الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة الأعراف
الآية الأولى منها قوله تعالى: " قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ.
قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ "، وقال فى سورة الحجر: " قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (32) قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (33) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (34)"، فى الآيتين مما يسأل عنه قوله تعالى فى الأولى "ما منعك " وفى الثانية "مالك "، وفى الأولى استفتاح بسؤاله عن امتناعه بقوله "ما منعك " من غير ندائه باسمه وفى الثانية نداؤه "يا إبليس " وفى الأولى قوله "ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك " وفى الثانية "ألا تكون مع الساجدين " وفى الأولى قال "أنا خير منه خلقتنى من نار وخلقته من طين " وفى الثانية: "لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمإ مسنون " وفى الأولى قال: "فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين "، وفى الثانية: "فاخرج منها فإنك رجيم "، فهذه خمس سؤالات.
فأقول: إنه لما تقدم فى الأعراف ذكر خلق الإنسان وتصويره من غير ذكر المادة التى خلق منها قال تعالى: "ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم " والخطاب لبنى آدم ولم يذكر خلق غيرهم من ملك أو جن.
ثم إن الأمر بالسجود ورد للملائكة ولم يرد إشعار بأن إبليس من غيرهم فسبق من ظاهر الكلام أنه منهم ومأمور معهم لاستثنائه منهم فناسب هذا قوله: "وما منعك "، لأنه مأمور بظاهر ما تقدم وناسب ذلك أيضا وعضد ما قلناه قوله "إذ أمرتك "، ولما لم يقع ذكر لخلق غير الآدميين ولا ذكرت مادة خلق الإنسان ناسب ذلك ما ذكره سبحانه عن إبليس من قوله:"أن خير منه خلقتنى من نار وخلقته من طين "، فاستوفى ذكر المادتين وبنى على ذلك ما توهم من فضل النار على الطين.
أما آية الحجر فقد تقدم قبلها قوله تعالى: "ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمإ مسنون " إلى قوله: "فقعوا له ساجدين " فأشارت الآية بظاهرها إلى أن إبليس من الملائكة وقد نطقت الآية أن الملائكة هم المأمورون
بالسجود، فبحسب هذا البادى من الظاهر وردت المعية فى قوله:"مالك ألا تكون مع الساجدين " فلما لم يكن فى أصل الخلقة والمادة منهم وكان الأمر بظاهر العبارة لهم وإن كان مرادا أنه معهم فبحسب هذا قيل له: "مالك ألا تكون مع الساجدين "، فقيل "معهم " إذ ليس منهم قال تعالى:"إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه " وبحسب ذلك استؤنف نداؤه فقيل: "يا إبليس مالك " ولم يقل "ما منعك " لأن ذلك لو قيل كا يقتضى أنه منهم ولك يكن ليناسب ما أشار إليه صدر الكلام من أنه ليس منهم فنودى باسمه المشعر بطرده ومغايرته لهم فقيل "يا إبليس " فتناسب أيضا ما ورد فى الحجر من تبيين خلق إبليس من النار وفصله من الملائكة ما أعقب به من محكى قوله: "لم أكن لأسجد لبشر من صلصال من حمإ مسنون "واحتقاره مادة الطين وتفضيله مادة النار عليها فناسب هذا تعقيب أمره بالخروج فى قوله تعالى: "اخرج منها " وقيل فى آية الأعراف: "اهبط منها " وليس التعبير بالإخراج كالتعبير بالهبوط فقد أمر آدم بالهبوط ولم يقصد من تعنيفه ما قصد بإبليس فالفرق ما بين العبارتين فيما تعطيانه قيل فى الأعراف "فاهبط منها " إذ لم يتقدم فيها من أنه ليس من الملائكة كما تقدم فى الحجر بل ظاهر ما فى الأعراف أنه منهم، فجرى الأمر آخرا مناسبا لهذا الظاهر فعبر بالهبوط، ولما تقدم فيه الحجر أنه ليس من الملائكة لخلقه من نار سموم فأشعر ذلك بشر المادة ناسبه قوله:"فاخرج منها " وإتباع ذلك بما يلائمه من الوصف ويناسبه من قوله: "فإنك رجيم " ثم بما كتب عليه من الطرد واللعنة ولم يرد فى الأعراف هكذا بل روعى فيه مناسبة ما تقدم، ولئلا يتنافر الكلام ويتنافر المعنى فقيل:"فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين " فإن
قلت: فقد قيل هنا "فاخرج " كما قال فى سورة الحجر: قلت: تدرج به إلى التعنيف وسيق هناك من أول وهلة وجاء كل على ما يجب ويناسب ولم يكن ليناسب ورود العكس فى السورتين والله أعلم بما أراد وقد حصل جواب السؤالات بأسرها والحمد لله.
