الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوجه في ذلك وإن لم يفقه هذا المعترض، وليس النزاع في كونه صلى الله عليه وسلم أكرم الخلق، وإنَّما هو في دعاء غير الله، والاستغاثة بسواه.
[بيان أن حديث توسل آدم بحق محمد عليه السلام موضوع]
وأما الحديث الذي عزاه لعمر بن الخطاب، بتوسل آدم بحق (1) محمد: فهو حديث موضوع، مكذوب، باتفاق أهل العلم بالحديث، كما جزم به شيخ الإسلام في كتاب الاستغاثة في الردِّ على ابن البكري (2) وأهل العلم يفرقون بين ما رواه الطبراني، وما رواه أئمة الحديث كالبخاري ومسلم وأحمد وأصحاب السنن الأربعة وموطأ مالك، وما رواه غيرهم من أهل المسانيد، لا سيَّما الطبراني، وأمثاله من المكثرين؟ فلا يحتجّ بحديثهم، وما انفردوا به إلا بعد النظر في سنده، وكلام أهل الجرح والتعديل، ومجرَّد العزو لا تقوم به حجة؟ لكثرة ما اشتمل عليه من الموضوعات.
وقد أنكر الحفاظ الحكاية (3) التي تنسب إلى مالك مع الخليفة المنصور التي ذكر فيها: "كيف تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة آبائك وجزموا بأن الحكاية موضوعة، وأن مالكا لم يقل هذا.
وقد تكلَّم عليه الحفاظ: ابن عبد الهادي (4) وغيره بكلام بديع، وذكر: (أنه من رواية عبد الرحمن بن زيد بن أسلم الذي قال فيه مالك بن أنس رحمه الله: اذهب إلى عبد الرحمن بن زيد بن أسلم يحدثك عن أبيه عن نوح. وقال الربيع بن سليمان: سمعت الشافعي يقول: سأل رجل عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: أحدثك أبوك عن أبيه عن جده: أن سفينة
(1) في (ح) : "بجاه".
(2)
انظر: (الرد على البكري)(2 / 550) ، و "منهاج السنة"(7 / 131) .
(3)
ساقطة من (ق) و (م) .
(4)
انظر: "الصارم المنكي" ص (59) .
نوح طافت بالبيت وصلت ركعتين؟ قال: نعم، قال ابن خزيمة: عبد الرحمن بن زيد (1) ليس ممن يحتج أهل العلم (2) بحديثه. وقال الحاكم: روى عن أبيه أحاديث موضوعة لا يخفى على من تأمَّلها من أهل الصنعة أن الحمل فيها عليه، وقال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني: حدَّث عن أبيه، لا شيء) .
وأمَّا سؤال عبد الله بحق جعفر: فليس فيه دلالة على محل النزاع، وليس (منه في شيء، فإن السؤال للحقوق الثابتة حض وحث على التزامها، وليس)(3) من سؤال غير الله ودعائه، فكما أن للسائلين على الله حقا (4) يسأل به كذلك للرحم حق على الأقارب يسألون به، وأين هذا من قول الناظم في بردته:(ما لي من ألوذ به سواك) وما بعده.
وأما قوله: (فأين هذا من عبادة غير الله) .
فالكلام ليس في التوسل الذي هو سؤال الله بحق عباده، والتوسل بالأعمال الصالحة، حتى يقال:(أين هذا من عبادة غير الله؟) ، وإنما النزاع والكلام في دعاء غير الله من الأموات والغائبين، ومن استبعد كونه عبادة لغير الله وأنكر ذلك فهو من أجهل الخلق بمسمى العبادة.
وقال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60][غافر: 60] .
ومر حديث النعمان، وقوله: " «الدعاء هو العبادة» (5) . وحديث
(1) ساقطة من (ق) و (م) .
(2)
ساقطة من (م) .
(3)
ما بين القوسين ساقط من (ق) .
(4)
في (ق) : "حق".
(5)
تقدم تخريجه، انظر: ص (313) ، هامش 1.
" «الدعاء مخ العبادة» "(1) . والمعترض مخاتل (2) متلاعب بدين الله، وسيجزيه الله على ذلك ما يستحقه وتقتضيه حكمة الرب في مجازاة أمثاله.
