المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌سورة الأنعام الآية الأولى منها قوله تعالى: "فقد كذبوا بالحق لما - ملاك التأويل القاطع بذوي الإلحاد والتعطيل - جـ ١

[ابن الزبير الغرناطي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌سورة أم القرآن

- ‌سورة البقرة

- ‌الآية التاسعة:

- ‌الآية الحادية عشرة

- ‌الآية الثانية عشرة:

- ‌الآية الثالثة عشرة

- ‌سورة آل عمران

- ‌سورة النساء

- ‌سورة المائدة

- ‌قوله تعالى: "وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم

- ‌قوله عز وجل: "وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يأت أحدا من العالمين

- ‌الآية الثالثة عشرة: وهى تمام ما قبلها:قوله تعالى: "وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم

- ‌قوله تعالى: "إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم

- ‌سورة الأنعام

- ‌قوله تعالى: "ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح الظالمون

- ‌الآية الخامسة عشرة: قوله تعالى: "إن هو إلا ذكرى للعالمين

- ‌الآية السابعة عشرة: قوله تعالى: "ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة

- ‌الآية الموفية عشرينقوله تعالى: "ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شئ فاعبدوه وهو على كل شئ وكيل

- ‌قوله تعالى: "ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون

- ‌الآية الثالثة والعشرون قوله تعالى: "كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون

- ‌الآية الرابعة والعشرون قوله تعالى: "ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون

- ‌الآية السادسة والعشرون قوله تعالى: "سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا كذلك كذب الذين من قبلهم

- ‌الآية التاسعة والعشرون: قوله تعالى: "وأنا أول المسلمين "، وفى سورة الأعراف: "وأنا أول المؤمنين "، يسأل عن الفرق

- ‌سورة الأعراف

- ‌الآية الرابعة من سورة الأعرافقوله جل وتعالى: " وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ

- ‌الآية الخامسة قوله تعالى: "فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة كافرون

- ‌الآية الحادية عشرة من سورة الأعرافقوله تعالى فى قصة صالح: " قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آَيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ

- ‌الآية الرابعة عشرة من سورة الأعرافقوله تعالى: " وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ

- ‌الآية السادسة عشرة قوله تعالى: " تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ

- ‌الآية السابعة عشرة قوله تعالى: " قال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحر يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون قالوا أرجه وأخاه وأرسل فى المدائن حاشرين يأتوك بكل ساحر عليم وجاء السحرة فرعون

- ‌الآية الخامسة والعشرون قوله تعالى: " قل لا أملك لنفسى نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير

- ‌سورة الأنفال

- ‌سورة التوبة

- ‌الآية الثالثة قوله تعالى: " يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون

- ‌سورة يونس

الفصل: ‌ ‌سورة الأنعام الآية الأولى منها قوله تعالى: "فقد كذبوا بالحق لما

‌سورة الأنعام

الآية الأولى منها قوله تعالى: "فقد كذبوا بالحق لما جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون " وفى سورة الشعراء: "فقد كذبوا فسيأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون " فانفردت آية الأنعام بزيادة قوله "بالحق لما جاءهم " وبقوله "فسوف " من حرفى التنفيس بدل السين فيسأل عن وجه ذلك؟

والجواب والله أعلم: أن آية الأنعام لما ترتبت على إطناب وبسط آيات من حمده سبحانه وانفراده بالخلق والاختراع فقال تعالى: "الحمد لله الذى خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون " فذكر سبحانه خلق السماوات والأرض وخلق الظلمات والنور فالظلمات عن أجرام هذه المخلوقات والأنوار عن أجرام ما جعل فى السماوات وزينها بها من شمس وقمر وكواكب للقتداء والضياء.

ثم ذكر خلقهم كم طين وقد تردد فى الكتاب العزيز تنبيه المكلفين بما صدرت به سورة الأنعام فقال تعالى: "إن فى السماوات والأرض لآيات للمؤمنين " وقال تعالى: "تبارك الذى جعل فى السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا ".

