المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب مناقب أبي بكر رضي الله عنه] - مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٩

[الملا على القاري]

فهرس الكتاب

- ‌[بَابُ صِفَةِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِهَا]

- ‌[بَابُ رُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى]

- ‌[بَابُ صِفَةِ النَّارِ وَأَهْلِهَا]

- ‌[بَابُ خَلْقِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ]

- ‌[بَابُ بَدْءِ الْخَلْقِ وَذِكْرِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ]

- ‌[كِتَابِ الْفَضَائِلِ] [

- ‌بَابُ فَضَائِلِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ]

- ‌[بَابُ أَسْمَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَصِفَاتِهِ]

- ‌[بَابٌ فِي أَخْلَاقِهِ وَشَمَائِلِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[بَابُ الْمَبْعَثِ وَبَدْءِ الْوَحْيِ]

- ‌[بَابُ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ]

- ‌[بَابٌ فِي الْمِعْرَاجِ]

- ‌[بَابٌ فِي الْمُعْجِزَاتِ]

- ‌[بَابُ الْكَرَامَاتِ]

- ‌[بَابٌ هِجْرَةُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ وَوَفَاتُهُ]

- ‌[بَابٌ]

- ‌[كِتَابُ الْمَنَاقِبِ وَالْفَضَائِلِ] [

- ‌بَابُ مَنَاقِبِ قُرَيْشٍ وَذِكْرِ الْقَبَائِلِ]

- ‌[بَابُ مَنَاقِبِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ]

- ‌[بَابُ مَنَاقِبِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه]

- ‌[بَابُ مَنَاقِبِ عُمَرَ رضي الله عنه]

- ‌[بَابُ مَنَاقِبِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما]

- ‌[بَابُ مَنَاقِبِ عُثْمَانَ رضي الله عنه]

- ‌[بَابُ مَنَاقِبِ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ رضي الله عنهم]

- ‌[بَابُ مَنَاقِبِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه]

- ‌[بَابُ مَنَاقِبِ الْعَشَرَةِ رضي الله عنهم]

- ‌[بَابُ مَنَاقِبِ أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم]

- ‌[بَابُ مَنَاقِبِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهن]

- ‌[بَابُ جَامِعِ الْمَنَاقِبِ]

- ‌[تَسْمِيَةُ مَنْ سُمِّيَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ]

- ‌[بَابُ ذِكْرِ الْيَمَنِ وَالشَّامِ وَذِكْرِ أُوَيْسٍ الْقَرَنِيِّ]

- ‌[بَابُ ثَوَابِ هَذِهِ الْأُمَّةِ]

الفصل: ‌[باب مناقب أبي بكر رضي الله عنه]

6018 -

وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ ( «سَأَلْتُ رَبِّي عَنِ اخْتِلَافِ أَصْحَابِي مِنْ بَعْدِي، فَأَوْحَى إِلَيَّ: يَا مُحَمَّدُ! إِنَّ أَصْحَابَكَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ النُّجُومِ فِي السَّمَاءِ، بَعْضُهَا أَقْوَى مِنْ بَعْضٍ، وَلِكُلٍّ نُورٌ، فَمَنْ أَخَذَ بِشَيْءٍ مِمَّا هُمْ عَلَيْهِ مِنِ اخْتِلَافِهِمْ فَهُوَ عِنْدِي عَلَى هُدًى» ) قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ، فَبِأَيِّهِمُ اقْتَدَيْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ» ) . رَوَاهُ رَزِينٌ.

ــ

6018 -

(وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: (سَأَلْتُ رَبِّي عَنِ اخْتِلَافِ أَصْحَابِي) أَيْ: عَنْ حِكْمَةِ تَخَالُفِهِمْ فِي فُرُوعِ الشَّرَائِعِ (مِنْ بَعْدِي، فَأَوْحَى) أَيِ: اللَّهُ كَمَا فِي نُسْخَةٍ (إِلَيَّ: يَا مُحَمَّدُ! إِنَّ أَصْحَابَكَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ النُّجُومِ فِي السَّمَاءِ) أَيْ: فِي إِظْهَارِ الْهِدَايَةِ وَإِبْطَالِ الْغَوَايَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} [النحل: 16](بَعْضُهَا أَقْوَى مِنْ بَعْضٍ)، أَيْ: بِحَسَبِ مَرَاتِبِ أَنْوَارِهَا الْمُقَدَّرَةِ لَهَا (وَلِكُلٍّ نُورٌ)، أَيْ: وَكَذَلِكَ لِكُلٍّ مِنَ الْأَصْحَابِ نُورٌ بِقَدْرِ اسْتِعْدَادِهِ (فَمَنْ أَخَذَ بِشَيْءٍ مِمَّا هُمْ عَلَيْهِ) : بَيَانُ شَيْءٍ (مِنِ اخْتِلَافِهِمْ) : بَيَانُ مَا (فَهُوَ عِنْدِي عَلَى هُدًى)، وَفِيهِ أَنَّ اخْتِلَافَ الْأَئِمَّةِ رَحْمَةٌ لِلْأُمَّةِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: الْمُرَادُ بِهِ الِاخْتِلَافُ فِي الْفُرُوعِ لَا فِي الْأُصُولِ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: فَهُوَ عِنْدِي عَلَى هُدًى. قَالَ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ: الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ صلى الله عليه وسلم الِاخْتِلَافُ الَّذِي فِي الدِّينِ مِنْ غَيْرِ اخْتِلَافٍ لِلْغَرَضِ الدُّنْيَوِيِّ، فَلَا يُشْكِلُ بِاخْتِلَافِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ فِي الْخِلَافَةِ وَالْإِمَارَةِ. قُلْتُ إِنَّ اخْتِلَافَ الْخِلَافَةِ أَيْضًا مِنْ بَابِ اخْتِلَافِ فُرُوعِ الدِّينِ النَّاشِئِ عَنِ اجْتِهَادِ كُلٍّ، لَا مِنَ الْغَرَضِ الدُّنْيَوِيِّ الصَّادِرِ عَنِ الْحَظِّ النَّفْسِيِّ، فَلَا يُقَاسِ الْمُلُوكُ بِالْحَدَّادِينَ (قَالَ) أَيْ: عُمَرُ (وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ» ) أَيْ: فَاقْتَدُوا بِهِمْ جَمِيعِهِمْ، أَوْ بِأَكْثَرِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ. (فَبِأَيِّهِمُ اقْتَدَيْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ) . وَكَأَنَّهُ أَخَذَ مِنْ هَذَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ: مَنْ تَبِعَ عَالِمًا لَقِيَ اللَّهَ سَالِمًا. (رَوَاهُ رَزِينٌ) .

قَالَ ابْنُ الرَّبِيعِ: اعْلَمْ أَنَّ الْحَدِيثَ: ( «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمُ اقْتَدَيْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ» ) أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ - كَذَا ذَكَرَهُ الْجَلَالُ السُّيُوطِيُّ فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الشِّفَاءِ، وَلَمْ أَجِدْهُ فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ - بَعْدَ الْبَحْثِ عَنْهُ، وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيُّ فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الرَّافِعِيِّ فِي بَابِ أَدَبِ الْقَضَاءِ، وَأَطَالَ الْكَلَامَ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ ضَعِيفٌ وَاهٍ، بَلْ ذَكَرَ عَنِ ابْنِ حَزْمٍ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ بَاطِلٌ، لَكِنْ ذُكِرَ عَنِ الْبَيْهَقِيِّ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ حَدِيثَ مُسْلِمٍ يُؤَدِّي بَعْضُ مَعْنَاهُ يَعْنِي قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم: ( «النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ» ) الْحَدِيثَ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: صَدَقَ الْبَيْهَقِيُّ هُوَ يُؤَدِّي صِحَّةَ التَّشْبِيهِ لِلصَّحَابَةِ بِالنُّجُومِ) أَمَّا فِي الِاقْتِدَاءِ فَلَا يَظْهَرُ، نَعَمْ يُمْكِنُ أَنْ يُتَلَمَّحَ ذَلِكَ مِنْ مَعْنَى الِاهْتِدَاءِ بِالنُّجُومِ، قُلْتُ: الظَّاهِرُ أَنَّ الِاهْتِدَاءَ فَرْعُ الِاقْتِدَاءِ. قَالَ: وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ إِنَّمَا هُوَ إِشَارَةٌ إِلَى الْفِتَنِ الْحَادِثَةِ بَعْدَ انْقِرَاضِ الصَّحَابَةِ مِنْ طَمْسِ السُّنَنِ، وَظُهُورِ الْبِدَعِ، وَنَشْرِ الْجَوْرِ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ اه.

وَتَكَلَّمَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ ابْنُ السُّبْكِيُّ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ الْأَصْلِيِّ فِي الْكَلَامِ عَلَى عَدَالَةِ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يُعْزِهِ لِابْنِ مَاجَهْ، وَذَكَرَهُ فِي جَامِعِ الْأُصُولِ، وَلَفْظُهُ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مَرْفُوعًا (سَأَلْتُ رَبِّي) الْحَدِيثَ إِلَى قَوْلِهِ:(اهْتَدَيْتُمْ) وَكَتَبَ بَعْدَهُ أَخْرَجَهُ، فَهُوَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرَهَا رَزِينٌ فِي تَجْرِيدِ الْأُصُولِ، وَلَمْ يَقِفْ عَلَيْهَا ابْنُ الْأَثِيرِ فِي الْأُصُولِ الْمَذْكُورَةِ، وَذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمِشْكَاةِ وَقَالَ: أَخْرَجَهُ رَزِينٌ.

ص: 3882

[بَابُ مَنَاقِبِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه]

ص: 3882

[3]

- بَابُ مَنَاقِبِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

6019 -

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ( «إِنَّ مِنْ أَمَنِّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ - وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ أَبَا بَكْرٍ - وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَا تَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ وَمَوَدَّتُهُ، لَا تُبْقَيَنَّ فِي الْمَسْجِدِ خَوْخَةٌ إِلَّا خَوْخَةَ أَبِي بَكْرٍ» ) .

