الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
6004 -
وَعَنْ نَافِعٍ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَتَاهُ رَجُلَانِ فِي فِتْنَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَقَالَا: إِنَّ النَّاسَ صَنَعُوا مَا تَرَى، وَأَنْتَ ابْنُ عُمَرَ، وَصَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَمَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَخْرُجَ؟ فَقَالَ: يَمْنَعُنِي أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيَّ دَمَ أَخِي الْمُسْلِمِ. قَالَا: أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ تَعَالَى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البقرة: 193] فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: قَدْ قَاتَلْنَا حَتَّى لَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ وَكَانَ الدِّينُ لِلَّهِ، وَأَنْتُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تُقَاتِلُوا حَتَّى تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِغَيْرِ اللَّهِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
ــ
6004 -
(وَعَنْ نَافِعٍ) أَيْ: مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ (أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَتَاهُ رَجُلَانِ فِي فِتْنَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، أَيْ: قَبْلَ قَتْلِهِ (فَقَالَا: إِنَّ النَّاسَ صَنَعُوا مَا تَرَى) أَيْ: مِنْ الِاخْتِلَافِ (وَأَنْتَ ابْنُ عُمَرَ) أَيْ: وَقَدْ كَانَ خَلِيفَةً (وَصَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) : يَعْنِي وَمِنْ أَصْحَابِهِ أَيْضًا، فَلَا نَشُكُّ أَنَّكَ مِنَ الْوَجْهَيْنِ أَوْلَى بِالْخِلَافَةِ مِنْ عَبْدِ الْمَلِكِ الَّذِي مِنْ جُمْلَةِ امْرَأَتِهِ الْحَجَّاجُ (فَمَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَخْرُجَ) أَيْ: عَلَيْهِ لِظُهُورِ كَمَالِ ظُلْمِهِ (فَقَالَ: يَمْنَعُنِي أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيَّ دَمَ أَخِي الْمُسْلِمِ قَالَا)، أَيِ: الرَّجُلَانِ (أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ تَعَالَى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البقرة: 193] أَيْ: لَا تُوجَدَ وَتَمَامُهُ {وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} [البقرة: 193] (فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: قَدْ قَاتَلْنَا حَتَّى لَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ) أَيْ: شِرْكٌ (وَكَانَ الدِّينُ لِلَّهِ) أَيْ: وَصَارَ دِينُ الْإِسْلَامِ خَالِصًا لِلَّهِ (وَأَنْتُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تُقَاتِلُوا حَتَّى تَكُونَ فِتْنَةٌ) أَيْ: تَقَعَ فِتْنَةٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ (وَيَكُونَ الدِّينُ لِغَيْرِ اللَّهِ) . أَيْ: لِتَزَلْزُلِ دِينِهِ وَعَدَمِ ثَبَاتِ أَمْرِهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ السَّائِلَ يَرَى قِتَالَ مَنْ خَالَفَ الْإِمَامَ الَّذِي يَعْتَقِدُ هُوَ طَاعَتَهُ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَرَى تَرْكَ الْقِتَالِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُلْكِ فِي حَقِّهِ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: لَقَدْ كُنْتُ أَنْهَاكَ عَنْ مِثْلِ هَذَا. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .
6005 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: «جَاءَ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو الدَّوْسِيُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنَّ دَوْسًا قَدْ هَلَكَتْ، عَصَتْ وَأَبَتْ، فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ، فَظَنَّ النَّاسُ أَنَّهُ يَدْعُو عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: (اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَأْتِ بِهِمْ) » . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
6005 -
(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) : رضي الله عنه (قَالَ: جَاءَ الطُّفَيْلُ) : بِالتَّصْغِيرِ (ابْنُ عَمْرٍو الدَّوْسِيُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : وَيُقَالُ لَهُ ذُو النُّورِ ; لِأَنَّهُ لَمَّا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَهُ إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ: اجْعَلْ لِي آيَةً. فَقَالَ: (اللَّهُمَّ نَوِّرْ لَهُ) فَسَطَعَ لَهُ نُورٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَخَافُ أَنْ يَقُولُوا إِنَّهُ مِثْلُهُ، فَتَحَوَّلَ إِلَى طَرَفِ سَوْطِهِ، فَكَانَ يُضِيءُ فِي اللَّيْلَةِ الْمُظْلِمَةِ، فَدَعَا قَوْمَهُ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَأَسْلَمَ أَبُوهُ وَلَمْ تُسْلِمْ أُمُّهُ، وَأَجَابَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَحْدَهُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَقَدُّمِ إِسْلَامِهِ، وَقَدْ جَزَمَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ أَنَّهُ قَدِمَ بِخَيْبَرَ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَكَأَنَّهُ قَدْمَتُهُ الثَّانِيَةُ، كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ. وَقَالَ الْمُؤَلِّفُ: أَسْلَمَ وَصَدَّقَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى بِلَادِ قَوْمِهِ، فَلَمْ يَزَلْ بِهَا حَتَّى هَاجَرَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِخَيْبَرَ بِمَنْ تَبِعَهُ مِنْ قَوْمِهِ، فَلَمْ يَزَلْ مُقِيمًا عِنْدَهُ إِلَى أَنْ قُبِضَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَقُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ شَهِيدًا، وَقِيلَ: قُتِلَ عَامَ الْيَرْمُوكِ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ، رَوَى عَنْهُ جَابِرٌ وَأَبُو عُدَادَهْ فِي الْحِجَازِ (فَقَالَ) أَيِ: الطُّفَيْلُ (إِنَّ دَوْسًا قَدْ هَلَكَتْ) أَيِ: اسْتَحَقَّتِ الْهَلَاكَ (عَصَتْ) : بَيَانٌ لِمَا قَبْلَهُ (وَأَبَتْ) أَيِ: امْتَنَعَتْ عَنِ الطَّاعَةِ (فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ)، أَيْ: بِوُقُوعِ الْعَذَابِ (فَظَنَّ النَّاسُ أَنَّهُ يَدْعُو عَلَيْهِمْ فَقَالَ:)، أَيْ: لِكَوْنِهِ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ وَهُدًى لِلنَّاسِ (اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسَا وَائْتِ بِهِمْ) أَيْ: إِلَى الْمَدِينَةِ مُهَاجِرِينَ، أَوْ قَرِّبْهُمْ إِلَى طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَقْبِلْ بِقُلُوبِهِمْ إِلَى قَبُولِ الدِّينِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
6006 -
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «أَحِبُّوا الْعَرَبَ لِثَلَاثٍ: لِأَنِّي عَرَبِيٌّ، وَالْقُرْآنُ عَرَبِيٌّ، وَكَلَامُ أَهْلِ الْجَنَّةِ عَرَبِيٌّ» ) . رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ.
ــ
6006 -
(وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (أَحِبُّوا الْعَرَبَ لِثَلَاثٍ) أَيْ: خِصَالٍ أَوْ أَسْبَابٍ (لِأَنِّي عَرَبِيٌّ) : وَكُلُّ مَا يُنْسَبُ إِلَى الْحَبِيبِ مَحْبُوبٌ (وَالْقُرْآنَ) أَيْ: بِالنَّصْبِ وَيُرْفَعُ (عَرَبِيٌّ) أَيْ: لِأَنَّهُ نَزَلَ بِلُغَتِهِمْ، وَبِلُغَتِهِمْ تُعْرَفُ بَلَاغَتُهُ وَفَصَاحَتُهُ، وَلِأَنَّهُمْ تَحَمَّلُوا الشَّرِيعَةَ وَنَقَلُوهَا إِلَيْنَا، وَضَبَطُوا أَقْوَالَهُ وَأَفْعَالَهُ، وَنَقَلُوا إِلَيْنَا مُعْجِزَاتِهِ، وَلِأَنَّهُمْ مَادَّةُ الْإِسْلَامِ وَبِهِمْ فُتِحَتِ الْبِلَادُ وَانْتَشَرَ الْإِسْلَامُ فِي أَقْطَارِ الْعَالَمِ، وَلِأَنَّهُمْ أَوْلَادُ إِسْمَاعِيلَ عليه السلام وَلِأَنَّ سُؤَالَ الْقَبْرِ بِلِسَانِهِمْ، وَلِذَا قِيلَ: مَنْ أَسْلَمَ فَهُوَ عَرَبِيٌّ. (وَكَلَامُ أَهْلِ الْجَنَّةِ عَرَبِيٌّ) : وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ كَلَامَ أَهْلِ النَّارِ غَيْرُ عَرَبِيٍّ (رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ) . وَكَذَا الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ، وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ، وَالْعُقَيْلِيُّ فِي الضُّعَفَاءِ.
