الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فناسب هذا الإيجاز ما بنى عليه من قوله: "كذلك نجزى القوم المجرمين " ومن التعبير عن المشار إليهم من المهلكين بالاجرام - وهو أكبر موقعا من الاعتداء - ليطابق وصفهم بالظلم والمراد به تكذيبهم الرسل وكفرهم بما جاؤوهم به، فلم يكن ليطابق ذلك الوصف الاعتداء ولم يوصفوا أيضا بالكفر إذ لم يقع به إفصاح فيما تقدم فكان وصفهم بالإجرام أنسب والله أعلم.
الآية السابعة عشرة قوله تعالى: " قال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحر يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون قالوا أرجه وأخاه وأرسل فى المدائن حاشرين يأتوك بكل ساحر عليم وجاء السحرة فرعون
" وقال فى الشعراء: "قال للملإ حوله إن هذا لساحر عليم يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون قالوا أرجه وأخاه وابعث فى المدائن حاشرين يأتوك بكل سحار عليم فجمع السحرة ".
فى هذا أربع سؤالات: أولها قوله تعالى فى الأعراف: "قال الملأ من قوم فرعون " وفى الشعراء: "قال للملإ من حوله " والثانى قوله فى الشعراء: "بسحره " ولم يثبت ذلك فى الأعراف، والثالث قوله فى الأعراف:"وأرسل " وفى الشعراء: "وابعث " ولارابع قوله فى الأعراف عقب قوله: "يأتوك بكل ساحر عليم ".
"وجاء السحرة فرعون " وأعقب فى السعراء قوله: "يأتوك بكل سحار عليم فجمع السحرة لميقات يوم معلوم وقيل للناس هل أنتم مجتمعون لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين " وبعد ذلك قيل: "فلما جاء السحرة ".
والجواب عن الأول أنه لا توقف فى أن موسى عليه السلام خاطب فرعون وملأه وأنه أمر بخطابهم وإليهم أرسل قال تعالى: "ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين إلى فرون وملئه " وإنه لما دعاهم لتصديقه والإيمان به جاوب فرعون وجاوب ملأه بقول فرعون: "إن هذا لساحر عليم " إنما قاله لملئه ولمن حضره ثم قال ذلك ملؤه لحاضريهم وبعضهم لبعض وإذا وضح أن ذلك القول صدر من فرعون وقاله أيضا ملؤه بقى السؤال عن جه اختصاص كل سورة بما خصت به؟
والجواب أنه لما تقدم فى سورة الأعراف قوله تعالى: " ثم بعثنا من بعدهم موسى بآياتنا إلى فرعون وملئه " فوقع ذكر الملأ مبعوثا إليهم مع فرعون
ناسب ذلك أن يذكروا فى الجواب حتى يكون فى قوة أن لو قيل: بعث إليهم وخوطبوا فقالوا ولم يكن ليناسب "بعث إليهم " فقال: فرعون.
ولما تقدم فى سورة الشعراء قوله: "فأتيا فرعون " ثم جرى ما بعد المحاورة ومراجعة الكلام بين موسى عليه السلام، وفرعون ولم يقع الملأ هنا ناسب ذلك قوله "قال فرعون " لأنه الذى راجع وخوطب فجاء كل على ما يناسب.
فإن قيل: فقد قيل فى الأعراف: "إلى فرعون وملئه " فقد فرعون فهو أعمد من الملأ لأنهم أتباعه وآله فلم لم يبن الجواب على ذلك فيقال "قال فرعون " فالجواب أنه لو قيل: قال فرعون لبقى التشوف إلى تعريفهم قول الملأ وهم قد بعث إليهم وخوطبوا ولابد من تعرف جوابهم وبه يحصل تعرف جوابه هو لأنه اله وتابعوه إنما يتكلمون غالبا بما يريد ويصدر عنه ويبدأ به وقد تبين ذلك فى سورة الشعراء وان فرعون خاطبهم وذلك فى قوله تعالى: " قال للملإ حوله " فجاوبوا فحصل من جوابهم جوابه ولو جاوب هو وسكت ملؤه لأمكن أن يكونوا قد استوضحوا الحق وخالفوا فرعون كما جرى للسحرة وقد كانوا ناصرين لفرعون ومن معه فجاء جواب الملأ منصوصا وحصل منه جواب متبوعهم ولم يكن ليحصل من جوابه على انفراده وحصلت مناسبة ما تقدم من قوله: "إلى فرعون وملئه ".