وَفِي رِوَايَةٍ: ( «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا غَيْرَ رَبِّي لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا» ) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

[3]

- بَابُ مَنَاقِبِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

6019 -

(عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِنَّ مِنْ أَمَنِّ النَّاسِ) : بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَمِيمٍ وَتَشْدِيدِ نُونٍ أَيْ: أَنْعَمِهِمْ (عَلَيَّ) : أَوْ أَبْذَلِهِمْ لِأَجْلِي (فِي صُحْبَتِهِ) أَيْ: دَوَامِ مُلَازَمَتِهِ بِبَذْلِ نَفْسِهِ فِي خِدْمَتِي (وَمَالِهِ) أَيْ: وَبَذْلِ مَالِهِ بَلْ وَجَمِيعُ مَالِهِ فِي طَرِيقِي (أَبُو بَكْرٍ) : كَذَا فِي صَحِيحٍ مُسْلِمٍ (وَفِي الْبُخَارِيِّ: (أَبَا بَكْرٍ) أَيْ: بِالنَّصْبِ وَهُوَ الظَّاهِرُ ; لِأَنَّ اسْمَ (إِنَّ) وَالرَّفْعُ مُشْكِلٌ ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ قَالَ الْمُظْهِرُ: وَفِيهِ أَوْجُهٌ الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ مِنْ زَائِدَةً عَلَى مَذْهَبِ الْأَخْفَشِ، وَقِيلَ: إِنَّ هَاهُنَا بِمَعْنَى (نَعَمْ) كَمَا فِي جَوَابِ قَوْلِهِ: لَعَنَ اللَّهُ نَاقَةً حَمَلَتْنِي إِلَيْكَ إِنَّ وَصَاحِبَهَا فَقَوْلُهُ: أَبُو بَكْرٍ مُبْتَدَأٌ، وَمِنْ أَمَنِّ النَّاسِ خَبَرُهُ، وَقِيلَ: اسْمُ إِنَّ ضَمِيرُ الشَّأْنِ اه. فَالتَّقْدِيرُ أَنَّهُ مِنْ أَمَنِّ النَّاسِ أَوْ هُوَ مِنْ بَابِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَمَّا مَا تَوَهَّمَ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ: أَبُو بَكْرٍ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، هُوَ هُوَ عَلَى أَنَّهُ جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ كَأَنَّهُ قِيلَ مَنْ أَمَنُّ النَّاسِ، فَقِيلَ أَبُو بَكْرٍ فَغَيْرُ صَحِيحٍ لِبَقَاءِ إِنَّ حِينَئِذٍ بِلَا خَبَرٍ قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: يُرِيدُ أَنَّ مِنْ أَبْذَلِهِمْ وَأَسْمَعِهُمْ مَنْ مَنَّ عَلَيْهِ مَنًّا لَا مَنْ مَنَّ عَلَيْهِ مِنَّةً إِذْ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَمْتَنَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ أَنَّهُ وَرَدَ مُوَرِدَ الْإِحْمَادِ، وَإِذَا حُمِلَ عَلَى مَعْنَى الِامْتِنَانِ عَادَ ذَمًّا عَلَى صَاحِبِهِ ; لِأَنَّ الْمِنَّةَ تَهْدِمُ الصَّنِيعَةَ (وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا) .

قَالَ الْقَاضِي: الْخَلِيلُ الصَّاحِبُ الْوَادُّ الَّذِي يُفْتَقَرُ إِلَيْهِ، وَيُعْتَمَدُ فِي الْأُمُورِ عَلَيْهِ، فَإِنَّ أَصْلَ التَّرْكِيبِ مِنَ الْخَلَّةِ بِالْفَتْحِ وَهِيَ الْحَاجَةُ، وَالْمَعْنَى لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنَ الْخَلْقِ خَلِيلًا أَرْجِعُ إِلَيْهِ فِي الْحَاجَاتِ وَأَعْتَمِدُ إِلَيْهِ فِي الْمُهِمَّاتِ (لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا) ، وَلَكِنَّ الَّذِي أَلْجَأُ إِلَيْهِ وَأَعْتَمِدُ عَلَيْهِ فِي جُمْلَةِ الْأُمُورِ وَمَجَامِعِ الْأَحْوَالِ، هُوَ اللَّهُ، تَعَالَى، وَإِنَّمَا سُمِّيَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام خَلِيلًا مِنَ الْخَلَّةِ بِالْفَتْحِ الَّتِي هِيَ الْخَصْلَةُ، فَإِنَّهُ تَخَلَّقَ بِخِلَالٍ حَسَنَةٍ اخْتَصَّتْ بِهِ أَوْ مِنَ التَّخَلُّلِ، فَإِنَّ الْحُبَّ تَخَلَّلَ شِغَافَ قَلْبِهِ، وَاسْتَوْلَى عَلَيْهِ، أَوْ مِنَ الْخَلَّةِ مِنْ حَيْثُ أَنَّهُ عليه السلام مَا كَانَ يَفْتَقِرُ حَالَ الِافْتِقَارِ إِلَّا إِلَيْهِ، وَمَا كَانَ يَتَوَكَّلُ إِلَّا عَلَيْهِ، فَيَكُونُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ. وَفِي الْحَدِيثِ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ (وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ) : اسْتِدْرَاكٌ عَنْ مَضْمُونِ الْجُمْلَةِ - الشَّرْطِيَّةِ وَفَحْوَاهَا، كَأَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ خَلَّةٌ، وَلَكِنْ بَيْنَنَا فِي الْإِسْلَامِ أُخُوَّةٌ، فَنَفَى الْخَلَّةَ الْمُنْبِئَةَ عَنِ الْحَاجَةِ وَأَثْبَتَ الْإِخَاءَ الْمُقْتَضِي لِلْمُسَاوَاةِ فِي الْمَحَبَّةِ وَالْأُلْفَةِ وَلِذَا قَالَ:(وَمَوَدَّتُهُ)، أَيْ: وَمَوَدَّةُ الْإِسْلَامِ النَّاشِئَةُ عَنِ الْمَحَبَّةِ الدِّينِيَّةِ لَا لِغَرَضٍ مِنَ الْأَغْرَاضِ (الدُّنْيَوِيَّةِ أَوِ النَّفْسِيَّةِ الدَّنِيَّةِ. قَالَ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ، أَيْ: لَكِنْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ، أَوْ لَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ حَاصِلَةٌ، أَوْ لَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ، كَمَا وَقَعَ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ، فَإِنْ أُرِيدَ أَفْضَلِيَّةُ أُخُوَّةِ الْإِسْلَامِ وَمَوَدَّتُهُ عَنِ الْخَلَّةِ، كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنَ السَّوْقِ يُشْكِلُ، فَيَجِبُ أَنْ يُرَادَ أَفْضَلِيَّتُهَا مِنْ غَيْرِ الْخَلَّةِ، أَوْ يُقَالُ: أَفْضَلُ بِمَعْنَى فَاضِلٍ، أَوْ يُقَالُ: أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ الَّتِي بَيْنِي وَبَيْنَ أَبُو بَكْرٍ أَفْضَلُ مِنْ أُخُوَّةِ الْإِسْلَامِ الَّتِي بَيْنِي وَبَيْنَ غَيْرِهِ، أَوْ مِنْ أُخُوَّةِ الْإِسْلَامِ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِي، وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ تَأَمَّلْ.

أَقُولُ: وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ مَحْمُولًا عَلَى مَا كَانَ تَعَاهَدَ الْعَرَبُ مِنْ عُهْدَةِ الْأُخُوَّةِ وَعَقْدِ الْخَلَّةِ وَالْمَحَبَّةِ فِيمَا بَيْنَهُمْ، فَقَالَ:(لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا مِنَ الْخَلْقِ لِفَقْدِ الْخَلَّةِ وَعَهْدِ الْمُحِبَّةِ لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِي، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ وَمَوَدَّتُهُ الشَّامِلَةُ لَهُ وَلِغَيْرِهِ كَافِيَةٌ، أَوْ أَفْضَلُ حَيْثُ إِنَّهُ خَالِصٌ لِلَّهِ وَعَلَى وَفْقِ رِضَاهُ وَمِنْ غَيْرِ مُلَاحَظَةٍ مِنْ سِوَاهُ. وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: اللَّامُ فِي قَوْلِهِ: وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ لِلْعَهْدِ أَيْ: وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ الَّذِي سَبَقَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَفْضَلُ ; لِأَنَّ اتِّخَاذَهُ خَلِيلًا بِفِعْلِهِ وَأُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ بِفِعْلِ اللَّهِ، تَعَالَى، فَمَا اخْتَارَهُ اللَّهُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَكُونُ أَفْضَلَ مِمَّا اخْتَارَهُ لِنَفْسِهِ (لَا تُبْقَيَنَّ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ نَهْيًا مُؤَكَّدًا مُشَدَّدًا وَفِي نُسْخَةٍ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ، وَالْمَعْنَى لَا تُتْرَكَنَّ بَاقِيَةً (فِي الْمَسْجِدِ) أَيْ: مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ (خَوْخَةٌ إِلَّا خَوْخَةَ أَبِي بَكْرٍ) . الْخَوْخَةُ بِفَتْحِ الْخَاءَيْنِ الْمُعْجَمَتَيْنِ وَسُكُونِ الْوَاوِ كُوَّةٌ فِي الْجِدَارِ تُؤَدِّي الضَّوْءَ إِلَى الْبَيْتِ، وَقِيلَ: بَابٌ صَغِيرٌ يُنْصَبُ بَيْنَ بَيْتَيْنِ أَوْ دَارَيْنِ، لِيَدْخُلَ مِنْ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ.

ص: 3883

قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: وَهَذَا الْكَلَامُ كَانَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوفِّيَ فِي آخِرِ خُطْبَةٍ خَطَبَهَا، وَلَا خَفَاءَ بِأَنَّ ذَلِكَ تَعْرِيضٌ بِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ هُوَ الْمُسْتَخْلَفُ بَعْدَهُ، وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ إِنْ أُرِيدَ بِهَا الْحَقِيقَةُ، فَذَلِكَ لِأَنَّ أَصْحَابَ الْمَنَازِلِ اللَّاصِقَةِ بِالْمَسْجِدِ قَدْ جَعَلُوا مِنْ بُيُوتِهِمْ مُخْتَرَقًا يَمُرُّونَ فِيهِ إِلَى الْمَسْجِدِ، أَوْ كُوَّةً يَنْظُرُونَ إِلَيْهَا مِنْهُ، فَأَمَرَ بِسَدِّ جُمْلَتِهَا سِوَى خَوْخَةِ أَبِي بَكْرٍ تَكْرِيمًا لَهُ بِذَلِكَ أَوَّلًا، ثُمَّ تَنْبِيهًا لِلنَّاسِ فِي ضِمْنِ ذَلِكَ عَلَى أَمْرِ الْخِلَافَةِ حَيْثُ جَعَلَهُ مُسْتَحِقًّا لِذَلِكَ دُونَ النَّاسِ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْمَجَازُ فَهُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الْخِلَافَةِ، وَسَدُّ أَبْوَابِ الْمَقَالَةِ دُونَ التَّفَوُّقِ إِلَيْهَا وَالتَّطَوُّعِ عَلَيْهَا، وَأَرَى الْمَجَازَ فِيهِ أَقْوَى، إِذْ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَنَا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ لَهُ مَنْزِلٌ بِجَنْبِ الْمَسْجِدِ، وَإِنَّمَا كَانَ مَنْزِلُهُ بِالسُّنْحِ مِنْ عَوَالِي الْمَدِينَةِ، ثُمَّ أَنَّهُ مَهَّدَ الْمَعْنَى الْمُشَارَ إِلَيْهِ، وَقَرَّرَهُ بِقَوْلِهِ:( «وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا» ) لِيُعْلَمَ أَنَّهُ أَحَقُّ النَّاسِ بِالنِّيَابَةِ عَنْهُ، وَكَفَانَا حُجَّةً عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ تَقْدِيمُهُ إِيَّاهُ فِي الصَّلَاةِ، وَإِبَاؤُهُ كُلَّ الْإِبَاءِ أَنْ يَقِفَ غَيْرُهُ ذَلِكَ الْمَوْقِفَ اه.