الآية الثانية من سورة الأعراف قوله تعالى: "قال أنظرنى إلى يوم يبعثون قال إنك من المنظرين " وفى سورة الحجر وسورة ص: "قال ربك فأنظرنى إلى يوم يبعثون قال فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم " فورد فى آيتى الحجر وص وزيادة الفاء فى قوله "فأنظرنى " وفى قوله "فإنك " وزيادة قوله "رب " ولم يرد ذلك فى الأعراف، فيسأل عنه؟
وجواب ذلك والله أعلم: أن مناسبة ما تقدم كل واحدة من الآى الثلاث من الاسهاب
والتأكيد أو الإيجاز ألا ترى أن مجموع الكلم الواقعة من لدن قوله فى سورة الأعراف "ولقد خلقناكم " وهو ابتداء القصة إلى قوله: "قال أنظرنى إلى يوم يبعثون " بضع وأربعون كلمة، والوارد فى الحجر من لدن قوله:"ولقد خلقنا الإنسان " إلى قوله: "قال رب فأنظرنى " بضع وسبعون كلمة وفى سورة ص من لدن قوله "إذ قال ربك " إلى الآية بضع وستون كلمه، فقد وضح ما قصد فى الأعراف من إيجاز الاخبار فى القصة وما فى السورتين بعد من الإطناب ثم إنه ورد فى سورتى الحجر وص التأكيد بكل وأجمع فى قوله:"كلهم أجمعون " ولم يرد ذلك فى الأعراف فقصد ما قلناه وتناسب الإطناب والتأكيد ولاءم ما ورد من الزيادة فى السورتين الأخيرتين ولم يكن ليناسب العكس والله أعلم بما أراد.
فإن قلت ما وجه ورود القصة الواحدة موجزة ومطولة أخرى؟
قلت: ليحصل من ذلك الاطلاع على علىّ البلاغة وجلالة النظم وعلى فصاحة فى طرفى الإيجاز والإطناب، فإن الفصيح البليغ من البشر إن رام هذا لم يف فى الطرفين بما يريده ووضح التفاوت فى هذا بوجه.
فإن قلت فما وجه تقديم الموجز على المطول؟ قلت: شبه ذلك بالمجمل من الكلام والمفصل وإنما يريده التفصيل بعد الإجمال فهذا الجواب منزل على الترتيب الثابت، والله سبحانه أعلم بما أراد.
الآية الثالثة: قوله تعالى مخبرا عن قول إبليس: " قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17) "، وفى سورة الحجر:" قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40) ".
إن سأل سائل عن وجه اختلاف الوارد فى السورتين المحكى من قول إبليس مع اتحاد القصة فجوابه: أن المعنى الحاصل من قوله فى السورتين واحد لا إشكال فيه ثم اختلف التعبير عن ذلك بحسب ما تقدم فى كل واحدة من السورتين ومااستدعاه من المناسبة ولما تقدم فى الأعراف قوله تعالى: "اتبعوا ما انزل إليكم من ربكم " والإشارة إلى القرآن لأنه يوضح الطريق إليه وهو الصراط المستقيم قال تعالى: "وأن هذا صراطى مستقيما فاتبعوه " والاشارة بهذا إلى المنزل قرآنا لأنه مبين للصراط المستقيم الذى طمع اللعين فى الاستيلاء عليه وقطه سالكه فقيل عبارة عن مرامه