المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل في مناقشة ورد قصة العتبي] - مصباح الظلام في الرد على من كذب الشيخ الإمام ونسبه إلى تكفير أهل الإيمان والإسلام - جـ ٣

[عبد اللطيف آل الشيخ]

فهرس الكتاب

- ‌[حياة الأنبياء والشهداء بعد موتهم لا تدل على أنهم بقصدون للدعاء والاستغاثة]

- ‌[فصل في رد دعوى المعترض أن طلب الشفاعة ممن له شفاعة أو قرب يسوغ ولا يحرم وليس بشرك وأنه من جنس سؤال الأحياء ما يستطيعونه]

- ‌[فصل فيه الشفاعة المثبتة والمنفية والمقصود بملكية الشفاعة]

- ‌[فصل في منع ترتيب دعائه عليه السلام على أن جاهد في مزيد دائم]

- ‌[فصل فيه إبطال دعوى المعترض أن الشفاعة تطلب من الرسول عليه السلام بعد موته]

- ‌[فصل فيه معنى الاصطفاء والتفريق بين إنكار المنكر وتكفير من أشرك وعاند]

- ‌[فصل فيه مناقشة التفريق بين الخوارج وأهل السنة]

- ‌[حياة الأنبياء والشهداء بعد موتهم لا يدل على علمهم بحال من دعاهم ولا قدرتهم على إجابته]

- ‌[فصل فيه رد مسبة المعترض بلد الشيخ]

- ‌[بيان أن حديث توسل آدم بحق محمد عليه السلام موضوع]

- ‌[فصل فيه مناقشة أن الرؤيا المنامية ليست من الأحكام الشرعية]

- ‌[فصل في مناقشة ورد قصة العتبي]

- ‌[فصل في رد احتجاج المعترض بقول العلماء لقصة العتبي]

- ‌[فصل في رد ادعاء المعترض حسن قصده من اعتراضات وبيان سوء قصده وأثره وبطره]

- ‌[فصل في رد نسبة المعترض الشيخ للجهل وعدم معرفة مذاهب أهل العلم]

- ‌[فصل فيه بيان أن الحجة تقوم على المكلفين ويترتب حكمها بعد بلوغ ما جاءت به الرسل ويكفي في التكفير رد الحجة وعدم قبول الحق]

- ‌[فصل فيه رد على فهم خاطىء للمعترض لكلام شيخ الإسلام ابن تيمية]

- ‌[باب الدعاوى مصراعاه من بصرى إلى عدن ولكن لا دعوى بدون بينة]

- ‌[فصل في مناقشة كلام لابن تيمية استدل به المعترض على عدم تكفير أهل الشرك والردة وخلط بينهم وبين أهل البدع والأهواء]

- ‌[فصل في بيان أن من كفر الفرق كلها فقد خالف الكتاب والسنة ومن الفرق من خرج عن الملة]

- ‌[فصل في احتجاج المعترض بكلام لشيخ الإسلام ابن تيمية على أن عباد القبور وغيرهم خطؤهم مغفور لهم]

- ‌[فصل في احتجاج المعترض لكلام لابن القيم فهم منه منع التكفير بدعاء غير الله والشرك به]

- ‌[فصل في احتجاج المعترض بكلام لابن رجب الحنبلي على مقصده من عدم تكفير من أتى بشرك]

- ‌[فصل في الشفاعة وأنها لمن كان من أهل التوحيد]

- ‌[فصل في رد المعترض فيما حده للشفاعة من حد]

- ‌[فصل في مناقشة ورد دعوى المعترض أنه لا يكفر إلا من عرف وعلم واختار الكفر]

- ‌[فصل فيه جواب المعترض بأن الشيخ لم يكفر بلازم قوله أو مذهبه]

- ‌[فصل في رد دعوى المعترض التسهيل بقبول الشهادتين ممن دعا غير الله واستغاث بهم]

- ‌[فصب في رد استدلال المعترض بكلام لابن عقيل مع المتكلمين على رد قول علماء الإسلام]

- ‌[فصل في رد تأول المعترض كلام ابن عقيل والشافعي على المتكلمين في أئمة الهدى ومصابيح الدجى]

- ‌[فصل في احتجاج المعترض بأقوال لأهل العلم في أهل البدع يرمي به علماء التوحيد]

- ‌[فصل فيه بحث مسألة الإيمان والتكفير بالذنوب بين أهل السنة والخوارج]

- ‌[فصل في احتجاج المعترض بحديث البطاقة على منع تكفير من نقض الشهادتين]

الفصل: ‌[فصل في مناقشة ورد قصة العتبي]

[فصل في مناقشة ورد قصة العتبي]

قرر هذا المعنى في رده على النصارى، ولخصناه هنا لينتفع به من وقف عليه.

