المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب مناقب عثمان رضي الله عنه] - مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٩

[الملا على القاري]

فهرس الكتاب

- ‌[بَابُ صِفَةِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِهَا]

- ‌[بَابُ رُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى]

- ‌[بَابُ صِفَةِ النَّارِ وَأَهْلِهَا]

- ‌[بَابُ خَلْقِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ]

- ‌[بَابُ بَدْءِ الْخَلْقِ وَذِكْرِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ]

- ‌[كِتَابِ الْفَضَائِلِ] [

- ‌بَابُ فَضَائِلِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ]

- ‌[بَابُ أَسْمَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَصِفَاتِهِ]

- ‌[بَابٌ فِي أَخْلَاقِهِ وَشَمَائِلِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[بَابُ الْمَبْعَثِ وَبَدْءِ الْوَحْيِ]

- ‌[بَابُ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ]

- ‌[بَابٌ فِي الْمِعْرَاجِ]

- ‌[بَابٌ فِي الْمُعْجِزَاتِ]

- ‌[بَابُ الْكَرَامَاتِ]

- ‌[بَابٌ هِجْرَةُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ وَوَفَاتُهُ]

- ‌[بَابٌ]

- ‌[كِتَابُ الْمَنَاقِبِ وَالْفَضَائِلِ] [

- ‌بَابُ مَنَاقِبِ قُرَيْشٍ وَذِكْرِ الْقَبَائِلِ]

- ‌[بَابُ مَنَاقِبِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ]

- ‌[بَابُ مَنَاقِبِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه]

- ‌[بَابُ مَنَاقِبِ عُمَرَ رضي الله عنه]

- ‌[بَابُ مَنَاقِبِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما]

- ‌[بَابُ مَنَاقِبِ عُثْمَانَ رضي الله عنه]

- ‌[بَابُ مَنَاقِبِ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ رضي الله عنهم]

- ‌[بَابُ مَنَاقِبِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه]

- ‌[بَابُ مَنَاقِبِ الْعَشَرَةِ رضي الله عنهم]

- ‌[بَابُ مَنَاقِبِ أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم]

- ‌[بَابُ مَنَاقِبِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهن]

- ‌[بَابُ جَامِعِ الْمَنَاقِبِ]

- ‌[تَسْمِيَةُ مَنْ سُمِّيَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ]

- ‌[بَابُ ذِكْرِ الْيَمَنِ وَالشَّامِ وَذِكْرِ أُوَيْسٍ الْقَرَنِيِّ]

- ‌[بَابُ ثَوَابِ هَذِهِ الْأُمَّةِ]

الفصل: ‌[باب مناقب عثمان رضي الله عنه]

6068 -

وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: «بَيْنَا رَأْسُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حِجْرِي فِي لَيْلَةٍ ضَاحِيَةٍ إِذْ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ يَكُونُ لِأَحَدٍ مِنَ الْحَسَنَاتِ عَدَدُ نُجُومِ السَّمَاءِ؟ قَالَ: (نَعَمْ، عُمَرُ) . قُلْتُ: فَأَيْنَ حَسَنَاتُ أَبِي بَكْرٍ؟ قَالَ: (إِنَّمَا جَمِيعُ حَسَنَاتِ عُمَرَ كَحَسَنَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ حَسَنَاتِ أَبِي بَكْرٍ) » رَوَاهُ رَزِينٌ.

ــ

6068 -

(وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: بَيْنَا رَأْسُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حِجْرِي) : بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا (فِي لَيْلَةٍ ضَاحِيَةٍ) أَيْ: مُقْمِرَةٍ (إِذْ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ يَكُونُ لِأَحَدٍ مِنَ الْحَسَنَاتِ عَدَدُ نُجُومِ السَّمَاءِ؟ قَالَ: (نَعَمْ عُمَرُ) . قُلْتُ: فَأَيْنَ حَسَنَاتُ أَبِي بَكْرٍ؟ قَالَ: ( «إِنَّمَا جَمِيعُ حَسَنَاتِ عُمَرَ كَحَسَنَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ حَسَنَاتِ أَبِي بَكْرٍ» ) . وَلَعَلَّهُ لِسَبْقِهِ إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالْمَرَامِ. (رَوَاهُ رَزِينٌ) . وَإِنِ اتَّفَقَ خِلَافُ ذَلِكَ فِي بَادِي النَّظَرِ رَجَعُوا إِلَيْهِ فِي ثَانِيَةٍ مُسْتَصْوِبِينَ رَأْيَهُ، مُعْتَرِفِينَ بِأَنَّ الْحَقَّ كَانَ مَعَهُ كَمَا فِي قِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَهَذَا الْمَعْنَى فُقِدَ فِي عُثْمَانَ فَإِنَّهُمْ خَالَفُوا رَأْيَهُ فِي كَثِيرٍ مِنْ وَقَائِعِهِ، وَلَمْ يَرْجِعُوا إِلَيْهِ، بَلْ أَصَرُّوا إِلَى إِنْكَارِهِمْ عَلَيْهِ حَتَّى قُتِلَ، وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ عَلَى الْحَقِّ عَلَى مَا شَهِدَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ، وَكَانَ رَجُلًا صَالِحًا عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثُ، فَالنَّقْصُ إِنَّمَا كَانَ عَمَّا ثَبَتَ لِلشَّيْخَيْنِ قَبْلَهُ، كَذَا حَقَّقَهُ الطَّبَرِيُّ فِي الرِّيَاضِ النَّضِرَةِ فِي فَضَائِلِ الْعَشَرَةِ.

ص: 3917

[بَابُ مَنَاقِبِ عُثْمَانَ رضي الله عنه]

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

6069 -

عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُضْطَجِعًا فِي بَيْتِهِ، كَاشِفًا عَنْ فَخِذَيْهِ - أَوْ سَاقَيْهِ - فَاسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ، فَأَذِنَ لَهُ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، فَتَحَدَّثَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُمَرُ، فَأَذِنَ لَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَتَحَدَّثَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُثْمَانُ فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَسَوَّى ثِيَابَهُ، فَلَمَّا خَرَجَ قَالَتْ عَائِشَةُ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ تَهْتَشَّ لَهُ وَلَمْ تُبَالِهِ، ثُمَّ دَخَلَ عُمَرُ فَلَمْ تَهْتَشَّ لَهُ وَلَمْ تُبَالِهِ، ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ فَجَلَسْتَ وَسَوَّيْتَ ثِيَابَكَ فَقَالَ: (أَلَا أَسْتَحْيِي مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحْيِي مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ؟) . وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: (إِنَّ عُثْمَانَ رَجُلٌ حَيِيٌّ، وَإِنِّي خَشِيتُ إِنْ أَذِنْتُ لَهُ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ أَنْ لَا يَبْلُغَ إِلَيَّ فِي حَاجَتِهِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

[6]

بَابُ مَنَاقِبِ عُثْمَانَ رضي الله عنه الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

6069 -

(عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُضْطَجِعًا فِي بَيْتِهِ كَاشِفًا، عَنْ فَخِذَيْهِ أَوْ سَاقَيْهِ) . قَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله: احْتَجَّ بِهِ الْمَالِكِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ يَقُولُ: لَيْسَتِ الْفَخِذُ عَوْرَةً، وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهُ قَالَ الشَّيْخُ الْأَلْبَانِيُّ فِي الْمِشْكَاةِ: الرَّاوِي فِي الْمَكْشُوفِ هَلْ هُمَا السَّاقَانِ أَمِ الْفَخِذَانِ؟ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْجَزْمُ بِجَوَازِ كَشْفِ الْفَخِذِ. قُلْتُ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِكَشْفِ الْفَخِذِ كَشْفَهُ عَمَّا عَلَيْهِ مِنَ الْقَمِيصِ، لَا مِنَ الْمِئْزَرِ كَمَا سَيَأْتِي مَا يُشْعِرُ إِلَيْهِ مِنْ كَلَامِ عَائِشَةَ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ أَحْوَالِهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ آلِهِ وَصَحْبِهِ. (فَاسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ، فَأَذِنَ لَهُ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، فَتَحَدَّثَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُمَرُ، فَأَذِنَ لَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَتَحَدَّثَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُثْمَانُ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) أَيْ: بَعْدَمَا كَانَ مُضْطَجِعًا (وَسَوَّى ثِيَابَهُ) ، أَيْ بَعْدَ عَدَمِ تَسْوِيَتِهِ، وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ كَاشِفًا عَنْ نَفْسِ أَحَدِ الْعُضْوَيْنِ، بَلْ عَنِ الثِّيَابِ الْمَوْضُوعَةِ عَلَيْهِمَا، وَلِذَا لَمْ تَقُلْ وَسَتَرَ فَخِذَهُ، فَارْتَفَعَ بِهِ الْإِشْكَالُ وَانْدَفَعَ بِهِ الِاسْتِدْلَالُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالْأَحْوَالِ (فَلَمَّا خَرَجَ) أَيْ: عُثْمَانُ وَمَنْ مَعَهُ أَوْ تَقْدِيرُهُ: فَلَمَّا خَرَجَ الْقَوْمُ (قَالَتْ عَائِشَةُ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ تَهْتَشَّ لَهُ) : بِتَشْدِيدِ الشِّينِ أَيْ: لَمْ تَتَحَرَّكْ لِأَجْلِهِ، وَفِي " شَرْحِ مُسْلِمٍ ": الْهَشَاشَةُ الْبَشَاشَةُ وَطَلَاقَةُ الْوَجْهِ وَحُسْنُ الِالْتِقَاءِ (وَلَمْ تُبَالِهِ) ، أَيْ أَبَا بَكْرٍ، وَفِي نُسْخَةٍ بِهَاءِ السَّكْتِ، فَفِي " الْقَامُوسِ " مَا أُبَالِيهِ مُبَالَاةً أَيْ مَا أَكْتَرِثُ، وَالْمَعْنَى ثَبَتَّ عَلَى اضْطِجَاعِكَ وَعَدَمِ جَمْعِ ثِيَابِكَ (ثُمَّ دَخَلَ عُمَرُ فَلَمْ تَهْتَشَّ لَهُ وَلَمْ تُبَالِهِ، ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ فَجَلَسْتَ وَسَوَّيْتَ ثِيَابَكَ. قَالَ: ( «أَلَا أَسْتَحْيِي مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحْيِي مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ» ؟) بِالْيَاءَيْنِ فِي الْفِعْلَيْنِ وَهِيَ اللُّغَةُ الْفُصْحَى.

قَالَ النَّوَوِيُّ: فِيهِ فَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ لِعُثْمَانَ رضي الله عنه وَأَنَّ الْحَيَاءَ صِفَةٌ جَمِيلَةٌ مِنْ صِفَاتِ الْمَلَائِكَةِ. قَالَ الْمُظْهِرُ: وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَوْقِيرِ عُثْمَانَ رضي الله عنه عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَكِنْ لَا يَدُلُّ عَلَى حَطِّ مَنْصِبِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ.