[بَابُ مَنَاقِبِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ]
[2]
بَابُ مَنَاقِبِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
6007 -
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ( «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ» ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
[2]
بَابُ مَنَاقِبِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الْمَنْقَبَةُ بِمَعْنَى الْفَضِيلَةِ وَهِيَ الْخَصْلَةُ الَّتِي يَحْصُلُ بِسَبَبِهَا شَرَفٌ وَعُلُوٌّ إِمَّا عِنْدَ اللَّهِ وَإِمَّا عِنْدَ الْخَلْقِ، وَالثَّانِي لَا عِبْرَةَ بِهِ إِلَّا أَنْ أُوصِلَ إِلَى الْأَوَّلِ، فَإِذَا قِيلَ: فُلَانٌ فَاضِلٌ ; فَمَعْنَاهُ أَنَّ لَهُ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ، وَلَا يُوصَلُ إِلَيْهِ إِلَّا بِالنَّقْلِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَذَا ذَكَرَهُ السُّيُوطِيُّ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: الصَّحَابِيُّ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَبَعْضِ أَصْحَابِ الْأُصُولِ كُلُّ مَنْ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُسْلِمٌ، ثُمَّ يُعْرَفُ كَوْنُهُ صَحَابِيًّا بِالتَّوَاتُرِ كَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما أَوْ بِالِاسْتِفَاضَةِ، أَوْ يَقُولُ صَحَابِيٌّ غَيْرُهُ أَنَّهُ صَحَابِيٌّ، أَوْ يَقُولُ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ صَحَابِيٌّ إِذَا كَانَ عَدْلًا، وَالصَّحَابَةُ كُلُّهُمْ عُدُولٌ مُطْلَقًا لِظَوَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ.
فِي شَرْحِ السُّنَّةِ قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ: أَصْحَابُنَا يُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ أَفْضَلَهُمُ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ، ثُمَّ تَمَامُ الْعَشَرَةِ، ثُمَّ أَهْلُ بَدْرٍ، ثُمَّ أُحُدٌ، ثُمَّ بَيْعَةُ الرِّضْوَانِ، وَمَنْ لَهُ مَزِيَّةٌ مِنْ أَهْلِ الْعَقَبَتَيْنِ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَكَذَلِكَ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ، وَهُمْ مَنْ صَلَّى إِلَى الْقِبْلَتَيْنِ، وَقِيلَ: أَهْلُ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ، وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي عَائِشَةَ وَخَدِيجَةَ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ؟ وَفِي عَائِشَةَ وَفَاطِمَةَ؟ وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ ; فَهُوَ مِنَ الْعُدُولِ الْفُضَلَاءِ، وَالصَّحَابَةِ الْأَخْيَارِ، وَالْحُرُوبُ الَّتِي جَرَتْ بَيْنَهُمْ كَانَتْ لِكُلِّ طَائِفَةٍ شُبْهَةٌ اعْتَقَدَتْ تَصْوِيبَ أَنْفُسِهَا بِسَبَبِهَا، وَكُلُّهُمْ مُتَأَوِّلُونَ فِي حُرُوبِهَا، وَلَمْ يَخْرُجْ بِذَلِكَ أَحَدٌ مِنْهُمْ مِنَ الْعَدَالَةِ ; لِأَنَّهُمْ مُجْتَهِدُونَ اخْتَلَفُوا فِي مَسَائِلَ، كَمَا اخْتَلَفَ الْمُجْتَهِدُونَ بَعْدَهُمْ فِي مَسَائِلَ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ نَقْصُ أَحَدٍ مِنْهُمْ.
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
6007 -
(عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ) : وَفِي نُسْخَةٍ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي» ) : الْخِطَابُ بِذَلِكَ لِلصَّحَابَةِ لِمَا وَرَدَ: أَنَّ سَبَبَ الْحَدِيثِ أَنَّهُ كَانَ بَيْنَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ شَيْءٌ، فَسَبَّهُ خَالِدٌ، فَالْمُرَادُ بِأَصْحَابِي أَصْحَابٌ مَخْصُوصُونَ، وَهُمُ السَّابِقُونَ عَلَى الْمُخَاطَبِينَ فِي الْإِسْلَامِ، وَقِيلَ: نَزَّلَ السَّابَّ مِنْهُمْ لِتَعَاطِيهِ مَا لَا يَلِيقُ بِهِ مِنَ السَّبِّ مَنْزِلَةَ غَيْرِهِمْ، فَخَاطَبَهُ خِطَابَ غَيْرِ الصَّحَابَةِ ذَكَرَهُ السُّيُوطِيُّ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْخِطَابُ لِلْأُمَّةِ الْأَعَمِّ مِنَ الصَّحَابَةِ حَيْثُ عُلِمَ بِنُورِ النُّبُوَّةِ أَنَّ مِثْلَ هَذَا يَقَعُ فِي أَهْلِ الْبِدْعَةِ، فَنَهَاهُمْ بِهَذِهِ السُّنَّةِ. وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: اعْلَمْ أَنَّ سَبَّ الصَّحَابَةِ حَرَامٌ مِنْ أَكْبَرِ الْفَوَاحِشِ، وَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ يُعَزَّرُ، وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ: يُقْتَلُ. وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: سَبُّ أَحَدِهِمْ مِنَ الْكَبَائِرِ انْتَهَى.
وَقَدْ صَرَّحَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا بِأَنَّهُ يُقْتَلُ مَنْ سَبَّ الشَّيْخَيْنِ، فَفِي (كِتَابِ السِّيَرِ) مِنْ كِتَابِ (الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ) لِلزَّيْنِ بْنِ نُجَيْمٍ: كُلُّ كَافِرٍ تَابَ، فَتَوْبَتُهُ مَقْبُولَةٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِلَّا جَمَاعَةُ الْكَافِرِ بِسَبِّ النَّبِيِّ وَسَبِّ الشَّيْخَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا، أَوْ بِالسِّحْرِ، أَوْ بِالزَّنْدَقَةِ، وَلَوِ امْرَأَةٌ إِذَا أُخِذَ قَبْلَ تَوْبَتِهِ، وَقَالَ: سَبُّ الشَّيْخَيْنِ وَلَعْنُهُمَا كُفْرٌ، وَإِنْ فَضَّلَ عَلِيًّا عَلَيْهِمَا فَمُبْتَدِعٌ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَفِي مَنَاقِبِ الْكُرْدِيِّ: يُكَفَّرُ إِذَا أَنْكَرَ خِلَافَتَهُمَا، أَوْ بَعْضَهُمَا لِمَحَبَّةِ النَّبِيِّ لَهُمَا، وَإِذَا أَحَبَّ عَلِيًّا أَكْثَرُ مِنْهُمَا لَا يُؤَاخَذُ بِهِ انْتَهَى. وَلَعَلَّ وَجْهَ تَخْصِيصِهِمَا لِمَا وَرَدَ فِي فَضِيلَتِهِمَا مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَقِّهِمَا خَاصَّةً عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي بَابٍ عَلَى حِدَةٍ لَهُمَا، أَوْ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَحَقِّيَّتِهِمَا خِلَافًا لِلْخَوَارِجِ فِي حَقِّ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ، وَأَمْثَالِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا) : زَادَ الْبَرْقَانِيُّ كُلَّ يَوْمٍ (مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ) . أَيْ: وَلَا بَلَغَ نِصْفَهُ أَيْ: مِنْ بُرٍّ أَوْ شَعِيرٍ لِحُصُولِ بَرَكَتِهِ وَمُصَادَمَتِهِ لِإِعْلَاءِ الدِّينِ وَكَلِمَتِهِ مَعَ مَا كَانُوا مِنَ الْقِلَّةِ وَكَثْرَةِ الْحَاجَةِ وَالضَّرُورَةِ، وَلِذَا وَرَدَ: سَبَقَ دِرْهَمٌ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَذَلِكَ مَعْدُومٌ فِيمَا بَعْدَهُمْ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ طَاعَاتِهِمْ وَعِبَادَاتِهِمْ وَغَزَوَاتِهِمْ وَخِدْمَاتِهِمْ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُدَّ بِضَمِّ الْمِيمِ رُبْعُ الصَّاعِ، وَالنَّصِيفُ بِمَعْنَى النِّصْفِ كَالشَّعِيرِ بِمَعْنَى الْعُشْرِ، وَعَلَى هَذَا الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى الْمُدِّ، وَقِيلَ: النَّصِيفُ مِكْيَالٌ يَسَعُ نِصْفَ مُدٍّ، فَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى الْأَحَدِ. قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: النَّصِيفُ النِّصْفُ أَيْ نِصْفُ مُدِّهِ، وَقِيلَ: هُوَ مِكْيَالٌ دُونَ الْمُدِّ، وَالْمَعْنَى لَا يَنَالُ أَحَدُكُمْ بِإِنْفَاقِ مِثْلِ أُحُدٍ ذَهَبًا مِنَ الْأَجْرِ وَالْفَضْلِ مَا يَنَالُ أَحَدُهُمْ بِإِنْفَاقِ مُدِّ طَعَامٍ أَوْ نِصْفٍ، لِمَا يُقَارِنُهُ مِنْ مَزِيدِ الْإِخْلَاصِ وَصِدْقِ النِّيَّةِ، وَكَمَالِ النَّفْسِ.
