الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فثبت أن هذا الداء (1) قديم، صدَّ به إبليس الرجيم أمما لم يفرّقوا بين ما كفرت به الرسل وأتباعهم، وما كفَّرت به الخوارج وأشياعهم، فكم هلك في هذا من جاهل، وكم زاغ به من زائغ.
ثم يقال لهذا (2) إذا ثبت أن الخوارج كلاب أهل النار؟ لأنهم كفروا أهل الإسلام بالذنوب- على زعمهم- فكيف ترى بمن (3) كفَّر أئمة الدين وعلماء الأمة وورثة الرسول (4) بمتابعته، وتجريد التوحيد، والبراءة من الشرك وأهله؟ فأي الفريقين أحق أن يكون من كلاب النار: من كفَّر بالذنوب والسيئات، أو من كفر بمحض الإيمان والحسنات؟ الله أكبر. ما أضل هذا الرجل (5) عن سواء السبيل.
[حياة الأنبياء والشهداء بعد موتهم لا يدل على علمهم بحال من دعاهم ولا قدرتهم على إجابته]
وأما قوله: (فالحاصل أنه يكذِّب بحال الروح إلا من قلبه مجروح) .
فيقال: هذا شروع منه في أن الأرواح لها تصرف، وعلم يوجب دعاءها بعد مفارقة أجسادها، والاستغاثة بها، وهذا القول حكاه شيخ الإسلام عن الصابئة، وقرَّره غير واحد في دعاء الأنفس المفارقة أنفس الأنبياء والصالحين والملائكة (6) .
واستدل الغبي على هذه الدعوى الصابئية بأنه صلى الله عليه وسلم في قبره حي،
(1) في (ق) : " الدعاء ".
(2)
في (المطبوعة) زيادة: (الغبي الضال) .
(3)
في (ق) : " ممن ".
(4)
في (ق) : " الرسل ".
(5)
ساقطة من (ق) .
(6)
في (ق) و (م) : "والملائكة والصالحين".
وجسده طري- بأبي هو وأمي- ولم يفقه هذا المعترض (1) معنى حياة الأنبياء والشهداء، ولم يدرِ حقيقتها مع أن الإشارة إليها صريحة في كتاب الله! وفي سنة رسول الله (2) والرجل حاطب ليل لا علم له بما يورده من النقول، ولا دراية له بشيء من المعقول، وليست حياة الأنبياء والشهداء كما يظنه هؤلاء وأسلافهم من الصابئة، من أنهم (3) لهم علم (4) بحال من دعاهم وقدرة على إجابته، وتصرف في العالم، وجولات (5) في الملكوت، ويكفي المؤمن في بيان حياتهم والإشارة إلى حقيقتها قوله تعالى (6) {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169] [آل عمران -169] .
وقوله صلى الله عليه وسلم فيما صحَّ عنه: " «أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تسرح في الجنة حيث شاء» "(7) ويكفي في إبطال قول الصابئة وورثتهم قوله تعالى عن المسيح: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المائدة: 117][المائدة: 117] في هذه الآية ما يدل على أنه عليه السلام لا علم له بما صدر
(1) في (المطبوعة) : " الأعمى ".
(2)
في (م) : " وسنة رسوله ".
(3)
في (ح) و (المطبوعة) : "أن".
(4)
في (المطبوعة) : " علما ".
(5)
في المطبوعة: "وجولانا".
(6)
(قوله تعالى) ساقطة من (ق) و (م) .
(7)
أخرجه مسلم (1878) ، أبو داود (0 52 2) ، والترمذي (11 0 3) ، وابن ماجه (1449) ، وأحمد (6 / 386) .
وجرى منهم بعد وفاته، وأنه إنَّما يشهد بما كان منهم مدة حياته وبقائه فيهم، ولا يعلم سواه (1) ولا يشهد بغيره، وعن ابن عباس مرفوعا:" «تحشرون يوم القيامة حفاة عراة غرلا» "، ثم قرأ (2) {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 104] [الأنبياء: 104] .
فإذا كانت هذه أحوال أكابر (5) الرسل وسادات الأنبياء لا شهادة لهم ولا علم (6) بأممهم إلا مدة دوامهم فيهم، وحياتهم بين أظهرهم، فكيف يقال: بأن الروح تعلم علما مطلقا بحال من دعاها، فَتُسأل أو تدعى؟ ما أقبح الكذب على الله وعلى رسله.
وكذلك قوله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا} [الجن: 21][الجن: 21] .
(1) في (ق) : "سواها".