ثم قال بعد آية الأنعام: "وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين " فلما تقدم هذا الإطناب ناسبه ما أتبع به من قوله تعالى: "فقد كذبوا بالحق لما جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا يستهزئون " فناسب الإطناب الإطناب.

وقال تعالى قبل آية الشعراء: "تلك آيات الكتاب المبين " ثم اعترض بتسلية نبيه صلى الله عليه وسلم فقال: "لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين " وليس هذا المعترض به مما ذكروا به ثم قال بعد: "إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين " وهذا راجع إلى تسليته عليه السلام فلم يبق مجردا لتذكيرهم سوى قوله تعالى: "تلك آيات الكتاب المبين " وما بعد من وعيدهم وتهديهم بقوله: "وما يأتيهم من ذكر .. "الآية، وهذا إيجاز فناسبه ما نيط به من قولهم:"فقد كذبوا فسيأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون " إيجازا لإيجازا وإطنابا لإطناب.

الآية الثانية: قوله تعالى: " ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم فى الأرض ما لم

ص: 140

نمكن لكم " وفى سورة الشعراء: "أولم يروا إلى الأرض كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم "، للسائل أن يسأل هنا عن شيئين: أحدهما ثبوت الواو العاطفة فى آية الشعراء وسقوطها من آية الأنعام؟ والثانى وجه اختصاص كل واحدة منهما بموضعهما وإبداء المناسبة؟

والجواب عن ذلك: إن آية الأنعام لم يتقدم قبلها التنبيه على ما به التذكار والاعتبار مفصحا به تنبيها مع تخويف وتهديد متأكد مكرر يستدعى التقريع والتوبيخ بمقتضى الهمزة الداخلة على واو العطف كما فى سورة الشعراء وان كان المتقدم فى كل واحدة من السورتين متضمنا ما يحصل به الاعتبار مع ما فى المتقدم فى الأنعام من التفصيل والإطناب إلا أن المتقدم فى سورة الشعراء أوضح وأنص من حيث التخويف لعدم الاعتبار بالدلائل المنصوبة مشاهدة للمعتبرين فلما لم يكن وضوح التنبيه فيما قبل آية الأنعام كوضوحه فى السورة الأخرى بما انجر معه من التخويف المتكرر وإنما المتقدم قبل قوله: "ألم يروا " إيماء إلى الاعتبار بأحوال القرون السابقة وليس كالواقع قبل آية الشعراء لم يرد ما بعده مما هو تنبيه مخوف معطوفا عليه إذ لا يناسبه "كفروا " المتقدم من شديد التخويف المنجر فيما بعده أما آية الشعراء فإن قوله تعالى قبلها: "تلك آيات الكتاب المبين " تحريك وتنبيه، ثم إن ما يتلوه من قوله تعالى:"لعلك بلخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين " وإن كان تسلية لنبينا صلى الله عليه وسلم فى طيه أعظم وعيد وتهديد لمن اعتبر ثم بعد ذلك قوله تعالى: "إن نشأ عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين " إلى ما بعده فهذا أوضح تنبيه بما صحبه من مخوف التهديد فعطف عليه قوله: "ألم يروا إلى الأرض كم آتينا فيها "

الآية وناسبه أوضح مناسبة.

فصل: ومما تعلق بهذه الآية من المغفل زيادة "من " فى قوله تعالى: "ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم فى الأرض " وفى سورة السجدة: "ألم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون فى مساكنهم " وفى ص: "كم أهلكنا من قبلهم من قرن فنادوا

".

