الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمِنْ كَثْرَةِ اتِّبَاعِهِ لِلسُّنَّةِ، مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ لِلْعَبَّاسِ مِيزَابٌ عَلَى طَرِيقِ عُمَرَ، فَلَبِسَ عُمَرُ ثِيَابَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَقَدْ كَانَ ذُبِحَ لِلْعَبَّاسِ فَرْخَانِ، فَلَمَّا وَافَى الْمِيزَابَ صُبَّ مَاءٌ بِدَمِ الْفَرْخَيْنِ، فَأَصَابَ عُمَرَ فَأَمَرَ عُمَرُ بِقَلْعِهِ، ثُمَّ رَجَعَ فَطَرَحَ ثِيَابَهُ وَلَبِسَ ثِيَابًا غَيْرَ ثِيَابِهِ، ثُمَّ جَاءَ فَصَلَّى بِالنَّاسِ، فَأَتَاهُ الْعَبَّاسُ وَقَالَ: وَاللَّهِ إِنَّهُ لَلْمَوْضِعُ الَّذِي وَضَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ عُمَرُ لِلْعَبَّاسِ: وَأَنَا أَعْزِمُ عَلَيْكَ لَمَّا صَعِدْتَ عَلَى ظَهْرِي حَتَّى تَضَعَهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي وَضَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَفَعَلَ ذَلِكَ الْعَبَّاسُ أَخْرَجَهُ. وَهَذِهِ الِاسْتِقَامَةُ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ كَرَامَةٍ، وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ نَفَقَتَهُ فِي حَجَّتِهِ كَانَتْ سِتَّةَ عَشَرَ دِينَارًا. وَمَعَ ذَلِكَ يَقُولُ: أَسْرَفْنَا فِي هَذَا الْمَالِ، وَلَمْ يَسْتَظِلَّ إِلَّا تَحْتَ كِسَاءٍ، أَوْ نِطَعٍ مُلْقَاةٍ عَلَى شَجَرَةٍ.
[بَابُ مَنَاقِبِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما]
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
6056 -
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: « (بَيْنَمَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً إِذْ أَعْيَا، فَرَكِبَهَا، فَقَالَتْ: إِنَّا لَمْ نُخْلَقْ لِهَذَا، إِنَّمَا خُلِقْنَا لِحِرَاثَةِ الْأَرْضِ. فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، بَقَرَةٌ تَكَلَّمُ!) . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (فَإِنِّي أُومِنُ بِهِ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ) وَمَا هُمَا ثَمَّ. وَقَالَ: (بَيْنَمَا رَجُلٌ فِي غَنَمٍ لَهُ إِذْ عَدَا الذِّئْبُ عَلَى شَاةٍ مِنْهَا، فَأَخَذَهَا، فَأَدْرَكَهَا صَاحِبُهَا، فَاسْتَنْقَذَهَا، فَقَالَ لَهُ الذِّئْبُ: فَمَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبْعِ، يَوْمَ لَا رَاعِيَ لَهَا غَيْرِي؟ فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللَّهِ ذِئْبٌ يَتَكَلَّمُ! ، فَقَالَ أُومِنُ بِهِ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ) وَمَا هُمَا ثَمَّ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
[5]
بَابُ مَنَاقِبِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
6056 -
(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (بَيْنَمَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً) أَيْ: يَدْفَعُهَا مِنْ وَرَائِهَا (إِذْ أَعْيَا) : بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ: إِذْ عَيِيَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الْيَاءِ الْأُولَى أَيْ تَعِبَ الرَّجُلُ مِنَ الْمَشْيِ (فَرَكِبَهَا، فَقَالَتْ: إِنَّا) أَيْ: جِنْسَ الْبَقَرِ (لَمْ نُخْلَقْ لِهَذَا) أَيْ: لِلرُّكُوبِ (إِنَّمَا خُلِقْنَا لِحِرَاثَةِ الْأَرْضِ) : بِفَتْحِ الْحَاءِ أَيْ إِثَارَتِهَا لِزِرَاعَتِهَا، وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ رُكُوبَ الْبَقَرِ وَالْحَمْلَ عَلَيْهَا غَيْرُ مَرْضِيٍّ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ، فَالْحَصْرُ إِضَافِيٌّ لِتَأْكِيدِ مَا قَبْلَهُ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الدَّوَابَّ لَا تُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِيمَا جَرَتِ الْعَادَةُ بِاسْتِعْمَالِهَا فِيهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ إِشَارَةً إِلَى تَعْظِيمِ مَا خُلِقَتْ لِأَجْلِهِ، وَلَمْ يَرِدِ الْحَصْرُ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ اتِّفَاقًا، لِأَنَّ مِنْ جُمْلَةِ مَا خُلِقَتْ لَهُ أَنْ تُذْبَحَ وَتُؤْكَلَ بِالِاتِّفَاقِ. قُلْتُ: لَا شَكَّ أَنَّ الْحَدِيثَ يُفِيدُ نَفْيَ جَوَازِ رُكُوبِ الْبَقَرِ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ قَرَّرَهُ صلى الله عليه وسلم لَنَا وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِي ذَبْحِهَا وَأَكْلِهَا لِأَنَّهُمَا مَعْلُومَانِ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ فَهُمَا مُسْتَثْنَيَانِ شَرْعًا وَعُرْفًا. (فَقَالَ النَّاسُ) أَيِ: الْحَاضِرُونَ (سُبْحَانَ اللَّهِ) أَيْ: تَعَجُّبًا (بَقَرَةٌ تَكَلَّمُ) بِضَمِّ الْمِيمِ مُضَارِعٌ حُذِفَ مِنْهُ إِحْدَى التَّاءَيْنِ أَيِ الْبَقَرَةُ تَتَكَلَّمُ، وَالْحَالُ أَنَّهَا مِنَ الْحَيَوَانَاتِ الصَّامِتَةِ. (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:(فَإِنِّي أُومِنُ بِهِ) : جَزَاءُ شَرْطٍ مَحْذُوفٍ أَيْ: فَإِنْ كَانَ النَّاسُ يَسْتَغْرِبُونَهُ وَيَتَعَجَّبُونَ مِنْهُ فَإِنِّي لَا أَسْتَغْرِبُهُ وَأُومِنُ بِهِ (أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ) : قَالَ شَارِحٌ: عَطْفٌ عَلَى الْمُسْتَكِنِّ فِي أُومِنُ وَأَنَا تَأْكِيدٌ لَهُ.
وَقَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله فَإِنْ قُلْتَ: مَا فَائِدَةُ ذِكْرِ أَنَا وَعَطْفِ مَا بَعْدَهُ عَلَيْهِ، وَهَذَا عَطْفٌ عَلَى الْمُسْتَتِرِ فِي أُومِنُ مُسْتَغْنِيًا عَنْهُ بِالْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ؟ قُلْتُ: لَوْ لَمْ يَذْكُرْ أَنَا لَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ وَأَبُو بَكْرٍ عَطْفًا عَلَى مَحَلِّ إِنَّ وَاسْمِهَا، وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ فَلَا يَدْخُلُ فِي مَعْنَى التَّأْكِيدِ، وَتَكُونُ هَذِهِ الْجُمْلَةُ وَارِدَةً عَلَى التَّبَعِيَّةِ وَلَا كَذَلِكَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَعْنِي فِي زِيَادَةِ أَنَا فَإِنَّهُ يُفِيدُ حِينَئِذٍ الِاشْتِرَاكَ. (وَمَا هُمَا ثَمَّ) . بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ أَيْ: وَلَيْسَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي قَالَ صلى الله عليه وسلم فِيهِ الْكَلَامَ الْمَذْكُورَ، وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ: فَإِنِّي أُومِنُ بِذَلِكَ، ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَمَا هُمَا فِي الْقَوْمِ يَوْمَئِذٍ. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: إِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ تَخْصِيصَهُمَا بِالتَّصْدِيقِ الَّذِي بَلَغَ عَيْنَ الْيَقِينِ، وَكُوشِفَ صَاحِبُهُ بِالْحَقِيقَةِ الَّتِي لَيْسَ وَرَاءَهَا لِلتَّعَجُّبِ مَجَالٌ. قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ، قَوْلُهُ: بِهِ أَيْ أُصَدِّقُ أَنَا بِمَا أَخْبَرَنِي بِهِ الْمَلَكُ مِنْ تَكَلُّمِ الْبَقَرَةِ، وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ لِقُوَّةِ إِيمَانِهِمَا بِمَا أَخْبَرْتُ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ أَخْبَرَهُمَا بِهِ فَصَدَّقَاهُ، أَوْ أَطْلَقَ ذَلِكَ لِمَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّهُمَا يُصَدِّقَانِ بِذَلِكَ وَلَا يَتَرَدَّدَانِ فِيهِ اهـ. وَالْأَخِيرُ هُوَ الصَّحِيحُ لِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَقَامُ الْمَدْحِ، وَكَمَا يُشْعِرُ إِلَيْهِ قَوْلُ الرَّاوِي: وَمَا هُمَا ثَمَّ، وَإِلَّا فَكُلُّ مُؤْمِنٍ يُصَدِّقُ النَّبِيَّ فِيمَا أَخْبَرَهُ بِهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ وَجْهٍ يُمَيِّزُهُمَا عَنْ غَيْرِهِمَا، كَمَا يُشِيرُ إِلَيْهِ مُشَارَكَتُهُمَا فِي الْإِيمَانِ الْمَنْسُوبِ إِلَيْهِ صلى الله عليه وسلم.
(وَقَالَ) أَيِ: النَّبِيُّ عليه السلام: (بَيْنَمَا رَجُلٌ فِي غَنَمٍ لَهُ) أَيْ: فِي قِطْعَةِ غَنِمٍ كَائِنٍ لَهُ مِلْكًا أَوِ اخْتِصَاصًا بِرَعْيِهَا (إِذْ عَدَا الذِّئْبُ) أَيْ: حَمَلَ ذِئْبٌ مِنَ الذِّئَابِ (عَلَى شَاةٍ مِنْهَا) أَيْ: مِنْ قِطْعَةِ الْغَنَمِ (فَأَخَذَهَا)، أَيِ الذِّئْبُ الشَّاةَ (فَأَدْرَكَهَا صَاحِبُهَا فَاسْتَنْقَذَهَا) أَيِ: اسْتَخْلَصَهَا مِنَ الذِّئْبِ (فَقَالَ لَهُ الذِّئْبُ: فَمَنْ لَهَا) أَيْ: فَمَنْ يَحْفَظُ الشَّاةَ (يَوْمَ السَّبْعِ) ، بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِضَمِّهَا (يَوْمَ لَا رَاعِيَ لَهَا غَيْرِي) ؟ قَالَ شَارِحٌ: رُوِيَ السَّبُعُ بِضَمِّ الْبَاءِ وَسُكُونِهَا كَعَضُدٍ وَعَضْدٍ، وَالْمُرَادُ بِيَوْمِ السَّبْعِ حِينَ يَمُوتُ النَّاسُ وَيَبْقَى الْوُحُوشُ، أَوْ يَوْمَ الْإِمْهَالِ مِنْ قَوْلِهِمْ: سَبَعَ الذِّئْبُ الْغَنَمَ إِذَا افْتَرَسَهَا وَأَكَلَهَا، فَالْمُرَادُ بِهِ مَنْ لَهَا عِنْدَ الْفِتَنِ حِينَ يَتْرُكُهَا النَّاسُ لَا رَاعِيَ لَهَا نُهْبَةً لِلذِّئَابِ وَالسِّبَاعِ، فَجُعِلَ السَّبْعُ لَهَا رَاعِيًا إِذْ هُوَ مُنْفَرِدٌ بِهَا، وَيَكُونُ حِينَئِذٍ بِضَمِّ الْبَاءِ، وَقِيلَ: يُسَكَّنُ عَلَى لُغَةِ تَمِيمٍ، وَهَذَا إِنْذَارٌ رُبَّمَا يَكُونُ مِنَ الشَّدَائِدِ وَالْفِتَنِ الَّتِي يُهْمِلُ النَّاسُ فِيهَا مَوَاشِيَهُمْ، فَيَتَمَكَّنُ مِنْهَا السِّبَاعُ بِلَا مَانِعَ، وَقِيلَ يَوْمَ السَّبْعِ بِسُكُونِ الْبَاءِ، وَيُرْوَى بِضَمِّهَا أَيْضًا: عِيدٌ كَانَ لِأَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ يَجْتَمِعُونَ فِيهِ عَلَى اللَّهْوِ وَيُهْمِلُونَ مَوَاشِيَهُمْ، فَيَأْكُلُهَا السَّبْعُ، وَقِيلَ: السَّبْعُ بِسُكُونِ الْبَاءِ الْمَوْضِعُ الَّذِي عِنْدَهُ الْمَحْشَرُ يُرِيدُ بِيَوْمِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ لَا يُنَاسِبُ مَا بَعْدَهُ مِنْ قَوْلِهِ: يَوْمَ لَا رَاعِيَ لَهَا غَيْرِي. (فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، ذِئْبٌ يَتَكَلَّمُ!) فَقَالَ: (أُومِنُ بِهِ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَمَا هُمَا ثَمَّ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ.