وَقِيلَ: أَرَادَ صلى الله عليه وسلم بِخَوْخَةِ أَبِي بَكْرٍ خَوْخَةَ بِنْتِهِ عَائِشَةَ، فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِسَدِّ خَوْخَاتِ الْأَزْوَاجِ إِلَّا خَوْخَةَ عَائِشَةَ، وَوَجْهُ الْإِضَافَةِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ ظَاهِرٌ لِإِمَامَتِهِ فِيهِ بِإِذْنِهِ، كَمَا يُشِيرُ إِلَيْهِ لَفْظُ الْمَسْجِدِ، ذَكَرَهُ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ. وَفِي الرِّيَاضِ: عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِسَدِّ أَبْوَابِ الشَّوَارِعِ فِي الْمَسْجِدِ إِلَّا بَابَ أَبِي بَكْرٍ. أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ وَأَخْرَجَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ وَزَادَ فِي آخِرِهِ ( «فَإِنِّي لَا أَعْلَمُ رَجُلًا كَانَ أَفْضَلَ فِي الصُّحْبَةِ يَدًا مِنْهُ» ) . وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ: أَنَّ أَبْوَابًا كَانَتْ مُفَتَّحَةً فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَ بِهَا فَسُدَّتْ، غَيْرَ بَابِ أَبِي بَكْرٍ فَقَالُوا: سَدَّ أَبْوَابَنَا غَيْرَ بَابِ خَلِيلِهِ، وَبَلَغَهُ ذَلِكَ فَقَامَ فِيهِمْ فَقَالَ:(أَتَقُولُونَ سَدَّ أَبْوَابَنَا وَتَرَكَ بَابَ خَلِيلِهِ، فَلَوْ كَانَ مِنْكُمْ خَلِيلٌ كَانَ هُوَ خَلِيلِي، وَلَكِنِّي خَلِيلُ اللَّهِ فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُونَ لِي صَاحِبِي فَقَدْ وَاسَانِي بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ وَقَالَ لِي: صَدَقَ وَقُلْتُمْ كَذَبَ) .

(وَفِي رِوَايَةٍ) أَيْ: مُسْتَقِلَّةٍ (لَوْ كُنْتُ) : وَفِي رِوَايَةٍ بَدَلًا مِمَّا قَبِلَهُ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: وَلَوْ كُنْتُ (مُتَّخِذًا خَلِيلًا غَيْرَ رَبِّي)، أَيْ بِإِفَادَةِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ (لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا) . أَيْ: لَكِنْ لَا يَجُوزُ لِي أَنْ آخُذَ غَيْرَ اللَّهِ خَلِيلًا لِأَكُونَ لَهُ خَلِيلًا، سَوَاءً يَكُونُ بِمَعْنَى الْفَاعِلِ أَوِ الْمَفْعُولِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) . وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو حَاتِمٍ. وَفِي مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:( «أَبُو بَكْرٍ صَاحِبِي وَمُؤْنِسِي فِي الْغَارِ، سِدُّوا خَوْخَةً فِي الْمَسْجِدِ غَيْرَ خَوْخَةِ أَبِي بَكْرٍ» ) . وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو حَاتِمٍ وَاللَّفْظُ لَهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ خَرَجَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ عَاصِبًا رَأْسَهُ، فَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ:( «إِنَّهُ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ أَمَنَّ عَلَيَّ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ مِنِ ابْنِ أَبِي قُحَافَةَ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُهُ، وَلَكِنْ خَلَّةُ الْإِسْلَامِ، سِدُّوا عَنِّي كُلَّ خَوْخَةٍ فِي الْمَسْجِدِ غَيْرَ خَوْخَةِ أَبِي بَكْرٍ» ) . قَالَ أَبُو حَاتِمٍ، وَفِي قَوْلِهِ: سِدُّوا إِلَخْ دَلِيلٌ عَلَى حَسْمِ أَطْمَاعِ النَّاسِ كُلِّهِمْ مِنَ الْخِلَافَةِ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ.

ص: 3884

6020 -

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ( «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا وَلَكِنَّهُ أَخِي وَصَاحِبِي وَقَدِ اتَّخَذَ اللَّهُ صَاحِبَكُمْ خَلِيلًا» ) . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

6020 -

(وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ( «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا وَلَكِنَّهُ أَخِي» ) : زَادَ أَحْمَدُ فِي الدِّينِ (وَصَاحِبِي)، زَادَ أَحْمَدُ فِي الْغَارِ ذَكَرَهُ السُّيُوطِيُّ ( «وَقَدِ اتَّخَذَ اللَّهُ صْاحِبَكُمْ خَلِيلًا» ) : فِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ} [التكوير: 22] وَإِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ مَنْ جَعَلَ غَيْرَ رَبِّهِ خَلِيلًا يَكُونُ مَجْنُونًا بِخَلَلِ عَقْلِهِ، وَيَصِيرُ مَخْذُولًا ذَلِيلًا. قَالَ الطِّيبِيُّ فِي قَوْلِهِ ; اتَّخَذَ اللَّهُ مُبَالَغَةٌ مِنْ وَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَخْرَجَ الْكَلَامَ عَلَى التَّجْرِيدِ حَيْثُ قَالَ: صَاحِبُكُمْ وَلَمْ يَقُلِ اتَّخَذَنِي، وَثَانِيهِمَا: اتَّخَذَ اللَّهُ صَاحِبَكُمْ بِالنَّصْبِ عَكْسَ مَا لَمَّحَ إِلَيْهِ الْحَدِيثُ السَّابِقُ مِنْ قَوْلِهِ: غَيْرَ رَبِّي، فَدَلَّ الْحَدِيثَانِ عَلَى حُصُولِ الَمُخَالَلَةِ مِنَ الطَّرَفَيْنِ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) . وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِلَفْظِ:( «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلًا دُونَ رَبِّي لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَلَكِنْ أَخِي وَصَاحِبِي» ) . وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: ( «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُهُ خَلِيلًا، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ» ) . وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جُنْدُبٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِخَمْسِ

ص: 3884

لَيَالٍ وَهُوَ يَقُولُ: ( «إِنِّي أَبْرَأُ إِلَى اللَّهِ عز وجل أَنْ يَكُونَ لِي مِنْكُمْ خَلِيلٌ، فَإِنَّ اللَّهَ عز وجل قَدِ اتَّخَذَنِي خَلِيلًا كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا» ) . وَأَخْرَجَ الْوَاحِدِي فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «إِنَّ اللَّهَ اتَّخَذَنِي خَلِيلًا كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا، وَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ إِلَّا لَهُ فِي أُمَّتِهِ خَلِيلٌ أَلَا وَإِنَّ خَلِيلِي أَبُو بَكْرٍ» ) . وَأَخْرَجَ الْحَافِظُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ الْحَرْبِيُّ السُّكَّرِيُّ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ أَحْدَثَ عَهْدِي بِنَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ وَفَاتِهِ بِخَمْسِ لَيَالٍ، دَخَلْتُ عَلَيْهِ، وَهُوَ يُقَلِّبُ يَدَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ:( «إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ إِلَّا وَقَدِ اتَّخَذَ مِنْ أُمَّتِهِ خَلِيلًا وَإِنَّ خَلِيلِي مِنْ أُمَّتِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ أَلَا وَإِنَّ اللَّهَ، تَعَالَى، قَدِ اتَّخَذَنِي خَلِيلًا كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا» ) . وَالْأَحَادِيثُ النَّافِيَةُ لِلِاتِّخَاذِ أَصَحُّ وَأَثْبَتُ، وَإِنْ صَحَّتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ، فَيَكُونُ قَدْ أَذِنَ اللَّهُ لَهُ عِنْدَ تَبَرُّئِهِ مِنْ خَلَّةِ غَيْرِ اللَّهِ مَعَ تَشَوُّقِهِ لِخَلَّةِ أَبِي بَكْرٍ، لَوْلَا خَلَّةُ اللَّهِ فِي اتِّخَاذِهِ خَلِيلًا مُرَاعَاةً لِجُنُوحِهِ إِلَيْهِ، وَتَعْظِيمًا لِشَأْنِ أَبِي بَكْرٍ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ انْصِرَافًا عَنْ خَلَّةِ اللَّهِ عز وجل بَلِ الْخَلَّتَانِ ثَابِتَتَانِ كَمَا تَضَمَّنَهُ الْحَدِيثُ، إِحْدَاهَا تَشْرِيفٌ لِلْمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم وَالْأُخْرَى تَشْرِيفٌ لِأَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي الْجُمْلَةِ هَذَا الْحَدِيثُ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَفْضَلُ الصَّحَابَةِ.

ص: 3885

6021 -

«وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَرَضِهِ: (ادْعِي لِي أَبَا بَكْرٍ أَبَاكِ، وَأَخَاكِ، حَتَّى أَكْتُبَ كِتَابًا ; فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَتَمَنَّى مُتَمَنٍّ وَيَقُولَ قَائِلٌ: أَنَا، وَلَا ; وَيَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ) » . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي (كِتَابِ الْحُمَيْدِيِّ) : (أَنَا أَوْلَى) بَدَلَ: (أَنَا وَلَا) .

