الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[وإن سأل غرماء من له مال لا يفي بدينه الحاكم الحجر عليه لزمه إجابتهم] لحديث كعب بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم، حجر على معاذ وباع ماله رواه الخلال وسعيد في سننه. ولأن فيه دفعاً للضرر عن الغرماء، فلزم ذلك لقضائهم.
[وسن إظهار حجر لفلس] وسفه ليعلم الناس بحالهما فلا يعاملوهما إلا على بصيرة، وإذا لم يف ماله بدينه: فهل يجبر على إجازة نفسه؟ فيه روايتان. إحداهما: يجبر. وهو قول عمر بن عبد العزيز وإسحاق، لما روي أن رجلاً قدم المدينة، وذكر أن وراءه مالاً، فداينه الناس، ولم يكن وراءه مال. فسماه النبي صلى الله عليه وسلم سرقاً وباعه بخمسة أبعرة رواه الدارقطني بنحوه. وفيه أربعة أبعرة، والحر لا يباع فعلم أنه باع منافعه. والثانية: لا يجبر، لما روى أبو سعيد أن رجلاً أصيب في ثمار ابتاعها، فكثر دينه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"تصدقوا عليه". فتصدقوا عليه، فلم يبلغ ذلك وفاء دينه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"خذوا ما وجدتم، وليس لًكم إلا ذلك" رواه مسلم.
فصل في فائدة الحجر
[وفائدة الحجر أحكام أربعة.]1.
[الأول: تعليق حق الغرماء بالمال] لأنه يباع في ديونهم فكانت حقوقهم متعلقة به كالرهن.
[فلا يصح تصرفه فيه بشئ] كبيعه وهبته ووقفه ونحوها، لأنه حجر ثبت بالحكم فمنع تصرفه، كالحجر للسفه.
1 إن لفظة، أربعة. لم تكن في متن الأصل، ولوجودها في بعض مخطوطات المتن ذكرناها هنا.
[ولو بالعتق] فلا ينفذ لأن حق الغرماء تعلق بماله فمنع صحة عتقه. قال في الشرح: وبه قال مالك والشافعي، وهذا أصح إن شاء الله. انتهى. وعنه: يصح عتقه لأنه عتق من مالك رشيد صحيح، أشبه عتق الراهن.
[وإن تصرف في ذمته بشراء أو إقرار صح] لأنه أهل للتصرف، والحجر إنما تعلق بماله دون ذمته.
[وطولب به بعد فك الحجر عنه] لأنه حق عليه وإنما منعنا تعلقه بماله لحق الغرماء السابق على ذلك، فإذا استوفوه فقد زال المعارض.
[الثاني: أن من وجد عين ما باعه أو أقرضه فهو أحق بها] روي ذلك عن عثمان وعلي، وبه قال مالك والشافعي وابن المنذر، لقوله صلى الله عليه وسلم:"من أدرك ماله بعينه عند رجل قد أفلس، أو إنسان قد أفلس، فهو أحق به من غيره" رواه الجماعة.
[بشرط كونه لا يعلم بالحجر] هذا شرط لمن فعل ما ذكر بعد الحجر.
[وأن يكون المفلس حياً، وأن يكون عوض العين كله باقياً في ذمته]
لقوله صلى الله عليه وسلم: "أيما رجل باع متاعاً فأفلس الذي ابتاعه، ولم يقبض الذي باعه من ثمنه شيئاً، فوجد متاعه بعينه فهو أحق به، وإن مًات المشتري فصاحب المتاع أسوة الغرًمًاء" رواه مالك وأبو داود. وهو مرسل، وقد أسنده أبو داود من وجه ضعيف. وفي حديث أبي هريرة:"أيما رجل أفلس فوجد رجل عنده ماله، ولم يكن اقتضى من ماله شيئاً، فهو له" رواه أحمد. وفي لفظ أبى داود: "فإن كان قبض من ثمنها شيئاً فهو أسوة الغرماء".
