِيلُهُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكِيدِ (" حَتَّى يُحِبَّكُمْ ")، أَيْ: أَهْلَ الْبَيْتِ (" لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ ") . أَيْ مِنْ حَيْثُ أَظْهَرَ رَسُولَهُ فِيكُمْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ، وَقَدْ كَانَ يَتَفَوَّهُ أَبُو جَهْلٍ حَيْثُ يَقُولُ: إِذَا كَانَ بَنُو هَاشِمٍ أَخَذُوا الرَّايَةَ وَالسِّقَايَةَ وَالنُّبُوَّةَ وَالرِّسَالَةَ فَمَا بَقِيَ لِبَقِيَّةِ قُرَيْشٍ (" ثُمَّ قَالَ: "؟ أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ آذَى عَمِّي ")، أَيْ: خُصُوصًا (" فَقَدْ آذَانِي ") أَيْ فَكَأَنَّهُ آذَانِي (" فَإِنَّمَا عَمُّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ ") . بِكَسْرِ الصَّادِ وَسُكُونِ نُونٍ أَيْ مِثْلُهُ، وَأَصْلُهُ أَنْ يَطَلَعَ نَخْلَتَانِ أَوْ ثَلَاثٌ مِنْ أَصْلِ عِرْقٍ وَاحِدٍ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُنَّ صِنْوٌ يَعْنِي مَا عَمُّ الرَّجُلِ وَأَبَوْهُ إِلَّا كَصِنْوَيْنِ مِنْ أَصْلٍ وَاحِدٍ، فَهُوَ مِثْلُ أَبِي أَوْ مِثْلِي. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) . أَيْ عَنْ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ (وَفِي الْمَصَابِيحِ، عَنِ الْمُطَّلِبِ) . قَالَ الْمُؤَلِّفُ: هُوَ الْمُطَّلِبُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ الْقُرَشِيُّ، كَانَ عَامِلًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِدَادُهُ فِي أَهْلِ الْحِجَازِ. وَرَوَى عَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ، قَدِمَ مِصْرَ لِغَزْوِ إِفْرِيقِيَّةَ سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ، وَلَمْ يَقَعْ إِلَى أَهْلِ الْحَدِيثِ عَنْهُ رِوَايَةٌ. اهـ. فَمَا وَقَعَ فِي الْمَصَابِيحِ سَهْوٌ سَبَبُهُ وَهْمٌ.

وَفِي الْجَامِعِ: رَوَى التِّرْمِذِيُّ! عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: الْعَبَّاسُ عَمُّ رَسُولِ اللَّهِ وَأَنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ، وَرَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا:" «الْعَبَّاسُ عَمِّي وَصِنْوُ أَبِي فَمَنْ شَاءَ فَلْيُبَاهِ بِعَمِّهِ» ". وَفِي ذَخَائِرِ الْعَقَبِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:«إِنَّ الْعَبَّاسَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لَنَخْرُجُ فَنَرَى قُرَيْشًا تَتَحَدَّثُ، فَإِذَا رَأَوْنَا سَكَتُوا، فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَدَرَّ عِرْقُ الْغَضَبِ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: " وَاللَّهِ لَا يَدْخُلُ قَلْبَ امْرِئٍ إِيمَانٌ حَتَّى يُحِبَّكُمْ لِلَّهِ وَلِقَرَابَتِي» ". رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِفَاطِمَةَ: " نَبِيُّنَا خَيْرُ الْأَنْبِيَاءِ وَهُوَ أَبُوكِ، وَشَهِيدُنَا خَيْرُ الشُّهَدَاءِ وَهُوَ عَمُّ أَبِيكِ حَمْزَةُ، وَمِنَّا مَنْ لَهُ جَنَاحَانِ يَطِيرُ بِهِمَا فِي الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَ وَهُوَ ابْنُ عَمِّ أَبِيكِ، وَمِنَّا سِبْطُ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَهُمَا ابْنَاكِ وَمِنَّا الْمَهْدِيُّ» ". أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ.

ص: 3977

6157 -

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " الْعَبَّاسُ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

ــ

6157 -

(وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " الْعَبَّاسُ مِنِّي ")، أَيْ: مِنْ أَقَارِبِي أَوْ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي أَوْ مُتَّصِلٌ بِي (" وَأَنَا مِنْهُ ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) وَكَذَا الْحَاكِمُ. وَرَوَى الْخَطِيبُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: " «الْعَبَّاسُ وَصِيِّي وَوَارِثِي» " وَكَانَ الْعَبَّاسُ أَكْبَرَ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم بِسَنَتَيْنِ، وَمِنْ لَطَائِفِ طَبْعِهِ وَحُسْنِ أَدَبِهِ أَنَّهُ لَمَّا قِيلَ لَهُ: أَنْتَ أَكْبَرُ أَمِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: هُوَ أَكْبَرُ وَأَنَا أَسَنُّ. قَلَّلَ الْمُؤَلِّفُ: وَأَمُّهُ امْرَأَةٌ مِنَ النَّمِرِ بْنِ قَاسِطٍ وَهِيَ أَوَّلُ عَرَبِيَّةٍ كَسَتِ الْكَعْبَةَ الْحَرِيرَ وَالدِّيبَاجَ وَأَصْنَافَ الْكِسْوَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَبَّاسَ ضَلَّ وَهُوَ صَبِيٌّ، فَنَذَرَتْ إِنْ وَجَدَتْهُ أَنْ تَكْسُوَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ فَوَجَدَتْهُ فَفَعَلَتْ ذَلِكَ، وَكَانَ الْعَبَّاسُ رَئِيسًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَإِلَيْهِ كَانَتْ عِمَارَةُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالسِّقَايَةُ، أَمَّا السِّقَايَةُ: فَهِيَ مَعْرُوفَةٌ، وَأَمَّا الْعِمَارَةُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ قُرَيْشًا عَلَى عِمَارَتِهِ وَتَرْكِ السِّبَابِ فِيهِ وَقَوْلَةِ الْهَجْرِ. قَالَ مُجَاهِدٌ: أَعْتَقَ الْعَبَّاسُ عِنْدَ مَوْتِهِ سَبْعِينَ مَمْلُوكًا، وُلِدَ قَبْلَ سَنَةِ الْفِيلِ، وَمَاتَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَجَبٍ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ، وَهُوَ ابْنُ ثَمَانٍ وَثَمَانِينَ، وَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ، وَكَانَ أَسْلَمَ قَدِيمًا وَكَتَمَ إِسْلَامَهُ، وَخَرَجَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ مُكْرَهًا. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:" «مَنْ لَقِيَ الْعَبَّاسَ فَلَا يَقْتُلْهُ فَإِنَّهُ خَرَجَ مُكْرَهًا» " فَأَسَرَهُ أَبُو الْيَسَرِ كَعْبُ بْنُ عُمَرَ، فَفَادَى نَفْسَهُ وَرَجَعَ إِلَى مَكَّةَ ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَى الْمَدِينَةِ مُهَاجِرًا، رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ.

ص: 3977

6158 -

وَعَنْهُ، قَالَ:«قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلْعَبَّاسِ: " إِذَا كَانَ غَدَاةَ الِاثْنَيْنِ فَأْتِنِي أَنْتَ وَوَلَدُكَ حَتَّى أَدْعُوَ لَهُمْ بِدَعْوَةٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهَا وَوَلَدَكَ " فَغَدَا وَغَدَوْنَا مَعَهُ، وَأَلْبَسَنَا كِسَاءَهُ ثُمَّ قَالَ: " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْعَبَّاسِ وَوَلَدِهِ مَغْفِرَةً ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً لَا تُغَادِرُ ذَنْبًا، اللَّهُمَّ احْفَظْهُ فِي وَلَدِهِ» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَزَادَ رَزِينٌ: " وَاجْعَلِ الْخِلَافَةَ بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ " وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.

ــ

6158 -

(وَعَنْهُ)، أَيْ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلْعَبَّاسِ: " إِذَا كَانَ غَدَاةَ الِاثْنَيْنِ ") : بِهَمْزَةِ وَصْلٍ وَقَدْ عَدُّوا قَوْلَ الشَّاعِرِ:

وَكُلُّ سِرٍّ جَاوَزَ الإِثْنَيْنِ شَاعْ

لَحْنًا لِعَدَمِ اتِّزَانِهِ إِلَّا بِهَمْزِ الْقَطْعِ مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ لِضَرُورَةِ الشِّعْرِ. (" فَائْتِنِي أَنْتَ وَوَلَدَيْكَ ") : بِفَتْحَتَيْنِ وَبِضَمٍّ وَسُكُونٍ أَيْ: أَوْلَادَكَ (حَتَّى أَدْعُوَ لَهُمْ)، أَيْ: لِلْأَوْلَادِ مَعَكَ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَهُوَ كَذَا فِي التِّرْمِذِيِّ وَفِي جَامِعِ الْأُصُولِ وَبَعْضِ نُسَخِ الْمَصَابِيحِ لَكُمْ. اهـ. وَالْمَعْنَى حَتَّى أَدْعُوَ لَكُمْ جَمِيعًا (بِدَعْوَةٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ وَوَلَدَكَ)، أَيْ وَيَنْفَعُ بِهَا أَوْلَادَكَ. (قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَغَدَا) ، أَيِ: الْعَبَّاسُ (وَغَدَوْنَا)، أَيْ: نَحْنُ مَعَاشِرَ الْأَوْلَادِ (مَعَهُ) وَالْمَعْنَى فَذَهَبْنَا جَمِيعَنَا إِلَيْهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبْعَدَ شَارِحٌ فِي قَوْلِهِ أَيْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَغَدَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (وَأَلْبَسَنَا)، أَيِ: النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم جَمِيعًا أَوْ نَحْنُ الْأَوْلَادَ مَعَ الْعَبَّاسِ (كِسَاءَهُ)، أَيْ: لِبَاسَهُ الْخَاصَّ عَلَى وَجْهِ الِاخْتِصَاصِ وَإِرَادَةِ الْإِخْلَاصِ (ثُمَّ قَالَ: " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْعَبَّاسِ وَوَلَدِهِ ")، أَيْ: أَوْلَادِهِ (" مَغْفِرَةً ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ")، أَيْ: مَا ظَهَرَ مِنَ الذُّنُوبِ وَمَا بَطَنَ مِنَ الْعُيُوبِ الَّتِي لَمْ يَعْلَمْهَا إِلَّا عَلَّامُ الْغُيُوبِ (" لَا تُغَادِرُ ")، أَيْ: لَا تَتْرُكُ تِلْكَ الْمَغْفِرَةُ (" ذَنْبًا ")، أَيْ: غَيْرَ مَغْفُورٍ (" اللَّهُمَّ احْفَظْهُ فِي وَلَدِهِ) . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَزَادَ رَزِينٌ:" وَاجْعَلِ الْخِلَافَةَ بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ ". (وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) . قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: أَشَارَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ إِلَى أَنَّهُمْ خَاصَّتُهُ وَأَنْعَمَ بِمَثَابَةِ النَّفْسِ الْوَاحِدَةِ الَّتِي يَشْمَلُهَا كِسَاءٌ وَاحِدٌ، وَأَنَّهُ يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَبْسُطَ عَلَيْهِمْ رَحْمَتَهُ بَسْطَ الْكِسَاءِ عَلَيْهِمْ، وَأَنَّهُ يَجْعَلُهُمْ فِي الْآخِرَةِ تَحْتَ لِوَائِهِ، وَفِي هَذِهِ الدَّارِ تَحْتَ رَايَتِهِ. لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَنُصْرَةِ دَعْوَةِ رَسُولِهِ، اللَّهُمَّ احْفَظْهُ فِي وَلَدِهِ أَيْ: أَكْرِمْهُ وَرَاعِ أَمْرَهُ كَيْلَا يَضِيعَ فِي شَأْنِ وَلَدِهِ، وَهَذَا مَعْنَى رِوَايَةِ رَزِينٍ وَاجْعَلِ الْخِلَافَةَ بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ.