6057 -
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: إِنِّي لَوَاقِفٌ فِي قَوْمٍ فَدَعَوُا اللَّهَ لِعُمَرَ وَقَدْ وُضِعَ عَلَى سَرِيرِهِ، إِذَا رَجُلٌ مِنْ خَلَفِي قَدْ وَقَعَ مِرْفَقُهُ عَلَى مَنْكِبِي يَقُولُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ مَعَ صَاحِبَيْكَ، لِأَنِّي كَثِيرًا مَا كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:( «كُنْتُ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَفَعَلْتُ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَانْطَلَقْتُ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَدَخَلْتُ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَخَرَجْتُ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ» ) . فَالْتَفَتُّ فَإِذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
6057 -
(وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنِّي لَوَاقِفٌ فِي قَوْمٍ فَدَعَوُا اللَّهَ) أَيِ: الْقَوْمُ، وَفِي رِوَايَةٍ: يَدْعُونَ اللَّهَ. (لِعُمَرَ وَقَدْ وُضِعَ عَلَى سَرِيرِهِ) ، جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ مِنْ عُمَرَ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ وَضْعُ عُمَرَ يَوْمَ مَاتَ عَلَى سَرِيرِهِ لِلْغُسْلِ وَحَضَرَهُ جَمْعٌ مِنْ أَصْحَابِهِ (إِذَا رَجُلٌ مِنْ خَلْفِي قَدْ وَضَعَ مِرْفَقَهُ) : بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَيَجُوزُ عَكْسُهُ (عَلَى مَنْكِبِي) : بِفَتْحِ مِيمٍ وَكَسْرِ كَافٍ (يَقُولُ) أَيْ: مُخَاطِبًا لِعُمَرَ (يَرْحَمُكَ اللَّهُ)، وَفِي رِوَايَةٍ: رَحِمَكَ اللَّهُ (إِنِّي لَأَرْجُو) : وَفِي نُسْخَةٍ: إِنِّي كُنْتُ لَأَرْجُو (أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ مَعَ صَاحِبَيْكَ)، أَيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ فِي الْقَبْرِ أَوْ فِي الْجَنَّةِ. ذَكَرَهُ السُّيُوطِيُّ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: (لِأَنِّي) : تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ: أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ مَعَ صَاحِبَيْكَ أَيْ: أَرْجُو أَنْ يَجْعَلَكَ مَعَهُمَا فِي عَالَمِ الْقُدُسِ لِأَنِّي (كَثِيرًا مَا كُنْتُ) : بِزِيَادَةِ (مَا) لِإِفَادَةِ الْمُبَالَغَةِ فِي الْكَثْرَةِ عَكْسَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} [ص: 24] قَالَ الطِّيبِيُّ: كَذَا فِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ "، وَمَا فِيهِ إِبْهَامِيَّةٌ مُؤَكِّدَةٌ وَلَيْسَ فِي جَامِعِ الْأُصُولِ لَفْظَةُ (مَا) فَقَوْلُهُ: كُنْتُ خَبَرُ إِنَّ، وَكَثِيرًا ظَرْفٌ وَعَامِلُهُ كَانَ قُدِّمَ عَلَيْهِ وَنَحْوُهُ: - {قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} [الأعراف: 10] وَفِي أَكْثَرِ نُسَخِ " الْمَصَابِيحِ " وَقَعَ هَكَذَا لِأَنِّي كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُ بِزِيَادَةِ (مِنْ) وَلَيْسَ لَهُ مَحْمَلٌ صَحِيحٌ إِلَّا أَنْ يُتَعَسَّفَ، وَقَالَ: إِنِّي أَجِدُ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُ أَسْمَعُ. أَقُولُ: وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ (مَا) مَوْصُولَةً بِمَعْنَى (مَنْ) وَالْمَعْنَى لِأَنِّي فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ مِمَّنْ كُنْتُ (أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (كُنْتُ) أَيْ: فِي مَكَانِ كَذَا (وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَفَعَلْتُ) أَيِ: الشَّيْءَ الْفُلَانِيَّ مِنْ أُمُورِ الْعِبَادَةِ أَوْ مِنْ رُسُومِ الْعَادَةِ، (وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَانْطَلَقْتُ) أَيْ: ذَهَبْتُ أَيْ إِلَى مَكَانِ كَذَا، (وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَدَخَلْتُ) أَيِ: الْمَسْجِدَ وَنَحْوَهُ (وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَخَرَجْتُ) أَيْ: مِنْ نَحْوِ الْبَيْتِ (وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ) : قِيلَ: دَلَّ عَلَى جَوَازِ الْعَطْفِ عَلَى الضَّمِيرِ الْمَرْفُوعِ الْمُتَّصِلِ بِلَا تَأْكِيدٍ وَفَصْلٍ، وَهُوَ مِمَّا لَا يُجِيزُهُ النَّحْوِيُّونَ فِي النَّثْرِ إِلَّا عَلَى ضَعْفٍ، وَالصَّحِيحُ جَوَازُهُ نَظْمًا وَنَثْرًا كَمَا قَالَهُ الْمَالِكِيُّ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُ عُمَرَ: كُنْتُ وَجَارٌ لِي مِنَ الْأَنْصَارِ، وَكَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى:{مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا} [الأنعام: 148] فَإِنَّ كَلِمَةَ لَا بَعْدَ الْعَاطِفِ وَمَعَ ذَلِكَ هِيَ زَائِدَةٌ اهـ. وَفِي رِوَايَةٍ: زَادَ هُنَا: فَإِنِّي كُنْتُ لَأَرْجُو أَنْ يَجْعَلَهُ اللَّهُ مَعَهُمَا.
(قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَالْتَفَتُّ) أَيْ: إِلَى وَرَائِي (فَإِذَا) أَيْ: ذَلِكَ الرَّجُلُ (عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه) . وَفِي نُسْخَةٍ: عَنْهُمْ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) . وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا عَنْهُ: وَأَنَّهُ وَضَعَ عُمَرَ عَلَى سَرِيرِهِ فَتَكَنَّفَهُ النَّاسُ؛ يَدْعُونَ وَيُثْنُونَ وَيُصَلُّونَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ. وَأَنَا فِيهِمْ، فَلَمْ يَرُعْنِي إِلَّا رَجُلٌ قَدْ أَخَذَ بِمَنْكِبِي مِنْ وَرَائِي، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَتَرَحَّمَ عَلَى عُمَرَ وَقَالَ: مَا خَلَّفْتَ أَحَدًا أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ بِمِثْلِ عَمَلِهِ مِنْكَ، وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كُنْتُ لَأَظُنُّ أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ مَعَ صَاحِبَيْكَ، وَذَلِكَ أَنِّي كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:(جِئْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، دَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، خَرَجْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ) وَإِنِّي كُنْتُ لَأَرْجُو أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ مَعَهُمَا.
الْفَصْلُ الثَّانِي
6058 -
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ( «إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ فِي عِلِّيِّينَ، كَمَا تَرَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ فِي أُفُقِ السَّمَاءِ، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ مِنْهُمْ وَأَنْعَمَا» ) . رَوَاهُ فِي (شَرْحِ السُّنَّةِ) ، وَرَوَى نَحْوَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ.
