الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل فيه إبطال دعوى المعترض أن الشفاعة تطلب من الرسول عليه السلام بعد موته]
فصل قال المعترض: (وقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها ولأقاربه وعشيرته ذلك حضًّا لهم على الإيمان به، وبالذي أرسله بأن يوحدوه ولا يشركوا به شيئا؟ ليحصل لهم النفع به صلى الله عليه وسلم بذلك؟ وبعطاء الله تعالى الذي أعطاه لأمته إكراما له في قوله: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [الضحى: 5] [الضحى / 5] . لئلا يكونوا من الذين أخبر الله تعالى عنهم بأنهم لا تنفعهم شفاعة الشافعين، (وفي ذلك دليل أن المؤمنين تنفعهم شفاعة الشافعين)(1) ؟ حيث نفى عن (2) الكفار المعرضين عن التذكرة التي أرسل بها صلى الله عليه وسلم حتي نفعت شفاعته (3) عمه أبا طالب بالتخفيف كما مر عنه صلى الله عليه وسلم، حيث حماه لتبليغ رسالة ربه حمية للقرابة، فقوله صلى الله عليه وسلم:" «لا أغني عنكم (4) من الله شيئا» "(حين خصص وعمم حتى قال: " «يا فاطمة بنت محمد لا أغني عنك من الله شيئا» ")(5) فالمقصود: إن لم تؤمن بالله وتشهد (6) أن لا إِله إلا الله، وأني
(1) ما بين القوسين ساقط من (ق) .
(2)
ساقطة من (ح) .
(3)
في (ق) : " شفاعة الشافعين ".
(4)
في (م) و (المطبوعة) : "عنك ".
(5)
ما بين القوسين ساقط من (ق) .
(6)
في (المطبوعة) : "تؤمني بالله وتشهدي".
رسول الله، وإلا فقد أغنى عن أمته بالتخفيف من الشرائع والتسهيل من عند ربه؟ وأمره تبارك وتعالى أن يستغفر لهم حتى امتد ذلك لهم بعد موته عند العرض لأعمالهم عليه صلى الله عليه وسلم في البرزخ واستغفاره شفاعة، وهل شفاعته لهم إلا غناؤه عنهم صلى الله عليه وسلم، وإلا فما معنى قوله صلى الله عليه وسلم لعمه:" «قل لا إِله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله» "(1) إذا، كما في الصحيحين وغيرهما؟) .
والجواب أن يقال: قوله صلى الله عليه وسلم لابنته وبضعته، سيدة نساء أهل الجنة:" «لا أغني عنك من الله شيئا» " من أظهر الأدلة على وجوب توحيد الله، وترك دعاء (2) غيره، و (3) لو نبيا أو ملكا، فكذلك قوله لعمته صفية وعمه العباس وسائر بطون قريش، وأقاربه الأدنين، كل هذا يبطل قول المعترض زعمه أن الشفاعة تطلب من الرسول بعد موته، ويقصد لها؟ .
فإن في هذه الأحاديث أن الإنسان ليس له إلا سعيه وإيمانه، وأن ترك ذلك والتفريط فيه تعلقا على الأنبياء ورجاء لشفاعتهم هو عين الجهل ونفس الضلال، وجاه الأنبياء والأولياء والصالحين إنما ينال به (4) أمر فوق الإغناء عن الأقارب وغيرهم (5) . وفي قول المعترض:(إن في قوله ذلك حضًّا لهم على الإيمان به وبالذي أرسله) صحيح المعنى، وهو دليل على أنه لا يغني ولا ينجي إلا ذلك.
(1) أخرجه البخاري (3884) ، وأحمد (5 / 433) .
(2)
في (ق) و (م) : "عبادة".
(3)
في (ق) و (م) زيادة: " ودعاؤه".
(4)
في (ق) : (ينال) .
(5)
في (ح) و (المطبوعة) زيادة: " كالسعادة والزلفى ".