قَالَ الطِّيبِيُّ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ فَضِيلَتَهُمْ بِحَسَبِ فَضِيلَةِ إِنْفَاقِهِمْ وَعِظَمِ مَوْقِعِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا} [الحديد: 10] وَقَوْلُهُ: مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ أَيْ: قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ يَعْنِي: قَبْلَ عِزِّ الْإِسْلَامِ وَقُوَّةِ أَهْلِهِ، وَدُخُولِ النَّاسِ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا، وَقِلَّةِ الْحَاجَةِ إِلَى الْقِتَالِ وَالنَّفَقَةِ فِيهِ، وَهَذَا فِي.
الْإِنْفَاقِ، فَكَيْفَ بِمُجَاهَدَتِهِمْ وَبَذْلِ أَرْوَاحِهِمْ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم انْتَهَى. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا إِنَّمَا يَتِمُّ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ سَبَبِ الْحَدِيثِ الْمُسْتَفَادِ مِنْهُ تَخْصِيصُ الصَّحَابَةِ الْكِبَارِ، لَكِنْ يُعْلَمُ نَهْيُ سَبِّ غَيْرِ الصَّحَابِيِّ لِلصَّحَابِيِّ مِنْ بَابِ الْأَوْلَى ; لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الزَّجْرُ عَنْ سَبِّ أَحَدٍ مِمَّنْ سَبَقَهُ فِي الْإِسْلَامِ وَالْفَضْلِ، إِذِ الْوَاجِبُ تَعْظِيمُهُمْ وَتَكْرِيمُهُمْ حَيْثُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا} [الحشر: 10](مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَكَذَا مُسْلِمٌ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَأَخْرَجَهُ أَبُو بَكْرٍ الْبَرْقَانِيُّ عَلَى شَرْطِهِمَا، وَأَخْرَجَ عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ الطَّائِيُّ، وَخَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:( «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ، فَلَمَنَامُ أَحَدِهِمْ سَاعَةً خَيْرٌ مِنْ عَمَلِ أَحَدِكُمْ عُمْرَهُ» ) . وَأَخْرَجَ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ فِي الْجَامِعِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم: ( «إِذَا ظَهَرَتِ الْفِتَنُ - أَوْ قَالَ الْبِدَعُ - وَسُبَّ أَصْحَابِي فَلْيُظْهِرِ الْعَالِمُ عِلْمَهُ، فَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ لَهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا» ) . وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا ( «مَا ظَهَرَ أَهْلُ بِدْعَةٍ إِلَّا أَظْهَرَ اللَّهُ فِيهِمْ حُجَّةً عَلَى لِسَانِ مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ» ) . وَأَخْرَجَ الْمَحَامِلِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ عُوَيْمِ بْنِ سَاعِدَةَ مَرْفُوعًا ( «إِنَّ اللَّهَ اخْتَارَنِي وَاخْتَارَ لِي أَصْحَابًا وَجَعَلَ لِي فِيهِمْ وُزَرَاءَ وَأَنْصَارًا وَأَصْهَارًا، فَمِنْ سَبَّهُمْ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا» ) . وَرَوَى الْعُقَيْلِيُّ فِي الضُّعَفَاءِ عَنْ أَنَسٍ: ( «إِنَّ اللَّهَ اخْتَارَنِي وَاخْتَارَ لِي أَصْحَابًا وَأَنْصَارًا وَسَيَأْتِي قَوْمٌ يَسُبُّونَهُمْ وَيَسْتَنْقِصُونَهُمْ، فَلَا تُجَالِسُوهُمْ وَلَا تُشَارِبُوهُمْ وَلَا تَوَاكِلُوهُمْ وَلَا تُنَاكِحُوهُمْ» ) . وَرَوَى أَحْمَدُ عَنْ أَنَسٍ ( «دَعُوا لِي أَصْحَابِي، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنْفَقْتُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغْتُمْ أَعْمَالَهُمْ» ) . وَرَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: ( «لَا يُبَلِّغُنِي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِي شَيْئًا فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْكُمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ» ) .