ــ
الْفَصْلُ الثَّانِي
6058 -
(عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ) : بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالْهَمْزِ مِنَ الرُّؤْيَةِ، وَأَصْلُهُ يَتَرَاءَيُونَ مِنْ بَابِ التَّفَاعُلِ أَيْ: يَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا (فِي عِلِّيِّينَ)، أَيْ مَقَامُهُمْ وَمَنْزِلَتُهُمْ فِي غَايَةٍ مِنَ الْعُلُوِّ وَالِارْتِفَاعِ (كَمَا تَرَوْنَ) أَيْ: تُبْصِرُونَ (الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ) : بِضَمِّ الدَّالِ وَيُكْسَرُ وَتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ وَيُهْمَزُ أَيْضًا أَيِ: الْمُضِيءَ كَالدَّارِّ، أَوِ الدَّافِعِ بِنُورِهِ ظُلْمَةَ مَا حَوْلَهُ. (فِي أُفُقِ السَّمَاءِ)، بِضَمَّتَيْنِ وَيُسَكَّنُ الثَّانِي عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ أَيْ نَاحِيَتِهَا وَجَمْعُهُ آفَاقٌ (وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ مِنْهُمْ) أَيْ: مِنْ أَهْلِ عِلِّيِّينَ (وَأَنْعَمَا) . أَيْ زَادَا فِي الدَّرَجَةِ وَالرُّتْبَةِ، وَتَجَاوَزَا عَنْ كَوْنِهِمَا أَهْلَ عِلِّيِّينَ فِي الْمَنْزِلَةِ، وَقِيلَ: الْمَعْنَى دَخَلَا فِي النَّعِيمِ كَمَا قَالَ: أَشْمَلَ إِذَا دَخَلَ فِي الشَّمَالِ وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى الْمُقَدَّرِ فِي مِنْهُمْ أَيْ: اسْتَقَرَّا مِنْهُمْ وَأَنْعَمَا. (رَوَاهُ) أَيِ الْبَغَوِيُّ (فِي شَرْحِ السُّنَّةِ) . أَيْ بِإِسْنَادِهِ (وَرَوَى نَحْوَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ) .
قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: وَفِي أَكْثَرِ نُسَخِ " الْمَصَابِيحِ "(لَمِنْهُمْ) . وَاللَّامُ زَائِدَةٌ عَلَى الرِّوَايَةِ فَإِنَّهُ نَقَلَ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ كِتَابِ التِّرْمِذِيِّ، وَفِيهِ: مِنْهُمْ وَأَنْعَمَا مِنْ غَيْرِ لَامٍ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَكَذَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ، وَابْنِ مَاجَهْ، " وَجَامِعِ الْأُصُولِ " بِغَيْرِ لَامٍ. وَقَالَ السُّيُوطِيُّ فِي " الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ":«إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الْغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ كَمَا تَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الْغَابِرَ فِي الْأُفُقِ مِنَ الْمَشْرِقِ أَوِ الْمَغْرِبِ لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَزَادَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تِلْكَ مَنَازِلُ الْأَنْبِيَاءِ لَا يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ. قَالَ:( «بَلَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ رِجَالٌ آمَنُوا بِاللَّهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ» ) . رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالدَّارِمِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ وَالشَّيْخَيْنِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ:( «إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الْغُرَفِ فِي الْجَنَّةِ كَمَا تَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ فِي السَّمَاءِ» ) . وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ وَابْنِ حِبَّانَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَالطَّبَرَانِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، وَابْنِ عَسَاكِرَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:( «إِنَّ أَهْلَ الدَّرَجَاتِ الْعُلَى لَيَرَاهُمْ مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُمْ كَمَا تَرَوْنَ الْكَوْكَبَ الطَّالِعَ فِي أُفُقِ السَّمَاءِ، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ مِنْهُمْ وَأَنْعَمَا» ) . وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ عَسَاكِرَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: ( «إِنَّ أَهْلَ عِلِّيِّينَ لَيُشْرِفُ أَحَدُهُمْ عَلَى الْجَنَّةِ فَيُضِيءُ وَجْهُهُ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ كَمَا يُضِيءُ الْقَمَرُ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لِأَهْلِ الدُّنْيَا وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ مِنْهُمْ وَأَنْعَمَا» ) .
6059 -
وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ سَيِّدَا كُهُولِ الْجَنَّةِ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ إِلَّا النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ» ) . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
ــ
6059 -
(وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ سَيِّدَا كُهُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ» ) : الْكُهُولُ: بِضَمَّتَيْنِ جَمْعُ الْكَهْلِ، وَهُوَ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ مَنْ جَاوَزَ الثَّلَاثِينَ أَوْ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ إِلَى إِحْدَى وَخَمْسِينَ فَاعْتَبَرَ مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا حَالَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ فِي الْجَنَّةِ كَهْلٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 2] وَقَالَ شَارِحٌ: يَعْنِي الْكُهُولَ عِنْدَ الدُّخُولِ، وَهُوَ مَعْلُولٌ مَدْخُولٌ، وَقِيلَ: سَيِّدَا مَنْ مَاتَ كَهْلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَدَخَلَ الْجَنَّةَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا كَهْلٌ، بَلْ مَنْ يَدْخُلُهَا ابْنُ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ، وَإِذْ كَانَا سَيِّدَيِ الْكُهُولِ، فَأَوْلَى أَنْ يَكُونَا سَيِّدَيْ شَبَابِ أَهْلِهَا اهـ. وَفِيهِ بَحْثَانِ لَا يَخْفَيَانِ. (مِنَ الْأَوَّلِينَ) أَيْ: مِنْ أَوْلِيَاءِ الْأُمَمِ الْمُتَقَدِّمِينَ فَيَكُونَانِ أَفْضَلَ مِنْ أَصْحَابِ الْكَهْفِ وَمُؤْمِنِ آلِ فِرْعَوْنَ وَمِنَ الْخَضِرِ أَيْضًا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ وَلِيٌّ. (وَالْآخِرِينَ) أَيْ: مِنْ أَوْلِيَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَعُلَمَائِهِمْ وَشُهَدَائِهِمْ (إِلَّا النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ) . فَخَرَجَ عِيسَى عليه السلام وَكَذَا الْخَضِرُ عَلَى الْقَوْلِ بِنُبُوَّتِهِ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) . أَيْ عَنْ أَنَسٍ.
6060 -
وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ - عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه.
