الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل في احتجاج المعترض بكلام لابن رجب الحنبلي على مقصده من عدم تكفير من أتى بشرك]
فصل قال المعترض: (وقال زين الدين ابن رجب رحمه الله تعالى (1)"ومن المعلوم بالضرورة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل من كل من جاء يريد الدخول في الإسلام الشهادتين فقط، ويعصم دمه بذلك، ويجعله مسلمًا، وقد أنكر على أسامة قتله لمن شهد أن لا إِله إلا الله لما رفع عليه السيف، واشتد نكيره". ثم بين رحمه الله أنه إذا كان مسلمًا بالشهادتين ألزم حقوق الإسلام، إلى أن قال:
"وبهذا الذي قررنا يظهر الجمع بين ألفاظ (2) الأحاديث في هذا الباب؛ ويتبين أن كلها حق فإن كلمتي الْإِخلاص بمجردها تعصم (3) من أتى بهما، ويصير بذلك مسلمًا هذا عين كلامه". انتهى.
إذ لولا أنه يكون مسلمًا بهما لم يُلزم شرائع الإسلام (4) ويُجبر عليها، فإن الكافر لا يجبر على شرائع الإسلام، وإن كان على
(1) انظر: "جامع العلوم والحكم"(1 / 84) .
(2)
ساقطة من (ق) و (م) .
(3)
في (المطبوعة) : "بمجردهما تعصمان".
(4)
ساقطة من (ق) و (م)، وفي (المطبوعة) بعدها زيادة:"ولم".
قولنا (1) مخاطبًا بها، إلا أنها (2) لا تصح منه لعدم شرطها، لأن من شرط (3) صحة شرائع الإسلام، تقدم (4) الشهادتين، ومن جعل شرائع الإسلام مع الشهادتين (5) شرطًا لدخول الإسلام وصحته، وأنه لا يكون مسلمًا إلا بذلك كهذا الرجل، فقد (6) أبعد النجعة، وخالف ما عليه سيد البشر صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وسلفه الصالح، وسلك طريق الابتداع بتكفير الأمة على أصل هذا المذهب الخبيث.
وسيأتي من شبه هذا الرجل من كلامه، أنه عَيْن كلامه، كما ستراه عنه بعينه، وبما ذكرنا يعلم اختلاف الخليفتين الراشدين رضي الله عنهما في قتال مانعي الزكاة أنه ليس على كفره بالمنع، بل هل يباح دمه بمنعه أم لا؟ فسلَّم بعد ذلك الفاروق للصدِّيق؛ ولهذا اتفق أهل المذاهب الأربعة في كتبهم أنه لا يجوز قتال مانع الزكاة إلا لمن يفعل بإخراجها كفعل الصدِّيق والخلفاء الراشدين، بأن يخرجها في أصنافها الثمانية أو ما وجد منها، ومن لم يفعل ذلك فنصُّوا على تحريم قبضه لها، فضلا عن أن يقاتل عليها، مع أن قبضه لها بهذه الحالة مبرئ لدافعها بطلبه، توفيرًا للسمع والطاعة، واجتماع الكلمة؟ ووزرها (7) على قابضها، وبهذا يتبين قول أهل
(1) في (ق) : "قول".
(2)
في (ق) و (ح) : "لأنها".
(3)
في (ق) : "شروط".
(4)
ساقطة من (ق) و (م) .
(5)
ساقطة من (ق) .
(6)
في (ق) : "فإنه".
(7)
في (ق) و (ح) : " وإزرها".
السنَّة والجماعة وأنَّ أعمال الجوارح يزيد بها الإيمان وينقص، حتى لا يبقى في قلب الإنسان إلا أدنى أدنى أدنى مثقال حبة خردل من إيمان، كما في صحيح البخاري من حديث أنس رضي الله عنه (1) بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، حتى يخرج جل وعلا من قال لا إله إلا الله، كما مر ذكره ذكرناه في كتابنا "غسل الدرن".
والجواب أن يقال: إن الله تعالى وتقدس وعد رسله (2) والذين آمنوا أن ينصرهم في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة (3) ولهم سوء الدار، ومن نَصْر الله تعالى لأوليائه وعباده المؤمنين ولشيخنا رحمه الله تعالى خذلان أعدائهم، وعدم تسديدهم، وتهافت أقوالهم وما كساها من الظلمة والتناقض والتدافع، والوحشة التي يعرفها من سلمت فطرته؛ وصح إسلامه، فضلًا عن أهل العلم بشرعه ودينه، فلربنا الحمد، لا نحصي ثناءً عليه، بل هو كما أثنى على نفسه.