ص: 3978

6159 -

«وَعَنْهُ أَنَّهُ رَأَى جِبْرَئِيلَ مَرَّتَيْنِ، وَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّتَيْنِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

ــ

6159 -

(وَعَنْهُ)، أَيْ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّهُ)، أَيِ: ابْنَ عَبَّاسٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ شَارِحٌ (رَأَى جِبْرِيلَ مَرَّتَيْنِ) : رَوَى ابْنُ النَّجَّارِ «عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَأَبِي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِ قُلْتُ لِأَبِي: أَمَا رَأَيْتَ الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا رَأَيْتُ رَجُلًا أَحْسَنَ وَجْهًا مِنْهُ. فَقَالَ لِي: أَهْوَ كَانَ أَحْسَنَ وَجْهًا أَمِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم؟ قُلْتُ: هُوَ، قَالَ: فَارْجِعْ بِنَا فَرَجَعْنَا حَتَّى دَخَلْنَا عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ أَبِي: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ مَعَكَ؟ زَعَمَ عَبْدُ اللَّهِ أَنَّهُ كَانَ أَحْسَنَ وَجْهًا مِنْكَ. قَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ رَأَيْتَهُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: أَمَا إِنَّ ذَلِكَ جِبْرِيلُ، أَمَا إِنَّهُ حِينَ دَخَلْتُمَا قَالَ لِي: يَا مُحَمَّدُ مَنْ هَذَا الْغُلَامُ؟ قُلْتُ: ابْنُ عَمِّي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ. قَالَ: إِنَّهُ لَمَحَلٌّ لِلْخَيْرِ، قُلْتُ: يَا رُوحَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ لَهُ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ مِنْهُ كَثِيرًا طَيِّبًا» اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ (أَحْسَنَ) يَحْتَاجُ إِلَى تَوْجِيهٍ حَسَنٍ وَتَأْوِيلٍ مُسْتَحْسَنٍ، وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا رَآهُ أَوَّلَ نَظْرَةٍ اسْتَحْسَنَهُ بِحَيْثُ إِنَّهُ ظَنَّ أَنَّهُ أَحْسَنُ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ فِي الْمَرْئِيَّاتِ الْمُسْتَحْسَنَةِ أَوَّلًا، أَوْ لِأَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ مُتَوَجِّهًا إِلَيْهِ مُنْبَسِطًا عَلَيْهِ، أَوْ لِعَدَمِ تَمْيِيزِ ابْنِ عَبَّاسٍ حِينَئِذٍ مَعَ الْمُنَاسَبَةِ الطُّفُولِيَّةِ الْمُشَابِهَةِ بِالصِّفَةِ الْمِلْكِيَّةِ الَّتِي كَأَنَّهَا عِلَّةُ الضَّمِّ مِنَ الْجِنْسِيَّةِ، وَإِلَّا فَجِبْرِيلُ عليه السلام كَانَ يَظْهَرُ عَلَى صُورَةِ دِحْيَةَ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ كَانَ أَحْسَنَ صُورَةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (وَدَعَا لَهُ)، أَيْ: لِابْنِ عَبَّاسٍ (رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّتَيْنِ) . أَيْ مَرَّةً بِإِعْطَاءِ الْحِكْمَةِ أَوْ عِلْمِ الْكِتَابِ حِينَ ضَمَّهُ إِلَى صَدْرِهِ، وَمَرَّةً بِتَعْلِيمِ الْفِقْهِ حِينَ خَدَمَهُ بِوَضْعِ مَاءِ وُضُوئِهِ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) .

ص: 3978

6160 -

«وَعَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: دَعَا لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُؤْتِيَنِي اللَّهُ الْحِكْمَةَ مَرَّتَيْنِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

ــ

6160 -

(وَعَنْهُ)، أَيْ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّهُ قَالَ: دَعَا لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُؤْتِيَنِي اللَّهُ الْحِكْمَةَ)، أَيِ: الْعِلْمَ بِأُصُولِ الشَّرِيعَةِ وَفُرُوعِهَا (مَرَّتَيْنِ) أَيْ مَرَّةً بِلَفْظِ الْحِكْمَةِ، وَمَرَّةً بِعِبَارَةِ الْفِقْهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا فِي مَجْلِسَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) .

ص: 3978

6161 -

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: «كَانَ جَعْفَرٌ يُحِبُّ الْمَسَاكِينَ وَيَجْلِسُ إِلَيْهِمْ، وَيُحَدِّثُهُمْ وَيُحَدِّثُونَهُ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُكَنِّيهِ بِأَبِي الْمَسَاكِينِ.» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

ــ

6161 -

(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ جَعْفَرٌ يُحِبُّ الْمَسَاكِينَ)، أَيْ: مَحَبَّةً زَائِدَةً (وَيَجْلِسُ إِلَيْهِمْ) أَيْ وَيَتَوَاضَعُ لَدَيْهِمْ (وَيُحَدِّثُهُمْ وَيُحَدِّثُونَهُ) أَيْ بِالْمُؤَانَسَةِ (فَكَانَ) : وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ: وَكَانَ (رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَكُنِّيهِ)، أَيْ: لِكَثْرَةِ مَا ذُكِرَ (بِأَبِي الْمَسَاكِينِ) . أَيْ: مُلَازِمُهُمْ وَمُدَاوِمُهُمْ، كَمَا كَنَّى عَلِيًّا بِأَبِي تُرَابٍ لِمُبَاشَرَتِهِ وَمُعَاشَرَتِهِ بِقُعُودِهِ وَرُقُودِهِ عَلَيْهِ، وَكَمَا يُقَالُ لِلصُّوفِيِّ: أَبُو الْوَقْتِ وَابْنُ الْوَقْفِ، وَلِلْمُسَافِرِ ابْنُ السَّبِيلِ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) .

ص: 3979

6162 -

وَعَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «رَأَيْتُ جَعْفَرًا يَطِيرُ فِي الْجَنَّةِ مَعَ الْمَلَائِكَةِ» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.

ــ

6162 -

(وَعَنْهُ)، أَيْ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ جَعْفَرًا يَطِيرُ) ، أَيْ: بِأَجْنِحَةٍ رُوحَانِيَّةٍ أَوْ جُسْمَانِيَّةٍ (" فِي الْجَنَّةِ مَعَ الْمَلَائِكَةِ ") . قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: كَانَ جَعْفَرٌ قَدْ أُصِيبَ بِمَؤْتَةَ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ، وَهُوَ أَمِيرٌ بِيَدِهِ رَايَةُ الْإِسْلَامِ بَعْدَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ فَقَاتَلَ فِي اللَّهِ حَتَّى قُطِعَتْ يَدَاهُ وَرِجْلَاهُ، فَأُرِي نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا كُوشِفَ؟ أَنَّ لَهُ جَنَاحَيْنِ مُلَطَّخَيْنِ بِالدَّمِ يَطِيرُ بِهِمَا فِي الْجَنَّةِ مَعَ الْمَلَائِكَةِ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) .

ص: 3979

6163 -

وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

ــ

6163 -

(وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ» ") . قَالَ الْمُظْهِرُ: يَعْنِي هُمَا أَفْضَلُ مَنْ مَاتَ شَابًّا فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِنْ أَصْحَابِ الْجَنَّةِ، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ سِنَّ الشَّبَابِ، لِأَنَّهُمَا مَاتَا وَقَدْ كَهِلًا، بَلْ مَا يَفْعَلُهُ الشَّبَابُ مِنَ الْمُرُوَّةِ كَمَا يُقَالُ: فُلَانٌ فَتًى وَإِنْ كَانَ شَيْخًا يُشِيرُ إِلَى مُرُوَّتِهِ وَفُتُوَّتِهِ، أَوْ أَنَّهُمَا سَيِّدَا أَهْلِ الْجَنَّةِ سِوَى الْأَنْبِيَاءِ وَالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ كُلَّهُمْ فِي سِنٍّ وَاحِدٍ وَهُوَ الشَّبَابُ، وَلَيْسَ فِيهِمْ شَيْخٌ وَلَا كَهْلٌ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ هُمَا الْآنَ سَيِّدَا شَبَابِ مَنْ هُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنْ شَبَابِ هَذَا الزَّمَانِ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) : وَكَذَا أَحْمَدُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ عُمَرَ وَعَنْ عَلِيٍّ وَعَنْ جَابِرٍ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَعَنِ الْبَرَاءِ، وَابْنِ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ - وَالْحَاكِمُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَلَفْظُهُ:" «الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَبُوهُمَا خَيْرٌ مِنْهُمَا» ". وَكَذَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ قُرَّةَ وَعَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ، وَالْحَاكِمُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى وَابْنُ حِبَّانَ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ بِلَفْظِ:" «الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِلَّا ابْنَيِ الْخَالَةِ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ وَيَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا، وَفَاطِمَةُ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ» ".

ص: 3979

6164 -

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «إِنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ هُمَا رَيْحَانَيَّ مِنَ الدُّنْيَا» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَدْ سَبَقَ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ.

