المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب مناقب علي بن أبي طالب رضي الله عنه] - مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٩

[الملا على القاري]

فهرس الكتاب

- ‌[بَابُ صِفَةِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِهَا]

- ‌[بَابُ رُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى]

- ‌[بَابُ صِفَةِ النَّارِ وَأَهْلِهَا]

- ‌[بَابُ خَلْقِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ]

- ‌[بَابُ بَدْءِ الْخَلْقِ وَذِكْرِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ]

- ‌[كِتَابِ الْفَضَائِلِ] [

- ‌بَابُ فَضَائِلِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ]

- ‌[بَابُ أَسْمَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَصِفَاتِهِ]

- ‌[بَابٌ فِي أَخْلَاقِهِ وَشَمَائِلِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[بَابُ الْمَبْعَثِ وَبَدْءِ الْوَحْيِ]

- ‌[بَابُ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ]

- ‌[بَابٌ فِي الْمِعْرَاجِ]

- ‌[بَابٌ فِي الْمُعْجِزَاتِ]

- ‌[بَابُ الْكَرَامَاتِ]

- ‌[بَابٌ هِجْرَةُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ وَوَفَاتُهُ]

- ‌[بَابٌ]

- ‌[كِتَابُ الْمَنَاقِبِ وَالْفَضَائِلِ] [

- ‌بَابُ مَنَاقِبِ قُرَيْشٍ وَذِكْرِ الْقَبَائِلِ]

- ‌[بَابُ مَنَاقِبِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ]

- ‌[بَابُ مَنَاقِبِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه]

- ‌[بَابُ مَنَاقِبِ عُمَرَ رضي الله عنه]

- ‌[بَابُ مَنَاقِبِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما]

- ‌[بَابُ مَنَاقِبِ عُثْمَانَ رضي الله عنه]

- ‌[بَابُ مَنَاقِبِ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ رضي الله عنهم]

- ‌[بَابُ مَنَاقِبِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه]

- ‌[بَابُ مَنَاقِبِ الْعَشَرَةِ رضي الله عنهم]

- ‌[بَابُ مَنَاقِبِ أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم]

- ‌[بَابُ مَنَاقِبِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهن]

- ‌[بَابُ جَامِعِ الْمَنَاقِبِ]

- ‌[تَسْمِيَةُ مَنْ سُمِّيَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ]

- ‌[بَابُ ذِكْرِ الْيَمَنِ وَالشَّامِ وَذِكْرِ أُوَيْسٍ الْقَرَنِيِّ]

- ‌[بَابُ ثَوَابِ هَذِهِ الْأُمَّةِ]

الفصل: ‌[باب مناقب علي بن أبي طالب رضي الله عنه]

وَفِي الرِّيَاضِ: ذِكْرُ بَابِ مَا جَاءَ فِي مَنَاقِبِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيٍّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « (يَطَّلِعُ عَلَيْكُمْ مِنْ تَحْتِ هَذَا الصُّورِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ) فَطَلَعَ أَبُو بَكْرٍ فَهَنَّأْنَاهُ، ثُمَّ لَبِثَ هُنَيْهَةً ثُمَّ قَالَ: (يَطَّلِعُ عَلَيْكُمْ مِنْ تَحْتِ هَذَا الصُّورِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ) فَطَلَعَ عُمَرُ فَهَنَّأْنَاهُ ثُمَّ قَالَ: (يَطَّلِعُ عَلَيْكُمْ مِنْ تَحْتِ هَذَا الصُّورِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ) ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَطَلَعَ عَلِيٌّ» ، أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ. وَالصُّورُ: جَمَاعَةُ النَّخْلِ، وَسَيَأْتِي حَدِيثُ عَلِيٍّ فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ مِنْ بَابِ مَنَاقِبِ الْعَشَرَةِ مِنَ الْمُخْتَصَّاتِ بِالثَّلَاثَةِ.

ص: 3931

[بَابُ مَنَاقِبِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه]

[8]

بَابُ مَنَاقِبِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

6087 -

عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِعَلِيٍّ: ( «أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى، إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي» ) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

[8]

بَابُ مَنَاقِبِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه

قَالَ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا: لَمْ يَرِدْ فِي حَقِّ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ بِالْأَسَانِيدِ الْجِيَادِ أَكْثَرَ مِمَّا جَاءَ فِي عَلِيٍّ - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ - وَكَانَ السَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ تَأَخَّرَ، وَوَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي زَمَانِهِ وَكَثُرَ مُحَارِبُوهُ وَالْخَارِجُونَ عَلَيْهِ، فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِانْتِشَارِ مَنَاقِبِهِ لِكَثْرَةِ مَنْ كَانَ يَرْوِيهَا مِنَ الصَّحَابَةِ رَدًّا عَلَى مَنْ خَالَفَهُ، وَإِلَّا فَالثَّلَاثَةُ قَبْلَهُ لَهُمْ مِنَ الْمَنَاقِبِ مَا يُوَازِيهِ وَيَزِيدُ عَلَيْهِ، كَذَا ذَكَرَهُ السُّيُوطِيُّ، وَقَدْ جَاءَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ شِعْرِهِ رضي الله عنه:

أَنَا الَّذِي سَمَّتْنِي أُمِّي حَيْدَرَهْ

وَحَيْدَرَةُ اسْمُ الْأَسَدِ، وَكَانَتْ فَاطِمَةُ أُمُّهُ لَمَّا وَلَدَتْهُ سَمَّتْهُ بِاسْمِ أَبِيهَا، فَلَمَّا قَدِمَ أَبُو طَالِبٍ كَرِهَ الِاسْمَ فَسَمَّاهُ عَلِيًّا، وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: اسْتُعْمِلَ عَلَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ مِنْ آلِ مَرْوَانَ قَالَ: فَدَعَا سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَشْتُمَ عَلِيًّا فَأَبَى فَقَالَ: أَمَّا إِذَا أَبَيْتَ فَقُلْ: لَعَنَ اللَّهُ أَبَا تُرَابٍ، فَقَالَ سَهْلٌ: مَا كَانَ لِعَلِيٍّ اسْمٌ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَبِي تُرَابٍ إِنَّهُ كَانَ يَفْرَحُ بِهِ إِذَا دُعِيَ بِهِ فَقَالَ لَهُ: أَخْبِرْنَا عَنْ قِصَّتِهِ لِمَ سُمِّيَ أَبَا تُرَابٍ؟ قَالَ: «جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْتَ فَاطِمَةَ فَلَمْ يَجِدْ عَلِيًّا فِي الْبَيْتِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِإِنْسَانٍ: " انْظُرْ أَيْنَ هُوَ؟ " فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هُوَ فِي الْمَسْجِدِ رَاقِدٌ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُضْطَجِعٌ قَدْ سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ شِقِّهِ، وَأَصَابَهُ تُرَابٌ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُهُ عَنْهُ وَيَقُولُ: " قُمْ أَبَا تُرَابٍ قُمْ أَبَا تُرَابٍ» " أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ. وَفِي الرِّيَاضِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ التَّيْمِيِّ قَالَ: كُنَّا نَبِيعُ الثِّيَابَ عَلَى عَوَاتِقِنَا وَنَحْنُ غِلْمَانٌ فِي السُّوقِ، فَإِذَا رَأَيْنَا عَلِيًّا قَدْ أَقْبَلَ قُلْنَا: بزرك اشكم قَالَ عَلِيٌّ: مَا يَقُولُونَ؟ قَالَ: يَقُولُونَ عَظِيمُ الْبَطْنِ. قَالَ: أَجَلْ أَعْلَاهُ عِلْمٌ وَأَسْفَلُهُ طَعَامٌ.

وَعَنْ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يَتَوَضَّأُ، فَحَسَرَ الْعِمَامَةَ عَنْ رَأْسِهِ، فَرَأَيْتُ رَأْسَهُ مِثْلَ رَاحَتِي عَلَيْهِ مِثْلُ خَطِّ الْأَصَابِعِ مِنَ الشَّعْرِ. أَخْرَجَهُ ابْنُ الضَّحَّاكِ وَعَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ قَالَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ أَطْلُبُ الْعِلْمَ، فَرَأَيْتُ رَجُلًا عَلَيْهِ بُرْدَانِ، وَلَهُ ضَفِيرَتَانِ، قَدْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى عَاتِقِ عُمَرَ فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: عَلِيٌّ. أَخْرَجَهُ ابْنُ الضَّحَّاكِ أَيْضًا، وَلَا تَضَادَّ بَيْنَهُمَا إِذْ يَكُونُ الشَّعْرُ انْحَسَرَ عَنْ وَسَطِ رَأْسِهِ، وَكَانَ فِي جَوَانِبِهِ شَعْرٌ مُسْتَرْسِلٌ جُمِعَ فَضُفِّرَ بِاثْنَتَيْنِ.

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

6087 -

(عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ)، أَحَدِ الْعَشَرَةِ الْمُبَشَّرَةِ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِعَلِيٍّ: " «أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى» ") ، يَعْنِي فِي الْآخِرَةِ، وَقُرْبِ الْمَرْتَبَةِ، وَالْمُظَاهَرَةِ بِهِ فِي أَمْرِ الدِّينِ كَذَا قَالَهُ شَارِحٌ مِنْ عُلَمَائِنَا. وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: كَانَ هَذَا الْقَوْلُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُخْرِجَهُ إِلَى غَزْوَةِ تَبُوكَ، «وَقَدْ خَلَّفَ عَلِيًّا رضي الله عنه عَلَى أَهْلِهِ وَأَمَرَهُ بِالْإِقَامَةِ فِيهِمْ فَأَرْجَفَ بِهِ الْمُنَافِقُونَ وَقَالُوا: مَا خَلَّفَهُ إِلَّا اسْتِثْقَالًا لَهُ وَتَخَفُّفًا مِنْهُ، فَلَمَّا سَمِعَ بِهِ عَلِيٌّ أَخَذَ سِلَاحَهُ ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ نَازِلٌ بِالْجُرْفِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زَعَمَ الْمُنَافِقُونَ كَذَا فَقَالَ: " كَذَبُوا إِنَّمَا خَلَّفْتُكَ لِمَا تَرَكْتُ وَرَائِي فَارْجِعْ فَاخْلُفْنِي فِي أَهْلِي وَأَهْلِكَ، أَمَا تَرْضَى يَا عَلِيُّ أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى» " تَأَوَّلَ قَوْلَ اللَّهِ سبحانه وتعالى: {وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي} [الأعراف: 142] . وَالْمُسْتَدِلُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْخِلَافَةَ كَانَتْ لَهُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى

ص: 3931

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَائِغٌ عَنْ مَنْهَجِ الصَّوَابِ، فَإِنَّ الْخِلَافَةَ فِي الْأَهْلِ فِي حَيَاتِهِ لَا تَقْتَضِي الْخِلَافَةَ فِي الْأُمَّةِ بَعْدَ مَمَاتِهِ، وَالْمُقَايَسَةُ الَّتِي تَمَسَّكُوا بِهَا تَنْتَقِضُ عَلَيْهِمْ بِمَوْتِ هَارُونَ قَبْلَ مُوسَى عليهما السلام وَإِنَّمَا يُسْتَدَلُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى قُرْبِ مَنْزِلَتِهِ وَاخْتِصَاصِهِ بِالْمُؤَاخَاةِ مِنْ قِبَلِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: هَذَا مِمَّا تَعَلَّقَتْ بِهِ الرَّوَافِضُ وَسَائِرُ فِرَقِ الشِّيعَةِ فِي أَنَّ الْخِلَافَةَ كَانَتْ حَقًّا لِعَلِيٍّ رضي الله عنه وَأَنَّهُ لَمْ يَقُمْ فِي طَلَبِ حَقِّهِ، وَهَؤُلَاءِ أَسْخَفُ عَقْلًا وَأَفْسَدُ مَذْهَبًا مِنْ أَنْ يُذْكَرَ قَوْلُهُمْ، وَلَا شَكَّ فِي تَكْفِيرِ هَؤُلَاءِ لِأَنَّ مَنْ كَفَّرَ الْأُمَّةَ كُلَّهَا وَالصَّدْرَ الْأَوَّلَ خُصُوصًا، فَقَدْ أَبْطَلَ الشَّرِيعَةَ وَهَدَمَ الْإِسْلَامَ، وَلَا حُجَّةَ فِي الْحَدِيثِ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ، بَلْ فِيهِ إِثْبَاتُ فَضِيلَةٍ لِعَلِيٍّ، وَلَا تَعَرُّضَ فِيهِ لِكَوْنِهِ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى اسْتِخْلَافِهِ بَعْدَهُ ; لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا قَالَ هَذَا حِينَ اسْتَخْلَفَهُ عَلَى الْمَدِينَةِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّ هَارُونَ الْمُشَبَّهَ بِهِ لَمْ يَكُنْ خَلِيفَةً بَعْدَ مُوسَى ; لِأَنَّهُ تُوُفِّيَ قَبْلَ وَفَاةِ مُوسَى بِنَحْوِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَإِنَّمَا اسْتَخْلَفَهُ حِينَ ذَهَبَ لِمِيقَاتِ رَبِّهِ لِلْمُنَاجَاةِ.

وَقَالَ الطِّيبِيُّ: وَتَحْرِيرُهُ مِنْ جِهَةِ عِلْمِ الْمَعَانِي أَنَّ قَوْلَهُ: " مِنِّي ": خَبَرٌ لِلْمُبْتَدَأِ، وَمِنْ: اتِّصَالِيَّةٌ، وَمُتَعَلِّقُ الْخَبَرِ خَاصٌّ وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ} [البقرة: 137] أَيْ آمَنُوا إِيمَانًا مِثْلَ إِيمَانِكُمْ يَعْنِي أَنْتَ مُتَّصِلٌ بِي وَنَازِلٌ مِنِّي مَنْزِلَةَ هَارُونَ مِنْ مُوسَى، وَفِيهِ تَشْبِيهٌ، وَوَجْهُ الْمُشَبَّهِ مِنْهُمْ لَمْ يَفْهَمْ أَنَّهُ رضي الله عنه فِيمَا شَبَّهَهُ بِهِ صلى الله عليه وسلم فَبَيَّنَ بِقَوْلِهِ:(" «إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي» ") أَنَّ اتِّصَالَهُ بِهِ لَيْسَ مِنْ جِهَةِ النُّبُوَّةِ، فَبَقِيَ الِاتِّصَالُ مِنْ جِهَةِ الْخِلَافَةِ لِأَنَّهَا تَلِي النُّبُوَّةَ فِي الْمَرْتَبَةِ ثُمَّ إِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ مَمَاتِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ مَمَاتِهِ لِأَنَّ هَارُونَ عليه السلام مَاتَ قَبْلَ مُوسَى، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ فِي حَيَاتِهِ عِنْدَ مَسِيرِهِ إِلَى غَزْوَةِ تَبُوكَ انْتَهَى.

وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ الْخِلَافَةَ الْجُزْئِيَّةَ فِي حَيَاتِهِ لَا تَدُلُّ عَلَى الْخِلَافَةِ الْكُلِّيَّةِ بَعْدَ مَمَاتِهِ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ عُزِلَ عَنْ تِلْكَ الْخِلَافَةِ بِرُجُوعِهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي قَوْلِهِ:" «إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي» " دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ إِذَا نَزَلَ حَكَمًا مِنْ حُكَّامِ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَدْعُو بِشَرِيعَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَلَا يَنْزِلُ نَبِيًّا أَقُولُ: وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ نَبِيًّا وَيَكُونَ مُتَابِعًا لِنَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم فِي بَيَانِ أَحْكَامِ شَرِيعَتِهِ، وَإِتْقَانِ طَرِيقَتِهِ، وَلَوْ بِالْوَحْيِ إِلَيْهِ كَمَا يُشِيرُ إِلَيْهِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:" «لَوْ كَانَ مُوسَى حَيًّا لَمَا وَسِعَهُ إِلَّا اتِّبَاعِي» " أَيْ مَعَ وَصْفِ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ، وَإِلَّا فَمَعَ سَلْبِهِمَا لَا يُفِيدُ زِيَادَةَ الْمَزِيَّةِ، فَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَحْدُثُ بَعْدَهُ نَبِيٌّ لِأَنَّهُ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ السَّابِقِينَ، وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ لَكَانَ عَلِيًّا، وَهُوَ لَا يُنَافِي مَا وَرَدَ فِي حَقِّ عُمَرَ صَرِيحًا ; لِأَنَّ الْحُكْمَ فَرْضِيٌّ وَتَقْدِيرِيٌّ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَوْ تُصُوِّرَ بَعْدِي نَبِيٌّ لَكَانَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِي أَنْبِيَاءَ، وَلَكِنْ لَا نَبِيَّ بَعْدِي، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:" «لَوْ عَاشَ إِبْرَاهِيمُ لَكَانَ نَبِيًّا» " وَأَمَّا حَدِيثُ: " «عُلَمَاءُ أُمَّتِي كَأَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ» " فَقَدْ صَرَّحَ الْحُفَّاظُ كَالزَّرْكَشِيِّ وَالْعَسْقَلَانِيِّ وَالدَّمِيرِيِّ وَالسُّيُوطِيِّ أَنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ، ثُمَّ رَأَيْتُ بَعْضَهُمْ ذَكَرُوا زِيَادَةً وَلَوْ كَانَ لَكُنْتَهُ، لَكِنْ قَالَ الْخَطِيبُ: هَذِهِ الزِّيَادَةُ لَا نَعْلَمُ مَنْ رَوَاهَا إِلَّا ابْنَ الْأَزْهَرِ، وَكَانَ يَضَعُ. وَقَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: الْمَتْنُ صَحِيحٌ وَالزِّيَادَةُ غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِوَاضِعِهَا. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

وَفِي الرِّيَاضِ، أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ وَلَمْ يَقُولَا: إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي، وَعَنْهُ قَالَ: خَلَّفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلِيًّا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فَقَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ تُخَلِّفُنِي فِي النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ؟ قَالَ: " أَمَا تَرْضَى بِأَنْ تَكُونَ مِنِّي مَنْزِلَةَ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي» ". أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ، وَأَبُو حَاتِمٍ.

وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " «اللَّهُمَّ إِنِّي أَقُولُ كَمَا قَالَ أَخِي مُوسَى، اللَّهُمَّ اجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي أَخِي عَلِيًّا اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا» " أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي الْمَنَاقِبِ.

وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِعَلِيٍّ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ: " «أَمَا تَرْضَى أَنْ يَكُونَ لَكَ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ مَا لِي، وَلَكَ مِنَ الْمَغْنَمِ مَا لِي» " وَأَخْرَجَهُ الْخُلَعِيُّ. وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ - وَأَبُو بَكْرٍ الطَّبَرِيُّ فِي جُزْئِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَلَفْظُهُ: " «عَلِيٌّ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي» ، وَرَوَى الْخَطِيبُ عَنِ الْبَرَاءِ، وَالدَّيْلَمِيُّ فِي مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِلَفْظِ: "«عَلِيٌّ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ رَأْسِي مِنْ بَدَنِي» ".

ص: 3932

6088 -

وَعَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، قَالَ:«قَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، إِنَّهُ لَعَهْدُ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَيَّ: أَنْ لَا يُحِبَّنِي إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَلَا يُبْغِضَنِي إِلَّا مُنَافِقٌ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

6088 -

(وَعَنْ زِرِّ) : بِكَسْرِ الزَّايِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ (ابْنِ حُبَيْشٍ) : بِضَمِّ مُهْمَلَةٍ وَفَتْحِ مُوَحَّدَةٍ فَسُكُونِ تَحْتِيَّةٍ فَشِينٌ مُعْجَمَةٌ. قَالَ الْمُؤَلِّفُ: أَسَدِيٌّ كُوفِيٌّ، عَاشَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ سِتِّينَ سَنَةً وَفِي الْإِسْلَامِ سِتِّينَ، وَهُوَ مِنْ أَكَابِرِ الْقُرَّاءِ الْمَشْهُورِينَ مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَسَمِعَ عُمَرَ، رَوَى عَنْهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنَ التَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ. (قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ) ، أَيْ شَقَّهَا، وَأَخْرَجَ النَّبَاتَ مِنْهَا (وَبَرَأَ النَّسَمَةَ) ، أَيْ خَلَقَ كُلَّ ذَاتِ رُوحٍ (إِنَّهُ)، أَيِ: الشَّأْنَ (لَعَهْدُ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ إِلَيَّ)، أَيْ: أَكَّدَ ذَلِكَ وَبَالَغَ عَلِيَّ حَتَّى كَأَنَّهُ عَهِدَ إِلَيَّ، وَفِي نُسْخَةٍ بِسُكُونِ الْهَاءِ عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ مَرْفُوعٌ مُضَافٌ إِلَى النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ، وَهُوَ فَاعِلُهُ لِقَوْلِهِ: إِلَيَّ، وَأَنَّ فِي قَوْلِهِ:(أَنْ لَا يُحِبَّنِي) : مَصْدَرِيَّةٌ أَوْ تَفْسِيرِيَّةٌ لِمَا فِي الْعَهْدِ مِنْ مَعْنَى الْقَوْلِ، وَالْمَعْنَى لَا يُحِبُّنِي حُبًّا مَشْرُوعًا مُطَابِقًا لِلْوَاقِعِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَنُقْصَانٍ لِيُخْرِجَ النُّصَيْرِيَّ وَالْخَارِجِيَّ (إِلَّا مُؤْمِنٌ) ، أَيْ كَامِلُ الْإِيمَانِ فَمَنْ أَحَبَّهُ وَأَبْغَضَ الشَّيْخَيْنِ مَثَلًا فَمَا أَحَبَّهُ حُبًّا مَشْرُوعًا أَيْضًا، كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ، لَكِنَّ عِبَارَتَهُ قَاصِرَةٌ بَلْ مُوهِمَةٌ حَيْثُ قَالَ، أَيْ: لَا يُحِبُّنِي حُبًّا مَشْرُوعًا فَلَا يَنْتَقِصُ حِينَئِذٍ بِمَنْ يُحِبُّهُ وَيُبْغِضُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ. (وَلَا يُبْغِضَنِي إِلَّا مُنَافِقٌ) . أَيْ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) . وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَلَفَظُهُ: عَهِدَ إِلَيَّ مِنْ غَيْرِ قَسَمٍ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.

وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «مَنْ أَحَبَّنِي وَأَحَبَّ هَذَيْنِ وَأَبَاهُمَا وَأُمَّهُمَا كَانَ مَعِي فِي دَرَجَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ". أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ. وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " «لَا يُحِبُّ عَلِيًّا مُنَافِقٌ وَلَا يُبْغِضُهُ مُؤْمِنٌ» ". أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَعَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِعَلِيٍّ: " «لَا يُبْغِضُكَ مُؤْمِنٌ وَلَا يُحِبُّكَ مُنَافِقٌ» " أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ: وَعَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «يَا أَيُّهَا النَّاسُ أُوصِيكُمْ بِحُبِّ ذِي قَرَابَتِي أَخِي وَابْنِ عَمِّي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَإِنَّهُ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا مُؤْمِنٌ وَلَا يُبْغِضُهُ إِلَّا مُنَافِقٌ، مَنْ أَحَبَّهُ فَقَدْ أَحَبَّنِي وَمَنْ أَبْغَضَهُ فَقَدْ أَبْغَضَنِي» ". أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي الْمَنَاقِبِ. وَعَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " «إِنَّ السَّعِيدَ كُلَّ السَّعِيدِ حَقَّ السَّعِيدِ مَنْ أَحَبَّ عَلِيًّا فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ» ". أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ. وَرَوَى الْحَاكِمُ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: " «حُبُّ الْعَرَبِ إِيمَانٌ، وَبُغْضُهُمْ نِفَاقٌ» " وَرَوَى ابْنُ عَدِيٍّ عَنْ أَنَسٍ: " «حُبُّ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ إِيمَانٌ وَبُغْضُهُمَا نِفَاقٌ» ". وَرَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ جَابِرٍ: " «حُبُّ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ مِنَ الْإِيمَانِ وَبُغْضُهُمْ كُفْرٌ، وَحُبُّ الْأَنْصَارِ مِنَ الْإِيمَانِ وَبُغْضُهُمْ كُفْرٌ، وَحُبُّ الْعَرَبِ مِنَ الْإِيمَانِ وَبُغْضُهُمْ كُفْرٌ، وَمَنْ سَبَّ أَصْحَابِي فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ، وَمَنْ حَفِظَنِي فِيهِمْ فَأَنَا أَحْفَظُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»

".

ص: 3933

6089 -

وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ يَوْمَ خَيْبَرَ: " «لَأُعْطِيَنَّ هَذِهِ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ، يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهَ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ. فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ غَدَوْا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كُلُّهُمْ يَرْجُونَ أَنْ يُعْطَاهَا. فَقَالَ: " أَيْنَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ؟ ". فَقَالُوا: هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ. قَالَ فَأَرْسِلُوا إِلَيْهِ ". فَأُتِيَ بِهِ فَبَصَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي عَيْنَيْهِ فَبَرَأَ حَتَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ، فَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا؟ قَالَ: " انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللَّهِ فِيهِ، فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِي اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَذَكَرَ حَدِيثَ الْبَرَاءِ، قَالَ لِعَلِيٍّ:" «أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ» " فِي بَابِ " بُلُوغِ الصَّغِيرِ ".

ــ

6089 -

(وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ) ، أَيِ السَّاعِدِيِّ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ يَوْمَ خَيْبَرَ)، أَيْ: زَمَنَ مُحَاصَرَتِهِ أَوْ آخِرَ نَهَارٍ مِنْ أَيَّامِهِ لِمَا فِي الْبُخَارِيِّ: فَلَمَّا كَانَ مَسَاءُ اللَّيْلَةِ الَّتِي فَتَحَهَا اللَّهُ فِي صَبَاحِهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (" لَأُعْطِيَنَّ هَذِهِ الرَّايَةَ ") أَيِ: الْعَلَمَ الَّتِي هِيَ عَلَامَةٌ لِلْإِمَارَةِ " غَدًا " أَيْ: فِي غَدٍ " رَجُلًا يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ "، أَيْ بِسَبَبِهِ (" «يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ» ") وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى:{يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54] وَبَحْثُهُ طَوِيلُ الذَّيْلِ عَزِيزُ النَّيْلِ، وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ:«فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ لَيْلَهُمْ أَيُّهُمْ يُعْطَى» ، وَالدَّوْكُ: الْخَوْضُ (فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ غَدَوْا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، أَيْ: أَتَوْهُ وَقْتَ الْغَدْوَةِ (كُلُّهُمْ يَرْجُونَ)، أَيْ: يَتَمَنَّوْنَ (أَنْ يُعْطَاهَا) ، أَيِ الرَّايَةَ الَّتِي هِيَ آيَةُ الْفَتْحِ، فَجَمَعَ الضَّمِيرَ فِي يَرْجُونَ نَظَرًا إِلَى مَعْنَى " كُلُّهُمْ "، وَأَفْرَدَ فِي يُعْطَى نَظَرًا إِلَى لَفْظِهِ، وَفِيهِ لَطِيفَةٌ وَهِيَ شُمُولُ الرَّجَاءِ دُونَ حُصُولِ الْإِعْطَاءِ (فَقَالَ: " أَيْنَ عَلِيُّ

ص: 3933

بْنُ أَبِي طَالِبٍ ") ؟ فِيهِ: أَنَّهُ وَقَعَ فِي هَذَا الْمَقَامِ مُرَادًا وَغَيْرَ مُرِيدٍ، وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ فِي إِعْطَاءِ الْمَزِيدِ لِمَنْ يُرِيدُ. (فَقَالُوا: هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ) . وَالْمَعْنَى أَنَّهُ حَصَلَ عُذْرٌ لَدَيْهِ.

أَقُولُ، أَيْ: أَيْنَ عَلِيٌّ؟ مَا لِي لَا أَرَاهُ حَاضِرًا؟ فَيَسْتَقِيمَ جَوَابُهُمْ: هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ، نَحْوُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:{مَا لِي لَا أَرَى الْهُدْهُدَ} [النمل: 20] كَأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم اسْتَبْعَدَ غَيْبَتَهُ عَنْ حَضْرَتِهِ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْمَوَاطِنِ، وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ قَالَ:" لَأُعْطِيَنَّ هَذِهِ الرَّايَةَ " إِلَى آخِرِهِ، وَقَدْ حَضَرَ النَّاسُ كُلُّهُمْ طَمَعًا بِأَنْ يَكُونَ هُوَ الَّذِي يَفُوزُ بِذَلِكَ الْوَعْدِ، وَتَقْدِيمُ الْقَوْمِ الضَّمِيرَ وَبِنَاءُ يَشْتَكِي عَلَيْهِ اعْتِذَارٌ مِنْهُمْ عَلَى سَبِيلِ التَّأْكِيدِ.

(قَالَ: " فَأَرْسِلُوا إِلَيْهِ ") . بِكَسْرِ السِّينِ وَالْمَعْنَى فَأَرْسِلُوا إِلَيْهِ. (فَأُتِيَ بِهِ) أَيْ فَجِيءَ بِهِ (فَبَصَقَ) : وَفِي رِوَايَةٍ: فَلَمَّا جَاءَ بَصَقَ (رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، أَيِ: أَلْقَى بُزَاقَهُ (فِي عَيْنَيْهِ) : وَفِي رِوَايَةٍ فَدَعَا لَهُ (فَبَرَأَ) : بِفَتْحِ الرَّاءِ وَقَدْ يُكْسَرُ أَيْ: فَصَحَّ عَلِيٌّ مِنْ جِهَةِ عَيْنَيْهِ وَعُوفِيَ عَافِيَةً كَامِلَةً (حَتَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ)، أَيْ وَلَا سَبَبُ وَجَعٍ مِنَ الرَّمَدِ وَلَا ضَعْفُ بَصَرٍ أَصْلًا (فَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُقَاتِلُهُمْ) : بِهَمْزَةٍ مُقَدَّرَةٍ أَوْ بِدُونِهَا (حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا) ؟ أَيْ حَتَّى يُسْلِمُوا (قَالَ: " انْفُذْ ") بِضَمِّ الْفَاءِ أَيِ امْضِ (" عَلَى رِسْلِكَ ") : بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ أَيْ رِفْقِكَ وَلِينِكَ (" حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ ") ، أَيْ حَتَّى تَبْلُغَ فِنَاءَهُمْ مِنْ أَرْضِهِمْ (" ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ ")، أَيْ: أَوَّلًا (" وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللَّهِ فِيهِ ") ، أَيْ فِي الْإِسْلَامِ، وَكَانَ هُنَا مَحْذُوفًا أَوْ جُمْلَةً مَطْوِيَّةً، وَهِيَ: فَإِنْ أَبَوْا عَنْهُ فَاطْلُبِ الْجِزْيَةَ، فَإِنْ أَبَوْا فَقَاتِلْهُمْ حَتَّى يُسْلِمُوا حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا أَوْ مَعْنَاهُ يَنْقَادُوا قَالَ الطِّيبِيُّ: وَكَأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم اسْتَحْسَنَ قَوْلَهُ: أُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا، وَاسْتَحْمَدَهُ عَلَى مَا قَصَدَهُ مِنْ مُقَاتَلَتِهِ إِيَّاهُمْ حَتَّى يَكُونُوا أَمْثَالَنَا مُهْتَدِينَ إِعْلَاءً لِدِينِ اللَّهِ، وَمِنْ ثَمَّ حَثَّهُ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَا نَوَاهُ بِقَوْلِهِ:(" «فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ» ") يُرَادُ بِهِ حُمْرُ الْإِبِلِ وَهِيَ أَعَزُّهَا وَأَنْفَسُهَا، وَيَضْرِبُونَ بِهَا الْمَثَلَ فِي نَفَاسَةِ الشَّيْءِ، وَإِنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ أَعْظَمُ مِنْهُ قَالَ النَّوَوِيُّ: تَشْبِيهُ أُمُورِ الْآخِرَةِ بِأَعْرَاضِ الدُّنْيَا إِنَّمَا هُوَ التَّقْرِيبُ لِلْأَفْهَامِ وَإِلَّا فَقَدْرٌ يَسِيرٌ مِنَ الْآخِرَةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا بِأَسْرِهَا وَأَمْثَالِهَا مَعَهُ أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَ: فَوَاللَّهِ. . إِلَخْ تَأْكِيدٌ لِمَا أَرْشَدَهُ مِنْ دُعَائِهِمْ إِلَى الْإِسْلَامِ أَوَّلًا، فَإِنَّهُ رُبَّمَا يَكُونُ سَبَبًا لِإِيمَانِهِمْ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إِلَى قِتَالِهِمُ الْمُتَفَرِّعِ عَلَيْهِ حُصُولُ الْغَنَائِمِ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ وَغَيْرِهَا، فَإِنَّ إِيجَادَ مُؤْمِنٍ وَاحِدٍ خَيْرٌ مِنْ إِعْدَامِ أَلْفِ كَافِرٍ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْهُمَامِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ النِّكَاحِ مُعَلِّلًا بِهِ عَلَى وَجْهِ تَقْدِيمِهِ كُلِّهِ عَلَى كِتَابِ السِّيَرِ وَالْجِهَادِ، وَالْحُمْرُ: بِضَمٍّ فَسُكُونٍ جَمْعُ أَحْمَرَ، وَأَمَّا بِضَمِّ الْمِيمِ فَهُوَ جَمْعُ حِمَارٍ، وَالنَّعَمُ بِفَتْحَتَيْنِ وَقَدْ يُكْسَرُ عَيْنُهُ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ، الْإِبِلُ وَالشَّاءُ أَوْ خَاصٌّ بِالْإِبِلِ، وَأَمَّا النِّعَمُ بِكَسْرِ النُّونِ فَهُوَ جَمْعُ نِعْمَةٍ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) . وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي رَافِعٍ مَرْفُوعًا " «لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ عَلَى يَدَيْكَ رَجُلًا خَيْرٌ لَكَ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ» ". أَيْ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَقِيلَ: أَرَادَ أَنْ تَكُونَ لَهُ وَيَتَصَدَّقَ بِهَا.