ويقال لهذا: قد حرفت عبارة زين الدين بن رجب وتصرفت فيها، وأخرجتها عن موضوعها، وأزلت بهجتها: من ذلك قولك عنه: إنه يقول: (ومن المعلوم بالضرورة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل من كل من جاء يريد الدخول في الإسلام الشهادتين فقط) . وقد نزه الله العلامة ابن رجب وأمثاله عن (4) أن يظنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يقبل مجرد القول
(1) في (ح) زيادة: "قال: يخرج لعلي أناس".
(2)
في (ق) : "رسوله".
(3)
"ولهم اللعنة" ساقطة من (ق) و (م) .
(4)
ساقطة من (ق) و (م) .
، من غير التزام لحقيقته، ولا عمل بمدلوله، وعبارة ابن رجب تدل على أنه يبدأ بالتوحيد في الدعوة والطلب، ولا يقبل قبله عمل من الأعمال، والمقصود من الشهادتين ما دلتا عليه من (1) البراءة من كل معبود سوى الله؛ وأنه هو المعبود وحده لا شريك له، والإيمان بالرسل، والتزام متابعتهم، هذا هو مدلول الشهادتين (2) وهو الذي دلَّت عليه عبارة ابن رجب، وشيخنا رحمه الله أصْل دعوته وجهاده على هذا، وعلى ترك عبادة الصالحين من الأموات والغائبين، ودعائهم مع الله رغبًا ورهبًا، والتوجه إليه والاستغاثة (3) بهم في الشدائد والملمات، كما كانت تفعله الجاهلية، فهذا الذي جاهد شيخنا عليه، ودعا الناس إلى تركه، وأخبرهم أن الإيمان بالله يناقض هذا ويبطله، فعبارة ابن رجب تشهد لهذا الشيخ بالعلم والمتابعة، خلافًا لما توهمه بعض الجهال والضلال من أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقبل مجرد القول واللفظ، مع ارتكاب ما ينافيه ويناقضه.
ومراد ابن رجب: أنَّ مَن أظهر الإسلام، وتكلم بالشهادتين، ولم يأت منه ما ينافيهما يحكم بإسلامه، ويؤمر ببقية الشرائع، وقد ذكر ابن رجب بعد عبارته:(أنَّ مِن شرائع الإسلام ما يقاتل عليه ويكفر تاركه) . فدل كلامه على أن التزام أركان الإسلام باعتقاد وجوبها (4) شرط لصحة الإسلام وقبوله في الدار الآخرة، وأما الأحكام الدنيوية فتجري على من أظهر الإسلام ظاهرًا، فإن ظهر منه ما ينافي ذلك حكم عليه بما يقتضيه هذا
(1)"ما دلتا عليه من" ساقطة من (ق) و (م) .
(2)
في (ق) و (م) : "شهادة أن لا إِله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ".
(3)
في (ق) : "إليهم والاستعانة ".
(4)
"باعتقاد وجوبها" ساقطة من (ق) و (م) .
المنافي من تكفير أو قتال، وهذا هو الذي دل عليه حديث أسامة وغيره من الأحاديث الدالة على الكف عمن أتى بالشهادتين.
ودعواك أنَّ ابن رجب قال: (يقبل من كل من جاء يريد الدخول في الإسلام الشهادتين فقط) دعوى كاذبة، وآحاد العقلاء يتنزه عن هذه العبارة؛ لأنَّ معنى "فقط " لا غير، وحينئذ فمدلولها أنه لا يقبل بقية الشرائع من الأركان الإسلامية والشعب الإيمانية، ولا يظن هذا برسول الله صلى الله عليه وسلم من له عقل يميز به ولو كافرًا، فضلًا عن أهل العلم والإيمان.
وأما قولك: (ومن جعل شرائع الإسلام مع الشهادتين شرطًا لدخول الإسلام (1) وصحته، وأنه لا يكون مسلمًا إلا بذلك - كهذا الرجل - فقد أبعد النجعة، وخالف ما عليه سيد البشر صلى الله عليه وسلم وأصحابه وسلفه الصالح) إلى آخر ما قلت.
