الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما آية الأنعام فلم يرد فيها ذكر جزائهم بالجمع كما فى آية سورة المؤمنون وإن لم يقرأ بذلك فى الأخريين وظهرت مناسبة ذلك والله أعلم.
الآية السابعة عشرة: قوله تعالى: "ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة
"، وفى سورة الكهف: "لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة " ومرمى الآيتين واحد، فيسأل عن زيادة "فرادى " فى آية الأنعام؟
والجواب والله أعلم: أن ذلك مراعى فيه فى آية الأنعام ما أعقبت به من قوله: "وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم " أى ما أعطيناكم فى الدنيا مما شغلكم عن آخرتكم، ثم قال:"وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء " أى منفردين عما كنتم تؤملون من أندادكم ومعبوداتكم من دونه سبحانه، فلرعى هذا المعقب به فى آية الأنعام ما قيل فيها:"ولقد جئتمونا فرادى ".
أما آية الكهف فقبلها قوله تعالى: "ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة فحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا " ثم قال: "وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة " مجردين عن كل متعلق.
ولم يقع هنا ذكر ولا إشارة إلى ما عبد من دون الله فلهذا لم يقع هنا "فرادى " وذلك بين التناسب وعكس الوارد لم يناسب والله أعلم.
الآية الثامنة عشرة قوله تعالى: "قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون "، وبعد هذه:"قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون "، ثم بعد هذه:"إن فى ذلك لآيات لقوم يؤمنون "، للسائل أن يسأل عن وجه اختلاف هذه الأوصاف التابعة فى الآى الثلاث؟
والجواب: أنه لما تقدم الآية الأولى قوله جل وتعالى: "وهو الذى جعل لكم النجوم لتهتدوا بها فى ظلمات البر والبحر " فذكر سبحانه من المعتبرات التى يتوصل بالنظر فيها إلى معرفته وحدانيته تعالى ما يحصل الاطلاع عليه تعقلا وتنقلا ويستند فى كثير منه إلى التعاون فى تعرفه والاطلاع عليه بمن تقدمت له به المعرفة فيحصل فى ذلك علم منقول فيما يتعلق بذات المتعرف المطلوب به الاستدلال أو فى أدوات موصولة إليه إذ ليس علم ذلك راجعا إلى مجرد الفكر والتفطن ألا ترى أن إدراك العلم بنجوم السماء وتفصيل ذلك بتعيين الكواكب الثابتة والسيارة المتنقلة فى أبراجها وخنوس الخمسة منها واشتراكها مع الشمس والقمر فى انتقالها فى منازلها مختلفات الحالات فى السرعة
والبطء فكم بين قطع القمر الفلك فى ثمان وعشرين ليلة وقطع زحل إياه فى ست وثلاثين سنة جارية فى أفلاكها من غرب إلى شرق وقذف الفلك الأعظم بالكل من شرق إلى غرب على العكس "ذلك تقدير العزيز العليم " وياعرف هذا القسط مما ذكرنا يتحصل للمعتبر الاهتداء بها على الكمال فى ظلمات البر والبحر والعلم بعدد السنين والحساب والقلب فى كثير من هذا الضرب مورد على البصر فيما ينهيه إليه فصر هذا الضرب من المعتبرات الدالة على الصانع تعالى كالمخبر به الحاصل بواسطة من خارج فتناسب ذلك التعبير عن المتذكر به بالعلم الذى مواده ومحصلاته الخبر القاطع مع النظر السديد فقيل فى ختام هذه الآية: "لقوم يعلمون " وقيل ما معناه أن الوارد فى قوله تعالى: "إن الله فالق الحب والنوى " إلى قوله تعالى: "وهو الذى جعل لكم النجوم لتهتدوا بها فى ظلمات البر والبحر " آيات تنيه على معرفة الله تعالى والعلم به وبوحدانيته وهو أشرف معلوم، فأعقب بأشرف ما يوصف به المعتبرون فقيل:"لقوم يعلمون " وذلك أعلى من الوصف بقوله تعالى: "لقوم يفقهون "و: "لقوم يؤمنون " ولذلك ما ورد وصفه تعالى بالعلم ولا يوصف سبحانه بالفقه ولا العقل فلما كان المعلوم أشرف
المعلومات عبر عن الآيات التى نصبت للدلالة عليه باللفظ الأشرف انتهى وهو قول حسن والتناسب فيه واضح.