ــ

6021 -

(وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَرَضِهِ) أَيِ: الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ (ادْعِي لِي) : بِضَمِّ هَمْزِ وَصْلٍ وَكَسْرِ عَيْنٍ عَلَى أَنَّ أَصْلَهُ ادْعُوِي فَاعِلٌ بِالنَّقْلِ وَالْحَذْفِ، وَهُوَ أَمْرُ مُخَاطَبَةٍ أَيْ نَادِي (أَبَا بَكْرٍ أَبَاكَ) : بَدَلٌ (وَأَخَاكِ)، عَطْفٌ عَلَى: أَبَا بَكْرٍ، وَالْمُرَادُ بِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَفِي (شَرْحِ مُسْلِمٍ) : إِنْ طَلَبَهُ لِأَخِيهَا لِيَكْتُبَ الْكِتَابَ فَقَوْلُهُ: (حَتَّى أَكْتُبَ كِتَابًا)، أَيْ أَمَرَ أَنْ يَكْتُبَ كِتَابًا ( «فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَتَمَنَّى مُتَمَنٍّ» ) أَيْ: لِلْخِلَافَةِ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الْكِتَابَةِ (وَيَقُولَ قَائِلٌ) أَيْ: وَأَخَافُ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ مِمَّنْ يَتَمَنَّى الْإِمَارَةَ (أَنَا، وَلَا) أَيْ: أَنَا مُسْتَحِقٌّ لِلْخِلَافَةِ وَلَا يَكُونُ مُسْتَحِقًّا لَهَا، مَعَ وُجُودِ أَبِي بَكْرٍ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ:(وَيَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ)، أَيْ: خِلَافًا لِلْمُنَافِقِينَ وَالرَّافِضَةِ فِي أَمْرِ الْخِلَافَةِ، (إِلَّا أَبَا بَكْرٍ) . قَالَ شَارِحٌ: أَبَى يَأْبَيَانِ خِلَافَةَ كُلِّ أَحَدٍ إِلَّا خِلَافَةَ أَبِي بَكْرٍ اه. وَمَعْنَى (يَأْبَى اللَّهُ) يَمْتَنِعُ لِعَدَمِ رِضَاهُ أَوْ لِعَدَمِ قَدَرِهِ وَقَضَاهُ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَفِي كِتَابِ الْحُمَيْدِيِّ) : وَهُوَ (الْجَامِعُ) بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ وَقَعَ فِي نُسْخَتِهِ (أَنَا أَوْلَى، بَدَلَ (أَنَا وَلَا) . فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَوْلُهُ: (أَنَا وَلَا) هَكَذَا هُوَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُعْتَمَدَةِ أَيْ يَقُولُ أَنَا أَحَقُّ بِالْخِلَافَةِ وَلَا يَسْتَحِقُّهَا غَيْرِي، وَفِي بَعْضِهَا. أَنَا أَوْلَى، أَيْ: أَنَا أَحَقُّ بِالْخِلَافَةِ. قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَجْوَدُ اه. فَالْجَزْمُ مِنَ الْمُصَنَّفِ أَنَّهُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ خِلَافًا لِلْحُمَيْدِيِّ لَيْسَ مِنَ الْجَزْمِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا دَلِيلٌ لِأَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى أَنَّ خِلَافَةَ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه لَيْسَتْ بِنَصٍّ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم صَرِيحًا بَلْ أَجْمَعَتِ الصَّحَابَةُ عَلَى عَقْدِ الْخِلَافَةِ لَهُ، وَتَقْدِيمِهِ لِفَضْلِهِ، وَلَوْ كَانَ هُنَاكَ نَصٌّ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ لَمْ تَقَعِ الْمُنَازَعَةُ بَيْنَ الْأَنْصَارِ وَغَيْرِهِمْ أَوَّلًا، وَلَذَكَرَ حَافِظُ النَّصِّ مَا مَعَهُ وَرَجَعُوا إِلَيْهِ، وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَأَمَّا مَا يَدَّعِيهِ الشِّيعَةُ مِنَ النَّصِّ عَلَى عَلِيٍّ - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ - وَالْوَصِيَّةِ إِلَيْهِ، فَبَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَوَّلُ مَنْ يُكَذِّبُهُمْ عَلِيٌّ حِينَ سُئِلَ هَلْ عِنْدَهُمْ شَيْءٌ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ؟ قَالَ: مَا عِنْدِي إِلَّا مَا فِي الصَّحِيفَةِ الْحَدِيثَ. وَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ نَصٌّ لَذَكَرَهُ.

ص: 3885

6022 -

وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رضي الله عنه قَالَ: «أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم امْرَأَةٌ فَكَلَّمَتْهُ فِي شَيْءٍ فَأَمَرَهَا أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَرَأَيْتَ إِنْ جِئْتُ وَلَمْ أَجِدْكَ؟ كَأَنَّهَا تُرِيدُ الْمَوْتَ. قَالَ: (فَإِنْ لَمْ تَجِدِينِي فَأْتِي أَبَا بَكْرٍ) » مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

6022 -

(وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ: «أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم امْرَأَةٌ فَكَلَّمَتْهُ فِي شَيْءٍ» ) أَيْ: مِنْ أَمْرِهَا (فَأَمَرَهَا أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ) أَيْ: إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَرَّةً أُخْرَى حَتَّى يُعْطِيَهَا شَيْئًا ذَكَرَهُ شَارِحٌ. (قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَرَأَيْتَ) أَيْ: أَخْبَرْنِي (إِنْ جِئْتُ وَلَمْ أَجِدْكَ) ؟ وَلَعَلَّ مَسْكَنَهَا كَانَ بَعِيدًا مِنَ الْمَدِينَةِ (كَأَنَّهَا)، أَيْ: قَالَ جُبَيْرٌ: كَأَنَّ الْمَرْأَةَ تُرِيدُ) أَيْ: تَعْنِي بِعَدَمِ الْوِجْدَانِ (الْمَوْتَ) . أَيْ: مَوْتَهُ صلى الله عليه وسلم (قَالَ: (فَإِنْ لَمْ تَجِدِينِي فَأْتِي أَبَا بَكْرٍ) . أَيْ فَإِنَّهُ خَلِيفَتِي مُطْلَقًا أَوْ وَصِيِّي فِي هَذَا الْأَمْرِ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ. وَلِذَا قَالَ النَّوَوِيُّ: لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ عَلَى خِلَافَتِهِ، بَلْ هُوَ إِخْبَارٌ بِالْغَيْبِ الَّذِي أَعْلَمَهُ اللَّهُ بِهِ. قُلْتُ: وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَسْأَلُهُ شَيْئًا فَقَالَ: (تَعُودِينَ) . فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنْ عُدْتُ فَلَمْ أَجِدْكَ تُعَرِّضُ بِالْمَوْتِ قَالَ: (إِنْ جِئْتِ فَلَمْ تَجِدِينِي فَأْتِي أَبَا بَكْرٍ فَإِنَّهُ الْخَلِيفَةُ مِنْ بَعْدِي) » . (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

ص: 3885

وَعَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ قَالَ: «بَايَعَ أَعْرَابِيٌّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِقَلَائِصَ إِلَى أَجَلٍ، فَقَالَ عَلِيٌّ لِلْأَعْرَابِيِّ: ائْتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَسَلْهُ إِنْ أَتْى عَلَيْهِ أَجَلُهُ مَنْ يَقْضِيهِ؟ قَالَ: يَقْضِيكَ أَبُو بَكْرٍ، فَرَجَعَ إِلَى عَلِيٍّ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ عَلِيٌّ: ارْجِعْ فَسَلْهُ، إِنْ أَتَى عَلَى أَبِي بَكْرٍ أَجَلُهُ مَنْ يَقْضِيهِ، فَأَتَى الْأَعْرَابِيُّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُ؟ فَقَالَ: (يَقْضِيكَ عُمَرُ) فَقَالَ عَلِيٌّ لِلْأَعْرَابِيِّ سَلْهُ مَنْ بَعْدَ عُمَرَ فَقَالَ: (يَقْضِيكَ عُثْمَانُ) فَقَالَ عَلِيٌّ لِلْأَعْرَابِيِّ: ائْتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَاسْأَلْهُ إِنْ أَتَى عَلَى عُثْمَانَ أَجَلُهُ مَنْ يَقْضِيهِ؟ فَسَأَلَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (إِذَا أَتَى عَلَى أَبِي بَكْرٍ أَجَلُهُ وَعَلَى عُمَرَ وَعُثْمَانَ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَمُوتَ فَمُتْ) » . أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي مُعْجَمِهِ.

ص: 3886

6023 -

«وَعَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَهُ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ، قَالَ: فَأَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ، أَيُّ: النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: (عَائِشَةُ) . قُلْتُ: مِنِ الرِّجَالِ؟ قَالَ: (أَبُوهَا) . قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: (عُمَرُ) فَعَدَّ رِجَالًا، فَسَكَتُّ مَخَافَةَ أَنْ يَجْعَلَنِي فِي آخِرِهِمْ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

6023 -

(وَعَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَهُ) أَيْ: أَرْسَلَهُ أَمِيرًا (عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ) : بِإِضَافَةِ الْجَيْشِ. قَالَ الْقَاضِي: السَّلَاسِلُ رَمْلٌ يَنْعَقِدُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، وَسُمِّي الْجَيْشُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مَبْعُوثِينَ إِلَى أَرْضٍ بِهَا رَمْلٌ، كَذَلِكَ (قَالَ: فَأَتَيْتُهُ) ، أَيْ قَبْلَ السَّفَرِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَهُ (فَقُلْتُ أَيُّ: النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ) ؟ أَيِ الْمَوْجُودِينَ فِي زَمَنِكَ، أَوِ الْمُرَادُ بِهِمْ أَهْلُ الْجَيْشِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ سَبَبَ سُؤَالِهِ لَمَّا أَمَّرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْجَيْشِ، وَفِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ لِمَصْلَحَةٍ كَانَتْ تَقْتَضِيهِ وَقَعَ فِي نَفْسِ عُمَرَ، وَأَنَّهُ مُقَدَّمٌ عِنْدَهُ فِي الْمَنْزِلَةِ عَلَيْهِمَا، فَسَأَلَهُ لِذَلِكَ، لَكِنْ يُؤَيَّدُ الْأَوَّلُ وَهُوَ إِرَادَةُ الْعُمُومِ الَّذِي هُوَ أَفْيَدُ لِلْمَفْهُومِ جَوَابُهُ:(قَالَ: (عَائِشَةُ)، أَيْ: هِيَ أَحَبُّهُمْ إِلَيَّ مِنَ النِّسَاءِ (قُلْتُ: مِنَ الرِّجَالِ) ؟ أَيْ سُؤَالِي عَنْهُمْ أَوِ التَّقْدِيرُ مَنْ أَحَبُّ (قَالَ: أَبُوهَا) . قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: (عُمَرُ) فَعَدَّ رِجَالًا) أَيْ: فَعَدَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رِجَالًا آخَرِينَ بَعْدَ أَسْئِلَةٍ أُخْرَى. (لِي، فَسَكَتُّ) أَيْ: عَنْ ذَلِكَ السُّؤَالِ (مَخَافَةَ أَنْ يَجْعَلَنِي فِي آخِرِهِمْ) . أَيْ؟ آخِرِ النَّاسِ مُطْلَقًا أَوْ آخِرِ مَنْ أَسْأَلُ عَنْهُمْ لَوْ سَأَلْتُهُ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

ص: 3886

6024 -

وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي، أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ:) أَبُو بَكْرٍ قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: عُمَرُ. وَخَشِيتُ أَنْ يَقُولَ: عُثْمَانُ قُلْتُ: ثُمَّ أَنْتَ؟ قَالَ: مَا أَنَا إِلَّا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ــ

6024 -

(وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ) : سَبَقَ ذِكْرُهُ، وَهُوَ ابْنُ عَلِيٍّ مِنْ غَيْرِ فَاطِمَةَ رضي الله عنهم. (قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي) ، أَيْ: لَعَلِيٍّ - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ -: (أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ) أَيْ: عَلِيٌّ (أَبُو بَكْرٍ) أَيْ: هُوَ أَبُو بَكْرٍ أَوْ أَبُو بَكْرٍ هُوَ الْخَيْرُ (قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: عُمَرُ. وَخَشِيتُ أَنْ يَقُولَ: عُثْمَانُ) أَيْ: لَوْ قُلْتُ ثُمَّ مَنْ؟ فَعَدَلْتُ عَنْ مِنْوَالِ السُّؤَالِ لِهَذَا، فَحِينَئِذٍ (قُلْتُ: ثُمَّ أَنْتَ؟ قَالَ: مَا أَنَا إِلَّا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) . وَهَذَا عَلَى سَبِيلِ التَّوَاضُعِ مِنْهُ مَعَ الْعُلُوِّ بِأَنَّهُ حِينَ الْمَسْأَلَةِ خَيْرُ النَّاسِ بِلَا نِزَاعٍ، لِأَنَّهُ بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ رضي الله عنهم. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) . وَكَذَا أَحْمَدُ.