وَفِي الرِّيَاضِ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ خَيْبَرَ: " لَأُعْطِيَنَّ هَذِهِ الرَّايَةَ رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيْهِ ". قَالَ عُمَرُ: فَمَا أَحْبَبْتُ الْإِمَارَةَ إِلَّا يَوْمَئِذٍ فَتَشَارَفْتُ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلِيًّا فَأَعْطَاهُ إِيَّاهَا وَقَالَ: امْشِ وَلَا تَلْتَفِتْ فَسَارَ عَلِيٌّ شَيْئًا، ثُمَّ وَقَفَ وَلَمْ يَلْتَفِتْ فَصَرَخَ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلَامَ أُقَاتِلُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: " قَاتِلْهُمْ حَتَّى يَشْهَدُونَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ فَقَدْ مَنَعُوا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ عز وجل» - " أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.

ص: 3934

وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ: «كَانَ عَلِيٌّ قَدْ تَخَلَّفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي خَيْبَرَ، وَكَانَ بِهِ رَمَدٌ فَقَالَ: أَنَا أَتَخَلَّفُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَخَرَجَ عَلِيٌّ فَلَحِقَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي فَتَحَهَا اللَّهُ فِي صَبَاحِهَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ أَوْ لَيَأْخُذَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلٌ يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ - أَوْ قَالَ: يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ - يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَإِذَا نَحْنُ بِعَلِيٍّ وَمَا نَرْجُوهُ فَقَالَ: " هَذَا عَلِيٌّ " فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» - أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.

«وَعَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ: حَاصَرْنَا خَيْبَرَ فَأَخَذَ اللِّوَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَانْصَرَفَ وَلَمْ يُفْتَحْ لَهُ، ثُمَّ أَخَذَ عُمَرُ مِنَ الْغَدِ فَخَرَجَ وَرَجَعَ وَلَمْ يُفْتَحْ لَهُ وَأَصَابَ النَّاسَ يَوْمَئِذٍ شِدَّةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إِنِّي دَافِعٌ غَدًا إِلَى رَجُلٍ يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَيُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، لَا يَرْجِعُ حَتَّى يُفْتَحَ عَلَيْهِ ". فَبِتْنَا طَيِّبَةً أَنْفُسُنَا أَنَّ الْفَتْحَ غَدًا فَلَمَّا أَصْبَحَ صلى الله عليه وسلم قَامَ قَائِمًا، فَدَعَا بِاللِّوَاءِ وَالنَّاسُ عَلَى مَصَافِّهِمْ، فَدَعَا عَلِيًّا وَهُوَ أَرْمَدُ، فَتَفَلَ فِي عَيْنِهِ وَدَفَعَ اللِّوَاءَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَهُ. قَالَ بُرَيْدَةُ: وَأَنَا مِمَّنْ تَطَاوَلَ لَهَا» . أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي الْمَنَاقِبِ.

«وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ بِرَايَتِهِ، وَكَانَتْ بَيْضَاءَ إِلَى بَعْضِ حُصُونِ خَيْبَرَ، فَقَاتَلَ وَرَجَعَ وَلَمْ يَكُنْ فَتْحٌ، وَقَدْ جَهَدَ، ثُمَّ بَعَثَ الْغَدَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَاتَلَ، وَلَمْ يَكُنْ فَتْحٌ وَقَدْ جَهَدَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ لَيْسَ بِفَرَّارٍ " فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلِيًّا وَهُوَ أَرْمَدُ، فَتَفَلَ فِي عَيْنَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: " خُذْ هَذِهِ الرَّايَةَ فَامْضِ حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ عَلَيْكَ " قَالَ سَلَمَةُ: فَخَرَجَ وَاللَّهِ بِهَا يُهَرْوِلُ هَرْوَلَةً، وَإِنَّا خَلْفَهُ نَتَّبِعُ أَثَرَهُ حَتَّى رَكَزَ رَايَتَهُ فِي رَضَمٍ مِنْ حِجَارَةٍ تَحْتَ الْحِصْنِ، فَاطَّلَعَ إِلَيْهِ يَهُودِيٌّ مِنْ رَأْسِ الْحِصْنِ، فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. قَالَ الْيَهُودِيُّ: عَلَوْتُمْ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى مُوسَى أَوْ كَمَا قَالَ. فَمَا رَجَعَ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ، أَخْرَجَهُ» ابْنُ إِسْحَاقَ.

وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «خَرَجْنَا مَعَ عَلِيٍّ حِينَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِرَايَتِهِ، فَلَمَّا دَنَا مِنَ الْحِصْنِ خَرَجَ إِلَيْهِ أَهْلُهُ فَقَاتَلَهُمْ فَضَرَبَهُ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ وَطَرَحَ تُرْسَهُ مِنْ يَدِهِ، فَتَنَاوَلَ عَلِيٌّ بَابًا كَانَ عِنْدَ الْحِصْنِ فَتَرَّسَ بِهِ نَفْسَهُ، فَلَمْ يَزَلْ بِيَدِهِ حَتَّى فُتِحَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَلْقَاهُ مِنْ يَدِهِ حِينَ فَرَغَ، فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي نَفَرٍ مَعَ سَبْعَةٍ أَنَا ثَامِنُهُمْ نَجْتَهِدُ عَلَى أَنْ نَقْلِبَ ذَلِكَ الْبَابَ فَمَا نَقْلِبُهُ» . أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي الْمَنَاقِبِ.

وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ حَمَلَ الْبَابَ يَوْمَ خَيْبَرَ حَتَّى صَعِدَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ، فَافْتَتَحُوهَا، وَبَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَحْمِلْهُ أَرْبَعُونَ رَجُلًا. وَفِي طَرِيقٍ ضَعِيفٍ، ثُمَّ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ سَبْعُونَ رَجُلًا، فَكَانَ جُهْدُهُمْ أَنْ أَعَادُوا الْبَابَ. أَخْرَجَهُمَا الْحَاكِمِيُّ فِي الْأَرْبَعِينَ.

وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: «مَا رَمَدْتُ بَعْدَ تَفْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي عَيْنِي» . أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي يَعْلَى قَالَ:«كَانَ أَبِي يَسْمُرُ مَعَ عَلِيٍّ، وَكَانَ عَلِيٌّ يَلْبَسُ ثِيَابَ الصَّيْفِ فِي الشِّتَاءِ، وَثِيَابَ الشِّتَاءِ فِي الصَّيْفِ، فَقِيلَ لَهُ: لَوْ سَأَلْتَهُ؟ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ إِلَيَّ وَأَنَا أَرَمَدُ الْعَيْنِ يَوْمَ خَيْبَرَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَرْمَدُ الْعَيْنِ قَالَ: فَتَفَلَ فِي عَيْنِي وَقَالَ: " اللَّهُمَّ أَذْهِبْ عَنْهُ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ " فَمَا وَجَدْتُ حَرًّا وَلَا بَرْدًا مُنْذُ يَوْمِئِذٍ. وَقَالَ: " لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ لَيْسَ بِفَرَّارٍ " فَتَشَرَّفَ لَهَا أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَعْطَانِيهَا» .

(وَذَكَرَ حَدِيثَ الْبَرَاءِ: قَالَ لِعَلِيٍّ: " «أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ» " فِي بَابِ بُلُوغِ الصَّغِيرِ) . أَيْ: لِمَا كَانَ لَهُ تَعَلُّقٌ بِالْحَضَانَةِ، وَالْحَدِيثُ هُنَاكَ مُشْتَمِلٌ عَلَى فَضْلِ عَلِيٍّ، وَجَعْفَرٍ، وَزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ.

ص: 3935

الْفَصْلُ الثَّانِي

6090 -

عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «إِنَّ عَلِيًّا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، وَهُوَ وَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

ــ

الْفَصْلُ الثَّانِي

6090 -

(عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «إِنَّ عَلِيًّا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ» ") أَيْ: فِي النَّسَبِ وَالْمُصَاهَرَةِ وَالْمُسَابَقَةِ وَالْمَحَبَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَزَايَا لَا فِي مَحْضِ الْقَرَابَةِ وَإِلَّا فَغَيْرُهُ مُشَارِكٌ لَهُ فِيهَا (" وَهُوَ وَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ ") . أَيْ: حَبِيبُهُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ أَوْ نَاصِرُهُ أَوْ مُتَوَلِّي أَمْرِهِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: هُوَ إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة: 55] وَفِي الْكَشَّافِ، قِيلَ: نَزَلَتْ فِي عَلِيٍّ رضي الله عنه فَإِنْ قُلْتَ: كَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ لِعَلِيٍّ، وَاللَّفْظُ لَفْظُ جَمَاعَةٍ؟ قُلْتُ: جِيءَ بِهِ تَرْغِيبًا لِلنَّاسِ فِي مِثْلِ فِعْلِهِ لِيَنَالُوا مِثْلَ ثَوَابِهِ، وَلِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّ سَجِيَّةَ الْمُؤْمِنِينَ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ عَلَى هَذِهِ الْغَايَةِ مِنَ الْحِرْصِ عَلَى الْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ.

قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ قَوْلُهُ: وَهُمْ رَاكِعُونَ أَيْ مُتَخَشِّعُونَ فِي صَلَاتِهِمْ وَزَكَاتِهِمْ، وَقِيلَ: هُوَ حَالٌ مَخْصُوصَةٌ بِيُؤْتُونَ أَيْ: يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ فِي حَالِ رُكُوعِهِمْ فِي الصَّلَاةِ حِرْصًا عَلَى الْإِحْسَانِ وَمُسَارَعَةً إِلَيْهِ، فَإِنَّهَا نَزَلَتْ فِي عَلِيٍّ - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ - حِينَ سَأَلَهُ سَائِلٌ وَهُوَ رَاكِعٌ فِي صَلَاتِهِ، فَطَرَحَ لَهُ خَاتَمَهُ انْتَهَى وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ بِرِوَايَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ. قَالَ الْقَاضِي: وَاسْتَدَلَّ بِهِ الشِّيعَةُ عَلَى إِمَامَتِهِ زَاعِمِينَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَلِيِّ الْمُتَوَلِّي لِلْأُمُورِ، وَالْمُسْتَحِقِّ لِلتَّصَرُّفِ فِيهِمْ، وَالظَّاهِرُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا نَهَى عَنْ مُوَالَاةِ الْكَفَرَةِ ذَكَرَ عُقَيْبَهُ مَنْ هُوَ حَقِيقٌ بِهَا، وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ أَوْلِيَاؤُكُمْ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ الْوِلَايَةَ لِلَّهِ عَلَى الْأَصَالَةِ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى التَّبَعِ، مَعَ أَنَّ حَمْلَ الْجَمْعِ عَلَى الْوَاحِدِ أَيْضًا خِلَافُ الظَّاهِرِ. قَالَ السَّيِّدُ مُعِينُ الدِّينِ الصَّفَوِيُّ: مَا قَبْلَ الْآيَةِ يُنَادِي عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْوِلَايَةِ لَيْسَ التَّوَلِّيَ لِلْأُمُورِ وَالْمُسْتَحِقَّ لِلتَّصَرُّفِ كَمَا قَالَتِ الشِّيعَةُ، بَلْ ذَكَرَهُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ تَحْرِيضًا عَلَى الْمُبَادَرَةِ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَيَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ مَنْ يُبَادِرُ، فَلَا يُسْتَدَلُّ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى إِمَامَةِ عَلِيٍّ رضي الله عنه انْتَهَى. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ، لَا سِيَّمَا وَاللَّفْظُ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ، فَيَدْخُلُ عَلِيٌّ - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ - فِيهِ دُخُولًا أَوَّلِيًّا لَا أَنَّ الْأَمْرَ مَحْصُورٌ فِيهِ حَقِيقِيًّا. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) .

وَفِي الرِّيَاضِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ:«بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةً وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهَا عَلِيًّا قَالَ: فَمَضَى عَلَى السَّرِيَّةِ فَأَصَابَ جَارِيَةً، فَأَنْكَرُوا عَلَيْهِ، وَتَعَاقَدَ أَرْبَعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: إِذَا لَقِينَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرْنَاهُ بِمَا صَنَعَ عَلِيٌّ، فَقَالَ عِمْرَانُ: وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ إِذَا قَدِمُوا مِنْ سَفَرٍ بَدَأُوا بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَسَلَّمُوا عَلَيْهِ، ثُمَّ انْصَرَفُوا إِلَى رِحَالِهِمْ، فَلَمَّا قَدِمَتِ السَّرِيَّةُ سَلَّمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَامَ أَحَدُ الْأَرْبَعَةِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَمْ تَرَ أَنَّ عَلِيًّا صَنَعَ كَذَا وَكَذَا؟ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ قَامَ الثَّانِي فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ قَامَ الثَّالِثُ فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ قَامَ الرَّابِعُ فَقَالَ مِثْلَ مَا قَالُوا، فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْغَضَبُ يُعْرَفُ فِي وَجْهِهِ فَقَالَ: " مَا تُرِيدُونَ مِنْ عَلِيٍّ " ثَلَاثًا " إِنَّ عَلِيًّا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ وَهُوَ وَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدِي» " أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَقَالَ فِيهِ: «فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْأَرْبَعِ، وَقَدْ تَغَيَّرَ وَجْهُهُ فَقَالَ: " دَعُوا عَلِيًّا، عَلِيٌّ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، وَهُوَ وَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ بَعْدِي» " وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ عَنْ بُرَيْدَةَ، وَلَهُ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي الْمَنَاقِبِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: «لَمَّا قَتَلَ عَلِيٌّ أَصْحَابَ الْأَلْوِيَةِ يَوْمَ أُحُدٍ قَالَ جِبْرِيلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذِهِ لَهِيَ الْمُوَاسَاةُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّهُ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ " فَقَالَ جِبْرِيلُ: وَأَنَا مِنْكُمَا يَا رَسُولَ اللَّهِ» .

ص: 3936

6091 -

وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: قَالَ " «مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ» ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ.

