الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل فيه بحث مسألة الإيمان والتكفير بالذنوب بين أهل السنة والخوارج]
فصل قال المعترض: (فصل، ولنختم هذا الكتاب بمسألة هذا الرجل الذي ذكرنا أنها قاعدة قنطرته على الأمة، قال في شبهه المذكور في خاتمتها: "ولنختم الكلام بمسألة عظيمة (1) مهمة يكثر جهل الموحدين بها، فنقول: لا خلاف أن التوحيد يعني الإيمان لا بد أن يكون بالقلب واللسان والجوارح، فإن اختل بعض هذه الثلاث، فهو كافر أعظم من كفر فرعون وإبليس وأمثالهما، وهذا يغلط فيه كثير من الناس ". اهـ المقصود.
ثم ذكر كلاما بعده، وهذه المسألة ذكرها أبو العباس بن تيمية رحمه الله تعالى بعينها في كتاب الإيمان الكبير له، وقال: من هذه المسألة نشأت البدع، إلى أن قال:"واتفق أهل السنَّة والجماعة والخوارج على أن الإيمان اعتقاد بالجنان، ونطق باللسان، وعمل بالأركان، ثم افترقت عند ذلك عنهم الخوارج، فقالوا: إن اختل بعض هذه الثلاث لم يكن مسلما"، هذا محصول كلام أبى العباس، وصح بهذا الكلام من (2) هذا الرجل الذي هو قرَّره وعظمه أنه عين مذهب الخوارج الذين كفَّروا به الأمة،
(1) نهاية السقط من النسخة.
(2)
ساقطة من (ح) .
وقاتلوا عليه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، الذي هو من النبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعده، كما في الصحيحين وغيرهما، وكفَّروه بذلك، وقد ذكر هذه القاعدة العلامة ابن قندس في حاشيته على الفروع، ونقل كلام أبي العباس (1) وابن قندس رحمهما الله تعالى؛ لأنهما ذكرا أن هذه الصورة التي ذكرها هذا الرجل بعينها هي مذهب الخوارج بعينه، ومذهب الخوارج كفانا سيد البشر صلى الله عليه وسلم في رده فيما صح عنه، مع كونهم يقولون من خير قول البرية، وهذا الرجل قد عظم هذه المسألة أشد التعظيم، كما ترى بالحض عليها، وجعلها مهمة بحيث دعا إلى الاهتمام بها وبلزومها والعمل بموجبها، وأنه يكثر الجهل من الموحدين بها، وصدق في ذلك بل كل الموحدين بحمد اللَّه تعالى لا يعتقدونها، ولا يعرفونها؛ لأنها جهل ليس بعلم، والجهل لا يسمى علما على الصحيح عند الأصوليين، وهذا الرجل قد جعل المخالف لها كافرا أعظم من كفر فرعون وإبليس وأمثالهما، فإذا كان هذا كلامه في هذه المسألة فماذا يزيد الإيمان وينقص حتى يكون أدنى أدنى أدنى من مثقال حبة من (2) خردل من إيمان، كما في الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة، والخردلة أدون (3) من الذرة بكثير، فهذه حال أهل الأهواء لا يتبعون أهل الحق ولا يهتدون سبيلاً لتناقضهم، وتقطيع آَثارهم بالأهواء، وتحكيم عقولهم بالجهل،
(1) في (م) زيادة: "على ذلك وقرره فحينئذ لا يحتاج كلام هذا الرجل لذكر رد عليه مع كلام أبي العباس".
(2)
ساقطة من (المطبوعة) .
(3)
في (م) : "أدنى"، وفي (ح) :"أو دون".
يهيمون في كل واد، فكيف ندبر على هذا الطريق الزائغ أنه يخرج من النار من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى من مثقال حبة خردل من إيمان، فلا يُصَدق بقولهم هذا إلا من كذَّب بحديث الرسول " صلى الله عليه وسلم الذي في الصحيحين في الشفاعة عن أنس رضي الله عنه وغيره (1) أفلا يستحيون من هذا الهذيان الذي لا قوام له في (2) الميدان؟ إذا التفت الفرسان، ونشرت الصحف وعلق الميزان من السنَّة والقرآن؟ وأحضر قول علماء (3) هذا الشأن.