ــ
6060 -
(وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه) . وَفِي " الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ": رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، وَأَبُو يَعْلَى وَالضِّيَاءُ فِي الْمُخْتَارَةِ عَنْ أَنَسٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ جَابِرٍ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَفِي الرِّيَاضِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ:«كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ طَلَعَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (هَذَانِ سَيِّدَا كُهُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ إِلَّا النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ، يَا عَلِيُّ، لَا تُخْبِرْهُمَا) » أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ. وَأَخْرَجَهُ عَنْ أَنَسٍ وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَقَالَ:(سَيِّدَا كُهُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَشَبَابِهَا بَعْدَ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ) . وَأَخْرَجَهُ الْمُخْلِصُ الذَّهَبِيُّ وَلَمْ يَقُلْ شَبَابِهَا وَزَادَ: قَالَ عَلِيٌّ: فَمَا أَخْبَرْتُ بِهِ حَتَّى مَاتَا، وَلَوْ كَانَا حَيَّيْنِ مَا حَدَّثْتُ بِهِ، وَقَوْلُهُ:(وَلَا تُخْبِرْهُمَا يَا عَلِيُّ) رُبَّمَا سَبَقَ إِلَى الْوَهْمِ أَنَّهُ عليه السلام خَشِيَ عَلَيْهِمَا الْعُجْبَ وَالْأَمْنَ، وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مِنْ طَبْعِ الْبَشَرِيَّةِ إِلَّا أَنَّ مَنْزِلَتَهُمَا عِنْدَهُ صلى الله عليه وسلم أَعْلَى مِنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ وَاللَّهِ لَا تُخْبِرْهُمَا يَا عَلِيُّ قَبْلِي لِأُبَشِّرَهُمَا بِنَفْسِي فَيَبْلُغُهُمَا السُّرُورُ مِنِّي، وَإِنَّمَا قَالَ: سَيِّدَا كُهُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، مَعَ أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ شَبَابٌ إِشَارَةً إِلَى كَمَالِ الْحَالِ، فَإِنَّ الْكَهْلَ أَكْمَلُ الْإِنْسَانِيَّةِ عَقْلًا مِنَ الشَّبَابِ، وَمَدَارِجُ الْجَنَّةِ عَلَى قَدْرِ الْعُقُولِ، كَمَا رُوِيَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَعَلِيٍّ:(يَا عَلِيُّ إِذَا تَقَرَّبَ النَّاسُ بِأَنْوَاعِ الْبِرِّ فَتَقَرَّبْ أَنْتَ بِأَنْوَاعِ الْعَقْلِ) أَخْرَجَهُ الْخُجَنْدِيُّ. وَعَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: «آخَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَأَقْبَلَ أَحَدُهُمَا أَخَذَ بِيَدِ صَاحِبِهِ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى سَيِّدَا كُهُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَيْنِ الْمُقْبِلَيْنِ) » . رَوَاهُ الْغَيْلَانِيُّ.
6061 -
وَعَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «إِنِّي لَا أَدْرِي مَا بَقَائِي فِيكُمْ؟ فَاقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ» ) . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
ــ
6061 -
(وَعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنِّي لَا أَدْرِي مَا بَقَائِي فِيكُمْ) ؟ وَفِي رِوَايَةٍ إِلَّا قَلِيلًا، قَالَ الطِّيبِيُّ: مَا اسْتِفْهَامِيَّةٌ أَيْ: لَا أَدْرِي كَمْ مُدَّةُ بَقَائِي فِيكُمْ قَلِيلٌ أَمْ كَثِيرٌ وَفِيهِ تَعْلِيقٌ (فَاقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ) : بِاللَّامَيْنِ لِلْإِشْعَارِ لِأَنَّهُ تَثْنِيَةُ الَّذِي (مِنْ بَعْدِي: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ) . بَدَلٌ مِنَ اللَّذَيْنِ، وَفِي رِوَايَةٍ وَأَشَارَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) . وَفِي الْجَامِعِ:( «اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ» ) . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ حُذَيْفَةَ وَزَادَ الْحَافِظُ أَبُو نَصْرٍ الْقَصَّارُ: (فَإِنَّهُمَا حَبْلُ اللَّهِ الْمَمْدُودُ، فَمَنْ تَمَسَّكَ بِهِمَا تَمَسَّكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا.
6062 -
وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ لَمْ يَرْفَعْ أَحَدٌ رَأْسَهُ غَيْرُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، كَانَا يَتَبَسَّمَانِ إِلَيْهِ وَيَتَبَسَّمُ إِلَيْهِمَا، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.
ــ
6062 -
(وَعَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ لَمْ يَرْفَعْ أَحَدٌ) أَيْ: مِنَ الصَّحَابَةِ (رَأْسَهُ) أَيْ: رَأَسَ نَفْسِهِ لِهَيْبَةِ مَجْلِسِهِ وَرِعَايَةِ الْأَدَبِ حَالَ انْبِسَاطِهِ وَأُنْسِهِ، وَأَبْعَدَ شَارِحٌ حَيْثُ قَالَ أَيْ: رَأْسَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِاشْتِغَالِهِ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى (غَيْرُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ) ، بِالرَّفْعِ عَلَى الْبَدَلِيَّةِ مِنْ أَحَدٌ، وَفِي نُسْخَةٍ بِالنَّصْبِ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ (كَانَا يَتَبَسَّمَانِ إِلَيْهِ وَيَتَبَسَّمُ إِلَيْهِمَا) ، اسْتِئْنَافُ بَيَانٍ وَالتَّبَسُّمُ مَجَازٌ عَنْ كَمَالِ الِانْبِسَاطِ فِيمَا بَيْنَهُمْ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) . وَفِي " الرِّيَاضِ "، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَخْرُجُ عَلَى أَصْحَابِهِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَهُمْ جُلُوسٌ، فَلَا يَرْفَعُ إِلَيْهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ بَصَرَهُ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَإِنَّهُمَا كَانَا يَنْظُرَانِ إِلَيْهِ، وَيَنْظُرُ إِلَيْهِمَا وَيَتَبَسَّمَانِ إِلَيْهِ وَيَتَبَسَّمُ إِلَيْهِمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: غَرِيبٌ، وَالْمُخْلِصُ الذَّهَبِيُّ وَالْحَافِظُ الدِّمَشْقِيُّ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كُنَّا نَجْلِسُ عِنْدَ النَّبِيِّ كَأَنَّ عَلَى رُءُوسِنَا الطَّيْرَ مَا يَتَكَلَّمُ أَحَدٌ مِنَّا إِلَّا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ.
6063 -
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ ذَاتَ يَوْمٍ وَدَخَلَ الْمَسْجِدَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، أَحَدُهُمَا عَنْ يَمِينِهِ، وَالْآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ، وَهُوَ آخِذٌ بِأَيْدِيهِمَا، فَقَالَ (هَكَذَا نُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) » . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.
