المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل فيه معنى الاصطفاء والتفريق بين إنكار المنكر وتكفير من أشرك وعاند] - مصباح الظلام في الرد على من كذب الشيخ الإمام ونسبه إلى تكفير أهل الإيمان والإسلام - جـ ٣

[عبد اللطيف آل الشيخ]

فهرس الكتاب

- ‌[حياة الأنبياء والشهداء بعد موتهم لا تدل على أنهم بقصدون للدعاء والاستغاثة]

- ‌[فصل في رد دعوى المعترض أن طلب الشفاعة ممن له شفاعة أو قرب يسوغ ولا يحرم وليس بشرك وأنه من جنس سؤال الأحياء ما يستطيعونه]

- ‌[فصل فيه الشفاعة المثبتة والمنفية والمقصود بملكية الشفاعة]

- ‌[فصل في منع ترتيب دعائه عليه السلام على أن جاهد في مزيد دائم]

- ‌[فصل فيه إبطال دعوى المعترض أن الشفاعة تطلب من الرسول عليه السلام بعد موته]

- ‌[فصل فيه معنى الاصطفاء والتفريق بين إنكار المنكر وتكفير من أشرك وعاند]

- ‌[فصل فيه مناقشة التفريق بين الخوارج وأهل السنة]

- ‌[حياة الأنبياء والشهداء بعد موتهم لا يدل على علمهم بحال من دعاهم ولا قدرتهم على إجابته]

- ‌[فصل فيه رد مسبة المعترض بلد الشيخ]

- ‌[بيان أن حديث توسل آدم بحق محمد عليه السلام موضوع]

- ‌[فصل فيه مناقشة أن الرؤيا المنامية ليست من الأحكام الشرعية]

- ‌[فصل في مناقشة ورد قصة العتبي]

- ‌[فصل في رد احتجاج المعترض بقول العلماء لقصة العتبي]

- ‌[فصل في رد ادعاء المعترض حسن قصده من اعتراضات وبيان سوء قصده وأثره وبطره]

- ‌[فصل في رد نسبة المعترض الشيخ للجهل وعدم معرفة مذاهب أهل العلم]

- ‌[فصل فيه بيان أن الحجة تقوم على المكلفين ويترتب حكمها بعد بلوغ ما جاءت به الرسل ويكفي في التكفير رد الحجة وعدم قبول الحق]

- ‌[فصل فيه رد على فهم خاطىء للمعترض لكلام شيخ الإسلام ابن تيمية]

- ‌[باب الدعاوى مصراعاه من بصرى إلى عدن ولكن لا دعوى بدون بينة]

- ‌[فصل في مناقشة كلام لابن تيمية استدل به المعترض على عدم تكفير أهل الشرك والردة وخلط بينهم وبين أهل البدع والأهواء]

- ‌[فصل في بيان أن من كفر الفرق كلها فقد خالف الكتاب والسنة ومن الفرق من خرج عن الملة]

- ‌[فصل في احتجاج المعترض بكلام لشيخ الإسلام ابن تيمية على أن عباد القبور وغيرهم خطؤهم مغفور لهم]

- ‌[فصل في احتجاج المعترض لكلام لابن القيم فهم منه منع التكفير بدعاء غير الله والشرك به]

- ‌[فصل في احتجاج المعترض بكلام لابن رجب الحنبلي على مقصده من عدم تكفير من أتى بشرك]

- ‌[فصل في الشفاعة وأنها لمن كان من أهل التوحيد]

- ‌[فصل في رد المعترض فيما حده للشفاعة من حد]

- ‌[فصل في مناقشة ورد دعوى المعترض أنه لا يكفر إلا من عرف وعلم واختار الكفر]

- ‌[فصل فيه جواب المعترض بأن الشيخ لم يكفر بلازم قوله أو مذهبه]

- ‌[فصل في رد دعوى المعترض التسهيل بقبول الشهادتين ممن دعا غير الله واستغاث بهم]

- ‌[فصب في رد استدلال المعترض بكلام لابن عقيل مع المتكلمين على رد قول علماء الإسلام]

- ‌[فصل في رد تأول المعترض كلام ابن عقيل والشافعي على المتكلمين في أئمة الهدى ومصابيح الدجى]

- ‌[فصل في احتجاج المعترض بأقوال لأهل العلم في أهل البدع يرمي به علماء التوحيد]

- ‌[فصل فيه بحث مسألة الإيمان والتكفير بالذنوب بين أهل السنة والخوارج]

