الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ضمانه لتلفه بتقصيره. قال فى الإنصاف: على الصحيح من المذهب، وعليه جماهير الأصحاب،. والجائحة: ما لا صنع لآدمي فيها، فإن أتلفها آدمي فللمشتري الخيار بين الفسخ والرجوع بالثمن على البائع، وبين الإمساك، ومطالبة المتلف بالقيمة. قاله في الكافي وغيره.
باب السلم
مدخل
…
باب السلم
السلم: لغة أهل الحجاز، والسلف: لغة أهل العراق. سمي سلماً لتسليم رأس ماله في المجلس، وسلفاً لتقديمه، ويقال السلف للقرض. وهو جائز بالإجماع. قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه أن السلم جائز. وقال ابن عباس أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى قد أحله الله في كتابه، وأذن فيه، ثم قرأ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً
…
} الآية 1. رواه سعيد.
[ينعقد بكل ما بدل عليه] من سلم وسلف ونحوه.
[وبلفظ البيع] لأنه بيع إلى أجل بثمن حال.
[وشروطه سبعة] زائدة على شروط البيع.
[أحدها: انضباط صفات المسلم فيه: كالمكيل، والموزون، والمذروع] لقول عبد الله بن أبي أوفى، وعبد الرحمن بن أبزى: كنا نصيب المغانم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان يأتينا أنباط من أنباط الشام، فنسلفهم في الحنطة والشعير والزبيب. فقيل: أكان لهم زرع، أم لم يكن؟ قال: ما كنا نسألهم عن ذلك أخرجاه2. فثبت جواز السلم في ذلك بالخبر، وقسنا عليه ما يضبط بالصفة لأنه في معناه، قاله في الكافي.
1 البقرة من الآية/282.
2 أي البخاري ومسلم.
[والمعدود من الحيوان ولو آدمياً] لحديث أبي رافع استسلف النبي صلى الله عليه وسلم، من رجل بكراً رواه مسلم. وعن علي أنه باع جملاً له يدعى عصيفيراً بعشرين بعيراً إلى أجل معلوم رواه مالك والشافعي. قال ابن المنذر: وممن روينا عنه ذلك: ابن مسعود وابن عباس وابن عمر. ولأنه يثبت في الذمة صداقاً، فصح السلم فيه كالنبات. وعنه: لا يصح لأن الحيوان لا يمكن ضبطه، لأنه يختلف اختلافاً متبايناً مع ذكر أوصافه الظاهرة، فربما تساوى العبدان وأحدهما يساوي أمثال صاحبه، وإن استقصى صفاته كلها تعذر تسليمه. قاله في الكافي. وقال ابن عمر: إن من الربا أبواباً لا تخفى، وإن منها السلم في السن رواه الجوزجاني. ومن قال بالرواية الأولى، حمل حديث ابن عمرعلى أنهم يشترطون من ضراب فحل بني فلان. قال الشعبي: إنما كره ابن مسعود السلف في الحيوان، لأنهم اشترطوا إنتاج فحل بني فلان. فحل معلوم رواه سعيد.
[فلا يصح في المعدود من الفواكه] كرمان وخوخ ونحوهما، لاختلافها بالصغر والكبر. قال أحمد: لا أرى السلم إلا فيما يكال أو يوزن أو يوقف عليه، فأما الرمان والبيض، فلا أرى السلم فيه. ونقل ابن منصور جواز السلم في الفواكه والخضراوات، لأن كثيراً من ذلك يتقارب. قاله في الشرح.
[ولا فيما لا ينضبط كالبقول] لأنها تختلف ولا يمكن تقديرها بالحزم.
[والجلود] لاختلافها، ولا يمكن ذرعها، لاختلاف أطرافها.
[والرؤوس والأكارع] لأنه أكثرها العظام والمشافر1 ولحمها قليل، وليست موزونة.
[والبيض] لما تقدم.
[والأواني المختلفة رؤوساً وأوساطاً كالقماقم ونحوها] فإن لم تختلف رؤوسها وأوساطها صح السلم فها. ولا يصح في الجواهر واللؤلؤ والعقيق ونحوها، لأنها تختلف اختلافاً متبايناً صغراً وكبراً وحسن تدوير وزيادة ضوء وصفاء.
[الثاني: ذكر جنسه ونوعه بالصفات التي يختلف بها الثمن] كحداثته وجودته، وضدهما.