فإن قلت ورد فى الشعراء جواب فرعون دون جواب ملئه؟.
فالجواب: أنه قد جاوبوا بعد وذلك أنه لما خاطب فرعون ملأه الأقربين وألقى إليهم ما اعتقده بضلاله فى أمر بنى الله موسى عليه السلام، واستشارتهم بقوله:"فماذا تامرون "وجاوبوه بموافقته العائدة على جميعهم بالخسران المبين بين ذلك قوله تعالى مخبرا عنهم: "قال للملإ حوله " وهذا يوضح أن جوابهم فى الأعراف مبنى على استطلاع ما عنده وسماع ذلك منه كما وضح منه كما وضح هنا، ثم روعى تناسب النظم والتقابل كما تقدم.
فقد تبين أن الوارد فى سورة الأعراف ليناسب ما تقدم فى سورة الشعراء بوجه: "ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ".
والجواب عن السؤال الثانى: أن زيادة "بسحره " فى الشعراء لأنه من قول فرعون طاغية موسى عليه السلام وهو أحنق عليه من الملأ بجمعهم وأعظمهم بغضا له وكراهة لما جاء به موسى فأكد بقوله "بسحره " طمعا فى صغوهم لقوله والثبات على
مذهبه الشنيع ومرتكبه ورجاء أن يعتقد الملأ من قومه أن آية موسى عليه السلام سحر لا توقف فيها فلم يقنع بقوله لملئه: أنه لساحر عليم وأنه يريد إخراجهم من أرضهم حتى سجل على ذلك وأكده طمعا فى قبول باطله بقوله "بسحره " ولا لم يكن حال الملإ من قومه كحاله فيما ذكر اكتفوا بقولهم لرسولهم وبعضهم لبعض: "إن هذا لساحر عليم يريد أن يخرجكم من أرضكم " فهذا قول الملإ والذى ثبت فى الشعراء قول فرعون وزيادة "بسحره " لتبين حال الملإ من حال فرعون المتولى كبير الأمور والتناسب بين وكل فى السورتين وارد على ما يجب وقد وضح أن العكس غير مناسب والله أعلم.
ويشهد أن زيادة "بسحره " من فرعون لزيادة حنقه تكرر ذلك من قوله فى سورة طه: "قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك ياموسى " فأما بعد فى هذه السورة من قوله سبحانه مخبرا عن الملإ: "قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما " فإنما قالوه بعد تنازع وتعارض فيما بينهم وفرعون فى جملتهم يدل على هذا ما تقدم من قوله تعالى: " فتول فرعون فجمع كيده ثم أتى " وقوله: "فتنازعوا أمرهم بينهم وأسروا النجوى " وإنما أسروا نجواهم - بعد تنازعهم فى أعمال المكيدة - فيما حل بهم وفرعون مرجح لرأيهم وأبلغهم احتيالا وكيدا فيما تشاورا فيه فلم يمكنهم فى هذا المجتمع الا القول بما رآه بعد تنازعهم عليه فقالوه بتوقيف منه وهو حاضرهم حال تنازعهم وقولهم لموسى عليه السلام فإذا هو القائل لا الملأ وان الوارد فى الأعراف فقول الملإ إذ لا يقتضى قوله: "قال الملأ من قوم فرعون " أن فرعون هو القائل وان كان كذلك بل الظاهر السابق من هذه العبارة أنه قول الملإ منفردين عن فرعون والتناسب اللفظى هو المطلوب وقد تبين.
