الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل في رد دعوى المعترض التسهيل بقبول الشهادتين ممن دعا غير الله واستغاث بهم]
فصل قال المعترض: (قال أبو الوفاء بن عقيل في "الفنون "، فيما نقله عنه ابن مفلح: تال معتزليّ: لا مسلم إلا من اعتقد وجود الله وصفاته على ما يليق. فقلت له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سَهَّل ما صعَّبتَ (1) فقنع من الناس بدون ذلك. «ويقول للأَمَة: "أين الله "؟ فتشير إلى السماء. فيقول: "إنها مؤمنة» " (2) فتركهم صلى الله عليه وسلم على أصل الإثبات- إلى أن قال: إن من (3) مذهب المعتزلة أن من خرج عن معتقدهم فليس بؤمن، وأن هذا ينعطف على السلف الصالح بالتكفير، وإنا نتحقق أنَّ أبا بكر وعمر وغيرهما من الصحابة رضي الله عنهم لم يكن إيمانهم على ما اعتقده أبو علي الجبائي وأبو هاشم، فخجل المعتزلي. انتهى.
ولهذا لما قال الأعرابي للنبي صلى الله عليه وسلم: " «إنه رأى هلال رمضان " كما عند الإمام أحمد وغيره، قال له (4) رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تشهد أن لا إِله إلا الله
(1) في (ح) : "ضيقت".
(2)
أخرجه مسلم (537) ، وأحمد (2 / 291، 3 / 452، 4 / 222، 388، 5 / 447) .
(3)
ساقطة من (ق) و (م) .
(4)
ساقطة من (ح) .
وأني رسول الله؟ قال: نعم. فأمر صلى الله عليه وسلم مناديًا ينادي بالصيام» " (1) فاكتفى منه بالشهادتين، ولم يكلِّفه غيرهما لقبول قوله، فأخذ الإمام أحمد رحمه الله بهذا الحديث في دخول رمضان لخبر الواحد) .
والجواب أن يقال: مراد المعترض بنقل كلام ابن عقيل على ما فيه من التحريف: أنه ينبغي التسهيل للعامة وغيرهم، ممَّن دعا الصالحين وصرف لهم ما يستحقه الله رب العالمين من العبادات والدين، لأن النزاع في هذه المسألة، فاستدلَّ عليها بقول ابن عقيل:(إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سهل ما صعبت (2) إلى آخره.
وهذا صريح في أن من كفَّر المشركين وقاتلهم، وشدد في توحيد الله، والنهي عن الشرك به -مخالف مخطئ؛ قد شدَّد في السهل، وصعب اللين، هكذا زعم هذا المعترض واستدلَّ، والتشديد على المشرك وتكفيره وقتاله إذا أصرَّ وعاند ليس من خواص الشيخ الذي اعترض عليه هذا بل هو دين الرسل وطريقتهم ونحلتهم، وهم ومن اتبعهم إلى يوم القيامة؛ فعلى هذا يطرد الاعتراض، ويقال: شدَّدوا وصعبوا فيما ينبغي السهولة فيه.
فالاعتراض ليس خاصًّا بالشيخ بل طرده يفضي إلى ما ترى، وهل بعد هذا الجهل والضلال غاية ينتهي إليها الملحدون! اللهم إنا نسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة.
ثم يقال لهذا الجاهل (3) المركب: إنما كلام ابن عقيل مع معتزلي
(1) أخرجه عبد الرزاق في المصنف (7342) ، وأبو داود (2340) .
(2)
في (ح) : (صلب) .
(3)
في (المطبوعة) زيادة: "الجهل".
يعتقد ما اعتقدته المعتزلة في صفات الله على ما هو مقرَّر في معتقدهم، فأخبرهم ابن عقيل بأن من كلَّف العامة طريقة المعتزلة وما فيها من النفي المفصل، فقد صعب السهل؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم اكتفى بالإيمان المطلق لما سأل الجارية، هذا ما قصد ابن عقيل.
وأما المعترض فأراد أن المشرك الذي يسوي بين الله وبين غيره في خالص العبادة يُسَهَّل عليه ولا يشدّد، فسحقًا للقوم الظالمين.
قال الله تعالى: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً} [التوبة: 36][التوبة / 36] .
وقال تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ} [النساء: 91] الآية [النساء / 91] .
وقال تعالى: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 1]- إلى قوله: - {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التوبة: 11][التوبة / 1 و 11] .
وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [التحريم: 9][التحريم / 9] .
وقال تعالى: {فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ} [محمد: 4][محمد / 4] .
والآيات في المعنى كثيرة، فسبحان من ختم على قلوب هؤلاء الضُّلَاّل، حتى كابروا بالمُجُون والمُحال.
وكذلك ما ذكره بعد ذلك من الاستدلال بشهادة الأعرابي، يقال
له: من ردَّ شهادة الأعراب؟ ومن الذي أفسد عقائد العامة؟ والكلام فيمن أشرك بالله وسوى بينه وبين غيره، فأين هذه المسألة من شهادة الأعرابي؟ وأي جامعة بينهما لو كانوا يعلمون؟ .
ثم في هذا الكلام بحث لا يعقله هذا الجاهل، وذلك أن ابن عقيل أجابه بحسب ما عنده، وإلا فعقيدة المعتزلة أفسد العقائد في هذا الباب وأضلها، والواجب هو الإثبات الذي أقرت به الجارية، واعتقده أهل العلم من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وليس فوق ذلك غاية ينتهي إليها المؤمنون (1) في هذا الباب، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يقنع (2) من أحد إلا بما (3) يليق بجلال الله وعظمته، وربوبيته وإلهيته.
ومعلوم أنا لو جارينا هذا الكلام وسلمنا للمعتزلة ما هم عليه من الإلحاد والتعطيل للزم القدح في السلف، فالحق الذي لا ريب فيه ما تلقاه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نبيِّهم؛ واعتقدوه في ربِّهم، وما عداه فهو محض ضلال وجهل ومحال، ومن اعتقد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنع من العامة في هذا الباب وغيره بما لا يحصل به الإيمان والسعادة والفلاح؛ وأن الغاية العليا عند غيرهم من الخلوف (4) والمتكلمين، فهذا من أضلَّ الناس وأبعدهم عن طريق الهدى، وأسوأهم ظنًّا بربِّه وبنبيِّه صلى الله عليه وسلم، وبسط هذا يطول، وبهذا تعلم حال المعترض وأنه لا يدري ما يقول.
(1) في (ق) : " المؤمن".
(2)
"لا" ساقطة من (ح)، وفي (ق) و (م) :"يقبل"، بدل "يقنع ".
(3)
في (م) : "ما".
(4)
في (ق) : "الخلف".
وأما قوله: (إن من (1) مذهب المعتزلة أن (2) من خرج عن معتقدهم فليس بمؤمن) .
يقال له: وعند الرسل أيضا أن من خرج عن معتقدهم فليس بمؤمن، فإن ردَّ مذهب الرسل لموافقة المعتزلة في تكفير المخالف، فهذا الكلام إلى الكفر أقرب منه إلى الإيمان.
(1) ساقطة من (ق) و (م) .
(2)
ساقطة من (المطبوعة) .