الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سيفرج عنه سريعًا
عن سلمة بن زياد قال: كان عمر بن هبيرة (1) واليًا على العراق، ولَّاه يزيد بن عبد الملك (2) فلما مات يزيد واستُخلف هشام (3) قال عمر بن هبيرة: يولي هشام العراق أحد الرجلين: سعيدًا الحرشي (4) أو خالد بن عبد الله القسري (5)، فإن ولَّى ابن
(1) عمر بن هبيرة بن معاوية بن سكين: الأمير أبو المثنى الفزاري الشامي أمير العراقين ووالد أميرها يزيد، كان ينوب ليزيد بن عبد الملك فعزله هشام، وقد ولي غزو البحر نوبة قسطنطينية وجمعت له العراق، ثم عزل بخالد القسري فقيده، وألبسه عباءة وسجنه، فتحيلوا غلمانه ونقَّبوا سربًا أخرجوه منه، فهرب واستجار بالأمير مسلمة بن عبد الملك، فأجاره، ثم لم يلبث أن مات سنة سبع ومئة تقريبًا. [السير للذهبي 4/ 562].
(2)
يزيد بن عبد الملك بن مروان: استخلف بعهد عقده له أخوه سليمان بعد عمر بن عبد العزيز، وأمه هي عاتكة بنت يزيد بن معاوية، ولد سنة إحدى وسبعين، قال ابن جابر: أقبل يزيد بن عبد الملك إلى مجلس مكحول فهممنا أن نوسع له فقال: دعوه يتعلم التواضع. مات سنة خمس ومئة [السير للذهبي 5/ 150 - 152].
(3)
هشام بن عبد الملك بن مروان الأموي: ولد بعد السبعين، اسُتخلف سنة خمس ومئة، إلى أن مات في ربيع الآخر وله أربعٌ وخمسون سنة، وكان حريصًا جماعًا للمال عاقلاً حازمًا سائسًا، فيه ظلم مع عدل، قال العيشي: قال هشام: ما بقي شيءٌ من لذات الدنيا إلا وقد نلته إلا شيئًا واحدًا: أخ أرفع مؤنة التحفظ منه. وعن حرملة: حدثنا الشافعي: قال: لما بنى هشام الرصافة بقنسرين أحب أن يخلو يومًا لا يأتيه فيه غم؛ فما تنصف النهار حتى أتته ريشة فيها دم من بعض الثغور فقال: ولا يوم واحد. [السير للذهبي 5/ 351 - 353].
(4)
سعيد بن عمرو بن الأسود الحرشي: قيل: كان صعلوكًا يسأل على الأبواب ثم صار سقاءً ثم صار جنديًا إلى أن ولي إمرة خراسان من قبل عمر بن هبيرة ثم عزله وسجنه، فلما ولي خالد القسري العراق أخرجه من السجن وأكرمه، فلما هرب ابن هبيرة من سجن خالد بن عبد الله نفذ سعيدًا هذا في طلبه فلم يدركه، فقدم سعيد على هشام بن عبد الملك فأمره على حرب الخزر فسار وبيتهم فقتل منهم عدد لا يحصر، ولم يؤرخوا وفاته. [تاريخ الإسلام للذهبي، حوادث 121هـ - 140هـ ص115].
(5)
خالد بن عبد الله القسري: أمير العراقين لهشام، وكان جوادًا عالي الرتبة من نبلاء الرجال، لكنه فيه نصب معروف، قال الأصمعي: أُخبرت أن القسري ذم زمزم وقال: يقال أن زمزم لا تنزح ولا تذم، بلى والله إنها تنزح وتذم، ولكن هذا أمير المؤمنين قد ساق لكم قناة بمكة. وعن عبد الرحمن بن محمد عن أبيه عن جده قال: شهدت خالدًا القسري في يوم أضحى يقول: ضحُّوا تقبل الله منكم؛ فإني مضح بالجعد بن درهم؛ زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً ولم يكلم موسى تكليمًا، تعالى الله عما يقول الجعد علوًّا كبيرًا، ثم نزل فذبحه. قلت - والكلام للذهبي: هذه من حسناته؛ هي وقتله مغيرة الكذاب. قتل القسري سنة ست وعشرين ومئة. [السير للذهبي 5/ 425 - 432].
النصرانية خالدًا فهو البلاء، فولَّى هشام خالدًا العراق، فدخل العراق وقد أوذن عمر بن هبيرة بالصلاة، وقد اعتم والمرآة في يده يسوي عمته إذ قيل له: هذا خالد قد دخل. فقال عمر بن هبيرة: هكذا تقوم الساعة؛ تأتي بغتةً، فقدم خالد فأخذ عمر بن هبيرة فقيده وألبسه مدرعة من صوف، فقال لخالد: بئس ما سننت على أهل العراق؛ أما تخاف أن يؤذن فيك بمثل هذا.
وعن بكر بن عياش قال: لما صنع خالد به ما صنع ذهب يتقلب وهو في الحديد، فتكشف، فكأنما ثمَّ صوفُه فقال:{لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87]. قال من حضره: ما أخلقه، سيفرج عنه سريعًا.
وقال سليمان بن زياد: فجاء موال لعمر بن هبيرة فاكتروا دارًا إلى جانب الحبس ثم نقبوا سربًا منها إلى الحبس واكتروا دارًا إلى جنب حائط
سور مدينة واسط، فلما كانت الليلة التي أراد أن يخرجوه فيها من الحبس أفضوا النقب إلى الحبس فخرج من الحبس في السرب، ثم خرج إلى الدار يمشي، حتى بلغ الدار التي إلى جانب حائط المدينة وقد نقب فيها، ثم خرج في السرب منها حتى خرج من المدينة، وقد هيئت له خيل خلف حائط المدينة فركب وعلم به بعدما أصبحوا، وقد كان أظهر علةً قبل ذلك لكي يمسكوا عن تفقده كل وقت، فأتبعه خالد سعيدًا الحرشي فلحقه وبينه وبينه الفرات، فتعصب له وتركه، وقال الفرزدق:
ولما رأيتَ الأرض قد سُدَّ ظهرُها
…
ولم يك إلا بطنها لك مخرجًا
دعوتَ الذي ناداه يونس بعدما
…
ثوى في ثلاث مظلمات ففرجا
خرجتَ فلم يمنن عليك شفاعة
…
سوى ربك البر اللطيف المفرِّجا
وأصبحت تحت الأرض قد سرت ليلة
…
وما سار سارٍ مثلها حين أدلجا
وعن خازم مولى عمر بن أبي هبيرة قال: كنت مع عمر بن هبيرة حيث هرب من السجن فبلغنا دمشق بعد عتمة، فأتى مسلمة بن عبد الملك (1)، فأجاره وأنزله معه في بيته، وصلى مسلمة بن
(1) مسلمة بن عبد الملك بن مروان الأموي: الأمير الضرغام قائد الجيوش، يلقب بالجرادة الصفراء، له مواقف مشهودة مع الروم وهو الذي غزا القسطنطينية، وكان ميمون النقيبة، وقد ولي العراق لأخيه يزيد ثم أرمينية، قلت - والكلام للذهبي: كان أولى بالخلافة من إخوته. [السير للذهبي 5/ 241 - 242].