إذا عرفت هذا: عرفت بطلان قول المعترض: (فماذا يقول هذا الرجل؟ أفيقول: الصحابة رضي الله عنهم كفروا) .

فإن شيخنا رحمه الله أسعد [بحب](1) الصحابة ومتابعتهم من هذا المعترض الضال.

وقوله: (وهذا فيه أنهم نادوا وطلبوا منه صلى الله عليه وسلم الاستسقاء) .

قد تقدم أنه نقله عن واحد، وهنا أضافه إلى الصحابة كلهم، وفيهم عمر؟ فما أقبح الكذب، لا سيما على الله وعلى رسوله وعلى أصحاب رسوله (2) ؟ (كما فعل هذا الضال)(3) .

(1) ما بين المعقوفتين زيادة من المطبوعة.

(2)

في (ق) : "رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنهم".

(3)

ما بين القوسين ساقط من (ق) .

ص: 469

فصل قال المعترض: (وفي كلام محيي الدّين أبي زكريا يحيى النووي (الشافعي المشهور بالعلم والحفظ والإتقان، قال بعد أن ذكر)(1) صفة زيارة النبي صلى الله عليه وسلم وصفة السلام عليه وعلى صاحبيه، والانحراف عن استدباره واستقبال القبلة بالدعاء- قال: ثم يرجع الزائر إلى موقفه الأول قبالة وجه النبي صلى الله عليه وسلم فيتوسل به في حق نفسه، ويستشفع به إلى ربه، ومن أحسن، ما يقول: ما حكاه أصحابنا عن العتبي مستحسنين له) وذكر قصة العتبي؛ وهو تابعي جليل- فقال: (حكى العتبي أنه قال: كنت جالسا (2) عند قبر النبي-صلى الله عليه وسلم[فجاء أعرابي]، (3) فقال: السلام عليك يا رسول الله يا صفوة خلق الله أنت الذي عليك: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} [النساء: 64][النساء 64] .

وقد ظلمت نفسي (4) ؛ وها أنا قد أتيتك (5) أستغفر من ذنبي،

(1) ما بين القوسين ساقط من (ق) .

(2)

ساقطة من (ق) و (م) و (ح) .

(3)

ما بين المعقوفتين زيادة من (المطبوعة) .

(4)

"وقد ظلمت نفسي " ساقطة من (ق) و (م) .

(5)

في (المطبوعة) : " أتيت".

ص: 470

اشفع لي إلى ربي، ثم أنشأ يقول:

يا خير من دفنت (1) بالقاع أعظمه

فطاب من طيبهن القاع والأكم

أنت الفداء لقبر أنت ساكنه

فيه العفاف ، وفيه الجود والكرم

أنت الحبيب الذي ترجى شفاعته

عند الصراط إذا مازلت القدم

أنت البشير النذير المستضاء به

وشافع الخلق إذ يغشاهم الندم

تخصهم (2) بنعيم لا نفاد له

والحور في جنة المأوى لهم خدم

تُعطى الوسيلة يوم العرض مغتبطًا

عند المهيمن لما تحشر الأمم

والحوض قد خصك الله الكريم به

يومًا عليه جميع الخلق تزدحم

تَسقى لمن شئت ، يا خير الأنام ، وكم

قومًا لعِظَمِ الشقا والبعد قد حرموا

صلى عليك إله العرش ما طلعت

شمس النهار ، فغشت حندس الظلم

قال العتبي رحمه الله: ثم [انصرف الأعرابي](3) فغلبني النوم (4) . فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا عتبي أدرك الأعرابي، وبشِّره أن الله قد غفر له (5) .

