الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والجواب عنه أن قوله "لاضير " مقابل به ما تقدم من قوله: "وقالوا بعزة فرعون "لما اعتقدوه أولا أن له عزة ونسبوها إليه فظنوا أنه يقدر على ما يريده ويستبد بفعله ثم لما وضح لهم الحق ورجعوا عن اعتقادهم وظنوا وعلموا أن القدرة والعزة لله سبحانه وسلموا لخالقهم ولم يبالوا بفرعون وملئه فقالوا "لاضير " أى لا ضرر ولا خوف من فرعون إذ العزة له وحده ولما لم يقع من قولهم فى الأعراف أولا مثل الواقع هنا لم يجيئوا فى الجواب بما جاؤوا هنا فافترق الموضعان وجاء كل على ما يجب والله أعلم.
الآية الخامسة والعشرون قوله تعالى: " قل لا أملك لنفسى نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير
" وفى يونس: "قل لا أملك لنفسى ضرا ولا نفعا إلا ما شاء الله لكل أمة أجل إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون "
للسائل أن يسأل هنا عن تقديم النفع فى الأعراف وتأخيره فى يونس؟ وعن تعقيب آية الأعراف بقوله: "لو كنت أعمل الغيب
…
"الآية وآية يونس بقوله: "لكل أمة أجل "؟
والجواب عن الأول: أنه لما تقدم سؤالهم عن الساعة وتكرر فى قوله: "يسألونك كأنك حفى عنها "أى عالم بها وكان ظاهر السياق يشير إلى أنهم كانوا يظنون أنه عليه السلام يعلمها فطلبوا تعريفهم بها وأن يخصهم بذلك ولاشك أن العلم بالشئ نفع لصاحبه فعرفهم أنه لا يملك لنفسه نفعا ولاضرا وتقدم ذكر النفع لأنه مشير إلى ما ظنوه أنه عنده من علمها فأعلمهم أنه سبحانه استأثر بعلمها وأنه عليه السلام لا يملك من ذلك شيئا إلا ما شاء الله له مما عدى علم الساعة لانفراده سبحانه عن خلقه بعلمها، "لا يجليها لقوتها إا هو " ثم تأكد هذا الغرض بقوله تعالى على لسان بيه عليه السلام:"ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير " وهذا كله بين التناسب.
وأما تأخير ما تقدم فى الأعراف فى سورة يونس وهو قوله: "قل لا أملك لنفسى ضرا ولانفعا " فقدم الضر فللمتقدم قبله من قوله: "ويقولون متى هذا الوعد " فطلبوا تعجيل العذاب استهانة وتكذيبا ولم يعلموا ما فى مطالبهم من المحنة والمضرة العاجلة فقال لهم عليه السلام بأمر الله تعالى إنى لا أملك الضر ولا النفع لنفسى ولا لكم فلا تستعجلونى ذلك فليس بيدى فقدم الضر لأجل ما تقدم من
طلبهم إياه وأخبروا أن لكل أمة أجلا لما شاءه الله وقدره لهم: "إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون " فقد وضح وجه التقديم والتأخير فى الضر والنفع وتوجيه التعقيب بما أعقب كل من الآيتين.
الآية السادسة والعشرون قوله تعالى: " وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم " وفى سورة حم السجدة [فصلت]: "وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم " فوردت الصفتان فى سورة الأعراف على طريقة التنكير ووردتا فى السورة الأخرى معرفتين وزيد قبلهما الضمير الواقع فصلا فقيل: "إنه هو " وللسائل أن يسأل عن وجه التعريف والتنكير؟ وعن زيادة الضمير؟
والجواب عن السؤالين: أن سورة الأعراف تقدم فيها قبل الآية وصف آلهتهم المنحوتة من الحجارة والخشب التى وبخوا بعبادتها فى قوله فى موضع آخر: "أتعبدون ما تنحتون " فوصفت هنا بأنها لا تخلق شيئا ولا يستطيعون لهم نصرا "وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون " فنفى عنهم القدرة والسمع والبصر وآلة المشى وآلة البطش بقوله: "ألهم أجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها " ولم يتقدم هنا ما يوهم أدنى شئ يلحقها بشبه الأحياء فضلا عما فوق ذلك فورد الصفتان بقوله: "سميع عليم " موردا لم يتقدمه ما يوهم صلاحية شئ من ذلك لغيره تعالى مما عبدوه من دونه مما قصد هنا ولا ذكر دعوى شئ من ذلك من مدع فيستدعى ذلك التوهم مفهوما ينفيه فجاء على ما يجب.
أما آية الأعراف فتقدم قبلها قوله تعالى: " ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعلمون " وقوله تعالى: "وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم " وقوله تعالى: "أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس " فحصل من هذا أن مضليهم إنما كانوا من عالم الإنس والجن وكلا الصنفين موصوف بالسمع والبصر وممن ينسب إليه علم بخلاف المقدم ذكر فى الأعرفا فلما تقدم فى سورة السجدة من يظن منه الغنى ويمكن منه أن يسمع ويبصر ويعلم ناسبه التعريف فى الصفة ليعطى بالمفهوم نفى ذلك عن غير الموصوف بهما تعالى ثم أكد ذلك بضمير الفصل المقتضى التخصيص فقوى المفهوم المسمى عند كثير من الأصوليين
بدليل الخطاب فصار الكلام فى قوم أن لو قيل: الله هو السمبع العليم لا غيره وأحرز الفصل بالضمير هذا المعنى مع إعطاء المفهوم إياه ولم يكن ورود ما فى سورة الأعراف من التنكير ليناسب الوارد متقدما فى سورة السجدة ولا التعريف الوارد فى الصفتين العليتين فى سورة السجدة ليناسب ما تقدم آية الأعراف فجاء كل على ما يناسب والله أعلم.