الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل فيه رد مسبة المعترض بلد الشيخ]
فصل ثم ذكر المعترض بعد هذه الأحاديث التي مرت من الفحش والكذب (1) والوقاحة (2) ما يتحاشى العاقل عن ذكره وحكايته، وليس من الحجة في شيء حتى يحكى ويرد إنَّما هو سباب لا يصدر من ذوي الألباب، وهكذا (3) حال الجاهل والسفيه، إذا أفلس، ضاق عطنه، فاستراح إلى المسبة والفحش والبذاءة، وقال أبو حيان فيما كتبه في الرد على الزمخشري:.
ويشتم أعلام الأئمة ضلة
…
ولا سيما أو أورده المضايقا
ويسهب في المعنى الوجيز دلالة
…
بتكثير ألفاظ تسمى الشقاشقا.
ثم ذكر كلاما طويلا في مسبة بلد الشيخ وموضعه، وأنه بلد مسيلمة ونجدة الحروري والقرمطي والأخيضر (4) . وابن عصفور؛ وهذا حاصل علم ثور المدار بن منصور، أي بلد من بلاد المسلمين لم يقع فيها من
(1) في (ق) : "الكذب والفحش".
(2)
في (ق) و (م) و (ح) : (القحة) .
(3)
في (ق) و (م) : "وهذا".
(4)
في (ق) و (م) : "الأخيضر"، بالضاد المعجمة.
المكفرات (1) والشرك، وعبادة (2) النيران، أو الأوثان، أو البدع المضلَّة، ما هو من جنس ما حصل باليمامة أو أفحش.
ثم كون نجدة الخارجي والقرمطي من هذه البلاد كلام كذب وزور، على عادته، فإن نجدة ابتلى ببدعته ومروقه بالعراق، وبها استقرَّ وهي وطنه، وأيضا فقد ثبت أنه تاب لما ناظره ابن عباس.
والقرمطي بلاده القطيف والخط، وليس من حدود اليمامة، بل ولا من حدود نجد، ثم لو فرض أنه من نجد ومن اليمامة ومن بلدة الشيخ، أي ضرر في ذلك؟ وهل عاب الله ورسوله أحدا من المسلمين أو غيرهم ببلده وطنه، وكونه فارسيا، أو زنجيًّا، أو مصريّا، من بلاد فرعون، ومحل كفره وسلطنته؟ وعكرمة بن أبي جهل من أفاضل الصحابة، وأبوه فرعون هذه الأمة.
ومن العجب أن يقول في المؤمنين: ( {فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} [النساء: 78] ) ، وهو كما ترى من أكثف الناس حجابا، وأغلظهم ذهنا، يعيب من زكَّاهم الله ورسوله بالإيمان به، ومتابعة رسوله ببلاد قد كفر فيها بالله وعبد معه (3) . غيره، وهو يعلم أن بلاد الخليل إبراهيم حران دار الصابئة المشركين عُبَّاد النجوم، ودار يوسف دار فرعون الكافر اللعين، وسكنها موسى بعده وأكابر بني إسرائيل، وكذلك مكة المشرَّفة، سكنها المشركون وعلقوا الأصنام على الكعبة المشرَّفة، وأخرجوا نبيهم وقاتلوه
(1) في (ق) و (م) : " الكفر ".
(2)
في (خ) : "وعُباد".
(3)
في (م) و (المطبوعة) : "مع".
المرة بعد المرة أفيستحيل مؤمن، أو عاقل، أو جاهل أن يلمز (1) أحد من المهاجرين، أو من مسلمة الفتح، أو من (2) بعدهم من المؤمنين بما سلف في مكة من الشرك بالله رب العالمين؟ فاحكم أيها السامع المنصف بيننا وبين هذا الرجل الذي يتأوَّل فينا قوله تعالى:{فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} [النساء: 78][النساء: 78-78] .
وقد رفعت إليك الخصومة وجاء كل بحجته، عسى أن يوفق لهما (3) صاحب سنَّة، وصاحب صناعة يحكم بالحق، ويفصل النزاع، فقد طال اعتراض هؤلاء الجهلة، وتمادوا في غيهم وضلالهم، فالله المستعان.
ثم قال: (ومن ذلك الذي نحن بصدده حديث الأعمى الذي صحَّحه الترمذي وغيره من حديث عثمان بن حنيف (رضي الله عنه الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم إياه. وفيه النداء بغيبته، ففتح الله له عينيه، فجاء إليه كأن لم يكن به بأس. وعلمه عثمان بن حنيف)(4) رجلا في خلافة عثمان، وكانت له حاجة فتيسرت حاجته، فالكل من عند الله تعالى في الحقيقة، وهو صلى الله عليه وسلم سبب يكرمه الله بذلك، فما ذنب صاحب البردة رحمه الله في قوله: يا أكرم الخلق؟ (أليس هو بأكرم الخلق)(5) على الله؟ .