فحينئذ يكون قولهم هذا كالسراب في القيعان، يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه وبرحه فواحسرتا للعطشان، ومع هذا ليس لهم عن ذلك رجوع، وقولهم لا يسمن ولا يغني من جوع.
إذا تقرر هذا: فكل أتباعه يشربون من هذا البحر التيار المظلم من أي أركانه، ويلتقطون من ضفادعه وحيتانه، فهذا ملتقى البحرين يلتقيان، بينهما برزخ لا يبغيان، بحر أجاج بتكفير الأمة ثجاج (4) وبحر سائغ شرابه لذة للشاربين، وبينهما حاجز الأمواج، فسلك هذا الرجل بحر الظلمات بنص العلماء الثقات، ومن شك في هذا فليراجع من الأثبات ما ذكرنا في المجلدات، ليتبع سبيل المؤمنين المفلحين المنجحين عن سبيل الظلمات فما (5) يقول من هذا مقاله (6) فيما رويناه) وذكر حديث البطاقة.
(1) ساقطة من (م) .
(2)
في (ح) و (المطبوعة) زيادة: "هذا".
(3)
في (م) زيادة: " أهل".
(4)
في بقية النسخ: "نجاج" بالنون.
(5)
في (ح) : (فلا) .
(6)
في (ح) : "مثاله".
والجواب أن يقال: قد تقدم مرارا أن المعترض له حظ وافر من صناعة التبديل والتحريف، كما وصف اللَّه اليهود بذلك في غير آية، (وبحث الشيخ تقي الدين ابن تيمية رحمه الله موجود معروف فإنه تكلم على مسألة التكفير ببعض الذنوب كما هو رأي الخوارج، وليس في كلام شيخنا رحمه الله تعرض لهذا- أعني التكفير بالذنوب- حتى يرد عليه بكلام شيخ الإسلام؛ بل كلامه في التوحيد الذي هو شهادة أن لا إِله إلا الله، وهذا لا ينازع مسلم في أنه لا بد أن يكون بالقلب، فإنه لم يصدق ويعلم ويؤثر ما دلَّت عليه "لا إله إلا الله ويعمل بقلبه العمل الخاص كالمحبة، والإنابة، والرضا، والتوكل، والخشية، والرغبة، والرهبة، فإن لم يحصل منه هذا بالكلية فهو منافق، ولا بد من الإقرار، فإنه إذا لم يقر بلسانه، كافر تجري عليه أحكام الكفار بلا نزاع، وكذلك العمل بالجوارح لا بد منه، فلا يكون مسلما إلا إذا ترك عبادة الطاغوت، وتباعد عنه، وعمل للَّه بمقتضى شهادة الإخلاص من تسليم الوجه له، واجتناب الشرك قولاً وعملا وترك الخضوع والسجود)(1) والذبح والنذر لغير الله، وإخلاص الدين في ذلك كله لله، هذا ما دلَّ عليه كلام شيخنا رحمه الله في كشف الشبهة (2) وهذا مجمع عليه بين أهل العلم، فإذا اختل أحد هذه الثلاثة اختل الإسلام وبطل، كما دلَّ عليه حديث جبريل لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام والإيمان والإحسان، فبدأ في تعريف الإسلام بالشهادتين، ولا شك أن العلم والقول والعمل مشترط في صحة الإتيان
(1) ما بين المعقوفتين كله ساقط من (ق) و (المطبوعة) .
(2)
في (ق) و (المطبوعة) : " الشبهات".
بهما، وهذا لا يخفى على أحد شم رائحة العلم، وإنما خالف الخوارج فيما دون ذلك من ظلم العبد لنفسه، وظلمه لغيره من الناس.
وأما الديوان الأكبر، وهو ظلم الشرك، فلا خلاف بين أهل السنَّة والخوارج في التكفير بالشرك الأكبر، بعد قيام الحجة الرسالية، والمعترض جاهل، لا يفرق بين مسائل الإجماع ومسائل النزاع.
وها أنا أسوق لك كلام شيخ الإسلام تقيّ الدِّين لتعلم أن هذا (1) المعترض بدَّل اللفظ وحرَّف المعنى، وجمع بين الأمرين اللذين ذم الله بهما اليهود بغيا وحسدا، والله حسيبه، والمقصود هنا (2) رد شبهته.
