الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل فيه مناقشة التفريق بين الخوارج وأهل السنة]
فصل قال المعترض: (ولهذا قال الإمام أحمد: صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم من خمسة أوجه أنه قال: " «الخوارج كلاب النار» " (1) فالحاصل أنه لا يكذّب بحال الروح إلا من قلبه مجروح دون أنه صلى الله عليه وسلم في قبره حي وجسده طري أعلى (2) من حياة الشهداء يسمع المخاطب، وصح عن سعيد بن المسيب أنه يسمع أيام فتنة الحرة الأذان والإقامة من قبره صلى الله عليه وسلم (3) وليس موسى بأعلى رتبة منه -عليهما الصلاة والسلام-، وقد مرَّ (4) أنه يصلي في قبره، وذكر ابن القيم من أحوال الروح في كتاب " الروح الكبير" ما لا يمكن أن يتكلَّم به مع هؤلاء الجهلة الغوغاء؛ وأنها قد تهزم الجيوش) .
ثم ذكر حديث: " «إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام» "(5) وحديث: " «تعرض عليَّ أعمالكم فما رأيت من خير حمدت
(1) أخرجه ابن ماجه (173) ، وأحمد (4 / 355) ، والطبراني في الكبير (8 / 270، ح 8042) ، وفي المعجم الصغير (1068) .
(2)
في (ق) و (المطبوعة) : (أغلى) ، بالغين المعجمة.
(3)
أخرجه ابن سعد في الطبقات (5 / 132) ، واللالكائي في كرامات الأولياء ص (418) كلاهما من طريق عبد الحميد بن سليمان، وذكرها الذهبي في السير (4 / 228)، وقال:(عبد الحميد بن سليمان ضعيف) .
(4)
في النسخ الأربع: "مرة"، ولم أستوضحه.
(5)
أخرجه النسائي (3 / 43) ، والدارمي (2 / 317) ، والحاكم (2 / 421)، وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي وأخرجه ابن حبان كما في موارد الظمآن (2393) ، والبغوي في شرح السنة (687) .
الله تعالى عليه وما رأيت من شر استغفرت لكم» " (1) وساق حديث: "«إنَ أعمالكم تعرض على عشائركم من الأموات فإن كان خيرا استبشروا وإن كان غير ذلك قالوا (2) اللهم لا تمتهم حتى تهديهم (3) كما هديتنا» (4) .
قال المعترض: (إن كان سفيان قد دلس فيه، فهو ثقة عدل) . يشير إلى أن سفيان حدث عمن سمع أنس بن مالك.
والجواب: أما ما جاء في الخوارج عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو حق لا ريب فيه، والخوارج لا يعرفهم هذا وأمثاله من الضُلَاّل، فإنهم قوم خرجوا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفَّروهم، وفسَّقوهم بتحكيم الحكمين، ووضع الهدنة بين المسلمين في قتالهم، فكروهم بأمور ظنُّوها ذنوبا وسيئات متأولين قوله تعالى:{إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [الأنعام: 57][الأنعام: 57، ويوسف 40، 67] .
وقوله تعالى: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 1][التوبة: 1] .
(1) أخرجه الحارث بن أبي أسامة كما في زوائد الحارث (2 / 884) ، وفي سنده جسر بن فرقد وهو ضعيف عندهم، وانظر:". ميزان الاعتدال"(2 / 124) .
(2)
في (م) : "قال".
(3)
في (ق) و (م) : "تأتيهم".
(4)
أخرجه أحمد في المسند (3 / 165) من حديث أنس بن مالك، وأخرجه الطيالسي (1794) من حديث جابر بن عبد الله، وضعفه الألباني في الضعيفة (863) ، وذكره الهيثمي في المجمع (2 / 328) .
قالوا: (فلا حكم لأحد ولا هدنة بعد براءة، وقصتهم معروفة) ، وقد قاتلهم أمير المؤمنين (1) وقتلهم، وبقيت منهم بقية صارت لهم صولة وجماعة في خلافة بني أمية فقاتلهم ابن الزبير، وقاتلهم الحجاج، وقاتلهم المهلب بن أبي صفرة.