- ‌[فصل في احتجاج المعترض بحديث البطاقة على منع تكفير من نقض الشهادتين]

الفصل: ‌[فصل فيه معنى الاصطفاء والتفريق بين إنكار المنكر وتكفير من أشرك وعاند]

[فصل فيه معنى الاصطفاء والتفريق بين إنكار المنكر وتكفير من أشرك وعاند]

فصل قال المعترض: (وقد قال تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} [فاطر: 32] [فاطر / 32] . قال أبو العباس: ومن قال إنها عامة في الأمم كآيات الواقعة، فقد أخطأ، وساق حديث (1)" «لو لم تذنبوا لذهب الله بكم وجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر الله لهم» "(2) . فذلك لأنه سبحانه وتعالى كريم يحبُّ الكرم والأفضال {إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} [النجم: 32][النجم -32] . و {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف: 156][الأعراف -156] . ومن رحمته الشفاعة لنبيِّه ووصفه بالرأفة والرحمة.

وقال: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128][التوبة -128] وقال تعالى عن نفسه: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب: 43][الأحزاب -43] .

(1) ساقطة من (ق) .

(2)

أخرجه مسلم (2748) من حديث أبي أيوب (2749) من حديث أبي هريرة، وأحمد (1 / 289)، وانظر: السلسلة الصحيحة للألباني (370) .

ص: 436

ومع ذلك لا تزال علماء أمته (1) ينكرون عليهم، ويجددون لها دينها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويدخلون عليها من الباب الواسع ولا يخافون لومة لائم، ويتحاشون من الباب الضيق بتكفيرها، كما فعل هذا الرجل وذووه، ولا يفعل هذا إلا مبتدع خارج عن سبيل علماء الأمة وسلفها الصالح، وقد اتبع هواه وهو يتجارى به الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه) .

والجواب أن يقال: وقوف المؤمن العارف بدين الله على هذه الضلالات والجهالات المُرَكَّبة فيه تنبيه له على نعمة الله عليه، وحث (2) على شكر نعمة الإيمان والإسلام والفهم عن الله.

قال تعالى: {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة: 269][البقرة -269] .

قال بعض السلف: (من أعطي القرآن، ورأى أن أحدا فوقه، فما عرف نعمة الله عليه) ، وهذه الآية (3) فيها الدلالة والبرهان على بطلان ما أورده المعترض من أول كلمة أنكرها على شيخنا رحمه الله، وذلك من وجوه.

الوجه الأول: أن قوله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} [فاطر: 32][فاطر / 32] . وإضافة التوريث إليه تعالى لهم دون غيرهم شاهد لقول الشيخ: (إنَّ الأمة في مقام المدح والثناء التي جاءت الآثار بمدحهم وتزكيتهم، وقيامهم

(1) في (ق) و (م) : " الأمة ".

(2)

في (ق) و (م) زيادة: " له".

(3)

في (ق) و (م) : " الآيات".

ص: 437

بدين الله وشرعه هم أهل القرآن الذي أورثهم الله كتابه، يتلونه حق تلاوته، فيعملون بحكمه ويؤمنون بمتشابهه، ويحلّلون حلاله ويحرمون حرامه) . وهؤلاء جنس (1) ونوع آخر قد باينوا عبَّاد القبور والجهمية والزنادقة، وأهل الأهواء والبدع المضلَّة.

قال شيخ الإسلام رحمه الله: (إنَّما جاء إضافة توريث الكتاب إلى الله في الصنف المحمود في كتاب الله من أوليائه وعباده المؤمنين، فهو سياق في معرض الثناء بخلاف قوله: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى} [الأعراف: 169] (2)[الأعراف -169] . فإنه أسند الإرث إليهم ولم يزكهم) . وبهذا تعرف أن هذه الآية كقوله صلى الله عليه وسلم في الفرقة الناجية دون سائر الفرق: " «هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي» (3) ولا قائل بعصمة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الذنوب، بل تقع فيهم ومنهم ومنهم ومنهم (4) فظهر أن الله أورث كتابه أهل التوحيد والإيمان والسنَّة، وأما، أهل الشرك، وعبادة الصالحين، ومن عطَّل أسماءه وصفاته، أو سبَّ أئمة الهدى وأعلام الدجى، ونسبهم إلى الأهواء (5) وتجاري الكلب وغير ذلك مما هو مسؤول عنه ومحبوس، حتى يخرج منه هذا إن لقي الله مسلما، وإلا فالأمر شديد والهول عظيم، والله بصير بالعباد.