ص: 3886

6025 -

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: كُنَّا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَا نَعْدِلُ بِأَبِي بَكْرٍ أَحَدًا، ثُمَّ عُمَرَ، ثُمَّ عُثْمَانَ، ثُمَّ نَتْرُكُ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَا نُفَاضِلُ بَيْنَهُمْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ، قَالَ: كُنَّا نَقُولُ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَيٌّ: أَفْضَلُ أُمَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَهُ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ، رضي الله عنهم.

ــ

6025 -

(وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كُنَّا) أَيْ: مَعْشَرَ الصَّحَابَةِ (فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَا نَعْدِلُ)، أَيْ: لَا نُسَاوِي (بِأَبِي بَكْرٍ أَحَدًا) ، أَيْ مِنَ الصَّحَابَةِ بَلْ نُفَضِّلُهُ عَلَى غَيْرِهِ (ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ)، أَيْ ثُمَّ لَا نَعْدِلُ بِهِمْ أَحَدًا أَوْ ثُمَّ نُفَضِّلُهُمَا عَلَى غَيْرِهِمَا. ( «ثُمَّ نَتْرُكُ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَا نُفَاضِلُ» ) أَيْ: لَا نُوقِعُ الْمُفَاضَلَةَ (بَيْنَهُمْ) . وَالْمَعْنَى لَا نُفَضِّلُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَالْمُرَادُ مُفَاضَلَةُ مِثْلِهِمْ، وَإِلَّا فَأَهْلُ بَدْرٍ وَاحِدٌ، وَأَهْلُ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ وَسَائِرُ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ أَفْضَلُ، وَلَعَلَّ هَذَا التَّفَاضُلَ بَيْنَ الْأَصْحَابِ. وَأَمَّا أَهْلُ الْبَيْتِ؟ فَهُمْ أَخَصُّ مِنْهُمْ وَحُكْمُهُمْ يُغَايِرُهُمْ فَلَا يَرُدُّ عَدَمَ ذِكْرِ عَلِيٍّ وَالْحُسْنَيْنِ وَالْعَمَّيْنِ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ.

قَالَ الْمُظْهِرُ: وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الشُّيُوخَ وَذَوِي الْأَسْنَانِ مِنْهُمُ الَّذِينَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا حَزَّبَهُ أَمْرٌ شَاوَرَهُمْ فِيهِ، وَكَانَ عَلِيٌّ رضي الله عنه فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدِيثَ السِّنِّ، وَفَضْلُهُ لَا يُنْكِرُهُ ابْنُ عُمَرَ وَلَا غَيْرُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ. وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: وَأَيْضًا قَدْ عُرِفَ أَنَّ أَهْلَ بَدْرٍ، وَأَهْلَ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ، وَأَصْحَابَ الْعَقَبَتَيْنِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ يَفْضُلُونَ غَيْرَهُمْ، وَكَذَلِكَ عُلَمَاءُ الصَّحَابَةِ وَذَوُو الْفَهْمِ مِنْهُمْ وَالْمُتَبَتِّلُونَ عَنِ الدُّنْيَا. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .

ص: 3886

(وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ، قَالَ: «كُنَّا نَقُولُ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَيٌّ: أَفْضَلُ أُمَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم» )، أَيِ: الَّذِينَ هُمْ خَيْرُ الْأُمَمِ (بَعْدَهُ) أَيْ: بَعْدَ النَّبِيِّ وَأَمْثَالِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوْ بَعْدَ وُجُودِهِ. (أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ رضي الله عنهم) . لَا يَخْفَى أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْمُتَقَدِّمَةَ لَهَا الْمُنَاسَبَةُ التَّامَّةُ بِبَابِ مَنَاقِبِ الثَّلَاثَةِ.

ص: 3887

الْفَصْلُ الثَّانِي

6026 -

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «مَا لِأَحَدٍ عِنْدَنَا يَدٌ إِلَّا وَقَدْ كَافَيْنَاهُ، مَا خَلَا أَبَا بَكْرٍ، فَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا يَدًا يُكَافِيهِ اللَّهُ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَا نَفَعَنِي مَالُ أَحَدٍ قَطُّ: مَا نَفَعَنِي مَالُ أَبِي بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا أَلَا وَإِنَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلُ اللَّهِ» ) . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

ــ

الْفَصْلُ الثَّانِي

6026 -

(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَا لِأَحَدٍ عِنْدَنَا يَدٌ) أَيْ: عَطَاءٌ وَإِنْعَامٌ (إِلَّا وَقَدْ كَافَأْنَاهُ) ، بِهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ بَعْدَ الْفَاءِ وَيَجُوزُ إِبْدَالُهَا أَلِفًا، فَفِي الْقَامُوسِ: كَافَأَهُ مُكَافَأَةً جَازَاهُ ذَكَرَهُ فِي الْمَهْمُوزِ، وَكَفَاهُ مُؤْنَتَهُ كِفَايَةً ذَكَرَهُ فِي الْمُعْتَلِّ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُنَاسِبَ لِلْمَقَامِ هُوَ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ بِالْيَاءِ، وَلَا يَظْهَرُ لَهُ وَجْهٌ، وَالْمَعْنَى جَازَيْنَاهُ مِثْلًا بِمِثْلٍ أَوْ أَكْثَرَ. (مَا خَلَا أَبَا بَكْرٍ)، أَيْ مَا عَدَاهُ أَيْ إِلَّا إِيَّاهُ (فَإِنَّهُ لَهُ عِنْدَنَا يَدًا) : قِيلَ: أَرَادَ بِالْيَدِ النِّعْمَةَ وَقَدْ بَذَلَهَا كُلَّهَا إِيَّاهُ صلى الله عليه وسلم، وَهِيَ الْمَالُ وَالنَّفْسُ وَالْأَهْلُ وَالْوَلَدُ ذَكَرَهُ شَارِحٌ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِتَرْكِ الْيَدِ إِعْتَاقُ بِلَالٍ كَمَا يُشِيرُ إِلَيْهِ قَوْلُهُ:{وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى - الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى - وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى - إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى - وَلَسَوْفَ يَرْضَى} [الليل: 17 - 21] وَفُسِّرَ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ وَإِلَيْهِ يَنْظُرُ قَوْلُهُ: (يُكَافِيهِ اللَّهُ) أَيْ: يُجَازِيهِ (بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ)، أَيْ: جَزَاءً كَامِلًا، وَاقْتَصَرَ صَاحِبُ (الرِّيَاضِ) عَلَى هَذَا الْمِقْدَارِ مِنَ الْحَدِيثِ، وَقَالَ: رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ. (وَمَا نَفَعَنِي مَالُ أَحَدٍ قَطُّ مَا نَفَعَنِي) : مَا مَصْدَرِيَّةٌ وَمِثْلُ مُقَدَّرٌ أَيْ مِثْلُ مَا نَفَعَنِي (مَالُ أَبِي بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا) أَيْ: مِنْ أُمَّتِي (خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا أَلَا) : لِلتَّنْبِيهِ (وَإِنَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلُ اللَّهِ) : يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فَعِيلًا بِمَعْنَى فَاعِلٍ أَوْ مَفْعُولٍ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ فِي هَذَا الْمَقَامِ فَتَدَبَّرْ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) .

وَفِي الْجَامِعِ: (مَا نَفَعَنِي مَالٌ قَطُّ مَا نَفَعَنِي مَالُ أَبُو بَكْرٍ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِي الرِّيَاضِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « (مَا نَفَعَنِي مَالٌ قَطُّ مَا نَفَعَنِي مَالُ أَبِي بَكْرٍ) . فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ: مَا أَنَا وَمَالِي إِلَّا لَكَ.) » أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو حَاتِمٍ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَافِظُ الدِّمَشْقِيُّ فِي (الْمُوَافَقَاتِ) . وَعَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: « (مَا مَالُ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْفَعُ لِي مِنْ مَالِ أَبِي بَكْرٍ) . وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْضِي فِي مَالِ أَبِي بَكْرٍ كَمَا يَقْضِي فِي مَالِ نَفْسِهِ» . أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي (جَامِعِهِ) .

قُلْتُ: وَكَأَنَّهُ إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ صَدِيقِكُمْ} [النور: 61] وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَنْفَقَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعِينَ أَلْفًا. أَخْرَجَهُ أَبُو حَاتِمٍ. وَعَنْ عُرْوَةَ قَالَ: أَسْلَمَ أَبُو بَكْرٍ وَلَهُ أَرْبَعُونَ أَلْفًا أَنْفَقَهَا كُلَّهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ. أَخْرَجَهُ أَبُو عُمَرَ. وَعَنْ عُرْوَةَ قَالَ: أَعْتَقَ أَبُو بَكْرٍ سَبْعَةً كَانُوا يُعَذَّبُونَ فِي اللَّهِ مِنْهُمْ: بِلَالٌ، وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ. أَخْرَجَهُ ابْنُ عُمَرَ. وَعَنْ إِسْمَاعِيلَ ابْنِ قَيْسٍ قَالَ: اشْتَرَى أَبُو بَكْرٍ بِلَالًا وَهُوَ مَدْقُوقٌ بِالْحِجَارَةِ بِخَمْسِينَ أَوَاقٍ ذَهَبًا فَقَالُوا: لَوْ أَبَيْتَ الْأُوقِيَّةَ لَبِعْنَاكَهُ. فَقَالَ: لَوْ أَبَيْتُمْ إِلَّا مِائَةَ أُوقِيَّةٍ لَأَخَذْتُهُ أَخْرَجَهُ فِي (الصَّفْوَةِ) .

ص: 3887

6027 -

وَعَنْ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: أَبُو بَكْرٍ سَيِّدُنَا وَخَيْرُنَا وَأَحَبُّنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

ــ

6027 -

(وَعَنْ عُمَرَ رضي الله عنه) أَيْ: مَوْقُوفًا (قَالَ) أَيْ: عُمَرُ (أَبُو بَكْرٍ سَيِّدُنَا) أَيْ: نَسَبًا وَحَسَبًا (وَخَيْرُنَا) أَيْ: أَفْضَلُنَا مَعْرِفَةً وَكَسْبًا (وَأَحَبُّنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيْ: حُضُورًا وَغَيْبًا (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) .