ــ

6091 -

(وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ) ذِكْرُهُ تَقَدَّمَ (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ» ") . قِيلَ، مَعْنَاهُ: مَنْ كُنْتُ أَتَوَلَّاهُ فَعَلِيٌّ يَتَوَلَّاهُ مِنَ الْوَلِيِّ ضِدِّ الْعَدُوِّ أَيْ: مَنْ كُنْتُ أُحِبُّهُ فَعَلِيٌّ يُحِبُّهُ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ: مَنْ يَتَوَلَّانِي فَعَلِّيٌّ يَتَوَلَّاهُ، كَذَا ذَكَرَهُ شَارِحٌ مِنْ عُلَمَائِنَا. وَفِي النِّهَايَةِ: الْمَوْلَى يَقَعُ عَلَى جَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ فَهُوَ الرَّبُّ وَالْمَالِكُ وَالسَّيِّدُ وَالْمُنْعِمُ وَالْمُعْتِقُ وَالنَّاصِرُ وَالْمُحِبُّ وَالتَّابِعُ وَالْخَالُ وَابْنُ الْعَمِّ وَالْحَلِيفُ وَالْعَقِيدُ وَالصِّهْرُ وَالْعَبْدُ وَالْمُعْتَقُ وَالْمُنْعَمُ عَلَيْهِ، وَأَكْثَرُهَا قَدْ جَاءَتْ فِي الْحَدِيثِ فَيُضَافُ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَا يَقْتَضِيهِ.

الْحَدِيثُ الْوَارِدُ فِيهِ، وَقَوْلُهُ:" مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ ". يُحْمَلُ عَلَى أَكْثَرِ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ الْمَذْكُورَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه: يَعْنِي بِذَلِكَ وَلَاءَ الْإِسْلَامِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ} [محمد: 11] وَقَوْلِ عُمَرَ لِعَلِيٍّ: أَصْبَحْتَ مَوْلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ [أَيْ: وَلِيَّ كُلِّ مُؤْمِنٍ] وَقِيلَ: سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ أُسَامَةَ قَالَ لِعَلِيٍّ: لَسْتَ مَوْلَايَ إِنَّمَا مَوْلَايَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " «مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ» "" قُضِيَ " قَالَتِ الشِّيعَةُ: هُوَ مُتَصَرِّفٌ، وَقَالُوا: مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه يَسْتَحِقُّ التَّصَرُّفَ فِي كُلِّ مَا يَسْتَحِقُّ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم التَّصَرُّفَ فِيهِ، وَمِنْ ذَلِكَ أُمُورُ الْمُؤْمِنِينَ فَيَكُونُ إِمَامَهُمْ أَقُولُ: لَا يَسْتَقِيمُ أَنْ تُحْمَلَ الْوِلَايَةُ عَلَى الْإِمَامَةِ الَّتِي هِيَ التَّصَرُّفُ فِي أُمُورِ الْمُؤْمِنِينَ، لِأَنَّ الْمُتَصَرِّفَ الْمُسْتَقِلَّ فِي حَيَاتِهِ هُوَ هُوَ صلى الله عليه وسلم لَا غَيْرُ فَيَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْمَحَبَّةِ وَوَلَاءِ الْإِسْلَامِ وَنَحْوِهِمَا.

وَقِيلَ: سَبَبُ وُرُودِ هَذَا الْحَدِيثِ كَمَا نَقَلَهُ الْحَافِظُ شَمْسُ الدِّينِ الْجَزَرِيُّ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ أَنَّ عَلِيًّا تَكَلَّمَ بَعْضُ مَنْ كَانَ مَعَهُ بِالْيَمَنِ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَجَّهَ خَطَبَ بِهَا تَنْبِيهًا عَلَى قَدْرِهِ وَرَدًّا عَلَى مَنْ تَكَلَّمَ فِيهِ كَبُرَيْدَةَ كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ. وَسَبَبُ ذَلِكَ كَمَا رَوَاهُ الذَّهَبِيُّ، وَصَحَّحَهُ أَنَّهُ خَرَجَ مَعَهُ إِلَى الْيَمَنِ، فَرَأَى مِنْهُ جَفْوَةَ نَقْصِهِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَجَعَلَ يَتَغَيَّرُ وَجْهُهُ عليه السلام وَيَقُولُ:" «يَا بُرَيْدَةُ أَلَسْتُ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ؟ " قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: " مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ» ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ.

وَفِي الْجَامِعِ: رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ - عَنِ الْبَرَاءِ، وَأَحْمَدُ عَنْ بُرَيْدَةَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَالضِّيَاءُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ. فَفِي إِسْنَادِ الْمُصَنِّفِ الْحَدِيثَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ إِلَى أَحْمَدَ وَالتِّرْمِذِيِّ مُسَامَحَةٌ لَا تَخْفَى، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ وَالْحَاكِمِ عَنْ بُرَيْدَةَ بِلَفْظِ:" مَنْ كُنْتُ وَلِيُّهُ ". وَرَوَى الْمَحَامِلِيُّ فِي أَمَالِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَفْظُهُ: " «عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مَوْلَى مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ» " وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ لَا مِرْيَةَ فِيهِ، بَلْ بَعْضُ الْحُفَّاظِ عَدَّهُ مُتَوَاتِرًا إِذْ فِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثُونَ صَحَابِيًّا، وَشَهِدُوا بِهِ لِعَلِيٍّ لَمَّا نُوزِعَ أَيَّامَ خِلَافَتِهِ، وَسَيَأْتِي زِيَادَةُ تَحْقِيقٍ فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ عِنْدَ حَدِيثِ الْبَرَاءِ.

ص: 3937

6092 -

وَعَنْ حُبْشِيِّ بْنِ جُنَادَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «عَلِيٌّ مِنِّي وَأَنَا مِنْ عَلِيٍّ، وَلَا يُؤَدِّي عَنِّي إِلَّا أَنَا أَوْ عَلِيٌّ» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

ــ

6092 -

(وَعَنْ حُبْشِيٍّ) : بِضَمِّ حَاءٍ وَسُكُونِ مُوَحَّدَةٍ فَكَسْرٍ فَتَشْدِيدِ تَحْتِيَّةٍ (ابْنِ جُنَادَةَ) : بِضَمِّ الْجِيمِ قَالَ الْمُؤَلِّفُ: رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَلَهُ صُحْبَةٌ، عِدَادُهُ فِي أَهْلِ الْكُوفَةِ، رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ. (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «عَلِيٌّ مِنِّي وَأَنَا مِنْ عَلِيٍّ» ") مَرَّ مَعْنَاهُ (" وَلَا يُؤَدِّي عَنِّي ") : أَيْ نَبْذَ الْعَهْدِ (" إِلَّا أَنَا أَوْ عَلِيٌّ ") كَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ: لَا يُؤَدِّي عَنِّي إِلَّا عَلِيٌّ فَأُدْخِلَ أَنَا تَأْكِيدًا لِمَعْنَى الِاتِّصَالِ فِي قَوْلِهِ: «عَلِيٌّ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ» . " تو " كَانَ مِنْ دَأْبِ الْعَرَبِ إِذَا كَانَ بَيْنَهُمْ مُقَاوَلَةٌ فِي نَقْضٍ وَإِبْرَامٍ وَصُلْحٍ وَنَبْذِ عَهْدٍ أَنْ لَا يُؤَدِّيَ ذَلِكَ إِلَّا سَيِّدُ الْقَوْمِ، أَوْ مَنْ يَلِيهِ مِنْ ذَوِي قَرَابَتِهِ الْقَرِيبَةِ، وَلَا يَقْبَلُونَ مِمَّنْ سِوَاهُ وَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الَّذِي أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه أَنْ يَحُجَّ بِالنَّاسِ رَأَى بَعْدَ خُرُوجِهِ أَنْ يَبْعَثَ عَلِيًّا رضي الله عنه خَلْفَهُ لِيَنْبِذَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ عَهْدَهُمْ، وَيَقْرَأَ عَلَيْهِمْ سُورَةَ بَرَاءَةٍ وَفِيهَا:{إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: 28] . إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحْكَامِ فَقَالَ قَوْلَهُ هَذَا تَكْرِيمًا بِهِ بِذَلِكَ - قُلْتُ: وَاعْتِذَارًا لِأَبِي بَكْرٍ فِي مَقَامِهِ هُنَالِكَ، وَلِذَا قَالَ الصِّدِّيقُ لِعَلِيٍّ حِينَ لَحِقَهُ مِنْ وَرَائِهِ: أَمِيرٌ أَمْ مَأْمُورٌ؟ فَقَالَ: بَلْ مَأْمُورٌ، وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ إِمَارَتَهُ إِنَّمَا تَكُونُ مُتَأَخِّرَةً عَنْ خِلَافَةِ الصِّدِّيقِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى ذَوِي التَّحْقِيقِ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) وَكَذَا أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ - عَنْ حُبْشِيٍّ عَلَى مَا فِي الْجَامِعِ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي جُنَادَةَ، فَلَعَلَّ أَحْمَدَ لَهُ رِوَايَتَانِ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْمُؤَلِّفُ أَبَا جُنَادَةَ فِي أَسْمَائِهِ.

ص: 3937

6093 -

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: «آخَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَصْحَابِهِ، فَجَاءَ عَلِيٌّ تَدْمَعُ عَيْنَاهُ، فَقَالَ: آخَيْتَ بَيْنَ أَصْحَابِكَ، وَلَمْ تُؤَاخِ بَيْنِي وَبَيْنَ أَحَدٍ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (أَنْتَ أَخِي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ) » رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.

ــ

6093 -

(وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: آخَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : بِمَدِّ الْهَمْزَةِ أَيْ جَعَلَ الْمُؤَاخَاةَ فِي الدِّينِ (بَيْنَ أَصْحَابِهِ) ، أَيِ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ كَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَسَلْمَانَ (فَجَاءَ عَلِيٌّ تَدْمَعُ عَيْنَاهُ)، أَيْ: فَسُئِلَ مَا لَكَ؟ (فَقَالَ) : وَفِي رِوَايَةٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ (آخَيْتَ بَيْنَ أَصْحَابِكَ)، وَلَمْ تُؤَاخِ: بِالْهَمْزِ وَيَجُوزُ إِبْدَالُهُ وَاوًا (بَيْنِي وَبَيْنَ أَحَدٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيْ: جَبْرًا بِمَا كَانَ خَيْرًا لَهُ. أَنْتَ أَخِي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ") . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.

وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي الْمَنَاقِبِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، وَعَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «آخَى بَيْنَ النَّاسِ وَتَرَكَ عَلِيًّا حَتَّى بَقِيَ آخِرَهُمْ لَا يَرَى لَهُ أَخًا فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ آخَيْتَ بَيْنَ النَّاسِ وَتَرَكْتَنِي. قَالَ: (" وَلِمَ تَرَانِي تَرَكْتُكَ؟ تَرَكْتُكَ لِنَفْسِي أَنْتَ أَخِي وَأَنَا أَخُوكَ فَإِنْ ذَكَرَكَ أَحَدٌ فَقُلْ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَأَخُو رَسُولِهِ لَا يَدَّعِيهَا بَعْدُ إِلَّا كَذَّابٌ» ") .

ص: 3938

6094 -

وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: «كَانَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم طَيْرٌ، فَقَالَ: " اللَّهُمَّ ائْتِنِي بِأَحَبِّ خَلْقِكَ إِلَيْكَ يَأْكُلُ مَعِي هَذَا الطَّيْرَ " فَجَاءَهُ عَلِيٌّ، فَأَكَلَ مَعَهُ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.

ــ

6094 -

(وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم طَيْرٌ)، أَيْ مَشْوِيٌّ أَوْ مَطْبُوخٌ أُهْدِيَ إِلَيْهِ صلى الله عليه وسلم وَفِي رِوَايَةٍ أَهْدَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَيْرَيْنِ بَيْنَ رَغِيفَيْنِ فَقَدَّمَتْ إِلَيْهِ (فَقَالَ:" «اللَّهُمَّ ائْتِنِي بِأَحَبِّ خَلْقِكَ إِلَيْكَ» ") وَفِي رِوَايَةٍ: وَإِلَى رَسُولِكَ (" يَأْكُلُ ") : بِالرَّفْعِ وَفِي نُسْخَةٍ بِالْجَزْمِ (" مَعِي هَذَا الطَّيْرَ " فَجَاءَهُ عَلِيٌّ فَأَكَلَ مَعَهُ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) . أَيْ إِسْنَادًا أَوْ مَتْنًا وَلَا مَنْعَ مِنَ الْجَمْعِ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: مَوْضُوعٌ. وَقَالَ الْحَاكِمُ: لَيْسَ بِمَوْضُوعٍ، وَفِي الْمُخْتَصَرِ قَالَ: لَهُ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ. وَفِي الرِّيَاضِ: رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي الْمَنَاقِبِ " تو ": نَحْنُ وَإِنْ كُنَّا بِحَمْدِ اللَّهِ لَا نَجْهَلُ فَضْلَ عَلِيٍّ رضي الله عنه وَقَدَمَهُ وَسَوَابِقَهُ فِي الْإِسْلَامِ، وَاخْتِصَاصَهُ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِقَرَابَتِهِ الْقَرِيبَةِ، وَمُؤَاخَاتَهُ إِيَّاهُ فِي الدِّينِ وَنَتَمَسَّكُ بِحُبِّهِ بِأَقْوَى وَأَوْلَى مِمَّا يَدَّعِيهِ الْغَالُونَ فِيهِ، فَلَسْنَا نَرَى أَنْ نَضْرِبَ عَنْ تَقْرِيرِ أَمْثَالِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فِي نِصَابِهَا صَفْحًا لِمَا يُخْشَى فِيهَا مِنْ تَحْرِيفِ الْغَالِينَ، وَتَأْوِيلِ الْجَاهِلِينَ، وَانْتِحَالِ الْمُبْطِلِينَ.

وَهَذَا بَابٌ أُمِرْنَا بِمُحَافَظَتِهِ وَجِيءَ أَمْرُنَا بِالذَّبِّ عَنْهُ، فَحَقِيقٌ عَلَيْنَا أَنْ نَنْصُرَ فِيهِ الْحَقَّ وَنُقَدِّمَ فِيهِ الصِّدْقَ، وَهَذَا حَدِيثٌ يَرِيشُ بِهِ الْمُبْتَدِعُ سِهَامَهُ، وَيُوَصِّلُ بِهِ فِي الْمُبْتَدِعِ جَنَاحَهُ فَيَتَّخِذَهُ ذَرِيعَةً إِلَى الطَّعْنِ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه الَّتِي هِيَ أَوَّلُ حُكْمٍ أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَأَقْوَمُ عِمَادٍ أُقِيمَ بِهِ الدِّينُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَنَقُولُ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ: هَذَا الْحَدِيثُ لَا يُقَاوِمُ مَا أَوْجَبَ تَقْدِيمَ أَبِي بَكْرٍ وَالْقَوْلَ بِخَيْرِيَّتِهِ مِنَ الْأَخْبَارِ الصِّحَاحِ مُنْضَمًّا إِلَيْهَا إِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ لِمَكَانِ سَنَدِهِ، فَإِنَّ فِيهِ لِأَهْلِ النَّقْلِ مَقَالًا، وَلَا يَجُوزُ حَمْلُ أَمْثَالِهِ عَلَى مَا يُخَالِفُ الْإِجْمَاعَ، وَلَا سِيَّمَا وَالصَّحَابِيُّ الَّذِي يَرْوِيهِ مِمَّنْ دَخَلَ فِي هَذَا الْإِجْمَاعِ وَاسْتَقَامَ عَلَيْهِ مُدَّةَ عُمْرِهِ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ خِلَافُهُ، فَلَوْ ثَبَتَ عَنْهُ هَذَا الْحَدِيثُ. فَالسَّبِيلُ أَنْ يُؤَوَّلَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَنْتَقِضُ عَلَيْهِ مَا اعْتَقَدَهُ، وَلَا يُخَالِفُ مَا هُوَ أَصَحُّ مِنْهُ مَتْنًا وَإِسْنَادًا، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ يُحْمَلُ قَوْلُهُ بِأَحَبِّ خَلْقِكَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ ائْتِنِي بِمَنْ هُوَ أَحَبُّ خَلْقِكَ إِلَيْكَ، فَيُشَارِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ، وَهُمُ الْمُفَضَّلُونَ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِمْ: فُلَانٌ أَعْقَلُ النَّاسِ وَأَفْضَلُهُمْ أَيْ: مِنْ أَعْقَلِهِمْ وَأَفْضَلِهِمْ، وَمِمَّا يُبَيِّنُ لَكَ أَنَّ حَمْلَهُ عَلَى الْعُمُومِ غَيْرُ جَائِزٍ هُوَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مِنْ جُمْلَةِ خَلْقِ اللَّهِ، وَلَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَ عَلِيٌّ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْهُ فَإِنْ قِيلَ: ذَلِكَ شَيْءٌ غَرِيبٌ لِأَصْلِ الشَّرْعِ. قُلْنَا: وَالَّذِي نَحْنُ فِيهِ فَرْعٌ أَيْضًا بِالنُّصُوصِ الصَّحِيحَةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، فَيُؤَوَّلُ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ أَحَبَّ خَلْقِهِ إِلَيْهِ مَنْ بَنِي عَمِّهِ وَذَوِيهِ؟ ، وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُطْلِقُ الْقَوْلَ، وَهُوَ يُرِيدُ تَقْيِيدَهُ وَيَعُمُّ بِهِ، وَيُرِيدُ تَخْصِيصَهُ فَيَعْرِفُهُ ذَوُو الْفَهْمِ بِالنَّظَرِ إِلَى الْحَالِ أَوِ الْوَقْتِ أَوِ الْأَمْرِ الَّذِي هُوَ فِيهِ.