الوجه الثاني: قوله: {اصْطَفَيْنَا} [فاطر: 32] فإن الاصطفاء هو الاختيار

(1) في (ق) و (م) زيادة: " آخر".

(2)

في (ق) زيادة: " (ويقولون) الآية ".

(3)

انظر: تخريج حديث افتراق الفرق المتقدم في ص (435) ، هامش 3.

(4)

ساقطة من (ق) .

(5)

في (ق) : " الهوى ".

ص: 438

والاجتباء، ولا قائل من الناس بأن كل مدعِ للإيمان والإسلام يدخل في هذا العموم من غير تحقيق لدعواه بالإيمان بالله وتوحيده؟ وإثبات صفات كماله ومتابعة رسله، ومن قال غير هذا فخطأه أوضح من أن ننبه عليه.

ومعلوم: أن الزنادقة والجهمية والاتحادية والحلولية كلهم يدعون أنهم من المصطفين ومن أتباع الرسل، وكل هؤلاء ما أورثهم صلى الله عليه وسلم كتابه ولا اصطفاهم، ومن زعم غير ذلك فهو شاهد زور، ولو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال دماء قوم وأموالهم لكن البينة على من ادَّعى" (1) . وقال تعالى:{وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 111] الآية [البقرة / 111 / 111] .

فقد حكم تعالى في هذه الآية بحكم (2) لا مطمع بعده لمبطل مشرك أن يكون من أهل الجنة وأهل الاصطفاء المستحقين للثواب.

فإن قوله: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ} [البقرة: 112](3)[البقرة -112] .

(يُخْرج كل مشرك يعدل بربه، ويسوي بينه وبين غيره في خالص حقِّه، وقوله {وَهُوَ مُحْسِنٌ} [لقمان: 22] )(4) يخرج كل مبتدع لم يأتِ بما وجب من المتابعة، والسير على المنهاج المحمدي في أصول الدين وفروعه، وهذان الصنفان ليسوا من أهل الاصطفاء، والنزاع فيهم، وفي قوله: مِن عِبَادِنَا

(1) سبق تخريجه، انظر ص (50) .

(2)

في (ق) و (م) : "حكما ".

(3)

في (ق) زيادة: وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

(4)

ما بين القوسين ساقط من (ق) .

ص: 439

ما يشهد لهذا فإن العباد في مقام المدح لا يدخل فيهم من عبد الصالحين والأنبياء (1) ودعاهم مع الله؟ لأن الإضافة تقتضي توحيدهم وإخلاصهم العبادة، فهي إضافة تشريف، وهو الوجه الثالث.

وأما قول أبي العباس: (إنها ليست بعامة في الأمم كآية الواقعة) . فهذا يدل على أن من ذكر في هذه الآية لا يدخل فيهم إلا من آمن بالله ورسوله (2) وأفرده بالعبادة بخلاف أهل الشرك والبدع المكفرة، فإنهم هم المذكورون في الآية بعدها، ففيه أنَّ هذه الأمة منهم من كفر بالله ورسله (3) كالمذكورين في آخر هذه الآية، وكلام أبي العباس يدل عليه، إذ جعل الآيات هنا في هذه الأمة خاصة لا في غيرها من الأمم، كما في آية الواقعة.

الوجه الرابع: أنه تعالى ذكر بعد هذا قسما رابعا لم يدخلوا في قوله: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ} [فاطر: 32][فاطر -32] .

وذلك (4) قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ} [فاطر: 36][فاطر -36] .

وقد ذكر شيخ الإسلام الإجماع على كفر من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويعبدهم، ويتوكَّل عليهم، والنزاع بيننا وبين هذا

(1) في (ق) و (م) : "الأنبياء والصالحين ".

(2)

في (ق) : "ورسوله" في الموضعين.

(3)

في (ق) : "ورسوله" في الموضعين.

(4)

في (ق) و (م) : "وهو".

ص: 440

المعترض إنَما هو في هذا الصنف، فهم بهذا القسم أليق، وإليه أقرب فالآية حجة لشيخنا رحمه الله، وليس فيها ما يتعلق به هذا المعترض بوجه من الوجوه.

وأمَّا قوله صلى الله عليه وسلم: «لو لم تذنبوا لأتى الله بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم» ": فالخطاب في هذا للمؤمنين الذين أفردوا الله بالعبادة، ولم يتخذوا معه آلهة أخرى، وأما من دعا الأولياء والصالحين من أهل القبور والغائبين وجعلهم أندادا لله رب العالمين، فهذا مشرك شركا يَحول بينه وبين المغفرة.

قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] في موضعين من كتابه [النساء 48، 116] .

وقال تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة: 72][المائدة -72] .

إذا عرفت هذا فالمعترض جاهلي، بقي على جاهليته لم يميز بين الذنوب، ولم يعرف معنى الأحاديث النبوية، ثم لو سلَّمنا أن الذنوب في الحديث يدخل فيها الشرك والمكفِّرات لكان في قوله:( «فيستغفرون فيغفر لهم» ) دليل على أن الشرك لا يغفر إلا بالتوبة منه، وإن الاستغفار إذا أطلق كان بمعنى التوبة التي تشتمل (1) على الندم والإقلاع والعزم على ألا يعود. هذا هو الاستغفار المراد عند الإطلاق في كلام الله وكلام رسوله. وأما قوله تعالى:{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف: 156][الأعراف / 156] . فقد أخبر تعالى بأنه سيكتبها

(1) في (المطبوعة) : " تشمل ".

ص: 441

{لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ - الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ} [الأعراف: 156 - 157][الأعراف -157] .

وأما وصف الرسول صلى الله عليه وسلم بالرحمة: فهو لا يقضي الشفاعة لمن دعاه بعد موته صلى الله عليه وسلم وخرج عن سبيل المؤمنين، وقد تقدَّم أنه يقول لمن يذاد عن الحوض من أصحابه إذا قيل له: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فيقول: " سحقا سحقا "(1) .

وأما قول المعترض: (ومع ذلك لا تزال علماء أمته ينكرون ويجددون) . فنعم؛ ولكن لا يزال المنافقون والملحدون يعادونهم ويردون (2) ما جاؤوا به من الدين، ويقولون: هو ظاهر لا يحتاج لتجديد، ويلقبونهم بالألقاب الشنيعة، وينسبون إليهم تكفير الأمة الوسط إذا أنكروا على عبَّاد القبور والمشركين، فتعسا لمن هذا (3) حرفته، وهذه صفته.

وأما قوله: (ويدخلون عليها من الباب الواسع) . فإن كان مراده أنهم يوسعون لمن دعا الصالحين وأشرك بالأموات والغائبين (4) فقد كذب وافترى، وبهت علماء الأمة، بل شدَّدوا في ذلك وحكموا بأنه من الشرك الأكبر، ونهوا عن وسائله وذرائعه، عملا بقول نبيّهم صلى الله عليه وسلم ونصحا للأمة، ونهوا عما دون ذلك من شرك الألفاظ والأقوال، كقول (5)"ما شاء الله وشئت "، وكقول القائل "والله وحياتك؟ ولولا

(1) سبق تخريجه، انظر ص (352) .

(2)

في (ق) : " ويرون ".

(3)

في (ق) : "هذه".

(4)

في (المطبوعة) : "والغالبين ".

(5)

في (ق) : " كقوله ".

ص: 442

البط في الدار لأتانا اللصوص! ، ولم يرخصوا في ذلك ولم يوسعوا فيه، فكيف بالشرك الأكبر وما فيه التسوية بين الله وبين عباده في خالص حقه؟ وبهذا تعرف ما تقدَّم مرارا من أن هذا المعترض فيه مشابهة برجال الجاهلية الأولى في عدم معرفة دين الأنبياء، وعدم قبوله وإيثاره على ما سواه.

وأمَّا قوله: (ويتحاشون من الباب الضيق بتكفيرها، كما فعل هذا الرجل وذووه) . فقد عرفت أنه جعل الباب النبوي المحمدي في تكفير من أشرك بالله، وسوى بينه وبين خلقه بابا ضيّقا، ونسب فاعله إلى الابتداع والخروج والهوى الذي يتجارى بصاحبه كما يتجارى الكلب، ولعمر الله إن الحكم بهذا والذهاب إليه من أعظم المكفرات، وموجبات الردَّة لمن عرف أن الرسول جاء به، وأن القرآن حكم على أهله بالشرك والكفر. وأما الأعمى الذي لا يدري قول الرسول، ولا يعرف أحكام التنزيل، ولم يبلغه عن الله ورسوله تكفير من عصى الرسل، ودعا الأموات والغائبين فيما لا يقدر عليه إلا الله، فأهل العلم لهم في مثله كلام ليس هذا محله.

ص: 443