وردت هذه الآى الثلاث بزيادة "من "فيها وسائر ما ورد فى القرآن من مثل هذه الآى لم ترد فيها "من "كقوله تعالى فى سورة مريم: "وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا " وفى آخرها: " وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد " وفى طه: "أفلم يهد لهم كم أهلكنا قبلهم من القرون يمشون فى مساكنهم "، وفى يس: "ألم يروا من أهلكنا

ص: 141

قبلهم من القرون أنهم إليهم لا يرجعون "وفى سورة ق: "وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا " فهذه خمسة مواضع لم ترد فيها "من " فيسأل عن وجه زيادتها فى الآى الثلاث الأول وسقوطها فى هذه الخمس مع اتحاد المقصود أو تقاربه؟

والجواب والله أعلم: أن "من " إنما تزاد فى هذه الآى حيث يراد تأكيده ضمن الآى من المعطيات ولإشارة إلى الوعيد وهى أبدا فى أمثال هذه المواضع محرزة معنى التأكيد لا تنفك عن ذلك ثم إن حذفها أوجز من إثباتها ولكل مقام مقال، فحيث ورد فى هذه الآى ما قبله استيفاء تفصيل وعيدين فى أمة بعينها أو أكثر أو تكرر التهديد وشدة التخويف من مقتضى السياق وفحوى الكلام فذلك موضع زيادتها والتأكيد بإثباتها وحيث لا يتقدم فى اقتضاء مقتضاها نفوذ الوعيد فهذا يناسبه الإيجاز بحذفها إذ لا يراد من تأكيد الوعيد ما يراد فى الآى الأخر فهذا إن شاء الله يوضح ما ورد من الحذف ولإثبات فى هذا الحرف ثم نقول: أما آية الأنعام فقد تقدمها قوله تعالى: "الحمد لله الذى خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور "، وقد كانوا يعترفون بأنه تعالى الخالق "ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله " ثم تتابع ما بعد على هذا إلى قوله "وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين " على بيان الأمر ووضوحه ثم قال "فقد كذبوا فسيأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون " فحصل التسجيل ببقائهم على اظفعراض وإنفاذ الوعيد عليهم ولا أشد من هذا ونحوع بل مثله فى الشدة والإشارة إلى إنفاذ الوعيد قوله تعالى فى سورة السجدة "ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها " فاكتنف الآية ما تضمنته الآيتان من الوعيد والتهديد فناسب ذلك ما اقتضته زيادة "من " من مناسبة التأكيد فقيل "ومن قبلهم " وأما آية ص فحسبك ما تضمنته من أولها إلى قوله "وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق " ثم قال تعالى مخبرا عن حالهم فى تكذيبهم واستبعادهم "عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب " ولعظيم تمردهم ووعيدهم المحكى عنهم فى هذه الآى ما أمر به صلى الله عليه وسلم من الصبر فى قوله تعالى "اصبر على ما يقولون " ثم أعقب تعالى بقصة داود عليه السلام أعلاما لنبيه بأن ذلك مراده منهم بما قدر لهم فى الأزل فقد سخر الجبال والطير لداود

وألان له الحديد فلو شاء لهدى هؤلاء فلعظيم ما ورد فى هذه الآى

ص: 142

من مرتكبات كفار قريش وغيرهم لذلك ما ورد التأكيد بزيادة "من " فى قوله بعد ذكر شقاقهم واغترارهم "كم أهلكنا من قبلهم من قرن " فهذا وجه زيادة "من " فى هذه الآى أما الآى الأخرى خمستها فلم يرد فيها ولا فيما اتصل بها ما ورد فى هذه من التغليظ فى الوعيد ومتوالى التهديد وإن كانت قل ما ترد إلا لذلك ولكن اشتداد التهديد إنما هو بحسب ما يقارن أو يكنف أو يتقدم أو ينجر معها من التغليظ فى الوعيد فبحسب ذلك يقوى الرجاء أو يضعف وإذا تأملت قوله تعالى فى الآية الأولى من سورة مريم "وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا " لم تجدها فى نفسها أو فيما انتظم معها متقدما أو متأخرا توازن فى التهديد واحدة من تلك الآى الثلاث ألا ترى فيما نوظر بين المعنيين بهذه الآية والمهلكين قبلهم من القرون السالفة وأن ذلك إنما هو فيما غرهم من سعة الحال وكثرة المال حسبما أشار إليه قوله تعالى عن المهلكين قبل هؤلاء أنهم كانوا أحسن أثاثا ورئيا فهذه الآية كقولهم "نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين " ولو استبصروا لاهتدوا من قوله تعالى "إنما نملى لهم ليزداوا إثما " ومع ما أعقبت هذه الآية من المنتظم معها من قوله "فسيعلمون من هو شر مكانا وأضعف جندا " فليست فى التغليظ كتلك الآى إذا حقق ما قبلها وكذلك الآية الثانية وهى قوله "وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد

"الآية فى نفسها وفيما انتظمت به وأما آية طه فأوضح فى إيحاء الرجاء فى نفسها وما نتظمت به ألا ترى ما قوله تعالى "أفلم يهد لهم " وما تضمن تذكيرهم بهذا إلى قوله "لأولى النهى " من عظيم الحلم وعلى الرفق وكذا ما بعد فإن هذا من منتظم تلك الآى الثلاث وأما آية يس وآية ق فأوضح فيما ذكرنا وتأمل مفهومها وما انتظم معهما وإنما حاصلهما بما اتصل بهما تحريك للاعتبار وتذكير بالالاء والنعم وتأمل قوله فى المنتظم بآية يس والمعقبة به من

قوله " أفلا يشكرون " وعلى ما يترتب الشكر إذ لا يمكن إلا مرتبا على حصول الإيمان والتصديق وقوله عقب آية ق " إن فى ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد " فقد وضح ما بين الضربين وورود كل منهما على ما يناسب ويجب والله أعلم.

الآية الثالثة من سورة الأنعام قوله تعالى: "قل سيروا فى الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين " وفى سورة النمل " قل سيروا فى الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة " وفى سورة

ص: 143

الروم: " قل سيروا فى الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل كان أكثرهم مشركين "

هنا سؤالان أحدهما: اختلاف حالاتهم فيما وسموا به فى أعقاب الآى من التكذيب والاجرام ومن التعامى عن النظر فى البدأة والنشأة الآخرة والاشراك مع أن الأمر للكل باعتبار إنما وقع بلفظ ولحد وهو قوله: "قل سيروا فى الأرض فانظروا " ثم تنوع ما أحيل عليه فى النظر واختلف وإذا لحظ الجواب عما وقع به التعقيب فى كل واحدة من هذه الآى تفصل إلى أربعة أسئلة والسؤال الثانى: اختلاف حرف العطف.

والجواب عن السؤال الأول على رعى التفصيل أنه لما تقدم آية الأنعام قوله تعالى: "فقد كذبوا بالحق لما جاءهم "والإشارة إلى أصناف المكذبين من المخاطبين وغيرهم ثم أشير إليهم بعد فى قوله: "ألم يروا كم أهكلنا من قبلهم من قرن "وكلهم إنما أهلك بإعراضه وتعاميه المؤديين إلى تكذيبه أح - يل من بعدهم على كل حال من تقدمهم فيما ذكر مكتفى الإعراض والتعامى بما تقدم فى الآى المذكورة قبل ومفصحا بالتكذيب المسبب عن ذلك فى قوله تعالى: "ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين " والتحم هذا بقوله: "فقد كذبوا بالحق لما جاءهم " على أتم مناسبة وأصحها.

وأما آية النمل فمنزلة على ما تقدم من قوله تعالى: "بل ادارك علمهم فى الآخرة بل هم فى شك منها بل هم منها عمون " وإنكارهم العودة بقولهم: "أئذا كنا ترابا وآباؤنا أئنا لمخرجون لقد وعدنا هذا نحن وآباؤنا من قبل إن هذا إلا أساطير الأولين " وذلك بعد ما ذكر مما بسط لهم من واضح الدلالات وقدم لهم الشواهد البينة من لدن قوله تعالى: "أم من خلق السماوات والأرض "