قال شيخ الإسلام في أواخر النصف الأول من كتاب "الإيمان "(3) .
(فإن قيل: فإذا كان الإيمان المطلق يتناول جميع ما أمر الله تعالى به رسوله صلى الله عليه وسلم فمتى ذهب بعض ذلك بطل الإيمان، فيلزم تكفير أهل الذنوب، كما يقوله (4) الخوارج أو تخليدهم في النار، ولا ينفى عنهم اسم الإيمان بالكلية، كما تقوله المعتزلة، وكلا القولين شر من قول المرجئة، فإن المرجئة منهم جماعة من العلماء والعباد المذكورين عند الأمة بخير، وأما الخوارج والمعتزلة فأهل السنَّة والجماعة من جميع الطوائف مطبقون على ذمهم.
قيل: أولاً: ينبغي أن يعرف أن القول الذي لم يوافق الخوارج والمعتزلة عليه أحد من أهل السنَّة هو القول بتخليد أهل الكبائر في النار،
(1) ساقطة من (م) .
(2)
ساقطة من (م) .
(3)
انظر: "مجموع الفتاوى"(7 222) .
(4)
في (ق) و (المطبوعة) : "تقوله"، بالتاء المثناة الفوقية.
فإن هذا القول من البدع المشهورة، وقد اتفق الصحابة والتابعون لهم بإحسان وسائر أئمة المسلمين على أنه لا يخلد في النار أحد ممن في قلبه مثقال ذرة من إيمان (1) وقد نقل بعض الناس عن (2) الصحابة في ذلك خلافا، لما (3) روي عن ابن عباس أن القاتل لا توبة له، وهذا غلط على الصحابة، فإنه لم يقل أحد منهم إن النبي صلى الله عليه وسلم لا يشفع لأهل الكبائر، ولا قال إنهم يخلدون في النار، لكن ابن عباس في إحدى الروايتين عنه قال:"إن القاتل لا توبة له " وعن أحمد بن حنبل في قبول توبة القاتل روايتان أيضا، والنزاع في التوبة غير النزاع في التخليد، وذلك أن القتل يتعلق به حق آدمي؛ فلهذا حصل النزاع فيه، وأما قول القائل:"إنَّ الإيمان إذا ذهب بعضه ذهب كلّه"، فهذا ممنوع، وهذا هو الأصل الذي تفرعت منه البدع في الإيمان، فإنهم ظنوا أنه متى ذهب بعضه ذهب كله، لم يبق منه شيء، ثم قالت الخوارج والمعتزلة: هو مجموع ما أمر الله به ورسوله، وهذا هو الإيمان المطلق، كما قاله أهل الحديث، قالوا: فإذا، ذهب منه شيء لم يبق مع صاحبه شيء من الإيمان، فيخلد في النار وقالت المرجئة، على اختلاف فرقهم فلا يذهب بالكبائر وبترك الواجبات الظاهرة شيء منه إذ لو ذهب شيء منه لم يبق منه شيء، فيكون شيئا
(1) في (ق) و (المطبوعة) زيادة: "واتفقوا أيضا على أن نبينا صلى الله عليه وسلم يشفع فيمن يأذن الله له بالشفاعة فيه من أهل الكبائر من أمته، وفي الصحيحين عنه أنه قال: " لكل نبي دعوة مستجابة وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة"، وهذه الأحاديث مذكورة في مواضعها.
(2)
في (م) زيادة: " بعض".
(3)
في (ق) و (المطبوعة) : "كما".
واحدا، يستوي فيه البر والفاجر، ونصوص الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه تدل على ذهاب بعضه وبقاء بعضه، كقوله:" «يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان» "(1)) . انتهى المقصود منه.