فليس في قول المعترض في هذا الحديث ما يدل على دعواه، وإن الإيمان مطلوب ليحصل النفع، فإن هذا كلام ركيك وإنما يطلب الإيمان لتحصيل مغفرة الله ورحمته ودخول دار كرامته، والنجاة من عذابه وعقابه.
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ - تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الصف: 10 - 11] والآية بعدها، [الصف - 10، 11] .
وفي هذا أن الأمر بالإيمان، والتزامه، والجهاد في سبيل الله (1) إنَّما أمر به ليحصل للعبد ما وعد به المؤمن، وما رتب على الإيمان في هذه الآيات ونحوها، لا (2) أنه أمر بالإيمان ليشفع الرسول فيه، وأكابر الأمة والسابقون الأولون والسبعون ألفا المذكورون في حديث ابن عباس كلهم يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب (ولا شفاعة لأحد، في دخولهم)(3) .
وفي الحديث: أنَّ الشفاعة ليست للمؤمنين المتَّقين، وإنما هي للمذنبين المتلوثين، فافهم هذا تعرف به (4) أنَّ هذا الرجل ألحد في الحديث وصرفه عما دلَّ عليه، وكذب على رسول الله بنسبة هذا التأويل إليه، اللهمَّ إلا أن يريد بقوله: ليحصل لهم (5) النفع به صلى الله عليه وسلم) هذا المعنى فهو صحيح، وهو الواسطة صلى الله عليه وسلم بين العباد وبين ربهم في إبلاغ رسالته، وبيان ما يوجب السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة؛ لكن هذا
(1) في (ق) : "سبيله".
(2)
ساقطة من (ق) .
(3)
ما بين القوسين ساقط من (ح) و (المطبوعة) .
(4)
ساقطة من (ق) .
(5)
ساقطة من (ق) .
لا (1) يدل على ما ادعاه هذا المبطل، وظاهر كلامه خلاف هذا الذي ذكرنا، وأنه يريد ليحصل لهم النفع بدعائه صلى الله عليه وسلم الشفاعة منه بعد مماته، ومن قصد هذا وزعم أن الرسول أراده بقوله:" «يا فاطمة بنت محمد لا أغني عنك من الله شيئا» " فقد ألحد (2) في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وحرَّف كلامه، وأخرجه عن موضوعه (3)(إلى نقيضه وعكسه، وهذا من أعظم الجهل وأضله)(4) . ومن فهم من أدلة التوحيد نقيض ما دلَّت عليه فقد جاءته الآفة والبلية من جهة موت قلبه أو مسخه: {وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} [المائدة: 41][المائدة -41] .
وأما إعطاء الله له ما يرضيه: فهذا وعد صدق، والله لا يخلف الميعاد. والمفسِّرون اختلفت أقوالهم في هذا، وعلى القول بأنه الشفاعة، فهو من الأدلة على أن الله هو المالك لها، المتصرف فيها، وأنه لا يدعى لها (5) أحد سواه.
وأما كون المؤمنين تنفعهم شفاعة الشافعين: فهذا أيضا ليس فيه دليل لهذا المبطل بوجه من الوجوه، والنزاع في غير هذا (6) .
(1) في (ق) : "ما".
(2)
في (ح) : "حد".
(3)
في (ق) : " موضعه ".
(4)
ما بين القوسين ساقط من (ق) .
(5)
في (ق) : " إلها ".
(6)
في (ق) : (غيره) .
وأما قوله: (فالمقصود لا أغني عنكم من الله شيئا إن لم تؤمنوا، وأنهم إن آمنوا أغنى عنهم) . فقد كَذَب هذا المعترض على رسول الله (1) صلى الله عليه وسلم بنسبة هذا التأويل إليه، وكلامه صلى الله عليه وسلم عام شامل، وبعض من خوطب بهذا الخطاب قد آمن بالله ورسوله، كفاطمة وبعض بني هاشم وبعض قريش، ولو كان المراد ما زعمه هذا المبطل لم يحسن خطاب المؤمنين بهذا، ولعد مثل هذا الكلام لهم، وهو (2) قوله:" «لا أغني عنكم من الله شيئا» "، إذا كان يغني (3) بزعم هذا الجهول الضال فسبحان من طبع (4) على قلبه حتى اقتحم على الجناب النبوي ومقام الرسالة، ونسب إليه ما قد برئ منه بشهادة الله وملائكته وأولي العلم من خلقه.