ثم ذكر المعترض: (أنَّ موفق الدين بن قدامة، وابن أبي عمر، وصاحب "المستوعب" وغيرهم من الأصحاب ذكروا ذلك، ونقلوا هذه القصة راضين بها، وهي مما استفاض عند الأمة، حتى لا تحتاج لسند،

(1) في (ق) : "دفن".

(2)

في (ح) : "تخصم".

(3)

ما بين المعقوفتين زيادة من (المطبوعة) .

(4)

في (المطبوعة) : "فغلبتني عيني".

(5)

سيأتي كلام المصنف رحمه الله عن هذه القصة، وهو كلام بديع.

ص: 471

قال: (ثم (1) دع صحتها من عدمها وأنها منام (2) ولكن الشأن في رضى نقلتها وهم حملة الشريعة المطهرة) .

ثم كرر هذيانه (3) المتقدم في ذم وطن الشيخ، وأنَّ النبي لم يَدْعُ له، وأن الشيخ لم يظهر الدين؛ بل كفَّر العلماء الأمناء والأمة التي أخبر الله تعالى أنها خير أمة أخرجت للناس، وأعاد ما تقدم بعبارة واهية وتركيب ساقط، كأنه وقع على دليل يجب المصير إليه في تجويز دعاء الأموات وتخطئة من منعه.

ولا يخفى أنه حرَّف البيت الثاني تحريفًا بشعًا، جعل الرسول صلى الله عليه وسلم فداء للقبر؛ بأبي هو وأمي، ولم يشعر (4) بما في كلامه من التحريف، ورسم هذا التحريف (5) بقلمه، وكتبه بيده، وصوابه:" نفسي الفداء".

والجواب أن يقال: هذه القصة ذكرها طائفة من متأخري الفقهاء، ولم يذكرها غيرهم ممن يعتدُّ به، ويقتدى به، كالأئمة المتبوعين وأكابر أصحابهم، وأهل الوجوه في مذاهبهم، كأشهب وابن القاسم، وسحنون وابن وهب؛ وعبد الملك وابنه، والقاضي إسماعيل من المالكية؟ ولا من الشافعية كالمزني والبويطي، وابن عبد الحكم، ومن بعدهم كابن خزيمة، وابن سريج وأمثالهم، ونظرائهم من أهل الوجوه؛

(1) في (ق) : "ثم قال".

(2)

في (ق) : "صنام".

(3)

في (ق) : "ذكر الهذيان".

(4)

في (ق) : "ما".

(5)

"ورسم هذا التحريف" ساقطة من (ق) .

ص: 472

وكأبي يوسف من أصحاب أبي حنيفة ومحمد بن الحسن اللؤلؤي. (1) وزفر بن الهذيِل، ومن بعدهم كالطحاوي حامل (2) لواء المذهب، وكذلك أصحاب أحمد وأصحاب الوجوه في مذهبه لم يذكرها (3) أحد منهم، كعبد الله وصالح، والخلال، والأثرم، وأبي بكر (4) عبد العزيز، والمروذي وأبي الخطاب ومن بعدهم، كابن عقيل وابن بطة.

وبعض من ذكر هذه الحكاية (5) يرويها بلا إسناد وبعضهم عن محمد بن حرب الهلالي، وبعضهم يرويها عن محمد بن حرب عن أبي الحسن الزعفراني عن الأعرابي، وقد ذكرها البيهقي بإسناد مظلم عن محمد بن الروح بن يزيد (6) البصري: حدثني أبو حرب الهلالي، قال: حج أعرابي فذكر نحو ما تقدم، ووضع لها بعض الكذابين إسنادًا إلى علي بن أبي طالب، كما روى أبو الحسن علي بن إبراهيم بن عبد الله بن عبد الرحمن الكرخي عن علي ابن محمد بن علي حدثنا أحمد بن محمد بن (7) الهيثم الطائي، قال حدثنا أبي عن أبيه سلمة (8) بن كهيل عن أبي صادق عن علي (9) بن أبي طالب، فذكر نحو ما تقدَّم.

(1) كذا في النسخ الأربع، وفي (المطبوعة) :"الشيباني".

(2)

ساقطة من (ح) .

(3)

في (ق) : " يذكره".

(4)

في (المطبوعة) زيادة: "بن".