ــ

6164 -

(وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " إِنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ هُمَا رَيْحَانَيَّ ") : بِفَتْحِ نُونٍ وَتَشْدِيدِ يَاءٍ كَمَا سَبَقَ، وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ مَا رَيْحَانَايَ، وَفِي نُسْخَةٍ رَيْحَانِي بِكَسْرِ النُّونِ (" مِنَ الدُّنْيَا " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَدْ سَبَقَ)، أَيْ: هَذَا الْحَدِيثُ (فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ) قَالَ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ: فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى الِاعْتِرَاضِ عَلَى صَاحِبِ الْمَصَابِيحِ، قُلْتُ: وَيُدْفَعُ بِأَنَّ الْأَوَّلَ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ وَقَعَتْ فِي مَحَلِّهِ، وَهَذَا رِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ جَاءَ فِي مَوْضِعِهِ فَلَا تَكْرَارَ مَعَ أَنَّ اللَّفْظَيْنِ مُتَغَايِرَانِ فِي الْجُمْلَةِ.

ص: 3979

6165 -

وَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنهما قَالَ: «طَرَقْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي بَعْضِ الْحَاجَةِ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى شَيْءٍ لَا أَدْرِي مَا هُوَ، فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنْ حَاجَتِي قُلْتُ: مَا هَذَا الَّذِي أَنْتَ مُشْتَمِلٌ عَلَيْهِ؟ فَكَشَفَهُ، فَإِذَا الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ عَلَى وَرِكَيْهِ. فَقَالَ: " هَذَانِ ابْنَايَ وَابْنَا ابْنَتِي، اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُمَا» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

ــ

6165 -

(وَعَنْ أَسَامِةَ بْنِ زَيْدٍ)، أَيِ: ابْنِ حَارِثَةَ (قَالَ: طَرَقْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم) أَيْ: طَلَبْتُ الطَّرِيقَ إِلَيْهِ فَفِي الْقَامُوسِ الطَّرْقُ الْإِتْيَانُ بِاللَّيْلِ كَالطُّرُوقِ، فَفِي الْكَلَامِ تَجْرِيدٌ أَوْ تَأْكِيدٌ، وَالْمَعْنَى أَتَيْتُهُ (ذَاتَ لَيْلَةٍ)، أَيْ: لَيْلَةً مِنَ اللَّيَالِي، وَذَاتَ: مُقْحَمَةٌ لِتَأْكِيدِ الْإِبْهَامِ (فِي بَعْضِ الْحَاجَةِ) أَيْ: لِأَجْلِ غَرَضِ حَاجَةٍ مِنَ الْحَاجَاتِ الْحَادِثَةِ فِي الْأَوْقَاتِ (فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُشْتَمِلٌ)، أَيْ: مُحْتَجِبٌ (عَلَى شَيْءٍ لَا أَدْرِي مَا هُوَ، فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنْ حَاجَتِي قُلْتُ: مَا هَذَا الَّذِي أَنْتَ مُشْتَمِلٌ عَلَيْهِ؟ فَكَشَفَهُ) أَيْ: أَزَالَ مَا عَلَيْهِ مِنَ الْحِجَابِ، أَوِ الْمَعْنَى فَكَشَفَ الْحِجَابَ عَنْهُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْحَذْفِ وَالْإِيصَالِ (فَإِذَا الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ عَلَى وَرِكَيْهِ) بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ وَفِي الْقَامُوسِ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ وَكَكَتِفٍ مَا فَوْقَ الْفَخِذِ. (فَقَالَ:" هَذَانِ ابْنَايَ ") ، أَيْ: حُكْمًا (" وَابْنَا ابْنَتِي ") أَيْ: حَقِيقَةً (" «اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُمَا» ") . وَلَعَلَّ الْمَقْصُودَ مِنْ إِظْهَارِ هَذَا الدُّعَاءِ حَمْلُ أُسَامَةَ زِيَادَةً عَلَى مَحَبَّتِهِمَا (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) .

ص: 3980

6166 -

وَعَنْ سَلْمَى، قَالَتْ: دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنهما وَهِيَ تَبْكِي فَقُلْتُ: مَا يُبْكِيكِ؟ قَالَتْ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَعْنِي فِي الْمَنَامِ - وَعَلَى رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ التُّرَابُ فَقُلْتُ: مَا لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " شَهِدْتُ قَتْلَ الْحُسَيْنِ آنِفًا " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.

ــ

6166 -

(وَعَنْ سَلْمَى) : بِفَتْحِ أَوَّلِهِ؛ زَوْجَةُ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَابِلَةُ إِبْرَاهِيمَ ابْنِ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَوَى عَنْهَا ابْنُهَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ (قَالَتْ: دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ) : وَهِيَ مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ (وَهِيَ تَبْكِي) : أَخْرَجَ أَحْمَدُ فِي الْمَنَاقِبِ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ مُنْذِرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ حَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ يَقُولُ: مَنْ دَمِعَتْ عَيْنَاهُ فِينَا دَمْعَةً أَوْ قَطَرَتْ عَيْنَاهُ فِينَا قَطْرَةً آتَاهُ اللَّهُ عز وجل الْجَنَّةَ. (فَقُلْتُ: مَا يُبْكِيكِ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ كَافَيْهِ (قَالَتْ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - تَعْنِي فِي الْمَنَامِ -) : هَذَا مِنْ كَلَامِ سَلْمَى، أَوْ مِمَّنْ بَعْدَهَا أَيْ: تُرِيدُ أُمُّ سَلَمَةَ بِالرُّؤْيَةِ الرُّؤْيَةَ فِي الْمَنَامِ (وَعَلَى رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ التُّرَابُ)، أَيْ: أَثَرُهُ مِنَ الْغُبَارِ (فَقُلْتُ: مَا لَكَ)، أَيْ: مِنَ الْحَالِ (يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " شَهِدْتُ ")، أَيْ: حَضَرْتُ (" قَتْلَ الْحُسَيْنِ آنِفًا ") : بِمَدِّ الْهَمْزَةِ وَيَجُوزُ قَصْرُهَا أَيْ: هَذِهِ السَّاعَةَ الْقَرِيبَةَ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) . قَالَ مِيرَكُ: رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ وَفِي سَنَدِهِ حَسَنُ بْنُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ يَضْعُفُ. قَالَ الذَّهَبِيُّ: وَلَمْ يَصِحَّ خَبَرُهُ. قُلْتُ: لِكَنْ يُقَوِّيَهُ خَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ الْآتِي فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ.

ص: 3980

6167 -

وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيُّ أَهْلِ بَيْتِكَ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: " الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ " وَكَانَ يَقُولُ لِفَاطِمَةَ: " ادْعِي لِي ابْنَيَّ " فَيَشُمُّهُمَا وَيَضُمُّهُمَا إِلَيْهِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.

ــ

6167 -

(وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيُّ أَهْلِ بَيْتِكَ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: " الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ " وَكَانَ يَقُولُ لِفَاطِمَةَ: " ادْعِي لِي ") : بِسُكُونِ الْيَاءِ وَفَتْحِهَا أَيِ: اطْلُبِي لِأَجْلِيَ (" ابْنَيَّ ") : بِصِيغَةِ التَّثْنِيَةِ (فَيَشُمُّهُمَا) : بِضَمِّ الشِّينِ وَقَدْ يُفْتَحُ فَفِي الْقَامُوسِ الشَّمُّ حَسُّ الْأَنْفِ شَمِمْتُهُ بِالْكَسْرِ أَشَمُّهُ بِالْفَتْحِ وَشَمَمْتُهُ أَشُمُّهُ بِالضَّمِّ قَالَ غَيْرُهُ: شَمِمْتُ الشَّيْءَ مِنْ بَابِ (فَرِحَ) وَجَاءَ مِنْ بَابِ نَصَرَ لُغَةً فِيهِ، وَالْمَعْنَى فَيَحْضُرَانِ فَيَشُمُّهُمَا لِأَنَّهُمَا رَيْحَانَاهُ (وَيَضُمُّهُمَا إِلَيْهِ) . أَيْ: بِالِاعْتِنَاقِ وَالِاحْتِضَانِ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) . وَفِي الذَّخَائِرِ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَعَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ قَالَ: جَاءَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ يَسْتَبِقَانِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَجَاءَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ، فَجَعَلَ يَدَهُ فِي عُنُقِهِ فَضَمَّهُ إِلَى بَطْنِهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ جَاءَ الْآخَرُ فَجَعَلَ يَدَهُ الْأُخْرَى فِي رَقَبَتِهِ ثُمَّ ضَمَّهُ إِلَى بَطْنِهِ صلى الله عليه وسلم وَقَبَّلَ هَذَا ثُمَّ قَبَّلَ هَذَا، ثُمَّ قَالَ:" «إِنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبُّوهُمَا أَيُّهَا النَّاسُ الْوَلَدُ مَبْخَلَةٌ مَجْبَنَةٌ مَجْهَلَةٌ» ". رَوَاهُ أَحْمَدُ.

ص: 3980

6168 -

وَعَنْ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُنَا، إِذْ جَاءَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ عَلَيْهِمَا قَمِيصَانِ أَحْمَرَانِ يَمْشِيَانِ وَيَعْثُرَانِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْمِنْبَرِ فَحَمَلَهُمَا وَوَضَعَهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: " صَدَقَ اللَّهُ (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ نَظَرْتُ إِلَى هَذَيْنِ الصَّبِيَّيْنِ يَمْشِيَانِ وَيَعْثُرَانِ فَلَمْ أَصْبِرْ حَتَّى قَطَعْتُ حَدِيثِي وَرَفَعْتُهُمَا» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ.

ــ

6168 -

(وَعَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُنَا إِذْ جَاءَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ عَلَيْهِمَا: وَفِي نُسْخَةٍ بِزِيَادَةِ الْوَاوِ الْحَالِيَّةِ (قَمِيصَانِ أَحْمَرَانِ)، أَيْ: فِيهِمَا خُطُوطٌ حُمْرٌ (يَمْشِيَانِ وَيَعْثُرَانِ)، بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ وَيَجُوزُ تَثْلِيثُهَا فَفِي الْقَامُوسِ: عَثَرَ كَضَرَبَ وَنَصَرَ وَعَلِمَ وَكَرَمَ كَبَا، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمَا يَسْقُطَانِ عَلَى الْأَرْضِ لِصِغَرِهِمَا وَقِلَّةِ قُوَّتِهِمَا، وَفِي رِوَايَةِ الْكَشَّافِ يَعْثُرَانِ وَيَقُومَانِ (فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْمِنْبَرِ فَحَمَلَهُمَا)، أَيْ: عَلَى كَتِفَيْهِ (وَوَضَعَهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: " صَدَقَ اللَّهُ ")، أَيْ: فِي قَوْلِهِ: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ} [التغابن: 15] أَيْ: بِالْخِطَابِ الْعَامِّ فِتْنَةٌ أَيْ: مِحْنَةٌ (" فَنَظَرْتُ إِلَى هَذَيْنِ الصَّبِيَّيْنِ يَمْشِيَانِ وَيَعْثُرَانِ فَلَمْ أَصْبِرْ ")، أَيْ: عَنْهُمَا لِتَأْثِيرِ الرَّحْمَةِ وَالرِّقَّةِ فِي قَلْبِي (حَتَّى قَطَعْتُ حَدِيثِي)، أَيْ: كَلَامِي! فِي الْخُطْبَةِ (" وَرَفَعْتُهُمَا ")، أَيْ: عِنْدِي لِيَحْصُلَ لَهُمَا الرِّفْعَةُ عِنْدَ اللَّهِ وَعَنْدَ خَلْقِهِ (ثُمَّ أَخَذَ فِي خُطْبَتِهِ) . عَلَى مَا فِي الْكَشَّافِ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ) . وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ.

