الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليه السلام لهم فى قوله "اعملوا " فاعتضد ما يستدعى الجوابية بالفاء فوردت فى الجواب المبنى على الشرط المقدر بعد هذا الأمر على أحد مأخذى النحويين أو الذى تضمنته الجملة ونابت منابه على القول الآخر، ولما كانت آية هود إخبارا لنبينا عليه الصلاة والسلام فضعف فيها تقدير الشرط فلم تدخل الفاء وجاء كل على ما يجب والله أعلم.
الآية السادسة والعشرون قوله تعالى: "سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا كذلك كذب الذين من قبلهم
"، وفى سورة النحل: "لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شئ نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شئ كذلك فعل الذين من قبلهم ".
للسائل أن يسأل عما اختلف فى هاتين الآيتين مع أن المقصود واحد؟
والجواب عن ذلك والله أعلم أنه لما تقدم آية الأنعام قوله تعالى: "وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذى ظفر " وهذا إخبار عن بنى إسرائيل فيما حرم عليهم ثم ورد بعدها قوله تعالى: "قل هلم شهدائكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا " وهو خطاب لهم أيضا، فقد اكتنف الآية المذكورة ما مرجعه إلى بنى إسرائيل فيما حرم عليهم وما ألحقوه بذلك تحريفا وتبديلا ووردت الآية المتكلم فيها مورد ما يرد من الجمل الاعتراضية لاتصال ما بعدها بما قبلها، فلم يكن ليلائم ذلك الاسهاب وطول الكلام إذ الوجه فيما يرد اعتراضا أن يؤخر وأما آية النحل فلم يتقدمها خطاب لغير العرب مؤمنهم وكافرهم وقد أطنب فى تذكيرهم ووعظهم، وقد بسط لهم ذكر نعم ودلائل، فناسب ذلك الاسهاب الوارد فيها من قوله:"لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شئ نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شئ " ولم يكن ليناسب آية الأنعام ما ورد هنا، ولا الوارد هنا ذلك الإيجاز، والله سبحانه أعلم.
الآية السابعة والعشرون
قوله تعالى: "قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم "، وفى سورة بنى إسرائيل [الإسراء]:"ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم "، ففى الأولى "من إملاق "و "نرزقكم " بتقديم ضمير المخاطبين فللسائل أن يسأل عن وجه هذا الاختلاف فى الآيتين مع اتحاد المقصد فيهما؟
والجواب عن ذلك والله أعلم أن المخاطبين بآية الأنعام إنما كان فعلهم ذلك من
أجل الفقر الحاصل حال قتلهم فقيل من إملاق أى من أجل الاملاق الحاصل ثم قيل لهم "نحن نرزقكم وإياهم "فقد رزقه تعالى لهم لحصول فقرهم فى الحال ليكون أمنع لهم وكأن السياق يشعر بتشفيع الأولاد فى رفع فقر الآباء القاتلين فكأن قد قيل لهم: إنما ترزقزن بهم فلا تقتلوهم، فتأكد تقديم كفار العرب وكان وأدهم البنات خشية الفقر المتوقع والعجز عن مؤنتهن فيما يتوقعونه مستقبلا فقيل "خشية إملاق " فجعلت الخشية هى العلية فى فعلهم، فانتصبت على ذلك، والمعلول الذى هو الإملاق لم يقع بعد وضمن تعالى لهم رزقهم ورزق أولادهم ودفع ذلك المتوقع ليرفع ذلك خشيتهم، فلهذا قدم هنا ضمير الأولاد ثم عطف عليه ضمير الآباء.
وكان الأهم هنا فقدم، وجاء كل فى الموضعين على ما يجب ويناسب، والله أعلم.
الآية الثامنة والعشرون قوله تعالى: "ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون "، تلوها:"ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون " وفى الثالثة تليها: "ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون " للسائل أن يسأل عن وجه اختلاف فى المعلل به فى هذه الآيات؟
والجواب عن ذلك والله أعلم: أنه لما كانت الخلل الخمس فى الآية الأولى وهى: الشرك والعقوق وقتل الأولاد لأجل الفقر وارتكاب الفواحش وقتل النفس التى حرم الله بغير الحق، خمستها مما يدرك العقل ابتداء قبحها، ويستقل بدركها أعنى أن العقل يستوضح قبحها شرعا لبيان أمرها فى استقباح الشرع إياها، وإلا فالعقل عندنا لا يحسن ولا يقبح.
فلما كانت على ما ذكرنا أتبعت بترجى التعقل لأن السلامة منها لا تكون مع وضوح أمرها إلا بتوفيق الله تعالى ولذلك جاءت بأداة الترجى.
ولما كانت الخمس التالية لها وهى قوله: "ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتى هى أحسن " إلى آخرها مما تؤثر فيه الشهوات والأهواء وذلك مما يعمى ويصم أتبع برجاء التذكر فقيل: "لعلكم تذكرون " ومن تذكر أبصر فعقل فامتنع، قال تعالى:"إن الذين اتقوا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون "، ولما كان مجموع هذه المرتكبات العشر مما اتفقت عليه الشرائع ولم ينسخ منها شئ وهى الحكمة التى من أخذ بها كان سالكا الصراط المستقيم الذى لا عوج فيه ولا أمت واتخذ أسنى وقاية من