6008 -
وَعَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ: رَفَعَ - يَعْنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، وَكَانَ كَثِيرًا مِمَّا يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ. فَقَالَ:( «النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ، فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومَ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ؟ وَأَنَا أَمَنَةُ أَصْحَابِي، فَإِذَا ذَهَبْتُ أَنَا أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ، وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي، فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ» ) . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
6008 -
(وَعَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ) : وَهُوَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ (قَالَ) أَيْ: أَبُوهُ (رَفَعَ يَعْنِي النَّبِيَّ، صلى الله عليه وسلم،) : هَذَا قَوْلُ أَبِي بُرْدَةَ وَضَمِيرُ يَعْنِي إِلَى أَبِيهِ أَيْ: يُرِيدُ أَبُو مُوسَى بِالضَّمِيرِ الْفَاعِلِ فِي قَوْلِهِ: رَفَعَ النَّبِيُّ وَتَرَكَ اسْمَهُ لِظُهُورِهِ، وَالْمَعْنَى رَفَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ( «رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، وَكَانَ كَثِيرًا مِمَّا يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ» ) أَيِ: انْتِظَارًا لِلْوَحْيِ الْإِلَهِيِّ بِالنُّزُولِ الْمَلَكِيِّ. قَالَ الطِّيبِيُّ: مِنْ بَيَانٌ لِكَثِيرًا، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مِنْ زَائِدَةً، وَهُوَ خَبَرٌ كَانَ أَيْ: كَانَ كَثِيرًا رَفْعُ رَأْسِهِ، وَمَا: مَصْدَرِيَّةٌ انْتَهَى. وَالْجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةٌ حَالِيَّةٌ. (فَقَالَ: النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ) : بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَالْمِيمِ أَيْ: أَمْنٌ، وَقِيلَ: أَمَانٌ وَمَرْحَمَةٌ. وَقِيلَ: حَفَظَةٌ جَمْعُ أَمِينٍ وَهُوَ الْحَافِظُ ذَكَرَهُ شَارِحٌ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: يُقَالُ أَمِنْتُهُ وَأَمَّنْتُهُ غَيْرِي، وَهُوَ فِي أَمْنٍ مِنْهُ وَأَمَنَةٍ وَفُلَانٌ أَمَنَةٌ وَأَمْنَةٌ بِسُكُونِ الْمِيمِ كَأَنَّهَا الْمَرَّةُ مِنَ الْأَمْنِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَمْعَ أَمْنٍ كِبَارٌ وَبَرَرَةٌ، (إِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ) أَيِ: الشَّامِلَةُ لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ (أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ) أَيْ: مَا وُعِدَ لَهُ مِنْ الِانْشِقَاقِ وَالطَّيِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَالْمُرَادُ بِذَهَابِ النُّجُومِ تَكْوِيرُهَا وَانْكِدَارُهَا وَانْعِدَامُهَا عَلَى مَا فِي (النِّهَايَةِ) وَغَيْرِهِ. (وَأَنَا أَمَنَةٌ لِأَصْحَابِي) : قَالَ الطِّيبِيُّ: إِذَا نُسِبَ أَمَنَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُحْتَمَلُ وَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا مُبَالَغَةً نَحْوَ: رَجُلٌ مُعْجِزَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَدْلٌ أَوْ جَمْعًا فَيَكُونُ مِنْ بَابِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {شِهَابًا رَصَدًا} [الجن: 9] أَيْ: رَاصِدِينَ وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا} [النحل: 120] فَجُعِلَ صلى الله عليه وسلم أَمْنًا لِأَصْحَابِهِ بِمَنْزِلَةِ الْجَمَاعَةِ، (فَإِذَا ذَهَبْتُ أَنَا أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ) . أَيْ: مِنَ الْفِتَنِ وَالْمُخَالَفَاتِ وَالْمِحَنِ (وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي) أَيْ: جَمِيعُهُمْ (أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ) أَيْ: مِنْ ذَهَابِ أَهْلِ الْخَيْرِ، وَمَجِيءِ أَهْلِ الشَّرِّ وَقِيَامِ السَّاعَةِ عَلَيْهِمْ. قَالَ فِي (النِّهَايَةِ) : وَالْإِشَارَةُ فِي الْجُمْلَةِ إِلَى مَجِيءِ الشَّرِّ عِنْدَ ذَهَابِ أَهْلِ الْخَيْرِ، فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمَّا كَانَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ كَانَ يُبَيِّنُ لَهُمْ مَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ وَجَالَتِ الْآرَاءُ، وَاخْتَلَفَتِ الْأَهْوَاءُ كَانَ أَصْحَابُهُ يُسْنِدُونَ الْأَمْرَ إِلَيْهِ صلى الله عليه وسلم فِي قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ دَلَالَةِ حَالٍ، فَلَمَّا فُقِدُوا قَلَّتِ الْأَنْوَارُ وَقَوِيَتِ الظُّلَمُ، وَكَذَلِكَ حَالُ السَّمَاءِ عِنْدَ ذَهَابِ النُّجُومِ. قَلَّتْ: وَلِهَذَا قَالَ صلى الله عليه وسلم: ( «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهُمُ اقْتَدَيْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ» ) . (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) . وَكَذَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ) .
6009 -
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ فَيَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَيَقُولُونَ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ صَاحَبَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ، ثُمَّ يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ، فَيَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، يُقَالُ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ صَاحَبَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ، ثُمَّ يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ فَيَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَيُقَالُ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ صَاحَبَ مَنْ صَاحَبَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ» ) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ قَالَ: ( «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يُبْعَثُ مِنْهُمُ الْبَعْثُ فَيَقُولُونَ: انْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ فِيكُمْ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَيُوجَدُ الرَّجُلُ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ بِهِ، ثُمَّ يُبْعَثُ الْبَعْثُ الثَّانِي فَيَقُولُونَ: هَلْ فِيهِمْ مَنْ رَأَى أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَيُفْتَحُ لَهُمْ بِهِ ثُمَّ يُبْعَثُ الْبَعْثُ الثَّالِثُ فَيُقَالُ: انْظُرُوا، هَلْ تَرَوْنَ فِيهِمْ مَنْ رَأَى مَنْ رَأَى أَصْحَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ; ثُمَّ يَكُونُ الْبَعْثُ الرَّابِعُ فَيُقَالُ: انْظُرُوا هَلْ تَرَوْنَ فِيهِمْ أَحَدًا رَأَى مَنْ رَأَى أَحَدًا رَأَى أَصْحَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَيُوجَدُ الرَّجُلُ فَيُفْتَحُ لَهُمْ بِهِ» ) .
ــ
6009 -
(وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ) : رضي الله عنه (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ فَيَغْزُو) : بِالتَّذْكِيرِ وَيُؤَنَّثُ أَيْ: يَقْتُلُ (فِئَامٌ) : بِكَسْرِ الْفَاءِ فَهَمْزٍ يَجُوزُ إِبْدَالُهَا بِالْيَاءِ، أَيْ: جَمَاعَةٌ (مِنَ النَّاسِ) : فِي (الْقَامُوسِ) لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ، وَالْجَمْعُ فُؤُمٌ كَكُتُبٍ، وَفِي (شَرْحِ مُسْلِمٍ) هُوَ بِفَاءٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ هَمْزَةٍ أَيْ: جَمَاعَةٌ، وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ بِالْيَاءِ مُخَفَّفَةً بِلَا هَمْزَةٍ، وَلُغَةٌ أُخْرَى بِفَتْحِ الْفَاءِ عَنِ الْخَلِيلِ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ. (فَيَقُولُونَ) أَيِ الَّذِينَ يَغْزُونَ الْفِئَامَ لَهُمْ وَفِي نُسْخَةٍ فَيُقَالُ ( «هَلْ فِيكُمْ مَنْ صَاحَبَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» ؟) بِمَنِ الْمَوْصُولَةِ صِلَتُهُ صَاحَبَ فِعْلٌ مَاضٍ، وَنَصْبُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِمَنِ الزَّائِدَةِ عَلَى أَنَّ صَاحَبَ اسْمُ فَاعِلٍ مُضَافٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (فَيَقُولُونَ:(نَعَمْ فَيُفْتَحُ لَهُمْ)، عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ ( «ثُمَّ يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ فَيَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ فَيُقَالُ» ) : كَذَا هُنَا بِالِاتِّفَاقِ ( «هَلْ فِيكُمْ مَنْ صَاحَبَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» -) ؟ بِمَنِ الْمَوْصُولَةِ بِلَا خِلَافٍ ( «فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ، ثُمَّ يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ فَيَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ فَيُقَالُ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ صَاحَبَ مَنْ صَاحَبَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» -) ؟ بِالْمَوْصُولَتَيْنِ (فَيَقُولُونَ: نَعَمْ فَيُفْتَحُ لَهُمْ) : فِي الْحَدِيثِ فَضْلٌ لِأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
(وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: هَذِهِ رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ، وَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ مُقْتَصِرَةٌ عَلَى الطَّبَقَاتِ الثَّلَاثِ (قَالَ) أَيِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَوْ أَبُو سَعِيدٍ مَرْفُوعًا (يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يُبْعَثُ)، أَيْ: فِيهِ (مِنْهُمُ الْبَعْثُ) أَيِ: الْمَبْعُوثُ وَهُوَ الْجَيْشُ (فَيَقُولُونَ) أَيِ: الْمَبْعُوثُ إِلَيْهِمْ ( «انْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ فِيكُمْ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَيُوجَدُ الرَّجُلُ» ) أَيِ: الْوَاحِدُ فِيهِمْ (فَيُفْتَحُ لَهُمْ) أَيْ: بِبَرَكَتِهِ (ثُمَّ يُبْعَثُ الثَّانِي) أَيْ: مِنَ النَّاسِ إِلَى جَمْعٍ آخَرَ (فَيَقُولُونَ: انْظُرُوا هَلْ فِيهِمْ) : وَفِي نُسْخَةٍ: هَلْ فِيهِمْ (مَنْ رَأَى أَصْحَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : وَفِي نُسْخَةٍ رَسُولِ اللَّهِ، أَيْ: أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ (فَيُوجَدُ) أَيْ: مَنْ رَأَى الصَّحَابَةَ وَهُوَ يُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ ( «فَيُفْتَحُ لَهُمْ، ثُمَّ يُبْعَثُ الْبَعْثُ الثَّالِثُ فَيُقَالُ انْظُرُوا هَلْ تَرَوْنَ فِيهِمْ مَنْ رَأَى مَنْ رَأَى» ) أَيْ: بِالْوَاسِطَةِ (أَصْحَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ يَكُونُ بَعْثُ الرَّابِعِ: بِالْإِضَافَةِ وَهُوَ مَصْدَرٌ وَالْمَوْصُوفُ مَحْذُوفٌ، أَيْ: بَعْثُ الْبَعْثِ الرَّابِعِ، وَفِي نُسْخَةٍ الْبَعْثُ الرَّابِعُ عَلَى الْوَصْفِ، فَالْمُرَادُ بِالْبَعْثِ الْجَيْشُ الْمَبْعُوثُ ( «انْظُرُوا هَلْ تَرَوْنَ فِيهِمْ أَحَدًا رَأَى مَنْ رَأَى أَحَدًا رَأَى» ) أَيْ: ذَلِكَ الْأَحَدُ (أَصْحَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ؟ فَيَكُونُ وَاسِطَتَيْنِ (فَيُوجَدُ الرَّجُلُ فَيُفْتَحُ لَهُ)، أَيْ: لِأَجْلِ ذَلِكَ التَّابِعِ لِأَتْبَاعٍ لِلتَّابِعِينَ وَفِي نُسْخَةٍ: لَهُمْ أَيْ لِأَجْلِهِمْ بِبَرَكَتِهِ، وَلَمَّا كَانَ أَهْلُ الْخَيْرِ نَادِرًا فِي الْقَرْنِ الرَّابِعِ اقْتَصَرَ عَلَى الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ لِكَثْرَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالصَّلَاحِ فِيهِمْ، وَقِلَّةِ السَّفَهِ وَالْفَسَادِ مِنْهُمْ، فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا:( «خَيْرُ النَّاسِ الْقَرْنُ الَّذِي أَنَا فِيهِ ثُمَّ الثَّانِي ثُمَّ الثَّالِثُ» ) . وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا: ( «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الثَّانِي ثُمَّ الثَّالِثُ ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ لَا خَيْرَ فِيهِمْ» ) . وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ جَعْدَةَ بْنِ هُبَيْرَةَ: ( «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنَيِ الَّذِينَ أَنَا فِيهِمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ وَالْآخِرُونَ أَرْذَالٌ» ) . وَرَوَى الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ: ( «خَيْرُ أُمَّتِي أَوَّلُهَا وَآخِرُهَا أَوَّلُهُمْ فِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ وَآخِرُهُمْ فِيهِمْ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ وَبَيْنَ ذَلِكَ هَمَجٌ أَعْوَجُ وَلَيْسُوا مِنِّي وَلَا أَنَا مِنْهُمْ» ) .
6010 -
وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ( «خَيْرُ أُمَّتِي قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ إِنَّ بَعْدَهُمْ قَوْمًا يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ، وَيَنْذُرُونَ، وَلَا يُوفُونَ وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ» ) . وَفِي رِوَايَةٍ ( «وَيَحْلِفُونَ وَلَا يُسْتَحْلَفُونَ» ) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
6010 -
(وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «خَيْرُ أُمَّتِي قَرْنِي» ) ، أَيِ الَّذِينَ أَدْرَكُونِي وَآمَنُوا بِي وَهُمْ أَصْحَابِي، ( «ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» ) ، أَيْ يَقْرُبُونَهُمْ فِي الرُّتْبَةِ أَوْ يَتْبَعُونَهُمْ فِي الْإِيمَانِ وَالْإِيقَانِ وَهُمُ التَّابِعُونَ (ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ) ، وَهُمْ أَتْبَاعُ التَّابِعِينَ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِينَ وَتَبَعَهُمْ هَؤُلَاءِ الْقُرُونُ الثَّلَاثَةُ الْمَرْتَبَةُ فِي الْفَضِيلَةِ، فَفِي النِّهَايَةِ: الْقَرْنُ أَهْلُ كُلِّ زَمَانٍ وَهُوَ مِقْدَارُ التَّوَسُّطِ فِي أَعْمَارِ أَهْلِ كُلِّ زَمَانٍ، مَأْخُوذٌ مِنْ الِاقْتِرَانِ، فَكَأَنَّهُ الْمِقْدَارُ الَّذِي يَقْتَرِنُ فِيهِ أَهْلُ ذَلِكَ الزَّمَانِ فِي أَعْمَارِهِمْ وَأَحْوَالِهِمْ. وَقِيلَ: الْقَرْنُ أَرْبَعُونَ سَنَةً، وَقِيلَ: ثَمَانُونَ، وَقِيلَ: مِائَةٌ، وَقِيلَ: هُوَ مُطْلَقٌ مِنَ الزَّمَانِ، وَهُوَ مَصْدَرُ قَرَنَ يَقْرِنُ. قَالَ السُّيُوطِيُّ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَنْضَبِطُ بِمُدَّةٍ فَقَرْنُهُ صلى الله عليه وسلم هُمُ الصَّحَابَةُ، وَكَانَتْ مُدَّتُهُمْ مِنَ الْمَبْعَثِ إِلَى آخِرِ مَنْ مَاتَ مِنَ الصَّحَابَةِ مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَقَرْنُ التَّابِعِينَ مِنْ مِائَةِ سَنَةٍ إِلَى نَحْوِ سَبْعِينَ، وَقَرْنُ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ مِنْ ثَمَّ إِلَى نَحْوِ الْعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَفِي هَذَا الْوَقْتِ ظَهَرَتِ الْبِدَعُ ظُهُورًا فَاشِيًا، وَأَطْلَقَتِ الْمُعْتَزِلَةُ أَلْسِنَتَهَا، وَرَفَعَتِ الْفَلَاسِفَةُ رُءُوسَهَا، وَامْتُحِنَ أَهْلُ الْعِلْمِ لِيَقُولُوا بِخَلْقِ الْقُرْآنِ، وَتَغَيَّرَتِ الْأَحْوَالُ تَغَيُّرًا شَدِيدًا، وَلَمْ يَزَلِ الْأَمْرُ فِي نَقْصٍ إِلَى الْآنَ وَظَهَرَ مِصْدَاقُ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:(ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ) .
قَالَ الطِّيبِيُّ: وَثُمَّ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ الْفَاءِ فِي قَوْلِهِ الْأَفْضَلَ، فَالْأَفْضَلُ عَلَى أَنَّهُ بَيَانٌ لِتَرَاخِي الرُّتْبَةِ فِي النُّزُولِ وَالْخَيْرِ الْمَذْكُورِ أَوَّلًا، أُطْلِقَ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ مَعْنَى التَّفْضِيلِ مِنْ الِاشْتِرَاكِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى حَدٍّ يَرْتَفِعُ فِيهِ الِاشْتِرَاكُ، فَيَخْتَصُّ بِالْمَوْصُوفِ، فَلَا يَدْخُلُ مَا بَعْدَهُ مِنْ قَوْلِهِ:(ثُمَّ إِنَّ بَعْدَهُمْ قَوْمًا يَشْهَدُونَ) : فَهُوَ حِينَئِذٍ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا} [الفرقان: 24] وَقَوْلُكُ: الصَّيْفُ أَحَرُّ مِنَ الشِّتَاءِ. قَالَ شَارِحٌ، فِي أَكْثَرِ نُسَخِ الْمَصَابِيحِ: ثُمَّ إِنَّ بَعْدَكُمْ وَلَيْسَ بِسَدِيدٍ وَالصَّوَابُ، ثُمَّ إِنَّ بَعْدَهُمْ قَوْمًا يَشْهَدُونَ. (وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ) ، بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ، وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا يُطْلَبُ مِنْهُمُ الشَّهَادَةُ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ عَاطِفَةً كَبَقِيَّةِ مَا يَأْتِي، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ قَبْلَ أَنْ يُطْلَبَ مِنْهُمُ الشَّهَادَةُ فَهُوَ ذَمٌّ عَلَى الشَّهَادَةِ قَبْلَ الِاسْتِشْهَادِ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا مُخَالِفٌ فِي الظَّاهِرِ لِلْحَدِيثِ الْآخَرِ: خَيْرُ الشُّهُودِ مَنْ يَأْتِي بِالشَّهَادَةِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَ قَالُوا: وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الذَّمَّ فِي ذَلِكَ لِمَنْ بَادَرَ بِالشَّهَادَةِ فِي حَقِّ مَنْ هُوَ عَالِمٌ بِهَا قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَهَا لَهُ صَاحِبُهُ، وَأَمَّا الْمَدْحُ فَهُوَ لِمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ لِأَحَدٍ لَا يَعْلَمُ بِهَا، فَيُخْبِرُهُ بِهَا لِيَسْتَشْهِدَهُ عِنْدَ الْقَاضِي، وَيُلْحَقُ بِهِ مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ فِي حُدُودٍ أَيِ الْمَصْلَحَةِ فِي السَّتْرِ، هَذَا مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ انْتَهَى.