ص: 3917

- رضي الله عنهما عِنْدَهُ صلى الله عليه وسلم وَقِلَّةِ الِالْتِفَاتِ إِلَيْهِمَا لِأَنَّ قَاعِدَةَ الْمَحَبَّةِ إِذَا كَمُلَتْ وَاشْتَدَّتِ ارْتَفَعَ التَّكَلُّفُ كَمَا قِيلَ: إِذَا حَصَلَتِ الْأُلْفَةُ بَطَلَتِ الْكُلْفَةُ. قُلْتُ: فَانْقَلَبَ الْحَدِيثُ دَلَالَةً عَلَى فَضْلِهِمَا إِلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الظَّاهِرُ الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ تَعْظِيمَهُ وَتَوْقِيرَهُ ذُكِرَ فِي بَابِ مَنَاقِبِهِ، وَأَغْرَبَ ابْنُ الْمَلَكِ حَيْثُ جَزَمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْتِحْيَاءِ التَّوْقِيرُ، وَسَيَأْتِي فِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ حَقِيقَةُ الِاسْتِحْيَاءِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مُقْتَضَى حُسْنِ الْمُعَامَلَةِ وَالْمُجَامَلَةِ فِي الْمُعَاشَرَةِ هُوَ الْمُشَاكَلَةُ وَالْمُقَابَلَةُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى كُلِّ أَحَدٍ مِنْ غَلَبَةِ الصِّفَةِ وَالْحَالَةِ الَّتِي تَكُونُ فِيهِ. أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ يُرَاعِي صَاحِبَهُ بِكَثْرَةِ التَّوَاضُعِ يَقْتَضِي لَهُ زِيَادَةَ التَّوَاضُعِ مَعَهُ، وَكَذَا إِذَا كَانَ كَثِيرَ الِانْبِسَاطِ يُوجِبُ الِانْبِسَاطَ، وَإِذَا كَانَ كَثِيرَ الْأَدَبِ يَحْمِلُ صَاحِبَهُ عَلَى تَكَلُّفِ الْأَدَبِ مَعَهُ، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ سَائِرُ الْأَحْوَالِ مِنَ السُّكُوتِ وَالْكَلَامِ وَالضَّحِكِ وَالْقِيَامِ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ، هَذَا وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ السَّخَاوِيُّ فِي فَتَاوِيهِ: سُئِلْتُ عَنِ الْمَوْطِنِ الَّذِي اسْتَحَتْ فِيهِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ سَيِّدِنَا عُثْمَانَ رضي الله عنه؟ فَأَجَبْتُ: لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ فِي حَدِيثٍ يُعْتَمَدُ، وَلَكِنْ أَفَادَ شَيْخُنَا الْبَدْرُ النَّسَّابَةُ فِي بَعْضِ مَجَامِيعِهِ عَنِ الْجَمَّالِ الْكَازَرُونِيِّ: أَنَّهُ لَمَّا آخَى بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ فِي غَيْبَةِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَتَقَدَّمَ عُثْمَانُ لِذَلِكَ كَانَ صَدْرُهُ مَكْشُوفًا، فَتَأَخَّرَتِ الْمَلَائِكَةُ حَيَاءً، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِتَغْطِيَةِ صَدْرِهِ فَعَادُوا إِلَى مَكَانِهِمْ، فَسَأَلَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ سَبَبِ تَأَخُّرِهِمْ فَقَالُوا: حَيَاءً مِنْ عُثْمَانَ اهـ. فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَيَاءَ يُوجِبُ الْحَيَاءَ، وَأَنَّ حَيَاءَ الْمَلَائِكَةِ صَارَ سَبَبًا لِحَيَاءِ عُثْمَانَ، وَكَأَنَّهُ اسْتَمَرَّ عَلَيْهِ وَبَالَغَ فِيهِ حَتَّى صَارَ سَبَبًا لِاسْتِحْيَاءِ غَيْرِهِ مِنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَعَنِ الْحَسَنِ: وَذَكَرَ عُثْمَانَ وَشِدَّةَ حَيَائِهِ فَقَالَ: إِنْ كَانَ لَيَكُونُ فِي الْبَيْتِ وَالْبَابُ عَلَيْهِ مُغْلَقٌ، ثُمَّ يَضَعُ عَنْهُ الثَّوْبَ لِيُفِيضَ عَلَيْهِ الْمَاءَ يَمْنَعُهُ الْحَيَاءُ أَنْ يُقِيمَ صُلْبَهُ كَمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَصَاحِبُ " الصَّفْوَةِ ".

(وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ) : قَالَ مَيْرَكُ: ظَاهِرُ إِيرَادِ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّ الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ مَعَ الَّتِي قَبْلَهَا فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ، وَإِنَّمَا هُمَا حَدِيثَانِ، فَالْمُتَقَدِّمُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ: أَنَّ عُثْمَانَ وَعَائِشَةَ حَدَّثَاهُ «أَنَّ أَبَا بَكْرٍ اسْتَأْذَنَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى فِرَاشِهِ لَابِسٌ مِرْطَ عَائِشَةَ، فَأَذِنَ لِأَبِي بَكْرٍ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَقَضَى إِلَيْهِ حَاجَتَهُ ثُمَّ انْصَرَفَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُمَرُ فَأَذِنَ لَهُ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ فَقَضَى إِلَيْهِ حَاجَتَهُ ثُمَّ انْصَرَفَ. قَالَ عُثْمَانُ: ثُمَّ اسْتَأْذَنْتُ عَلَيْهِ فَجَلَسَ، وَقَالَ لِعَائِشَةَ: (اجْمَعِي عَلَيَّ ثِيَابَكِ) يَعْنِي الْمِرْطَ. قَالَ: فَقَضَيْتُ إِلَيْهِ حَاجَتِي ثُمَّ انْصَرَفْتُ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا لِي لَمْ أَرَكَ فَزِعْتَ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ كَمَا فَزِعْتَ لِعُثْمَانَ فَقَالَ: (إِنَّ عُثْمَانَ رَجُلٌ حَيِيٌّ) » : فَعِيلٌ بِمَعْنَى كَثِيرِ الْحَيَاءِ (وَإِنِّي خَشِيتُ إِنْ أَذِنْتُ لَهُ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ أَنْ لَا يَبْلُغَ إِلَيَّ فِي حَاجَتِهِ) . أَيْ إِنْ أَذِنْتُ لَهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ أَخَافُ أَنْ يَرْجِعَ حَيَاءً مِنِّي عِنْدَمَا يَرَانِي عَلَى تِلْكَ الْهَيْئَةِ، وَلَا يَعْرِضُ عَلَيَّ حَاجَتَهُ لِغَلَبَةِ أَدَبِهِ وَكَثْرَةِ حَيَائِهِ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) . وَكَذَا أَحْمَدُ وَأَبُو حَاتِمٍ.

وَرَوَى أَحْمَدُ عَنْ حَفْصَةَ قَالَتْ: «دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَوَضَعَ ثَوْبَهُ بَيْنَ فَخِذَيْهِ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ فَأَذِنَ لَهُ وَهُوَ عَلَى هَيْئَتِهِ، ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ يَسْتَأْذِنُ فَأَذِنَ لَهُ وَهُوَ عَلَى هَيْئَتِهِ، ثُمَّ جَاءَ عُثْمَانُ يَسْتَأْذِنُ فَتَجَلَّلَ ثَوْبَهُ ثُمَّ أَذِنَ لَهُ، فَتَحَدَّثُوا سَاعَةً ثُمَّ خَرَجُوا. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعَلِيٌّ وَنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِكَ وَأَنْتَ عَلَى هَيْئَتِكَ لَمْ تَتَحَرَّكْ، فَلَمَّا دَخَلَ عُثْمَانُ تَجَلَّلْتَ ثَوْبَكَ. قَالَ: (أَلَا أَسْتَحِي مِمَّنْ تَسْتَحِي مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ) » . وَخَرَّجَهُ رَزِينٌ مُخْتَصَرًا.

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: قَالَ مُحَمَّدٌ: وَلَا أَقُولُ ذَلِكَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَجَاءَ فِي رِوَايَةٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:( «عُثْمَانُ رَجُلٌ ذُو حَيَاءٍ فَسَأَلْتُ رَبِّي أَنْ لَا يَقِفَ لِلْحِسَابِ فَشَفَّعَنِي فِيهِ» ) . وَفِي رِوَايَةٍ: «إِنِّي سَأَلْتُ عُثْمَانَ حَاجَةً سِرًّا فَقَضَاهَا سِرًّا. فَسَأَلْتُ اللَّهَ أَنْ لَا يُحَاسِبَ عُثْمَانَ. وَفِي رِوَايَةٍ: فَسَأَلْتُ اللَّهَ أَنْ يُحَاسِبَهُ سِرًّا» . وَهَذِهِ مِنْ خَصَائِصِهِ إِذْ وَرَدَ فِي سِيَاقٍ: أَوَّلُ مَنْ يُحَاسَبُ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ ثُمَّ عَلِيٌّ، وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ " فِي الْحِلْيَةِ " عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا:( «أَشَدُّ أُمَّتِي حَيَاءً ابْنُ عَفَّانَ» ) وَأَخْرَجَ ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: ( «عُثْمَانُ حَيِيٌّ تَسْتَحِي مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ» ) . وَأَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: ( «عُثْمَانُ أَحْيَى أُمَّتِي وَأَكْرَمُهَا» ) . وَأَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا: ( «أَشَدُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا حَيَاءً عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ» ) وَأَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا قَالَ: ( «إِنَّ عُثْمَانَ حِينَ يَسِيرُ تَسْتَحِي مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ» ) .

ص: 3918

الْفَصْلُ الثَّانِي

6070 -

عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «لِكُلِّ نَبِيٍّ رَفِيقٌ، وَرَفِيقِي - يَعْنِي فِي الْجَنَّةِ - عُثْمَانُ» ) . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

ــ

الْفَصْلُ الثَّانِي

6070 -

(عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) : وَهُوَ أَحَدُ الْعَشَرَةِ الْمُبَشَّرَةِ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (لِكُلِّ نَبِيٍّ رَفِيقٌ)، أَيْ: خَاصٌّ (وَرَفِيقِي - يَعْنِي فِي الْجَنَّةِ - عُثْمَانُ) . خَبَرٌ لِلْمُبْتَدَأِ وَالْجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَهُمَا مِنْ كَلَامِ طَلْحَةَ أَوْ غَيْرِهِ تَفْسِيرًا وَبَيَانًا لِمَكَانِ الرَّفَاقَةِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ فِي كَلَامِهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى سَبِيلِ الْإِطْلَاقِ الشَّامِلِ لِلدُّنْيَا وَالْعُقْبَى جَزَاءً وِفَاقًا، ثُمَّ هُوَ لَا يُنَافِي كَوْنَ غَيْرِهِ أَيْضًا رَفِيقًا لَهُ صلى الله عليه وسلم كَمَا وَرَدَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ وَلَفْظُهُ:«إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ خَاصَّةً مِنْ أَصْحَابِهِ وَإِنَّ خَاصَّتِي مِنْ أَصْحَابِي أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ» ، نَعَمْ يُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ رَفِيقًا وَأَنَّهُ لَهُ رُفَقَاءُ وَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ فِي مَقَامِ الْجَمْعِ، وَمَعَ هَذَا فِي تَخْصِيصِ ذِكْرِهِ إِشْعَارٌ بِعَظِيمِ مَنْزِلَتِهِ وَرَفْعِ قَدْرِهِ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ)، أَيْ: عَنْ طَلْحَةَ.

ص: 3919

6071 -

وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ.

ــ

6071 -

(وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) . قَالَ) : وَفِي نُسْخَةٍ: وَقَالَ (التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ)، وَالْغَرَابَةُ لَا تُنَافِي الصِّحَّةَ وَلِذَا قَالَ:(وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ، وَهُوَ)، أَيِ: الْحَدِيثُ أَوْ إِسْنَادُهُ (مُنْقَطِعٌ) . وَهُوَ أَنْ يَكُونَ السَّاقِطُ مِنَ الرُّوَاةِ اثْنَيْنِ مُتَوَالِيَيْنِ، أَوْ سَقَطَ وَاحِدٌ فَقَطْ، أَوْ أَكْثَرُ مِنَ اثْنَيْنِ، لَكِنْ بِشَرْطِ عَدَمِ التَّوَالِي، فَيَتَحَصَّلَ مِنْهُ أَنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ، لَكِنَّهُ يُعْتَبَرُ قَوِيًّا فِي الْفَضَائِلِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا ( «لِكُلِّ نَبِيٍّ خَلِيلٌ فِي أُمَّتِهِ وَإِنَّ خَلِيلِي عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ» ) . وَأَوْرَدَ السُّيُوطِيُّ حَدِيثَ الْأَصْلِ فِي " الْجَامِعِ " بِلَفْظِ:( «لِكُلِّ نَبِيٍّ رَفِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَرَفِيقِي فِيهَا عُثْمَانُ» ) . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ طَلْحَةَ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.

وَفِي " الرِّيَاضِ "، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: شَهِدْتُ عُثْمَانَ يَوْمَ حُوصِرَ وَلَوْ أُلْقِيَ حَجَرٌ لَمْ يَقَعْ إِلَّا عَلَى رَأْسِ رَجُلٍ، فَرَأَيْتُ عُثْمَانَ أَشْرَفَ مِنَ الْخَوْخَةِ الَّتِي مَقَامُ جِبْرِيلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ لِطَلْحَةَ: أَنْشُدُكَ اللَّهَ أَتَذْكُرُ يَوْمَ كُنْتُ أَنَا وَأَنْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ غَيْرِي وَغَيْرِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ، فَقَالَ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:( «يَا طَلْحَةَ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَمَعَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ رَفِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَإِنَّ عُثْمَانَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ» ) يَعْنِينِي. قَالَ طَلْحَةُ: اللَّهُمَّ نَعَمْ، ثُمَّ انْصَرَفَ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مُخْتَصَرًا عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَلَفْظُهُ:( «لِكُلِّ نَبِيٍّ رَفِيقٌ وَرَفِيقِي عُثْمَانُ» ) وَلَمْ يَقُلْ فِي الْجَنَّةِ.