(5)

في (ق) : " الحكايات".

(6)

في (المطبوعة) : "روح بن زيد"، وفي (ح) :"روح بن يزيد".

(7)

ساقطة من (الأصل) .

(8)

في (ق) : "مسلمة"، وهو خطأ.

(9)

ساقطة من (ق) و (ح) .

ص: 473

قال الحافظ ابن عبد الهادي (1)(هذا الخبر منكر موضوع، لا يصلح الاعتماد عليه ولا يحسن المصير إليه، وإسناده ظلمات بعضها فوق بعض، والهيثم جد أحمد بن محمد بن (2) الهيثم أظنه ابن عدي الطائي، فإن يكن هو فهو متروك إلا (3) فمجهول.

وقال عباس (4) الدوري: سمعت يحيى بن معين يقول: الهيثم بن عدي كوفي ليس بثقة. كان يكذب. "وقال العجلي، وأبو داود: كذاب. وقال أبو حاتم الرازي، والنسائي، والدولابي، والأزدي: متروك الحديث. وقال ابن المديني (5) ساقط قد كشف قناعه. وقال أبو زرعة: ليس بشيء. وقال ابن عدي: ما أقل ماله من المسند، وإنما هو صاحب أخبار وأسمار، ونسب وأشعار. وقال الحاكم أبو عبد الله: الهيثم بن عدي الطائي في علمه ومحله حدث عن جماعة من الثقات وأحاديث منكرة، وقال العباس (6) بن محمد: سمعت بعض أصحابنا يقول، قالت جارية الهيثم: كان مولاي يقوم عامة الليل يصلِّي، فإن أصبح جلس يكذب) .

فإذا كانت هذه الحكاية عند أهل العلم بهذه المثابة (7) لم تثبت بسند يعول عليه ويحتج به.

(1) انظر: " الصارم المنكي "ص (430) .

(2)

ساقطة من (ق) .

(3)

في (ق) و (م) زيادة: " فهو".

(4)

في (الأصل) و (ق) و (ح) : " ابن عباس"، وهو خطأ.

(5)

في النسخ الأربع: "السعدي"، ولعل المثبت هو الصواب.

(6)

في (ق) و (م) : "أبو العباس".

(7)

في (المطبوعة) زيادة: "من الوهن".

ص: 474

فكيف يقول هذا الغبي: (ولكن الشأن في نقلتها، وهم حملة الشريعة المطهرة) ، وقد عرفت أنَّ حملة الشريعة المطهرة ونقادها جزموا بأن الحكاية لم تثبت، وأنها من الموضوعات. وأما الموفق، وابن أبي عمر وغيرهما من أصحابنا، فهم لم يذكروا هذا ولم يعتمدوا عليه، والمناسك المعتبرة وما ذكروا في آداب الزيارة موجود منقول (1) بسند العدول.

وهذا الرجل المعترض قد تقدم أنه جاهلي لا يحسن النقل، ولا يدري الصحيح؟ بل يفتري (2) على أهلم العلم، فهو ساقط هالك لا يلتفت إلى نقله.

ثم لو سلمنا ثبوت هذه الحكاية، فلا دليل فيها على ما ذهب إليه هذا الأحمق من تجويز دعاء الأنبياء والصالحين، وطلب الحوائج منهم، والأعراب لا يحتج بأفعالهم ويجعلها دليلًا شرعيا إلَاّ مصاب في عقله؛ مفلس في فهمه وعلمه، وكذلك نقل العتبي ومن مضى (3) من رجال سندها ليسوا (4) بشيء.

وقد تقدَّم أنَّ أدلة الأحكام (5) هي الكتاب والسنَّة والْإِجماع، والقياس المعتبر فيه خلاف، وغير ذلك ليس من الأدلة في شيء، ولم يأت عن أحد من الأئمة من عهد الصحابة إلى آخر القرون المفضلة في هذا الباب ما يثبت، لا طلب الاستغفار ولا غيره.

(1) في (المطبوعة) : "موجودة منقولة".

(2)

في (ق) و (م) و (المطبوعة) زيادة: " الكذب".

(3)

في (ق) : "معه".

(4)

في (المطبوعة) : "من العلم في شيء".