[ويجوز أن يأخذ دون ما وصف له، ومن غير نوعه من جنسه] لأن الحق له وقد رضي بدونه، ولأنهما كالشئ الواحد لتحريم التفاضل بينهما، ولا يلزمه ذلك، لأن العقد تناول ما وصفاه على شرطهما وإن كان من غير جنسه: كلحم بقرعن ضأن، وشعيرعن بر، لم يجز ولو رضيا، لحديث:"من أسلف في شئ فلا يصرفه إلى غيره" رواه أبو داود وابن ماجة. ولأنه بيع بخلاف غير نوعه من جنسه. وذكر ابن أبي موسى رواية: أنه يجوز أن يأخذ مكان البر شعيراً مثله.
[الثالث: معرفة قدره بمعياره الشرعي، فلا يصح في مكيل وزناً، ولا فى موزون كيلاً] نص عليه، لحديث "من أسلف في شئ فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم" متفق عليه. ونقل المروزي عن أحمد: أن السلم في اللبن يجوز إذا كان كيلاً، أو وزناً.
1 المشفر من البعير كالشفة للإنسان، جمعه مشافر.
وهذا يدل على إباحة السلم في المكيل وزناً، وفي الموزون كيلاً. اختاره الموفق والشارح وابن عبدوس في تذكرته، وجزم به في الوجيز والمنور ومنتخب الآدمي. قال في الشرح: وهو قول الشافعي وابن المنذر، وقال مالك: ذلك جائز إذا كان الناس يتبايعون التمر وزناً. وهذا الصحيح، ولأن الغرض معرفة قدره، ولا بد أن يكون المكيال معلوماً، فإن شرط مكيالاً بعينه، أو صنجة1 بعينها غير معلومة، لم يصح. قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن السلم في الطعام لا يجوز بقفيز لا يعلم معياره، ولا بثوب بذرع فلان، لأن المعيار لو تلف، أو مات فلان بطل السلم. انتهى.
[الرابع: أن يكون في الذمة] فإن أسلم في عين لم يصح لأنه ربما تلف قبل تسليمه، ولأنه يمكن بيعه في الحال، فلا حاجة إلى السلم فيه. قاله في الشرح.
[إلى أجل معلوم] للحديث السابق.
[له وقع في العادة، كشهر ونحوه] لأن الأجل إنما اعتبر ليتحقق الرفق الذي شرع من أجله السلم، ولا يحصل ذلك بالمدة التي لا وقع لها في الثمن، ولا يصح إلى الحصاد والجذاذ وقدوم الحاج ونحوه، لأنه يختلف فلم يكن معلوماً. وعن ابن عباس قال: لا تبايعوا إلى الحصاد والدياس، ولا تتبايعوا إلا إلى أجل معلوم أي: إلى شهر معلوم. وعنه أنه قال: أرجو أن لا يكون به بأس، وبه قال مالك. وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يبايع إلى العطاء ولا يصح أن
1 الصنجة: الميزان، وهي من الكلمات المعربة.
يسلم في شئ يأخذ كل يوم جزءاً معلوماً، سواء بين ثمن كل قسط أو لا، لدعاء الحاجة إليه. ومتى قبض البعض، وتعذر الباقي رجع بقسطه من الثمن، ولا يجعل للمقبوض فضلاً على الباقي، لأنه مبيع واحد متماثل الأجزاء، فقسط الثمن على أجزائه بالسوية، كما لو اتفق أجله. وإذا جاء بالسلم قبل محله، ولا ضرر فيه قبضه، وإلا فلا. فإن امتنع رفع الأمر إلى الحاكم ليأخذه، لما روى الأثرم أن أنساً كاتب عبداً له على مال إلى أجل، فجاءه به قبل الأجل، فأبى أن يأخذه، فأتى عمر بن الخطاب فأخذه منه، وقال: اذهب فقد عتقت وروى سعيد في سننه نحوه عن عمر، وعثمان جميعاً، ولأنه زاده خيراً. قاله في الكافي.