ص: 3981

6169 -

وَعَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «حُسَيْنٌ مِنِّي وَأَنَا مِنْ حُسَيْنٍ، أَحَبَّ اللَّهُ مَنْ أَحَبَّ حُسَيْنًا، حُسَيْنٌ سِبَطٌ مِنَ الْأَسْبَاطِ» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

ــ

6169 -

(وَعَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ) : بِضَمٍّ فَتَشْدِيدٍ ثَقَفِيٌّ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ وَخَيْبَرَ وَالْفَتْحَ وَحُنَيْنًا وَالطَّائِفَ، رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ، وَعِدَادُهُ فِي الْكُوفِيِّينَ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «حُسَيْنٌ مِنِّي وَأَنَا مِنْ حُسَيْنٍ» ") قَالَ الْقَاضِي: كَأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم عَلِمَ بِنُورِ الْوَحْيِ مَا سَيَحْدُثُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَوْمِ فَخَصَّهُ بِالذِّكْرِ وَبَيَّنَ أَنَّهُمَا كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ فِي وُجُوبِ الْمَحَبَّةِ وَحُرْمَةِ التَّعَرُّضِ وَالْمُحَارَبَةِ وَأَكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (" «أَحَبَّ اللَّهُ مَنْ أَحَبَّ حُسَيْنًا» ") ، فَإِنَّ مَحَبَّتَهُ مَحَبَّةُ الرَّسُولِ، وَمَحَبَّةُ الرَّسُولِ مَحَبَّةُ اللَّهِ (" حُسَيْنٌ سِبَطٌ ") : بِكَسْرِ السِّينِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ: وَلَدُ ابْنَتِي (" مِنَ الْأَسْبَاطِ ") ، وَمَأْخَذُهُ مِنَ السَّبْطِ بِالْفَتْحِ وَهِيَ شَجَرَةٌ لَهَا أَغْصَانٌ كَثِيرَةٌ، وَأَصْلُهَا وَاحِدٌ. كَانَ الْوَالِدُ. بِمَنْزِلَةِ الشَّجَرَةِ، وَالْأَوْلَادُ بِمَنْزِلَةِ أَغْصَانِهَا. وَقِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّهُ أُمَّةٌ مِنَ الْأُمَمِ فِي الْخَيْرِ. قَالَ الْقَاضِي: السِّبَطُ وَلَدُ الْوَلَدِ أَيْ: هُوَ مِنْ أَوْلَادِ أَوْلَادِي أَكَّدَ بِهِ الْبَعْضِيَّةَ وَقَرَّرَهَا. وَيُقَالُ لِلْقَبِيلَةِ قَالَ تَعَالَى: {وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا} [الأعراف: 160] أَيْ: قَبَائِلَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ هَا هُنَا عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يَتَشَعَّبُ مِنْهُ قَبِيلَةٌ، وَيَكُونُ مِنْ نَسْلِهِ خَلْقٌ كَثِيرٌ، يَكُونُ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ نَسْلَهُ يَكُونُ أَكْثَرَ وَأَبْقَى، وَكَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) . وَكَذَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ. وَعَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ قَالَ: وَفَدَ الْمِقْدَامُ بْنُ مَعْدِ يكَرِبَ وَعَمْرُو بْنُ الْأَسْوَدِ إِلَى مُعَاوِيَةَ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ لِلْمِقْدَامِ: أَعَلِمْتَ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ تُوُفِّيَ، فَرَجَعَ الْمِقْدَامُ فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: أَتَرَاهَا مُصِيبَةً، وَقَدْ وَضَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حِجْرِهِ. وَقَالَ:«هَذَا مِنِّي وَحُسَيْنٌ مِنْ عَلِيٍّ» . أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَهُوَ لَا يُنَافِي مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ عَسَاكِرَ عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ مَرْفُوعًا:" «الْحَسَنُ مِنِّي وَالْحُسَيْنُ مِنْ عَلِيٍّ» " لِأَنَّهُ أَرَادَ قِسْمَةَ الْوَالِدَيْنِ لِلْأَبَوَيْنِ، فَالْكَبِيرُ لِلْجَدِّ وَالصَّغِيرُ لِلْأَبِ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي الْعُرْفِ، وَلَفْظُ الْجَامِعِ:«حُسَيْنٌ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ أَحَبُّ اللَّهُ مَنْ أَحَبَّ حُسَيْنًا» . «الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ سِبْطَانِ مِنَ الْأَسْبَاطِ» . أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرِدِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ عَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ.

ص: 3981

6170 -

وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: الْحَسَنُ أَشْبَهَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا بَيْنَ الصَّدْرِ إِلَى الرَّأْسِ، وَالْحُسَيْنُ أَشْبَهَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَا كَانَ أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

ــ

6170 -

(وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: الْحَسَنُ أَشْبَهَ) : فِعْلٌ مَاضٍ أَيْ: شَابَهَ فِي الصُّورَةِ (رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا بَيْنَ الصَّدْرِ إِلَى الرَّأْسِ)، قَالَ الطِّيبِيُّ: بَدَلٌ مِنَ الْفَاعِلِ الْمُضْمَرِ فِي أَشْبَهَ أَوْ مِنَ الْمَفْعُولِ بَدَلُ الْبَعْضِ، وَكَذَا قَوْلُهُ الْآتِي مَا كَانَ أَسْفَلَ (وَالْحُسَيْنُ أَشْبَهَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَا كَانَ أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ) . أَيْ: كَالسَّاقِ وَالْقَدَمِ، فَكَانَ الْأَكْبَرُ أَخَذَ الشَّبَهَ الْأَقْدَمَ لِكَوْنِهِ أَسْبَقَ وَالْبَاقِي لِلْأَصْغَرِ قَدْ تَحَقَّقَ، وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّهُمَا لَمْ يَأْخُذَا شَبَهًا كَبِيرًا مِنْ وَالِدَيْهِمَا (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) . وَكَذَا أَبُو حَاتِمٍ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ.

ص: 3981

6171 -

«وَعَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ لِأُمِّي: دَعِينِي آتِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأُصَلِّي مَعَهُ الْمَغْرِبَ وَأَسْأَلُهُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِي وَلَكِ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّيْتُ مَعَهُ الْمَغْرِبَ، فَصَلَّى حَتَّى صَلَّى الْعِشَاءَ، ثُمَّ انْفَتَلَ فَتَبِعْتُهُ، فَسَمِعَ صَوْتِي، فَقَالَ: " مَنْ هَذَا؟ حُذَيْفَةُ؟ " قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: " مَا حَاجَتُكَ؟ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ وَلِأُمِّكِ، إِنَّ هَذَا مَلَكٌ لَمْ يَنْزِلِ الْأَرْضَ قَطُّ قَبْلَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ، اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيَّ وَيُبَشِّرَنِي بِأَنَّ فَاطِمَةَ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَأَنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.

ــ

6171 -

(وَعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قُلْتُ لِأُمِّي: دَعِينِي)، أَيِ: اتْرُكِينِي وَخَلِّي سَبِيلِي (آتِي) : بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ فَهُوَ اسْتِئْنَافٌ أَيْ: أَنَا آتِي (النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأُصَلِّي مَعَهُ الْمَغْرِبَ) : وَلَعَلَّهَا كَانَتْ تَمْنَعُهُ لِبُعْدِ مَحَلِّهِ خَوْفًا عَلَيْهِ أَوْ عَلَيْهَا (وَأَسْأَلُهُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِي وَلَكِ)، أَيْ: فَأَذِنَتْ لِي (فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّيْتُ مَعَهُ الْمَغْرِبَ، فَصَلَّى)، أَيِ: النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم النَّوَافِلَ (حَتَّى صَلَّى الْعِشَاءَ، ثُمَّ انْفَتَلَ)، أَيِ: انْصَرَفَ وَرَجَعَ (فَتَبِعْتُهُ، فَسَمِعَ صَوْتِي)، أَيْ: صَوْتَ حَرَكَةِ رِجْلِي (فَقَالَ: " مَنْ هَذَا؟ حُذَيْفَةُ ") ؟ أَيْ: فَقَالَ قَبْلَ جَوَابِي! حُذَيْفَةُ لِمَا عَلِمَ مِنْ نُورِ النُّبُوَّةِ أَوْ طَرِيقِ الْفَرَاسَةِ، وَهُوَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ: أَهَذَا أَوْ هُوَ أَوْ أَنْتَ حُذَيْفَةُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: " مَا حَاجَتُكَ؟ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ وَلِأُمِّكِ) ، وَهَذَا إِبْهَامٌ وَتَبْيِينٌ لِلْحَاجَةِ السَّابِقَةِ ثُمَّ اسْتَأْنَفَ وَقَالَ: (" إِنَّ هَذَا ") ، أَيِ: الْمَحْسُوسَ عِنْدَهُ صلى الله عليه وسلم الْمَلْحُوظَ حُكْمًا عِنْدَ حُذَيْفَةَ (" مَلَكٌ لَمْ يَنْزِلِ الْأَرْضَ قَبْلَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ ") ، فِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى تَعْظِيمِ الْأَمْرِ الَّذِي نَزَلَ فِيهِ (" اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيَّ وَيُبَشِّرَنِي بِأَنَّ فَاطِمَةَ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَأَنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) . وَفِي الذَّخَائِرِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ.

ص: 3982

6172 -

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَامِلًا الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ عَلَى عَاتِقِهِ، قَالَ رَجُلٌ: نِعْمَ الْمَرْكَبُ رَكِبْتَ يَا غُلَامُ! فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " وَنِعْمَ الرَّاكِبُ هُوَ» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

ــ

6172 -

(وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَامِلًا الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ) : وَفِي رِوَايَةٍ حَامِلًا لِلْحَسَنِ (عَلَى عَاتِقِهِ) : بِكَسْرِ التَّاءِ أَيْ: مَا بَيْنَ مَنْكِبَيْهِ وَعُنُقِهِ (فَقَالَ رَجُلٌ: نِعْمَ الْمَرْكَبُ)، أَيْ: هُوَ (رَكِبْتَ)، أَيْ: رَكِبْتَهُ (يَا غُلَامُ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " وَنِعْمَ الرَّاكِبُ هُوَ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) . أَيْ: وَقَالَ غَرِيبٌ.