(5)

في (ق) : " الدلالة "، وفي (م) :"الأدلة".

ص: 475

وقد تقدم عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى أنه حكى الإجماع على منعه، وأن النبوات متفقة على تحريمه، وابن عقيل تقدم كلامه فيمن دس الرقاع إلى ضرائح الموتى، للطلب منهم، ولو فرض أن هذا الأعرابي قد غفر له، فذلك أيضًا لا يدل على حسن حاله؛ وأسباب الكائنات لا يحصيها إلَاّ الله، وقد يستجاب لعُبَّاد الأصنام، كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية (1) رحمه الله في كتابه " اقتضاء الصراط المستقيم".

ثم ليس في الحكاية أنه سأل الرسول شيئًا، غايته أنه توسل به، ومسألة التوسل بذاته صلى الله عليه وسلم غير مسألة دعائه والاستغاثة به والطلب منه، وقد قال تعالى:{وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران: 135][آل عمران / 135] . فإذا كان الله (2) هو المختص بمغفرة الذنوب، فكيف تطلب المغفرة من غيره تعالى وتقدس؟ .

وقد تقدم لهذا المعترض (3) أنه قال: (وإنما الشرك طلب مغفرة الذنوب، وهداية القلوب، فجزم بأن هذا من الشرك) ؛ ثم رجع (4) واحتج بها على الطلب من الرسول، كما قال البوصيري.

قال الحافظ ابن عبد الهادي (5) رحمه الله: (وقوله: إني سمعت الله يقول: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ} [النساء: 64] الآية [النساء / 64] .

(1) ساقطة من (ق) و (م) .

(2)

في (المطبوعة) زيادة: "سبحانه".

(3)

في (م) و (ح) و (المطبوعة) زيادة: " الغبي ".

(4)

في (ق) و (م) زيادة: "هو"، وفي (المطبوعة) زيادة:"يناقض نفسه".

(5)

انظر: "الصارم المنكي"(ص 272- 275) .

ص: 476

ليس فيه ما يدل على مشروعية إتيان قبره الشريف، ولم يقل ذلك أحد من أهل العلم، ويتبين ذلك بالكلام على الآية وما أريد بها [وسيقت له، وما فهمه منها أهل العلم بالتأويل من سلف الأمة وأئمتها، والآية](1) سيقت لذم من تخلف (2) عن المجيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حال حياته ليستغفر له، وحكم تعالى على من أبى هذا أنه من المنافقين.

قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ} [المنافقون: 5][المنافقون 5] .

وكذلك هذه الآية إنما هي في المنافق الذي رضى بحكم (3) كعب بن الأشرف، وغيره من الطواغيت، دون حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فظلم نفسه بهذا أعظم ظلم، حيث لم يجيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر له، فإن المجيء إليه ليستغفر له توبة وتنصل من الذنوب.

وهذه كانت عادة الصحابة معه صلى الله عليه وسلم: أن أحدهم متى صدر منه ما يقتضي التوبة جاء إليه، فقال: يا رسول الله فعلت كذا وكذا فاستغفر لي، وكان هذا فرقًا بينهم وبين المنافقين، فلما استأثر الله عز وجل بنبيه صلى الله عليه وسلم، ونقله من بين أظهرهم إلى دار كرامته لم يكن أحد منهم قط يأتي إلى قبره ويقول: يا رسول الله، فعلت كذا وكذا فاستغفر لي، ومن يقل هذا عن أحد منهم فقد جاهر بالكذب والبهت، أَفَتَرى عطَّل الصحابة والتابعون - وهم

(1) ما بين المعقوفتين إضافة من (ق) و (م) رأينا إثباتها بالمتن من ضرورة السياق. يراجع: (الصارم المنكي، لابن عبد الهادي)، وفي (المطبوعة) :"وهي إنما".

(2)

في (المطبوعة) زيادة: "من المنافقين ".

(3)

في (المطبوعة) زيادة: "الطاغوت".