ص: 3938

أَقُولُ: وَالْوَجْهُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمَقَامُ هُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي، لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَأْكُلَ وَحْدَهُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ سَمْتِ أَهْلِ الْمُرُوءَاتِ فَطَلَبَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يُؤْتِيَ لَهُ مَنْ يُؤَاكِلُهُ، وَكَانَ ذَلِكَ بِرًّا وَإِحْسَانًا مِنْهُ إِلَيْهِ، وَأَبَرُّ الْمَبَرَّاتِ بِذَوِي الرَّحِمِ وَصِلَتِهِ كَأَنَّهُ قَالَ: بِأَحَبِّ خَلْقِكَ إِلَيْكَ مِنْ ذَوِي الْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ، وَمَنْ هُوَ أَوْلَى بِإِحْسَانِي وَبِرِّي إِلَيْهِ اهـ.

وَفِيهِ أَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ الْعَمَّ أَوْلَى مِنَ ابْنِهِ وَكَذَا الْبِنْتُ وَأَوْلَادُهَا فِي أَمْرِ الْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ عَلَى أَنَّ قَوْلَ الطِّيبِيِّ هَذَا إِنَّمَا يَتِمُّ إِذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ هُنَاكَ مِمَّنْ يُؤَاكِلُهُ، وَلَا شَكَّ فِي وُجُودِهِ لَا سِيَّمَا وَأَنَسٌ حَاضِرٌ وَهُوَ خَادِمُهُ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ عَادَتِهِ أَنَّهُ لَا يَأْكُلُ مَعَهُ، فَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ هُوَ الْمُعَوَّلُ، وَنَظِيرُهُ مَا وَرَدَ مِنْ أَحَادِيثَ بِلَفْظِ: أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ فِي أُمُورٍ لَا يُمْكِنُ جَمْعُهَا إِلَّا بِأَنْ يُقَالَ فِي بَعْضِهَا إِنَّ التَّقْدِيرَ مِنْ أَفْضَلِهَا.

ص: 3939

6095 -

«وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ إِذَا سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْطَانِي وَإِذَا سَكَتُّ ابْتَدَأَنِي» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.

ــ

6095 -

(وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ إِذَا سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، أَيْ: طَلَبْتُ (شَيْئًا أَعْطَانِي)، أَيِ: الْمَسْئُولَ أَوْ جَوَابَهُ (وَإِذَا سَكَتُّ ابْتَدَأَنِي)، أَيْ: بِالتَّكَلُّمِ أَوِ الْإِعْطَاءِ، فَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ حُسْنَ الْأَدَبِ هُوَ السُّكُوتُ وَتَفْوِيضُ الْأَمْرِ الْمُوجِبِ لِلتَّعْظِيمِ الْمُتَفَرِّعِ عَلَيْهِ الْإِقْبَالُ الْمُنْتِجُ لِلْإِعْطَاءِ أَوَّلًا. وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ:«مَنْ شَغَلَهُ ذِكْرِي عَنْ مَسْأَلَتِي أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ» . وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى كَرَمِهِ وَزُهْدِهِ مَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُ الْمَنَاقِبِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِنِّي لَأَرْبِطُ الْحَجَرَ عَلَى بَطْنِي مِنَ الْجُوعِ، وَإِنَّ صَدَقَتِي الْيَوْمَ أَرْبَعُونَ أَلْفًا. وَفِي رِوَايَةٍ: إِنَّ صَدَقَةَ مَالِي لَتَبْلُغُ أَرْبَعِينَ أَلْفَ دِينَارٍ أَخْرَجَهُمَا أَحْمَدُ، وَرُبَّمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ مَالَ عَلِيٍّ تَبْلُغُ زَكَاتُهُ هَذَا الْقَدْرَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ كَانَ أَزْهَدَ النَّاسِ، فَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ الَّذِي تَصَدَّقْتُ بِهِ مُنْذُ كَانَ لِي مَالٌ إِلَى الْيَوْمِ كَذَا وَكَذَا أَلْفًا، ثُمَّ ذِكْرُهُ لِذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ فِي مَعْرِضِ الشُّكْرِ عَلَى هَذِهِ الْخُلَّةِ وَعَدَمِ الِاكْتِرَاثِ بِمَا خَرَجَ لِلَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّ إِخْرَاجَهُ أَبْلَغُ فِي الزُّهْدِ مِنْ عَدَمِهِ وَأَبْعَدَ مَنْ قَالَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي مَعْرِضِ التَّوْبِيخِ لِنَفْسِهِ تَنْتَقِلُ الْحَالُ إِلَى مِثْلِ هَذَا بَعْدَ ذَلِكَ الْحَالِ.

وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ «أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ دَخَلَ عَلَى فَاطِمَةَ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ يَبْكِيَانِ فَقَالَ: مَا يُبْكِيهِمَا؟ قَالَتِ الْجُوعُ فَخَرَجَ عَلِيٌّ فَوَجَدَ دِينَارًا فِي السُّوقِ، فَجَاءَ إِلَى فَاطِمَةَ فَأَخْبَرَهَا فَقَالَتْ: اذْهَبْ إِلَى فُلَانٍ الْيَهُودِيِّ فَخُذْ لَنَا بِهِ دَقِيقًا، فَجَاءَ إِلَى الْيَهُودِيِّ فَاشْتَرَى بِهِ دَقِيقًا فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: أَنْتَ خَتَنُ هَذَا الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ (قَالَ: فَخُذْ دِينَارَكَ وَلَكَ الدَّقِيقُ، فَخَرَجَ عَلِيٌّ حَتَّى جَاءَ بِهِ فَاطِمَةَ فَأَخْبَرَهَا فَقَالَتِ: اذْهَبْ إِلَى فُلَانٍ الْجَزَّارِ فَخُذْ بِدِرْهَمٍ لَحْمًا، فَذَهَبَ فَرَهَنَ الدِّينَارَ بِدِرْهَمٍ عَلَى لَحْمٍ، فَجَاءَ بِهِ، فَعَجَنَتْ وَنَصَبَتْ وَخَبَزَتْ فَأَرْسَلَتْ إِلَى أَبِيهَا فَجَاءَهُمْ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَذْكُرُ لَكَ فَإِنْ رَأَيْتَهُ حَلَالًا أَكَلْنَا وَأَكَلْتَ مِنْ شَأْنِهِ كَذَا. قَالَ كُلُوا بِاسْمِ اللَّهِ، فَأَكَلُوا فَبَيْنَمَا هُمْ مَكَانَهُمْ إِذَا غُلَامٌ يَنْشُدُ اللَّهَ وَالْإِسْلَامَ لِلدِّينَارِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَدُعِيَ لَهُ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: سَقَطَ مِنِّي فِي السُّوقِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَا عَلِيُّ اذْهَبْ إِلَى الْجَزَّارِ فَقُلْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لَكَ: أَرْسِلْ إِلَيَّ بِالدِّينَارِ وَدِرْهَمُكَ عَلَيَّ فَأَرْسَلَ بِهِ فَدَفَعَ إِلَيْهِ» . أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ.

وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى تَوَاضُعِهِ مَا أَخْرَجَهُ الْبَغَوِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ بَيَّاعِ الْأَكْسِيَةِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيًّا اشْتَرَى تَمْرًا بِدِرْهَمٍ، فَحَمَلَهُ فِي مِلْحَفَتِهِ، فَقِيلَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَلَا نَحْمِلُهُ عَنْكَ؟ قَالَ: أَبُو الْعِيَالِ أَحَقُّ بِحَمْلِهِ. وَعَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ أَنَّ الْجَعْدَ بْنَ بَعْجَةَ مِنَ الْخَوَارِجِ عَاتَبَ عَلِيًّا فِي لِبَاسِهِ فَقَالَ: مَا لِي وَلِلِّبَاسِ هَذَا هُوَ أَبْعَدُ مِنَ الْكِبْرِ، وَأَجْدَرُ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ الْمُسْلِمُ. أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَصَاحِبُ الصَّفْوَةِ.

وَمَا يَدُلُّ عَلَى وَرَعِهِ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زُرَيْرٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَلِيٍّ يَوْمَ الْأَضْحَى فَقَرَّبَ إِلَيْنَا حَرِيرَةً فَقُلْتُ: أَصْلَحَكَ اللَّهُ لَوْ قَرَّبْتَ إِلَيْنَا مِنْ هَذَا الْبَطِّ يَعْنِي الْإِوَزَّ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَكْثَرَ الْخَيْرَ فَقَالَ: يَا ابْنَ زُرَيْرٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " لَا يَحِلُّ لِخَلِيفَةٍ مِنْ مَالِ اللَّهِ إِلَّا قَصْعَتَانِ قَصْعَةٌ يَأْكُلُهَا هُوَ وَأَهْلُهُ وَقَصْعَةٌ يَضَعُهَا بَيْنَ أَيْدِي النَّاسِ» ". وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ جَاءَهُ ابْنُ التَّيَّاحِ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ امْتَلَأَ بَيْتُ الْمَالِ مِنْ صَفْرَاءَ وَبَيْضَاءَ. قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، فَقَامَ مُتَوَكِّئًا عَلَى ابْنِ الَتَّيَّاحِ حَتَّى قَامَ، وَأَمَرَ فَنُودِيَ

ص: 3939

فِي النَّاسِ، فَأَعْطَى جَمِيعَ مَا فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ يَقُولُ: يَا صَفْرَاءُ يَا بَيْضَاءُ غُرِّي غَيْرِي هَا وَهَا حَتَّى مَا بَقِيَ مِنْهُ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، ثُمَّ أَمَرَ بِنَضْحِهِ وَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي الْمَنَاقِبِ، وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ أَحْمَدَ: فَصَلَّى فِيهِ رَجَاءَ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: جُعْتُ بِالْمَدِينَةِ جُوعًا شَدِيدًا، فَخَرَجْتُ أَطْلُبُ الْعَمَلَ فِي عَوَالِي الْمَدِينَةِ، فَإِذَا أَنَا بِامْرَأَةٍ قَدْ جَمَعَتْ مَدَرًا فَظَنَنْتُهَا تُرِيدُ بَلَّهُ فَأَتَيْتُهَا فَعَاطَيْتُهَا كُلَّ دَلْوٍ بِتَمْرَةٍ، فَعَدَدْتُ سِتَّةَ عَشَرَ ذَنُوبًا حَتَّى مَجَلَتْ يَدِي، ثُمَّ أَتَيْتُهَا فَقُلْتُ بِكِلْتَيْ يَدَيَّ هَكَذَا بَيْنَ يَدَيْهَا. وَبَسَطَ إِسْمَاعِيلُ رَاوِي الْحَدِيثِ يَدَيْهِ جَمِيعًا فَعَدَّتْ لِي سِتَّةَ عَشَرَ تَمْرَةً، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ فَأَكَلَ مَعِي مِنْهَا، وَقَالَ لِي خَيْرًا وَدَعَا لِي. أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي الْمَنَاقِبِ، وَصَاحِبُ الصَّفْوَةِ وَالْفَضَائِلِيُّ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) . وَأَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ «عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: مَا لَكَ أَكْثَرُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: إِنِّي كُنْتُ إِذَا سَأَلْتُهُ أَتَانِي. وَإِذَا سَكَتُّ ابْتَدَأَنِي» .

ص: 3940

6096 -

وَعَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «أَنَا دَارُ الْحِكْمَةِ، وَعَلِيٌّ بَابُهَا» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَقَالَ: رَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ شَرِيكٍ وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ عَنِ الصُّنَابِحِيِّ، وَلَا نَعْرِفُ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الثِّقَاتِ غَيْرَ شَرِيكٍ.

ــ

6096 -

(وَعَنْهُ)، أَيْ: عَنْ عَلِيٍّ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «أَنَا دَارُ الْحِكْمَةِ» ")، وَفِي رِوَايَةٍ:«أَنَا مَدِينَةُ الْعِلْمِ» وَفِي رِوَايَةِ الْمَصَابِيحِ: «أَنَا دَارُ الْعِلْمِ " وَعَلِيٌّ بَابُهَا» " وَفِي رِوَايَةٍ زِيَادَةٌ: «فَمَنْ أَرَادَ الْعِلْمَ فَلْيَأْتِهِ مِنْ بَابِهِ» وَالْمَعْنَى عَلِيٌّ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِهَا وَلَكِنَّ التَّخْصِيصَ يُفِيدُ نَوْعًا مِنَ التَّعْظِيمِ وَهُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى بَعْضِ الصَّحَابَةِ أَعْظَمُهُمْ وَأَعْلَمُهُمْ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ الْأَصْحَابِ بِمَنْزِلَةِ الْأَبْوَابِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: "«أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمُ اقْتَدَيْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ» " مَعَ الْإِيمَاءِ إِلَى اخْتِلَافِ مَرَاتِبِ أَنْوَارِهَا فِي الِاهْتِدَاءِ، وَمِمَّا يُحَقِّقُ ذَلِكَ أَنَّ التَّابِعِينَ أَخَذُوا أَنْوَاعَ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ مِنَ الْقِرَاءَةِ وَالتَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ مِنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ غَيْرِ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَيْضًا، فَعُلِمَ عَدَمُ انْحِصَارِهِ الْبَابِيَّةَ فِي حَقِّهِ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يَخْتَصَّ بِبَابِ الْقَضَاءِ، فَإِنَّهُ وَرَدَ فِي شَأْنِهِ " أَنَّهُ أَقْضَاكُمْ " كَمَا أَنَّهُ جَاءَ فِي حَقِّ أُبَيٍّ " أَنَّهُ أَقْرَؤُكُمْ "، وَفِي حَقِّ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ " أَنَّهُ أَفْرَضُكُمْ "، وَفِي حَقِّ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ " أَنَّهُ جَاءَ فِي حَقِّ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ " أَنَّهُ أَعْلَمُكُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ " وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى جَزَالَةِ عِلْمِهِ مَا فِي الرِّيَاضِ «عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: وَضَّأْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِي فَاطِمَةَ نَعُودُهَا "، فَقُلْتُ: نَعَمْ فَقَامَ مُتَوَكِّئًا عَلَيَّ فَقَالَ: " إِنَّهُ سَيَحْمِلُ ثِقَلَهَا غَيْرُكَ، وَيَكُونُ أَجْرُهَا لَكَ " فَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيَّ شَيْءٌ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى فَاطِمَةَ فَقُلْنَا: كَيْفَ تَجِدِينَكِ؟ قَالَتْ: لَقَدِ اشْتَدَّ حُزْنِي وَاشْتَدَّتْ فَاقَتِي وَطَالَ سَقَمِي» . قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: وَجَدْتُ بِخَطِّ أَبِي فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ: " «أَوَمَا تَرْضَيْنَ أَنَّ زَوْجَكِ أَقْدَمُهُمْ سِلْمًا وَأَكْثَرُهُمْ عِلْمًا، وَأَعْظَمُهُمْ حِلْمًا» " أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَدْ سَأَلَهُ النَّاسُ فَقَالُوا: أَيُّ رَجُلٍ كَانَ عَلِيًّا؟ قَالَ: كَانَ قَدْ مُلِئَ جَوْفُهُ حِكَمًا وَعِلْمًا وَبَأْسًا وَنَجْدَةً مَعَ قَرَابَتِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي الْمَنَاقِبِ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: عُمَرُ كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنْ مُعْضِلَةٍ لَيْسَ لَهَا أَبُو حَسَنٍ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ.