ص: 3982

6173 -

«وَعَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ فَرَضَ لِأُسَامَةَ فِي ثَلَاثَةِ آلَافٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَفَرَضَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فِي ثَلَاثَةِ آلَافٍ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لِأَبِيهِ: لِمَ فَضَّلْتَ أُسَامَةَ عَلَيَّ؟ فَوَاللَّهِ مَا سَبَقَنِي إِلَى مَشْهَدٍ. قَالَ: لِأَنَّ زَيْدًا كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَبِيكَ، وَكَانَ أُسَامَةُ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ صلى الله عليه وسلم مِنْكَ فَآثَرْتُ حِبَّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى حِبِّي» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

ــ

6173 -

(وَعَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ فَرَضَ)، أَيْ: قَدَّرَ فِي إِمَارَتِهِ (وَظِيفَةً لِأُسَامَةَ فِي ثَلَاثَةِ آلَافٍ وَخَمْسِمِائَةٍ)، أَيْ: مِنْ أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ رِزْقًا لَهُ (وَفَرَضَ)، أَيْ: عُمَرُ (لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَيْ: وَلَدِهِ بَلْ أَعَزُّ أَوْلَادِهِ (فِي ثَلَاثَةِ آلَافٍ)، أَيْ: بِنَقْصِ خَمْسِمِائَةٍ مِنْ وَظِيفَةِ أُسَامَةَ (فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لِأَبِيهِ: لِمَ فَضَّلْتَ أُسَامَةَ عَلَيَّ) ؟ أَيْ: فِي الْوَظِيفَةِ الْمُشْعِرَةِ بِزِيَادَةِ الْفَضِيلَةِ (فَوَاللَّهِ مَا سَبَقَنِي إِلَى مَشْهَدٍ) . أَيْ: مَحْضَرٍ مِنَ الْخَيْرِ عِلْمًا وَعَمَلًا. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: أَرَادَ بِالْمَشْهَدِ مَشْهَدَ الْقِتَالِ وَمَعْرَكَةَ الْكُفَّارِ (قَالَ: لِأَنَّ زَيْدًا)، أَيْ: أَبَا أُسَامَةَ (كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَبِيكَ) ، فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ أَحَدٌ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَ (وَكَانَ أُسَامَةُ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْكَ)، وَسَبَبُهُ أَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ فَإِنَّ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ (فَآثَرْتُ) : بِهَمْزٍ مَمْدُودٍ أَيِ: اخْتَرْتُ (حِبَّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) : بِكَسْرِ الْحَاءِ وَقَدْ يُضَمُّ أَيْ: مَحْبُوبَهُ (عَلَى حُبِّي) . أَيْ: مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ مُلَاحَظَةِ الْفَضِيلَةِ، بَلْ رِعَايَةً لِجَانِبِ الْمَحَبَّةِ وَإِيثَارًا لِلْمَوَدَّةِ وَمُخَالَفَةً لِمَا تَشْتَهِيهِ النَّفْسُ مِنْ مَزِيَّةِ الزِّيَادَةِ الظَّاهِرَةِ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) .

ص: 3982

6174 -

«وَعَنْ جَبَلَةَ بْنِ حَارِثَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! ابْعَثْ مَعِي أَخِي زَيْدًا. قَالَ: " هُوَ ذَا فَإِنِ انْطَلَقَ مَعَكَ لَمْ أَمْنَعْهُ " قَالَ زَيْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَاللَّهِ لَا أَخْتَارُ عَلَيْكَ أَحَدًا. قَالَ: فَرَأَيْتُ رَأْيَ أَخِي أَفْضَلَ مِنْ رَأْيِي» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

ــ

6174 -

(وَعَنْ جَبَلَةَ) : بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالْمُوَحَّدَةِ (ابْنِ حَارِثَةَ)، قَالَ الْمُؤَلِّفُ فِي فَصْلِ الصَّحَابَةِ: هُوَ أَكْبَرُ مِنْ أَخِيهِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَوَى عَنْهُ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ وَغَيْرُهُ (قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْعَثْ مَعِي أَخِي زَيْدًا) . بَيَانٌ أَوْ بَدَلٌ (قَالَ: " هُوَ ذَا ") ، هُوَ عَائِدٌ إِلَى زَيْدٍ، وَذَا إِشَارَةٌ إِلَيْهِ أَيْ: هُوَ حَاضِرٌ مُخَيَّرٌ (" فَإِنِ انْطَلَقَ مَعَكَ لَمْ أَمْنَعْهُ ") . أَيْ: فَإِنِّي أُعْتِقُتُهُ (قَالَ زَيْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ لَا أَخْتَارُ عَلَيْكَ)، أَيْ: عَلَى مُلَازِمَتِكَ (أَحَدًا) . أَيْ: لَا أَخًا وَلَا أَبًا وَلَا أُمًّا أَبَدًا (قَالَ)، أَيْ: جَبَلَةُ (فَرَأَيْتُ)، أَيْ: فَعَلِمْتُ بَعْدَ ذَلِكَ (رَأْيَ أَخِي)، أَيْ: زَيْدٍ (أَفْضَلَ مِنْ رَأْيِي) : حَيْثُ اخْتَارَ الْمُلَازَمَةَ لِحَضْرَةِ الْمُتَفَرِّغِ عَلَيْهِ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) .

ص: 3983

6175 -

وَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنهما قَالَ: لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَبَطْتُ وَهَبَطَ النَّاسُ الْمَدِينَةَ، فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ أُصْمِتَ فَلَمْ يَتَكَلَّمْ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَضَعُ يَدَيْهِ عَلَيَّ وَيَرْفَعُهُمَا، فَأَعْرِفُ أَنَّهُ يَدْعُو لِي. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.

ــ

6175 -

(وَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: لَمَّا ثَقُلَ) : بِضَمِّ الْقَافِ أَيْ: ضَعُفَ مِنْ مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ مِنْهُ (رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَبَطْتُ)، أَيْ: نَزَلْتُ مِنْ سَكَنِي الَّتِي كَانَتْ فِي عَوَالِيِ الْمَدِينَةِ (وَهَبَطَ النَّاسُ)، أَيِ: الصَّحَابَةُ جَمِيعُهُمْ مِنْ مَنَازِلِهِمُ (الْمَدِينَةَ) أَيْ: إِلَيْهَا عَلَى طَرِيقِ الْحَذْفِ وَالْإِيصَالِ نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ} [الأعراف: 155] أَيْ: مِنْهُمْ، قَالَ الشُّرَّاحُ إِنَّمَا قَالَ هَبَطْتُ لِأَنَّهُ كَانَ يَسْكُنُ الْعَوَالِي، وَالْمَدِينَةُ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ تَوَجَّهْتَ إِلَيْهَا صَحَّ فِيهَا الْهُبُوطُ، لِأَنَّهَا وَاقِعَةٌ فِي غَائِطٍ مِنَ الْأَرْضِ يَنْحَدِرُ إِلَيْهَا السَّيْلُ وَأَطْرَافُهَا وَنَوَاحِيهَا مِنَ الْجَوَانِبِ كُلُّهَا مُسْتَعْلِيَةٌ عَلَيْهَا. (فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ أُصْمِتَ) عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ يُقَالُ: أَصَمَتَ الْعَلِيلُ إِذَا اعْتُقِلَ لِسَانُهُ (فَلَمْ يَتَكَلَّمْ)، أَيْ: أَصْلًا (فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَضَعُ يَدَيْهِ عَلَيَّ)، أَيْ: عَلَى بَدَنِي (وَيَرْفَعُهُمَا)، أَيْ عَنِّي (فَأَعْرِفُ) أَيْ: بِنُورِ الْوِلَايَةِ وَظُهُورِ الْفَرَاسَةِ (أَنَّهُ يَدْعُو لِي) أَيْ: لِمَحَبَّتِهِ وَرِعَايَةِ خِدْمَتِهِ حَتَّى حِينَ غَيْبَةِ حَضْرَتِهِ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) .

ص: 3983

6176 -

«وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: أَرَادَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُنَحِّي مُخَاطَ أُسَامَةَ. قَالَتْ عَائِشَةُ: دَعْنِي حَتَّى أَكُونَ أَنَا الَّذِي أَفْعَلُ. قَالَ: " يَا عَائِشَةُ أَحِبِّيهِ فَإِنِّي أُحِبُّهُ» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

ــ

6176 -

(وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَرَادَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُنَحِّيَ) : بِتَشْدِيدِ الْحَاءِ الْمَكْسُورَةِ أَيْ: يُزِيلَ (مُخَاطَ أُسَامَةَ) . بِضَمِّ الْمِيمِ وَهُوَ مَا يَسِيلُ مِنَ الْأَنْفِ (قَالَتْ عَائِشَةُ: دَعْنِي)، أَيِ: اتْرُكْنِي (حَتَّى أَنَا الَّذِي أَفْعَلُ) أَيْ: خِدْمَتَهُ (قَالَ: " يَا عَائِشَةُ أَحِبِّيهِ فَإِنِّي أُحِبُّهُ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) .

ص: 3983

6177 -

«وَعَنْ أُسَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا، إِذْ جَاءَ عَلِيٌّ وَالْعَبَّاسُ يَسْتَأْذِنَانِ، فَقَالَا لِأُسَامَةَ: اسْتَأْذِنْ لَنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلِيٌّ وَالْعَبَّاسُ يَسْتَأْذِنَانِ. فَقَالَ: " أَتَدْرِي مَا جَاءَ. بِهِمَا؟ " قُلْتُ: لَا "، قَالَ: " لَكِنِّي أَدْرِي، ائْذَنْ لَهُمَا " فَدَخَلَا، فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جِئْنَاكَ نَسْأَلُكَ أَيُّ أَهْلِكَ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: " فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ " قَالَا: مَا جِئْنَاكَ نَسْأَلُكَ عَنْ أَهْلِكَ قَالَ: " أَحَبُّ أَهْلِي إِلَيَّ مَنْ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتُ عَلَيْهِ: أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ " قَالَا: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَا: ثُمَّ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ " فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! جَعَلْتَ عَمَّكَ آخِرَهُمْ؟ قَالَ: " إِنَّ عَلِيًّا سَبَقَكَ بِالْهِجْرَةِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَذَكَرَ أَنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ.