ص: 477

خير القرون على الإطلاق- هذا الواجب الذي ذم الله سبحانه من تخلف عنه، وجعل (1) التخلف عنه من أمارات النفاق، ووفق له من لا يؤبه (2) له من الناس ولا يعد في أهل العلم؟ فكيف أغفل هذا أئمة الْإِسلام؟ وهداة الأنام من أهل الحديث والفقه (3) والتفسير، ومن لهم لسان صدق في الأمة، فلم يدعوا إليه ولم يحضوا عليه؟ ولم يرشدوا إليه، ولم يفعله أحد منهم البتة؟ بل (4) المنقول الثابت عنهم ما قد عرف مما يسوء الغلاة فيما يكرهه وينهى عنه من الغلو والشرك والجفاء عما يحبه ويأمر به من التوحيد والعبودية (5) ولما كان هذا المنقول شجى في حلوق الغلاة، وقذى في عيونهم، وريبة في قلوبهم، قابلوه بالتكذيب والطعن في الناقل، ومن استحيا منهم ومن أهل (6) العلم بالآثار قابله بالتحريف والتبديل؛ ويأبى الله إلَاّ أن يعلى منار الحق ويظهر أدلته ليهتدي المسترشد (7) وتقوم الحجة على المعاند، فيعلى (8) الله بالحق من يشاء ويضع بردّه وبطره وغمص أهله من يشاء.

(1) في (المطبوعة) : "وجهل".

(2)

"من لا" ساقطة من (ق) و (م) ، "لا" ساقطة من (المطبوعة) .

(3)

ساقطة من (المطبوعة) .

(4)

في (ح) : "من".

(5)

في (ق) و (م) : "العبودية والتوحيد ".

(6)

في (المطبوعة) : "له بعض"، وفي (ق) :(معلم) .

(7)

في (ق) : "الألته ليهد المسترشدين".

(8)

في (ق) و (م) : "فيعطى".

ص: 478

ويا لله العجب؛ أكان ظلم الأمة لأنفسها ونبيها (1) بين أظهرها موجودًا وقد دعيت فيه إلى المجيء إليه (ليستغفر لها وذم من تخلف عن هذا المجيء. فلما توفي صلى الله عليه وسلم ارتفع ظلمها لأنفسها بحيث لا يحتاج أحد منهم إلى المجيء إليه)(2) ليستغفر له؟ .

وهذا يبين أن هذا التأويل الذي تأول عليه (3) المعترض (4) هذه الآية تأويل باطل قطعًا، ولو كان حقًّا لسبقونا إليه علمًا وعملًا وإرشادًا ونصيحة، ولا يجوز إحداث تأويل في آية أو سنَّة لم يكن على عهد السلف ولا عرفوه ولا بيَّنوه للأمة، فإنه يتضمن أنهم جهلوا الحق في هذا وضلوا عنه، واهتدى إليه هذا المعترض المستأخر (5) فكيف إذا كان التأويل (يخالف تأويلهم ويناقضه، وبطلان هذا التأويل)(6) أظهر من أن يطنب في رده وإنما ننبه (7) عليه بعض التنبيه.

ومما يدل على بطلان تأويله قطعًا: أنه لا يشك مسلم أن من دُعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في (8) حياته، وقد ظلم نفسه ليستغفر له، فأعرض عن المجيء وأباه مع قدرته عليه كان مذمومًا غاية الذم، مغموصًا بالنفاق،

(1) في (ق) و (م) زيا دة: " حي".

(2)

ما بين القوسين كله ساقط من (ق) و (م) .

(3)

في (ق) و (م) : "عليه هذا"، وفي (المطبوعة) :" نقله ".

(4)

في (المطبوعة) زيادة: "مقلد أسلافه في تأويل". والمقصود بالمعترض هنا (السبكي) .

(5)

في (ق) : "المتأخر".

(6)

ما بين القوسين ساقط من (ق) .

(7)

في (م) : "ذه وإنما نبه".

(8)

في (ق) و (م) زيادة: "حال".

ص: 479

ولا كذلك من دعي إلى قبره ليستغفر له، ومن سوى بين الأمرين وبين المدعوين وبين الدعوتين فقد جاهر بالباطل، وقال على الله وكلامه ورسوله (1) وأمناء دينه غير الحق.

وأما دلالة الآية على خلاف تأويله: فهو أنه سبحانه صدَّرها بقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ (2) إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ} [النساء: 64](3)[النساء -64] .