ص: 3919

6072 -

وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَبَّابٍ، قَالَ:«شَهِدْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَحُثُّ عَلَى جَيْشِ الْعُسْرَةِ، فَقَامَ عُثْمَانُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلَيَّ مِائَةُ بَعِيرٍ بِأَحْلَاسِهَا وَأَقْتَابِهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ حَضَّ عَلَى الْجَيْشِ، فَقَامَ عُثْمَانُ، قَالَ: عَلَيَّ مِائَتَا بَعِيرٍ بِأَحْلَاسِهَا وَأَقْتَابِهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ حَضَّ، فَقَامَ عُثْمَانُ، فَقَالَ: عَلَيَّ ثَلَاثُمِائَةِ بَعِيرٍ بِأَحْلَاسِهَا وَأَقْتَابِهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَأَنَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْزِلُ عَنِ الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَقُولُ: (مَا عَلَى عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ هَذِهِ، مَا عَلَى عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ هَذِهِ) » . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

ــ

6072 -

(وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَبَّابٍ)، بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ الْأُولَى وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُؤَلِّفُ فِي أَسْمَائِهِ. (قَالَ: شَهِدْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَيْ: حَضَرْتُهُ (وَهُوَ يَحُثُّ) : بِضَمِّ حَاءٍ وَتَشْدِيدِ مُثَلَّثَةٍ أَيْ: يُحَرِّضُ (النَّاسَ عَلَى جَيْشِ الْعُسْرَةِ)، أَيْ: عَلَى تَرْتِيبِ غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَسُمِّيَتْ جَيْشَ الْعُسْرَةِ لِأَنَّهَا كَانَتْ فِي زَمَانِ اشْتِدَادِ الْحَرِّ وَالْقَحْطِ وَقِلَّةِ الزَّادِ وَالْمَاءِ وَالْمَرْكِبِ بِحَيْثُ يَعْسُرُ عَلَيْهِمُ الْخُرُوجُ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ لَمَّا كَانَتِ الْمُنَاهَضَةُ إِلَى عَدُوٍّ جَمِّ الْعَدَدِ شَدِيدِ الْبَأْسِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُسْلِمِينَ مَعَ كَثْرَتِهِمْ حِينَئِذٍ، فَإِنَّهُ قِيلَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ شَارِحٌ: كَانَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ بَدْرٍ ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ، وَيَوْمَ أُحُدٍ سَبْعُمِائَةٍ، وَيَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ، وَيَوْمَ الْفَتْحِ عَشَرَةُ آلَافٍ، وَيَوْمَ حُنَيْنٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا وَهِيَ آخِرُ مَغَازِيهِ. (فَقَامَ عُثْمَانُ)، أَيْ: بَعْدَ حَثِّهِ عليه السلام (فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلَيَّ)، أَيْ: نَذْرٌ عَلَيَّ (مِائَةُ بَعِيرٍ بِأَحْلَاسِهَا)، أَيْ: مَعَ جِلَالِهَا (وَأَقْتَابِهَا)، أَيْ: رِحَالِهَا. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ وَغَيْرُهُ: الْأَحْلَاسُ جَمْعُ حِلْسٍ بِالْكَسْرِ وَسُكُونِ اللَّامِ، وَهُوَ كِسَاءٌ رَقِيقٌ يُجْعَلُ تَحْتَ الْبَرْذَعَةِ، وَالْأَقْتَابُ: جَمْعُ قَتَبٍ بِفَتْحَتَيْنِ وَهُوَ رَحْلٌ صَغِيرٌ عَلَى قَدْرِ سَنَامِ الْبَعِيرِ وَهُوَ لِلْجَمَلِ كَالْإِكَافِ لِغَيْرِهِ يُرِيدُ: عَلَيَّ هَذِهِ الْإِبِلُ بِجَمِيعِ أَسْبَابِهَا وَأَدَوَاتِهَا. (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أَيْ: فِي.

ص: 3919

طَرِيقِ رِضَاهُ (ثُمَّ حَضَّ) : بِتَشْدِيدِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ: حَثَّ وَحَرَّضَ (عَلَى الْجَيْشِ)، أَيْ: فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ أَوْ فِي غَيْرِهِ مِنَ الزَّمَانِ (فَقَامَ عُثْمَانُ، فَقَالَ: عَلَيَّ مِائَتَا بَعِيرٍ)، أَيْ: غَيْرُ تِلْكَ الْمِائَةِ لَا بِانْضِمَامِهَا كَمَا يُتَوَهَّمُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (بِأَحْلَاسِهَا وَأَقْتَابِهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ حَضَّ)، أَيْ: ثَالِثًا. وَفِي رِوَايَةٍ: ثُمَّ حَضَّ عَلَى الْجَيْشِ (فَقَامَ عُثْمَانُ، فَقَالَ: عَلَيَّ ثَلَاثُمِائَةِ بَعِيرٍ بِأَحْلَاسِهَا وَأَقْتَابِهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) ، فَالْتَزَمَ عُثْمَانُ رضي الله عنه فِي كُلِّ مَرْتَبَةٍ بِحُكْمِ رُتْبَةِ الْمَقَامِ، فَفِي الْمَقَامِ الْأَوَّلِ ضَمِنَ مِائَةً وَاحِدَةً، وَفِي الثَّانِي مِائَتَيْنِ، وَفِي الثَّالِثِ ثَلَاثَمِائَةٍ فَالْمَجْمُوعُ سِتُّمِائَةٍ، وَسَيَأْتِي لَهُ مِنَ الزِّيَادَةِ.

(قَالَ طَلْحَةُ: فَأَنَا)، أَيْ: بِنَفْسِي مِنْ غَيْرِ أَنْ أَسْمَعَ مِنْ غَيْرِي (رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْزِلُ عَنِ الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَقُولُ: (مَا عَلَى عُثْمَانَ) : مَا هَذِهِ نَافِيَةٌ بِمَعْنَى لَيْسَ، وَفِي قَوْلِهِ:(مَا عَمِلَ بَعْدَ هَذِهِ)، مَوْصُولَةٌ اسْمُ لَيْسَ أَيْ: لَيْسَ عَلَيْهِ وَلَا يَضُرُّهُ الَّذِي يَعْمَلُ فِي جَمِيعِ عُمْرِهِ بَعْدَ هَذِهِ الْحَسَنَةِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهَا مُكَفِّرَةٌ لِذُنُوبِهِ الْمَاضِيَةِ مَعَ زِيَادَةِ سَيِّئَاتِهِ الْآتِيَةِ كَمَا وَرَدَ فِي ثَوَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى بِشَارَةٍ لَهُ بِحُسْنِ الْخَاتِمَةِ وَقَالَ شَارِحٌ:(مَا) فِيهِ إِمَّا مَوْصُولَةٌ أَيْ: مَا بَأْسٌ عَلَيْهِ الَّذِي عَمِلَهُ مِنَ الذُّنُوبِ بَعْدَ هَذِهِ الْعَطَايَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ مَصْدَرِيَّةٌ أَيْ: مَا عَلَى عُثْمَانَ عَمَلٌ مِنَ النَّوَافِلِ بَعْدَ هَذِهِ الْعَطَايَا ; لِأَنَّ تِلْكَ الْحَسَنَةَ تَنُوبُ عَنْ جَمِيعِ النَّوَافِلِ. قَالَ الْمُظْهِرُ، أَيْ: مَا عَلَيْهِ أَنْ لَا يَعْمَلَ بَعْدَ هَذِهِ مِنَ النَّوَافِلِ دُونَ الْفَرَائِضِ، لِأَنَّ تِلْكَ الْحَسَنَةَ تَكْفِيهِ عَنْ جَمِيعِ النَّوَافِلِ اهـ. وَهُوَ حَاصِلُ الْمَعْنَى، وَإِلَّا فَلَا يُطَابِقُ الْمَبْنَى (مَا عَلَى عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ هَذِهِ) . كَرَّرَهُ تَأْكِيدًا لِمَا قَرَّرَهُ. قَالَ الطِّيبِيُّ وَنَحْوُهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ:( «لَعَلَّ اللَّهَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ» ) اهـ. وَلَا يَخْفَى مَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْفَرْقِ عِنْدَ ذَوِي النُّهَى، وَإِذِ الْأَوَّلُ مَجْزُومٌ بِهِ قَطْعًا وَالثَّانِي مَبْنِيٌّ عَلَى الرَّجَاءِ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) . وَكَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَقَالَ فِي آخِرِهِ قَالَ: فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ بِيَدِهِ هَكَذَا يُحَرِّكُهَا، وَأَخْرَجَ عَبْدُ الصَّمَدِ: يُحَرِّكُ يَدَهُ كَالْمُتَعَجِّبِ: مَا عَلَى عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَهَا. وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو: جَهَّزَ عُثْمَانُ جَيْشَ الْعُسْرَةِ بِتِسْعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ بَعِيرًا وَأَتَمَّ لِلْأَلْفِ بِخَمْسِينَ فَرَسًا. وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَمَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ عَلَى تِسْعِمِائَةٍ وَأَرْبَعِينَ بَعِيرًا وَسِتِّينَ فَرَسًا أَتَمَّ الْأَلْفَ بِهَا أَخْرَجَهُ الْقَزْوِينِيُّ وَالْحَاكِمِيُّ.

ص: 3920

6073 -

وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ:«جَاءَ عُثْمَانُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِأَلْفِ دِينَارٍ فِي كُمِّهِ حِينَ جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ، فَنَثَرَهَا فِي حِجْرِهِ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُقَلِّبُهَا فِي حِجْرِهِ وَيَقُولُ: (مَا ضَرَّ عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ الْيَوْمِ) مَرَّتَيْنِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.

ــ

6073 -

(وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ)، أَيِ: الْقُرَشِيِّ، أَسْلَمَ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَصَحِبَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ وَخَلْقٌ سِوَاهُمَا. (قَالَ: جَاءَ عُثْمَانُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِأَلْفِ دِينَارٍ فِي كُمِّهِ حِينَ جَهَّزَ) : بِتَشْدِيدِ الْهَاءِ أَيْ: حِينَ رَتَّبَ وَعَاوَنَ (جَيْشَ الْعُسْرَةِ، فَنَثَرَهَا)، أَيْ: كَبَّهَا (فِي حِجْرِهِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ وَفَتْحِهِ أَيْ: ثَوْبِهِ أَوْ حِضْنِهِ صلى الله عليه وسلم (فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُقَلِّبُهَا)، أَيِ: الدَّنَانِيرَ (بِيَدِهِ فِي حِجْرِهِ وَيَقُولُ: (مَا ضَرَّ عُثْمَانَ مَا عَمِلَ) : فَاعِلُ ضَرَّ، وَالْمَعْنَى لَمْ يَضُرَّ عُثْمَانَ الَّذِي عَمِلَ أَيْ: مِنَ الذَّنْبِ سَابِقًا وَلَاحِقًا (بَعْدَ الْيَوْمِ) . أَيْ: بَعْدَ عَمَلِهِ الْيَوْمَ (مَرَّتَيْنِ) : ظَرْفُ يَقُولُ، وَلَعَلَّ التَّكْرَارَ فِيهِ وَفِيمَا قَبْلَهُ لِلْإِشْعَارِ بِعَدَمِ ضَرَرِهِ وَدَوَامِ نَفْعِهِ فِي الدَّارَيْنِ، وَالْمُرَادُ بِالتَّثْنِيَةِ التَّكْرِيرُ وَالتَّكْثِيرُ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَيُرَدِّدُهَا مِرَارًا. هَذَا وَقَالَ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ فِي كَمِّيَّةِ رِجَالِ جَيْشِ الْعُسْرَةِ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهَا أَنَّهَا سَبْعُونَ أَلْفَ رَجُلٍ، وَالْأُخْرَى أَنَّهَا عِشْرُونَ أَلْفًا، وَعَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ جَهَّزَ عُثْمَانُ رضي الله عنه ثُلُثَ جَيْشِ الْعُسْرَةِ، فَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ الْأَلْفُ دِينَارٍ الَّذِي جَاءَ بِهِ عُثْمَانُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي كُمِّهِ ثَمَنَ ثَلَاثِمِائَةِ بَعِيرٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. وَفِي الرِّيَاضِ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: شَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ جَاءَهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فِي جَيْشِ الْعُسْرَةِ بِتِسْعِمِائَةِ أُوقِيَّةٍ مِنْ ذَهَبٍ. أَخْرَجَهُ الْحَافِظُ السَّلَفِيُّ. وَهَذِهِ