وبهذا الكلام والتحريف ضل أهل الكتاب ومن (5) قبلهم، ونسخت أديان الأنبياء، وظهر الشرك في الأرض وفشا، فنعوذ بالله من الضلال بعد الهدى.
وقد ذكر شيخ الإسلام عن بعض أهل الإنجيل أنه قال في بعض نصائحه عما يوقع في المحرمات وكبائر الذنوب: (إنَّ المبالغة في تعظيم العباد، وتنزيلهم فوق منازلهم يوقع في الشرك بالله؛ وعبادة (6) سواه) ، ذكر
(1) في بقية النسخ: "الرسول".
(2)
"هو" ساقطة من (ق) .
(3)
في بقية النسخ زيادة: "عنهم- خبرا غير مطابق وقولا غير موافق، لأنه يغني".
(4)
في (ق) : "طبق".
(5)
في (ق) : (من) .
(6)
في (ح) و (المطبوعة) زيادة: "ما".
هذا أو (1) نحوا منه في كتابه هداية الحيارى. وقول المعترض: (وإلا فقد أغنى بالتخفيف من الشرائع، وأن يستغفر لهم) . فالتخفيف من الشرائع يشير به إلى وضع ما كان على أهل الكتاب من الأصار والأغلال والأثقال، ومعلوم أنَّ الله سبحانه وتعالى هو الذي شرع هذا وأمره به وأوحاه إليه، وإنما يضاف إليه؛ لأنه مبلغ عن الله، (كما يقال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم كذا فيما بلغه عن الله، ويقال أيضا: وضع كذا وفعل كذا، فيما صدر عن وحي وتوقيف، والرسول مبلغ عن الله) (2) لا أنه يفعل بمشيئته واختياره.
وأما الاستغفار: فقد تقدَّم أنه لا يدل على الطلب منه بعد وفاته صلى الله عليه وسلم.
وفي كلام هذا المعترض من فساد التركيب، وهجنة العبارة ما يقضي بما تقدَّم تقريره من الكشف عن جهالته، وعدم ممارسته، ومن ذلك قوله:(حضا لهم على الإيمان ليحصل لهم النفع به، لئلا يكون (3) من الذين لا تنفعهم شفاعة الشافعين) .
وفي قوله: (حماه عنه لتبليغ رسالة ربه حمية للقرابة) . فهو تركيب فاسد، ولم يقصد أبو طالب إلا الحمية فقط.
وأمَّا قوله: (وإلا فما معنى (4) قوله صلى الله عليه وسلم لعمّه: " «قل لا إله إلا الله
(1) في (م) : "و".
(2)
ما بين القوسين ساقط من (ق) .
(3)
في (ق) : " يكونوا ".
(4)
في (ق) : "فمعنى".
كلمة أحاج لك بها عند الله» إذا كما في الصحيحين وغيرهما) (1) .
فمعناه: إنه لا يغنى عنه (2) ولا ينقذه، وفي الصحيحين من حديث عائشة أنه قال لابنته فاطمة:" «إني لأرى الأجل قد اقترب؛ فاتقي الله تعالى واصبري، فإنه نعم السلف أنا لك» "(3) وعنه صلى الله عليه وسلم من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: " «كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي» "، رواه الطبراني، والدارقطني، والحاكم، والبيهقي وصحَّحه (4) وأي سبب أعظم من الإيمان به، وتصديق ما جاء به، ومحبته واتباعه؟ إذ هذا من أعظم الأسباب وأجلها، وفي الحديث:" «المرء مع من أحب» "(5) ثم ذكر حديث جابر فيما يقال عند سماع النداء (6) وحديث أبي هريرة في الشفاعة (7) والشهادة لمن صبر على لأواء المدينة (8)
(1) في (الأصل) و (ح) و (المطبوعة) : "وغيره"، وما أثبته أنسب للسياق.