والجواب عن السؤال الثالث وهو ورود "وأرسل " فى سورة الأعراف وفى الشعراء "وابعث " فالجواب عنه مبنى على الترتيب الذى استقر عليه المصحف فنقول: "إن أرسل أخص فى باب الارسال من البعث إذ لا يقال أرسل الا فيما كان توجيها فيه معنى الانتقال حقيقة أو مجازا أما بعث فأوسع فإنه يقع بمعنى الارسال وبمعنى الاحياء ومنه البعث الأخراوى ففيه اشترك فلما كان الارسال أخص وقع الاخبار به أولا ثم وقع ثانيا بالبعث تنوعيا للعبارة وعلى الترتيب فى موضع اللفظ المطرد من القرآن ولا يمكن على ما تقرر من ذلك العكس ونظير هذا مما تقدم تبع واتبع ويذبحون ويقتلون وقد مر بيانه والإطراد واضح شاهد فى هذا.
والجواب عن السؤال الرابع وهو ورود قوله تعالى: " وجاء السحرة فرعون " فى الأعراف عقب قوله: "يأتوك بكب ساحر عليم " وتأخير الإخبار بمجيئهم فى الشعراء وورود: "فجمع السحرة
…
"الآيات المذكورة فاصلة بين ما اتصل فى الأعراف؟ فاعلم أولا أن كلا من العبارتين لابد منهما فى تحصيل المطلوب إذ جمعهم لا يعطى بهذه العبارة أنهم جاؤوا فرعون ولا مجيئهم فرعون يحصل منه المعنى الحاصل من قوله: "فجمع السحرة لميقات يوم معلوم " فلابد من العبارتين اجتمع مجموع ذلك فى الشعراء ولم يذكر فى الأعراف جمع السحرة وما بعده فيبقى السؤال عن وجه اختصاص كل من السورتين بما ورد فيهما؟ واختصاص الشعراء بالاستيفاء والجواب عن ذلك أن قوله تعالى: " فجمع السحرة لميقات يوم معلوم " إلى ما اتصل بهذا مما يتضمن معناه فيه إطناب يناسب ما تقدم من ذلك فى محاورة موسى عليه السلام ومكالمته فرعون من لذن قوله تعالى: " وإذ ينادى ربك موسى "الى هذه الآية ولم يقع فى قصصه عليه السلام فى السورة الوارد فيها قصصه من الإطالة فى مراجعة فرعون مثل الوارد هنا فناسبه ما أعقب به مما لم يقع الإخبار فى الأعراف ولما كان الوارد قبل آية الأعراف مبنيا على الإيجاز ويحصل المراد بأوجز كلام، ناسبه إيجاز الآية المذكورة وورد كل من ذلك على ما يجب ويناسب ولا يحسن فيه العكس والله أعلم.