ــ

6177 -

(وَعَنْ أُسَامَةَ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا)، أَيْ: عِنْدَ بَابِهِ عليه الصلاة والسلام (إِذْ جَاءَ عَلِيٌّ وَالْعَبَّاسُ يَسْتَأْذِنَانِ)، أَيْ: يُرِيدَانِ طَلَبَ الْإِذْنِ فِي دُخُولِهِمَا (فَقَالَا لِأُسَامَةَ: اسْتَأْذِنْ لَنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم)، لَعَلَّهُ كَانَ صَغِيرًا إِذْ ذَاكَ (فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلِيٌّ وَالْعَبَّاسُ يَسْتَأْذِنَانِ) . أَيْ: عَلَى الْبَابِ (فَقَالَ: " أَتَدْرِي مَا جَاءَ

ص: 3983

بِهِمَا ") ؟ أَيْ: مَا سَبَبُ مَجِيئِهِمَا (قُلْتُ: لَا. قَالَ: " لَكِنِّي أَدْرِي، ائْذَنْ لَهُمَا ") : بِهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ وَصْلًا وَبِإِبْدَالِهَا يَاءً (فَدَخَلَا)، أَيْ: بَعْدَ إِذْنِهِمَا (فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ جِئْنَاكَ نَسْأَلُكَ أَيُّ أَهْلِكَ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: " فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ " قَالَا: مَا جِئْنَاكَ نَسْأَلُكَ عَنْ أَهْلِكَ)، أَيْ: عَنْ أَزْوَاجِكَ وَأَوْلَادِكَ، بَلْ نَسْأَلُكَ عَنْ أَقَارِبِكَ وَمُتَعَلِّقِيكَ (قَالَ:" أَحَبُّ أَهْلِي إِلَيَّ ") ، أَيْ: مِنَ الرِّجَالِ (" مَنْ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ ")، أَيْ: بِالْإِسْلَامِ وَالْهِدَايَةِ وَالْإِكْرَامِ (" وَأَنْعَمْتُ عَلَيْهِ ")، أَيْ: أَنَا بِالْعِتْقِ وَالتَّبَنِّي وَالتَّرْبِيَةِ، وَهَذَا وَإِنْ وَرَدَ فِي حَقِّ زَيْدٍ، لَكِنَّ ابْنَهُ تَابِعٌ لَهُ فِي حُصُولِ الْإِنْعَامَيْنِ (قَالَا: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: " ثُمَّ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ") : وَفِي نُسْخَةٍ بِدُونٍ ثُمَّ، فَهَذَا نَصٌّ جَلِيٌّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنَ الْأَحَبِّيَّةِ الْأَفْضَلِيَّةُ، فَإِنَّ عَلِيًّا أَفْضَلُ مِنْ أُسَامَةَ وَزَيْدٍ بِالْإِجْمَاعِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: أَيُّ أَهْلِكَ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ مُطْلَقٌ وَيُرَادُ بِهِ الْمُقَيَّدُ أَيْ: مِنَ الرِّجَالِ بَيَّنَهُ مَا بَعْدَهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: أَحَبُّ أَهْلِي إِلَيَّ مَنْ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَفِي نُسَخِ الْمَصَابِيحِ قَوْلُهُ: مَا جِئْنَاكَ نَسْأَلُكَ عَنْ أَهْلِكَ مُقَيَّدٌ بِقَوْلِهِ: مِنَ النِّسَاءِ، وَلَيْسَ فِي جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ وَجَامِعِ الْأُصُولِ هَذِهِ الزِّيَادَةُ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ إِلَّا وَقَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمَ عَلَيْهِ رَسُولُهُ، إِلَّا أَنَّ الْمُرَادَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 37] وَهُوَ زَيْدٌ لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ وَلَا شَكَّ، وَهُوَ وَإِنْ نَزَلَ فِي حَقِّ زَيْدٍ لَكِنَّهُ لَا يَبْعُدُ أَنْ يُجْعَلَ أُسَامَةَ تَابِعًا لِأَبِيهِ فِي هَاتَيْنِ النِّعْمَتَيْنِ، وَحَلَّ مَا حَلَّ مَا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فِي التَّنْزِيلِ مِنَ الْإِنْعَامِ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ نَحْوُ: أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ، نِعَمٌ أَسْدَاهَا إِلَى آبَائِهِمْ (فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! جَعَلْتَ عَمَّكَ آخِرَهُمْ) ؟ أَيْ: آخِرَ أَهْلِكِ (قَالَ: " إِنَّ عَلِيًّا سَبَقَكَ بِالْهِجْرَةِ ") . أَيْ: وَكَذَا بِالْإِسْلَامِ، فَهَذَا أَوْجَبَ تَقْدِيمَ الْأَحَبِّيَّةِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى الْأَفْضَلِيَّةِ، لَا عَلَى الْأَقْرَبِيِّةِ، وَنَظِيرُهُ أَنَّهُ جَاءَ الْعَبَّاسُ وَأَبُو سُفْيَانَ وَبِلَالٌ وَسَلْمَانُ إِلَى بَابِ عُمَرَ يَسْتَأْذِنُونَهُ فَقَالَ خَادِمُ عُمَرَ بَعْدَ إِعْلَامِهِ بِالْجَمَاعَةِ يَدْخُلُ بِلَالٌ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ لِلْعَبَّاسِ أَمَا تَرَى أَنَّهُ يُقَدِّمُ عَلَيْنَا مَوَالِيَنَا؟ فَقَالَ الْعَبَّاسُ: نَحْنُ تَأَخَّرْنَا فَهَذَا جَزَاؤُنَا. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) . وَرَوَى الدَّيْلَمِيُّ فِي الْفِرْدَوْسِ، عَنْ عَائِشِ بْنِ رَبِيعَةَ: خَيْرُ إِخْوَتِي عَلِيٌّ وَخَيْرُ أَعْمَامِي حَمْزَةُ. (وَذَكَرَ أَنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ) . أَيْ: حَيْثُ قَالَهُ صلى الله عليه وسلم لِعُمْرَ فِي قِصَّةِ زَكَاةِ الْعَبَّاسِ.

ص: 3984

الْفَصْلُ الثَّالِثُ

6178 -

عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ رضي الله عنه قَالَ: «صَلَّى أَبُو بَكْرٍ الْعَصْرَ ثُمَّ خَرَجَ يَمْشِي وَمَعَهُ عَلِيٌّ، فَرَأَى الْحَسَنَ يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ، فَحَمَلَهُ عَلَى عَاتِقِهِ وَقَالَ: بِأَبِي شَبِيهٌ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَيْسَ شَبِيهًا بِعَلِيٍّ، وَعَلِيٌّ يَضْحَكُ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ــ

الْفَصْلُ الثَّالِثُ

6178 -

(عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ) : قُرَشِيٌّ أَسْلَمَ يَوْمَ الْفَتْحِ، عِدَادُهُ فِي أَهْلِ مَكَّةَ، رَوَى عَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ وَغَيْرُهُ (قَالَ: صَلَّى أَبُو بَكْرٍ الْعَصْرَ) ، أَيْ: فِي زَمَنِ خِلَافَتِهِ أَوْ قَبْلَهَا (ثُمَّ خَرَجَ يَمْشِي وَمَعَهُ عَلِيٌّ، فَرَأَى)، أَيْ: أَبُو بَكْرٍ (الْحَسَنَ يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ، فَحَمَلَهُ عَلَى عَاتِقِهِ وَقَالَ: بِأَبِي) : قَالَ الطِّيبِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ هُوَ مَفْدِيٌّ بِأَبِي، فَقَوْلُهُ (شَبِيهٌ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) : يَكُونُ خَبَرًا بَعْدَ خَبَرٍ، أَوْ أَفْدِيهِ بِأَبِي، فَعَلَى هَذَا شَبِيهٌ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، وَفِي تَنْكِيرِهِ لُطْفٌ، وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِعِلْيَةِ الشَّبَهِ لِلتَّفْدِيَةِ اهـ. وَلَا يُعَارِضُ هَذَا قَوْلَ عَلِيٍّ لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ

ص: 3984

مِثْلَهُ، لِأَنَّ الْمَنْفِيَّ مَحْمُولٌ عَلَى عُمُومِ الشَّبَهِ وَالْمُثْبَتُ عَلَى مُعْظَمِهِ، كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الطِّيبِيُّ بِقَوْلِهِ، وَفِي تَنْكِيرِهِ لُطْفٌ أَيْ: إِيمَاءٌ لَطِيفٌ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ نَوْعُ شَبَهٍ. وَقَوْلُهُ: (لَيْسَ) أَيِ: الْحَسَنُ (شَبِيهًا: بِعَلِيٍّ، وَعَلَيٌّ يَضْحَكُ) . أَيْ: فَرِحًا وَالْجُمْلَةُ حَالٌ (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) . قَالَ مِيرَكُ: كَذَا وَقَعَ فِي الْمِشْكَاةِ قَوْلُهُ شَبِيهًا بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ لَيْسَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لَكِنَّهُ فِي الْبُخَارِيِّ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ لَيْسَ شَبِيهٌ بِالرَّفْعِ، وَإِعْرَابُهُ لَا يَخْلُو عَنْ خَفَاءٍ فَقِيلَ: لَيْسَ حَرْفُ عَطْفٍ وَهُوَ مَذْهَبُ الْكُوفِيِّ، وَقِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَبِيهَ اسْمَ لَيْسَ، وَيَكُونُ خَبَرُهَا ضَمِيرًا مُتَّصِلًا حُذِفَ اسْتِغْنَاءً عَنْهُ بِلَفْظٍ شَبِيهٍ وَنَحْوُهُ قَوْلُهُ فِي خُطْبَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ: أَلَيْسَ ذُو الْحِجَّةِ. اهـ. وَلَا يَخْفَى ظُهُورُ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لِخُلُوِّهِ عَنِ التَّكَلُّفِ، وَقِيلَ لَا يَخْفَى مَا فِي التَّوْجِيهَيْنِ مِنَ التَّعَسُّفِ، وَالْأَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اسْمَ لَيْسَ ضَمِيرُ الشَّأْنِ، وَشَبِيهٌ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ: هُوَ شَبِيهٌ، وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ لَيْسَ. قُلْتُ: وَفِيهِ أَنَّ هَذَا التَّوْجِيهَ يَشْتَمِلُ عَلَى تَعَسُّفَيْنِ بِخِلَافِ مَا سَبَقَ فَإِنَّهُ مُتَضَمِّنٌ لِتَعَسُّفٍ وَاحِدٍ، هَذَا وَلَفْظُ الْحَدِيثِ عَلَى مَا فِي الذَّخَائِرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ حَمَلَ الْحَسَنَ عَلَى رَقَبَتِهِ وَهُوَ يَقُولُ: بِأَبِي شَبِيهٌ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَيْسَ شَبِيهًا بِعَلِيٍّ وَهُوَ يَضْحَكُ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَفِي رِوَايَةٍ خَرَجْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلِيٌّ يَمْشِي إِلَى جَانِبِهِ، فَمَرَّ الْحَسَنُ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ فَاحْتَمَلَهُ عَلَى رَقَبَتِهِ - يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ - وَهُوَ يَقُولُ الْحَدِيثَ. وَفِي الْحَدِيثِ رَدٌّ عَلَى الْغُرَابِيَّةِ وَهُمْ عَلَى مَا فِي حَوَاشِيِ الشِّفَاءِ طَائِفَةٌ مِنَ الرَّافِضَةِ لُقِّبُوا بِذَلِكَ لِقَوْلِهِمْ: كَانَ مُحَمَّدٌ أَشْبَهَ بِعَلِيٍّ مِنَ الْغُرَابِ بِالْغُرَابِ فَبَعَثَ اللَّهُ جِبْرِيلَ إِلَى عَلِيٍّ فَغَلِطَ.