ــ
6063 -
(وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ ذَاتَ يَوْمٍ) أَيْ: مِنَ الْحُجْرَةِ الشَّرِيفَةِ (وَدَخَلَ الْمَسْجِدَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، أَحَدُهُمَا عَنْ يَمِينِهِ، وَالْآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ) ، الظَّاهِرُ أَنَّهُ نَوْعُ لَفٍّ وَنَشْرٍ مُرَتَّبٍ، فُوِّضَ إِلَى رَأَيِ السَّامِعِ لِظُهُورِهِ عِنْدَهُ (وَهُوَ آخِذٌ) : بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ (بِأَيْدِيهِمَا)، أَيْ بِيَدَيْهِمَا (فَقَالَ: هَكَذَا) أَيْ: بِالْوَصْفِ الْمَذْكُورِ فِي الِاجْتِمَاعِ الْمَسْطُورِ (نُبْعَثُ) أَيْ: نُخْرَجُ مِنَ الْقُبُورِ إِلَى مَوْضِعِ النُّشُورِ (يَوْمَ الْقِيَامَةِ) . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) .
6064 -
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَى أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ فَقَالَ:(هَذَانِ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ) » . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مُرْسَلًا.
ــ
6064 -
(وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ) ، بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالطَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ بَيْنَهُمَا نُونٌ سَاكِنَةٌ وَمِنْهُمْ مَنْ يَرْوِي بِالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَضُمُّهُمَا، ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ، وَهُوَ تَابِعِيٌّ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُؤَلِّفُ فِي أَسْمَائِهِ. أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (رَأَى أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ فَقَالَ:(هَذَانِ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ) ، أَيْ نَفْسُهُمَا مُبَالَغَةً كَرَجُلٍ عَدْلٍ، أَوْ هُمَا فِي الْمُسْلِمِينَ، أَوْ فِي الدِّينِ كَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ لَا الْأَعْضَاءِ، فَحَذَفَ كَافَ التَّشْبِيهِ لِلْمُبَالَغَةِ، وَلِذَا يُسَمَّى تَشْبِيهًا بَلِيغًا، أَوْ هُمَا فِي الْعِزَّةِ عِنْدِي بِمَنْزِلَتِهِمَا، وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَسْمَاعِ وَالْأَبْصَارِ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:( «اللَّهُمَّ مَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ» ) قَالَ الْقَاضِيَ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم سَمَّاهُمَا بِذَلِكَ لِشِدَّةِ حِرْصِهِمَا عَلَى اسْتِمَاعِ الْحَقِّ وَاتِّبَاعِهِ، وَتَهَالُكِهِمَا عَلَى النَّظَرِ فِي الْآيَاتِ الْمُنْبَثَّةِ فِي الْأَنْفُسِ وَالْآفَاقِ وَالتَّأَمُّلِ فِيهَا وَالِاعْتِبَارِ بِهَا اهـ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى فَضْلِ السَّمْعِ عَلَى الْبَصَرِ، كَمَا يُؤَيِّدُهُ الْآيَاتُ الْقُرْآنِيَّةُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ} [النحل: 78] وَنَحْوِهِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ بِتَقْدِيمِ السَّمْعِ عَلَى الْبَصَرِ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ حُصُولَ الْعِلْمِ بِدُونِ الْبَصَرِ يُتَصَوَّرُ بِخِلَافِ فَقْدِ السَّمْعِ، مَعَ أَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ الصَّمَمُ الْبَكَمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مُرْسَلًا.
قَالَ شَارِحٌ: وَهَذَا الْحَدِيثُ مُرْسَلٌ لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ الرَّاوِيَ هَذَا لَمْ يَرَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم. زَادَ مَيْرَكُ وَقَدْ يُقَالُ: لَهُ صُحْبَةٌ. قُلْتُ: وَقَدْ يُقَالُ لَهُ رُؤْيَةٌ، لَكِنْ لَيْسَ لَهُ رِوَايَةٌ. قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي " الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ":" «أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ مِنَ الرَّأْسِ» ) . رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى فِي " مُسْنَدِهِ "، عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَمَا لَهُ غَيْرُهُ. وَرَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي " الْحِلْيَةِ " عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا، وَالْخَطِيبُ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا. وَرَوَى الْمُلَّا فِي سِيرَتِهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فِي أُمَّتِي مِثْلُ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ فِي النُّجُومِ» ) .
6065 -
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «مَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَلَهُ وَزِيرَانِ مِنْ أَهْلِ السَّمَاءِ، وَوَزِيرَانِ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ، فَأَمَّا وَزِيرَايَ مِنْ أَهْلِ السَّمَاءِ فَجِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ، وَأَمَّا وَزِيرَايَ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ فَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ» ) . . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
ــ
6065 -
(وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَلَهُ وَزِيرَانِ مِنْ أَهْلِ السَّمَاءِ، وَوَزِيرَانِ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ) ، الْوَزِيرُ الْمُوَازِرُ، لِأَنَّهُ يَحْمِلُ الْوِزْرَ، أَيِ: الثِّقَلَ عَنْ أَمِيرِهِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ إِذَا أَصَابَهُ أَمْرٌ شَاوَرَهُمَا، كَمَا أَنَّ الْمَلِكَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ مُشْكِلٌ شَاوَرَ وَزِيرَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي - هَارُونَ أَخِي - اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي} [طه: 29 - 31] أَيْ: عَضُدِي لِيَحْصُلَ بِهِ نَصْرِي: {وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي} [طه: 32] أَيْ: فِي تَدْبِيرِ أَمْرِي. {كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا - وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا} [طه: 33 - 34] فَإِنَّ الْهَيْئَةَ الِاجْتِمَاعِيَّةَ لَهَا بَرَكَةٌ كَثِيرَةٌ فِي الْعِبَادَاتِ الْإِلَهِيَّةِ. (فَأَمَّا وَزِيرَايَ مِنْ أَهْلِ السَّمَاءِ فَجِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ) فِيهِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى فَضْلِهِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - عَلَى جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ عليهما السلام كَمَا أَنَّ فِيهِ إِيمَاءً إِلَى تَفْضِيلِ جِبْرِيلَ عَلَى مِيكَائِيلَ. (وَأَمَّا وَزِيرَايَ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ فَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ) . فِيهِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى فَضْلِهِمَا عَلَى غَيْرِهِمَا مِنَ الصَّحَابَةِ وَهُمْ أَفْضَلُ الْأُمَّةِ، وَعَلَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَفْضَلُ مِنْ عُمَرَ، لِأَنَّ الْوَاوَ وَإِنْ كَانَتْ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ، وَلَكِنَّ تَرَتُّبَهُ فِي لَفْظِ الْحَكِيمِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَثَرٍ عَظِيمٍ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ) .
وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَالْحَكِيمُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ:( «إِنَّ لِي وَزِيرَيْنِ مِنْ أَهْلِ السَّمَاءِ، وَوَزِيرَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ، فَوَزِيرَايَ مِنْ أَهْلِ السَّمَاءِ جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ، وَوَزِيرَايَ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ» ) وَرَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ وَلَفْظُهُ: ( «إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ وَزِيرَيْنِ، وَوَزِيرَايَ وَصَاحِبَايَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ» ) . وَأَخْرَجَ الْحَافِظُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ نُعَيْمٍ الْبَصْرِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ يَمِينِهِ وَعُمَرُ عَنْ يَسَارِهِ قَالَ: فَمَدَّ يَدَهُ الْمُبَارَكَةَ بَيْنَ كَتِفَيْ أَبِي بَكْرٍ، وَمَدَّ يَسَارَهُ بَيْنَ كَتِفَيْ عُمَرَ، ثُمَّ قَالَ، لَهُمَا: (أَنْتُمَا وَزِيرَايَ فِي الدُّنْيَا، وَأَنْتُمَا وَزِيرَايَ فِي الْآخِرَةِ، هَكَذَا تَنْشَقُّ الْأَرْضُ عَنِّي وَعَنْكُمَا، وَهَكَذَا أَزُورُ وَأَنْتُمَا رَبَّ الْعَالَمِينَ) » . وَعَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: مَكْتُوبٌ عَلَى سَاقِ الْعَرْشِ، أَوْ فِي سَاقِ الْعَرْشِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، وَزِيرَاهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَعُمَرُ الْفَارُوقُ. أَخْرَجَهُ صَاحِبُ الدِّيبَاجِ، وَعَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «إِنَّ اللَّهَ عز وجل أَيَّدَنِي مِنْ أَهْلِ السَّمَاءِ بِجِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ، وَمِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ» ) . أَخْرَجَهُ السَّمَرْقَنْدِيُّ.
6066 -
وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه «أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: رَأَيْتُ كَأَنَّ مِيزَانًا نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ، فَوُزِنْتَ أَنْتَ وَأَبُو بَكْرٍ، فَرَجَحْتَ أَنْتَ، وَوُزِنَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَرَجَحَ أَبُو بَكْرٍ، وَوُزِنَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ، فَرَجَحَ عُمَرُ ; ثُمَّ رُفِعَ الْمِيزَانُ، فَاسْتَاءَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعْنِي فَسَاءَهُ ذَلِكَ. فَقَالَ: (خِلَافَةُ نُبُوَّةٍ، ثُمَّ يُؤْتِي اللَّهُ الْمُلْكَ مَنْ يَشَاءُ) » رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ.
ــ
6066 -
(وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ) أَيِ: الثَّقَفِيِّ (أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: رَأَيْتُ كَأَنَّ) : بِتَشْدِيدِ النُّونِ (مِيزَانًا نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ، فَوُزِنْتَ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ الْمُخَاطَبِ (أَنْتَ) : ضَمِيرُ فَصْلٍ وَتَأْكِيدٍ لِتَصْحِيحِ الْعَطْفِ (وَأَبُو بَكْرٍ، فَرَجَحْتَ (: بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْحَاءِ أَيْ: ثَقُلْتَ وَغَلَبْتَ (أَنْتَ) ، لِتَأْكِيدِ الْمُجَرَّدِ (وَوُزِنَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَرَجَحَ أَبُو بَكْرٍ، وَوُزِنَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ فَرَجَحَ عُمَرُ، ثُمَّ رُفِعَ الْمِيزَانُ) . وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى وَجْهِ مَا اخْتُلِفَ فِي تَفْضِيلِ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ. (فَاسْتَاءَ) : بِهَمْزِ وَصْلٍ وَسُكُونِ سِينٍ فَتَاءٍ فَأَلِفٍ فَهَمْزٍ أَيْ فَحَزِنَ. (لَهَا) أَيْ: لِلرُّؤْيَا (رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعْنِي) : هَذَا قَوْلُ الرَّاوِي (فَسَاءَهُ) أَيْ: فَأَحْزَنَ النَّبِيَّ (ذَلِكَ) أَيْ: مَا ذَكَرَهُ الرَّجُلُ مِنْ رُؤْيَاهُ، وَذَلِكَ لِمَا عَلِمَ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَنَّ تَأْوِيلَ رَفْعِ الْمِيزَانِ انْحِطَاطُ رُتْبَةِ الْأُمُورِ وَظُهُورُ الْفِتَنِ بَعْدَ خِلَافَةِ عُمَرَ، وَمَعْنَى رُجْحَانِ كُلٍّ مِنَ الْآخَرِ فِي الْمِيزَانِ أَنَّ الرَّاجِحَ أَفْضَلُ مِنَ الْمَرْجُوحِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُوزَنْ عُثْمَانُ وَعَلِيٌّ لِأَنَّ خِلَافَةَ عَلِيٍّ عَلَى اخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ فِرْقَةٌ مَعَهُ وَفِرْقَةٌ مَعَ مُعَاوِيَةَ، فَلَا تَكُونُ خِلَافَةً مُسْتَقِرَّةً مُتَّفَقًا عَلَيْهَا. ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ. " وَفِي النِّهَايَةِ ": اسْتَاءَ بِوَزْنِ افْتَعَلَ مِنَ السُّوءِ وَهُوَ مُطَاوِعُ سَاءَ يُقَالُ: اسْتَاءَ فُلَانٌ بِكَذَا أَيْ: سَاءَهُ ذَلِكَ، وَيُرْوَى فَاسَتَاءَ لَهَا أَيْ: طَلَبَ تَأْوِيلَهَا بِالنَّظَرِ وَالتَّأَمُّلِ. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: إِنَّمَا سَاءَهُ
- وَاللَّهُ أَعْلَمُ - مِنَ الرُّؤْيَا الَّتِي ذَكَرَهَا مَا عَرَفَهُ مِنْ تَأْوِيلِ رَفْعِ الْمِيزَانِ، فَإِنَّ فِيهِ احْتِمَالًا لِانْحِطَاطِ رُتْبَةِ الْأَمْرِ فِي زَمَانِ الْقَائِمِ بِهِ بَعْدَ عُمَرَ رضي الله عنه عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ النَّفَاذِ وَالِاسْتِعْلَاءِ وَالتَّمَكُّنِ بِالتَّأْيِيدِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنَ الْوَزْنِ مُوَازَنَةَ أَيَّامِهِمْ لِمَا كَانَ نَظَرَ فِيهَا مِنْ رَوْنَقِ الْإِسْلَامِ وَبَهْجَتِهِ، ثُمَّ إِنَّ الْمُوَازَنَةَ إِنَّمَا تُرَاعَى فِي الْأَشْيَاءِ الْمُتَقَارِبَةِ مَعَ مُنَاسَبَةٍ مَا، فَيَظْهَرُ الرُّجْحَانُ، فَإِذَا تَبَاعَدَتْ كُلَّ التَّبَاعُدِ لَمْ يُوجَدْ لِلْمُوَازَنَةِ مَعْنًى، فَلِهَذَا رُفِعَ الْمِيزَانُ.