ص: 3920

الِاخْتِلَافَاتُ فِي الرِّوَايَاتِ قَدْ تُوهِمُ التَّضَادَّ بَيْنَهُنَّ، وَالْجَمْعُ مُمْكِنٌ بِأَنْ يَكُونَ عُثْمَانُ دَفَعَ ثَلَاثَمِائَةِ بَعِيرٍ بِأَحْلَاسِهَا وَأَقْتَابِهَا عَلَى مَا تَضَمَّنَهُ الْحَدِيثُ السَّابِقُ، ثُمَّ جَاءَ بِالْأَلْفِ لِأَجْلِ الْمُؤَنِ الَّتِي لَا بُدَّ لِلْمُسَافِرِ مِنْهَا، ثُمَّ لَمَّا اطَّلَعَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكْفِي زَادَ فِي الْإِبِلِ وَأَرْدَفَ بِالْخَيْلِ تَتْمِيمًا لِلْأَلْفِ ثُمَّ لَمَّا لَمْ يَكْتَفِ بِذَلِكَ تَمَّمَ الْأَلْفَ أَبْعِرَةٍ وَزَادَ عِشْرِينَ فَرَسًا عَلَى تِلْكَ الْخَمْسِينَ، وَبَعَثَ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِينَارٍ لِلْمُؤَنِ، وَفِي رِوَايَةٍ أَخْرَجَهَا الدَّارَقُطْنِيُّ «عَنْ عُثْمَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَظَرَ فِي وُجُوهِ الْقَوْمِ فَقَالَ:(مَنْ يُجَهِّزْ هَؤُلَاءِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ) يَعْنِي جَيْشَ الْعُسْرَةِ، فَجَهَّزْتُهُمْ حَتَّى لَمْ يَفْقِدُوا عِقَالًا وَلَا خِطَامًا» (رَوَاهُ أَحْمَدُ) . وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ.

وَعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: «بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى عُثْمَانَ فِي جَيْشِ الْعُسْرَةِ. فَبَعَثَ إِلَيْهِ عُثْمَانُ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِينَارٍ، فَصَبَّ بَيْنَ يَدَيْهِ فَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ بِيَدِهِ وَيُقَلِّبُهَا ظَهْرًا لِبَطْنٍ وَيَقُولُ: (غَفَرَ اللَّهُ لَكَ يَا عُثْمَانُ مَا أَسْرَرْتَ وَمَا أَعْلَنْتَ وَمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا يُبَالِي مَا عَمِلَ بَعْدَهَا) » أَخْرَجَهُ الْمُلَّا فِي سِيرَتِهِ وَالْفَضَائِلِيُّ.

ص: 3921

6074 -

وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: «لَمَّا أُمِرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِبَيْعَةِ الرِّضْوَانِ كَانَ عُثْمَانُ رضي الله عنه رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى مَكَّةَ، فَبَايَعَ النَّاسُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ عُثْمَانَ فِي حَاجَةِ اللَّهِ وَحَاجَةِ رَسُولِهِ) فَضَرَبَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى، فَكَانَتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِعُثْمَانَ خَيْرًا مِنْ أَيْدِيهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

ــ

6074 -

(وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه لَمَّا أُمِرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِبَيْعَةِ الرِّضْوَانِ) : وَهِيَ الْبَيْعَةُ الَّتِي كَانَتْ تَحْتَ الشَّجَرَةِ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ سُمِّيَتْ بِهَا لِأَنَّهُ نَزَلَ فِي أَهْلِهَا {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح: 18](كَانَ عُثْمَانُ رضي الله عنه رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى مَكَّةَ)، أَيْ: رَسُولًا مِنْهُ إِلَيْهِمْ مُرْسَلًا مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ إِلَى مَكَّةَ، وَفِي رِوَايَةٍ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ أَيْ: لِتَبْلِيغِ بَعْضِ الْأَحْكَامِ فَشَاعَ أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ (فَبَايَعَ)، أَيْ: رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (النَّاسَ)، أَيْ: بَيْعًا خَاصًّا عَلَى الْمَوْتِ (بَايَعُوهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «إِنَّ عُثْمَانَ فِي حَاجَةِ اللَّهِ» )، أَيْ: نُصْرَةِ دِينِهِ حَيْثُ احْتَاجَ خَلْقُهُ إِلَيْهِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة: 9] حَيْثُ نَزَّلَ ذَاتَهُ الْعَزِيزَةَ شَرِيكًا لِلْمُؤْمِنِينَ تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا، أَوْ يُقَدَّرُ مُضَافٌ، وَيُقَالُ فِي حَاجَةِ خَلْقِهِ. (وَحَاجَةِ رَسُولِهِ) . أَيْ: تَخْصِيصًا أَوْ ذَكَرَ اللَّهَ لِلتَّزْيِينِ زِيَادَةً لِلْكَلَامِ مِنَ التَّحْسِينِ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: هُوَ مِنْ بَابِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الأحزاب: 57] فِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَنْزِلَةٍ عِنْدَ اللَّهِ وَمَكَانَةٍ، وَأَنَّ حَاجَتَهُ حَاجَتُهُ - تَعَالَى اللَّهُ عَنِ الِاحْتِيَاجِ عُلُوًّا كَبِيرًا - اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ ظَاهِرَ مَعْنَى الْآيَةِ: إِنَّ الَّذِينَ يُخَالِفُونَهُمَا كَمَا حَقَّقَ فِي حَدِيثِ: يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (فَضَرَبَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى)، أَيْ: فِي الْبَيْعَةِ عَنْ جِهَةِ عُثْمَانَ عَلَى فَرْضِ أَنَّهُ حَيٌّ فِي الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ جَعَلَ إِحْدَى يَدَيْهِ نَائِبَةً عَنْ يَدِ عُثْمَانَ، فَقِيلَ: هِيَ الْيُسْرَى، وَقِيلَ هِيَ الْيُمْنَى، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ بِالتَّصْرِيحِ ( «كَانَتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَيْرًا» ) : وَفِي رِوَايَةٍ " لِعُثْمَانَ " أَيْ: لَهُ كَمَا فِي رِوَايَةٍ (مِنْ أَيْدِيهِمْ)، أَيْ: مِنْ أَيْدِي بَقِيَّةِ الصَّحَابَةِ (لِأَنْفُسِهِمْ) . فَغَيْبَتُهُ لَيْسَتْ بِمَنْقَصَةٍ بَلْ سَبَبُ مَنْقَبَةٍ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) .

ص: 3921

6075 -

وَعَنْ ثُمَامَةَ بْنِ حَزْنٍ الْقُشَيْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: شَهِدْتُ الدَّارَ حِينَ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ عُثْمَانُ فَقَالَ: أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ وَالْإِسْلَامَ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ يُسْتَعْذَبُ غَيْرُ بِئْرِ رُومَةَ؟ فَقَالَ: ( «مَنْ يَشْتَرِي بِئْرَ رُومَةَ يَجْعَلُ دَلْوَهُ مَعَ دِلَاءِ الْمُسْلِمِينَ بِخَيْرٍ لَهُ مِنْهَا فِي الْجَنَّةِ؟» ) فَاشْتَرَيْتُهَا مِنْ صُلْبِ مَالِي، وَأَنْتُمُ الْيَوْمَ تَمْنَعُونَنِي أَنْ أَشْرَبَ مِنْهَا حَتَّى أَشْرَبَ مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ؟ ، فَقَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ. فَقَالَ أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ وَالْإِسْلَامَ، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الْمَسْجِدَ ضَاقَ بِأَهْلِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:( «مَنْ يَشْتَرِي بُقْعَةَ آلِ فُلَانٍ فَيَزِيدُهَا فِي الْمَسْجِدِ بِخَيْرٍ لَهُ مِنْهَا فِي الْجَنَّةِ؟» ) فَاشْتَرَيْتُهَا مِنْ صُلْبِ مَالِي، فَأَنْتُمُ الْيَوْمَ تَمْنَعُونَنِي أَنْ أُصَلِّيَ فِيهَا رَكْعَتَيْنِ؟ ، قَالُوا اللَّهُمَّ نَعَمْ. قَالَ: أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ وَالْإِسْلَامَ، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنِّي جَهَّزْتُ جَيْشَ الْعُسْرَةِ مِنْ مَالِي؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ. قَالَ: أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ وَالْإِسْلَامَ، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ عَلَى ثَبِيرِ مَكَّةَ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَأَنَا، فَتَحَرَّكَ الْجَبَلُ حَتَّى تَسَاقَطَتْ حِجَارَتُهُ بِالْحَضِيضِ، فَرَكَضَهُ بِرِجْلِهِ قَالَ:( «اسْكُنْ ثَبِيرُ، فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيُّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ» ) ; قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ. قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، شَهِدُوا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ أَنِّي شَهِيدٌ، ثَلَاثًا. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ.

ــ

6075 -

(وَعَنْ ثُمَامَةَ) : بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ (ابْنِ حَزْنٍ) : بِفَتْحِ حَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَسُكُونِ زَايٍ فَنُونٍ (الْقُشَيْرِيِّ) : بِالتَّصْغِيرِ يُعَدُّ فِي الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ التَّابِعِينَ، رَأَى عُمَرَ وَابْنَهُ عَبْدَ اللَّهِ، وَأَبَا الدَّرْدَاءِ، وَسَمِعَ عَائِشَةَ، وَرَوَى عَنْهُ الْأَسْوَدُ بْنُ شَيْبَانَ الْبَصْرِيُّ. (قَالَ: شَهِدْتُ الدَّارَ) ، أَيْ: حَضَرْتُ دَارَ عُثْمَانَ الَّتِي حَاصَرُوهُ فِيهَا، وَتَفْصِيلُ قَضِيَّتِهَا مَذْكُورٌ فِي " الرِّيَاضِ " وَغَيْرِهِ. (حِينَ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ عُثْمَانُ)، أَيْ: اطَّلَعَ عَلَى الَّذِينَ قَصَدُوا قَتْلَهُ (فَقَالَ: أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ وَالْإِسْلَامَ) : بِضَمِّ الشِّينِ وَنَصْبِ الِاسْمَيْنِ أَيْ: أَسْأَلُكُمْ بِاللَّهِ وَالْإِسْلَامِ أَيْ: بِحَقِّهِمَا (هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَلَيْسَ

ص: 3921

بِهَا مَاءٌ يُسْتَعْذَبُ) ، أَيْ: يُعَدُّ عَذْبًا أَيْ: حُلْوًا (غَيْرُ بِئْرِ رُومَةَ) ؟ بِرَفْعِ " غَيْرُ " وَجُوِّزَ نَصْبُهُ وَالْبِئْرُ مَهْمُوزٌ وَيُبْدَلُ، وَرُومَةَ بِضَمِّ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْوَاوِ فَمِيمٌ، اسْمُ بِئْرٍ فِي الْعَقِيقِ الْأَصْفَرِ اشْتَرَاهَا عُثْمَانُ رضي الله عنه بِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَفِي الْمَدِينَةِ عَقِيقَانِ سُمِّيَا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمَا عَقَّا عَنْ حَرَّةِ الْمَدِينَةِ أَيْ: قَطَعَا (فَقَالَ)، أَيِ: النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ( «مَنْ يَشْتَرِي بِئْرَ رُومَةَ يَجْعَلُ دَلْوَهُ مَعَ دِلَاءِ الْمُسْلِمِينَ» ) : بِكَسْرِ الدَّالِ جَمَعُ دَلْوٍ وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الْوَقْفِ الْعَامِّ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ وَقْفِ السِّقَايَاتِ، وَعَلَى خُرُوجِ الْمَوْقُوفِ عَنْ مِلْكِ الْوَاقِفِ حَيْثُ جَعَلَهُ مَعَ غَيْرِهِ سَوَاءً، ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ، وَجُمْلَةُ يَجْعَلُ مَفْعُولٌ لَهُ أَوْ حَالٌ أَيْ: إِرَادَةَ أَنْ يَجْعَلَ أَوْ قَاصِدًا أَنْ يَجْعَلَ دَلْوَهُ مُسَاوِيًا أَوْ مُصَاحِبًا مَعَ دِلَائِهِمْ فِي الِاسْتِقَاءِ، وَلَا يَخُصُّهَا مِنْ بَيْنِهِمْ بِالْمِلْكِيَّةِ فَقَوْلُهُ: مَعَ دِلَاءِ الْمُسْلِمِينَ هُوَ الْمَفْعُولُ الثَّانِي لِجَعَلَ أَيْ: يَجْعَلُ دَلْوَهُ. رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ الْمُهَاجِرِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ وَاسْتَنْكَرُوا مَاءَهَا، وَكَانَ لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي غِفَارٍ عَيْنٌ يُقَالُ لَهَا رُومَةُ، وَكَانَ يَبِيعُ الْقِرْبَةَ مِنْهَا بِمُدٍّ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: (هَلْ تَبِيعُهَا بِعَيْنٍ فِي الْجَنَّةِ) قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ لِي وَلَا لِعِيَالِي سِوَاهَا فَلَا أَسْتَطِيعُ ذَلِكَ، فَقَالَ: (مَنْ يَشْتَرِي بِئْرَ رُومَةَ يَجْعَلُ دَلْوَهُ مَعَ دِلَاءِ الْمُسْلِمِينَ) » (بِخَيْرٍ) : مُتَعَلِّقٌ بِيَشْتَرِي وَالْبَاءُ لِلْبَدَلِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَلَيْسَتْ مِثْلُهَا فِي قَوْلِهِمُ اشْتَرَيْتُ هَذَا بَدِرْهَمٍ وَلَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى} [البقرة: 16] فَالْمَعْنَى مَنْ يَشْتَرِيهَا بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ ثُمَّ يُبْدِلُهَا بِخَيْرٍ مِنْهَا أَيْ: بِأَفْضَلَ وَأَكْمَلَ أَوْ بِخَيْرٍ حَاصِلٍ (لَهُ)، أَيْ: لِأَجْلِهِ (مِنْهَا)، أَيْ: مِنْ تِلْكَ الْبِئْرِ أَوْ مِنْ جِهَتِهَا (فِي الْجَنَّةِ) فَاشْتَرَيْتُهَا مِنْ صُلْبِ مَالِي) ، بِضَمِّ الصَّادِ أَيْ: مِنْ أَصْلِهِ أَوْ خَالِصِهِ. فِي " الرِّيَاضِ "، قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ عُثْمَانَ فَاشْتَرَاهَا بِخَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: اجْعَلْ لِي مِثْلَ الَّذِي جَعَلْتَهُ لَهُ عَيْنًا فِي الْجَنَّةِ. قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: قَدِ اشْتَرَيْتُهَا وَجَعَلْتُهَا لِلْمُسْلِمِينَ، أَخْرَجَهُ الْفَضَائِلِيُّ. (وَأَنْتُمُ الْيَوْمَ تَمْنَعُونَنِي أَنْ أَشْرَبَ مِنْهَا حَتَّى أَشْرَبَ مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ) ؟ أَيْ: مِمَّا فِيهِ مُلُوحَةٌ كَمَاءِ الْبَحْرِ، وَالْإِضَافَةُ فِيهِ لِلْبَيَانِ أَيْ: مَا يُشْبِهُ الْبَحْرَ (فَقَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ) . قَالَ الْمُطَرِّزِيُّ: قَدْ يُؤْتَى بِاللَّهُمَّ مَا قَبْلَ إِلَّا إِذَا كَانَ الْمُسْتَثْنَى عَزِيزًا نَادِرًا وَكَانَ قَصْدُهُمْ بِذَلِكَ الِاسْتِظْهَارَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي إِثْبَاتِ كَوْنِهِ وَوُجُودِهِ إِيمَاءً إِلَى أَنَّهُ بَلَغَ مِنَ النُّدُورِ. حَدَّ الشُّذُوذِ وَقِيلَ كَلِمَتَيِ الْجَحْدِ وَالتَّصْدِيقِ فِي جَوَابِ الْمُسْتَفْهِمِ كَقَوْلِهِ: اللَّهُمَّ لَا وَنَعَمْ (فَقَالَ: أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ وَالْإِسْلَامَ، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الْمَسْجِدَ)، أَيْ: مَسْجِدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَدِينَةِ (ضَاقَ بِأَهْلِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «مَنْ يَشْتَرِي بُقْعَةَ آلِ فُلَانٍ فَيَزِيدُهَا» ) : بِالرَّفْعِ وَفِي نُسْخَةٍ بِالنَّصْبِ أَيْ: فَتَزِيدَ تِلْكَ الْبُقْعَةُ (فِي الْمَسْجِدِ بِخَيْرٍ لَهُ مِنْهَا فِي الْجَنَّةِ) . فَاشْتَرَيْتُهَا مِنْ صُلْبِ مَالِي) ، أَيْ: بِعِشْرِينَ أَلْفًا أَوْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ أَلْفًا عَلَى مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ الْمَسْجِدَ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَبْنِيًّا بِاللَّبِنِ وَسَقْفُهُ بِالْجَرِيدِ وَعُمُدُهُ خَشَبُ النَّخْلِ، فَلَمْ يَزِدْ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ شَيْئًا، وَزَادَ فِيهِ عُمَرُ، وَبَنَاهُ عَلَى بِنَائِهِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِاللَّبِنِ وَالْجَرِيدِ وَأَعَادَ عُمُدَهُ خَشَبًا، ثُمَّ عَمَّرَهُ عُثْمَانُ فَزَادَ فِيهِ زِيَادَةً كَثِيرَةً وَبَنَى جِدَارَهُ بِالْحِجَارَةِ الْمَنْقُوشَةِ، وَجَعَلَ عُمُدَهُ مِنْ حِجَارَةٍ مَنْقُوشَةٍ وَسَقْفَهُ بِالسَّاجِ. وَأَخْرَجَ أَبُو الْخَيْرِ الْقَزْوِينِيُّ الْحَاكِمِيُّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ «كَانَ مِنْ شَأْنِ عُثْمَانَ أَنْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ:(يَا فُلَانُ أَلَا تَبِيعُنِي دَارَكَ أَزِيدُهَا فِي مَسْجِدِ الْكَعْبَةِ بِبَيْتٍ أَضْمَنُهُ فِي الْجَنَّةِ) فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لِي بَيْتٌ غَيْرُهُ فَإِنْ أَنَا بِعْتُكَ دَارِي لَا يُؤْوِينِي وَوَلَدِي بِمَكَّةَ شَيْءٌ قَالَ: (أَلَا بَلْ بِعْنِي دَارَكَ أَزِيدُهَا فِي مَسْجِدِ الْكَعْبَةِ بِبَيْتٍ أَضْمَنُهُ لَكَ فِي الْجَنَّةِ) . فَقَالَ الرَّجُلُ وَاللَّهِ مَا لِي إِلَى ذَلِكَ حَاجَةٌ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عُثْمَانَ، وَكَانَ الرَّجُلُ صَدِيقًا لَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَتَاهُ فَلَمْ يَزَلْ بِهِ عُثْمَانُ حَتَّى اشْتَرَى مِنْهُ دَارَهُ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِينَارٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بَلَغَنِي أَنَّكَ أَرَدْتَ مِنْ فُلَانٍ دَارَهُ لِتَزِيدَهَا فِي مَسْجِدِ الْكَعْبَةِ بِبَيْتٍ تَضْمَنُهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ، وَإِنَّمَا هِيَ دَارِي فَهَلْ أَنْتَ آخِذُهَا بِبَيْتٍ تَضْمَنُهُ لِي فِي الْجَنَّةِ؟ فَأَخَذَهَا مِنْهُ وَضَمِنَ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ، وَأَشْهَدَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ الْمُؤْمِنِينَ» كَذَا فِي الرِّيَاضِ.

ص: 3922

(فَأَنْتُمْ) : بِالْفَاءِ هُنَا خِلَافًا، لِمَا تَقَدَّمَ (الْيَوْمَ تَمْنَعُونَنِي أَنْ أُصَلِّيَ فِيهَا) . أَيْ: فِي تِلْكَ الْبُقْعَةِ فَضْلًا عَنْ سَائِرِ الْمَسْجِدِ. (فَقَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ. قَالَ) : بِلَا فَاءٍ هُنَا وَفِيمَا بَعْدَهُ خِلَافًا لِمَا قَبْلُ (أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ وَالْإِسْلَامَ، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنِّي جَهَّزْتُ جَيْشَ الْعُسْرَةِ مِنْ مَالِي) ؟ أَيْ: وَقَالَ لِي مَا قَالَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى حُسْنِ حَالِي وَمَآلِي (قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ. قَالَ: أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ وَالْإِسْلَامَ، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ عَلَى ثَبِيرِ مَكَّةَ) : بِفَتْحِ مُثَلَّثَةٍ وَكَسْرِ مُوَحَّدَةٍ وَتَحْتِيَّةٍ سَاكِنَةٍ فَرَاءٍ جَبَلٌ بِمَكَّةَ. وَفِي " الْمِصْبَاحِ ": جَبَلٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَمِنًى، وَهُوَ يُرَى مِنْ مِنًى وَهُوَ عَلَى يَمِينِ الذَّاهِبِ مِنْهَا إِلَى مَكَّةَ.

وَقَالَ الطِّيبِيُّ: ثَبِيرٌ جَبَلٌ بِالْمُزْدَلِفَةِ عَلَى يَسَارِ الذَّاهِبِ إِلَى مِنًى، وَهُوَ جَبَلٌ كَبِيرٌ مُشْرِفٌ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ بِمِنًى، وَبِمَكَّةَ جِبَالٌ كُلٌّ مِنْهَا اسْمُهُ ثَبِيرٌ اهـ. وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ جَبَلٌ مُشْرِفٌ عَلَى مِنًى مِنْ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ إِلَى تِلْقَاءِ مَسْجِدِ الْخَيْفِ وَأَمَامَهُ قَلِيلًا عَلَى يَسَارِ الذَّاهِبِ إِلَى عَرَفَاتٍ، كَذَا حَكَاهُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ جَمَاعَةَ. وَقَالَ عِيَاضٌ فِي الْمَشَارِقِ: إِنَّهُ عَلَى يَسَارِ الذَّاهِبِ إِلَى مِنًى. وَقَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ، وَقِيلَ: وَهُوَ جَبَلٌ عَظِيمٌ بِالْمُزْدَلِفَةِ عَلَى يَمِينِ الذَّاهِبِ إِلَى عَرَفَةَ. قَالَ الطَّبَرِيُّ، وَقِيلَ: هُوَ أَعْظَمُ جَبَلٍ بِمَكَّةَ عُرِفَ بِرَجُلٍ مِنْ هُذَيْلٍ كَانَ اسْمُهُ ثَبِيرًا دُفِنَ فِيهِ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَالسُّهَيْلِيُّ وَالْمُطَرِّزِيُّ فِي الْمُغْرِبِ: هُوَ جَبَلٌ مِنْ جِبَالِ مَكَّةَ أَيْ بِقُرْبِ مَكَّةَ، وَقِيلَ: هُوَ جَبَلٌ مُقَابِلٌ لِجَبَلِ حِرَاءَ اهـ.

وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: حِرَاءُ مَكَانُ ثَبِيرٍ (وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَأَنَا، فَتَحَرَّكَ الْجَبَلُ) أَيِ: اهْتَزَّ ثَبِيرٌ (حَتَّى تَسَاقَطَتْ حِجَارَتُهُ) أَيْ: بَعْضُهَا (بِالْحَضِيضِ)، أَيْ أَسْفَلَ الْجَبَلِ وَقَرَارِ الْأَرْضِ (فَرَكَضَهُ) أَيْ: ضَرَبَهُ (بِرِجْلِهِ. قَالَ) : اسْتِئْنَافٌ « (اسْكُنْ ثَبِيرُ) ، أَيْ يَا ثَبِيرُ (فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ) » ، أَيْ حَقِيقِيَّانِ حَيْثُ قُتِلَا عَقِبَ الطَّعْنِ وَمَاتَا قَرِيبًا مِنْ أَثَرِ الضَّرْبِ، وَهُمَا عُمَرُ وَعُثْمَانُ، وَلَا يُنَافِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَالصِّدِّيقَ شَهِيدَانِ حُكْمِيَّانِ حَيْثُ كَانَ أَثَرُ مَوْتِهِمَا مِنَ السُّمِّ الْقَدِيمِ لَهُمَا (قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ. قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ) كَلِمَةٌ يَقُولُهَا الْمُتَعَجِّبُ عِنْدَ إِلْزَامِ الْخَصْمِ وَتَبْكِيتِهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ (شَهِدُوا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ أَنِّي شَهِيدٌ)، بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ مَفْعُولُ شَهِدُوا أَيْ شَهِدَ النَّاسُ أَنِّي شَهِيدٌ (ثَلَاثًا) أَيْ: قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ إِلَى آخِرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لِزِيَادَةِ الْمُبَالَغَةِ فِي إِثْبَاتِ الْحُجَّةِ عَلَى الْخَصْمِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يُظْهِرَ لَهُمْ أَنَّهُ عَلَى الْحَقِّ، وَأَنَّ خُصَمَاءَهُ عَلَى الْبَاطِلِ عَلَى طَرِيقٍ يُلْجِئُهُمْ إِلَى الْإِقْرَارِ بِذَلِكَ، أَوْرَدَ حَدِيثَ ثَبِيرِ مَكَّةَ، وَأَنَّهُ مِنْ أَحَدِ الشَّهِيدَيْنِ مُسْتَفْهِمًا عَنْهُ فَأَقَرُّوا بِذَلِكَ وَأَكَّدُوا إِقْرَارَهُمْ بِقَوْلِهِمْ: اللَّهُمَّ نَعَمْ فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ تَعَجُّبًا وَتَعْجِيبًا وَتَجْهِيلًا لَهُمْ وَاسْتِهْجَانًا لِفِعْلِهِمْ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:{هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 29] فَإِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ضَرَبَ مَثَلَ عَابِدِ الْأَصْنَامِ وَعَابِدِ اللَّهِ تَعَالَى بِرَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا لَهُ شُرَكَاءُ بَيْنَهُمُ اخْتِلَافٌ، وَتَنَازَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَدَّعِي أَنَّهُ عَبَدُهُ فَهُمْ يَتَجَاذَبُونَهُ، وَهُوَ مُتَحَيِّرٌ فِي أَمْرِهِ لَا يَدْرِي أَيَّهُمْ يَرْضَى بِخِدْمَتِهِ، وَالْآخَرُ قَدْ سَلِمَ لِمَالِكٍ وَاحِدٍ وَخَلَصَ لَهُ، فَهُوَ يَلْتَزِمُ خِدْمَتَهُ، فَهَمُّهُ وَاحِدٌ وَقَلْبُهُ مُجْتَمِعٌ، وَاسْتَفْهَمَ مِنْهُمْ بِقَوْلِهِ:{هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا} [هود: 24] فَلَا بُدَّ لَهُمْ أَنْ يُذْعِنُوا وَيَقُولُوا: لَا، فَقَالَ:{الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [النحل: 75] كَذَا حَقَّقَهُ الطِّيبِيُّ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ) . وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ زَادَ: وَأَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ مَنْ شَهِدَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ إِذْ بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمُشْرِكِينَ أَهْلِ مَكَّةَ فَقَالَ: هَذِهِ يَدِي وَهَذِهِ يَدُ عُثْمَانَ، فَبَايَعَ لِي فَانْتَشَدَ لَهُ رِجَالٌ. زَادَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ: وَأَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَوَّجَنِي إِحْدَى ابْنَتَيْهِ بَعْدَ الْأُخْرَى رِضًا لِي وَرِضًا عَنِّي؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ.

ص: 3923

6076 -

وَعَنْ مُرَّةَ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه قَالَ: «سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَذَكَرَ الْفِتَنَ فَقَرَّبَهَا، فَمَرَّ رَجُلٌ مُقَنَّعٌ فِي ثَوْبٍ فَقَالَ: (هَذَا يَوْمَئِذٍ عَلَى الْهُدَى) فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ. قَالَ: فَأَقْبَلْتُ عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ فَقُلْتُ: هَذَا؟ قَالَ: (نَعَمْ) » . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

ــ

6076 -

(وَعَنْ مُرَّةَ بْنِ كَعْبٍ)، بِضَمِّ مِيمٍ وَتَشْدِيدِ رَاءٍ. قَالَ الْمُؤَلِّفُ فِي فَصْلِ الصَّحَابَةِ: عِدَادُهُ فِي أَهْلِ الشَّامِ، رَوَى عَنْهُ نَفَرٌ مِنَ التَّابِعِينَ مَاتَ بِالْأُرْدُنِّ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ (قَالَ: سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) لَعَلَّ فِي زِيَادَةٍ مِنْ تَأْكِيدِ إِفَادَةِ السَّمَاعِ بِلَا وَاسِطَةٍ (وَذَكَرَ الْفِتَنَ) : جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ (فَقَرَّبَهَا)، بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ أَيْ قَرَّبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْفِتَنَ يَعْنِي وُقُوعَهَا (فَمَرَّ رَجُلٌ مُقَنَّعٌ) : بِفَتْحِ النُّونِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ مُسْتَتِرٌ فِي ثَوْبٍ جَعَلَهُ كَالْقِنَاعِ (قَالَ) أَيْ: رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (هَذَا) أَيْ: هَذَا الرَّجُلُ الْمُقَنَّعُ (يَوْمَئِذٍ) أَيْ يَوْمَ وُقُوعِ تِلْكَ الْفِتَنِ (عَلَى الْهُدَى) : مِنْ قَبِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: (أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ) فَمَفْعُولُ سَمِعْتُ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ هَذَا يَوْمَئِذٍ عَلَى الْهُدَى (فَقُمْتُ إِلَيْهِ) أَيْ: لِقُرْبِ الرَّجُلِ لِأَعْرِفَهُ فَإِذَا هُوَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ. (قَالَ) أَيِ: الرَّاوِي (فَأَقْبَلْتُ إِلَيْهِ) أَيْ: عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (بِوَجْهِهِ) أَيْ: بِوَجْهِ عُثْمَانَ، وَالْمَعْنَى أَدَرْتُ وَجْهَهُ إِلَيْهِ لِيَتَبَيَّنَ الْأَمْرَ عَلَيْهِ (قُلْتُ: هَذَا) ؟ أَيْ أَهَذَا هُوَ الرَّجُلُ الَّذِي يَوْمَئِذٍ عَلَى الْهُدَى (قَالَ: (نَعَمْ) . فِيهِ مُبَالَغَةٌ فِي اسْتِحْضَارِ الْقَضِيَّةِ وَتَأْكِيدِهَا بِتَحَقُّقِ الصُّورَةِ الْجَلِيَّةِ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) .

وَفِي " الرِّيَاضِ "، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ:«ذَكَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِتْنَةً فَقَرَّبَهَا وَعَظَّمَهَا. قَالَ: ثُمَّ مَرَّ رَجُلٌ مُقَنَّعٌ فِي مِلْحَفَةٍ فَقَالَ: هَذَا يَوْمَئِذٍ عَلَى الْحَقِّ فَانْطَلَقْتُ فَأَخَذْتُ بِضَبْعِهِ فَقُلْتُ: هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (هَذَا) فَإِذَا هُوَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ» أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مَعْنَاهُ عَنْ مُرَّةَ بْنِ كَعْبٍ النَّهْرِيِّ وَقَالَ:(هَذَا يَوْمَئِذٍ عَلَى الْهُدَى) . وَرَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا، عَنْ مُرَّةَ بْنِ كَعْبٍ النَّهْرِيِّ قَالَ:«بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي طَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ الْمَدِينَةِ قَالَ: كَيْفَ تَصْنَعُونَ فِي فِتْنَةٍ تَثُورُ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ كَأَنَّهَا صَيَاصِي بَقَرٍ؟ قَالُوا: فَنَصْنَعُ مَاذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (عَلَيْكُمْ بِهَذَا وَأَصْحَابِهِ) . قَالَ: فَأَسْرَعْتُ حَتَّى عَطَفْتُ الرَّجُلَ فَقُلْتُ: هَذَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ قَالَ: (هَذَا) فَإِذَا هُوَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ» . وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ قَالَ: فَأَسْرَعْتُ حَتَّى عَيِيتُ، فَلَحِقْتُ بِالرَّجُلِ فَقُلْتُ: هَذَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ إِلَخْ.

ص: 3924

6077 -

وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (يَا عُثْمَانُ، إِنَّهُ لَعَلَّ اللَّهَ يُقَمِّصُكَ قَمِيصًا، فَإِنْ أَرَادُوكَ عَلَى خَلْعِهِ فَلَا تَخْلَعْهُ لَهُمْ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ - وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي الْحَدِيثِ قِصَّةً طَوِيلَةً.

ــ

6077 -

(عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ) أَيْ: لِعُثْمَانَ ذَاتَ يَوْمٍ كَمَا فِي رِوَايَةٍ (يَا عُثْمَانُ، إِنَّهُ) أَيِ: الشَّأْنَ (لَعَلَّ اللَّهَ) : وَفِي رِوَايَةٍ: إِنَّ اللَّهَ لَعَلَّهُ (يُقَمِّصُكَ) : بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ أَيْ يُلْبِسُكَ (قَمِيصًا)، قِيلَ أَيْ خِلَافَةً وَالْمُرَادُ خُلْعَةُ الْخِلَافَةِ (فَإِنْ أَرَادُوكَ) أَيْ: حَمَلُوكَ (عَلَى خَلْعِهِ) أَيْ: نَزْعِهِ (فَلَا تَخْلَعْهُ لَهُمْ) . وَفِي رِوَايَةٍ: فَلَا تَخْلَعْهُ ثَلَاثًا، وَالْمَعْنَى إِنْ قَصَدُوا عَزْلَكَ فَلَا تَعْزِلْ نَفْسَكَ عَنِ الْخِلَافَةِ لِأَجْلِهِمْ لِكَوْنِكَ عَلَى الْحَقِّ وَكَوْنِهِمْ عَلَى الْبَاطِلِ. وَفِي قَبُولِ الْخَلْعِ إِيهَامٌ وَتُهْمَةٌ، فَلِهَذَا الْحَدِيثِ كَانَ عُثْمَانُ رضي الله عنه مَا عَزَلَ نَفْسَهُ حِينَ حَاصَرُوهُ يَوْمَ الدَّارِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: اسْتَعَارَ الْقَمِيصَ لِلْخِلَافَةِ وَرَشَّحَهَا بِقَوْلِهِ " عَلَى خَلْعِهِ ". قَالَ فِي أَسَاسِ الْبَلَاغَةِ: وَمِنَ الْمَجَازِ قَمَّصَهُ اللَّهُ وَشْيَ الْخِلَافَةِ وَتَقَمَّصَ لِبَاسَ الْعِزِّ، وَمِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ تَعَالَى:( «الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي» ) وَقَوْلُهُمُ: الْمَجْدُ بَيْنَ ثَوْبَيْهِ وَالْكَرْمُ بَيْنَ بُرْدَيْهِ انْتَهَى. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ)، وَكَذَا أَبُو حَاتِمٍ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَفِي رِوَايَةٍ: فَإِنْ أَرَادَكَ الْمُنَافِقُونَ عَلَى خَلْعِهِ فَلَا تَخْلَعْهُ لَهُمْ وَلَا كَرَامَةً يَقُولُهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا. وَفِي رِوَايَةٍ: «فَإِنْ أَرَادَكَ الْمُنَافِقُونَ خَلْعَهُ فَلَا تَخْلَعْهُ حَتَّى تَلْقَانِي يَا عُثْمَانُ إِنَّ اللَّهَ عَسَى أَنْ يُلْبِسَكَ قَمِيصًا، فَذَكَرَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» . أَخْرَجَهَا أَحْمَدُ. (وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي الْحَدِيثِ قِصَّةً طَوِيلَةً) . وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ زَادَ: وَأَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ مَنْ شَهِدَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ إِذْ بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمُشْرِكِينَ أَهْلِ مَكَّةَ فَقَالَ: (هَذِهِ يَدِي وَهَذِهِ يَدُ عُثْمَانَ) فَبَايَعَ لِي فَاشْتَدَّ لَهُ رِجَالٌ. زَادَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ: وَأَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَوَّجَنِي إِحْدَى ابْنَتَيْهِ بَعْدَ الْأُخْرَى رِضًا لِي وَرِضًا عَنِّي؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ.