ص: 3985

6179 -

وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: أَتَى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ بِرَأْسِ الْحُسَيْنِ، فَجُعِلَ فِي طَسْتٍ، فَجَعَلَ يَنْكُتُ وَقَالَ فِي حُسْنِهِ شَيْئًا، قَالَ أَنَسٌ: فَقُلْتُ: وَاللَّهِ إِنَّهُ كَانَ أَشْبَهَهُمْ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ مَخْضُوبًا بِالْوَسِمَةِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ زِيَادٍ فَجِيءَ بِرَأْسِ الْحُسَيْنِ، فَجَعَلَ يَضْرِبُ بِقَضِيبٍ فِي أَنْفِهِ وَيَقُولُ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ هَذَا حُسْنًا، فَقُلْتُ: أَمَا إِنَّهُ كَانَ مِنْ أَشْبَهِهِمْ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.

ــ

6179 -

(وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: أُتِيَ)، أَيْ: جِيءَ (عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ زِيَادٍ بِرَأْسِ الْحُسَيْنِ)، قَالَ الْمُؤَلِّفُ: هُوَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ، وَهُوَ الَّذِي سَيَّرَ الْجَيْشَ لِقَتْلِ الْحُسَيْنِ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَمِيرُ الْكُوفَةِ لِيَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، قُتِلَ بِأَرْضِ الْمَوْصِلِ عَلَى يَدِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَشْتَرِ النَّخَعِيِّ فِي أَيَّامِ الْمُخْتَارِ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّينَ (فَجُعِلَ) : بِصِيغَةِ الْمَفْعُولِ أَيْ: وُضِعَ (رَأْسُ الْحُسَيْنِ فِي طَسْتٍ) : بِفَتْحِ طَاءٍ وَسُكُونِ سَيْنٍ مُهْمِلَةٍ وَسَبَقَ تَحْقِيقُهُ (فَجَعَلَ)، أَيِ: ابْنُ زِيَادٍ (يَنْكُتُ) : بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الْكَافِ وَالْفَوْقِيَّةِ أَيْ: يَضْرِبُ (بِرَأْسِ الْقَضِيبِ) : فِي أَنْفِهِ كَمَا سَيَأْتِي. وَفِي النِّهَايَةِ قَوْلُهُ: يَنْكُتُ، أَيْ: يُفَكِّرُ وَيُحَدِّثُ بِنَفْسِهِ وَأَصْلُهُ مِنَ النَّكْتِ بِالْعَصَا وَهُوَ ضَرْبُ الْأَرْضِ بِهَا، وَنَكْتُ الْأَرْضِ بِالْقَضِيبِ هُوَ أَنْ يُؤَثِّرَ فِيهَا بِطَرَفِهِ كَفِعْلِ الْمُفَكِّرِ الْمَوْهُومِ. (وَقَالَ)، أَيِ: ابْنُ زِيَادٍ (فِي حُسْنِهِ)، أَيْ: فِي حُسْنِ الْحُسَيْنِ (شَيْئًا)، أَيْ: مِنَ الْمَدْحِ كَمَا سَيَجِيءُ (قَالَ أَنَسٌ: فَقُلْتُ: وَاللَّهِ إِنَّهُ كَانَ أَشْبَهَهُمْ)، أَيْ: أَشْبَهَ الصَّحَابَةِ أَوْ أَهْلِ الْبَيْتِ (بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ)، أَيِ: الْحُسَيْنُ حِينَئِذٍ (مَخْضُوبًا بِالْوَسِمَةِ) . بِكَسْرِ السِّينِ وَقَدْ يُسَكَّنُ، فَقَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ: الْوَسِمَةُ نَبْتٌ يُخَضَّبُ بِهِ وَيَمِيلُ إِلَى السَّوَادِ وَتَسْكِينُ السِّينِ لُغَةٌ فِيهِ. وَفِي الْمِصْبَاحِ لُغَةُ الْحِجَازِ بِكَسْرِ السِّينِ، وَهِيَ أَفْصَحُ مِنَ السُّكُونِ، بَلْ أَنْكَرَ الزُّهْرِيُّ السُّكُونَ، وَقَالَ: كَلَامُ الْعَرَبِ بِالْكَسْرِ نَبْتٌ يُخَضَّبُ بِعُرُوقِهِ. اهـ. وَهُوَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَأَخْطَأَ مَنْ ضَمَّهَا، وَقِيلَ: يَجُوزُ فَتْحُ سِيْنِهَا، وَفِي الْقَامُوسِ الْوَسْمَةُ وَكَفَرْحَةٍ وَرِقُ النِّيلِ أَوْ نَبَاتٌ يُخَضَّبُ بِوَرِقِهِ، وَفِي النِّهَايَةِ الْوَسْمَةُ نَبْتٌ يُخَضَّبُ بِهِ. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .

(وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ قَالَ)، أَيْ: أَنَسٌ (كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ زِيَادٍ فَجِيءَ بِرَأْسِ الْحُسَيْنِ) أَيْ: إِلَيْهِ (فَجَعَلَ)، أَيْ: شَرَعَ (يَضْرِبُ بِقَضِيبٍ فِي أَنْفِهِ وَيَقُولُ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ هَذَا حُسْنًا) . بِضَمٍّ فَسُكُونٍ، قِيلَ: هَذَا لَا يُلَائِمُ السِّيَاقَ إِلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الِاسْتِهْزَاءِ. اهـ. فَحِينَئِذٍ يُحْمَلُ اسْتِهْزَاؤُهُ عَلَى الْمُكَابَرَةِ وَزِيَادَةِ الْمُعَانَدَةِ (فَقُلْتُ: أَمَا) :

ص: 3985

بِالتَّخْفِيفِ لِلتَّنْبِيهِ (إِنَّهُ)، أَيِ: الْحُسَيْنَ (كَانَ مَنْ أَشْبَهِهِمْ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ)، أَيِ: التِّرْمِذِيُّ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) . وَلِلطَّبَرَانِيِّ فَجَعَلَ يَجْعَلُ قَضِيبًا فِي يَدِهِ فِي عَيْنِهِ وَأَنْفِهِ، فَقُلْتُ: ارْفَعْ قَضِيبَكَ فَقَدْ رَأَيْتُ فَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَوْضِعِهِ، وَفِي رِوَايَةِ الْبَزَّارِ قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: إِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَشُمُّ حَيْثُ يَقَعُ قَضِيبُكَ. قَالَ: فَانْقَبَضَ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي، وَفِي الذَّخَائِرِ عَنْ عِمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: لَمَّا جِيءَ بِرَأْسِ ابْنِ زِيَادٍ وَأَصْحَابِهِ فَصِرْتُ فِي الْمَسْجِدِ فِي الرُّحْبَةِ فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِمْ وَهُمْ يَقُولُونَ: قَدْ جَاءَتْ قَدْ جَاءَتْ فَإِذَا حَيَّةٌ قَدْ جَاءَتْ تَتَخَلَّلُ الرُءُوسَ حَتَّى دَخَلَتْ فِي مَنْخَرِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ فَمَكَثْتُ هُنَيْهَةً ثُمَّ خَرَجْتُ فَذَهَبْتُ حَتَّى تَغِيبَ ثُمَّ قَالُوا: قَدْ جَاءَتْ فَفَعَلَتْ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.

ص: 3986

6180 -

«وَعَنْ أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ رضي الله عنها أَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي رَأَيْتُ حُلْمًا مُنْكَرًا اللَّيْلَةَ قَالَ: " وَمَا هُوَ؟ " قَالَتْ: إِنَّهُ شَدِيدٌ قَالَ: " وَمَا هُوَ؟ " قَالَتْ: رَأَيْتُ كَأَنَّ قِطْعَةً مِنْ جَسَدِكَ قُطِعَتْ وَوُضِعَتْ فِي حِجْرِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " رَأَيْتِ خَيْرًا، تَلِدُ فَاطِمَةُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ غُلَامًا يَكُونُ فِي حِجْرِكِ ". فَوَلَدَتْ فَاطِمَةُ الْحُسَيْنَ، فَكَانَ فِي حِجْرِي كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَدَخَلْتُ يَوْمًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَوَضَعْتُهُ فِي حِجْرِهِ، ثُمَّ كَانَتْ مِنِّي الْتِفَاتَةٌ، فَإِذَا عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَهْرِيقَانِ الدُّمُوعَ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، مَا لَكَ؟ قَالَ: " أَتَانِي جِبْرَئِيلُ عليه السلام فَأَخْبَرَنِي أَنَّ أُمَّتِي سَتَقْتُلُ ابْنِي هَذَا، فَقُلْتُ: هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، وَأَتَانِي بِتُرْبَةٍ مِنْ تُرْبَتِهِ حَمْرَاءَ» ".