وهذا يدل على أن مجيئهم إليه ليستغفر لهم؟ إذ ظلموا أنفسهم طاعة له؟ ولهذا ذم من تخلف عن هذه الطاعة، ولم يقل مسلم قط إن على من (4) ظلم نفسه بعد موته أن يذهب إلى قبره ويسأله أن يستغفر له، ولو كان هذا طاعة له لكان خير القرون قد عصوا هذه الطاعة وعطلوها ووفق لها (5) هؤلاء الغلاة العصاة وهذا بخلاف قوله:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء: 65][النساء / 65] .

فإنه نفى الْإِيمان عمن لم يحكمه، وتحكيمه هو تحكيم (6) ما جاء به حيًّا وميتًا، ففي حياته كان هو الحاكم (7) بينهم بالوحي، وبعد وفاته نوابه وخلفاؤه.

(1) في (ق) : "وكلام رسوله ".

(2)

ساقطة من (م) .

(3)

في بقية النسخ زيادة: فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول.

(4)

في (ق) : "في".

(5)

في (م) : "له".

(6)

في (المطبوعة) : "التحاكم إلى".

(7)

في (ح) و (المطبوعة) : "الحكم".

ص: 480

يوضح ذلك: أنه قال: " «لا تجعلوا قبري عيدًا» "(1) ولو كان يشرع لكل مذنب أن يأتي إلى قبره ليستغفر له لكان القبر أعظم أعياد المذنبين، وهذا مضادة صريحة لدينه وما جاء به، ولو كان مشروعًا لأمر به أمته وحضهم عليه (2) ورغبهم فيه (3) ولكان الصحابة وتابعوهم (4) بإحسان أرغب شيء (5) فيه، وأسبق إليه، ولم ينقل عن أحد منهم قط- وهم القدوة- بنوع من أنواع الأسانيد (6) أنه جاء إلى قبره ليستغفر له، ولا شكى (7) إليه ولا سأله، والذي صح عنه مجيء القبر للتسليم فقط هو ابن عمر، وكان يفعل ذلك عند قدومه من السفر، ولم يكن يزيد على التسليم شيئًا (8) البتة، ومع هذا فقد قال عبيد الله بن عمر العمري الذي هو أجل أصحاب نافع أو من أجلهم:"ما نعلم أحدًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك إلَاّ ابن عمر "، ومعلوم أنه لا هدي أكمل من هدي الصحابة، ولا تعظيم للرسول فوق تعظيمهم، ولا معرفة لقدره فوق معرفتهم، فمن خالفهم إما أن يكون أهدى منهم أو يكون (9) مرتكبًا لنوع من البدع، كما قال

(1) أخرجه أبو داود (2042) . وانظر: تحذير الساجد للألباني (96) ، وصححه في صحيح الجامع (7226) . وسبق تخريجه في "كشف ما ألقاه إبليس" ص (206) .

(2)

ساقطة من (م) .

(3)

ساقطة من (م) .

(4)

في (ق) و (ك) : "والتابعون لهم".

(5)

في (ق) و (المطبوعة) : "الناس"، وساقطة من (ح) .

(6)

في (ق) و (م) : " المسانيد".

(7)

في (ق) : "شكر".

(8)

في (ق) و (م) : "شيئا على ذلك".

(9)

"أو يكون" ساقط من (ق) و (م) .

ص: 481

عبد الله بن مسعود لقوم رآهم اجتمعوا على ذكر يقولونه بينهم (1)"لأنتم أهدى من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أو أنتم على شعبة ضلالة "(2) .

فتبين: أنه لو كان استغفاره لمن جاءه مستغفرًا بعد موته ممكنًا أو مشروعًا لكان كمال (3) شفقته ورحمته- بل رأفة (4) مرسله ورحمته (5) بالأمة- تقتضي ترغيبهم في ذلك وحضهم عليه.

(1) في (المطبوعة) زيادة: "ويعدونه على حصى قد تحلقوا حوله مع شيخ لهم يأمرهم بذلك في مسجد البصرة ".

(2)

أخرجه الدارمي في "سننه"(1 / 79) وغيره.

(3)

في (ح) : "كما".

(4)

في (ق) : " رأفته ".

(5)

ساقطة من (م) .

ص: 482