وَقِيلَ: الْمَدْحُ فِي حُقُوقِ اللَّهِ وَالذَّمُّ فِي حُقُوقِ النَّاسِ (وَيَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ) ، جُمِعَ بَيْنَهُمْ تَأْكِيدًا أَوْ يَخُونُونَ النَّاسَ عِنْدَ ائْتِمَانِهِمْ إِيَّاهُمْ، وَلَا يُجْعَلُونَ أُمَنَاءَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ لِظُهُورِ خِيَانَتِهِمْ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: وَمَعْنَى الْجَمْعِ فِي قَوْلِهِ: يَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ أَنَّهُمْ يَخُونُونَ خِيَانَةً ظَاهِرَةً بِحَيْثُ لَا يَبْقَى مَعَهَا ثِقَةٌ، بِخِلَافِ مَنْ خَانَ حَقِيرًا مَرَّةً، فَإِنَّهُ لَا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ أَنْ يَكُونَ مُؤْتَمَنًا فِي بَعْضِ الْمَوَاطِنِ (وَيَنْذُرُونَ) ، بِضَمِّ الذَّالِ وَيُكْسَرُ عَلَى مَا فِي (الْقَامُوسِ)، أَيْ: يُوجِبُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَشْيَاءَ، (وَلَا يُوفُونَ)، مِنَ الْوَفَاءِ أَيْ: وَلَا يَقُومُونَ بِالْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَتِهَا، وَلَا يُبَالُونَ بِتَرْكِهَا بِخِلَافِ الْأَبْرَارِ عَلَى مَا قَالَ سُبْحَانَهُ فِي حَقِّهِمْ:{يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} [الإنسان: 7] وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] أَيْ بِالْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ وَالْعُهُودِ (وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ) . بِكَسْرِ السِّينِ وَفَتْحِ الْمِيمِ مَصْدَرُ سَمِنَ بِالْكَسْرِ وَالضَّمِّ سَمَانَتَهُ بِالْفَتْحِ وَسِمَنًا كَعِنَبٍ فَهُوَ سَامِنٌ وَسَمِينٌ. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: فِي الْحَدِيثِ يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ يَتَسَمَّنُونَ أَيْ يَتَكَبَّرُونَ بِمَا لَيْسَ فِيهِمْ، وَيَدَّعُونَ مَا لَيْسَ لَهُمْ مِنَ الشَّرَفِ، وَقِيلَ: أَرَادَ جَمْعَهُمُ الْأَمْوَالَ، وَقِيلَ: يُحِبُّونَ التَّوَسُّعَ فِي الْمَآكِلِ وَالْمَشَارِبِ، وَهِيَ أَسْبَابُ السِّمَنِ. وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: كَنَّى بِهِ عَنِ الْغَفْلَةِ وَقِلَّةِ الِاهْتِمَامِ بِأَمْرِ الدِّينِ، فَإِنَّ الْغَالِبَ عَلَى ذَوِي السِّمَانَةِ أَنْ لَا يَهْتَمُّوا بِارْتِيَاضِ النُّفُوسِ، بَلْ مُعْظَمُ هِمَّتِهِمْ تَنَاوُلُ الْحُظُوظِ وَالتَّفَرُّغُ لِلدَّعَةِ وَالنَّوْمِ، وَفِي (شَرْحِ مُسْلِمٍ) قَالُوا: وَالْمَذْمُومُ مِنَ السِّمَنِ مَا يُسْتَكْسَبُ، وَأَمَّا مَا هُوَ خُلُقُهُ فَلَا يَدْخُلُ فِي هَذَا انْتَهَى. وَبِهِ يَظْهَرُ مَعْنَى مَا وَرَدَ مِنْ أَنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ الْحَبْرَ السَّمِينَ. (وَفِي رِوَايَةٍ:(وَيَحْلِفُونَ وَلَا يُسْتَحْلَفُونَ) . أَيْ: يَحْلِفُونَ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ دَاعِيَةٍ إِلَيْهِ وَمِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ بَاعِثَةٍ عَلَيْهِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
6011 -
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: ( «ثُمَّ يَخْلُفُ قَوْمٌ يُحِبُّونَ السِّمَانَةَ» .
ــ
6011 -
(وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: (ثُمَّ يَخْلُفُ) : بِضَمِّ اللَّامِ أَيْ ثُمَّ يَعْقُبُهُمْ وَيَظْهَرُ وَرَاءَهُمْ ( «قَوْمٌ يُحِبُّونَ السَّمَانَةَ» ) . بِضَمِّ السِّينِ وَرَوَى أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَلَفْظُهُ: ( «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِيءُ أَقْوَامٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ وَيَمِينَهُ شَهَادَتَهُ» ) . وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ، وَالْحَاكِمُ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ بِلَفْظِ:(خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِهِمْ قَوْمٌ يَتَسَمَّنُونَ وَيُحِبُّونَ السَّمِنَ يُعْطُونَ الشَّهَادَةَ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلُوهَا) .
الْفَصْلُ الثَّانِي
6012 -
عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «أَكْرِمُوا أَصْحَابِي، فَإِنَّهُمْ خِيَارُكُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَظْهَرُ الْكَذِبُ حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَحْلِفُ وَلَا يُسْتَحْلَفُ، وَيَشْهَدُ وَلَا يُسْتَشْهَدُ، أَلَا مَنْ سَرَّهُ بُحْبُوحَةُ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمِ الْجَمَاعَةَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْفَذِّ وَهُوَ مِنْ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ، وَلَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ ثَالِثُهُمْ، وَمَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَهُوَ مُؤْمِنٌ» ) رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ إِلَّا إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَسَنِ الْخَثْعَمِيَّ فَإِنَّهُ لَمْ يُخْرِجْ لَهُ الشَّيْخَانِ وَهُوَ ثِقَةٌ ثَبْتٌ.