ص: 3888

6028 -

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ: (أَنْتَ صَاحِبِي فِي الْغَارِ، وَصَاحِبِي عَلَى الْحَوْضِ) » . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

ــ

6028 -

(وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ: ( «أَنْتَ صَاحِبِي فِي الْغَارِ) » ، أَيْ فِي غَارِ ثَوْرٍ بِمَكَّةَ حَالَةَ الْهِجْرَةِ مِنْ دِيَارِ الْكُفَّارِ حَيْثُ قَالَ تَعَالَى:{ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: 40] فَالْمَعْنَى: أَنْتَ صَاحِبِي الْمَخْصُوصُ حِينَئِذٍ، أَوْ أَنْتَ صَاحِبِي بِشَهَادَةِ اللَّهِ، إِذْ أَجْمَعَ الْمُفَسِّرُونَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِصَاحِبِهِ فِي الْآيَةِ هُوَ أَبُو بَكْرٍ، وَقَدْ قَالُوا: مَنْ أَنْكَرَ صُحْبَةَ أَبِي بَكْرٍ كَفَرَ ; لِأَنَّهُ أَنْكَرَ النَّصَّ الْجَلِيَّ، بِخِلَافِ إِنْكَارِ صُحْبَةِ غَيْرِهِ مِنْ عُمَرَ أَوْ عُثْمَانَ أَوْ عَلِيٍّ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ -. (وَصَاحِبِي) أَيِ: الْمَخْصُوصُ (عَلَى الْحَوْضِ) . وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّهُ صَاحِبُهُ فِي الدَّارَيْنِ، كَمَا أَنَّهُ صَاحِبُهُ الْآنَ فِي الْبَرْزَخِ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) . وَفِي مُسْنَدِ (الْفِرْدَوْسِ) لِلدَّيْلَمِيِّ، عَنْ عَائِشَةَ:( «أَبُو بَكْرٍ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، وَأَبُو بَكْرٍ أَخِي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» ) .

ص: 3888

6029 -

وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «لَا يَنْبَغِي لِقَوْمٍ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَؤُمَّهُمْ غَيْرُهُ» ) . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.

ــ

6029 -

(وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «لَا يَنْبَغِي لِقَوْمٍ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَؤُمَّهُمْ غَيْرُهُ» ) . وَفِي مَعْنَاهُ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ الْقَوْمِ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ أَفْضَلُ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ، فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَقَدَ ثَبَتَ اسْتِحْقَاقُ الْخِلَافَةِ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ الْمَفْضُولُ خَلِيفَةً مَعَ وُجُودِ الْفَاضِلِ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) .

ص: 3888

6030 -

وَعَنْ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَتَصَدَّقَ، وَوَافَقَ ذَلِكَ عِنْدِي مَالًا، فَقُلْتُ: الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا. قَالَ: فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟) فَقُلْتُ: مِثْلَهُ. وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ. فَقَالَ: (يَا أَبَا بَكْرٍ؟ مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟) . فَقَالَ: أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. قُلْتُ: لَا أَسْبِقُهُ إِلَى شَيْءٍ أَبَدًا» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ.

ــ

6030 -

(وَعَنْ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَتَصَدَّقَ) ، أَيْ فِي بَعْضِ الْجِهَاتِ (وَوَافَقَ ذَلِكَ عِنْدِي مَالًا)، أَيْ: صَادَفَ أَمْرَهُ بِالتَّصْدِيقِ حُصُولَ مَالٍ عِنْدِي فَعِنْدِي حَالٌ مِنْ مَالٍ، وَالْجُمْلَةُ حَالٌ مِمَّا قَبْلَهُ يَعْنِي: وَالْحَالُ أَنَّهُ كَانَ لِي مَالٌ كَثِيرٌ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ. (فَقُلْتُ: الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ) أَيْ: بِالْمُبَارَزَةِ أَوْ بِالْمُغَالَبَةِ (إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا مِنَ الْأَيَّامِ) ، وَإِنْ شَرْطِيَّةٌ دَلَّ عَلَى جَوَابِهَا مَا قَبْلَهَا، أَوِ التَّقْدِيرُ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا فَهَذَا يَوْمُهُ وَقِيلَ: إِنْ نَافِيَةٌ أَيْ مَا سَبَقْتُهُ يَوْمًا قَبْلَ ذَلِكَ فَهُوَ اسْتِئْنَافُ تَعْلِيلٍ. (قَالَ) أَيْ: عُمَرُ (فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟) فَقُلْتُ: مِثْلَهُ) . أَيْ: أَبْقَيْتُ مِثْلَهُ يَعْنِي نِصْفَ مَالِهِ (وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ) . وَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ كُلِّ مَالِهِ بِكَسْرِ اللَّامِ وَأَصْرَحُ مِنْ كُلِّ مَالَهُ بِالْفَتْحِ (فَقَالَ: (يَا أَبَا بَكْرٍ مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟) فَقَالَ: أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) . أَيْ رِضَاهُمَا: رُوِيَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُمَا: (مَا بَيْنَكُمَا كَمَا بَيْنَ كَلِمَتَيْكُمَا)(قُلْتُ) أَيْ: فِي بَاطِنِي وَاعْتَقَدْتُ (لَا أَسْبِقُهُ إِلَى شَيْءٍ)، أَيْ: مِنَ الْفَضَائِلِ (أَبَدًا) : لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى مُغَالَبَتِهِ حِينَ كَثْرَةِ مَالِهِ وَقِلَّةِ مَالِ أَبِي بَكْرٍ، فَفِي غَيْرِ هَذَا الْحَالِ أَوْلَى أَنْ لَا يَسْبِقَهُ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ) . وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.

ص: 3888

وَمِمَّا يُنَاسِبُهُ، مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: مَرَّ بِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَأَنَا أَحْمَدُ اللَّهَ عز وجل وَأُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:(سَلْ تُعْطَ) وَلَمْ أَسْمَعْهُ فَأَدْلَجَ أَبُو بَكْرٍ فَسَرَّنِي بِمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ أَتَانِي عُمَرُ فَأَخْبَرَنِي بِمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: قَدْ سَبَقَكَ إِلَيْهَا أَبُو بَكْرٍ. قَالَ عُمَرُ: مَا اسْتَبَقْنَا بِخَيْرٍ إِلَّا قَدْ سَبَقَنِي إِلَيْهِ إِنَّهُ كَانَ سَبَّاقًا لِلْخَيْرَاتِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: مَا صَلَّيْتُ فَرِيضَةً وَلَا تَطَوُّعًا إِلَّا دَعَوْتُ اللَّهَ فِي دُبُرِ صَلَاتِي، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ إِيمَانًا لَا يَرْتَدُّ وَنَعِيمًا لَا يَنْفَدُ، وَمُرَافَقَةَ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فِي أَعْلَى جَنَّاتِ الْخُلْدِ، وَأَنَا أَرْجُو، أَنْ أَكُونَ دَعَوْتُ بِهِنَّ الْبَارِحَةَ. أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ شَاهِينَ. وَعَنْ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ جَمَعَ قِرَاءَةَ ابْنِ مَسْعُودٍ لَيْلًا: « (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَطْبًا فَلْيَقْرَأْهُ كَمَا يَقْرَأُهُ ابْنُ أُمِّ عَبْدِ) فَلَمَّا أَصْبَحْتُ غَدَوْتُ إِلَيْهِ لِأُبَشِّرَهُ فَقَالَ: قَدْ سَبَقَ أَبُو بَكْرٍ. قَالَ: مَا سَابَقْتُهُ إِلَى خَيْرٍ قَطُّ إِلَّا سَبَقَنِي» : أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَمَعْنَاهُ فِي (الصَّحِيحَيْنِ) .

ص: 3889

6031 -

وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها «أَنَّ أَبَا بَكْرٍ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: (أَنْتَ عَتِيقُ اللَّهِ مِنَ النَّارِ) . فَيَوْمَئِذَ سُمِّيَ عَتِيقًا» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

ــ

6031 -

(وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ) أَيْ: رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (أَنْتَ عَتِيقُ اللَّهِ مِنَ النَّارِ) فَيَوْمَئِذٍ سُمِّيَ عَتِيقًا) . قَالَ الرَّاغِبُ: الْعَتِيقُ الْمُتَقَدِّمُ فِي الزَّمَانِ أَوِ الْمَكَانِ أَوِ الرُّتْبَةِ، وَلِذَا قِيلَ لِلْقَدِيمِ عَتِيقٌ، وَالْكَرِيمِ عَتِيقٌ، وَلِمَنْ خَلَا عَنِ الرِّقِّ عَتِيقٌ اه. وَسُمِّيَ الْبَيْتُ الْعَتِيقُ لِكَرَمِهِ، أَوْ لِقِدَمِ زَمَانِهِ أَوْ لِرُتْبَةِ مَكَانِهِ، أَوْ لِأَنَّهُ عُتِقَ عَنِ الطُّوفَانِ، أَوْ عَنْ تَصَرُّفِ الْجَبَابِرَةِ ثُمَّ قَالَهُ: فَيَوْمَئِذٍ سُمِّيَ عَتِيقًا أَيْ لُقِّبَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ. قَالَ الْمُؤَلِّفُ: اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ أَبِي قُحَافَةَ بِضَمِّ الْقَافِ ابْنِ عَامِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَمِيمِ بْنِ مُرَّةَ، وَصَلَ بِالْأَبِ السَّابِعِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ صلى الله عليه وسلم:( «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى عَتِيقٍ مِنَ النَّارِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ» ) . شَهِدَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْمَشَاهِدَ كُلَّهَا، وَلَمْ يُفَارِقْهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَلَا إِسْلَامٍ، وَهُوَ أَوَّلُ الرِّجَالِ إِسْلَامًا كَانَ أَبْيَضَ نَحِيفًا خَفِيفَ الْعَارِضَيْنِ، مَعْرُوقَ الْوَجْهِ، غَائِرَ الْعَيْنَيْنِ، نَاتِئَ الْجَبْهَةِ، لَهُ وَلِأَبَوَيْهِ وَوَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ صُحْبَةٌ، وَلَمْ يَجْتَمِعْ هَذَا لِأَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ. كَانَ مَوْلِدُهُ بِمَكَّةَ بَعْدَ الْفِيلِ بِسِتِّينَ وَأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ إِلَّا أَيَّامًا، وَمَاتَ بِالْمَدِينَةِ لَيْلَةَ الثُّلَاثَاءِ لِثَمَانٍ بَقِينَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَلَهُ ثَلَاثٌ وَسِتُّونَ سَنَةً، وَأَوْصَى أَنْ تُغَسِّلَهُ زَوْجَتُهُ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ، فَغَسَّلَتْهُ وَصَلَّى عَلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَكَانَتْ خِلَافَتُهُ سَنَتَيْنِ وَأَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَرَوَى عَنْهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَلَمْ يُرْوَ عَنْهُ مِنَ الْحَدِيثِ إِلَّا الْقَلِيلُ لِقِلَّةِ مُدَّتِهِ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) .