الآية الثامنة عشرة قوله تعالى فى سورة الأعراف: "وجاء السحرة فرعون قالوا أئن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين قال نعم وإنكم لمن المقربين " وفى الشعراء: "فلما جاء السحرة قالوا لفرعون أئن لنا لأجر إن كنا نحن الغالبين قال نعم وإنكم إذا لمن المقربين " فيسأل عن زيادة "إذا " فى سورة الشعراء وسقوطها فى سورة الأعراف؟ وتحرير الأعراف فى قوله: "وجاء السحرة فرعون قالوا " بخلاف الوارد فى سورة الشعراء من قوله: "فلما جاء السحرة فرعون قالوا لفرعون أئن لنا لأجرا "؟
والجواب عن الأول: أن "إذا " تقع جوابا وجزاء والمعنى فى السورتين مقصود به الجزاء فوقع الاكتفاء فى الأعراف بقوله تعالى "نعم "والمعنى: نعم لكم ما أردتم من الأجر وزيادة التقريب والحظوة ولا شك ان المعنى: إن غلبتم فلكم ذلك فالمعنى على ذلك ثم ورد فى سورة الشعراء مفصحا بالأداة المحرزة له وهى "إذا " ليناسب
بزيادتها ما مضت عليه - أى هذه السورة - من الاستيفاء والإطناب كما تقدم وناسب سقوطها فى الأعراف مقصود الإيجاز فى هذه القصة وقد مر هذا وعلى ذلك جرى الوارد من قوله فى الأعراف: "وجاء السحرة فرعون قالوا " ويجرى فى مثل هذا كثيرا عطفه بالفاء مناسبا لما يقصد فى الكلام من الارتباط أو بالواو تحكيما للاشتراك كقوله [بياض فى كل النسخ] ونظير الآية فى سقوط حرف التشريك: "وجاؤوا أباهم عشاءا يبكون قالوا يأبانا " ومجرى الإعراب فى الآية أن يكون قوله "قالوا " مقدرا لاستئناف كأن قد قال قائل: لما قال: " وجاء السحرة فرعون "قيل فما فعلوا أو ما قالوا فجووب بهذا المقدر بقوله: "قالوا أئن لنا لأجرا " وهذا الضرب كثير فصيح وموجود حيث يقصد بالإجاز كهذه الآية وأما الوارد فى الشعراء من قوله: "فلما جاء السحرة قالوا " فوارد على مالا يحتاج فيه إلى تقدير وعلى ما هو الأصل فى تركيب مثله من الكلام ومناسب للاطناب المبنى عليه ما قبل الآية وكل على ما يجب والله أعلم.
الآية التاسعة عشرة من الأعراف قوله تعالى: " قالوا ياموسى إما ان تلقى وإما أن نكون نحن الملقين " وفى طه: "قالوا ياموسى إما أن تلقى وإما أن نكون أول من ألقى " وهنا سؤالان: أحدهما أن كلام السحرة وتخييرهم فى الإلقاء على ظاهر السياق كان فى موطن واحد فما وجه الاختلاف ما ورد فى السورتين؟ والثانى ما وجه اختصاص كل من السورتين بما ورد فيها؟
والجواب عن الأول: أن لا يلزم من الآية أن كلام السحرة هذا كان فى موطن واحد بل لعله كان فى موطنين أو لعله قد تكرر منهم وإن كان فى موطن واحد أو لعل بعضهم قال هذا وقال بعضهم هذا أو لعل المعنى الذى حكى عنهم تعطيه العبارتان وهذا أقرب شئ لما بين اللغات من اختلاف المقاصد عند المواضع الأولى أو قصد الإلهام على الخلاف فى ذلك ومع هذه الاماكانات يسقط الاعتراض رأسا.
والجواب عن السؤال الثانى: أن كل واحدة من الآيتين جرت على وفق فواصل تلك السورة ورؤس آياتها فالعكس لا يناسب بوجه فوجب اختصاص كل سورة بما ورد فيها.
الآية الموفية عشرين قوله تعالى: " قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون "
وكذا فى الشعراء، وورد فى طه:"قالوا آمنا هارن وموسى " هنا كالمتقدمتين الجواب كالجواب من غير فرق.
الآية الحادية والعشرون قوله تعالى: " قال فرعون آمنتك به قبل أن آذن لكم " وقال فى طه والشعراء: "قال آمنتم له قبل أن آذن لكم ".
هنا سؤالان: أحدهما ظهور اسم فرعون فى آية الأعراف وإضماره فى السورتين والثانى قوله فى الأعراف: "آمنتم به "بجر موسى عليه السلام بالباء وقوله فى طه والشعراء: "فآمنتم له " بجر الضمير باللام والمقصود واحد.