وأما قوله (3)(وليس ما ذكرنا استدلالا منا على ذلك لا إثباتا ولا (4) نفيا) . فهذا كذب يناقض ما قبله، فإنه أثبت ما في أبيات البردة وقرَّره، وساق ما يزعم أنه يشهد له، وأن الطلب من الأموات والغائبين بقصد الشفاعة (جائز وارد، ونفى ما استدرك عليه الشيخ من تحريم دعاء الأموات الشفاعة)(5) أو غيرها (6) وزعم: (أن من قال: هذا من الشرك. فقد كفَّر الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس، القائمين بدين الله) ، وأكثر من هذا النوع وأسهب فيه، كما مر (7) . وهنا يقول:" ليس ما ذكرنا استدلالا منا على ذلك، لا إثباتا ولا نفيا". فالرجل لا يعقل ما يتكلم به، وشيخنا لم يكفر الأمة وعلماءها حتى صاحب البردة وإنَّما تكلَّم فيما دلَّ عليه كلامه واقتضاه نظمه وخطابه، وعلماء الأمة ليسوا (8) من هذا الضرب الغالين في الأنبياء والصالحين، وهذا الرجل ما عرف العلم ولا العلماء، ولا مسمى
(1) تقدم تخريجه، انظر: ص (313) ، هامش 3.
(2)
في (ق) : (مخامل) .
(3)
في (م) : (وأما له) ، وهو سهو.
(4)
"لا" ساقطة من (م) .
(5)
ما بين القوسين ساقط من (ق) و (م) .
(6)
في (ق) و (م) زيادة: "وما".
(7)
في (ق) : "ترى".
(8)
في (ق) : "ليس".
الأمة، ولا مسمى التوحيد، ولا مسمى الشرك ولا التوسل، فهو (1) أجهل الخلق بحدود ما أنزل الله على رسوله، وهو أحق الناس بما رمى به شيخنا من ترك الاهتداء والاقتداء، وعدم القول بما ذهب إليه أهل الرضى.
وأما قوله: (ونحن بحمد الله ندين بأن الله واحد أحد لا ربّ لنا سواه ولا نعبد إلا إيَّاه) .
فيقال: الخصومة منذ سنين بيننا وبينك (2) فيما دلَّت عليه هذه الكلمة، والنزاع في عبادة الله وحده لا شريك له. نحن نقول: دعاء الأنبياء والصالحين من الأموات والغائبين للشفاعة أو غيرها شرك ظاهر مستبين، ونستدل على قولنا بما في كتاب الله من تحريم دعاء غيره وعبادة سواه، وندخل دعاء الأموات والغائبين فيما دلَت عليه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وأقوال السلف، وأهل التأويل، كما استدلَّ بذلك سلفنا الصالح من علماء الأمَّة، وأئمة الدين وأكابر المحدثين والمجتهدين، وأنت أيُّها الرجل تزعم أن هذا جائز أو مستحب، وتستدل بما مرَّ من أدلتك التي يعرف من نظر فيها أنك عن العلم والإصابة بمعزل، وأنك لم تتصور حقيقة الإسلام، وما جاءت به الرسل (3) الكرام.
وأمَّا قوله: (ولكن (4) لا نُحَكم أنفسنا على الله ورسوله) .
فقد كذب في هذا؟ بل حَكَم نفسه ورجع إليها، وقاد النصوص إلى رأيه الضال وقوله الفاسد.
(1) في (م) زيادة: "من ".
(2)
في (ق) و (م) : "بيننا وبينك منذ سنين".
(3)
ساقطة من (ق) .
(4)
ساقطة من (ق)، وفي (م) :"ونحن".
وقوله (1)(وما فعله السلف لا يكون كفرا جائزا أو غير جائز عند بعضهم، بل ولا فسقا (2)) .
فهذا الكلام كلام جاهل لا يدري ما يقول، فأي شيء فعله السلف أو رأوه جائزا كفر به شيخنا؟ وما معنى هذه الكلمة؟ وهذا الاسم عند الإطلاق؟ أهو للجميع والجملة، أو لفرد منها؟ وأظنه يشير إلى أن سؤال الله بجاه الأنبياء والأولياء فعله بعض السلف، فأطلق اسم السلف على فرد منهم، وقد تقدَّم الكلام على هذه المسألة؟ وأن الذي يشير إليه هذا (3) ما فعله أحد قط؟ وفي قوله:(أو غير جائز عند بعضهم) ، يريد أنه لا يذم، وإن لم يجزه بعضهم، ومنع منه، وهذه المسألة الصواب فيها وفي غيرها: رد مسائل النزاع إلى الكتاب والسنَّة، والحكم بموجب ذلك، ولا يقال:(إن ما فعله السلف ولو غير جائز، ليس بكفر ولا فسق) ، فإن هذا بكلام الغوغاء أشبه منه بكلام العقلاء؛ وقدامة بن مظعون وأصحابه رضي الله عنهم أنكر عليهم أصحاب صلى الله عليه وسلم، وجزموا بأن استحلال الخمر بعد قيام الحجة على مستحله كفر، ووافقهم على ذلك قدامة بن مظعون وأصحابه، وبادر إلى التوبة هو وأصحابه رضي الله عنهم، وهم من أكابر السلف، فكيف يقال: وما فعله السلف لا يكون كفرا بل ولا فسقا؟ والمراد آحاد السلف.
(1) في (م) زيادة: " وأما".
(2)
في (م) : "فاسقا".
(3)
ساقطة من (م) .