(2)
ساقطة من (ق) و (م) .
(3)
أخرجه البخاري (6285، 6286) ، ومسلم (2450، 98، 99) ، وأحمد (6 / 282) من حديث فاطمة.
(4)
أخرجه الطبراني في الكبير (3 / 44) ، والحاكم (3 / 142) ، والبيهقي (7 / 64، 114) . والظاهر أنه منقطع، وانظر:"علل الدارقطني"(2 / 189) .
(5)
هو في الصحيحين، وتقدم تخريجه، انظر: ص (275) ، هامش 6.
(6)
من قوله: "اللهمَّ رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة، آتِ محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته، حلَّت له شفاعتي يوم القيامة"، أخرجه البخاري (614، 4719) .
(7)
وفيه: "من أسعد الناس بشفاعتك"؟ وقد أخرجه البخاري وأحمد وغيرهما، وتقدم تخريجه، انظر: ص (320) ، هامش 5.
(8)
أخرجه مسلم (1378) ، والترمذي (3924) ، وأحمد (2 / 287، 343، 397) .
وحديث: «من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت، فإني أشفع (1) لمن يموت بها» " (2) ثم قال: (وهل هذا إلا إغناء منه صلى الله عليه وسلم لقرابته وأمته؟ وإنَّما نفى تبارك وتعالى أن يكون في يوم الدين ملكا- هكذا قالها بالنصب- لأحد من خلقه، كما في الدنيا، وإنَّما هو يوم جزاء وتفضل منه جلَّ وعلا وعدل بين الناس، وعلى الكفار، ومن تفضله تمليكه لمن يشاء الشفاعة.
وقد قال تعالى: {وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86][الزخرف -86] . وقال تعالى: {لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} [مريم: 87][مريم -87] .
قال العلماء: وهي شهادة الحق، وأخصَّهم (3) بذلك الرسل عليهم (4) الصلاة والسلام، وأتباعهم على درجاتهم، ومعنى الآية، قال البغوي (5) لا يُمَلِّك الله تعالى في ذلك اليوم أحدا كما ملكهم في الدنيا.
وقال عصام في تفسيره على الآية: فكل ما يفعل ذلك اليوم لأجل الله تعالى، ولا يفعل شيء في ذلك اليوم كما يفعل في الدنيا، حتى لا يرجو الكذاب أن ينفعه أحد لغرض فاسد، ومع ذلك لا ننكر أن يكون في الأمة الأحداث والمنكرات والأفعال التي لا تزال فيها) .
(1) في (م) : "لشفيع".
(2)
أخرجه الترمذي (3917) ، وابن ماجه (3112) ، وأحمد (2 / 74، 104) ، (9 / 57) ، والبيهقي (1 / 903، ح 1958) .
(3)
في (ق) : " وأحظهم".
(4)
في (ق) : "عليه ".
(5)
الذي في البغوي (3 / 175) خلاف ما ذكره المعترض تماما، فلعل هذا من تحريفه وتزويقه أيضا.
والجواب أن يقال: أما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي طالب: " «قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله» "، فهذه الكلمة هي الفارقة بين المؤمن والكافر والمسلم والمشرك، فمن قالها موقنا بها خالصا من قلبه ومات على ذلك نفعته بلا ريب، ونجا بها من الشرك الأكبر، وربَّما نجا من الأصغر.