والجواب عن الأول: أنه لما تقدم فى الأعراف قوله: "قال الملأ من قوم فرعون " فعرفت هذه الآية انهم كانوا المتولين للجريمة من تكذيب الآية ورد ما جلء به موسى عليه السلام ولم يجر هنا ذكر لفرعون ولا فيما تلى الآية ويتلوها من المحاورة والمراجعة بين الملإ وأتباعهم إلى قوله: "رب موسى وهارون " فلما لم يقع إفصاح باسمه فى هذه الجملة مع أنه هو القائل على كل حال: "آمنتم به " إخبارا أو استفهاما إنكاريا ناسب هذا أن يفصح باسمه ليرتفع الالتباس وهو امكان أن يكون القائل "آمنتم به " غير فرعون وان بعد ذلك ولو لم يكن لبس البته فإن كونه لم يجر له ذكر مما يقتضى أن ذمر.
ولما تقدم فى سورة طه أمر مويى عليه السلام بإرساله إلى فرعون فى قوله تعالى: " اذهب إلى فرعون أنه طغى "وقوله لموسى وهارون: "اذهبا إلى فرعون أنه طغى " ثم كرر ذلك ثم وقع بعد ذلك سؤال فرعون لهما فى قوله: "فمن ربكما ياموسى " ثم فى قوله: "فما بال القرون الأولى " ثم أن الله تعالى أخبر عنه بقوله: "ولقد أريناه آياتنا كلها فكذب وأبى " ثم أخبر أيضا عنه بقوله: "قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك ياموسى " ثم قال تعالى: "فتول فرعون فجمع كيده ثم أتى " فتكرر ذكر فرعون واسمه ظاهرا ومضمرا ولم يجر لملئه ذكر مفصح به ظاهر البته ولا مضمر سوى الجارى مضمرا فى قوله: "قتنازعوا أمرهم بينهم وأسروا النجوى قالوا " إلى ما بعد هذا من غير إظهار البته فلتكرر اسم فرعون كثيرا ظاهرا ومضمرا وارتفاع اللبس البته حسن إتيانه مضمرا فى قوله: "قال آمنتم له " إذ ليس الوارد هنا كالوارد فى الأعراف للافتراق من حيث ذكرنا وكذا جرى فى سورة الشعراء
من ترداد ذكر فرعون فى محاورته من أول السورة إلى الآية ولم يجر ذكر ملئه الا مقولا لهم فى قوله: "قال للملإ حوله " فناسب ما ذكر إظهار اسم فرعون فى قوله: "آمنتم له ".
والجواب عن السؤال الثانى: أن الباء فى قوله: "آمنتم به " واللام فى "آمنتم له " محتاج إلى كل واحدة منهما من حيث أن التصديق والانقياد معنيان يحتاج إليهما والباء تحرز التصديق واللام تحرز الانقياد والاذعان فبدئ بالباء المعطية معنى التصديق وهى أخص بالمقصود من اللام فاقتضى الترتيب تقديمها ثم أعقب فى السورتين بعد باللام حتى كأن قد قيل لهم أصدقتموه منقادين له فى دعائه إياكم إلى الإيمان بما جاء من عند الله فحصل المقصود على أكمل ما يمكن والله أعلم.
الآية الثانية والعشرون قوله تعالى: "فسوف تعلمون لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف " وفى سورة الشعراء: "فلسوف تعلمون لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف " وفى سورة طه: "فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف " للسائل أن يسأل عن زيادة اللام فى قوله فى الشعراء "فلسوف " وسقوطها فى الأعراف؟ وعن سقوط حرف التسويف واللام فى طه جملة؟ فهذان سؤالان.
والجواب عن الأول منهما: أن زيادة اللام فى الشعراء مناسب لما تضمنته من الاستيفاء الجارى فى هذه القصة وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك وذلك أن هذه اللام مقربة من زمان الحال وتحقيق الوقوع ولم يكن تقدم فى الأعراف ولا فى طه ما يحرز هذا المعنى فاستوفته هذه السورة ليناسب ذلك استيفائها لما كان بين موسى عليه السلام وفرعون وهذا مع ما تعطيه من التأكيد وما سوى هذا المعنى فى هذه الآية فلا فرق بين آية الأعراف وآية الشعراء إلى قوله: "من خلاف ".
