الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حنين
(لعله الشرائع في الوقت الحالي):
واد عميق غير منتظم به أحراج من شجر النخيل، وهو على مسيرة يوم من مكة على طريق من الطرق الممتدة إلى الطائف. وقد شهد من هذا الوادي الوقعة الشهيرة التي حدثت بعد فتح مكة وهي ثاني وقعة تذكر بالاسم في القرآن (سورة التوبة الآية 25 - 26)، ذلك أن قبائل هوازن المتحالفة لم تشأ التمهل انتظارًا لما يسفر عنه هذا النضال الأخير فحشدت جميع ما لديها من الجند، وعسكرت في الدروب المشرفة على سهل حنين. وعمد مالك بن عوف قائدهم إلى جلب أسر المحاربين وقطعانهم إلى هناك اعتقادًا منه بأن ذلك يثبت من أقدام جنده فلا يمكن قهرهم.
ويوحى لنا القرآن بجملة ملاحظات عن سير هذه الوقعة. قهو ينبئنا بأن المسلمين هزموا في أول المعركة على الرغم من كثرة عددهم، ولم يسلم جيش النبي [صلى الله عليه وسلم] إلا بعد أن أنزل الله جنودًا من عنده لم ترها العين. وقد خرج كل مؤلف من ذلك برواية تصف هاتين المرحلتين من مراحل المعركة ولم يفته أن يشيد بشجاعة أفراد قبيلته أو أشخاص كان لهم شأن خاص في صدر الإسلام، أما فيما عدا ذلك فإن الروايات تتضارب ويسودها الاضطراب، وهي تدلنا على أن كتاب السيرة النبوية في طورها المتقدم قد لاقوا صعابًا كثيرة في استعادة تطور الحركات التي وقعت في هذه المعركة، ويدخل الطريق بعد أن يغادر واحة حنين الضيقة في ثنيات متعرجة صالحة لأن تكون مكامن ومخابئ.
ومن ثم كمن مالك بن عوف في هذه الدروب انتظارًا لمقدم المسلمين. وأقبل هؤلاء في غير نظام دون أن يتوقعوا مباغتة العدو لهم فدهمتهم خيالة البدو بهجوم مفاجئ وانهالت عليهم السهام من كل ناحية فولى جنود النبي [صلى الله عليه وسلم] مدبرين {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} (سورة التوبة. الآية 25) وتركوا النبي [صلى الله عليه وسلم] وحده فترة من الزمن فأحاط به
خطر داهم. وتجد كتب السيرة غضاضة في التعليق على هذا التخلى عن النبي [صلى الله عليه وسلم] وهي تلقى تبعة ذلك على البدو المتحالفين من قبيلة سُليم وعلى الطلقاء من أهل مكة الذين كان الإسلام لم يتغلغل في قلوبهم. وتختلف الروايات في وصف المعركة باختلاف أسانيدها، فالقرشية تنسب الفضل في ثبات من ثبت من المسلمين إلى المهاجرين، أما الأنصارية فتنسب هذا إلى الأنصار. وكذلك لم تكن الروايات المتأثرة ببلاط الخليفة في بغداد أقل تحمسًا من الأولى للهاشميين. وقد حاول بعض المؤلفين المساس بسمعة أبي بكر وعمر اللذين وليا الخلافة بعد ذلك.
وقد كان النصر حليف المسلمين آخر الأمر، وشاهد ذلك ما جاء في القرآن وما كان من أمر تقدم النبي [صلى الله عليه وسلم] لمحاصرة الطائف، ذلك أن الطريق إلى هذه المدينة كان قد عبد، ولكن كيف تم لجند المسلمين الغلبة والنصر؟ ذلك ما يحدثنا عنه القرآن:"ثم أنزَلَ الله سكينَتَهُ على رَسُوِلِه وعلى المؤمنينَ وأَنزل جنودًا لم تروهَا وعَذَبَّ الذَين كَفَرُوا وذَلكَ جزاء الكافرين". سورة التوبة الآيه (26) وقد كان خالد ابن الوليد قائد الفرسان من المسلمين القلائل الذين جرحوا في ذلك اليوم، ولا شك أنه كان يخاطر بحياته، ومن ثم يدعونا واجب الإنصاف إلى أن ننسب إليه الفضل في انتصار المسلمين، وكذلك ينسب الرواة من أهل المدينة هذا الفضل إلى الأنصار. ولم تكن حنين معركة بالمعنى الحقيقي للكلمة بل كانت هزيمتين منكرتين أصابت الأولى المسلمين ونزلت الثانية بالبدو من هوازن، وهذا يفسر لنا السبب في كثرة الأسرى، فقد جاء في الروايات أن عدد الأسرى بلغ نحوًا من ستة آلاف امرأة وطفل، علاوة على خسائر المسلمين التي لا يؤبه لها والتي بلغت نحو اثنى عشر قتيلًا. أما الغنائم التي غنمها المسلمون فهائلة، فهي تربى على 24 ألف جمل. وقد اعتصم البدو الهاربون وراء أسوار الطائف.
المصادر:
(1)
معجم ياقوت، الطبعة المصرية، جـ 3، ص 354.