الآية

المتكلم فيها فذكروا بما يشاهدونه ويعلمون أن آلهتهم لا تفعل ذلك فكان مرتكبهم بعد هذا إجراما وتعاميا عن الاعتبار بما ذكروا به فقيل لهم: سيروا فى الأرض فانظروا عواقب أمثالكم من المتعامين عن النظر ولم يقع قبل تفسير صريح وتكذيب وقد بسط من الاعتبار فى هذه الآى ما لم يبسط قبل آية الأنعام، فورد التعقيب هنا بوسمهم - أعنى الممحال - بالإجرام فقيل:"انظروا كيف كان عاقبة المجرمين " مناسب لما تقدم من اجترامهم مع الوضوح ومتابعة التذكير وإرااءة البراهين.

وأما آية العنكبوت فإن الله سبحانه لما قدم ذكر العودة الأخراويه بما يقوم مقام الإفصاح وتحصل المقصود من ذلك فى أربعة مواضع من هذه السورة على القرب

ص: 144

والاتصال منها قوله تعالى: "من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت " قوله تعالى: "وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون " وفوله: "واشكروا له إليه ترجعون " وقوله: "ألم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده " ولم يتقدم فى السور الأخر على الاتصال مثل هذا فناسبه إحالتهم وتذكيرهم بالاستدلال بالبدأة على العودة فقال تعالى: "فانظروا كبف بدأ الخلق ثم ينشئ النشأة الآخرة ".

وأما آية الروم فقد تقدم قبلها قوله: "ولا تكونوا من المشركين " وقوله: "إذا فريق منهم بربهم يشركون " قوله: "أم أنزلنا عليهم سلطانا فهو يتكلم بما كانوا به يشركون " قوله: "هل من شركائهم من يفعل من ذلكم من شئ سبحانه وتعالى عما يشركون " فلما تقدم ذكر من امتحن بالشرك وسوء عاقبتهم ولم يتقدم مثل هذا فى السور المتقدمة ناسبه ما أعقب به من قوله: "قل سيروا فى الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل كان أكثرهم مشركين " فجاء كل على ما يجب.

وأما ورود ما أعقبت به كل آية من هذه من المأمور بالنظر فيه والاعتبار به بالفاء من حروف العطف سوى آية الأنعام فذلك بين لأنهم أمروا أن يعقبوا سيرهم بالتدبر والاعتبار وحصر نظرهم واعتبارهم فى المعقب المذكور بعد الفاء ولم تقع إشارة إلى اعتبارهم بغير ذلك وأما آية الأنعام فإنها افتتحت بذكر خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور وإنما ذكر هذا من الخلق الأكبر ليعتبر بذلك فإنه أعظم معتبر وأوسعه قال تعالى: "لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس " فكأن الآية فى قوة أن لو قيل: سيروا فى الأرض فاعتبروا لخالقها، وكيف دحاها لكم وذللها لسكانكم، وجعل فيها رواسى أن تميد بكم وفجر فيها الأنهار إلى عجائب ما أودع فيها وكيف جعل السماء سقفا محفوظا بغير عماد وزينها بالنجوم لتهتدوا بها فى الظلمات وجعل الشمس والقمر حسبانا وضياء وزينا للسماء الدنيا وكيف محا آية الليل لمصلحة العباد وجعل آية النهار مبصرة إلى ما لا يحصى من منافعها وعجائبها لمن منح الاعتبار قال تعالى:"إن فى السموات والأرض لآيات للمؤمنين " ثم انظروا عاقبة من كذب ونبه فلم يعتبر فعطف هذا بثم المقتضية مهلة الزمان حيث يراد ذلك.

وتفخيم

ص: 145

الأمر وتفاوت المنظور وتجريد الأمر لكل من الضربين مما قبلها وما بعدها فليس موضع تعقيب بالفاء إذا لم يرد أن يكون سيرهم لمجرد الاعتبار بمن كذب فأخذ تذيبه فقط بل الضربين مما ذكرناه ومهدناه وفى كل آية منهما أشفى دلالة وقصد فى الآى الأخر تذكيرهم واعتبارهم بأحد المكذبين وهو المعقب بالفاء فلما افترق القصدان عطف كل بما يناسب والله أعلم.