قَالَ الطِّيبِيُّ: لَعَلَّ الشِّيعَةَ أَرَادُوا بِهَذَا التَّمْثِيلِ أَنَّ أَخْذَ الْعِلْمِ الْحِكْمَةُ مِنْهُ مُخْتَصٌّ بِهِ لَا يَتَجَاوَزُهُ إِلَى غَيْرِهِ إِلَّا بِوَاسِطَتِهِ رضي الله عنه لِأَنَّ الدَّارَ إِنَّمَا يُدْخَلُ فِيهَا مِنْ بَابِهَا، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:{وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} [البقرة: 189] وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ إِذْ لَيْسَ دَارُ الْجَنَّةِ بِأَوْسَعَ مِنْ دَارِ الْحِكْمَةِ وَلَهَا ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) ، أَيْ إِسْنَادًا (وَقَالَ)، أَيِ: التِّرْمِذِيُّ (رَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ شَرِيكٍ) ، وَهُوَ شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَاضِي بَغْدَادَ، ذَكَرَهُ شَارِحٌ:(وَلَمْ يَذْكُرُوا) ، أَيْ ذَلِكَ الْبَعْضُ (فِيهِ)، أَيْ: فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ (عَنِ الصُّنَابِحِيِّ) ، بِضَمِّ صَادٍ وَكَسْرِ مُوَحَّدَةٍ وَمُهْمَلَةٍ (وَلَا نَعْرِفُ)، أَيْ: نَحْنُ (هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الثِّقَاتِ غَيْرَ شَرِيكٍ) . بِالنَّصْبِ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِالْجَرِّ عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ أَحَدٍ. قِيلَ: وَفِي بَعْضِ نُسَخِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ شَرِيكٍ بَدَلَ غَيْرَ شَرِيكٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ص: 3940

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ حَدِيثَ: " «أَنَا مَدِينَةُ الْعِلْمِ وَعَلِيٌّ بَابُهَا» ". رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمَنَاقِبِ مِنْ مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَ: صَحِيحٌ، وَتَعَقَّبَهُ الذَّهَبِيُّ فَقَالَ: بَلْ هُوَ مَوْضُوعٌ، وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: كَمْ خَلْقٌ افْتَضَحُوا فِيهِ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: لَا أَصْلَ لَهُ، كَذَا قَالَ أَبُو حَاتِمٍ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ثَابِتٌ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْمَنَاقِبِ مِنْ جَامِعِهِ وَقَالَ: إِنَّهُ مُنْكَرٌ، وَكَذَا قَالَ الْبُخَارِيُّ: إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ وَجْهٌ صَحِيحٌ، وَأَوْرَدَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ. وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: هَذَا الْحَدِيثُ لَمْ يُثْبِتُوهُ، وَقِيلَ: إِنَّهُ بَاطِلٌ، لَكِنْ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو سَعِيدٍ الْعَلَائِيُّ: الصَّوَابُ أَنَّهُ حَسَنٌ بِاعْتِبَارِ طُرُقِهِ لَا صَحِيحٌ وَلَا ضَعِيفٌ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعًا ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَسُئِلَ الْحَافِظُ الْعَسْقَلَانِيُّ عَنْهُ فَقَالَ: إِنَّهُ حَسَنٌ لَا صَحِيحٌ، كَمَا قَالَ الْحَاكِمُ وَلَا مَوْضُوعٌ كَمَا قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ قَالَ السُّيُوطِيُّ: وَقَدْ بَسَطْتُ كَلَامَ الْعَلَائِيِّ وَالْعَسْقَلَانِيِّ فِي التَّعَقُّبَاتِ الَّتِي عَلَى الْمَوْضُوعَاتِ اهـ. وَفِي خَبَرِ الْفِرْدَوْسِ: «أَنَا مَدِينَةُ الْعِلْمِ وَأَبُو بَكْرٍ أَسَاسُهَا وَعُمَرُ حِيطَانُهَا وَعُثْمَانُ سَقْفُهَا وَعَلِيٌّ بَابُهَا» ، وَشَذَّ بَعْضُهُمْ فَأَجَابَ: أَنَّ مَعْنَى وَعَلِيٌّ بَابُهَا أَنَّهُ فَعِيلٌ مِنَ الْعُلُوِّ عَلَى حَدِّ قِرَاءَةِ: (صِرَاطٌ عَلِيٌّ مُسْتَقِيمٌ) بِرَفْعِ عَلِيٌّ وَتَنْوِينِهِ كَمَا قَرَأَ بِهِ يَعْقُوبُ.

ص: 3941

6097 -

وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلِيًّا يَوْمَ الطَّائِفِ فَانْتَجَاهُ، فَقَالَ النَّاسُ: لَقَدْ طَالَ نَجْوَاهُ مَعَ ابْنِ عَمِّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" «مَا انْتَجَيْتُهُ، وَلَكِنَّ اللَّهَ انْتَجَاهُ» " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

ــ

6097 -

(وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلِيًّا يَوْمَ الطَّائِفِ) : قَالَ شَارِحٌ، أَيْ: يَوْمَ أَرْسَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلِيًّا إِلَى الطَّائِفِ (فَانْتَجَاهُ) ، مِنْ بَابِ الِافْتِعَالِ مِنَ النَّجْوَى أَيْ فَسَارَّهُ وَقَالَ لَهُ نَجْوَى. (فَقَالَ النَّاسُ) أَيِ الْمُنَافِقُونَ، أَوْ عَوَامُّ الصَّحَابَةِ بِالنَّجْوَى أَنَا (" لَقَدْ طَالَ نَجْوَاهُ مَعَ ابْنِ عَمِّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " مَا انْتَجَيْتُهُ ")، أَيْ مَا خَصَصْتُهُ بِالنَّجْوَى أَنَا (" «وَلَكِنَّ اللَّهَ انْتَجَاهُ» ") : بِتَشْدِيدِ لَكِنَّ وَيُخَفَّفُ، وَالْمَعْنَى أَنِّي بَلَّغْتُهُ عَنِ اللَّهِ مَا أَمَرَنِي أَنْ أُبَلِّغَهُ إِيَّاهُ عَلَى سَبِيلِ النَّجْوَى فَحِينَئِذٍ انْتَجَاهُ اللَّهُ لَا انْتَجَيْتُهُ فَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: 17] . قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: كَانَ ذَلِكَ أَسْرَارًا إِلَهِيَّةً وَأُمُورًا غَيْبِيَّةً جَعَلَهُ مِنْ خُزَّانِهَا اهـ.

وَفِيهِ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْأَمْرَ الْمُتَنَاجَى بِهِ مِنَ الْأَسْرَارِ الدُّنْيَوِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْأَخْبَارِ الدِّينِيَّةِ مِنْ أَمْرِ الْغَزْوِ وَنَحْوِهِ، إِذْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَلِيٌّ - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ - هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ؟ فَقَالَ: وَالَّذِي خَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ مَا عِنْدَنَا إِلَّا مَا فِي الْقُرْآنِ إِلَّا فَهْمًا يُعْطَاهُ رَجُلٌ فِي كِتَابِهِ وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ. قِيلَ: وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ؟ فَقَالَ: الْعَقْلُ وَفَكَاكُ الْأَسِيرِ، وَأَنْ لَا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ، ثُمَّ هَذَا التَّنَاجِي يُحْتَمَلُ أَنَّهُ بَعْدَ نُزُولِ آيَةِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} [المجادلة: 12] وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ أَمْرَهُ لِلنَّدْبِ أَوْ لِلْوُجُوبِ، لَكِنَّهُ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ: أَأَشْفَقْتُمْ وَهُوَ وَإِنِ اتَّصَلَ بِهِ تِلَاوَةً لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ نُزُولًا حَتَّى يُمْكِنَ الْعَمَلُ بِهِ. وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه: إِنَّ فِي الْكِتَابِ آيَةً مَا عَمِلَ بِهَا أَحَدٌ غَيْرِي كَانَ لِي دِينَارٌ فَصَرَفْتُهُ، فَكُنْتُ إِذَا نَاجَيْتُهُ تَصَدَّقْتُ بِدِرْهَمٍ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) .

ص: 3941

6098 -

وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِعَلِيٍّ: " يَا عَلِيُّ، لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يُجْنِبُ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ غَيْرِي وَغَيْرَكَ» "، قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمُنْذِرِ: فَقُلْتُ لِضِرَارِ بْنِ صُرَدٍ: مَا مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ؟ قَالَ: لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يَسْتَطْرِقُهُ جُنُبًا غَيْرِي وَغَيْرَكَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.

ــ

6098 -

(وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِعَلِيٍّ: " «يَا عَلِيُّ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يُجْنِبُ» ") : بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ نُونِهِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: ظَاهِرُهُ " أَنْ يُجْنِبَ " يَكُونُ فَاعِلًا لِقَوْلِهِ: لَا يَحِلُّ، وَقَوْلُهُ:(فِي هَذَا الْمَسْجِدِ) : ظَرْفٌ لِيُجْنِبَ وَفِيهِ إِشْكَالٌ، وَلِذَلِكَ أَوَّلَهُ ضِرَارُ بْنُ صُرَدٍ صِفَةً لِأَحَدٍ (" غَيْرِي وَغَيْرَكَ ") ، بِالنَّصْبِ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ، وَفِي كَثِيرٍ مِنَ النُّسَخِ بِالرَّفْعِ، وَلَا يَظْهَرُ لَهُ وَجْهٌ إِلَّا أَنْ يُقَالَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ: هُوَ غَيْرِي وَغَيْرُكَ (قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمُنْذِرِ) : قَالَ الْمُؤَلِّفُ: هُوَ كُوفِيٌّ عُرِفَ بِالطَّرِيقِيِّ، رَوَى عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَالْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ. وَعَنْهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ - وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ مِنْهُ مَعَ أَبِي وَهُوَ ثِقَةٌ صَدُوقٌ.

ص: 3941

وَقَالَ النَّسَائِيُّ: شِيعِيٌّ مَحْضٌ ثِقَةٌ، مَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ (فَقُلْتُ لِضِرَارِ) : بِكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ (بْنِ صُرَدٍ) : بِضَمٍّ فَفَتْحٍ فَتَنْوِينٍ يُكَنَّى أَبَا نُعَيْمٍ الْكُوفِيَّ الطَّحَّانَ، سَمِعَ الْمُعْتَمِرَ بْنَ سُلَيْمَانَ وَغَيْرَهُ، وَرَوَى عَنْهُ عَلِيُّ بْنُ الْمُنْذِرِ (مَا مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ؟ قَالَ «لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يَسْتَطْرِقُهُ جُنُبًا غَيْرِي وَغَيْرَكَ» ) . قُضِيَ: ذُكِرَ فِي شَرْحِهِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يَسْتَطْرِقُهُ جُنُبًا غَيْرِي وَغَيْرَكَ، وَهَذَا إِنَّمَا يَسْتَقِيمُ إِذَا جُعِلَ يُجْنِبُ صِفَةً لِأَحَدٍ وَمُتَعَلِّقُ الْجَارِّ مَحْذُوفًا، فَيَكُونُ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ تُصِيبُهُ الْجَنَابَةُ يَمُرُّ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ غَيْرِي وَغَيْرَكَ، وَكَانَ مَمَرُّ دَارِهِمَا خَاصَّةً فِي الْمَسْجِدِ أَقُولُ: وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: فِي الْمَسْجِدِ مُشْعِرَةٌ بِأَنَّهُ لَهُ اخْتِصَاصًا بِهَذَا الْحُكْمِ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ مِنَ الْمَسَاجِدِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إِلَّا لِأَنَّ بَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُفْتَحُ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَكَذَا بَابُ عَلِيٍّ، وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ:( «أَمَرَ بِسَدِّ الْأَبْوَابِ إِلَّا بَابَ عَلِيٍّ» ) . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) . وَقَالَ الْجَزَرِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِهِمُ اهـ. وَسَيَأْتِي بَحْثٌ وَارِدٌ هُنَا فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ عِنْدَ قَوْلِهِ: (" «أَمَرَ بِسَدِّ الْأَبْوَابِ إِلَّا بَابَ عَلِيٍّ» ")

ص: 3942

6099 -

«وَعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها قَالَتْ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَيْشًا فِيهِمْ عَلِيٌّ، قَالَتْ: فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ رَافِعٌ يَدَيْهِ يَقُولُ: " اللَّهُمَّ لَا تُمِتْنِي حَتَّى تُرِيَنِي عَلِيًّا» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

ــ

6099 -

(وَعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ) : قَالَ الْمُؤَلِّفُ: هِيَ نُسَيْبَةُ بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ بِنْتُ كَعْبٍ وَقِيلَ بِنْتُ الْحَارِثِ الْأَنْصَارِيَّةُ بَايَعَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَتُمَرِّضُ الْمَرْضَى وَتُدَاوِي الْجَرْحَى (قَالَتْ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَيْشًا فِيهِمْ عَلِيٌّ، قَالَتْ: فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ رَافِعٌ يَدَيْهِ يَقُولُ) أَيْ: حِينَ إِرْسَالِهِ أَوْ عِنْدَ تَوَقُّعِ إِقْبَالِهِ (" اللَّهُمَّ لَا تُمِتْنِي ") : بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَيْ لَا تَقْبِضْ رُوحِي (" حَتَّى تُرِيَنِي ") : بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَيْ: تُبَصِّرَنِي (" عَلِيًّا ")، أَيْ: رُجُوعَهُ بِالسَّلَامَةِ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) . «وَعَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ حِينَ قُتِلَ عَلِيٌّ: لَقَدْ فَارَقَكُمْ رَجُلٌ مَا سَبَقَهُ الْأَوَّلُونَ بِعِلْمِهِ وَلَا أَدْرَكَهُ الْآخِرُونَ. كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَبْعَثُهُ بِالسَّرِيَّةِ وَجِبْرِيلُ عَنْ يَمِينِهِ وَمِيكَائِيلُ عَنْ شِمَالِهِ، وَلَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يُفْتَحَ عَلَيْهِ» . أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ.

ص: 3942

الْفَصْلُ الثَّالِثُ

6100 -

عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، رضي الله عنها، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «لَا يُحِبُّ عَلِيًّا مُنَافِقٌ وَلَا يُبْغِضُهُ مُؤْمِنٌ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، غَرِيبٌ إِسْنَادًا.

ــ

الْفَصْلُ الثَّالِثُ

6100 -

(عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «لَا يُحِبُّ عَلِيًّا مُنَافِقٌ وَلَا يُبْغِضُهُ مُؤْمِنٌ» ") . أَيْ: كَامِلٌ (رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ)، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ إِسْنَادًا) وَقَدْ سَبَقَ مَا يُؤَيِّدُهُ.

ص: 3942

6101 -

وَعَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «مَنْ سَبَّ عَلِيًّا فَقَدْ سَبَّنِي» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.