فقف واعتبر يا من أنعم عليه، وتأمل كلام الشيخ الذي احتج به هذا المعترض الضال، فإنه صريح في أن الخوارج إنما خالفوا السلف، وانفردوا عن أهل السنَّة بالتكفير بالذنوب، التي دون الشرك، ودون ما يوجب الكفر، وأهل العلم قاطبة فرَّقوا بين هذا وبين رأي الخوارج، وعقدوا أبوابا مستقلة في أحكام المرتدين، واتفقوا على التكفير بإنكار الوحدانية، واتخاذ الآلهة من دون الله، كما عليه عُبَّاد القبور وعباد الملائكة والأنفس المفارقة، وجعلوا هذا أظهر شعائر الإسلام، وأعظم قواعده، وأكبر أركانه كما في حديث معاذ:" «رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل اللَّه» "(2) والحنابلة وغيرهم قرروا هذا في أبواب حكم المرتد، وكذلك من قبلهم من الأئمة. والسلف يكفرون من كفره الله ورسوله. وقام الدليل على كفره، حتى في الفروع. فيكفرون منكر (3) هذه الأحكام المجمع على حلها أو تحريمها، كحل الخبز وتحريم الخنزير، بل جميع الرسل جاءت بتكفير من عدل بربه وسوى بينه وبين غيره، كما ذكره شيخ الإسلام في رده على اليهود والنصارى، ودليله ظاهر في كتاب اللَّه تعالى وسنَّة رسوله.
فإن كان تكفير المشرك، ومن قام الدليل على كفره هو مذهب الخوارج، ولا يكفر أحد عند أهل السنَّة، فهذا رد على الله وعلى رسله،
(1) أخرجه مسلم (193 325) .
(2)
سبق تخريجه.
(3)
في (م) : "من أنكر".
وعلى أهل (1) العلم والإيمان قاطبة، ويكفي هذا ردًّا وفضيحة لهذا المعترض، الذي لم يميز ولم يفرق بين دين المرسلين، ومذهب الخارجين والمارقين.
وإن اعترف المعترض بالتفصيل، وسلَّم للرسل وأتباعهم تكفير المشركين العادلين برب (2) العالمين.
فيقال له:
هذا الذي اعترضت به على الشيخ أهو تكفير بالذنوب التي دون الشرك، أم النزاع في تكفير من دعا الصالحين وسألهم وتوكل عليهم، وجعلهم واسطة بينه وبين اللَّه في حاجاته وملماته الدينية والدنيوية؟ فإن اعترف بأن النزاع في هذا فقد خصم وهزم، ونادى على نفسه بالخطأ والكذب، ونسبة الشيخ إلى ما قد نزهه الله عنه.
وإن أنكر وقال: النزاع فيما دون هذا، طولب ببيانه، مع أنَّ الخاص والعام يُكَذِّبه ويرد عليه لو أنكر، لعلمهم أن النزاع والخصومة بين الشيخ رحمه الله وبين أعدائه إنما هي في دعاء غير اللَّه وعِبَادة سواه، والاعتماد والتوكل على الشركاء والأنداد التي هي من الإفك الذي افتراه الضالون، وانتحله المبطلون، وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون.
إذا عرفت هذا: تبيَّن لك ما قدمناه من إفك هذا المفتري وضلاله، وتحامله على شيخ الإسلام، وأن ما قرره الشيخ مباين لمذهب الخوارج موافق لمذهب أهل الإسلام من أهل العلم والدين، وأن من
(1) في (م) : " أولى".
(2)
في (الأصل) : "باللَّه ".
زعم (1) أن قول الشيخ هو قول الخوارج، فقد تضمَّن زَعْمُهُ وبُهْتُه تجهيل أئمة الدين، وعلماء المسلمين، ممَّن نهى عن الشرك بالله رب العالمين، وأنهم لم يفرقوا بين مذهب الخوارج ودين الرسل؛ بل لازمه أن ما تضمنه الكتاب العزيز والسنَّة النبوية من تكفير من دعا مع الله آلهة أخرى هو مذهب الخوارج، فنعوذ بالله من الجهل المعمي، والهوى المردي.
ثم هذا رجوع عن مذهبه الأول، فإنه جعل فعل عُبَّاد القبور: من التوسل الجائز الذي دلَّ عليه حديث الأعمى، وهنا (2) نكص على عقبه وجعله من الذنوب التي يكَفِّر بها الخوارج.
يوما بحزوى ويوما بالعقيق
…
وبالعذيب يوما ويوما بالخليصاء
وتارة (3) تنتحي نجدا وآونة
…
شعب الغوير وطورا قصر تيماء
وأما قوله: (فإذا كان هذا كلامه في هذه المسألة، فماذا يزيد الإيمان وينقص، حتى يكون أدنى أدنى أدنى من مثقال حبة خردل من إيمان) إلى آخر قوله.