فهذا القول منك صريح في مخالفة عبارة ابن رجب التي هي مرتبطة بما نقلته (2) وشرط التزام الشرائع والمباني الإسلامية مجمع على اعتباره في الإسلام المنجي في الدار الآخرة، وكلام ابن رجب الذي ساقه بعد العبارة التي ذكرها المعترض صريح في هذا؛ فإنه قرر ما يقاتل عليه من الشرائع وما يقتل به الفرد المعين، وذكر شيئًا مما يكفر به، وذكر الخلاف في تكفير من ترك أحد المباني، وأما من ترك التوحيد الذي دلَّت عليه شهادة أن لا إِله إلا الله، فقد اتفق العلماء على كُفْرِه ووجوب قتله إن أصر وعاند.
(1) في (م) : " الإيمان ".
(2)
في (ح) : "نقله".
وقال شيخ الإسلام تقيّ الدِّين، لما سئل عن قتال التتر مع تمسكهم بالشهادتين، ولِمَا زعموا من اتباع أصل الإسلام (1) (كل طائفة ممتنعة عن التزام شرائع الإسلام الظاهرة: المتواترة من هؤلاء القوم أو غيرهم؛ فإنه يجب قتالهم حتى يلتزموا شرائعه، وإن (2) كانوا مع ذلك ناطقين بالشهادتين، ملتزمين بعض شرائعه (3) كما قاتل أبو بكر والصحابة رضي الله عنهم مانعي الزكاة، وعلى ذلك اتفق الفقهاء بعدهم بعد سابقة مناظرة عمر لأبي بكر رضي الله عنهم، فاتفق الصحابة على القتال على حقوق الإسلام، عملًا بالكتاب والسنَّة، وكذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من عشرة أوجه الحديث عن الخوارج والأمر بقتالهم، وأخبر أنهم "شر الخلق والخليقة" (4) مع قوله:" «تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم» "، فعلم أن مجرد الاعتصام بالإسلام مع عدم التزام شرائعه ليس بمسقط للقتال، فالقتال واجب حتى يكون الدين كله لله، وحتى لا تكون فتنة، فمتى كان الدين لغير الله فالقتال واجب، فأيما (5) طائفة امتنعت عن بعض الصلوات المفروضات (6) أو الصيام أو الحج، أو عن التزام تحريم الدماء، أو الأموال، أو الخمر، أو الزنا، أو الميسر، أو نكاح
(1) انظر قوله رحمه الله في: "مجموع الفتاوى"(28 / 502) .
(2)
ساقطة من (ق) .
(3)
في (ق) : "سرائع".
(4)
تقدم تخريجه. انظر: ص (165) ، هامش 5.
(5)
في (ق) : "فإيمان".
(6)
ساقطة من (ق) .
ذوات المحارم، أو عن التزام جهاد الكفار، أو ضرب الجزية على أهل الكتاب، أو غير ذلك من التزام واجبات الدين، أو محرماته التي لا عذر لأحد في جحودها، أو تركها التي يكفر الواحد بجحودها؛ فإن الطائفة الممتنعة تقاتل عليها، وإن كانت مقرة بها، وهذا مما لا أعلم فيه خلافًا بين العلماء، وإنما اختلف الفقهاء في الطائفة الممتنعة إذ أصرت على ترك بعض السنن، كركعتي الفجر، أو الأذان أو الْإِقامة؛ عند من لا يقول بوجوبها، ونحو ذلك من الشعائر (1) فهل تقاتل الطائفة الممتنعة على تركها (2) أم لا؟ فأما الواجبات أو المحرمات المذكورة ونحوها، فلا خلاف في القتال عليها، وهؤلاء عند المحققين من العلماء ليسوا بمنزلة البغاة الخارجين على الإمام (أو الخارجين عن طاعته؛ كأهل الشام مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ما بين القوسين (3) فإن أولئك خارجون عن طاعة إمام معين أو خارجون عليه لِإِزالة ولايته؛ وأما المذكورون فهم خارجون عن الْإِسلام بمنزلة مانعي الزكاة؛ وبمنزلة الخوارج الذين قاتلهم علي رضي الله عنه، ولهذا افترقت سيرته رضي الله عنه في قتاله لأهل البصرة وأهل (4) الشام، وفي قتاله لأهل النهروان، فكانت سيرته مع البصريين والشاميين سيرة الأخ مع أخيه، ومع الخوارج بخلاف ذلك، وثبتت (5)
(1) في (م) : "الشرائع".