أما الآية الأخرى فتقدم قبلها قوله تعالى: "وهو الذى أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع " ومرجع العلم بنشأة الإنسان وتقلبه من صلب إلى رحم، وارتباط أعضائه الظاهرة والباطنة، وجمع أجزائه وتصرف كل عضو فى ما له خلق، واحتياج الأعضاء بعضها إلى بعضها وجرى ما وكل منها بغذاء الإنسان اجتذابا وانتحالا وطبخا وتقسيما وتجزئة على الأعضاء واتقان كل عضو منها زجرى لما يسر له، إلى غير ذلك هذا مما يبسطه من تكلم فى التشريع، فالعلم بهذا كله جملة وتفصيلا مما لا يحصل بالسمع والبصر وإنما يطلع بالاعتبار والتفكر من ذوى الفطن السالمة والنظر العقلى السديد والفهم المصيب، فناسب هذا قوله تعالى "لقوم يفقهون " والفقه التفهم والتفطن وذلك من جملة ألهم إليه وأشار قوله تعالى:"وفى أنفسكم أفلا تبصرون ".
وأما الآية الثالثة فإنه سبحانه لما ذكر إنزال الماء من السماء وإخراج النبات من الأرض به فى قوله سبحانه وتعالى: "وهو الذى أنزل من السماء ماء فأخرجنا منه نبات كل
شئ فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب والزيتون والرمان "، فلما أورد هذا كان مذكرا بالبعث الأخراوى والنشأة الثانية كما قال تعالى فى آية الأعرف: "كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون " وإنما يحصل العلم بذلك وسائر أمور الآخرة من قبل الرسل عليهم الصلاة والسلام والإيمان بهم وبما جاؤوا به فقال تعالى: "إن فى ذلك لآيات لقوم يؤمنون " أى يصدقون بالبعث وأنه تعالى كما بدأهم يعودون فقد وضحت مناسبة هذه الآيات الثلاث لما أعقب بها والله سبحانه أعلم.
الآية التاسعة عشرة: قوله تعالى: "والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه " وورد فيما بعد من هذه السورة: "والزيتون والرمان متشابها وغير زتشابه كلوا من ثمره وآتوا حقه يوم حصاده "، فورد فى الآية الأولى "مشتبها وغير متشابه " وفى الثانية:"متشابها "، وفى الأولى:"انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه "، وفى الثانية:"كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده "، يسأل عن المختلف فى الآيتين مع اتحاد مرماهما؟
والجواب عن الأول: أن مشتبها ومتشابها لا فرق بينهما إلا ما لا يعد فارقا إذ الافتعال والتفاعل متقاربان، أصولهما: الشين والباء والهاء من قوله أشبه هذا هذا إذا قاربه وماثله، ورد فى أولى الآيتين على أخف البناء وفى الثانية على أثقلهما رعيا للترتيب المتقرر وقد مر نحو هذا فى قوله:"فمن تبع هداى " وقوله "فمن اتبع " فى سورة طه.
والجواب عن الثانى: أن قوله تعالى فى الأولى: "انظروا إلى ثمره أذا أثمر وينعه " مبنى على ما قبله مما بناه على الاعتبار، قال تعالى:"إن الله فالق الحب والنوى .... " الآية، وقال تعالى: "فالق الإصباح وجاعل الليل سكنا
…
" الآية، وقوله: "وهو الذى جعل لكم النجوم لتهتدوا بها
…
" الآية، ثم قال تعالى: "وهو الذى أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شئ وأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه "، فلما كان مبنى هذه الآى على الاعتبار والتنبيه بما نصب تعالى من الدلائل على وحدانيته لم يكن ليناسب ذلك ويلائمه إلا الأمر بالنظر والاعتبار لا الأمر