الآية الرابعة: قوله تعالى: "وذلك الفوز المبين " وفى الجاثية: "ذلك هو الفوز المبين " بزيادة "هو " وسقوط واو العطف.

لما تقدم فى سورة الأنعام قوله تعالى: "قل إنى أخاف إن عصيت ربى عذاب يوم عظيم " ثم أعقب بقوله تعالى: "من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه " والمراد من يصرف عنه العذاب فى الآخرة فقد رحمه عطف عليه قوه: "وذلك الفوز " وكان الكلام فى قوة قوله فقد رحم وفاز كما فى قوله: " فمن زحزح عن النار وأدخل النار فقد فاز " والفاء هنا وفى قوله: "فقد رحمه " جواب الشرط والفوز مسبب عن الرحمة فاكتفى بذكره فى آية آل عمران وذكرا معا فى آية الأنعام فعطفه عليه بين ولم يتقدم من أول السورة إلى هنا ما يتوهمه العاقل فوزا فيحترز منه بما يعطيه ضمير هو من المفهوم فلم يقع الضمير هنا.

أما آية الجاثية فقد ورد قبلها قوله تعالى مخبرا عن قول منكرى البعث: "ما هى إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر " فأفهم قوله "ما هى إلا حياتنا الدنيا " أن هذه الحياة هى الحاصلة لهم ولا حياة وراءها فمن تنعم فيها فذاك فوزه فأخبروا أن الأمر ليس كما ظنوه وذكر تعالى أمر الساعة وتفصيل الأحوال فيها وقال: "فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم فى رحمته " ثم قيل "ذلك هو الفوز المبين " لا الحياة التى هى لهو ولعب فكأن قد قيل: ذلك الفوز لا ما ظننتموه فوزا فأحرز مفهوم الضمير هذا المقصود ولم يتقدم فى آية الأنعام ما يستدعيه كما لم يتقدم فى آية الجاثية ما يستدعى العطف فجاء كل على ما يناسب والله أعلم.

الآية الخامسة قوله تعالى: "وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شئ قدير " وفى سورة يونس: "وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده

ص: 146

وهو الغفور الرحيم "، فورد جواب الشرط الثانى فى الآية الأولى بقوله: "فهو على كل شئ قدير " وفى الثانية بقوله: "فلا راد لفضله " وقال فى الأولى: "وإن يمسسك " وفى آية يونس: "وإن يردك " وأعقبت آية يونس بقوله: "وهو الغفور الرحيم " فخص هاتين الصفتين العليتين من صفاته تعالى فهذه ثلاث أسئلة فللسائل أن يسأل عن توجيهها وموجب ما ورد عليه ما ذكر؟

والجواب عن الأول والله أعلم أن مدار الأية الأولى وهى آية الأنعام على أنه سبحانه المنفرد بالخلق والاختراع والمتصرف فى عباده بما يشاء والقدير على كل شئ ونفى هذه الصفات عمن سواه سبحانه وتنزيل هذا عل ما افتتحت به السورة من قوله تعالى: "الحمد لله الذى خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور " وقوله: "هو الذى خلقكم من طين " وقوله "وهو الله فى السماوات وفى الأرض يعلم سركم وجهركم " وقوله فيمن أهلكه من القرون بكفرهم: "مكناهم فى الأرض ما لم نمكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدرارا .... "الآية وقوله: "قل لمن ما فى السماوات والأرض

"الآية وقوله: "قل أغير الله أتخذ وليا فاطر السماوات والأرض

"الآية

فدارت هذه الآى كلها على التعريف بوحدانيته تعالى وانفراده بخلق الأشياء وملكها وقهرها ولم يقع فيها تعرض إلى أن أحدا من خلقه يمنع أو يدفع أو يتعاطى استبدادا بشئ وإن كان قد يفهم بعض ذلك من الجارى أثناء الكلام كقوله: "ثم الذين كفروا بربهم يعدلون " وقوله: "قل أغير الله أتخذ وليا