ثم قال: (وروى الحاكم بإسناده عن عمر بن الخطاب -رضي الله
(1) ساقطة من (ق) .
(2)
ساقطة من (ح) .
(3)
في (ق) : "لها".
(4)
ما بين القوسين ساقط من (ق) .
(5)
ما بين القوسين ساقط من (ق) .
عنه (1) قال: قال (2) رسول الله صلى الله عليه وسلم: " «لما اقترف آدم الخطيئة قال: يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي، قال الله تعالى: يا آدم، وكيف عرفت محمدا ولم أخلقه؟ قال: يا رب لما خلقتني بيدك ونفخت في من روحك رفعت رأسي، فإذا على قوائم العرش مكتوب لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعرفت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك، وقال الله: صدقت يا آدم، إنه لأحب الخلق إليّ، إن سألتني بحقه فقد (3) غفرت لك، ولولا محمد ما خلقتك» "(4) ورواه الطبراني وزاد: " «وهو آخر الأنبياء من ذريتك» "(5) قال: ومن ذلك قوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} [النساء: 1][النساء: 1] على قراءة الجر، وقد صح عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنه أنه إذا سأل عمه شيئا بحق جعفر أجابه) .
ثم أخذ يكرّر ما تقدَم من حديث السؤال (6) بحقّ السائلين، وحديث الغار، وأن ذات النبي صلى الله عليه وسلم أعلى من العمل الصالح، وقد أعطاه الله الشفاعات، وهو حي في قبره صلى الله عليه وسلم وأن سعيدا سمع الآذان والإقامة أيَّام الحرة من القبر الشريف، وأنه يستغفر لأمته.
وكل هذه قد تكرَر؛ ولكنه أفلس وعاد إلى تقليب ما في المكتل، كل هذا أجبنا عنه بحمد الله.
(1)" بن الخطاب رضي الله عنه" ساقطة من (م) و (ح) و (المطبوعة) .
(2)
" وروى الحاكم. . . " إلى هنا ساقطة من (ح) .
(3)
ساقطة من (ق) و (ح) و (المطبوعة) .
(4)
أخرجه الطبراني في الأوسط (6 / 314) ، والحاكم في المستدرك (2 / 615) ، وذكره الذهبي في الميزان (3 / 359) وحكم ببطلان سنده.
(5)
أخرجه الطبراني في المعجم الصغير (978) .
(6)
في (المطبوعة) : "الرسول".
ثم قال: (فأين هذا من عبادة غير الله تعالى من دونه جلَّ وعلا، والذي في الآية الكريمة التي استدل بها هذا الرجل على تكفير هذه الأمة؟ سبحانك هذا بهتان عظيم؟ إذ هو من القول على الله بلا علم، وليس ما ذكرنا استدلالا منا على ذلك لا إثباتا ولا نفيا، فذلك أمر آخر، وإنما هو نفي لتكفير هذا الرجل للأمة وعلمائها بذلك بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير، فلا بكتاب ربه في ذلك اهتدى، ولا بسنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتدى، ولا بقول من بقوله الرضى والشفاء من العلماء، لا بصحابي مضى (1) ولا بتابعي قفى (2) ولا عمن في قوله الشفاء من العلماء أهل المعرفة بالاقتداء، ونحن بحمد الله ندين بأنه واحد أحد، فرد صمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير. لا رب لنا سواه، ولا نعبد إلا إيَّاه، حيّ قيُّوم، وهو على كل شيء قدير، بيده ملكوت كل شيء وإليه يرجع الأمر كله له الخلق والأمر، ولكن لا نحكم أنفسنا على الله تعالى ورسوله، وما (3) فعله السلف أو ردوه لا يكون كفرا جائزا أو غير جائز عند بعضهم، بل ولا فسقا) .
والجواب أن يقال: قد تقدَّم الكلام على حديث الأعمى، وتقدَّم تنبيه هذا المعترض على الفرق بين الأسباب، وأن منها ما شرع ومنها ما لم يشرع، هذا على تسليم كون سؤاله صلى الله عليه وسلم سببا (4) يشفع لمن دعاه.
وقوله: (فما ذنب صاحب البردة) قد تقدَم الكلام في ذنبه، وبيان
(1) ساقطة من (ق) .
(2)
في (ح) : "تفي".
(3)
في (ق) : "ولا".
(4)
في (ق) و (م) و (ح) : "سببا صلى الله عليه وسلم"، وهو خطأ.