(2)
"على تركها" ساقطة من (م) .
(3)
ساقط من (ق) و (م) .
(4)
ساقطة من (ق) .
(5)
في (م) : "ثبت".
النصوص (1) عن النبي صلى الله عليه وسلم بما استقر عليه إجماع الصحابة من قتال الصديق رضي الله عنه لمانعي الزكاة، وقتال علي للخوارج) . انتهى كلامه رحمه الله.
وقال أيضًا في "الرسالة السنية"(2) (فإذا كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه من مرق عن الإسلام مع انتسابه إلى الإسلام والسنَّة، ففي هذه الأزمان قد يمرق أيضًا من الإسلام، وذلك بأسباب.
منها: الغلو الذي ذمه الله تعالى في كتابه، حيث قال:{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} [النساء: 171] الآية [النساء / 171] .
وعليّ بن أبي طالب رضي الله عنه حرَّق الغالية من الرافضة، وأمر بأخاديد خُدَّت لهم عند باب كندة وقذفهم فيها، واتفق الصحابة على قتلهم، لكن ابن عباس رضي الله عنه مذهبه أن يقتلوا بالسيف بلا تحريق، وهو (3) قول أكثر العلماء، وقصتهم معروفة، وكذا الغلو في بعض المشايخ؛ بل الغلو في علي بن أبي طالب بل الغلو في الشيخ عدي ونحوه، فكل من غلا في نبي أو رجل صالح وجعل فيه نوعًا من الْإِلهية، مثل أن يقول: يا سيدي فلان انصرني، وأغثني (4) وارزقني، واجبرني، أو أنا في حسبك، ونحو هذه الأقوال، فكل هذا شرك وضلال يستتاب صاحبه فإن تاب وإلا قتل، فإن الله إنما أرسل الرسل وأنزل الكتب (5) ". ليعبد
(1) ساقطة من (ق) و (م) .
(2)
انظر: "مجموع الفتاوى"(3 / 383) .
(3)
في بقية النسخ: "وهذا".
(4)
في (م) : "وأغثني أو انصرني".
(5)
في (المطبوعة) : "الكتاب.
وحده لا يجعل معه إله آخر؛ والذين يدعون مع الله آلهة أخرى مثل المسيح والملائكة لم يكونوا يعتقدون أنها تخلق الخلائق، أو تنزل المطر، أو تنبت النبات؛ وإنما كانوا يعبدونهم أو يعبدون قبورهم أو صورهم، يقولون: إنما نَعْبُدُهُمْ (1) لِيُقَربُونَا إلى الله زُلفَى {وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ (2) شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس: 18][يونس / 18] .
فبَعث (3) الله رسوله (4) ينهى أن يدعى أحد من دونه، لا دعاء عبادة ولا دعاء (5) استعانة) وذكر آيات في المعنى تبين هذه القاعدة العظيمة التي ضلَّ بالجهل بها من ضل، وشقي (6) بإهمالها من شقي.
وأما ما زعمه من مخالفة شيخنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وسلفه الصالح.
فلو كان لهذا المعترض عقل يميز به، وعلم يدري به ما كان عليه (7) رسول الله صلى الله عليه وسلم من تكفير من عبد غير الله، واتخذ معه الآلهة (8) والأنداد، وسوى بينهم وبينه تعالى وتقدس في الحب والتعظيم، والْإِنابة والتوكل
(1) في (المطبوعة) : "ما نعبدهم إلا "، وهو سياق الآية. وسياق النُسَخ الأربع يوحي أن المصنف لم يرد سياق الآية.
(2)
ساقطة من (ق) و (م) .
(3)
بياض في (ق) .
(4)
في (ق) و (م) : "رسله".
(5)
ساقطة من (ق) و (م) .
(6)
في (ح) : "ويشقى".
(7)
ساقطة من (ق) .
(8)
ساقطة من (ق) .
