الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل في بيان أن من كفر الفرق كلها فقد خالف الكتاب والسنة ومن الفرق من خرج عن الملة]
فصل قال المعترض: (وقال أبو العباس أيضًا؛ وليس كل من جهل شيئًا من الدين يكفر قال: "ومن (1) كفَّر الثنتين والسبعين الفرقة (2) كلها، فقد خالف الكتاب والسنَّة، وإجماع الصحابة والتابعين، وسلف الأمة") . اهـ.
ثم قال المعترض: (وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث " «وستفترق أمتي» " (3) فأثبت صلى الله عليه وسلم أنهم من أمته أمة الإجابة أهل القبلة فكيف ينفون (4) عنها، وقد أثبتهم صلى الله عليه وسلم منها؟) .
والجواب أن يقال: هذه عبارته بحروفها، فأما (5) نقله عن أبي العباس فليس فيه ما يتمسك به بل هو حجة عليه، لأن أبا العباس، إنما أثبت مخالفة الكتاب والسنَّة لمن كفَّر الفرق كلها، فلا يتم الاستدلال بكلامه إلَاّ على من كفَّر الفرق كلها، وما ظننت (6) هذا يقوله أحد
(1) في (م) : "وفي".
(2)
في (ق) و (م) : "فرقة".
(3)
انظر: ص (435) ، هامش 3.
(4)
في (ق) و (م) : " ينقدون"، وفي (ح) :" يتقون".
(5)
في (م) زيادة: "ما".
(6)
في (ق) : "ظنت".
من (1) علماء الأمة، وأما تكفير بعضها فليس في العبارة التي نقل المعترض ما ينفيه، بل ربَّما يستدل بإثبات المخالفة لمن كفَّر الكل، ومن كفَّر البعض، فليس مخالفًا، وهذا وإن لم يكن صريحًا في كلام الشيخ فالإشارة فيه إليه لا تخفى.
ثمَّ إنَّ قول هذا (2) المعترض: (وذلك لقوله-صلى الله عليه وسلم في الحديث [216] " «وستفترق أمتي» " جهل منه بمدارك الأحكام، فإن المنع من تكفير هذه الفرق ليس لأنهم من (3) الأمة؛ بل لأن التفرق قد يبقى معه أصل الْإِيمان والتوحيد المانع من الكفر المخرج عن الملة، ولذلك وقع النزاع في كثير من هذه الطوائف، فمن كفَّر بعضهم فهو يحتج بالنصوص المكفرة لهم من كتاب الله وسنَّة نبيِّه؟ ومن لم يُكَفِّر فحجَّته أن أصل (4) الْإِسلام الثابت لا يحكم بزواله إلَاّ لحصول منافٍ لحقيقته، مناقض لأصله وما بقي معه الإسلام (5) من (6) الذنوب والتفرُّق فليس من المكفِّرات، فالعمدة استصحاب الأصل وجودًا وعدمًا.
وأمَّا قول هذا المعترض: (فأثبت لهم أنهم من أمته أمة الْإِجابة أهل القبلة) .
فدعوى باطلة، ليس كل من وصف بأنه من الأمة يكون من أهل
(1) ساقطة من (المطبوعة) .
(2)
ساقطة من (م) .
(3)
في (م) زيادة: "هذه".
(4)
في (م) : "أهل".
(5)
في (ح) و (المطبوعة) : "وأما من لقي معه أهل الإسلام".
(6)
في (ق) و (المطبوعة) : "مع".
الْإِجابة والقبلة، وفي الحديث:" «ما من أحد من هذه الأمة يهودي أو نصراني يسمع بي ثم لا يؤمن إلَاّ كان من أهل النار» "(1) والحديث في سنن ابن ماجه.
وقال تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا - يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} [النساء: 41 - 42][النساء / 41، 42] .
فدلَّت هذه الآية على أن هؤلاء الكافرين من الأمة الذين يشهد عليهم صلى الله عليه وسلم.