وقد وعد الله تعالى من مات على ذلك بالجنَّة والنجاة من النار، كما في حديث عتبان:" «فإن الله حرَّم على النار من قال لا إِله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله» "(1) وهذا الحديث مطابق لقوله صلى الله عليه وسلم: " «يا فاطمة بنت محمد لا أغني عنك من الله شيئا» "، فإن السبب الذي تحصل به النجاة والسعادة في الدنيا والآخرة هو ما أرشد إليه عمه، وقاله لابنته وهو الإيمان بالله وترك التعلُق على غيره، واتّخاذ الشفعاء والأنداد، وهذا محض التوحيد الذي دلَّت عليه كلمة الإخلاص، فالأحاديث النبوية يصدق بعضها بعضا ويشهد بعضها لبعض.
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم لابنته: " «فإنه نعم السلف أنا لك» "، وهو سلف لكل مؤمن وفرَط لهم لكن ليس فيه أنه سلف لمن تعلَّق عليه ودعاه مع الله؛ ولا أن السلف يهيِّئ غير ما أمر به وأرشد إليه، ولا أنه يدعى ويرجى للشفاعة وغيرها، فليس في هذه الأحاديث أنه يغني حتى يضرب كلامه صلى الله عليه وسلم بعضه ببعض ويرد عليه، ويقال: بل يغني. فإن هذا مشاقة لله ولرسوله، ورد لمقاله وتقدَّم بين يديه. وهو حرفة (2) الجاهلين الذين لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يفقهوا عن الله ورسوله (3) .
(1) أخرجه البخاري والطيالسي وتقدم، انظر: ص (134) ، هامش 5.
(2)
في (المطبوعة) زيادة: "الضالين".
(3)
في (ق) و (م) زيادة: "وليس هذا الحديث في الصحيحين كما زعم هذا المرتاب وهو من أقل الناس حظا في معرفة الكتاب والسنَّة ومعرفة الأسانيد والمخرجين، وقد يجد بعض الكتب في كوة الدار فينقل منها من غير دراية لمصطلح أهل الآثار والأخبار.
يظن الغمر أنَ الكتب تنبي
…
أخافهم لإدراك العلوم ".
وكذلك حديث: " «كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي» "، فهذا الحديث تكلَّم فيه الحفاظ وتواردته أنظار أكابر الرجال، والجزم بصحته، وأنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم قاله يحتاج إلى مراجعة ونظر في كلامهم، وعلى تسليم صحَّته فلا معارضة فيه لحديث:" «لا أغني عنك (1) من الله شيئا» "، فإن السبب المضاف إليه صلى الله عليه وسلم هو ما جاء به من الإيمان والتوحيد، والإنذار والأخبار بأنه لا يغني من الله شيئا.
وأمَّا النسب: فيُفسر هذه الكلمة ويبينها قوله في حديث العباس: " «والله لا يؤمنوا حتى يحبوكم من أجلي» "(2) فمن أحبَّ هذا النسب الشريف لما وضع فيه من النبوة والرسالة فهذا لا ينقطع؛ لأنه من شعب الإيمان بالله ورسوله، وليس فيه حجة لهذا المبطل أنه يغني عمن قال له:" «لا أغني عنك من الله شيئا» ".
والمعترض (3) ألجأته الضرورة إلى أن قال بعد هذا الحديث: (وأي سبب أعظم من الإيمان به وتصديق ما جاء به، ومحبته واتباعه) .
(1) في (م) : " عنكم ".
(2)
أخرجه الطبراني في الكبير (11 / 433، ح 12228) ، والإمام أحمد في فضائل الصحابة (2 / 917، 933، ح 1756، 1791) ، والخطيب في تاريخ بغداد (5 / 316، ح 2836) .
(3)
ساقطة من (ق) .