ص: 3889

6032 -

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «أَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ، ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ آتِي أَهْلَ الْبَقِيعِ فَيُحْشَرُونَ مَعِي، ثُمَّ أَنْتَظِرُ أَهْلَ مَكَّةَ حَتَّى أُحْشَرَ بَيْنَ الْحَرَمَيْنِ» ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

ــ

6032 -

(وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. ( «أَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ» ) . أَيْ مِنَ الْخَلْقِ (ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ)، أَيْ: مِنْ أُمَّتِي أَوْ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ مُطْلَقًا (ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ آتِي) : بِصِيغَةِ الْمُتَكَلِّمِ أَيْ أَجِيءُ (أَهْلَ الْبَقِيعِ) : وَهُوَ مَقْبَرَةُ الْمَدِينَةِ (فَيُحْشَرُونَ مَعِي)، أَيْ يُجْمَعُونَ. قَالَ تَعَالَى:{وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى} [طه: 59]، ( «ثُمَّ أنْتَظِرُ أَهْلَ مَكَّةَ حَتَّى أُحْشَرَ بَيْنَ الْحَرَمَيْنِ» ) . أَيْ بَيْنَ أَهْلِيهِمَا فِي مَحْشَرِ الْقِيَامَةِ. وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى مَا رُوِيَ: مَنْ أَحَبَّ قَوْمًا حُشِرَ مَعَهُمْ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ! أَيْ: أُجْمَعُ مَعَهُمْ بَيْنَ حَرَمِ مَكَّةَ وَحَرَمِ الْمَدِينَةِ. وَقَالَ شَارِحٌ، أَيْ: أُجْمَعُ أَنَا وَهُمْ حَتَّى يَكُونَ لِي وَهُمُ اجْتِمَاعٌ بَيْنَ الْحَرَمَيْنِ اه. وَذَلِكَ بِظَاهِرِهِ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ: أَنْتَظِرُ أَهْلَ مَكَّةَ لِأَنَّ كَلَامَهُمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم يَتَوَجَّهُ إِلَى حَرَمِ مَكَّةَ، وَأَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ يَتَوَجَّهُونَ إِلَيْهِ صلى الله عليه وسلم فَيَحْصُلُ الِاجْتِمَاعُ بَيْنَ الْحَرَمَيْنِ، وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ يَنْتَظِرُهُمْ فِي الْبَقِيعِ إِلَى أَنْ يَجْتَمِعُوا فَيَتَوَجَّهُوا إِلَى الْمَحْشَرِ، وَهُوَ أَرْضُ الشَّامِ فَيَجْتَمِعُونَ هُنَاكَ مَعَ سَائِرِ الْأَنَامِ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) . وَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي (الْجَامِعِ) إِلَى قَوْلِهِ: ثُمَّ أَنْتَظِرُ أَهْلَ مَكَّةَ. وَقَالَ: رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَهَذَا وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ كَانَ أَنْسَبَ أَنْ يُذْكَرَ فِي مَنَاقِبِ الشَّيْخَيْنِ رضي الله عنهما.

ص: 3889

6033 -

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « (أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَخَذَ بِيَدِي، فَأَرَانِي بَابَ الْجَنَّةِ الَّذِي يَدْخُلُ مِنْهُ أُمَّتِي (قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ مَعَكَ حَتَّى أَنْظُرَ إِلَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (أَمَا إِنَّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي) » . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

ــ

6033 -

(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَخَذَ بِيَدِي، فَأَرَانِي بَابَ الْجَنَّةِ الَّذِي يَدْخُلُ فِيهِ أُمَّتِي) . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَدِدْتُ) : بِكَسْرِ الدَّالِ أَيْ أَحْبَبْتُ (أَنِّي كُنْتُ مَعَكَ حَتَّى أَنْظُرَ إِلَيْهِ) . أَيْ إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ (فَقَالَ: أَمَا) : لِلتَّنْبِيهِ (إِنَّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي) أَيْ فَسَتَرَى بَابَهَا وَتَدْخُلُهَا قَبْلَ كُلِّ أَحَدٍ مِنْ أُمَّتِي، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ أَفْضَلُ الْأُمَّةِ، وَإِلَّا لَمَا سَبَقَهُمْ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ وَإِيمَاءٌ إِلَى أَنَّهُ أَسْبَقُ الْأُمَّةِ إِيمَانًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ - أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ - فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} [الواقعة: 10 - 12] . قَالَ الطِّيبِيُّ: لَمَّا تَمَنَّى رضي الله عنه بِقَوْلِهِ: وَدِدْتُ وَالتَّمَنِّي إِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِيمَا لَا يَسْتَدْعِي إِمْكَانَ حُصُولِهِ. قِيلَ: لَهُ: لَا تَتَمَنَّ النَّظَرَ إِلَى الْبَابِ، فَإِنَّ لَكَ مَا هُوَ أَعْلَى مِنْهُ وَأَجَلُّ وَهُوَ دُخُولُكَ فِيهِ أَوَّلَ أُمَّتِي، وَحَرْفُ التَّنْبِيهِ يُنَبِّهُكَ عَلَى الرَّمْزَةِ الَّتِي لَوَّحْنَا بِهَا. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .

ص: 3890

الْفَصْلُ الثَّالِثُ

6034 -

عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه ذُكِرَ عِنْدَهُ أَبُو بَكْرٍ فَبَكَى وَقَالَ: وَدِدْتُ أَنَّ عَمَلِي كُلَّهُ مِثْلُ عَمَلِهِ يَوْمًا وَاحِدًا مِنْ أَيَّامِهِ، وَلَيْلَةً وَاحِدَةً مِنْ لَيَالِيهِ، أَمَّا لَيْلَتُهُ «فَلَيْلَةٌ سَارَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْغَارِ فَلَمَّا انْتَهَيَا إِلَيْهِ قَالَ: وَاللَّهِ لَا تَدْخُلُهُ حَتَّى أَدْخُلَ قَبْلَكَ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ أَصَابَنِي دُونَكَ، فَدَخَلَ فَكَسَحَهُ، وَوَجَدَ فِي جَانِبِهِ ثُقْبًا، فَشَقَّ إِزَارَهُ، وَسَدَّهَا لَهُ، وَبَقِيَ مِنْهَا اثْنَانِ فَأَلْقَمَهُمَا رِجْلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ادْخُلْ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَوَضَعَ رَأَسَهُ فِي حِجْرِهِ وَنَامَ فَلُدِغَ أَبُو بَكْرٍ فِي رِجْلِهِ مِنَ الْجُحْرِ وَلَمْ يَتَحَرَّكْ مَخَافَةَ أَنْ يُشْبِهَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَقَطَتْ دُمُوعُهُ عَلَى وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:(مَالَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ؟) قَالَ: لُدِغْتُ، فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، فَتَفِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَهَبَ مَا يَجِدُهُ» ، ثُمَّ انْتَقَضَ عَلَيْهِ، وَكَانَ سَبَبَ مَوْتِهِ وَأَمَّا يَوْمُهُ، فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ارْتَدَّتِ الْعَرَبُ وَقَالُوا: لَا نُؤَدِّي زَكَاةً فَقَالَ: لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا لَجَاهَدْتُهُمْ عَلَيْهِ فَقُلْتُ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم! تَأَلَّفِ النَّاسَ وَارْفُقْ بِهِمْ فَقَالَ لِي: أَجَبَّارٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَخَوَّارٌ فِي الْإِسْلَامِ؟ إِنَّهُ قَدِ انْقَطَعَ الْوَحْيُ وَتَمَّ الدِّينُ أَيَنْقُصُ وَأَنَا حَيٌّ؟ رَوَاهُ رَزِينٌ.

ــ

الْفَصْلُ الثَّالِثُ

6034 -

(عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه ذُكِرَ عِنْدَهُ أَبُو بَكْرٍ: جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ ذُكِرَ عِنْدَهُ أَبُو بَكْرٍ (فَبَكَى) أَيْ: عُمَرُ (وَقَالَ: وَدِدْتُ أَنَّ عَمَلِي كُلَّهُ) أَيْ: فِي جَمِيعِ الْأَيَّامِ (مِثْلَ عَمَلِهِ) أَيْ: مِثْلَ عَمَلِ أَبِي بَكْرٍ (يَوْمًا وَاحِدًا مِنْ أَيَّامِهِ) ، أَيْ فِي زَمَنِ مَمَاتِهِ صلى الله عليه وسلم (وَلَيْلَةً وَاحِدَةً مِنْ لَيَالِيهِ)، أَيْ أَوْقَاتِ حَيَاتِهِ عليه السلام وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوَاوَ بِمَعْنَى (أَوْ) فَإِنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْمُبَالَغَةِ بِاعْتِبَارِ كُلٍّ مِنَ الْحَالَةِ أَوِ التَّوْزِيعِ بِحَسَبِ الْوَقْتَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ. (أَمَّا لَيْلَتُهُ فَلَيْلَةٌ سَارَ) : بِالرَّفْعِ وَالتَّنْوِينِ أَيْ سَافَرَ وَهَاجَرَ فِيهَا (مَعَ رَسُولِ اللَّهِ) : وَفِي نُسْخَةٍ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْغَارِ) : وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ بِفَتْحِ (لَيْلَةً) بُنِيَتْ لِلْإِضَافَةِ إِلَى الْمَبْنِيِّ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ. (فَلَمَّا انْتَهَيَا إِلَيْهِ) أَيْ: وَصَلَا إِلَى الْغَارِ (قَالَ) أَيْ: أَبُو بَكْرٍ (وَاللَّهِ لَا تَدْخُلُهُ) : بِالرَّفْعِ وَفِي نُسْخَةٍ بِالْجَزْمِ (حَتَّى أَدْخُلَ قَبْلَكَ)، أَيِ الْغَارَ لَمَّا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ) أَيْ: مِمَّا يُؤْذِي مِنْ عَدُوٍّ أَوْ هَوَامٍّ (أَصَابَنِي دُونَكَ، فَدَخَلَ فَكَسَحَهُ)، أَيْ كَنَسَهُ (وَوَجَدَ فِي جَانِبِهِ) أَيْ: فِي أَحَدِ أَطْرَافِهِ (ثُقْبًا) ، بِضَمِّ مُثَلَّثَةٍ وَفَتْحِ قَافٍ جَمْعُ ثُقْبَةٍ كَغُرْفَةٍ وَغُرَفٍ، وَقَدْ جَاءَ ثُقْبٌ كَقُفْلٍ وَفَلْسٍ كُلٌّ مِنْهُمَا لُغَةٌ فِي الْمُفْرَدِ بِمَعْنَى الْخَرْقِ وَالْحَجْرِ، لَكِنَّ الْمُرَادَ هُنَا الْجَمْعُ لِقَوْلِهِ: فَشَقَّ إِزَارَهُ وَسَدَّهَا بِهِ، وَبَقِيَ مِنْهَا اثْنَانِ فَأَلْقَمَهُمَا رِجْلَيْهِ) ، أَيْ جَعَلَ رِجْلَيْهِ كَاللُّقْمَتَيْنِ لَهُمَا غَايَةً لِلْحِرْصِ عَلَى سَدِّهِمَا حَيْثُ لَمْ يَبْقَى مِنْ إِزَارِهِ مَا يَدْخُلُهُمَا ( «ثُمَّ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ادْخُلْ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَوَضَعَ رَأْسَهُ فِي حِجْرِهِ» ) ، بِكَسْرِ الْحَاءِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِفَتْحِهَا. فَفِي (الْقَامُوسِ) : الْحِجْرُ بِالْكَسْرِ وَيُفْتَحُ الْحِضْنُ وَفِي النِّهَايَةِ الْحَجْرُ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ الْحِضْنُ وَالثَّوَابُ، وَكَذَا فِي (الْمَشَارِقِ) وَزَادَ: وَإِذَا أُرِيدَ بِهِ الْمَصْدَرُ فَالْفَتْحُ لَا غَيْرَ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الِاسْمُ فَالْكَسْرُ لَا غَيْرَ (وَنَامَ) ، أَيِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّ نَوْمَ الْعَالِمِ عِبَادَةٌ، كَمَا أَنَّ نَوْمَ الظَّالِمِ عِبَادَةٌ بِاعْتِبَارَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ (فَلُدِغَ أَبُو بَكْرٍ فِي رِجْلِهِ) : بَدَلٌ مِنْ أَبِي بَكْرٍ بَدَلَ الْبَعْضِ، وَجِيءَ بِفِي بَيَانًا لِشِدَّةِ تَمَكُّنِ اللَّدْغِ فِيهَا كَمَا فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ:

يَجْرَحُ فِي عَرَاقِيبِهَا نَصْلِي.