والدعاء؛ لعرف أنه هو المخالف لما كان عليه سائر رسل الله وأتباعهم إلى يوم القيامة، وأنة يجادل ويناضل عن عاد وثمود وقوم نوح وقوم فرعون وجاهلية العرب، وأمثالهم من الأمم الذين كذَّبوا الرسل ولم يستجيبوا لهم، ولم يلتفتوا إلى ما خلقوا في (1) له، وهذا الصنف من الناس هم أول من اخترع الشرك وابتدع في دين الله؛ وهم الذين أصَّلوا الأصول الخبيثة التي مقتضاها العدل بربهم وتسوية غيره به، ومعاداة أوليائه وحزبه، ونسبتهم إلى ما لا يليق بهم، وهذا هو حقيقة الخبث والرجس والفساد.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28](2)[التوبة / 28] .
وزعيمهم الذي يناضل عنهم ويجادل (3) دونهم هو أخبثهم على الإطلاق.
قال تعالى: (4){الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} [غافر: 35][غافر 35] .
وأما جعله شيخنا رحمه الله ممن (5) يشترط الشرائعَ الإسلامية في الدخول فيه: فهذا باطل، إنما تشترط (6) المباني ونحوها في صحة الإسلام،
(1)(المطبوعة) : "اختلقوا".
(2)
في (ق) زيادة: " فلا يقربوا المسجد الحرام " الآية.
(3)
في (ق) و (م) : "يجادل عنهم ويناضل".
(4)
في (م) و (ح) زيادة: (إِنَّ) .
(5)
ساقطة من (م) و (ح) .
(6)
في (م) : "اشترط".
لا في الدخول فيه، وشيخنا رحمه الله لم يقل هذا الذي زعمه هذا المعترض، بل هو من جهله وإفكه (1) وضلاله وبهته، والنزاع إنما هو في (2) شهادة أن لا إِله إلَاّ الله، ولم يمتنع أحد ممن (3) التزم الإسلام في زمن الشيخ محمد رحمه الله عن شيء من شعائر الإسلام وأركانه، حتى يقال: إنه لم يقبل منه (4) الدخول في الإسلام.
فهو رحمه الله وإن قاتل على ترك أحد المباني فلم يقل: لا نقبل الإسلام ابتداءً إلَاّ بها؛ ولكن هذا البهت لا يستغرب مع جهالة هذا الرجل، وعدم شعوره بشيء من الحقائق الدينية.
وأما قول المعترض: (وبما ذكرنا يعلم اختلاف الخليفتين في قتال مانع (5) الزكاة أنه ليس على كفره بالمنع؛ بل هل يباح دمه بمنعه أم لا؟ فسلم بعد ذلك الفاروق للصدِّيق) .
فيقال لهذا الغبي الجاهل: ما وقع من عمر رضي الله عنه من التوقف في قتال مانعي الزكاة واستدلاله بالحديث على ترك القتال لا يدل (6) على أنه يرى إسلام تارك الزكاة، وقد ثبت عنه أنه صرح بتكفير تارك الحج ولم يقتله، فمسألة القتال لا تستلزم تكفيرًا، والتكفير لا يستلزم
(1) في (ق) و (م) : "جمله إفكه".
(2)
ساقطة من (ح) .
(3)
في (ق) و (المطبوعة) : "من".
(4)
في (ح) : "من".
(5)
في (ق) و (م) و (المطبوعة) : "مانعي".
(6)
في (ق) و (م) : "يرى".
القتال (1) هذا باعتبار (2) أصل الخلاف، وقد سلَّم الفاروق للصدِّيق والتزم ما ذهب إليه الصديق من وجوب القتال، وصارت المسألة إجماعية، وإذا أجمعوا على القتال فما المانع من التكفير؟ وقد تقدم كلام شيخ الإسلام في تكفير مانع (3) الزكاة، وأن الصحابة لم يفرقوا في التكفير والقتال بين من جحد الوجوب، وبين من منعها ولم يؤدها، مع اعترافه بالوجوب.
وقال أبو العباس رحمه الله أيضًا في الكلام على كفر مانع الزكاة (4)(والصحابة لم يقولوا: هل أنت مقر بوجوبها أو جاحد لها؟ هذا لم يعهد عن الخلفاء والصحابة؛ بل قال الصدِّيق لعمر رضي الله عنهما: "والله لو منعوني عَنَاقًا (5) كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها" فجعل المبيح للقتال مجرد المنع لا جحد الوجوب.
