الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عذاب الله قال تعالى: "وأن هذا صراطى مستقيما فاتبعوه " والأمر عام لكافة الخلق ثم قال سبحانه وتعالى: "ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله " أتبعه بقوله: "ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون " وترتب حاصلا من مضمن الآيات الثلاث أنه من عقل وتذكر اتقى والمتقون هم المفلحون فسبحان من هذا كلامه.
الآية التاسعة والعشرون: قوله تعالى: "وأنا أول المسلمين "، وفى سورة الأعراف:"وأنا أول المؤمنين "، يسأل عن الفرق
؟
والجواب والله أعلم: أن هذه الآية لما تقدمها قوله تعالى: "قل إننى هدانى ربى إلى صراطى مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا " وقد قال فى سورة آل عمران: "ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين " وفى وصيته عليه السام لبنيه: "يا بنى إن الله اصطفى لكم الذين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون " وبهذا أوصى يعقوب عليه السلام قال تعالى: "وأوصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب
…
" الآية، وهى جواب بنى يعقوب حين قال لهم: "ما تعبدون من بعدى " فأجابوا بقولهم "نعبد إلهك "الى قوله "إلها واحدا ونحن له مسلمون " وقال سبحانه لنبينا صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين: "أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده " وقال تعالى: "قل - أى يا محمد - إننى هدانى ربى إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا " إلى قوله: "وأنا أول المسلمين "، فإنما قال عليه السلام وعمل واقتدى ظاهرا وباطنا بما أمر به وما درج عليه هؤلاء الصفوة المذكورون ومن سلك مسلكهم وعبارة الإسلام تعم الاستسلام بالظاهر والباطن، والإيمان الذى هو التصديق داخل تحت ذلك وفى جملة ما يطلق عليه اسم الإسلام فقد تحصلت عبارته عليه السلام منبئة عن الكمال فى مسمى الإيمان والإسلام على الحال التى درج عليها المصطفون الأخيار وحالهم فى ذلك لا يدركها غيرهم من حيث الكمال التام صلى الله عليهم أجمعين ولا قطعنا عن التمسك بهديهم.
فقد وضح بما ورد فى هذه الآية الجليلة أنه لا يناسب هنا غير هذا الوارد والله أعلم.
وأما آية الأعراف وقوله فيها: "وأنا أول المؤمنين " فالقائل ذلك موسى عليه السلام حين سأل الرؤية وظن أنها جائزة فى الدنيا فلم يسأل عليه السلام محالا وإنما سأل جائزا
ممكنا وحاشاه عليه السلام من أن يسأل محالا ويجهل من ربه مثل هذا لولا الجواز، فلما استعجل وطلب ذلك فى الدنيا قال له ربه تعالى:"لن ترانى " فى الدنيا وأمره أن ينظر إلى الجبل، وأراه تلك الآية العظمى وصار الجبل دكا وخر موسى صعقا لعظبم ذلك المطلع فلما أفاق قال "سبحانك تين إليك " ولم يرد عليه السلام تبت من معصية ولا جهل بربه أن يجوز عليه ما لا يجوز فأقدار الأنبياء عليهم السلام فوق ذلك، وهو أعلم الخلق بما يجوز عليه تعالى وما يستحيل ثم قال:"وأنا أول المؤمنين " أى أول المصدقين بأنك لا ترى فى الدنيا وليس موضع التعبير بأن يقول: "وأنا أول المسلمين " لأن ذلك الوصف حاصل له عليه السلام على الصفة الحاصلة اللمصطفين ممن تقدم وإنما أراد ما يعبر عن مجرد التصديق بهذا الذى غاب عند جواز تعجيله مع علمه بجوازه على الجملة فقد وضح ورود كل من العبارتين بالإسلام والإيمان على ما يجب ولا يناسب العكس بوجه والله سبحانه أعلم.
الآية الموفية ثلاثين من سورة الأنعام قوله تعالى: "وهو الذى جعلكم خلائف الأرض " وفى سورة فاطر: "هو الذى جعلكم خلائف فى الأرض " بإضافة لفظ خلائف فى الأولى ولم يضف فى الثانية بل جئ بحرف الوعاء فيسأل عن وجه ذلك؟
والجواب عنه والله أعلم: أنه لما تقدم قبل آية الأعراف قوله سبحانه لنبيه عليه السلام "قل إننى هدانى ربى إلى صراط مستقيم " واستمر الخطاب له معرفا عن حاله وواضح طريقه إلى قوله: "قل أغير الله أبغى ربا وهو رب كل شئ "، فعم ما سواه سبحانه بالدخول تحت ملكه وقهره، فناسب هذا ما ذكر من إنعامه على عباده بجعلهم خلائف الأرض، ولو كان بحرف الوعاء لم يكن ليفهم التوسعة فى الاستيلاء والاطلاق إلا بضميم يحرز ذلك أن قوله فى الأرض إنما يفهم أنه موضع استخلافهم وهل كلها أو بعضها ذلك محتمل، أما بغير حرف الوعاء فأظهر فى التعميم وإن كان لم يكن مصا إلا أنه أظهر من المتقيد بحرف الوعاء فناسب الإطلاق الاطلاق.
وأما قوله فى سورة الملائكة [فاطر]: "هو الذى جعلكم خلائف فى الأرض " فقد تقدم قبله: "والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها " إلى قوله: "أولم نعمركم .... " الآية ثم أعقب قوله "هو الذى
جعلكم خلائف فى الأرض " بقوله "فمن كفر فعليه كفره
…
"الآيات، فلما اكتنف الآية ما ذكرته مما هو نقيض الوارد فى آية الأنعام ناسب ذلك التقييد بحرف الوعاء إذ لا يلائم البسط القبض فجاء كل على ما يجب ولا يناسب العكس والله سبحانه أعلم بما أراد.
الآية الحادية والثلاثون: قوله تعالى: "إن ربك سريع الحقاب وإنه لغفور رحيم "، وفى الأعراف:"إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم " للسائل أن يسأل عن اختصاص آية الأعراف بزيادة اللام المؤكدة فى الخبر وسقوطها من آية الأنعام؟
والجواب والله أعلم أن آية الأنعام لما تقدمها قوله تعالى: "قل إننى هدانى ربى إلى صراط مستقيم " ثم استمر ما بعد على خطابه صلى الله عليه وسلم لما منحه الله تعالى إلى قوله: "وهو الذى جعلكم خلائف الأرض
…
" الآية، فهذا له صلى الله عليه وسلم ولأمته فجاء الخبر من قوله: "إن ربك سريع العقاب " بغير لام التأكيد مناسبا للحال إذ هؤلاء المذكورون ليسوا بجملتهم ممن استحق عقابا، ومن عوقب من أهل القبلة فعقابه منقطع بفضل الله فلا حامل على التأكيد لأن ذكر العقاب هنا تخويف يحمل المؤمن على استحاب الرغب والرهب وما ينبغى للمؤمن أن يكون عليه.
وأما آية الأعراف فقد ورد قبلها قوله تعالى: "وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب " وقد تقدم ذكر المقصودين بهذا الوعيد وذكر مرتكباتهم السيئات فتخلصت الآية للمستحقين العقاب بمجترحاتهم المفصحة بكفرهم فناسب تأكيد الخبر المنبئ بعقابهم وسوء مآلهم وجاء كل على كما يجب ويناسب.