(فَقَالَ) أَيِ: النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (خِلَافَةُ نُبُوَّةٍ)، بِالْإِضَافَةِ وَرَفْعِ خِلَافَةٍ عَلَى الْخَبَرِ أَيِ الَّذِي رَأَيْتَهُ خِلَافَةُ نُبُوَّةٍ. وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ هَذِهِ خِلَافَةُ (ثُمَّ يُؤْتِي اللَّهُ الْمُلْكَ مَنْ يَشَاءُ) . وَقِيلَ أَيْ: انْقَضَتْ خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ، هَذِهِ الرُّؤْيَا دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الْخِلَافَةَ بِالْحَقِّ تَنْقَضِي وَتَنْتَهِي حَقِيقَتُهَا بِانْقِضَاءِ خِلَافَةِ عُمَرَ رضي الله عنه. وَقَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: دَلَّ إِضَافَةُ الْخِلَافَةِ إِلَى النُّبُوَّةِ عَلَى أَنْ لَا ثُبُوتَ فِيهَا مِنْ طَلَبِ الْمُلْكِ وَالْمُنَازَعَةِ فِيهِ لِأَحَدٍ، وَكَانَتْ خِلَافَةُ الشَّيْخَيْنِ عَلَى هَذَا، وَكَوْنُ الْمَرْجُوحِيَّةِ انْتَهَتْ إِلَى عُثْمَانَ رضي الله عنه دَلَّ عَلَى حُصُولِ الْمُنَازَعَةِ فِيهَا، وَأَنَّ الْخِلَافَةَ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ مَشُوبَةٌ بِالْمُلْكِ، فَأَمَّا بَعْدَهُمَا فَكَانَتْ مُلْكًا عَضُوضًا. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ) . وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي " مُسْنَدِهِ " عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:«خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ غَدْوَةٍ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَقَالَ: (رَأَيْتُ قَبْلَ الْفَجْرِ كَأَنِّي أُعْطِيتُ الْمَقَالِيدَ وَالْمَوَازِينَ، فَأَمَّا الْمَقَالِيدُ فَهِيَ الْمَفَاتِيحُ، وَأَمَّا الْمَوَازِينُ فَهَذِهِ الَّتِي يُوزَنُ بِهَا، وَوُضِعْتُ فِي كِفَّةٍ، وَوُضِعَتْ أُمَّتِي فِي كِفَّةٍ فَرَجَحْتُ، ثُمَّ جِيءَ بِأَبِي بَكْرٍ فَوُزِنَ بِهِمْ فَرَجَحَ، ثُمَّ جِيءَ بِعُمَرَ فَوُزِنَ بِهِمْ فَرَجَحَ، ثُمَّ جِيءَ بِعُثْمَانَ فَوُزِنَ بِهِمْ فَرَجَحَ ثُمَّ رُفِعَتْ) » . وَلَعَلَّ فِي رَاجِحِيَّةِ كُلِّ أَحَدٍ مِنْهُمْ بِجَمِيعِ الْأُمَّةِ إِيمَاءً إِلَى اتِّفَاقِ جَمِيعِ الْأُمَّةِ عَلَى خِلَافَتِهِ، وَكَأَنَّهُ قَعَدَ بِهِمْ وَنَاءَ بِحِمْلِهِمْ، وَفِي رَفْعِ الْمِيزَانِ إِشَارَةٌ إِلَى الِاخْتِلَافِ الْوَاقِعِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَبَيْنَ حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ أَيْضًا أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ:( «رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ ثَلَاثَةً مِنْ أَصْحَابِي وُزِنُوا، فَوُزِنَ أَبُو بَكْرٍ فَوَزَنَ، ثُمَّ وُزِنَ عُمَرُ فَوَزَنَ، ثُمَّ وُزِنَ عُثْمَانُ فَنَقَصَ صَاحِبُنَا وَهُوَ صَالِحٌ» ) اهـ. بَلْ نَحْمِلُهَا عَلَى مَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ جَمْعًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَوْلَى مِنْ إِلْغَاءِ أَحَدِهِمَا فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ السَّابِقُ: فَرَجَحَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنَ الِاتِّفَاقِ عَلَى خِلَافَتِهِ، وَيُحْمَلُ قَوْلُهُ: فَوَزَنَ عَلَى مُوَافَقَةِ رَأْيِهِمْ، وَأَنَّ رَأْيَهُ وَازَنَ آرَاءَهُمْ فَجَاءَ مَوْزُونًا مُعْتَدِلًا مَعَهَا لَمْ يُخَالِفُوهُ فِي رَأْيٍ رَآهُ. وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «أَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ، ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ ثُمَّ آتِي أَهْلَ الْبَقِيعِ فَيُحْشَرُونَ مَعِي، ثُمَّ أَنْتَظِرُ أَهْلَ مَكَّةَ حَتَّى أُحْشَرَ بَيْنَ الْحَرَمَيْنِ» ) وَمِمَّا يُنَاسِبُهُ مَا رُوِيَ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَقَدْ سَأَلَهُ الرَّشِيدُ: كَيْفَ كَانَتْ مَنْزِلَةُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَيَاتِهِ؟ قَالَ: كَقُرْبِ قَبْرَيْهِمَا مِنْ قَبْرِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ. قَالَ: شَفَيْتَنِي يَا مَالِكُ. أَخْرَجَهُ الْبَصْرِيُّ وَالْحَافِظُ السَّلَفِيُّ، وَنَحْوُهُ أَخْرَجَهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي الْمُوَافَقَةِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ. وَمِمَّا يُنَاسِبُهُ أَيْضًا مَا أَخْرَجَهُ الْقَلَعِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَلَفَ مِنْ يَهُودِيٍّ شَيْئًا إِلَى الْحَوْلِ، فَقَالَ: أَرَأَيْتَ وَلَمْ أَجِدْكَ فَإِلَى مَنْ أَذْهَبُ؟ قَالَ: (إِلَى أَبِي بَكْرٍ) قَالَ: فَإِنْ لَمْ أَجِدْهُ. قَالَ: (إِلَى عُمَرَ) قَالَ: إِنْ لَمْ أَجِدْهُ؟ قَالَ: (إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَمُوتَ إِذَا مَاتَ عُمَرُ فَمُتْ) » . وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ. مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَنْ حُذَيْفَةَ مَرْفُوعًا: ( «اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ» ) وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ.
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
6067 -
عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: « (يَطَّلِعُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ) ، فَاطَّلَعَ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ قَالَ: (يَطَّلِعُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ) ، فَاطَّلَعَ عُمَرُ» ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.
ــ
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
6067 -
(عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (يَطَّلِعُ) : بِتَشْدِيدِ الطَّاءِ أَيْ يُشْرِفُ أَوْ يَظْهَرُ أَوْ «يَدْخُلُ (عَلَيْكُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ) فَاطَّلَعَ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ قَالَ: (يَطَّلِعُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ) فَاطَّلَعَ عُمَرُ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) .