(2)
في (ق) زيادة: "قوله تعالى".
(3)
في (ق) و (م) زيادة: "يوم القيامة".
(4)
أخرجه البخاري ومسلم والترمذي وأحمد وغيرهم، وتقدم تخريجه، انظر ص (352) ، هامش 2.
(5)
ساقطة من (م) .
(6)
في (م) زيادة: " لهم ".
وفي الحديث: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به» (1) أو ولد صالح يدعو له (2) وقوله صلى الله عليه وسلم: «نسمة المؤمن طائر يعلق بشجر الجنة» (3) .
وأما حياته في قبره: فنعم صلى الله عليه وسلم (4) ولكن الشأن في معرفة حقيقة هذه الحياة والفرق بينها وبين الحياة الدنيوية.
وأمَّا سماع النداء بالأذان والإقامة من القبر الشريف: فالأمر أجلّ من ذلك وأرفع، وقد سمعت القراءة من كثير من الأموات من سائر المؤمنين فكيف بسيد المرسلين؟ .
وأما صلاة موسى في قبره: فإن صحَّ الحديث بها، فليس فيها حجة، ولا دليل على أن أحدا منهم يقصد للدعاء والشفاعة، والحديث فيه مقال؟ ولذلك قال صاحب (5)[الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية](6) .
في النفس منه حسيلة: هل قاله؟
…
والحق ما قد قال ذو الفرقان
وأمَّا ما ذكر ابن القيم رحمه الله في كتاب [الروح] : فليس فيه أن الأرواح تفعل، وتهزم الجيوش، أو تنصر على الأعداء، كما زعمه هذا الضال
(1) في (ق) و (م) زيادة: "من بعده".
(2)
تقدم تخريجه، انظر: ص (401) ، هامش 2.
(3)
تقدم تخريجه، انظر: ص (327) ، هامش 2.
(4)
" صلى الله عليه وسلم " ساقط من (ق) و (م) و (المطبوعة) .
(5)
في (ق) : "أصحاب "، وفي (م) و (المطبوعة) :(ابن القيم في) .
(6)
ساقطة من (ق) و (م) .
الذي مبنى (1) دينه ورده على المسبة والسفاهة (2) ونسبة المؤمنين إلى أنهم جهلة غوغاء، فليوجدنا حرفا يشهد لقوله عن (3) ابن القيم أو غيره، بل في كتاب "الروح" من ذكر أحوال الأرواح، وتقسيمها، واشتغالها بما هي بصدده، وحبس بعضها وانقطاع أعمالها، وغير ذلك من صفاتها ما يشهد بأنها مقهورة مربوبة مدبرة؟ لا تزيد في حسناتها ولا تنقص من سيئاتها إلى يوم النشور، خلافا لما زعمه الكاذب الظالم الفجور.
وأمَّا حديث: " «إنَّ لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام» "(4) فهذا الحديث حجة لأهل التوحيد القائلين بأن الرسول لا يعلم الغيب، ولا يملك لأحد ضرا ولا نفعا.
ووجه الدليل: إنَّ السلام يرفع إليه ويبلغ إيَّاه؟ ولم يرد أنه يعلم أو يسمع من بُعد من المصلين والمسَلمين عليه، وإذا كان الحال هكذا فما ظنك بالداعين والطالبين؟ .
وكذلك عرض الأعمال عليه: يقال فيه ما قيل في هذا، وكذلك عرضها على العشائر والأقارب لا يدلّ على أنَّ الميت يدعى ويقصد، ويطلب منه الاستغفار، فإن هذا من دين المشركين.
وهذه الأحاديث لا تدل على جواز دعاء الأموات والغائبين، ولا على عموم العلم بحال الداعين، ولا على حصول الاستغفار في كل
(1) في (ق) : " بنى ".
(2)
في (ق) و (م) : "السفاهة والمسبة".
(3)
في (ق) : " القول ".
(4)
تقدم تخريجه، انظر: ص (444) ، هامش 5.
وقت وحين، فان هذا يحتاج لتوقيف من الشارع صلى الله عليه وسلم.
وأما قوله: (وإن كان سفيان قد دلَّس فهو ثقة عدل) .
فيقال له: البحث في هذا ليس من شأنك، ولا من حرفتك، ولا تحسن الخوض في هذه المباحث، وسفيان أجل من أن يزكيه أمثالك من الضالين، والعلَة ليس ما زعمته وقررته (1) .
(1) في (ق) : وضع الناسخ نقطا هنا وكتب في الهامش: "بياض في الأصل".