الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قبلها: "وإذا مس الإنسان الضر " والمراد هنا جنس الإنسان: "دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما " أى دعانا على أى حال كان على مقتضى قوله تعالى: "ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون " ثم قال: "فلما كان كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه " ذكر سبحانه من حال الإنسان حال متذكر داع عند مس الضر غير مشرك ولا كافر حال ففى حاله فى دعائه عند الضر ومروره فى المخالفات أو الغفلة عند كشفه شبه من حال المقول فيهم: "خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا "، فأعقب ذكر هذا الضرب بقوله تعالى:"كذلك زين للمسرفين " أى أن هؤلاء زين لهم لمرتكبهم فى مرورهم بعد كشف الضر عنهم على أحوالهم قبل مس الضر إياهم كما زين للمسرفين ما كانوا يعملون، فتشبهت أحوالهم بأحوال المسرفين ليزدجر المؤمن ويستعيذ من مثل تلك الحال ويدأب على الطاعة والتضرع إلى الله سبحانه، والمسرف هنا والله أعلم محتمل أن يراد به المسرف فى المعاصى دون الكفر أو المسرف فى كفره المقول فيه وفيمن كان على حاله:"وأن المسرفين هم أصحاب النار "، فعدل فى آية يونس عن أن يقال "للكافرين " إلى قوله "المسرفين " لما فى صفة الإسراف من الاحتمال لمناسبة ما تقدمه من تقلب حالتى الإنسان عند مس الضر إياه وكشفه عنه.
أما آية الأنعام فقد تقدمها قوله تعالى: "كمن مثله فى الظلمات ليس بخارج منها " فإنما ذكر فى هذه الآية طرفان قد بولغ فيهما وهما المجعول له نور يمشى به فى الناس لا يفارقه والمتخبط فى ظلمات لا يخرج عنها فلا يمكن أن تكون حال أسوأ من حال هذا لأن ذكر الطرفين لا واسطة بينهما يقتضى من حيث اليلاغة النهاية فى كل طرف فعبر هنا بصفة الكفر أما حال المسرف من حيث ما ذكرنا من الاحتمال فدون حال المتخبط فى الظلمات فعلى هذا يحتمل أن يكون الإسراف فيما دون الكفر فيكون المتصف به غير منقطع الرجاء إذا لم يبلغ الكفر، قال تعالى:"قل يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله "، فشتان ما بين مسرف راج ومتخبط فى ظلمات كفر داج، فجاء كل على ما يناسب، ولم يكن ليناسب العكس بوجه، والله سبحانه أعلم.
الآية الرابعة والعشرون قوله تعالى: "ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون
" وفى سورة هود: "وما كان ربك ليهلك القرى بظلم
وأهلها صالحون " فقال فى الأولى "وأهلها غافلون " وقال فى الثانية "وأهلها مصلحون " فللسائل أن يسأل عن الفرق بين الموضعين؟
والجواب والله أعلم أنه لما تقدم هنا قوله تعالى: "يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتى وينذرونكم لقاء يومكم "، فقدم سبحانه ذكر بعثة الرسل للجن والإنس وإنذارهم وتذكيرهم بالآيات وتعريف الخلق بالجزاء الأخراوى على مقتضى قوله تعالى:"وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا " فلا عذر لأحد وقد أشار إلى ذلك قوله تعالى: "أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير " فلم يتركوا سدى ولا عذر لمغض ولا متغافل بعد تنبيهه "ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون " فهذا مناسب وتقدم آية هود قوله تعالى: "فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد فى الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم " ولو كانوا ينهون عن الفساد فى الأرض لكانوا مصلحين فلم يكونوا ليؤخذوا بالعقاب "وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون " فقد ناسب كلا من الآيتين ما أعقبت به ولم يكن ليناسب آية الأنعام "وأهلها مصلحون " ولا آية هود "وأهلها غافلون "، والله أعلم بما أراد وسيذكر إن شاء الله فرق ما بين قوله "مهلك " فبر باسم الفاعل وقوله "ليهلك " بلام الجحود الداخلة على الفعل المستقبل فى سورة هود إن شاء الله.
الآية الخامسة والعشرون
قوله تعالى: " قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إنى عامل فسوف تعلمون "، وكذا فى سورة الزمر وفى قصة شعيب عليه السلام من سورة هود "ويا قوم اعملوا على مكانتكم إنى عامل سوف تعلمون " فأفردت آية هود هذه بمجئ حرف التسويف عريا عن اقتران فاء التعقيب به بخلاف الأخريين مع اتفاق الآيات الثلاث فى التهديد وحرف التسويف للسائل أن يسأل عن ذلك؟
والجواب عن ذلك والله أعلم: أن هذه الآيات الثلاث وعيد لمن كفر وكذب وآية الأنعام وآية الزمر منها أريد بهما كفار العرب من هذه الأمة وقد افتتحنا بأمره سبحانه نبيه عليه السلام بوعيدهم فى قوله سبحانه وتعالى: "قل يا قوم اعملوا على مكانتكم " فقوى فى هاتين الآيتين تقدير معنى الشرط المنجر تقديره فى الأوامر نحو قوله تعالى: "قل لعبادى الذين آمنوا يقيموا الصلاة " لافتتاحها بأمره تعالى نبيه عليه السلام ثم أمره