[الخامس: أن يكون مما يوجد غالباً عند حلول الأجل] لوجوب تسليمه إذاً، لأن القدرة على التسليم شرط، فلو أسلم في العنب إلى شباط لم يصح، لأنه لا يوجد فيه إلا نادراً، وكبيع الآبق بل أولى، ولا يشترط وجوده حال العقد لأنه صلى الله عليه وسلم، قدم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين والثلاث، فقال:"من أسلم في شئ فليسلم في كيل معلوم، ووزن معلوم إلى أجل معلوم" أخرجاه. ولو كان الوجود شرطاً لذكره، ولنهاهم عن سلف سنين، لأنه يلزم منه انقطاع المسلم فيه أوسط السنة، قاله في الشرح. ولا يصح السلم في ثمرة بستان بعينه. قال ابن المنذر: هو كالإجماع من أهل العلم، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أسلف إليه رجل من اليهود دنانير في تمر مسمى، فقال اليهودي: من تمر حائط بني فلان. فقال النبي
صلى الله عليه وسلم: "أما من حائط بني فلان فلا، ولكن كيل مسمًى إلى أجل مسمًى" رواه ابن ماجه وغيره، ورواه الجوزجاني في المترجم، وابن المنذر، ولأنه لا يؤمن تلفه فلم يصح.
[السادس: معرفة قدر رأس مال السلم وانضباطه] لأنه لا يؤمن فسخ السلم لتأخر المعقود عليه - كما يأتي - فوجب معرفة رأس ماله، ليرد بدله كالقرض، والشركة فعلى هذا: لا يجوز أن يكون رأس المال إلا ما يجوز أن يكون مسلماً فيه، لأنه يعتبر ضبط صفاته، فأشبه المسلم فيه. قاله في الكافي.
[فلا تكفي مشاهدته] كما لو عقداه بصبرة لا يعلمان قدرها ووصفها.
[ولا يصح بما لا ينضبط] كجوهر ونحوه، لما تقدم.
[السابع: أن يقبضه قبل التفرق من مجلس العقد] تفرقاً يبطل خيار المجلس، لئلا يصير بيع دين بدين، لحديث ابن عمر مرفوعاً:"نهى عن بيع الكالئ بالكالئ" رواه الدارقطني. واستنبطه الشافعي من قوله صلى الله عليه وسلم: "من أسلف في شئ فليسلف" أي: فليعط. قال: لأنه لا يقع إسم السلف فيه حتى يعطيه ما أسلفه قبل أن يفارقه. وإن كان له في ذمة رجل ديناً فجعله سلماً في طعام إلى أجل لم يصح. قال ابن المنذر: أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم، وروي عن ابن عمر أنه قال: لا يصح ذلك قاله في الشرح.
[ولا يشترط ذكر مكان الوفاء] لأنه لم يذكر في الحديث، وكباقي البيوع.
[لأنه يجب مكان العقد] لأن مقتضى العقد التسليم في مكانه.
[مالم يعقد1 ببرية ونحوها] كسفينة ودار حرب.
[فيشترط] ذكره، لأنه لا يمكن التسليم في ذلك المكان، ولا قرينة، فوجب تعيينه بالقول والزمان. وإن أحضره قبل محله أو في غير مكان الوفاء، فاتفقا على أخذه جاز، وإن أعطاه عوضاً عن ذلك، أو نقصه من السلم لم يجز، لأنه بيع الأجل والمحل. قاله في الكافي.
[ولا يصح أخذ رهن أو كفيل بمسلم فيه] رويت كراهته عن علي وابن عباس وابن عمر، لأنه لا يمكن الاستيفاء من عين الرهن، ولا من ذمة الضامن، لقوله صلى الله عليه وسلم:"من أسلم في شئ فلا يصرفه إلى غيره" ونقل حنبل جوازه، وهو قول عطاء ومجاهد ومالك والشافعي، لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً
…
} إلى قوله: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ
…
} 2 وروي عن ابن عباس وابن عمر: أن المراد به السلم، واختاره جمع من الأصحاب، وحملوا قوله: لا يصرفه إلى غيره أي: لا يجعله رأس مال سلم آخر.
[وإن تعذر حصوله خير رب السلم بين صبر أو فسخ، ويرجع برأس ماله أو بدله إن تعذر] لحديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أسلف في شئ فلا يأخذ إلا ما أسلف فيه، أو رأس ماله" رواه الدارقطني. ولا يجوز بيع المسلم فيه قبل قبضه. بغير خلاف علمناه، لأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الطعام قبل قبضه، وعن ربح مالم يضمن صححه الترمذي. قاله في الشرح. وقال ابن
1 كانت في الأصل "يكن" وصححت من أصول المتن المخطوطة.
2 البقرة من الآية/282/283.