فهذه العبارة تنادي بجهله، فالخوارج لا ينازعون في زيادة الإيمان، وإنما النزاع في نقصه، وأئمة الإسلام يقولون يزيد مع بقاء أصله الذي دلَّت عليه شهادة أن لا إِله إلا اللَّه، وينقص حتى لا يبقى منه شيء، فإذا ثبت الإسلام زاد الإيمان ونقص، ومع عدم الإسلام وانهدام أصله لا يعتد بما أتى به من شعبه.
(1) من هنا ساقط من (م) .
(2)
في بقية النسخ: "وهناك ".
(3)
في (ح) : "ويوما".
وقوله: (وهذه حال أهل الأهواء لا يتبعون أهل الحق ولا يهتدون سبيلاً) .
فيقال: نعم هو ذاك، ولو شعرت أن هذا الكلام منطبق على حالك، مناد بضلالك وأنك لا تعرف الحق ولا أهله، ولا تعرف السبيل ولا تهتدي إليه، وإنما يعرف أهل (1) الحق والإيمان من له نور يمشي به في الناس، وأما الجاهل المظلم (2) فهو من أبعد الناس عن معرفة الحق، واتباعه (3) السبيل وسلوكه. وأما قوله:(كيف نُدْبر على هذا الطريق الزائغ أنه يخرج من النار من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى من (4) مثقال حبة خردل من إيمان) إلى آخره.
فيقال: هذه العبارة عبارة جاهل غبي، فإن تدبير النصوص والأحكام إلى الملك الحق العليم (5) العلام، وأهل العلم لا يستعملون هذه العبارة، ولا يعبرون بتعبير أهل الجهل (6) والغباوة، وإنما يقال: كيف يفهم (7) أو كيف يحمل، أو كيف يخرج، أو كيف يوجه؟ .
ثم هذا القول صريح في أن هذا المعترض لم يشم رائحة العلم، ولم يمارس أهله، فإن الموحد السالم من الشرك الأكبر هو الذي يتصور أن
(1) ساقطة من بقية النسخ.
(2)
في (ق) و (م) و (المطبوعة) زيادة: "مثلك".
(3)
في بقية النسخ زيادة: "ومعرفة".
(4)
ساقطة من (ح) .
(5)
"الحق العليم" ساقطة من (ح) .
(6)
في بقية النسخ: "الجهالة".
(7)
في (ح) : "تفهم".
يبقى في قلبه بقية من الإيمان والتوحيد، وأما المشرك العادل بربه، المُسَوِّي بينه وبين غيره؛ فلا يتصور بقاء شيء من الإيمان والتوحيد في قلبه، فهو ممن حبسه القرآن، وحكم بخلوده (1) .
قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48][النساء / 48، 116] .
وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا - خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا} [الأحزاب: 64 - 65][الأحزاب / 64، 65] .
والمعترض كأنه من بوادي السودان الذين لم يأنسوا بشيء من العلم والإيمان، ولم يمر على أسماعهم شيء من نصوص السنة والقرآن، ولم يميزوا بين ما جاءت به الرسل وما عليه عباد الأصنام والأوثان، فربما زين الشيطان لأحدهم وأوهمه (2) أنه من خلاصة نوع الإنسان، وأنه ممن يثبت عند المبارزة والمخاصمة في الميدان، فإذا التقت الصفوف وتقارب الزحفان، نكص المغرور على عقبه وتخلى عنه قرينه وأسلمه الشيطان، واستبان له (3) أنه كان في غاية من الجهالة والضلالة والطغيان، قد لبَّس (4) عليه واشتبه الأمر لديه، فلم يفرق بين حزب الرحمن وحزب الشيطان، وإلى اللَّه المصير وعليه الاعتماد والتكلان، وربنا جلَّ ذكره وتقدس اسمه كل يوم هو في شأن.
(1) في (ق) و (م) و (المطبوعة) زيادة: "في التبار والخسران".
(2)
في (ح) : "وأوهموا".
(3)
في بقية النسخ: "وتبين".
(4)
في (ح) : "تدلس ".