"الآية

بل فى قوة الجارى فى هذه الآى أن المشار إليهم بمخالفة مقتضاها أخلدوا إلى ترك التغير واشبهوا البهائم فى البعد عن النظر وكأنهم يرون أن الأفعال وما يتجرد فى العالم من المدركات المشاهدات من الأجسام والأعراض على كثرة تنوعها واختلاف شيآتها وأشكالها زجدت بأنفسها لا عن فاعل تقدمها أوجدها بالقدرة والاختيار بل تكونت بأنفسها فقوبل مرتكبهم بالتعريف بقدرته تعالى على كل شئ وأنه الموجد لما فى العالم العلوى والسفلى وقيل له عليه السلام: "وإن يمسسك الله بضر .. "الآية

إعلاما بأن ما يكون من هذا فمنه تعالى لأنه المنفرد بالخلق والقدير على كل شئ فهذا حاصل ما تقتضيه آية الأنعام.

وأما آية يونس فقد ذكر قبلها حال من ظن أن غيره تعالى يضر أو ينفع قال تعالى:

ص: 147

"ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله " فقد نسبوا لهم النفع بالشفاعة وقال تعالى: "ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم

"الآية

وقال تعالى: "قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار

"الآية

وقال تعالى: "قل من شركائكم من يبدأ الخلق ثم يعيده " وقال تعالى: "قل هل من شركائكم من يهدى إلى الحق " فدارت هذه الآيات على أنهم توهموا نفع ما اتخذوه معبودا من شركائهم فبطل توهمهم واضمحل باطلهم واتبع ما تقدم بقوله جل وتعالى لنبيه عليه السلام: "ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك " ثم بقوله تعالى: "وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله " وحصل من هذا أن كل ما عبد دونه سبحانه وتوهم أنه يضر أو ينفع ليس كما ظنوه قال تعالى: "وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه " فناسب ما تقدم من التنصيص على انفراده تعالى بالخلق والأمر.

والجواب عن السؤال الثانى والله أعلم: أن قوله تعالى هنا: "وإن يردك بخير " ولم يقل: "وإن يمسسك بخير " كما فى آية الأنعام أنه تقدم قبل هذه الآية قوله تعالى: "إن الذين حقت كلمة ربك لا يؤمنون

"الآية

فهو إعلام منه سبحانه بجرى الخلائق على ما قدر لهم أزلا وسبق به حكمه تعالى ثم أعقب بقوله تعالى: "ولو شاء ربك لآمن من فى الأرض كلهم جميعا " فهذا تأكيد للغرض المذكور من جرى العباد على ما قدر لهم وما شاءه سبحانه فيهم وإن ذلك لا يرده راد ولا يعارضه معارض فناسب هذا قوله تعالى: "وإن يردك بخير فلا راد لفضله " أتم مناسبة ثم وقع بعد هذا قوله تعالى: "يصيب به من يشاء من عباده " وإصابته سبحانه من يشاء بالخير هو المراد بقوله فى آية الأنعام: "وإن يمسسك بخير " فاجتمع فى آية يونس الأمران معا وكأن قد قيل: وإن يمسسك بخير ويردك به فلا راد لما أصابك به وأراده لك ففى هذه الآية من إمعان المقصود وتأكيده ما ليس فى آية الأنعام ليطابق هذا التأكيد والإمعان ما تقدم من قوله تعالى: "إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون " وقوله: "ولو شاء ربك لأمن من فى الأرض كلهم جميعا " ولم يتقدم فى آية الأنعام مثل هذا فوقع الاكتفاء هناك بقوله: "وإن يمسسك بخير فهو على كل شئ قدير " فجاء كل على من هذا على أتم مناسبة وأوضح ملاءمة والله أعلم.

ص: 148