واما سقوط حرف التسويف فى طه واللام - وهو جواب السؤال الثانى - فللعوض منهما وذلك العوض هو اللام والنون الشديدة المؤكدة فوله "ولتعلمن "مع أن معنى التسويف قد قدم بمراعاة الترتيب وإذا روعى ذلك وجد تدريج زيادة التأكيد على ترتيب السور فالوعيد الواقع فى آية طه آكد من الذى فى آية الأعراف والذى فى الشعراء آكد من الوارد فى طه وان استوضحت ذلك فهمت وجه تخصيص كل من السور الثلاث بما خصت به.
الآية الثالثة والعشرون قوله تعالى: " ثم لأصلبنكم أجمعين "وفى طه والشعراء "ولأصلبنكم "بالواو والمتوعد به واحد فى الموضعين فيسأل لم لم يكن العطف فيهما بحرف واحد؟ والواو أنسب إذ التوعد بقوله: "لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم " لم يقصد فيه تراخ فى الزمان ولا مهلة فبابه أن يأتى بالواو أو بالفاء إن قصد رعى التعقيب فللسائل أن يقول: لم عدل فى الأعراف إلى ثم.
والجواب أن ثم للتباين والتراهى فى الزمان ويعبر النحويون عن ذلك بالمهلة وتكون للتباين فى الصفات والأحكام وغير ذلك مما يحمل به ما بعدها على ما قبلها من غير قصد مهلة زمانية بل ليعلم موقع ما يعطف بها وحاله وأنه لو انفرد لكان كافيا فيما قصد به ومنه قوله تعالى: " فتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر "وقوله تعالى: "فلا اقتجم العقبة " ثم عطف بعد قوله: "ثم كان من الذين آمنوا "وقوله تعالى: "وعمل صالحا ثم اهتدى " ولم يقصد فى شئ من هذا ترتيب زمانى بل تعظيم الحال فيما عطف وموقعه وماكنته وتجريك النفوس لاعتباره ولما تقدم فى الأعراف تهويل الواقع من فعل السحرة وموقعه من نفوس الحاضرين ولذلك أنس سبحانه نبيه موسى عليه السلام بقوله: "لا تخف إنك أنت الأعلى "ووقع التعبير غما ذكرنا بقوله: "واسترهبوهم وجاؤوا بسحر عظيم "فناسبه رعيا لفظيا وتقابلا نظميا تهويل ما توعدهم به فرعون فعطف بثم لتحرز ما قصد فرعون من تعظيم موقع ما توعدهم به ثانيا فى قوله: "لأصلبنكم "عليهم وأيضا فإن فرعون وملأه حين رأوا ما جاءت به السحرة ووقع منهم موقعا أطمعهم وتعلق به رجاؤهم ثم لما وقع ما أبطله وأوضح كيدهم فيه وباطلهم الخيالى وجد الملأ لذلك واستشعر فرعون ما حل به وبملئه فهول فى توعدهم ومقاله تجلدا وتصبرا أو تعزية لنفسه عما نزل به فأرعد وأبرق فى تهويله ما توعد به السحرة فقال: "ثم لأصلبنكم " فقد تناسب المتقابلان لفظا ومعنى ولما ضم الواقع فى سورة الشعراء لم يحتج إلى هذا الرعى فعطف بالواو ولم يكن على ما تقرر ليمكن العكس والله أعلم.
الآية الرابعة والعشرون قوله تعالى: " قالوا إنا إلى ربنا منقلبون " وفى الشعراء: "قالوا لاضير إنا إلى ربنا منقلبون " للسائل أن يسأل عن زيادة قوله: "لاضير "فى سورة الشعراء ولم يرد ذلك فى الأعراف؟