وهذه كلمة حق أتيحت على لسان وحشي، وهي تخالف ما أراد من أنه يغني، فإنه صلى الله عليه وسلم نفى الإغناء عن نفسه، لا عن الإيمان به ومحبَته ومتابعته، وكذلك قوله في حديث جابر في إجابة النداء والدعاء بعده بالوسيلة والفضيلة أن «من قال ذلك "حلَّت له شفاعتي ".» فهذا من جنس حديث أبي هريرة:" «أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إِله إلا الله خالصا من قلبه» "، فهذه الأحاديث حجة على أن أقوى الأسباب والوسائل وأنفعها هو إخلاص التوحيد والبراءة من التعلق على الخلق، ولو الأنبياء، وهذا عين تقرير شيخنا رحمه الله. وهذا الرجل لا يدري ما له مما عليه.
وكذلك الصبر على شدة المدينة ولأوائها لمن قصد الهجرة أو العلم والانحياز (1) إلى جماعة المسلمين وأئمتهم، وكذلك قصد مسجد المدينة للصلاة فيه والاعتكاف؟ وطاعة الله ورسوله هو (2) من أفضل القرب، ومن أسباب المغفرة، والراوي لم يجزم بأنه صلى الله عليه وسلم قال (3)" «كنت له شفيعا» "، ولذلك قال: "أو شهيدا وعلى كلّ فهو إخبار عن الله أنه يرضى هذا ويشفعه في فاعليه، فعاد الأمر لله؟ والنفع والضرّ والإغناء منه وإليه، لا (4) راد لأمره؟ ولا معقب لحكمه.
ثم قد تكون الجماعة والعلم في غير المدينة، كما وقع بعد القرون
(1) في (ق) و (م) و (ح) : " وإنحاز ".
(2)
في (ح) : "هذا".
(3)
ساقطة من (ق) .
(4)
ساقطة من (م) .
المفضلة، والرحلة إلى ذلك مستحبة أو واجبة، بخلاف من خرج من المدينة جزعا من لأوائها، وطلبا للدنيا، وفي الحديث:«يوشك أن يكون خير مال المسلم غنما يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر، يفرّ بدينه من الفتن» (1) فمن ترك المدينة فرارا من الفتن فهو محمود بنص هذا (2) الحديث، ولا يحمد الصبر على الافتتان (3) وإنَّما يحمد الصبر في الفتن وعن الفتن، فافهم هذا يزول عنك تلبيس هؤلاء" الجهال بما ورد في الحث على الصبر على لأواء المدينة ولزومها.
وقول المعترض: (وإنَّما نفى أن يكون ملك في ذلك اليوم (4) لأحد من خلقه؛ وإنما هو يوم جزاء وتفضُّل منه جل وعلا؟ وعدل بين الناس وعلى الكفار) .
فجوابه أن يقال: هذه العبارة فيها لحن في موضعين: الأول: نصب اسم يكون، والثاني: في تعدية العدل بعلى، وهو معطوف على المضاف غير محتاج للتعدية.
ثم يقال: أي شيء في هذا يدل على أن قوله تعالي صلى الله عليه وسلم: " «لا أغني عنك من الله شيئا» " في حق من لم يؤمن، كما زعمه هذا الغبي؟ وقد اشتهر في الكتاب والسنَّة وعرف المسلمين ولغتهم تسمية هذا اليوم بيوم الدين، وإن
(1) الحديث أخرجه البخاري (19، 3300، 3600، 6495، 7088) ، وأبو داود (4267) ، وابن ماجه (3980) ، وأحمد (3 6، 30، 57) ، ومالك في الموطأ (2 / 970) .
(2)
ساقطة من (ق) .
(3)
في (ق) و (م) : " الفتن ".
(4)
في (ق) و (م) : (في ذلك اليوم ملك) .
كان يحصل فيه فضل وكرم ومغفرة، فيحصل فيه أيضا من العقوبات والأهوال والشدائد ما يقتضيه (1) عدله وحكمته وحمده، والكل دين وجزاء على الأعمال؟ وما كان في هذه الحياة الدنيا.
وأما قوله: (ومن تفضُّله تمليكه لمن يشاء الشفاعة) . وقد تقدَّم أنه لا دليل يدلّ على أنَّ أحدا يملك الشفاعة مع الله، وأنه المختص سبحانه بملكها، كما دل عليه القرآن صريحا في مواضع.
