الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل في احتجاج المعترض بحديث البطاقة على منع تكفير من نقض الشهادتين]
فصل وأما قوله: (فما يقول من هذا مقاله فيما روينا بأسانيدها إلى الشيخ مفتي السادة الحنابلة عبد الباقي وساق سند عبد الباقي إلى عبد الله ابن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " «يصاح برجل من أمَّتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر له تسعة وتسعون سجلاً كل سجل منها مد البصر، ثم يقول الله عز وجل: أتنكر (1) من هذا شيئا يا عبدي؟ فيقول:
لا يا رب. فيقول اللَّه تعالى: ألك عذر أو حسنة؟ فيقول: لا يا رب. فيقول الله تعالى: بلى، إن لك عندنا حسنة وإنه لا ظلم عليك فيخرج اللَّه له بطاقة فيها: أشهد أن لا إِله إلا اللَّه وأنَّ محمدا عبده ورسوله. فيقول: يا ربِّ، ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقول الله تعالى: إنك لا تظلم، فتوضع تلك السجلات في كفة والبطاقة في كفة، فطاشت السجلات وثقلت البطاقة» " (2) .
فالجواب أن يقال: حديث البطاقة شاهد لكلام شيخنا، وأنه لا اعتبار بالأعمال إذا عدم التوحيد الذي هو مدلول شهادة أن
(1) في (ق) و (م) و (المطبوعة) : " أتنكر".
(2)
أخرجه الترمذي (2639) ، وابن ماجه (4300) ، وأحمد (2 213) .
لا إله إلا الله، وأن رجحان الموازين لا يحصل إلا بتحقيق التوحيد، والصدق والإخلاص في هذه الشهادة، وأن المشرك لا يقام له وزن، هذا من الأدلَّة والبراهين على ما دعا إليه الشيخ محمد رحمه الله تعالى، وأنه رأس الأمر وقاعدته العظمى.
قال في كتاب التوحيد (1) .
(باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب.
وقول الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام: 82][الأنعام / 82] ) . وساق من الآيات والأحاديث المطابقة للترجمة ما يبين أن الشيخ رحمه اللَّه تعالى داعٍ إلى التوحيد آمر به وبوسائله وذرائعه، ناهٍ (2) عن الشرك والتنديد، وعن وسائله وذرائعه.
وشبهة المعترض إنما أتته من حيث ظن أن دعاء الصالحين وعبادتهم والتوكل عليهم ذنب دون الشرك لا يخل بالتوحيد بل يبقى معه من التوحيد والإيمان ما ينجو به صاحبه، هذا معنى ما قرره هنا، قد تقدَّم أنه لا يراه ذنبا من الذنوب، وكلامه متناقض مختلف، ولكنه أورد الحديث هنا لما ذكرنا من ظنه وحسبانه (3) فسبحان من طبع على قلبه.
قال تعالى: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ} [الأنفال: 22][الأنفال / 22] .
(1) انظر: "فتح المجيد لشرح كتاب التوحيد"(1 113) تحقيق د. الوليد الفريان.
(2)
في (الأصل) : "ناهيا"، وهو خطأ.
(3)
في (ح) : "وإحسانه".
قال شيخ الإسلام تقيّ الدِّين في الكلام على حديث البطاقة (1) .
(إن صاحب البطاقة أتى بهذه الشهادة بصدق وإخلاص ويقين) ، ولم يأت بعد بما يخالفها ويضعفها، والصدق والإخلاص واليقين (2) في هذا التوحيد الذي دلَّت عليه كلمة الإخلاص مكفر للذنوب، لا يبقى معه ذنب، كما أن اجتناب الكبائر مكفر للصغائر.
وهذا يشهد لما قرره شيخنا من أنَّ الشرك الأكبر لا يبقى معه عمل.
وقد انتهى بنا القول في رد أباطيل المعترض وكشف زيغه وضلاله، وبيان كذبه ومحاله إلى هذه الغاية، والوقوف عند هذه النهاية، واستغفر اللَّه العلي العظيم الذي لا إِله إلا هو الحي القيوم، مما وقع من التفريط والإخلال بواجب حقه ونصرة دينه.
واسأله جلَّ ذكره أن يجعل ما أوردناه هنا من العمل الخالص لوجهه (3) الذي يرضاه ويثيب فاعله وألَاّ يكلنا إلى أنفسنا فنهلك، ولا إلى أحد من خلقه فنضل.
اللهم ربّ جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.
(1) انظر: "مجموع الفتاوى"(7 488، 10 734) .
(2)
في (ح) : " والتوحيد".
(3)
في (م) زيادة: " الكريم".
والله أعلم، وصلى اللَّه على عبده ورسوله محمَّد النبيّ الصَّادق الكريم (1) وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم (2) بإحسان (إلى يوم الدين والحمد للَّه)(3) .
(1) في (م) : "نبينا محمد".
(2)
في (م) : "والتابعين لهم".
(3)
ما بين القوسين ساقط من (م)، وفي (ق) و (ح) و (المطبوعة) بعدها زيادة:"رب العالمين إله الأوَّلين والآخرين".
آخر النسخة الأصل (ك)، قال: آخر ما أملاه شيخنا عبد اللطيف بن عبد الرحمن ابن حسن بن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي- أثابه اللَّه الجنة ورجح به موازينه، وعفى عنه وعن والديه ووالديهما ووالدينا ووالديهم وعنَّا معهم. آمين. وقد يسَّر اللَّه إتمام هذا الرد المبارك الميمون في أول جمادى الآخرة سنة 1389 هـ، وكان الفراغ من كتابة هذه النسخة في ضحوة الجمعة تاسع عشر جمادى أولى 1389 هـ بقلم الفقير إلى الله سبحانه وتعالى محمد بن عمر بن عبد العزيز ابن عبد الله بن محمد بن صالح بن سليم.
وقد كتبه في مدَّة حصل فيها من كثرة الانشغال وتشتت البال ما يعلمه ذو الطول شديد المحال، فالمأمول فيمن نظر إليها أن يدعو له ويتسامح.
وهذه النسخة في ملك الشيخ المؤلف عبد اللطيف بن الشيخ عبد الرحمن عفى عنهما المنان، وأسكنهما الغرف العالية من الجنان، إنه جواد كريم رؤوف رحيم كثير الجود والإحسان، بارك الله لهما فيه.