ص: 3924

6078 -

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: «ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِتْنَةً فَقَالَ: (يُقْتَلُ هَذَا فِيهَا مَظْلُومًا) لِعُثْمَانَ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، غَرِيبٌ إِسْنَادًا.

ــ

6078 -

(وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِتْنَةً) أَيْ: عَظِيمَةً (فَقَالَ: يُقْتَلُ هَذَا فِيهَا مَظْلُومًا) لِعُثْمَانَ» ) . بَيَانُ هَذَا (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، غَرِيبٌ إِسْنَادًا) . وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَقَالَ: يُقْتَلُ فِيهَا هَذَا الْمُقَنَّعُ يَوْمَئِذٍ مَظْلُومًا، فَنَظَرْتُ فَإِذَا هُوَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ.

ص: 3925

6079 -

وَعَنْ أَبِي سَهْلَةَ، قَالَ:«قَالَ لِي عُثْمَانُ رضي الله عنه يَوْمَ الدَّارِ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ عَهِدَ إِلَيَّ عَهْدًا وَأَنَا صَابِرٌ عَلَيْهِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

ــ

6079 -

(وَعَنْ أَبِي سَهْلَةَ)، قَالَ الْمُؤَلِّفُ فِي فَصْلِ الصَّحَابَةِ: هُوَ السَّائِبُ بْنُ خَلَّادٍ يُكَنَّى أَبَا سَهْلَةَ الْأَنْصَارِيَّ الْخَزْرَجِيَّ، مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِينَ، رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ خَلَّادٌ وَعَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُنَا مَوْلَى عُثْمَانَ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (قَالَ: قَالَ لِي عُثْمَانُ، يَوْمَ الدَّارِ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ عَهِدَ إِلَيَّ عَهْدًا) أَيْ: أَوْصَانِي أَنْ لَا أَخْلَعَ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ أَرَادُوكَ عَلَى خَلْعِهِ فَلَا تَخْلَعْهُ لَهُمْ. (وَأَنَا صَابِرٌ عَلَيْهِ) . أَيْ عَلَى تَحَمُّلِ ذَلِكَ الْعَهْدِ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) : وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (ادْعُوا لِي بَعْضَ أَصْحَابِي) قُلْتُ: أَبَا بَكْرٍ؟ قَالَ: (لَا) قُلْتُ: عُمَرَ؟ قَالَ: (لَا) قُلْتُ: ابْنَ عَمِّكَ؟ قَالَ: (لَا) . قُلْتُ: عُثْمَانَ؟ قَالَ: (نَعَمْ) فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: (تَنَحَّيْ) فَجَعَلَ يُسَارُّهُ وَلَوْنُ عُثْمَانَ يَتَغَيَّرُ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الدَّارِ وَحُصِرَ فِيهَا قُلْنَا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَلَا تُقَاتِلُ؟ قَالَ: لَا، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَهِدَ إِلَيَّ عَهْدًا وَإِنِّي صَابِرٌ نَفْسِي عَلَيْهِ» ، رَوَاهُ أَحْمَدُ.

ص: 3925

الْفَصْلُ الثَّالِثُ

6080 -

عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ يُرِيدُ حَجَّ الْبَيْتِ فَرَأَى قَوْمًا جُلُوسًا، فَقَالَ: مَنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ؟ قَالُوا: هَؤُلَاءِ قُرَيْشٌ. قَالَ: فَمَنِ الشَّيْخُ فِيهِمْ؟ قَالُوا: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ. قَالَ: يَا ابْنَ عُمَرَ، إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ شَيْءٍ فَحَدِّثْنِي: هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ عُثْمَانَ فَرَّ يَوْمَ أُحُدٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: هَلْ تَعْلَمُ أَنَّهُ تَغَيَّبَ عَنْ بَدْرٍ وَلَمْ يَشْهَدْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: هَلْ تَعْلَمُ أَنَّهُ تَغَيَّبَ عَنْ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ فَلَمْ يَشْهَدْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: تَعَالَ أُبَيِّنْ لَكَ أَمَّا فِرَارُهُ يَوْمَ أُحُدٍ فَأَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ عَفَا عَنْهُ، وَأَمَّا تَغَيُّبُهُ عَنْ بَدْرٍ فَإِنَّهُ كَانَتْ تَحْتَهُ رُقَيَّةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَتْ مَرِيضَةً، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:(إِنَّ لَكَ أَجْرَ رَجُلٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا وَسَهْمَهُ) . وَأَمَّا تَغَيُّبُهُ عَنْ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ فَلَوْ كَانَ أَحَدٌ أَعَزَّ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ عُثْمَانَ لَبَعَثَهُ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عُثْمَانَ وَكَانَتْ بَيْعَةُ الرِّضْوَانِ بَعْدَمَا ذَهَبَ عُثْمَانُ إِلَى مَكَّةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ الْيُمْنَى:( «هَذِهِ يَدُ عُثْمَانَ» ) فَضَرَبَ بِهَا عَلَى يَدِهِ، وَقَالَ:(هَذِهِ لِعُثْمَانَ) . ثُمَّ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: اذْهَبْ بِهَا الْآنَ مَعَكَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ــ

الْفَصْلُ الثَّالِثُ

6080 -

(عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ) ، بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَفَتْحِ الْهَاءِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ عَلَى مَا فِي " الْجَامِعِ "، وَالْمُغْنِي، وَفِي " الْقَامُوسِ ": مَوْهَبٌ كَمَقْعَدٍ اسْمٌ فَمَا وَقَعَ فِي شَرْحِ ابْنِ حَجَرٍ مِنْ ضَبْطِهِ بِكَسْرِ الْهَاءِ وَهْمٌ قَالَ الْمُؤَلِّفُ: هُوَ تَيْمِيٌّ، رَوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِمَا، وَعَنْهُ شُعْبَةُ وَأَبُو عَوَانَةَ. (قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ) أَيْ: إِلَى مَكَّةَ (يُرِيدُ حَجَّ الْبَيْتِ فَرَأَى قَوْمًا جُلُوسًا)، أَيْ جَالِسِينَ (فَقَالَ: مَنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ؟ قَالُوا) أَيْ: قَالَ بَعْضُ مَنْ سُئِلَ (هَؤُلَاءِ قُرَيْشٌ) . أَيْ أَكَابِرُهُمْ (قَالَ: فَمَنِ الشَّيْخُ) أَيِ: الْعَالِمُ الْمُعْتَبَرُ (فِيهِمْ) ؟ فَإِنَّ الشَّيْخَ فِي قَوْمِهِ كَالنَّبِيِّ فِي أُمَّتِهِ (قَالُوا: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ. قَالَ: يَا ابْنَ عُمَرَ، إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ شَيْءٍ فَحَدِّثْنِي) أَيْ: أَخْبِرْنِي عَنْ جَوَابِهِ (هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ عُثْمَانَ فَرَّ يَوْمَ أُحُدٍ) ؟ يَعْنِي وَالْفِرَارُ مَنْقَصَةٌ عَظِيمَةٌ (قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: تَعْلَمُ أَنَّهُ تَغَيَّبَ عَنْ بَدْرٍ فَلَمْ يَشْهَدْ) أَيْ: لَمْ يَحْضُرْهَا ذَكَرَهُ تَأْكِيدًا وَأَرَادَ أَنَّهُ فَاتَهُ فَضْلُ أَهْلِ بَدْرٍ. (قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: هَلْ تَعْلَمُ أَنَّهُ تَغَيَّبَ عَنْ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ فَلَمْ يَشْهَدْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ) .

ص: 3925

قَالَ الطِّيبِيُّ، قَوْلُهُ: اللَّهُ أَكْبَرُ بَعْدَمَا عَدَّ مِنَ الْأُمُورِ بِمَنْزِلَةِ: اللَّهُ أَكْبَرُ مِنَ الْحَدِيثِ السَّابِقِ، فَإِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُلْزِمَ ابْنَ عُمَرَ، وَيَحُطَّ مِنْ مَنْزِلَةِ عُثْمَانَ عَلَى الطَّرِيقِ الْمَذْكُورِ، فَلَمَّا قَالَ ابْنُ عُمَرَ: نَعَمْ، قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ تَعَجُّبًا وَتَعْجِيبًا وَإِظْهَارًا لِإِفْحَامِهِ إِيَّاهُ. (قَالَ ابْنُ عُمَرَ: تَعَالَ) أَيْ: ارْتَفِعْ عَنْ حَضِيضِ مَقَامِكَ مِنَ الْجَهْلِ إِلَى عُلُوِّ فَهْمِ الْقَضَايَا الْمُبْهَمَةِ الْمُبَيَّنَةِ عِنْدَ أَرْبَابِ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ. (أُبَيِّنْ لَكَ) : بِالْجَزْمِ عَلَى جَوَابِ الْأَمْرِ وَفِي نُسْخَةٍ بِالرَّفْعِ أَيْ أَنَا أُبَيِّنُ لَكَ (أَمَّا فِرَارُهُ يَوْمَ أُحُدٍ فَأَشْهَدْ أَنَّ اللَّهَ عَفَا عَنْهُ)، وَفِي رِوَايَةٍ: وَغَفَرَ لَهُ يَعْنِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [آل عمران: 155] وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْمَعْفُوَّ خَارِجٌ عَنْ مَعْتَبَةِ الْمَعِيبَةِ بِالْمَغِيبَةِ. (وَأَمَّا تَغَيُّبُهُ عَنْ بَدْرٍ فَإِنَّهُ كَانَتْ تَحْتَهُ) أَيْ: تَحْتَ عَقْدِهِ (رُقَيَّةُ) : بِالتَّصْغِيرِ (بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيْ: وَهَذَا عَلَامَةُ كَمَالِ رِضَا النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَيْثُ زَوَّجَهُ بِنْتَهُ ثُمَّ الْأُخْرَى وَهِيَ أُمُّ كُلْثُومٍ، وَبِهِ سُمِّيَ ذَا النُّورَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: (لَوْ كَانَتْ لِي بِنْتٌ أُخْرَى لَزَوَّجْتُهَا إِيَّاهُ) .

وَفِي " الرِّيَاضِ " عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ أُزَوِّجَ كَرِيمَتَيَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ» ) . أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَأَخْرَجَهُ خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ: كَرِيمَتَيَّ يَعْنِي رُقَيَّةَ وَأُمَّ كُلْثُومٍ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «لَقِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عُثْمَانَ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ: (يَا عُثْمَانُ هَذَا جِبْرِيلُ أَخْبَرَنِي أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَمَرَنِي أَنْ أُزَوِّجَكَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِمِثْلِ صَدَاقِ رُقَيَّةَ وَعَلَى مِثْلِ صُحْبَتِهَا) » . أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ الْقَزْوِينِيُّ وَالْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَعَنْهُ قَالَ: «قَالَ عُثْمَانُ لَمَّا مَاتَتِ امْرَأَتُهُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: بَكَيْتُ بُكَاءً شَدِيدًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَا يُبْكِيكَ) فَقُلْتُ: أَبْكِي عَلَى انْقِطَاعِ صِهْرِي مِنْكَ، فَقَالَ: (هَذَا جِبْرِيلُ بِأَمْرِ اللَّهِ عز وجل أَنْ أُزَوِّجَكَ أُخْتَهَا) » . وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَعْنَاهُ، وَزَادَ فِيهِ:( «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مِائَةَ بِنْتٍ تَمُوتُ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ زَوَّجْتُكَ أُخْرَى حَتَّى لَا يَبْقَى مِنَ الْمِائَةِ شَيْءٌ. هَذَا جِبْرِيلُ أَخْبَرَنِي أَنَّ اللَّهَ عز وجل يَأْمُرُنِي أَنْ أُزَوِّجَكَ أُخْتَهَا، وَأَنْ أَجْعَلَ صَدَاقَهَا مِثْلَ صَدَاقِ أُخْتِهَا» ) . أَخْرَجَهُ الْفَضَائِلِيُّ.

وَفِي " الذَّخَائِرِ "، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ:«آمَ عُثْمَانُ مِنْ رُقَيَّةَ، وَآمَتْ حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ مِنْ زَوْجِهَا، فَمَرَّ عُمَرُ بِعُثْمَانَ فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِي حَفْصَةَ، وَكَانَ عُثْمَانُ قَدْ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَذْكُرُهَا، فَلَمْ يُجِبْهُ، فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: (هَلْ لَكَ فِي خَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ أَتَزَوَّجُ أَنَا حَفْصَةَ وَأُزَوِّجُ عُثْمَانَ خَيْرًا مِنْهَا أُمَّ كُلْثُومٍ) » .