ــ

6180 -

(وَعَنْ أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ) : اسْمُهَا لُبَابَةُ الْعَامِرِيَّةُ امْرَأَةُ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَأُمُّ أَكْثَرِ بَنِيهِ وَهِيَ أُخْتُ مَيْمُونَةَ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ، وَيُقَالُ: إِنَّهَا أَوَّلُ امْرَأَةٍ أَسْلَمَتْ بَعْدَ خَدِيجَةَ رَوَتْ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَحَادِيثَ كَثِيرَةً فَعَنْهَا. (أَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنِّي رَأَيْتُ حُلْمًا) : بِضَمٍّ فَسُكُونٍ وَيُضَمَّانِ، فَفِي النِّهَايَةِ الْحُلُمُ بِضَمَّتَيْنِ وَبِضَمٍّ فَسُكُونٍ مَا يَرَاهُ النَّائِمُ (مُنْكَرًا) : بِفَتْحِ الْكَافِ الْمُخَفَّفَةِ أَيْ: مَهُولًا (اللَّيْلَةَ)، أَيِ: الْبَارِحَةَ (قَالَ: " وَمَا هُوَ؟ قَالَتْ: إِنَّهُ شَدِيدٌ) . أَيْ: صَعْبٌ سَمَاعُهُ (قَالَ: " وَمَا هُوَ؟ " قَالَتْ: رَأَيْتُ كَأَنَّ قِطْعَةً مِنْ جَسَدِكَ قُطِعَتْ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَكَذَا قَوْلُهُ: (فَوُضِعَتْ فِي حِجْرِي) . بِالْكَسْرِ وَيُفْتَحُ وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْحِجْرَ بِالْكَسْرِ أَشْهَرُ فِي الْحَضْنِ وَبِالْفَتْحِ فِي التَّرْبِيَةِ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " رَأَيْتِ خَيْرًا، تَلِدُ فَاطِمَةُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ غُلَامًا يَكُونُ فِي حِجْرِكِ ". فَوَلَدَتْ فَاطِمَةُ الْحُسَيْنَ، كَانَ فِي حِجْرِي كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَدَخَلْتُ يَوْمًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَوَضَعَتْهُ فِي حِجْرِهِ) ، وَفِي نُسْخَةٍ فِي حِجْرِي (ثُمَّ كَانَتْ مِنِّي الْتِفَاتَةٌ)، أَيْ: وَقَعَتْ مِنِّي مُلَاحَظَةٌ فَنَظَرْتُ إِلَى جَانِبِهِ (فَإِذَا عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَهْرِيقَانِ الدُّمُوعَ)، بِفَتْحِ الْهَاءِ وَيُسَكَّنُ أَيْ: تَسِيلَانِ مَاءَ الْعَيْنِ لِلْبُكَاءِ (قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ! بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، مَا لَكَ) ؟ أَيْ: مِنَ الْحَالِ الَّذِي يُبْكِيكَ (قَالَ: " أَتَانِي جِبْرِيلُ ") : وَفِي نُسْخَةٍ عليه السلام (" فَأَخْبَرَنِي أَنَّ أُمَّتِي ")، أَيْ: أُمَّةَ الْإِجَابَةِ (" سَتَقْتُلُ ابْنِي هَذَا ")، أَيْ: ظُلْمًا (" فَقُلْتُ ") أَيْ: لِجِبْرِيلَ (" هَذَا ")، أَيِ: ابْنِي هَذَا لِزِيَادَةِ التَّأْكِيدِ (" قَالَ: نَعَمْ، وَأَتَانِي بِتُرْبَةٍ مِنْ تُرْبَتِهِ ")، أَيْ: مِنْ تُرَابِهِ الَّذِي يُقْتَلُ بِهِ (" حَمْرَاءَ ") . بِالْفَتْحِ صِفَةٌ لِتُرْبَةٍ وَفِي الذَّخَائِرِ «عَنْ سَلْمَى قَالَتْ: دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ وَهِيَ تَبْكِي فَقُلْتُ: مَا يُبْكِيكِ؟ قَالَتْ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَعْنِي فِي الْمَنَامِ وَعَلَى رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ التُّرَابُ، فَقُلْتُ: مَا لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " شَهِدْتُ قَتْلَ الْحُسَيْنِ آنِفًا» " أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَالْبَغَوِيُّ فِي الْحِسَانِ.

ص: 3986

6181 -

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَرَى النَّائِمُ ذَاتَ يَوْمٍ بِنِصْفِ النَّهَارِ، أَشْعَثَ أَغْبَرَ، بِيَدِهِ قَارُورَةٌ فِيهَا دَمٌ، فَقُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، مَا هَذَا؟ قَالَ:" هَذَا دَمُ الْحُسَيْنِ وَأَصْحَابِهِ، وَلَمْ أَزَلْ أَلْتَقِطُهُ مُنْذُ الْيَوْمُ " فَأُحْصِي ذَلِكَ الْوَقْتَ فَأَجِدُ قُتِلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ. رَوَاهُمَا الْبَيْهَقِيُّ فِي " دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ " وَأَحْمَدُ الْأَخِيرَ.

ــ

6181 -

(وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَرَى النَّائِمُ)، أَيْ: بَعْدَ مَوْتِهِ عليه السلام (ذَاتَ يَوْمٍ بِنِصْفِ النَّهَارِ) ، وَفِي الذَّخَائِرِ زِيَادَةٌ وَهُوَ قَائِمٌ (أَشْعَثَ أَغْبَرَ)، أَيْ: حَالَ كَوْنِهِ مُتَفَرِّقَ الشَّعْرِ مُغْبَّرَ الْبَدَنِ (بِيَدِهِ قَارُورَةٌ فِيهَا دَمٌ، فَقُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، مَا هَذَا) ؟ أَيِ: الدَّمُ (قَالَ: " هَذَا دَمُ الْحُسَيْنِ وَأَصْحَابِهِ، لَمْ أَزَلْ ") : وَفِي نُسْخَةٍ: وَلَمْ أَزَلْ (" أَلْتَقِطُهُ مُنْذُ الْيَوْمِ ") . قَالَ الطِّيبِيُّ: هَذَا مِنْ كَلَامِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا بَعْدَ خَبَرٍ لِقَوْلِهِ: هَذَا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا، وَدَمُ الْحُسَيْنِ بَدَلٌ مِنْ هَذَا، وَقَوْلُهُ:(فَأُحْصِي ذَلِكَ الْوَقْتَ) : مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبَّاسٍ. اهـ. أَيْ: حَفِظَ تَارِيخَ ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ زَمَنِ الرُّؤْيَا (فَأَجِدُ قَتْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ) . أَيْ: فَوَجَدْتُهُ قُتِلَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَالْعُدُولُ عَنِ الْمَاضِي إِلَى الْمُضَارِعِ لِاسْتِحْضَارِ الْحَالِ الْغَرِيبَةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا إِنَّمَا يَتِمُّ إِذَا كَانَ وَقْتُ الْقَتْلِ مَحْفُوظًا فِي نَفْسِ الرُّؤْيَا بِأَنْ قَالَ صلى الله عليه وسلم: هَذَا دَمُ الْحُسَيْنِ وَأَصْحَابِهِ يُقْتَلُونَ فِي وَقْتِ كَذَا، لَكِنْ يُشْكَلُ بِقَوْلِهِ: لَمْ أَزَلْ أَلْتَقِطُهُ مُنْذُ الْيَوْمِ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ تَصْوِيرُهُ أَنَّ الرَّائِيَ رَأَى فِي نَوْمِهِ كَأَنَّهُ مَضَى عَلَيْهِ بَعْضُ سِنِينَ، ثُمَّ فِي آخِرِ سَنَةٍ مِنْهَا يَوْمَ عَاشُورَاءَ سَنَةَ كَذَا رَآهُ صلى الله عليه وسلم بِالْوَصْفِ الْمَذْكُورِ وَالْقَوْلِ الْمَسْطُورِ، فَحَفِظَ تَارِيخَ الْوَقْتِ فَوَجَدَهُ مُطَابِقًا وَلِلنَّعْتِ مُرَافِقًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ثُمَّ رَأَيْتُ الْحَدِيثَ فِي الذَّخَائِرِ مِنْ غَيْرِ قَوْلِهِ: فَأُحْصِي ذَلِكَ الْوَقْتَ فَأَجِدُ إِلَخْ. بَلْ لَفْظُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ: لَمْ أَزَلْ أَلْتَقِطُهُ مُنْذُ الْيَوْمِ فَوَجَدْتُهُ قَدْ قُتِلَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ. أَخْرَجَهُ ابْنُ بِنْتِ مَنِيعٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَالْحَافِظُ السِّلَفِيُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (رَوَاهُ)، أَيْ: حَدِيثَيْ أُمِّ الْفَضْلِ وَابْنِ عَبَّاسٍ (الْبَيْهَقِيُّ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ، وَأَحْمَدُ الْأَخِيرَ) . أَيْ: وَرَوَى أَحْمَدُ الْحَدِيثَ الْأَخِيرَ، وَهُوَ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَطْ، «وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعَيْنَاهُ تَفِيضَانِ قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَغْضَبَكَ أَحَدٌ؟ مَا شَأْنُ عَيْنَيْكَ تَفِيضَانِ؟ قَالَ: " قَامَ مِنْ عِنْدِي جِبْرِيلُ قَبْلَ حَدِيثِي وَحَدَّثَنِي أَنَّ الْحُسَيْنَ يُقْتَلُ بِشَطِّ الْفُرَاتِ " قَالَ: فَقَالَ: هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ أُشِمَّكَ مِنْ تُرْبَتِهِ؟ قُلْتُ: " نَعَمْ " فَمَدَّ يَدَهُ فَقَبَضَ قَبْضَةً مِنْ تُرَابٍ فَأَعْطَانِيهَا فَلَمْ أَمْلِكْ عَيْنِي أَنْ فَاضَتَا» . أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ.

ص: 3987

6182 -

وَعَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «أَحِبُّوا اللَّهَ لِمَا يَغْذُوكُمْ مِنْ نِعَمِهِ، فَأَحِبُّونِي لِحُبِّ اللَّهِ، وَأَحِبُّوا أَهْلَ بَيْتِي لِحُبِّي» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

ــ

6182 -

(وَعَنْهُ)، أَيْ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " أَحِبُّوا اللَّهَ لِمَا يَغْذُوكُمْ)، أَيْ: بِهِ كَمَا فِي نُسْخَةٍ وَهُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ يَرْزُقُكُمْ (" مِنْ نِعَمَةٍ ")، أَيْ مِنْ أَيِّ نِعْمَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل: 53] وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ: مِنْ نِعَمِهِ بِكَسْرِ النُّونِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ فَمِيمٍ، مُضَافٌ إِلَى هَاءِ الضَّمِيرِ، أَوِ الْمَعْنَى إِنْ كُنْتُمْ لَا تُحِبُّونَ اللَّهَ إِلَّا لِمَا يَغْذُوكُمْ بِهِ مِنْ نِعْمَةٍ فَأَحِبُّوهُ، وَإِلَّا فَلَا، فَهُوَ سُبْحَانُهُ مَحْبُوبٌ لِذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ عِنْدَ الْعَارِفِينَ مِنَ الْمُحِبِّينَ سَوَاءً أَنَعَمَ أَمْ لَا، فَهُوَ عَلَى مِنْوَالِ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ:{فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ} [قريش: 3] : (" فَأَحِبُّونِي ")، أَيْ: إِذَا ثَبَتَ سَبَبُ مَحَبَّةِ اللَّهِ فَأَحِبُّونِي (لِحُبِّ اللَّهِ) ; لِأَنَّ مَحْبُوبَ الْمَحْبُوبِ مَحْبُوبٌ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى:{إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31] وَفِي نُسْخَةٍ: وَأَحِبُّونِي بِالْوَاوِ عَطْفًا عَلَى مَا قَبْلَهُ (" وَأَحِبُّوا أَهْلَ بَيْتِي لِحُبِّي)، أَيْ: إِيَّاهُمْ أَوْ لِحُبِّكُمْ إِيَّايَ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) . وَكَذَا الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ.

ص: 3987