الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل في رد تأول المعترض كلام ابن عقيل والشافعي على المتكلمين في أئمة الهدى ومصابيح الدجى]
فصل قال المعترض: (وقال أبو الوفاء بن عقيل: واكمداه من مخالفة الجهال، من أجل استماع ذي الجهالة للحق والإنكار له، ينفر قلبه من أدلة المحقِّقين، فهم بهيمية في طبع (1) جهال، فلا تزول جهالتهم بالمعالجة. قال:(2) وهل طاحت دماء الأنبياء والأولياء إلا بالذي مثل هؤلاء، حيث رأوا من التحقيق ما ينكرون، فصالوا لما قدروا، وغالوا لما لم يقدروا، فهم بين قاتل للمتقين والمؤمنين، مجاهرةً إذا قدروا، وغيلة إذا عجزوا. انتهى ملخصا.
قال المعترض: (وقد صحَّ عندنا أنَّ هؤلاء في أثناء دعوتهم أتوا إلى المجمعة في ناحية سدير، فدخلوها ليلاً قبل أن يتولوا عليه، فأذنوا في أحد (3) مساجدهم يطلبون قتل من جاء متقدِّمًا للصلاة في المسجد، فجاءهم شياب من أهل الخير، فقتلوهم في المسجد، قال المزني: قال الشافعي: يا إبراهيم العلم جهل عند أهل الجهل كما أن الجهل جهل عند أهل العلم، وأنشد:
ومنزلة الفقيه من السفيه
…
كمنزلة السفيه من الفقيه
(1) في (ق) و (م) : "طباع".
(2)
ساقطة من (ق) و (م) .
(3)
في (ح) : "أجد".
فهذا زاهد في قرب هذا
…
وهذا فيه أزهد منه فيه
إذا غلب الشقاء على السفيه
…
تنطَّع في مخالفة السفيه (1))
والجواب أن يقال: لو كان هذا يدري، ويفرِّق بين الجهل والعلم، والحق والباطل، والضلالة والهدى، والغيّ والرشاد، والصلاح والفساد لعرف أن كلام ابن عقيل، وكلام الشافعي يتعيَّن حمله على هذا المعترض وأمثاله الضالين عن الهدى، الصادين (2) عن طريق أهل العلم والتقى، المستحلين لأعراض خيار الأمة وأئمتها، الذين يأمرون بعبادة اللَّه وحده لا شريك له، ويدعون إلى ذلك، وينهون عن الشرك به، واتخاذ الأنداد معه، والتسوية بينه وبين غيره، فيما يستحقه على عباده، ويختص به من العبادات الباطنة والظاهرة، كالحب والخضوع، والخوف والرجاء والاستعانة والاستغاثة، والإنابة والتوكُّل، والطاعة والتقوى، وغير ذلك من أنواع العبادات والطاعات، فمن تأوَّل كلام ابن عقيل وكلام الشافعي في ردهما على المتكلمين والسفهاء، الذين يرغبون عن العلم والفقه في أئمة الهدى ومصابيح الدجى، فهو من أضل البرية، وأسفههم، وأقلهم حظًّا ونصيبا من العلم والهدى، والحلم والنهى، وهو كمن يتأول آيات التنزيل النازلة في أهل الشرك من الجاهلية الضالين (3) فيمن خالف بدعته ونحلته من المؤمنين المتَّقين، كما جرى للخوارج وأمثالهم من الضالين.
وأما قوله: (وقد صحَّ عندنا أن هؤلاء أتوا إلى المجمعة في ناحية سدير ودخلوها ليلاً) إلى آخر عبارته.
(1) في هامش (الأصل) و (ق) و (م) قال صوابه: "الفقيه" كأن المعترض حرَّفه.
(2)
في (ق) : " الصادرين".
(3)
من هنا ساقط من النسخة (م) .
فيقال له: قد صحَّحت فيما مضى من المستحيلات والمفتريات، وصوَّبت من الجهالات والضلالات، ما يقضي بسقوط خبرك واطراح تصحيحك. وقد قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] الآية [الحجرات / 6] وأين من يساعدك على صحة قولك، وثبوت دعواك؟ وقد جرى من أمثالك من المارقين، ومن المبتدعة الضالين، والكفرة المشركين من البهت والزور ما لا يحصى، وفي الحديث:" «عدلت شهادة الزور الإشراك باللَّه» "(1) .
ثم لو فرض أن هذا وقع من بعض أتباع الشيخ أينسب الخطأ إليه، ويشنع به عليه؟ وقد أخطأ أسامة بن زيد، وأنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم خطأه، ومن نسب خطأه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو إلى الكفر أقرب منه إلى الإيمان، وكذلك خالد بن الوليد قتل بني جذيمة بعد أن قالوا:"صبأنا" ولم يحسنوا أن يقولوا: "أسلمنا"، فأنكر ذلك عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووداهم.
والشعر الذي أورده عن الشافعي رحمه الله تعالى قد غيَّر فيه وبدَّل، وأفسد معناه فقوله:(وهذا فيه أزهد منه فيه) . فقوله: "فيه" الأولى زيادة ليست في كلام الشافعي، يخرج الكلام من وزنه، وقوله في البيت الأخير:
إذا غلب الشقاء على السفيه
…
تنطع في مخالفة السفيه
كذا بخط المعترض، وصوابه:"في مخالفة الفقيه" لا السفيه.
(1) تقدم تخريجه. انظر ص (247) .