أَخْرَجَهُ أَبُو عُمَرَ وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَمَرَنِي أَنْ أُزَوِّجَ عُثْمَانَ ابْنَتِي» ) وَقَالَتْ عَائِشَةُ: كُنْ لِمَا لَا تَرْجُوهُ أَرْجَى مِنْكَ لِمَا تَرْجُوهُ، فَإِنَّ مُوسَى عليه السلام خَرَجَ يَلْتَمِسُ نَارًا فَرَجَعَ بِالنُّبُوَّةِ. أَخْرَجَهُ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ الْبَصْرِيُّ.

(وَكَانَتْ) أَيْ: رُقَيَّةُ (مَرِيضَةً) ، أَيْ فِي الْمَدِينَةِ. وَفِي " الذَّخَائِرِ " عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهَا كَانَتْ أَصَابَتْهَا الْحَصْبَةُ، فَمَرِضَتْ وَتَخَلَّفَ عَلَيْهَا عُثْمَانُ وَمَاتَتْ بِالْمَدِينَةِ، وَجَاءَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ بَشِيرًا بِفَتْحِ بَدْرٍ وَعُثْمَانُ قَائِمٌ عَلَى قَبْرِ رُقَيَّةَ. أَخْرَجَهُ أَبُو عُمَرَ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:«لَمَّا عُزِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِابْنَتِهِ رُقَيَّةَ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، دَفْنُ الْبَنَاتِ مِنَ الْمَكْرُمَاتِ» . أَخْرَجَهُ الدُّولَابِيُّ. (فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «إِنَّ لَكَ أَجْرَ رَجُلٍ مِمَّنْ يَشْهَدُ بَدْرًا وَسَهْمَهُ» ) . أَيْ جَمَعَ لَهُ بَيْنَ أَجْرِ الْعُقْبَى وَغَنِيمَةِ الدُّنْيَا، فَلَا نُقْصَانَ فِي حَقِّهِ أَصْلًا فَيَكُونُ نَظِيرَ تَغَيُّبِ عَلِيٍّ عَنْ تَبُوكَ حَيْثُ جَعَلَهُ خَلِيفَةً عَلَى أَهْلِهِ وَأَمَرَهُ بِالْإِقَامَةِ فِيهِمْ، لَكِنْ لَمْ يُعْرَفْ أَنَّهُ جَعَلَ لِعَلِيٍّ سَهْمًا مِنَ الْغَنِيمَةِ أَيْضًا أَمْ لَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ثُمَّ رَأَيْتُهُ فِي " الرِّيَاضِ " أَنَّهُ كَذَلِكَ (وَأَمَّا تَغَيُّبُهُ عَنْ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ فَلَوْ كَانَ أَحَدٌ أَعَزَّ) أَيْ: أَكْثَرَ عِزَّةٍ مِنْ جِهَةِ الْعَشَرَةِ مِنْ بَقِيَّةِ الصَّحَابَةِ (بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ عُثْمَانَ لَبَعَثَهُ) ، أَيْ مَكَانَهُ كَمَا فِي رِوَايَةٍ، لَكِنْ لَمَّا فُقِدَ الْأَعَزُّ مِنْهُ حَتَّى امْتَنَعَ عُمَرُ رضي الله عنه خَوْفًا عَلَى نَفْسِهِ مُعَلِّلًا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا لِي قَوْمٌ بِمَكَّةَ يُعِينُونَنِي وَيَحْفَظُونَنِي وَرَاءَ ظَهْرِي. (فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عُثْمَانَ) ، أَيْ إِلَى.

ص: 3926

مَكَّةَ فَاسْتَقْبَلَهُ أَهْلُهُ وَرَهْطُهُ وَرَكَّبُوهُ قُدَّامَهُمْ، وَأَجَارُوهُ مِنْ تَعَرُّضِ أَحَدٍ لَهُ وَقَالُوا: طُفْ بِالْبَيْتِ لِعُمْرَتِكَ. فَقَالَ: حَاشَا أَنِّي أَطُوفُ فِي غَيْبَتِهِ صلى الله عليه وسلم. (وَكَانَتْ بَيْعَةُ الرِّضْوَانِ بَعْدَمَا ذَهَبَ عُثْمَانُ إِلَى مَكَّةَ) ، أَيْ وَشَاعَ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ تَعَرَّضُوا لِحَرْبِ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَعَدَّ الْمُسْلِمُونَ لِلْقِتَالِ، وَبَايَعَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم تَحْتَ الشَّجَرَةِ عَلَى أَنْ لَا يُغَرُّوا، وَقِيلَ بَلْ جَاءَ الْخَبَرُ بِأَنَّ عُثْمَانَ قُتِلَ. (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيْ: أَشَارَ (بِيَدِهِ الْيُمْنَى: (هَذِهِ) أَيْ: قَائِلًا هَذِهِ (يَدُ عُثْمَانَ) فَضَرَبَ بِهَا عَلَى يَدِهِ) ، أَيِ الْيُسْرَى (وَقَالَ:(هَذِهِ) أَيْ: هَذِهِ الْبَيْعَةُ أَوْ هَذِهِ الْيَدُ (لِعُثْمَانَ) . أَيْ لِأَجْلِهِ أَوْ عَنْهُ عَلَى فَرْضِ وُجُودِ حَيَاتِهِ، أَوْ إِشَارَةً إِلَى تَكْذِيبِ خَبَرِ مَمَاتِهِ (ثُمَّ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: اذْهَبْ بِهَا) أَيْ: بِالْكَلِمَاتِ الَّتِي أَجَبْتُ لَكَ عَنْ أَسْئِلَتِكَ (الْآنَ مَعَكَ) : فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّنَا بَلْ يَضُرُّكَ. قَالَ الطِّيبِيُّ: فَلَمَّا نَقَضَ ابْنُ عُمَرَ كُلَّ وَاحِدٍ مِمَّا بَنَاهُ وَأَقْلَعَهُ مِنْ أَصْلِهِ قَالَ تَهَكُّمًا: اذْهَبْ بِهَا أَيْ بِمَا جِئْتَ وَتَمَسَّكْتَ بِهِ بَعْدَمَا بَيَّنْتُ لَكَ الْحَقَّ الْمَحْضَ الَّذِي لَا يُرْتَابُ فِيهِ انْتَهَى. وَالْمَعْنَى لَا يَنْفَعُكَ اعْتِقَادُكَ الْفَاسِدُ فِي عُثْمَانَ بَعْدَمَا بَيَّنْتُ لَكَ الْحَقَّ الصَّرِيحَ بِالْجَوَابِ الصَّحِيحِ. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) : وَكَذَا التِّرْمِذِيُّ وَاللَّفْظُ مُخْتَلِفٌ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ.

ص: 3927

6081 -

وَعَنْ أَبِي سَهْلَةَ مَوْلَى عُثْمَانَ رضي الله عنه قَالَ: «جَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (يُسِرُّ إِلَى عُثْمَانَ، وَلَوْنُ عُثْمَانَ يَتَغَيَّرُ) » ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الدَّارِ قُلْنَا: أَلَا تُقَاتِلُ؟ قَالَ: لَا، إِنْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَهِدَ إِلَيَّ أَمْرًا، فَأَنَا صَابِرٌ نَفْسِي عَلَيْهِ.

ــ

6081 -

(وَعَنْ أَبِي سَهْلَةَ مَوْلَى عُثْمَانَ رضي الله عنه)، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ رضي الله عنهما بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ تَغْلِيبًا وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُؤَلِّفُ فِي أَسْمَائِهِ. (قَالَ: جَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُسِرُّ) : بِضَمٍّ فَكَسْرٍ فَتَشْدِيدٍ أَيْ يُخْفِي الْكَلَامَ (إِلَى عُثْمَانَ، وَلَوْنُ عُثْمَانَ يَتَغَيَّرُ)، أَيْ مِنَ الْبَيَاضِ وَالْحُمْرَةِ إِلَى الصُّفْرَةِ (فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الدَّارِ) : بِالرَّفْعِ وَيُنْصَبُ (قُلْنَا، أَلَا تُقَاتِلُ) ؟ بِتَخْفِيفِ أَلَا وَيُشَدَّدُ (قَالَ: لَا، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : اسْتِئْنَافُ تَعْلِيلٍ أَيْ لِأَنَّهُ (عَهِدَ إِلَيَّ أَمْرًا، فَأَنَا صَابِرٌ) : بِالتَّنْوِينِ (نَفْسِي عَلَيْهِ) . قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ: أَوْصَانِي بِأَنْ أَصْبِرَ وَلَا أُقَاتِلَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ هِيَ قَوْلُهُ: فَإِنْ أَرَادُوكَ عَلَى خَلْعِهِ فَلَا تَخْلَعْهُ لَهُمْ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُوهِمُ الْمُقَاتَلَةَ مَعَهُمْ لِلدَّفْعِ، فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ الْحَدِيثُ الْآخَرُ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي عَلَى هَذَا الْمَعْنَى لِيَتَّفِقَا. قُلْتُ: الْأَظْهَرُ أَنَّ الْعَهْدَ كَانَ مُرَكَّبًا مِنْ عَدَمِ الْخَلْعِ وَتَرْكِ الْقِتَالِ لِلدَّفْعِ، بَلْ لِمُجَرَّدِ الصَّبْرِ لِلْوُصُولِ إِلَى مَقَامِ الْجَمْعِ.

ص: 3927

6082 -

وَعَنْ أَبِي حَبِيبَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ دَخَلَ الدَّارَ وَعُثْمَانُ مَحْصُورٌ فِيهَا، وَأَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَسْتَأْذِنُ عُثْمَانَ فِي الْكَلَامِ، فَأَذِنَ لَهُ، فَقَامَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: « (إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي فِتْنَةً وَاخْتِلَافًا - أَوْ قَالَ: اخْتِلَافًا وَفِتْنَةً - فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ مِنَ النَّاسِ: فَمَنْ لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ أَوْ مَا تَأْمُرُنَا بِهِ؟ قَالَ: (عَلَيْكُمْ بِالْأَمِيرِ وَأَصْحَابِهِ) وَهُوَ يُشِيرُ إِلَى عُثْمَانَ بِذَلِكَ» . رَوَاهَا الْبَيْهَقِيُّ فِي (دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ) .

ــ

6082 -

(وَعَنْ أَبِي حَبِيبَةَ) : اسْمُهُ عَمْرُو بْنُ نَصْرٍ الْحَازِمِيُّ الْهَمْدَانِيُّ، رَوَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفِ فِي التَّابِعِينَ. (أَنَّهُ دَخَلَ الدَّارَ وَعُثْمَانُ مَحْصُورٌ فِيهَا، وَأَنَّهُ) أَيْ: أَبَا حَبِيبَةَ (سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَسْتَأْذِنُ عُثْمَانَ فِي الْكَلَامِ) ، أَيْ عِنْدَهُ أَوْ عَلَى الْحَاضِرِينَ مِنَ الْحَاضِرِينَ، وَيُؤَيِّدُ الثَّانِي قَوْلُهُ:(فَأَذِنَ لَهُ، فَقَامَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ)، أَيْ عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَطْفُ تَفْسِيرٍ وَبَيَانٍ أَوِ الْحَمْدُ بِمَعْنَى الشُّكْرِ (ثُمَّ قَالَ) أَيْ: أَبُو هُرَيْرَةَ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (إِنَّكُمْ) أَيْ: أَيُّهَا الْأُمَّةُ أَوْ أَيُّهَا الصَّحَابَةُ (سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي فِتْنَةً) أَيْ: مِحْنَةً عَظِيمَةً (وَاخْتِلَافًا) أَيْ: كَثِيرًا (أَوْ قَالَ: اخْتِلَافًا وَفِتْنَةً) : شَكَّ الرَّاوِي فِي تَقَدُّمِ أَحَدِ اللَّفْظَيْنِ (فَقَالَ لَهُ) أَيْ: لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (قَائِلٌ: فَمَنْ لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ) ؟ قَالَ الطِّيبِيُّ: هُوَ مُتَوَجِّهٌ إِلَى

ص: 3927