الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
درهم، فلم يكن يقدر إلا على ثلاثة آلاف درهم، فحملها إلى أبي عثمان (1) وقال: أيها الشيخ قد حلف هذا كما بلغك، ووالله لا أهتدي إلا إلى هذه. قال: تأذن لي أن أفعل ما ينفعك؟ قال: نعم. ففرَّقها أبو عثمان وقال للتاجر: امكث عندي. وما زال أبو عثمان يتردَّد بين السكة والمسجد ليلته حتى أصبح وأذَّن المؤذن، ثم قال لخادمه: اذهب إلى السوق وانظر ماذا تسمع. فذهب ورجع وقال: لم أر شيئًا. قال: اذهب مرة أخرى. وهو في مناجاته يقول: وحقك لا أقمت ما لم تفرج عن المكروبين. قال: فأتى خادمه الفرغاني يقول: وكفى الله المؤمنين القتال شق بطن أحمد بن عبد الله. فأخذ أبو عثمان في الإقامة. قلت - والكلام للذهبي: بمثل هذا يعظم مشايخ الوقت (2).
* * *
سقط القيد من رجله
قال الذهبي: «وألَّف أبو عبد الملك أحمد بن محمد بن عبد البر
(1) أبو عثمان سعيد بن إسماعيل النيسابوري الحيري: الإمام المحدث الواعظ، مولده سنة ثلاثين ومئتين، قال الحاكم: قدم نيسابور لصحبة الأستاذ أبي حفص النيسابوري، ولم يختلف مشايخنا أن أبا عثمان كان مجاب الدعوة وكان مجمع العباد والزهاد، ولم يزل يسمع ويجل العلماء ويعظمهم، توفي سنة ثمان وتسعين ومئتين. [السير للذهبي (14/ 62 - 66)].
(2)
سير أعلام النبلاء للذهبي (14/ 65 - 66).
القرطبي كتابًا في أخبار علماء قرطبة ذكر فيه بقيّ بن مخلد (1) إلى أن قال: وذكر عبد الرحمن بن أحمد عن أبيه أن امرأة جاءت إلى بقي فقالت: إن ابني في الأسر ولا حيلة لي؛ فلو أشرت إلى من يفديه فإنني والهة. قال: نعم، انصرفي حتى أنظر في أمره. ثم أطرق وحرَّك شفتيه، ثم بعد مدة جاءت المرأة بابنها فقال: كنت في يد ملك فبينا أنا في العمل سقط قيدي. قال: فذكرت اليوم والساعة، فوافق وقت دعاء الشيخ. قال: فصاح على المرسم بنا ثم نظر وتحيَّر ثم أحضر الحداد وقيدني، فلما فرغه ومشيت سقط القيد فبهتوا ودعوا رهبانهم فقالوا: ألك والدة؟ قلت: نعم. قالوا: وافق دعاؤها الإجابة. هذه الواقعة حدَّث بها الحافظ حمزة السهمي عن أبي الفتح نصر بن أحمد بن عبد الملك، قال: سمعت عبد الرحمن بن أحمد، حدثني أبي
…
فذكرها، ثم قالوا: قد أطلقك الله، فلا يمكننا أن نقيدك فزودني وبعثوا بي» (2).
وقال أبو بكر الطرطوشي: «جاءت امرأة إلى بقي بن مخلد وهو
(1) بقي بن مخلد بن يزيد: الإمام الأندلسي القرطبي الحافظ، صاحب التفسير والمسند الذي لا نظير لهما، ولد في حدود سنة مئتين، وكان إمامًا مجتهدًا صالحًا ربَّانيًّا صادقًا مخلصًا رأسًا في العلم والعمل عديم المثل منقطع القرين، يفتي بالأثر ولا يقلد أحدًا، قال ابن لبابة الحافظ: كان بقيٌّ من عقلاء الناس وأفاضلهم، وكان أسلم بن عبد العزيز يُقدِّمه على جميع من لقبه بالمشرق ويصف زهده ويقول: ربما كنت أمشي معه في أزقَّة قرطبة، فإذا نظر في موضع خال إلى ضعيف محتاج أعطاه أحد ثوبيه، توفي سنة ست وسبعين ومئتين. [السير للذهبي (13/ 285 - 269)].
(2)
سير أعلام النبلاء للذهبي 13/ 289 - 290.