[وأن تكون كلها في ملكه] لم يتعلق بها حق الغير، فإن رهنها لم يملك الرجوع، لقوله عند رجل قد أفلس، وهذا لم يجده عنده، وهذا لا نعلم فيه خلافاً. قاله في الشرح.
[وأن تكون بحالها] لم يتلف منها شئ. وبه قال إسحاق، لقوله صلى الله عليه وسلم:"من أدرك متاعه بعينه" وهذا لم يجده بعينه.
[ولم تتغير صفتها بما يزيل اسمها] فإن طحن الحنطة، ونسج الغزل، وقطع الثوب قميصاً، لم يرجع لأنه لم يجده بعينه، لتغير اسمه وصفته. قال في الشرح: وللشافعي فيه قولان. أحدهما - به أقول -: يأخذ عين ماله، ويعطى قيمة عمل المفلس. انتهى.
[وليم تزد زيادة متصلة] كالسمن والكبر، فإن وجد ذلك منع الرجوع. ذكره الخرقي. وعنه: له الرجوع للخبر. وهو مذهب مالك. إلا أنه يخير الغرماء بين أن يعطوه السلعة أو ثمنها الذي باعها به، فأما الزيادة المنفصلة والنقص بهزال، فلا تمنع الرجوع. قال في المغني: بغير خلاف بين أصحابنا، لأنه يمكن الرجوع في العين دون زيادتها، والزيادة للمفلس فى ظاهر المذهب. نص عليه في رواية حنبل، لحديث:"الخراج بالضمان" وهذا يدل على أن النماء والغلة للمشتري لكون الضمان عليه.
[ولم تختلط بغير متميز] فإن اشترى زيتاً وخلطه بزيت آخر سقط الرجوع، لأنه لم يجد عين ماله، وإنما يأخذ عوضه كالثمن.
[ولم يتعلق بها حق للغير] فإن خرجت عن ملكه ببيع أوغيره لم يرجع لأنه لم يجدها عنده.
[فمتى وجد شئ من ذلك امتنع الرجوع] لما تقدم.
[الثالث: يلزم الحاكم قسم ماله الذى من جنس الدين، وبيع ما ليس من جنسه، ويقسمه على الغرماء بقدر ديونهم] لأن فيه تسوية بينهم، لما ذكرنا من حديث معاذ وفعل عمر، ولأن ذلك هو جل المقصود بالحجر الذي طلبه الغرماء أو بعضهم. ويستحب إحضار المفلس والغرماء لأنه أطيب لقلوبهم وأبعد من التهمة.
[ولا يلزمهم بيان أن لا غريم سواهم، ثم إن ظهر رب دين حال رجع على كل غريم بقسطه] لأنه لو كان حاضراً قاسمهم، فكذا إذا ظهر. وأما الدين المؤجل فلا يحل بالفلس. قال القاضي: رواية واحدة، لأن التأجيل حق له، فلم يبطل بفلسه كسائر حقوقه، فعليها يختص أصحاب الديون الحالة بماله دونه، لأنه لا يستحق استًيفاء حقه قبل أجله، وإن حل دينه قبل القسمة شاركهم لمساواته إياهم في استيفائه. وقال أبو الخطاب: فيه رواية أخرى: أنه يحل بفلسه، لأن الفلس معنى يوجب تعلق الدين بماله، فأسقط الأجل كالموت.
[ويجب أن يترك له ما يحتاجه من مسكن] فلا تباع داره التي لا غنى له عنها. وبه قال إسحاق، وقال مالك: تباع ويكترى له بدلها. اختاره ابن المنذر، لقوله صلى الله عليه وسلم:"خذوا ما وجدتم".
[خادم] صالح لمثله، لأن ذلك مما لا غنى له عنه، فلم يبع في دينه ككتابه.
[وما يتجر به] إن كان تاجراً.