وقال تعالى: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} [النحل: 84][النحل / 84] .
والأمة في مقام المدح والوعد يراد بها أهل القبلة وأهل الْإِجابة، وتطلق (2) في مقام التفرُّق والذم ويراد بها غيرهم، فلكل مقام مقال.
وفي عبارته فساد تركيب وركاكة ظاهرة، فإنه قال:(فكيف ينفون عنها؟) ، وهذا يسمى إخراجًا عن الملة لا نفيًا، وأبلغ منه قوله:(وقد أثبتهم منها) . وإنَّما يقال: (أدخلهم فيها) ، لا أثبتهم منها، فتدبَّر.
إذا عرفت هذا: فاعلم أنَّ هذا المعترض يرى (3) أنَّ عُبَّاد القبور والصالحين الذين (4) أشركوا بالله ربِّ العالمين، وجعلوا
(1) بل الحديث مخرج في صحيح مسلم (153) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، والحديث سبق تخريجه، انظر ص (223) ، (494) .
(2)
في (ق) و (م) : "وتلق".
(3)
ساقطة من (ق) و (م) .
(4)
في (ق) و (المطبوعة) : "الذي".
له (1) أندادًا ونظراء فيما يستحقه على عباده من الحب والخضوع، والتعظيم والدعاء، رغبًا ورهبًا، والتوكُّل والإنابة والاستغاثة، والذبح والنذر والحلف، وغير ذلك من أنواع العبادة هم من الأمة أهل الإجابة والقبلة، وأنهم من هذه الفرق المذكورين في هذا الحديث، والشرك عنده لا وجود له إلَاّ في اليهودية والنصرانية والمجوسية أو من جحد جميع ما جاء به الرسول عنادًا، وما (2) عداه من المكفرات التي ذكرها أهل العلم في أبواب [217] ، الردة، بل ذكرها الله في كتابه وقرَّرها هو، وبيَّنها رسوله أتمّ بيان ووضحها أظهر توضيح، لا توجب الكفر عنده ولا الردَّة، ومن بلغت به الجهالة والشلالة إلى هذا الحد والغاية فقد سقط الكلام معه، والأولى به أن يساس بما يساس به القرمطي والسفسطائي ونحوهم، ممن يكابر في اليقينات؛ ويقرمط في السمعيات.
فما هو إلَاّ الوحي أو حد مرهف
…
تزيل ظباه أخدعي كل مائل
فهذا دواء الداء من كل عاقل
…
وهذا دواء الداء من كل جاهل
ويقال (3) بهذا الملحد: ما تقول في الغالية الذين (4) حرَّقهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه بمشهد من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم، أهم من الثنتين والسبعين فرقة أم لا؟ وما تقول في مانعي الزكاة الذين (5) قاتلهم
(1) في (ح) و (المطبوعة) : "لله".
(2)
في (م) : "أو ما".
(3)
في (ق) : "ونقول".
(4)
في (ح) : "الذي".
(5)
في (المطبوعة) : "الذي".
الصدِّيق وأجمعت (1) الصحابة على تكفيرهم، أهم من الثنتين والسبعين فرقة أم لا؟ وكذلك بنو حنيفة، وبنو عبيد القداح ملوك مصر والمغرب، فإن دخلوا في الثنتين والسبعين فرقة بطل تأسيسك وانهدم أصلك الفاسد، وإن لم يدخلوا كما هو الصحيح بطل إدخالك أمثالهم من عُبَّاد القبور في مسمى الأمة في هذا الحديث، وثبت أن من (2) الفرق من يخرج عن الملة ويرتدّ (3) بما خالف فيه من نحلته.
(1) في (ق) و (ح) و (المطبوعة) : "وأجمع".
(2)
ساقطة من (ق) .
(3)
في (ق) : "ويرد"، وأسقط "على الملة ".