وقد روي أن طوائف كانوا يقرون (6) بالوجوب لكن بخلوا بها، ومع هذا فسيرة الخلفاء فيهم جميعهم سيرة واحدة، وهي قتل مقاتلتهم، وسبي ذراريهم، وغنيمة أموالهم، والشهادة على قتلاهم بالنار، وسموهم جميعهم أهل الردة، وكان من أعظم فضائل الصدِّيق عندهم (7) أن ثبَّته الله
(1) في (المطبوعة) زيادة: "مطلقا".
(2)
في (ق) : "عبارة".
(3)
في (ق) و (م) و (المطبوعة) : "مانعي".
(4)
في (ق) و (م) : "مانعي".
(5)
في (ق) : "عقال بعير".
(6)
في (ق) و (م) : "مقرين".
(7)
ساقطة من (ق) و (م) .
عند قتالهم، ولم يتوقف كما توقف غيره، فناظرهم حتى رجعوا إلى قوله، وأما قتال المقرين بنبوة مسيلمة، فهؤلاء لم يقع بينهم نزاع في قتالهم) . انتهى.
وأما قوله: (ولهذا اتفق أهل المذاهب الأربع (1) في كتبهم أنه لا يجوز قتال مانع (2) الزكاة إلَاّ لمن يفعل بإخراجها كفعل الصدِّيق) .
فيقال: من عَرَف جهل هذا الرجل (3) وعدم أمانته فيما ينقله ويحكيه عن الآحاد فضلًا عن الاتفاق والإجماع لم يلتفت إلى قوله، ولم يصغ له ولا يعتد به إلَاّ جاهل لا يدري ما الناس فيه، وهذه العبارة كذب بحت لم يتفقوا ولم يجمعوا؛ بل اتفقوا على خلافها، وأنَّ أئمة الإسلام يجب عليهم قتال مانع الزكاة حتى يؤديها، وعليهم في ذلك أن يفعلوا (4) بالمشروع، وهذا مجمع عليه، وقد حكى الإجماع عليه ابن حزم وابن هبيرة في كتابيهما في الإجماع، ومذهب الحنابلة الذي ينتسب إليه هذا المعترض: صريح في وجوب القتال على ذلك، كما يعلمه من وقف على كلامهم، فدعوى هذا الرجل كاذبة خاطئة مع ما في هذه العبارة (5) من اللحن.
فإن المذاهب والاتفاق عليها يعزى (6) إلى الرجال والقائلين بها
(1) في (ق) و (المطبوعة) : "الأربعة".
(2)
في (ق) و (م) : "مانعي".
(3)
في (ق) و (م) : "المعترض".
(4)
في (المطبوعة) : "يعملوا".
(5)
في (م) : "فيها".
(6)
في (ح) : "يغرى".
لا إلى الكتب، وباب العدد من الثلاثة (1) إلى العشرة تلزم (2) مذكرة التاء، وقد حذفها هذا الغبي الذي يترشح (3) لمعرفة العربية.
وقوله: (فنصّوا على تحريم قبضه لها فضلًا عن أن يقاتل عليها) .
تقدَّم جوابه (4)
(1) في (م) : "ثلاثة".
(2)
في (ق) و (م) زيادة: "الثلاثة".
(3)
في (ق) : "يرشح".
(4)
في (ق) و (م) زيادة: "وأما قوله: وبهذا يتبين قول أهل السنَّة أن أعمال الجوارح يزيد بها الإيمان وينقص حتى لا يبقى في قلب الإنسان إلَاّ أدنى أدنى أدنى مثقال حبة حبة خردل.
فيقال: أولًا: حرفت العبارة وأفسدتها بقولك: (أدنى أدنى أدنى مثقال) فإن المثقال معيار معلوم متساوٍ متماثل وإنما يقال: أدنى منه. إذا أريد ما دونه.
وليس من الحديث هذا التركيب الفاسد، وإنما هو من جناية هذا المعترض، وحديث أنس الذي أشار إليه لفظه ليس هكذا. فانظر إلى ما في هذه الكلمات اليسيرة من التبديل لدين الله والكذب في حكاية مذاهب أهل العلم، واللحن المنافي لمعرفة العربية، والتحريف للأحاديث النبوية، فإن الوقوف على هذا كاف في رد أقواله وإبطال جهله وضلاله فإن الحمد لله الذي من علينا بمعرفة أعدائه والمناضلة عن دينه وشرعه وعن حزبه وأوليائه".