ص: 3890

(مِنَ الْجُحْرِ) أَيْ: مِنْ أَحَدِ الْجُحْرَيْنِ (وَلَمْ يَتَحَرَّكْ) أَيْ: أَبُو بَكْرٍ (مَخَافَةَ أَنْ يَنْتَبِهَ) : مِنْ بَابِ الِافْتِعَالِ وَفِي نُسْخَةٍ أَنْ يَتَنَبَّهَ مِنْ بَابِ التَّفْعِيلِ أَيْ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَيْقِظَ (رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، أَيْ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ فَتَصَبَّ عَلَى وَجَعِهِ (فَسَقَطَتْ دُمُوعُهُ عَلَى وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) أَيْ: فَاسْتَنْبَهَ فَرَأَى بُكَاءَهُ (فَقَالَ: مَا لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ؟) قَالَ: لُدِغْتُ، فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي) ، بِفَتْحِ الْفَاءِ وَيُكْسَرُ فَفِي (الْقَامُوسِ) : فَدَاهُ يَفْدِيهِ فِدَاءً وَفِدًى وَيُفْتَحُ أَعْطَى شَيْئًا فَأَنْقَذَهُ، وَالْفِدَاءُ كَكِسَاءٍ وَكَعَلَى وَإِلَى ذَلِكَ الْمُعْطَى اه. وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: الْفِدَاءُ يُمَدُّ وَيُقْتَصَرُ، أَمَّا الْمَصْدَرُ مِنْ فَادَيْتُ فَمَمْدُودٌ لَا غَيْرَ، وَالْفَاءُ فِي كُلِّ ذَلِكَ مَكْسُورٌ. وَحَكَى الْفَرَّاءُ فَذَاللَّهِ مَقْصُورٌ وَمَمْدُودٌ وَمَفْتُوحٌ، وَفِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي فِعْلُ مَاضٍ مَفْتُوحُ الْأَوَّلِ، أَوْ يَكُونُ اسْمًا عَلَى مَا حَكَاهُ الْفَرَّاءُ كَذَا فِي الْمَشَارِقِ (فَتَفَلَ) أَيْ: بَزَقَ (رَسُولُ اللَّهِ)، أَيْ: عَلَيْهِ كَمَا فِي نُسْخَةٍ أَيْ: عَلَى مَوْضِعِ اللَّدْغِ (فَذَهَبَ مَا يَجِدُهُ)، أَيْ مَا كَانَ يَحُسُّهُ مِنَ الْأَلَمِ (ثُمَّ انْتَقَضَ) : بِالْقَافِ وَالْمُعْجَمَةِ أَيْ رَجَعَ (أَثَرُ السُّمِّ عَلَيْهِ) ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ، أَيْ: نَكَسَ الْجُرْحُ بَعْدَ أَنِ انْدَمَلَ لِتَفْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (وَكَانَ) أَيِ: الِانْتِقَاضُ (سَبَبَ مَوْتِهِ) . أَيْ فَحَصَلَ لَهُ شَهَادَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَالَةَ كَوْنِهِ رَفِيقًا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي طَرِيقِهِ (وَأَمَّا يَوْمُهُ)، أَيْ أَبِي بَكْرٍ (فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ارْتَدَّتِ الْعَرَبُ وَقَالُوا: لَا نُؤَدِّي زَكَاةً) : يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْعَطْفُ تَفْسِيرِيًّا لِمَا قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا: مَنْ قِيلَ لَهُ أَدِّ الزَّكَاةَ، فَقَالَ، لَا أُؤَدِّي كَفَرَ. (فَقَالَ: لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا) : بِكَسْرِ أَوَّلِهِ أَيْ حَبْلًا صَغِيرًا (لَجَاهَدْتُهُمْ عَلَيْهِ) . أَيْ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى أَخْذِهِ أَوْ لِأَجْلِ مَنْعِهِ، فَفِي النِّهَايَةِ: أَرَادَ بِالْعِقَالِ الْحَبْلَ الَّذِي يُعْقَلُ بِهِ الْبَعِيرُ الَّذِي كَانَ يُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ، لِأَنَّ عَلَى صَاحِبِهِ التَّسْلِيمَ، وَإِنَّمَا يَقَعُ الْقَبْضُ بِالرِّبَاطِ. وَقِيلَ: أَرَادَ مَا يُسَاوِي عِقَالًا مِنْ حُقُوقِ الصَّدَقَةِ، وَقِيلَ: إِذَا أَخَذَ الْمُصَدِّقُ أَعْيَانَ الْإِبِلِ، وَقِيلَ: أَخَذَ عِقَالًا إِذَا أَخَذَ أَثْمَانَهَا قِيلَ: أَخَذَ نَقْدًا، وَقِيلَ: أَرَادَ بِالْعِقَالِ صَدَقَةَ الْعَامِ، يُقَالُ: أَخَذَ الْمُصَدِّقُ عِقَالَ هَذَا الْعَامِ إِذَا أَخَذَ مِنْهُمْ صَدَقَةً وَبَعَثَ فُلَانٌ عَلَى عِقَالِ بَنِي فُلَانٍ إِذَا بُعِثَ عَلَى صَدَقَاتِهِمْ، وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَقَالَ: هَذَا أَشْبَهُ عِنْدِي بِالْمَعْنَى. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: إِنَّمَا يُضْرَبُ الْمَثَلُ هَذَا بِالْأَقَلِّ لَا بِالْأَكْثَرِ، وَلَيْسَ بِسَائِرٍ فِي لِسَانِهِمْ أَنَّ الْعِقَالَ صَدَقَةُ عَامٍ، قُلْتُ: وَلِهَذَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ بِالْمَعْنَى، فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ بِالْمَبْنَى، وَسَبَبُهُ اسْتِبْعَادُ أَنْ يُقَاتِلَ عَلَى الشَّيْءِ الْحَقِيرِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يُعَبَّرُ عَنِ الْكَثِيرِ بِالْقَلِيلِ عَلَى قَصْدِ الْمُبَالَغَةِ كَالنَّقِيرِ وَالْقِطْمِيرِ، وَيُؤَيِّدُ إِيمَاءَ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّهُ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ لَوْ مَنَعُونِي عِنَاقًا، وَفِي أُخْرَى: جِدْيًا.

قَالَ الطِّيبِيُّ: قَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، فَمِنَ الْأَوَّلِ حَدِيثُ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ مِنْ كُلِّ فَرِيضَةٍ عِقَالًا، فَإِذَا جَاءَتْ إِلَى الْمَدِينَةِ بَاعَهَا ثُمَّ تَصَدَّقَ بِهَا، وَحَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَّهُ كَانَ يَعْمَلُ الصَّدَقَةَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَكَانَ يَأْمُرُ الرَّجُلَ إِذَا جَاءَ بِفَرِيضَتَيْنِ أَنْ يَأْتِيَ بِعِقَالِهِمَا وَقِرَانِهِمَا، وَمِنَ الثَّانِي حَدِيثُ عُمَرَ أَنَّهُ أَخَذَ الصَّدَقَةَ عَامَ الرَّمَادَةِ، فَلَمَّا أَحْيَا النَّاسُ بَعَثَ عَامِلَهُ فَقَالَ: اعْقِلْ عَنْهُمْ عِقَالَيْنِ فَاقْسِمْ فِيهِمْ عِقَالًا وَائْتِنِي بِالْآخَرِ يَزِيدُ صَدَقَةَ عَامَيْنِ اه. وَلَا خِلَافَ فِي إِطْلَاقِ الْعِقَالِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْمُرَادِ بِهِ هُنَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَقُلْتُ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَأَلَّفِ النَّاسَ) أَيِ: اطْلُبْ أُلْفَتَهُمْ لَا فُرْقَتَهُمْ (وَارْفُقْ بِهِمْ) : بِضَمِّ الْفَاءِ أَيِ: الْطُفْ بِهِمْ وَلَا تُغْلِظْ عَلَيْهِمْ (فَقَالَ لِي: أَجَبَّارٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ) أَيْ: أَنْتَ شَجِيعٌ مُتَهَوِّرٌ غَضُوبٌ فِي زَمَنِ الْجَاهِلِيَّةِ (وَخَوَّارٌ) : بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ أَيْ: جَبَانٌ وَعَطُوفٌ (فِي الْإِسْلَامِ) ؟ أَيْ فِي أَيَّامِهِ وَأَحْكَامِهِ، مَعَ أَنَّ مَا وَرَدَ: مِنْ أَنَّ مَعَادِنَ الْعَرَبِ خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقِهُوا مُشْعِرٌ بِأَنَّ طِبَاعَهُمُ الْأَصْلِيَّةَ لَمْ تَتَغَيَّرْ عَنْ أَحْوَالِهِمُ الْأَوَّلِيَّةِ، إِنَّمَا يَخْتَلِفُ إِيقَاعُهَا فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ بَعْدَ مَا كَانَ يُصْرَفُ حُصُولُهَا فِي الْحَالَاتِ التَّعَصُّبِيَّةِ مِنَ الْأُمُورِ النَّفْسِيَّةِ وَالْعُرْفِيَّةِ، فَفِي النِّهَايَةِ هُوَ مِنْ خَارَ يَخُورُ إِذَا ضَعُفَتْ قَوَّتُهُ وَوَهَنَتْ شَوْكَتُهُ. قَالَ الطِّيبِيُّ: أَنْكَرَ عَلَيْهِ ضَعْفَهُ وَوَهَنَهُ فِي الدِّينِ، وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَكُونَ جَبَّارًا بَلْ أَرَادَ بِهِ التَّصَلُّبَ وَالشِّدَّةَ فِي الدِّينِ، لَكِنْ لَمَّا ذَكَرَ الْجَاهِلِيَّةَ قَرَنَهُ بِذِكْرِ الْجَبَّارِ. قُلْتُ: هَذَا وَهْمٌ

ص: 3891