ــ
الْفَصْلُ الثَّانِي
6012 -
(عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (أَكْرِمُوا أَصْحَابِي) أَيِ: السَّابِقِينَ وَاللَّاحِقِينَ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا (فَإِنَّهُمْ خِيَارُكُمْ) ، وَالْخِطَابُ لِلْأُمَّةِ (ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَظْهَرُ الْكَذِبُ) أَيْ: يَفْشُو كَمَا فِي رِوَايَةٍ (حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ) : بِكَسْرِ إِنَّ وَيُفْتَحُ (لَيَحْلِفُ) : بِلَامِ التَّأْكِيدِ (وَلَا يُسْتَحْلَفُ، وَيَشْهَدُ) : عَطْفٌ عَلَى يَحْلِفُ أَوْ لَيَحْلِفُ (وَلَا يُسْتَشْهَدُ، أَلَا) : لِلتَّنْبِيهِ (مَنْ سَرَّهُ) أَيْ: مَنْ أَحَبَّ (بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ) : بِضَمِّ الْمُوَحَّدَتَيْنِ أَيْ: وَسَطُهَا وَخِيَارُهَا (فَلْيَلْزَمِ الْجَمَاعَةَ)، أَيِ: السَّوَادَ الْأَعْظَمَ وَمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالسَّلَفِ الصَّالِحِينَ، فَيَدْخُلُ فِيهِ حُبُّهُمْ وَإِكْرَامُهُمْ دُخُولًا أَوَّلِيًّا (فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْفَذِّ)، بِفَتْحِ الْفَاءِ وَتَشْدِيدِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ مُقَارِنٍ لِلْفَرْدِ الَّذِي تَفَرَّدَ بِرَأْيِهِ (وَهُوَ) أَيِ: الشَّيْطَانُ (مِنْ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ)، أَيْ بَعِيدٌ. قَالَ الطِّيبِيُّ: أَفْعَلُ هُنَا لِمُجَرَّدِ الزِّيَادَةِ وَلَوْ كَانَ مَعَ الثَّلَاثَةِ لَكَانَ بِمَعْنَى التَّفْضِيلِ إِذِ الْبُعْدُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَالِاثْنَيْنِ دُونَ الِاثْنَيْنِ، وَالْفَذِّ عَلَى مَا لَا يَخْفَى. (وَلَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ) : نَهْيُ تَأْكِيدٍ وَتَشْدِيدٍ (بِامْرَأَةٍ) أَيْ: أَجْنَبِيَّةٍ (فَإِنَّ الشَّيْطَانَ ثَالِثُهُمْ)، أَيْ: فَلَابُدَّ أَنْ يُغْوِيَهُمَا (وَمَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ) أَيْ: إِذَا وَقَعَتْ مِنْهُ (وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ) أَيْ: أَحْزَنَتْهُ إِذَا صَدَرَتْ عَنْهُ (فَهُوَ مُؤْمِنٌ) ، أَيْ كَامِلٌ ; لِأَنَّ الْمُنَافِقَ حَيْثُ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ اسْتَوَتْ عِنْدَهُ الْحَسَنَةُ وَالسَّيِّئَةُ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:{وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ} [فصلت: 34] ؟ (رَوَاهُ) . هُنَا بَيَاضٌ فِي أَصْلِ الْمُصَنَّفِ، وَأُلْحِقَ بِهِ: النَّسَائِيُّ، وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ إِلَّا إِبْرَاهِيمَ بْنَ الْحَسَنِ الْخَثْعَمِيَّ فَإِنَّهُ لَمْ يُخْرِجْ لَهُ الشَّيْخَانِ وَهُوَ ثِقَةٌ ثَبْتٌ ذَكَرَهُ الْجَزَرِيُّ، فَالْحَدِيثُ بِكَمَالِهِ إِمَّا صَحِيحٌ أَوْ حَسَنٌ، وَرَوَى أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ) وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالضِّيَاءُ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا:( «إِذَا سَرَّتْكَ حَسَنَتُكَ وَسَاءَتْكَ سَيِّئَتُكَ فَأَنْتَ مُؤْمِنٌ» ) . وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي مُوسَى مَرْفُوعًا وَلَفْظُهُ: ( «مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَهُوَ مُؤْمِنٌ» ) .
6013 -
وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:( «لَا تَمَسُّ النَّارُ مُسْلِمًا رَآنِي أَوْ رَأَى مَنْ رَآنِي» ) . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
ــ
6013 -
(وَعَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ( «لَا تَمَسُّ النَّارُ مُسْلِمًا رَآنِي أَوْ رَأَى مَنْ رَآنِي» ) . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) . وَكَذَا الضِّيَاءُ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَرَوَى عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ وَاثِلَةَ:( «طُوبَى لِمَنْ رَآنِي، وَلِمَنْ رَأَى مَنْ رَآنِي، وَلِمَنْ رَأَى مَنْ رَأَى مَنْ رَآنِي» ) . وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ: ( «طُوبَى لِمَنْ رَآنِي وَآمَنَ بِي، وَطُوبَى لِمَنْ رَأَى مَنْ رَآنِي، وَلِمَنْ رَأَى مَنْ رَأَى مَنْ رَآنِي وَآمَنَ بِي، طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ» ) . وَأَنْشَدَ:
وَاسْتَنْشَقَ الْأَرْيَاحَ مِنْ نَحْوِ أَرْضِكُمُ
…
لَعَلِّي أَرَاكُمْ أَوْ أَرَى مَنْ يَرَاكُمُ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ:
سَعِدَتْ أَعْيُنٌ رَأَتْكَ وَقَرَّتْ
…
وَالْعُيُونُ الَّتِي رَأَتْ مَنْ رَآكَا.
وَكَأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمَّا تَذَكَّرَ الْمَحْرُومِينَ مِنْ ذَلِكَ الْجَنَابِ وَعَنْ رُؤْيَةِ الْأَصْحَابِ وَعَنْ خِدْمَةِ الْأَتْبَاعِ مِنْ أُولِي الْأَلْبَابِ قَالَ تَسْلِيَةً: ( «طُوبَى لِمَنْ رَآنِي وَآمَنَ، وَطُوبَى لِمَنْ لَمْ يَرَنِي وَآمَنَ بِي» ) . ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. رَوَاهُ الطَّيَالِسِيُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَقَالَ أَيْضًا:( «طُوبَى لِمَنْ رَآنِي وَآمَنَ بِي، وَطُوبَى ثُمَّ طُوبَى ثُمَّ طُوبَى لِمَنْ آمَنَ بِي وَلَمْ يَرَنِي» ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ. وَقَالَ أَيْضًا: ( «طُوبَى لِمَنْ رَآنِي وَآمَنَ بِي مَرَّةً، وَطُوبَى لِمَنْ لَمْ يَرَنِي وَآمَنَ بِي سَبْعَ مَرَّاتٍ» ) . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ، وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا عَنْ أَنَسٍ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ قَدْ يُوجَدُ فِي الْمَفْضُولِ مَا لَا يُوجَدُ فِي الْفَضَائِلِ كَمَا هُنَا مِنَ الْإِيمَانِ بِالْغَيْبِ عَنْ مُشَاهَدَةِ الْمُعْجِزَاتِ الَّتِي قَارَبَ مَنْ رَآهَا أَنْ يَكُونَ إِيمَانُهُ بِالْعِيَانِ.
6014 -
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي، اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي، لَا تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضًا مِنْ بَعْدِي، فَمَنْ أَحَبَّهُمْ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ، وَمَنْ آذَاهُمْ فَقَدْ آذَانِي، وَمَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللَّهَ، وَمَنْ آذَى اللَّهَ فَيُوشِكُ أَنْ يَأْخُذَهُ» ) . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.
ــ
6014 -
(وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (اللَّهَ اللَّهَ) : بِالنَّصْبِ فِيهِمَا، أَيْ: أَتَّقُوا اللَّهَ ثُمَّ اتَّقُوا اللَّهَ (فِي أَصْحَابِي)، أَيْ: فِي حَقِّهِمْ، وَالْمَعْنَى لَا تَنْقُصُوا مِنْ حَقِّهِمْ وَلَا تَسُبُّوهُمْ، أَوِ التَّقْدِيرُ أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ ثُمَّ أُنْشِدُكُمُ اللَّهَ فِي حَقِّ أَصْحَابِي وَتَعْظِيمِهِمْ وَتَوْقِيرِهِمْ، كَمَا يَقُولُ الْأَبُ الْمُشْفِقُ: اللَّهَ اللَّهَ فِي حَقِّ أَوْلَادِي ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ، أَوِ التَّقْدِيرُ: اتَّقُوا مُخَالَفَتَهُ اتَّقُوا عِقَابَهُ فِي عَدَاوَةِ أَصْحَابِي الْمُقَرَّبِينَ بِبَابِي الْمُلْتَجِئِينَ إِلَى جَنَابِي ( «لَا تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضًا مِنْ بَعْدِي» )، بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ أَيْ: هَدَفًا لِكَلَامِكُمُ الْقَبِيحَ لَهُمْ فِي الْمُحَاوَرَاتِ وَرَمْيِهِمْ فِي غَيْبَتِهِمْ بِالْوَقَائِعِ وَالْمَكْرُوهَاتِ (فَمْنَ أَحَبَّهُمْ فَبِحُبِّي) أَيْ: بِسَبَبِ حُبِّي إِيَّاهُمْ (أَحَبَّهُمْ)، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: بِسَبَبِ حُبِّهِ إِيَّايَ أَحَبَّهُمْ وَهُوَ أَنْسَبُ بِقَوْلِهِ: ( «وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ» ) ، وَالْمَعْنَى إِنَّمَا أَحَبَّهُمْ لِأَنَّهُ يُحِبُّنِي، وَإِنَّمَا أَبْغَضَهُمْ لِأَنَّهُ يُبْغِضُنِي، وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ، تَعَالَى، فَحَقَّ لِذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ مَنْ سَبَّهُمْ فَقَدِ اسْتَوْجَبَ الْقَتْلَ فِي الدُّنْيَا عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ (وَمَنْ آذَاهُمْ فَقَدْ آذَانِي) ، أَيْ حُكْمًا (وَمَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللَّهَ)، وَنَظِيرُهُ: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ. (وَمَنْ آذَى اللَّهَ فَيُوشِكُ أَنْ يَأْخُذَهُ)، أَيْ: يُعَاقِبُهُ فِي الدُّنْيَا أَوْ فِي الْأُخْرَى، وَلَعَلَّهُ مُقْتَبَسٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى:{إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا - وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [الأحزاب: 57 - 58](رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) .