ــ

6101 -

(وَعَنْهَا)، أَيْ: عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ (قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (" مَنْ سَبَّ عَلِيًّا ")، أَيْ: مِنْ جِهَةِ النَّسَبِ (" فَقَدْ سَبَّنِي ") أَوْ مَنْ شَتَمَ عَلِيًّا فَكَأَنَّهُ شَتَمَنِي، فَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُونَ سَبُّ عَلِيٍّ كُفْرًا، أَوْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ، أَوْ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاسْتِحْلَالِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالْحَالِ (رَوَاهُ أَحْمَدُ) . وَكَذَا الْحَاكِمُ، وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:«مَنْ سَبَّ أَصْحَابِي فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلطَّبَرَانِيِّ عَنْ عَلِيٍّ: مَنْ سَبَّ الْأَنْبِيَاءَ قُتِلَ، وَمَنْ سَبَّ أَصْحَابِي جُلِدَ، وَفِي الرِّيَاضِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شَاسٍ الْأَسْلَمِيِّ، وَكَانَ مِنْ

ص: 3942

أَصْحَابِ الْحُدَيْبِيَةِ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عَلِيٍّ إِلَى الْيَمَنِ فَجَافَانِي فِي سَفَرِي، فَوَجَدْتُ فِي نَفْسِي عَلَيْهِ، فَلَمَّا قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ وَظَهَرَتْ شِكَايَتُهُ فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى بَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا رَآنِي أَمَدَّ بِي عَيْنَيْهِ يَقُولُ: حَدَّدَ إِلَيَّ النَّظَرَ حَتَّى إِذَا جَلَسْتُ قَالَ: يَا عَمْرُو، وَاللَّهِ لَقَدْ آذَيْتَنِي. قُلْتُ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أُؤْذِيَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ:" «بَلَى مَنْ آذَى عَلِيًّا فَقَدَ آذَانِي» " أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ لَهُ: " «أَنْتَ سَيِّدٌ فِي الدُّنْيَا سَيِّدٌ فِي الْآخِرَةِ مَنْ أَحَبَّكَ فَقَدْ أَحَبَّنِي وَحَبِيبُكَ حَبِيبِي وَحَبِيبِي حَبِيبُ اللَّهِ، وَعَدُوُّكَ عَدُوِّي وَعَدُوِّي عَدُوُّ اللَّهِ، الْوَيْلُ لِمَنْ أَبْغَضَكَ» ". أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي الْمَنَاقِبِ وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا: لَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " «مَنْ سَبَّ عَلِيًّا فَقَدْ سَبَّنِي وَمَنْ سَبَّنِي فَقَدْ سَبَّ اللَّهَ، وَمَنْ سَبَّ اللَّهَ عز وجل أَكَبَّهُ اللَّهُ عَلَى مِنْخَرِهِ» ". أَخْرَجَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجَلَالِيُّ. وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ سَبَّ عَلِيًّا فَقَدْ سَبَّنِي» " أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ. وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ رَجُلًا وَقَعَ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ بِمَحْضَرٍ مِنْ عُمَرَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَتَعْرِفُ صَاحِبَ هَذَا الْقَبْرِ؟ هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَا تَذْكُرْ عَلِيًّا إِلَّا بِخَيْرٍ، فَإِنَّكَ إِنْ تَنْقُصْهُ آذَيْتَ صَاحِبَ هَذَا الْقَبْرِ صلى الله عليه وسلم. أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي الْمَنَاقِبِ. وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: «اشْتَكَى النَّاسُ عَلِيًّا يَوْمًا، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِينَا خَطِيبًا فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ لَا تَشْكُوا عَلِيًّا فَوَاللَّهِ إِنَّهُ لَأَحْسَنُ فِي ذَاتِ اللَّهِ " أَوْ قَالَ: " فِي سَبِيلِ اللَّهِ» " أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ.

ص: 3943

6102 -

وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «فِيكَ مَثَلٌ مِنْ عِيسَى، أَبْغَضَتْهُ الْيَهُودُ حَتَّى بَهَتُوا أُمَّهُ، وَأَحَبَّتْهُ النَّصَارَى حَتَّى أَنْزَلُوهُ بِالْمَنْزِلَةِ الَّتِي لَيْسَتْ لَهُ ". ثُمَّ قَالَ: يَهْلِكُ فِيَّ رَجُلَانِ: مُحِبٌّ مُفْرِطٌ يُقَرِّظُنِي بِمَا لَيْسَ فِيَّ، وَمُبْغِضٌ يَحْمِلُهُ شَنَآنِي عَلَى أَنْ يَبْهَتَنِي» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.

ــ

6102 -

(وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: قَالَ لِي)، أَيْ: مَخْصُوصًا بِهِ (النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " فِيكَ مَثَلٌ ")، أَيْ: فِي حَقِّكَ شَبَهٌ (" مِنْ عِيسَى ")، أَيْ: مِنْ وِجْهَيْنِ مُتَعَارِضَيْنِ لِقَوْمَيْنِ مُتَخَالِفَيْنِ (" أَبْغَضَتْهُ الْيَهُودُ ")، أَيْ: بُغْضًا مُفْرِطًا (" حَتَّى بَهَتُوا أُمَّهُ ") : مِنْ بَهَتَهُ كَمَنَعَهُ قَالَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَفْعَلْ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمُ افْتَرَوْا عَلَيْهَا بِأَنْ نَسَبُوهَا إِلَى الزِّنَا. (" وَأَحَبَّتْهُ النَّصَارَى ")، أَيْ: حُبًّا بَلِيغًا (" «حَتَّى أَنْزَلُوهُ بِالْمَنْزِلَةِ الَّتِي لَيْسَتْ لَهُ» ") أَيْ: مَعَ اخْتِلَافٍ لَهُمْ فِي تِلْكَ الْمَنْزِلَةِ (ثُمَّ قَالَ)، أَيْ: عَلِيٌّ مَوْقُوفًا (يَهْلِكُ فِيَّ)، أَيْ: يَضِلُّ فِي حَقِّي (رَجُلَانِ)، أَيْ: أَحَدُهُمَا رَافِضِيٌّ، وَالْآخَرُ خَارِجِيٌّ (مُحِبٌّ مُفْرِطٌ) : بِضَمٍّ فَسُكُونٍ أَيْ: مُبَالِغٌ عَنِ الْحَدِّ (يُقَرِّظُنِي) : بِكَسْرِ الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ: يَمْدَحُنِي (بِمَا لَيْسَ فِيَّ)، أَيْ: بِتَفْضِيلِي عَلَى جَمِيعِ الصَّحَابَةِ أَوْ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ أَوْ بِإِثْبَاتِ الْأُلُوهِيَّةِ كَطَائِفَةِ النُّصَيْرِيَّةِ. (وَمُبْغِضٌ) : وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ هُنَا مُفْرِطٌ لِأَنَّ الْبُغْضَ بِأَصْلِهِ مَمْنُوعٌ بِخِلَافِ أَصْلِ الْحُبِّ فَإِنَّهُ مَمْدُوحٌ (يَحْمِلُهُ)، أَيْ: يَبْعَثُهُ وَيُكْسِبُهُ (شَنَآنِي) : بِفَتْحَتَيْنِ وَيُسَكَّنُ الثَّانِي، وَحُكِيَ تَرْكُ الْهَمْزِ أَيْ: عَدَاوَتِي (عَلَى أَنْ يَبْهَتَنِي) . أَيْ: يَتَكَلَّمَ عَلَيَّ بِالْبُهْتَانِ وَيَنْسُبَ إِلَيَّ الزُّورَ وَالْعِصْيَانَ (رَوَاهُ أَحْمَدُ) . أَيْ: فِي الْمُسْنَدِ وَعَنْهُ قَالَ: لَيُحِبُّنِي أَقْوَامٌ حَتَّى يَدْخُلُوا النَّارَ فِي حُبِّي، وَيُبْغِضُنِي أَقْوَامٌ حَتَّى يَدْخُلُوا النَّارَ فِي بُغْضِي، رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي الْمَنَاقِبِ وَعَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: اللَّهُمَّ الْعَنْ كُلَّ مُبْغِضٍ لَنَا وَكُلَّ مُحِبٍّ لَنَا غَالٍ. أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي الْمَنَاقِبِ.

ص: 3943

6103 -

وَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رضي الله عنهما «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا نَزَلَ بِغَدِيرِ خُمٍّ أَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ فَقَالَ:" أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ؟ قَالُوا بَلَى، قَالَ: " أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ؟ " قَالُوا: بَلَى. قَالَ: " اللَّهُمَّ مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ، وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ " فَلَقِيَهُ عُمَرُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ: هَنِيئًا يَا ابْنَ أَبِي طَالِبٍ، أَصْبَحْتَ وَأَمْسَيْتَ مَوْلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.

ــ

6103 -

(وَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا نَزَلَ)، أَيْ: فِي مَرْجِعِهِ مِنْ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فِي حَالِ كَمَالِ أَصْحَابِهِ مِنَ الِاجْتِمَاعِ (بِغَدِيرِ خُمٍّ) : بِضَمِّ خَاءٍ وَتَشْدِيدِ مِيمٍ اسْمٌ لِغَيْضَةٍ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنَ الْجُحْفَةِ عِنْدَهَا غَدِيرٌ مَشْهُورٌ يُضَافُ إِلَى الْغَيْضَةِ (أَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ رضي الله عنه فَقَالَ: (" «أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ» ")، أَيْ: بِجِنْسِهِمْ (" مِنْ أَنْفُسِهِمْ ") ؟ وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب: 6]

ص: 3943

( «قَالُوا: بَلَى. قَالَ: أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ» ")، أَيْ: بِخُصُوصِهِ (" مِنْ نَفْسِهِ ")، أَيْ: فَضْلًا عَنْ بَقِيَّةِ أَهْلِهِ. ( «قَالُوا: بَلَى قَالَ: " اللَّهُمَّ مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ، وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ» ") : وَفِي رِوَايَةٍ: " «وَأَحِبَّ مَنْ أَحَبَّهُ، وَأَبْغِضْ مَنْ أَبْغَضَهُ، وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ، وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ، وَأَدِرِ الْحَقَّ مَعَهُ حَيْثُ دَارَ» ". (فَلَقِيَهُ عُمَرُ رضي الله عنه بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ هَنِيئًا)، أَيْ: طُوبَى لَكَ أَوْ عِشْ هَنِيئًا (يَا ابْنَ أَبِي طَالِبٍ، أَصْبَحْتَ وَأَمْسَيْتَ)، أَيْ: صِرْتَ فِي كُلِّ وَقْتٍ (مَوْلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ) تَمَسَّكَتِ الشِّيعَةُ أَنَّهُ مِنَ النَّصِّ الْمُصَرِّحِ بِخِلَافَةِ عَلِيٍّ رضي الله عنه حَيْثُ قَالُوا: مَعْنَى الْمَوْلَى: الْأَوْلَى بِالْإِمَامَةِ، وَإِلَّا لَمَا احْتَاجَ إِلَى جَمْعِهِمْ كَذَلِكَ، هَذَا مِنْ أَقْوَى شُبَهِهِمْ، وَدَفَعَهَا عُلَمَاءُ أَهْلِ السُّنَّةِ بِأَنَّ الْمَوْلَى بِمَعْنَى الْمَحْبُوبِ وَهُوَ - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ - سَيِّدُنَا وَحَبِيبُنَا، وَلَهُ مَعَانٍ أُخَرُ تَقَدَّمَتْ، وَمِنْهُ النَّاصِرُ وَأَمْثَالُهُ، فَخَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ نَصًّا فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ صَرِيحًا وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهُ بِمَعْنَى الْأَوْلَى بِالْإِمَامَةِ، فَالْمُرَادُ بِهِ الْمَالُ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْإِمَامَ مَعَ وُجُودِهِ عليه السلام فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ حِينَ يُوجَدُ عَقْدُ الْبَيْعَةِ لَهُ، فَلَا يُنَافِيهِ تَقْدِيمُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ عَلَيْهِ لِانْعِقَادِ إِجْمَاعِ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ حَتَّى مِنْ عَلِيٍّ ثُمَّ سُكُوتِهِ عَنِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ إِلَى أَيَّامِ خِلَافَتِهِ قَاضٍ عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى مُسْكَةٍ بِأَنَّهُ عَلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ عَلَى خِلَافَتِهِ عَقِبَ وَفَاتِهِ عليه السلام مَعَ أَنَّ عَلِيًّا - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ - صَرَّحَ نَفْسُهُ بِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى غَيْرِهِ، ثُمَّ هَذَا الْحَدِيثُ مَعَ كَوْنِهِ آحَادًا مُخْتَلَفٌ فِي صِحَّتِهِ، فَكَيْفَ سَاغَ لِلشِّيعَةِ أَنْ يَخَالُوا مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ مِنِ اشْتِرَاطِ التَّوَاتُرِ فِي أَحَادِيثِ الْإِمَامَةِ؟ مَا هَذَا إِلَّا تَنَاقُضٌ صَرِيحٌ وَتَعَارُضٌ قَبِيحٌ (رَوَاهُ أَحْمَدُ)، أَيْ: فِي مُسْنَدِهِ، وَأَقَلُّ مَرْتَبَتِهِ أَنْ يَكُونَ حَسَنًا فَلَا الْتِفَاتَ لِمَنْ قَدَحَ فِي ثُبُوتِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَأَبْعَدَ مَنْ رَدَّهُ بِأَنَّ عَلِيًّا كَانَ بِالْيَمَنِ لِثُبُوتِ رُجُوعِهِ مِنْهَا وَإِدْرَاكِهِ الْحَجَّ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَعَلَّ سَبَبَ قَوْلِ هَذَا الْقَائِلِ أَنَّهُ وَهِمَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ هَذَا الْقَوْلَ عِنْدَ وُصُولِهِ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى غَدِيرِ خُمٍّ، ثُمَّ قَوْلُ بَعْضِهِمْ إِنَّ زِيَادَةَ: اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ مَوْضُوعَةٌ مَرْدُودَةٌ، فَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ مِنْ طُرُقٍ صَحَّحَ الذَّهَبِيُّ كَثِيرًا مِنْهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَفِي الرِّيَاضِ عَنْ رَبَاحِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: جَاءَ رَهْطٌ إِلَى عَلِيٍّ بِالرَّحْبَةِ فَقَالُوا: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مَوْلَانَا، فَقَالَ كَيْفَ أَكُونُ مَوْلَاكُمْ وَأَنْتُمْ عَرَبٌ؟ قَالُوا: سَمِعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ: " «مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ» " قَالَ رَبَاحُ بْنُ الْحَارِثِ: فَلَمَّا مَضَوْا تَبِعْتُهُمْ فَسَأَلْتُ مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالُوا: نَفَرٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فِيهِمْ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ؟ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ. «وَعَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ عَلِيٍّ الْيَمَنَ، فَرَأَيْتُ مِنْهُ جَفْوَةً، فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ذَكَرْتُ عَلِيًّا فَتَنَقَّصْتُهُ، فَرَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَغَيَّرُ فَقَالَ: " يَا بُرَيْدَةُ، أَلَسْتُ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ؟ " قُلْتُ: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: " مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ» " أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ.

ص: 3944

6104 -

وَعَنْ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه قَالَ: «خَطَبَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَاطِمَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّهَا صَغِيرَةٌ " ثُمَّ خَطَبَهَا عَلِيٌّ فَزَوَّجَهَا مِنْهُ» . رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.

