الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة التوبة
قوله تعالى: وهى أول آية من متشابه هذه السورة -: "ويتوب الله على من يشاء والله عليم حكيم " وفيما بعد: "ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء والله غفرو رحيم " فاستوت الآيتان فى إعلامه تعالى نبيه والؤمنين أنه يتوب على من يشاء وفى ختم الآيتين بصفتين من صفاته سبحانه ثم اختلفت الصفتان فقيل فى الأولى "عليم حكيم " وفى الثانية "غفور رحيم "؟
ووجه ذلك والله أعلم أن الآية الأولى أعقب بها ما تقدمها متصلا بها من الآى فى كفار مكة وفعلهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من التضييق والاحراج وبدئهم بالقتال يوم بدر ونقضهم العهد فى قصة خزاعة فى صلح الحديبة وهذا كله مبسوط فى كتب السير والتفسير فأمر الله تعالى بقتالهم وخزيهم والنصر عليهم وشفاء صدور من آمن من خزاعة وغيرهم ممن آذوه قال تعالى: "قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صور قوم مؤمنين " ثم قال تعالى: "ويتوب الله على ما يشاء " كأبى سفيان ابن حرب وعكرمة بن أبى جهل إلى من أسلم منهم بعد ما صدر من اجتهادهم فى الاذاية والصد عن سبيل الله ثم قال "والله عليم حكيم " أى بما فى القتال وفى طى ما جرى من ذلك كله بتقديره السابق أولا إذ لا تترحك ذرة إلا بإذنه وتقدم علمه أولا وما فى ذلك من الحكمة وختم أفعالهم السيئة بالأوبئة والرجوع إليه سبحانه بسابق سعادة لمن شاهدها له منهم فهذا وجه النظم والتناسب فيه واضح.
وأما الآية الثانية فسببها - والله أعلم - ما جرى يوم حنين من تولى الناس مدبرين حين ابتلوا بإعجابهم بكثرتهم فلم تغن عنهم شيئا ولم يثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ذلك اليوم أحد إذ لم يبرح عليه السلام من مكانه فلم يثبت معه إلا القليل من العدد القليل فنادى العباس رضى الله عنه بآل الانصالر فاستجاب ناس وأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين ومكن نبيه والمسلمين أعدائهم والقصة معروفة فختمت هذه الآى بقوله تعالى: "والله غفور رحيم " تأنيسا لمن فر من
المسلمين فى ذلك اليوم وبشارة لهم بتوبة الله عليهم وإن ما وقع منهم من الفرار مغفور لهم رحمة من الله سبحانه فجاء كل هذا على ما يناسب ولا يلائم خلافه والله أعلم.
الآية الثانية قوله تعالى: " والله لا يهدى القوم الظالمين " وورد بعد هذا بآيات "والله لايهدى القوم الفاسقين " وبعد الحزب الأول من هذه السورة: "والله لا يهدى القوم الكافرين " وفى ذكر المنافقين من هذه السورة: "والله لا يهدى القوم الفاسقين " للسائل أن يسأل عن وجه افتراق أوصاف المذكورين فى هذه الآى بالظلم والفسق والكفر؟ وهل ذلك لداع من المعنى؟
والجواب أن كل وصف منها إنما جرى على ما تقدمه لداع مناسب من المعنى أما الآية الأولى فإن قبلها قوله تعالى: " أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد فى سبيل الله لا يستوون عند الله " وهؤلاء المقول لهم: "أجعلتم " إنما هم كفار قريش ممن ظلم نفسه بالتقصير فى النظر وظن أن عمله من سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كاف مخلص عند الله وأن المؤمن بالله واليوم الآخر المجاهد فى سبيل الله ليس بأفضل حالا وعملا منه فرد الله مقالهم وقيل لهم: "لا ستوون عند الله " ومن ظن ذلك كما ظننتم فظالم لنفسه من حيث قصر فى نظره مع تنبيهه على النظر فى وجه مابه خلاصه: "والله لايهدى القوم الظالمين " وهم الذين سبق فى علم الله أنهم لا يؤمنون بظلمهم أنفسهم ".
وأما الآية الثانية فكف ومنع للمؤمنين عن ارتكاب ماليس من شأنهم ألا ترى أن قبلها: "يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء " فنهوا عن موالاة من ذكر من آباءهم وإخوانهم إذا كانوا مؤثرين للكفر مستحبيه على الإيمان ثم قيل لهم: "ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون " ثم أعقب بقوله: "قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم " أى إن آثرتم ما ذكر وكان أحب إليكم "من الله ورسوله وجهاد فى سبيله فتربصوا حتى يأتى الله بأمره " أى أنكم إذا أنصفتم بهذا فقد خرجتم عن دينكم وفارقتم إيمانكم ولحقتم بمن كفر بعد إيمانه "والله لا يهدى القوم الفاسقين " والفاسق الخارج.
وأما الآية الثالثة فقبلها قوله تعالى: " إنما النسئ زيادة فى الكفر يضل به الذين كفروا "، ثم ذكر مرتكبهم فيه وتزيين ذلك لهم ولما قدر لهم من تماديهم فى