6015 -
وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «مَثَلُ أَصْحَابِي فِي أُمَّتِي كَالْمِلْحِ فِي الطَّعَامِ، لَا يَصْلُحُ الطَّعَامُ إِلَّا بِالْمِلْحِ» (قَالَ الْحَسَنُ: فَقَدْ ذَهَبَ مِلْحُنَا فَكَيْفَ نَصْلُحُ؟ رَوَاهُ فِي (شَرْحِ السُّنَّةِ) .
ــ
6015 -
(وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «مَثَلُ أَصْحَابِي فِي أُمَّتِي كَالْمِلْحِ فِي الطَّعَامِ) لَا يَصْلُحُ الطَّعَامُ إِلَّا بِالْمِلْحِ» ) اسْتِئْنَافٌ مُبَيِّنٌ لِوَجْهِ الشَّبَهِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنَ التَّشْبِيهِ أَنْ يَكُونَ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ حَتَّى يُقَالَ كَثْرَةُ الْمِلْحِ تُفْسِدُ الطَّعَامَ كَمَا قِيلَ فِي حَقِّ النَّحْوِ أَنَّهُ فِي الْكَلَامِ كَالْمِلْحِ فِي الطَّعَامِ، بَلِ الْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّ الطَّعَامَ بِدُونِهِ لَيْسَ لَهُ كَمَالُ الْمَرَامِ. (قَالَ الْحَسَنُ) أَيِ الْبَصْرِيُّ (فَقَدْ ذَهَبَ مِلْحُنَا فَكَيْفَ نَصْلُحُ) ؟ أَيْ فِي حَالِنَا. قُلْتُ: نَصْلُحُ بِكَلَامِهِمْ وَرِوَايَاتِهِمْ وَمَعْرِفَةِ مَقَامَاتِهِمْ وَحَالَاتِهِمْ وَبِالِاقْتِدَاءِ بِأَخْلَاقِهِمْ وَصِفَاتِهِمْ، فَإِنَّ الْعِبْرَةَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ دُونَ صُوَرِهِمْ وَذَوَاتِهِمْ. (رَوَاهُ) . أَيِ الْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ. أَيْ بِإِسْنَادِهِ وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا.
6016 -
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنِ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «مَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِي يَمُوتُ بِأَرْضٍ إِلَّا بُعِثَ قَائِدًا وَنُورًا لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ) . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.
وَذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ (لَا يُبَلِّغُنِي أَحَدٌ) فِي بَابِ (حِفْظِ اللِّسَانِ) .
ــ
6016 -
(وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ) : بِالتَّصْغِيرِ (عَنْ أَبِيهِ) : يَعْنِي أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِي) : مِنَ الْأُولَى زَائِدَةٌ لِتَأْكِيدِ نَفْيِ الِاسْتِغْرَاقِ، وَالثَّانِيَةُ بَيَانِيَّةٌ (يَمُوتُ بِأَرْضٍ إِلَّا بُعِثَ) أَيْ: إِلَّا حُشِرَ ذَلِكَ الْأَحَدُ مِنْ أَصْحَابِي (قَائِدًا) أَيْ: لِأَهْلِ تِلْكَ الْأَرْضِ (وَنُورًا) أَيْ: هَادِيًا (لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ. وَكَذَا رَوَاهُ الضِّيَاءُ.
(وَذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ: (لَا يُبَلِّغُنِي أَحَدٌ) أَيْ: مِنْ أَصْحَابِي عَنْ أَحَدٍ شَيْئًا فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْكُمْ، وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ أَيْ: مَعَ كُلِّكُمْ، فَلَوْ سَمِعْتُ شَيْئًا مِنْكُمْ رُبَّمَا تَغَيَّرَ خَاطِرِي بِمُقْتَضَى الْبَشَرِيَّةِ، فَالْأَوْلَى سَدُّ بَابِ الذَّرِيعَةِ الْمُؤَدِّيَةِ إِلَى الْأَذِيَّةِ. (فِي بَابِ حِفْظِ اللِّسَانِ) . أَيْ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ أَوْلَى بِذَلِكَ الْبَابِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
6017 -
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «إِذَا رَأَيْتُمُ الَّذِي يَسُبُّونَ أَصْحَابِي فَقُولُوا: لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى شَرِّكُمْ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
ــ
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
6017 -
(عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إِذَا رَأَيْتُمْ) أَيْ: أَبْصَرْتُمْ أَوْ عَرَفْتُمْ ( «الَّذِينَ يَسُبُّونَ أَصْحَابِي فَقُولُوا: لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى شَرِّكُمْ» ) ، فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ لَعْنَهُمْ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ، فَإِنَّهُمْ أَهْلُ الشَّرِّ وَالْفِتْنَةِ، وَأَنَّ الصَّحَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلرِّضَا وَالرَّحْمَةِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَهُوَ مِنْ كَلَامِ الْمُنْصِفِ الَّذِي كُلُّ مَنْ سَمِعَهُ مِنْ مُوَالٍ أَوْ مُنَافٍ قَالَ: لِمَنْ خُوطِبَ بِهِ قَدْ أَنْصَفَكَ صَاحِبُكَ، وَمِنْهُ بَيْتُ حَسَّانٍ فِي حَقِّ مَنْ هَجَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شِعْرٌ:
أَتَهْجُوهُ وَلَسْتَ لَهُ بِكُفْءٍ
…
فَشَرُّكُمَا لِخَيْرِكُمَا فِدَاءُ.
وَالتَّعْوِيضُ وَالتَّوْرِيَةُ أَوْصَلُ بِالْمُجَادِلِ إِلَى الْغَرَضِ، وَأَهْجَمُ بِهِ عَلَى الْغَلَبَةِ مَعَ قِلَّةِ شَغَبِ الْخَصْمِ وَقِلَّةِ سُكُوتِهِ بِالْهُوَيْنَا. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) . وَكَذَا الْخَطِيبُ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا:( «إِنَّ شِرَارَ أُمَّتِي أَجْرَؤُهُمْ عَلَى أَصْحَابِي» ) . وَفِي الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ: ( «يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ يُسَمَّوْنَ الرَّافِضَةَ يَرْفُضُونَ الْإِسْلَامَ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّهُمْ مُشْرِكُونَ» ) . وَفِي رِوَايَةٍ ( «يَنْتَحِلُونَ حُبَّنَا أَهْلَ الْبَيْتِ وَلَيْسُوا كَذَلِكَ أَنَّهُمْ يَسُبُّونَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ» ) . كَذَا فِي الصَّوَاعِقِ، وَلَعَلَّ الْحِكْمَةَ فِي سَبِّ الرَّوَافِضِ بَعْضَ الصَّحَابَةِ، وَالْخَوَارِجِ بَعْضَ أَهْلِ الْبَيْتِ أَنَّهُمْ لَمَّا انْقَطَعَ عَنْهُمْ أَعْمَالُهُمْ بِانْتِهَاءِ آجَالِهِمْ، أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَسْتَمِرَّ لَهُمُ الثَّوَابُ لِمَزِيدِ حُسْنِ الْمَآبِ، وَأَنْ يَرْجِعَ أَعْدَاؤُهُمْ إِلَى سُوءِ الْحِسَابِ وَشِدَّةِ الْعَذَابِ.