ــ

6104 -

(وَعَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ: «خَطَبَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَاطِمَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّهَا صَغِيرَةٌ» ) . وَفِي رِوَايَةٍ فَسَكَتَ وَلَعَلَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى مَرَّةٍ أُخْرَى ( «ثُمَّ خَطَبَهَا عَلِيٌّ فَزَوَّجَهَا مِنْهُ» ) . يُوهِمُ أَنَّهُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ عَلِيٍّ عَلَيْهِمَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، أَوْ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا كَانَتْ صَغِيرَةً عِنْدَ خِطْبَتِهَا، ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ حِينَ كَبِرَتْ وَدَخَلَتْ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ خَطَبَهَا عَلِيٌّ، أَوِ الْمُرَادُ أَنَّهَا صَغِيرَةٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمَا لِكِبَرِ سِنِّهِمَا وَزَوَّجَهَا مِنْ عَلِيٍّ لِمُنَاسَبَةِ سِنِّهِ لَهَا، أَوْ لِوَحْيٍ نَزَلَ بِتَزْوِيجِهَا لَهُ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الرِّيَاضِ أَنَّهُ «قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَغَيْرِهِمَا مِمَّنْ خَطَبَهَا: لَمْ يَنْزِلِ الْقَضَاءُ بَعْدُ» ، فَأُرْفِعَ الْإِشْكَالُ وَانْدَفَعَ الِاسْتِدْلَالُ. (رَوَاهُ النَّسَائِيُّ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو الْخَيْرِ الْقَزْوِينِيُّ الْحَاكِمِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ

ص: 3944

مَالِكٍ قَالَ: «خَطَبَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ابْنَتَهُ فَاطِمَةَ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " يَا أَبَا بَكْرٍ لَمْ يَنْزِلِ الْقَضَاءُ " ثُمَّ خَطَبَهَا عُمَرُ مَعَ عِدَّةٍ مِنْ قُرَيْشٍ كُلُّهُمْ يَقُولُ لَهُ مِثْلَ قَوْلِهِ لِأَبِي بَكْرٍ، فَقِيلَ لِعَلِيٍّ: لَوْ خَطَبْتَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَاطِمَةَ عَسَى أَنْ يُزَوِّجَكَهَا. قَالَ: وَكَيْفَ وَخَطَبَهَا أَشْرَافُ قُرَيْشٍ فَلَمْ يُزَوِّجْهَا؟ فَخَطَبَهَا فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " فَقَدْ أَمَرَنِي رَبِّي بِذَلِكَ ". قَالَ أَنَسٌ: ثُمَّ دَعَانِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ أَيَّامٍ فَقَالَ لِي: يَا أَنَسُ اخْرُجْ وَادْعُ لِي أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ، وَعُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَعُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، وَسَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، وَطَلْحَةَ، وَالزُّبَيْرَ، وَبِعِدَّةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ. قَالَ: فَدَعَوْتُهُمْ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا عِنْدَهُ صلى الله عليه وسلم وَأَخَذُوا مَجَالِسَهُمْ، وَكَانَ عَلِيٌّ غَائِبًا فِي حَاجَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمَحْمُودِ بِنِعْمَتِهِ، الْمَعْبُودِ بِقُدْرَتِهِ، الْمُطَاعِ بِسُلْطَانِهِ، الْمَرْهُوبِ مِنْ عَذَابِهِ وَسَطْوَتِهِ، النَّافِذِ أَمْرِهِ فِي سَمَائِهِ وَأَرْضِهِ الَّذِي خَلَقَ الْخَلْقَ بِقُدْرَتِهِ وَمَيَّزَهُمْ بِأَحْكَامِهِ وَأَعَزَّهُمْ بِدِينِهِ وَأَكْرَمَهُمْ بِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم إِنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى اسْمُهُ وَعَظْمَتُهُ جَعَلَ الْمُصَاهَرَةَ سَبَبًا لَاحِقًا وَأَمْرًا مُفْتَرَضًا، أَوَشَجَ بِهِ الْأَرْحَامَ وَأَلْزَمَهُ لِلْأَنَامِ فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا} [الفرقان: 54] فَأَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى يَجْرِي إِلَى قَضَائِهِ وَقَضَاؤُهُ يَجْرِي إِلَى قَدَرِهِ، وَلِكُلِّ قَضَاءٍ قَدَرٌ، وَلِكُلِّ قَدَرٍ أَجَلٌ، وَلِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ، يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَنِي أَنْ أُزَوِّجَ فَاطِمَةَ بِنْتَ خَدِيجَةَ مِنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَاشْهَدُوا أَنِّي قَدْ زَوَّجْتُهُ عَلَى أَرْبَعِمِائَةِ مِثْقَالِ فِضَّةٍ إِنْ رَضِيَ بِذَلِكَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ " ثُمَّ دَعَا بِطَبَقٍ مِنْ بُسْرٍ فَوَضَعَهُ بَيْنَ أَيْدِينَا ثُمَّ قَالَ " انْهَبُوا " فَنَهَبْنَا فَبَيْنَا نَحْنُ نَنْهَبُ إِذْ دَخَلَ عَلِيٌّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَتَبَسَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي وَجْهِهِ ثُمَّ قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أُزَوِّجَكَ فَاطِمَةَ عَلَى أَرْبَعِمِائَةِ مِثْقَالِ فِضَّةٍ إِنْ رَضِيتَ بِذَلِكَ " فَقَالَ: قَدْ رَضِيتُ بِذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَنَسٌ: فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " جَمَعَ اللَّهُ شَمْلَكُمَا وَأَسْعَدَ جَدَّكُمَا وَبَارَكَ عَلَيْكُمَا وَأَخْرَجَ مِنْكُمَا كَثِيرًا طَيِّبًا قَالَ أَنَسٌ: فَوَاللَّهِ لَقَدْ أَخْرَجَ مِنْهُمَا كَثِيرًا طَيِّبًا» .

ص: 3945

6105 -

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِسَدِّ الْأَبْوَابِ إِلَّا بَابَ عَلِيٍّ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.

ــ

6105 -

(وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِسَدِّ الْأَبْوَابِ)، أَيِ: الْمَفْتُوحَةِ إِلَى الْمَسْجِدِ إِلَّا بَابَ عَلِيٍّ) . وَلِذَا قَالَ: " «لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يُجْنِبُ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ غَيْرِي وَغَيْرَكَ» ". قِيلَ: وَلَا يُشْكِلُ هَذَا الْحَدِيثُ بِمَا مَرَّ فِي مَنَاقِبِ أَبِي بَكْرٍ مِنْ أَمْرِهِ بِسَدِّ الْخَوْخِ جَمِيعِهَا إِلَّا خَوْخَةَ أَبِي بَكْرٍ، لِأَنَّ ذَاكَ فِيهِ التَّصْرِيحُ أَنَّ أَمْرَهُمْ بِالسَّدِّ كَانَ حَالَ مَرَضِ مَوْتِهِ، وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْحَدِيثَ أَصَحُّ مِنْ هَذَا وَأَشْهَرُ فَإِنَّهُ حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا كَمَا قَالَ الْمُؤَلِّفُ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) . أَيْ مَتْنًا أَوْ إِسْنَادًا أَوْ مَعَانٍ، لَكِنْ قَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالضِّيَاءُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" «إِنَّمَا أُمِرْتُ بِسَدِّ هَذِهِ الْأَبْوَابِ غَيْرَ بَابِ عَلِيٍّ» " فَفِي الرِّيَاضِ، أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ:«كَانَ لِنَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَبْوَابٌ شَارِعَةٌ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ: فَقَالَ يَوْمًا: " سُدُّوا هَذِهِ الْأَبْوَابَ إِلَّا بَابَ عَلِيٍّ " قَالَ: فَتَكَلَّمَ فِيهِ نَاسٌ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: " أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أُمِرْتُ بِسَدِّ هَذِهِ الْأَبْوَابِ غَيْرَ بَابِ عَلِيٍّ؛ فَقَالَ فِيهِ قَائِلُكُمْ، وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا سَدَدْتُ شَيْئًا وَلَا فَتَحْتُهُ، وَلَكِنْ أُمِرْتُ بِشَيْءٍ فَاتَّبَعْتُهُ» " وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَقَدْ أُوتِيَ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ ثَلَاثَ خِصَالٍ لِأَنْ يَكُونَ فِيَّ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ: زَوَّجَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ابْنَتَهُ وَوَلَدَتْ لَهُ وَسَدَّ الْأَبْوَابَ إِلَّا بَابَهُ فِي الْمَسْجِدِ، وَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ يَوْمَ خَيْبَرَ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَرِيكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَرْقَمَ الْكِنَانِيِّ قَالَ: «خَرَجْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ زَمَنَ الْجَمَلِ، فَلَقِينَا سَعْدَ بْنَ مَالِكٍ فَقَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِسَدِّ الْأَبْوَابِ الشَّارِعَةِ فِي الْمَسْجِدِ وَتَرَكَ بَابَ عَلِيٍّ» أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ قَالَ السَّعْدِيُّ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَرِيكٍ كَذَّابٌ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ غَالِيًا فِي التَّشَيُّعِ، وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ وَلَا يَصِحُّ، وَإِنَّمَا الصَّحِيحُ مَا أُخْرِجَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "«لَا يَبْقَى بَابٌ فِي الْمَسْجِدِ إِلَّا سُدَّ إِلَّا بَابَ أَبِي بَكْرٍ» " وَإِنْ صَحَّ الْحَدِيثُ فِي عَلِيٍّ أَيْضًا حُمِلَ ذَلِكَ أَيْضًا عَلَى حَالَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ص: 3945

6106 -

وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ كَانَتْ لِي مَنْزِلَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ تَكُنْ لِأَحَدٍ مِنَ الْخَلَائِقِ، آتِيهِ بِأَعْلَى سَحَرٍ فَأَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَإِنْ تَنَحْنَحَ انْصَرَفْتُ إِلَى أَهْلِي، وَإِلَّا دَخَلْتُ عَلَيْهِ. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.

ــ

6106 -

(وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: كَانَتْ لِي مَنْزِلَةٌ)، أَيْ: مَرْتَبَةُ قُرْبٍ (مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ تَكُنْ لِأَحَدٍ مِنَ الْخَلَائِقِ)، وَفِيهِ مُبَالَغَةٌ لَا تَخْفَى حَيْثُ عَبَّرَ عَنِ الصَّحَابَةِ بِجَمِيعِ الْخَلَائِقِ الَّتِي لَا تُحْصَى (آتِيهِ) : بِالْمَدِّ اسْتِئْنَافُ بَيَانٍ لِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ أَيْ: أَجِيئُهُ (بِأَعْلَى سَحَرٍ)، أَيْ: بِأَوَّلِ أَوْقَاتِهِ وَهُوَ السُّدُسُ الْأَخِيرُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْكَشَّافُ (فَأَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ) أَيْ: سَلَامُ اسْتِئْذَانٍ (فَإِنْ تَنَحْنَحَ)، أَيْ: مَعَ جَوَابِ السَّلَامِ أَوْ بِدُونِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ سَلَامَ الِاسْتِئْذَانِ هَلْ لَهُ جَوَابٌ وَاجِبٌ أَوْ لَا. (انْصَرَفْتُ إِلَى أَهْلِي)، أَيْ: رَجَعْتُ إِلَى أَهْلِ بَيْتِي عِلْمًا بِأَنَّ هُنَاكَ مَانِعًا شَرْعِيًّا أَوْ عُرْفِيًّا (وَإِلَّا)، أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَتَنَحْنَحْ (دَخَلْتُ عَلَيْهِ أَيْ: وَتَشَرَّفْتُ بِالْحُضُورِ لَدَيْهِ وَمُطَالَعَةِ النَّظَرِ إِلَيْهِ (رَوَاهُ النَّسَائِيُّ) .

ص: 3946

6107 -

وَعَنْهُ، قَالَ:«كُنْتُ شَاكِيًا، فَمَرَّ بِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ أَجَلِي قَدْ حَضَرَ فَأَرِحْنِي، وَإِنْ كَانَ مُتَأَخِّرًا فَارْفَغْنِي، وَإِنْ كَانَ بَلَاءً فَصَبِّرْنِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " كَيْفَ قُلْتَ؟ " فَأَعَادَ عَلَيْهِ مَا قَالَ، فَضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ، وَقَالَ: " اللَّهُمَّ عَافِهِ - أَوِ اشْفِهِ - " شَكَّ الرَّاوِي قَالَ: فَمَا اشْتَكَيْتُ وَجَعِي بَعْدُ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

ــ

6107 -

(وَعَنْهُ)، أَيْ: عَنْ عَلِيٍّ (قَالَ: كُنْتُ شَاكِيًا)، أَيْ: مَرِيضًا (فَمَرَّ بِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، أَيْ: ذَاهِبًا أَوْ عَائِدًا (وَأَنَا أَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ أَجَلِي)، أَيْ: انْتِهَاءُ عُمْرِي (قَدْ حَضَرَ)، أَيْ: وَقْتُهُ (فَأَرِحْنِي)، أَيْ: بِالْمَوْتِ مِنَ الْإِرَاحَةِ وَهِيَ إِعْطَاءُ الرَّاحَةِ بِنَوْعِ إِزَاحَةٍ لِلْبَلِيَّةِ (وَإِنْ كَانَ)، أَيْ:(أَجَلِي مُتَأَخِّرًا فَارْفَغْنِي) : بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ: وَسِّعْ لِي فِي الْمَعِيشَةِ بِإِعْطَاءِ الصِّحَّةِ فَإِنَّ عَافِيَتَكَ أَوْسَعُ، وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ، وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ مَا فِي النِّهَايَةِ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ: أَرْفَغَ لَكُمُ الْمَعَاشَ أَيْ: أَوْسَعَ وَعَيْشٌ رَافِغٌ أَيْ: وَاسِعٌ ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ، وَهُوَ مُشْعِرٌ بِأَنَّ ارْفَغْنِي مِنْ بَابِ الْأَفْعَالِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالْحَالِ. وَفِي الْقَامُوسِ: الرَّفْغُ السَّعَةُ وَالْخِصْبُ، وَزَادَ فِي الصِّحَاحِ يُقَالُ: رَفَغَ عَيْشُهُ رَفَاغَةً أَيِ: اتَّسَعَ فَهُوَ عَيْشٌ رَافِغٌ وَرَفِيغٌ أَيْ: وَاسِعٌ طَيِّبٌ، وَتَرَفَّغَ الرَّجُلُ تَوَسَّعَ فِي رَفَاغَتِهِ مِنَ الْعَيْشِ.

قَالَ مَيْرَكُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ رَفَغَ لَازِمٌ فَقَوْلُ الطِّيبِيُّ فِي الْحَدِيثِ أَيْ: وَسِّعْ لِي عَيْشِي لَا يَخْلُو عَنْ تَأْوِيلٍ. قُلْتُ يَعْنِي بِهِ الْحَذْفَ وَالْإِيصَالَ ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي صُحِّحَ فِي أَصْلِ سَمَاعِنَا: فَارْفَعْنِي بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ مِنَ الرَّفْعِ، وَمَعْنَاهُ ظَاهِرٌ وَهُوَ الْأَنْسَبُ بِالْمَقَامِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ. قُلْتُ: إِذَا وَقَعَ حَقُّ التَّأَمُّلِ فِي الْمَقَامِ يَظْهَرُ أَنَّهُ غَيْرُ مُلَائِمٍ لِلْمَرَامِ، لِأَنَّ الرَّفْعَ الْمُتَعَدِّي بِمَعْنَى الْقَبْضِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [آل عمران: 55] نَعَمْ إِنْ صَحَّتِ الرِّوَايَةُ فَيُقَالُ التَّقْدِيرُ فَارْفَعْ أَيِ: الْمَرَضَ عَنِّي (وَإِنْ كَانَ) : عَطْفٌ عَلَى إِنْ كَانَ الْأَوَّلِ فَتَأَمَّلْ، وَالْمَعْنَى وَإِنْ كَانَ الْمَرَضُ (بَلَاءً)، أَيْ: مِمَّا قَدَّرْتَ لَهُ قَضَاءً (فَصَبِّرْنِي) بِتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ الْمَكْسُورَةِ أَيْ: أَعْطِنِي الصَّبْرَ عَلَيْهِ وَلَا تَجْعَلْنِي مِنْ أَهْلِ الْجَزَعِ لَدَيْهِ، وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} [النحل: 127](فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: كَيْفَ قُلْتَ فَأَعَادَ)، أَيْ: عَلِيٌّ (عَلَيْهِ مَا قَالَ)، أَيْ: أَوَّلًا (فَضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ)، أَيْ: لِيَتَنَبَّهَ عَنْ غَفْلَةِ أَمْرِهِ، وَيَنْتَهِيَ عَنْ شِكَايَةِ حَالِهِ وَتَتَّصِلَ إِلَيْهِ بَرَكَةُ قَدَمِهِ وَلِيَحْصُلَ لَهُ كَمَالُ مُتَابَعَتِهِ فِي أَثَرِهِ (وَقَالَ:" اللَّهُمَّ عَافِهِ ": بَهَاءِ الضَّمِيرِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِهَاءِ السَّكْتِ وَكَذَا فِي قَوْلِهِ:(أَوِ اشْفِهِ) . (شَكَّ الرَّاوِي) : هَذَا كَلَامُ أَحَدِ الرُّوَاةِ الْمُتَأَخِّرَةِ، وَفِيهِ تَنْبِيهٌ نَبِيهٌ عَلَى أَنَّ عَلِيًّا وَنَحْوَهُ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ فِي مَرَضِهِ: اللَّهُمَّ عَافِنِي أَوِ اشْفِنِي مِنْ غَيْرِ تَرْدِيدٍ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا مُسْتَكْرِهَ لَهُ. (قَالَ)، أَيْ: عَلِيٌّ (فَمَا اشْتَكَيْتُ وَجَعِي)، أَيْ: هَذَاكَ (بَعْدُ) . أَيْ: بَعْدَ دُعَائِهِ صلى الله عليه وسلم (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) .

ص: 3946