وأما الاستثناء في آية الزخرف وآية مريم فلا يفيد إثبات الملك، والأكثر على أنه منقطع، وعلى القول بأنه متصل فلا حجة فيه، بل هو وله تعالى:{يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ (2) وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا} [طه: 109][طه - 109] . فالاستثناء في كل الآيات دال (3) على حصولها ووقوعها، لا على أنها تُمْلك كسائر الأملاك العادية، وكما يظنه أهل الجاهلية.
وأما قول البغوي: (لا يملك الله تعالى في ذلك اليوم أحدا كما هم في الدنيا) فهو يشهد لما قررناه، وكذلك، ما حكى المعترض عن عصام هو من هذا القبيل.
وقول المعترض: (ومع ذلك لا ننكر أن يكون في الأمة الأحداث والمنكرات والأفعال التي لا تزال فيها) .
(1) في (ق) : "يقتضي".
(2)
ساقطة من (ق) .
(3)
في (ح) و (المطبوعة) : "دليل".
قلت: كأنه يريد أن الشفاعة مملوكة لغير الله، وحاصلة مع وقوع الأحداث والمنكرات والأفعال دائما في الأمة، يعني فالشفاعة لأهلها، وقصده أن كل الأحداث والمنكرات التي لا تزال تقع يشفع (1) في أهلها وأصحابها، وتنالهم شفاعته صلى الله عليه وسلم وهذا جزم منه بأن الرسول (2) صلى الله عليه وسلم يشفع في كل من أحدث حدثا أو فعل منكرا كالزنادقة، وعُبَّاد القبور والرافضة، والجهيمة والقدرية، والاتحادية والحلولية، وكل ما يحدث في الأمة، فأين هذا من قوله تعالى:{وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: 28][الأنبياء -28] .
وقولي: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة: 255][البقرة -255]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم:" «أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إِله إلا الله خالصا من قلبه» "(3) فسبحان من طبع على قلب هذا (4) وزين له عمله حتى انتهى إلى غاية في الضلالة، ما وصل إليها أحد قبله ممن تصدى لرد ما جاء به نبينا من الهدى ودين الحق، فليهن كل مرتد وجهمي ورافضي دخوله في شفاعته صلى الله عليه وسلم له وغناه عنه (5) ؛ لأنهم أهل الأحداث التي لا تزال تحدث وتتجدد، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:" «لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه» "(6) فما حدث في بني
(1) ساقطة من (ق) .
(2)
في (ق) : "من أنه ".
(3)
تقدَّم مرارا، انظر: ص (320) ، هامش 5، وص (427) ، هامش 7.
(4)
في (ق) و (م) : " قلبه ".
(5)
في (المطبوعة) زيادة: "بزعم هذا الغبي الجاهل ".
(6)
أخرجه البخاري ومسلم وابن ماجه والحاكم وأحمد وتقدَّم، انظر: ص (222) ، هامش 7.
إسرائيل من الأحداث التي تخالف ما جاءت (1) به الأنبياء وتصادمه لا بد أن تحدث في هذه الأمة؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر به، وأكد حصوله باللام الموطئة للقسم، وبالتشبيه البليغ الدال على موافقتهم ومتابعتهم في كل فرد (2) من سننهم وطرائقهم، وقال صلى الله عليه وسلم:" «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة» "(3) وعلى زعم هذا الجاهل كل هؤلاء داخلون في شفاعته ناجون بها. فنبرأ إلى الله من هذه الأقوال الكاذبة الخاطئة، ومن قائلها، وقد نزه الله شرع نبيه وطهره عن هذه الحماقات، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
(1) في (م) : "جاء ".
(2)
ساقطة من (المطبوعة) .
(3)
أخرجه أبو داود (4596، 4597) ، والترمذي (2640، 2641) ، وابن ماجه (3991، 3992، 3993) ، وأحمد (2 / 332، 3 / 120، 145) .