فهؤلاء كفروا أهل الإيمان والإسلام بأمورِ ظنُّوها ذنوبا وسيئات.
وأما أهل العلم والإيمان وأتباع الرسل: فهم يفرقون بين الذنوب وغيرها، ويفصلون في الذنوب المحققة بين ما يكفر ويوجب الردَّة (2) وما يوجب الفسوق فقط، وما لا يوجبه من الصغائر المكفّرة (3) باجتناب الكبائر، فهم على صراطٍ مستقيم، ومنهج مستبين؛ يأتمُّون بكتاب الله، ويقتدون برسول الله، ويعتصمون بحبل الله، قد فصلوا وبيَّنوا الذنوب المكفِّرة لأصحابها، وقرروها بأدلتها في كتب الحديث، كالصحيحين والسنن الأربع والمسانيد (4) الثمانية، والمعاجم، ونحوها من دواوين الإسلام التي يرجع إليها في سائر الأحكام، ولذلك عقد أهل المذاهب المتبوعين أبوابا مستقلة (5) في حكم الردَّة، وذكروا ما يكفر به المسلم من الأقوال والأفعال، وكلهم قرر (6) أن الشرك الأكبر يوجب الردَة كما يوجبها السحر والاستهزاء بالله وبكلامه ورسله، وذكروا (أنَّ من كَفَر بحرف من القرآن، أو فرع مجمع عليه أنه مرتد، ويخرج عن الإسلام بذلك،
(1) في (المطبوعة) زيادة: " علي ".
(2)
في (ق) و (م) : " يوجب الكفر والردَة ".
(3)
في (ق) : (المكفرات) .
(4)
في جميع النسخ عدا (ق) : "المساند".
(5)
في (ح) : " مشتملة ".
(6)
في (ق) : " قرروا ".
وذكروا) (1) أشياء كثيرة قد أفردها ابن حجر (2) وغيره بالتصنيف، فإن كان هؤلاء كلهم خوارج، فليس في الأمة إلا خارجي مبتدع، وإمامهم ورئيسهم أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه الذي كفر وقاتل مانع الزكاة، وإن لم يكن هؤلاء من الخوارج وأهل البدع؛ فالشيخ رحمه الله واحد من الجملة وفرد من آحاد العلماء، ولم يخرج عن سبيل أهل العلم في مسألة من المسائل، والمسألة التي فيها النزاع- وهي (3) دعاء الأموات والغائبين للشفاعة أو غيرها من المطالب مسألة إجماعية لا نزاع فيها بين علماء الأمة، وقد حكى شيخ الإسلام الإجماع على كفر من جعل بينه وبين الله وسائط، يدعوهم ويسألهم ويتوكل عليهم، بل حكى في رده على النصارى: أنَّ النبوَّات اتَّفقت على تكفير من دعا الأموات والغائبين، وقرَّر أن هذا من العبادات التي لا تصرف لغير الله ولا يستحقها أحد سواه.
إذا عرفت هذا: فالمعترض وأمثاله صالوا على أتباع الرسل قديما وحديثا بأنهم خوارج، وأن هذا دين الخوارج، وقالت قريش قبلهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه الصابئ. والصابئ قريب من معنى المعتزلي والخارجي، قال ابن القيِّم رحمه الله في نونيته (4) .
ومن العجائب أنهم قالوا لمن
…
قد دان بالآثار والقرآن
أنتم بذا مثل الخوارج أنهم
…
أخذوا الظواهر ما اهتدوا لمعاني (5)
(1) ما بين القوسين سقط من (المطبوعة) .
(2)
في (المطبوعة) زيادة: "الهيثمي ".
(3)
في (ق) : (وهو) .
(4)
" نونية ابن القيم " ص (103) .
(5)
في (ق) و (م) : "لبيان، وفي (ح) : "لمعاني لبيان".