الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قريش والعرب توبيخا لهم وتقريعا فقيل له: "قل " والمراد: قل لهم يا محمد: ": "قل لا أقول لكم عندى خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إنى ملك.
…
" الآية ولم يؤمر أن يقول هذا لأبى بكر وعمر وخاصة أصحابه إنما عنى به من يقول: "مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشى فى الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها " فمن يصدر عنه هذا وأشباههه مما ينبئ عن الازراء وفساد الظاهر والباطن فهم المقول لهم: "لا أقول لكم عندى خزائن الله.
…
" الآية فتكرر فيها قوله "لكم " تأكيدا يفهم التعنيف ويناسب التوبيخ والتقريع ونظير هذا وان خالفه فى تخصيص المخاطب بمقصود الكلام وإنما قصد به تعنيف مستحقى التعنيف ممن لم يخاطب فهو من قبيل قولهم: إياك أعنى واسمعى يا جارة
…
وقوله تعالى فى خطاب عيسى عليه السلام: "وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذنى فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذنى وتبرئ الأكمه والأبرص بإذنى وإذ تخرج الموتى بإذنى " فتأمل تكرار قوله "بإذنى " وما يتضمن من توبيخ من جعل عيسى عليه السلام إلها واتخذه معبودا فخزطب عيسى عليه السلام وهو المحفوظ المعصوم من توهم استبداد دل قدره صلى الله عليه وسلم عن ذلك ولكن هذا كما قيل له صلى الله عليه وسلم: "أأنت قلت للناس اتخذونى وأمى إلهين من دون الله " والمراد بذلك تقريع من اتخذه عليه السلام إلها ومرادنا من هذا ما اجتمعت عليه هذه الآى من إشعار التقريع والتوبيخ الحاصلين من التأكيد والتكرار ثم يصرف ذلك فى كل من الآيتين لمن تأهل له ولما لم يكن ذلك مفصودا فى آية هود لم يرد فيها تأكيد ولا تكرار وجاء كل من ذلك على ما يناسب والله أعلم.
الآية الخامسة عشرة: قوله تعالى: "إن هو إلا ذكرى للعالمين
" وفى سورة التكوير: "إن هو إلا ذكر للعالمين " للسائل أن يسأل عن وجه ورود الخبر بلفظ التأنيث فى الأولى والتذكير فى الثانية مع تذكير المبتدأ فيهما؟
والجواب عنه والله أعلم أن آية التكوير لما تقدمها القسم على القرآن بقوله تعالى: "فلا أقسم بالخنس " إلى ما وقع القسم به ثم ورد ضمير المقسم عليه فى قوله: "إنه لقول رسول كريم " أى أن القرآن لقول رسول كريم، والمراد به جبريل عليه السلام ثم اتبع بوصفه إلى قوله "ثم أمين " ثم قيل "وما صاحبكم بمجنون " والاشارة إلى محمد صلى الله عليه وسلم فنزهه
تعالى عن قول أعدائه ونسبتهم إياه إلى الجنون ثم وصفه تعالى بأنه على الغيب الموحى به والمأمون على تبليغه غير متهم ولا بخيل على القراءتين فقال: "وما هو على الغيب بضنين " ثم أعقب بقوله تعالى: "وما هو " أى وما القرآن "بقول شيطان رجيم " فجرت هذه الضمائر على التذكير على ما يجب ثم اتبع بقطع تعلقهم فقيل: "فأين تذهبون " أى إن كل ما رمتم من رميه عليه الصلاة والسلام به من السحر والجنون والتقول لا يقوم شئ من ذلك على ساق ولا يتوهم ذلك ذو عقل سليم ثم قال: "إن هو إلا ذكر للعالمين " والضمير للقرآن ولا يمكن وروده خلاف هذا لمنافرة التناسب ومباعدة التلاؤم.
وأما آية الأنعام فتقدمها قوله تعالى: "أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين " فنوسب بين قوله: "إن هو إلا ذكرى " وبين ما تقدم فكأن التقدير إن هو أى الأمر أو المراد المقصود أو ما ذكر من الكتاب والحكم والنبوة إلا ذكر فناسبه ذكرى هنا لما تقدم بيانه ولم يتقدم هنا ما يستدعى لفظ التذكير ويناسبه فجاء كل على ما يجب والله أعلم.
الآية السادسة عشرة: قوله سبحانه: "والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون " لم يقرأ هنا بغير هذا اللفظ وكذا فى المعارج وفى سورة المؤمنون فى قراءة الجماعة إلا الشيخين "على صلواتهم " بالجمع فللسائل أن يسأل عن وجه ذلك؟
والجواب عنه والله أعلم: أن ذلك مناسب لما اكتنف هذا الوصف فى آية سورة المؤمنون لما كان ذكر محافظتهم على صلاتهم قد اكتنفه ما تقدمه وما تأخر عنه من تفخيم الوصف فى المتقدم وتفخيم الجزاء فى المتأخر ناسب ذلك تفخيم العبارة عن فعلهم فورد بلفظ الجمع فى قراءة الأكثرين فقيل: "والذين هم على صلواتهم " أما تفخيم الوصف المتقدم فذكرهم بالفلاح وهو الظفر بالمراد والبقاء فى الخير وذكرهم بالخشوع فى صلاتهم وإعراضهم عن اللغو ولم يقع متقدم وصفهم فى سورة المعارج ما يوازن هذه الأوصاف.
وأما آية الأنعام فلم يتقدم فيها غير ذكرهم بالإيمان فقط وأما نعتهم الوارد فى جزائهم فوصفهم بأنهم الوارثون ثم تخصيصهم بأنهم الوارثون ثم تخصيصهم بإرث الفردوس وهو أعلى الجنة ومنه تنفجر أنهار الجنة، ووصفهم بالخلود فيها، ولا يوازن هذا بقوله عقب آية المعارج:"أولئك فى جنات مكرمون ".