الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعروف. أما عن كلمة حي فإن من الطبيعى فيما يبدو أن نسلكها في سلسلة هذه الاشتقاقات، ملاحظين أن الجذر "حي" الذي يتمثل بوضوح في "حيوان" وفي الهجاء القرآني "حيـ (و) اة" أي الحياة إنما اتخذ هذا المعنى المجرد وهو "الخجل والاحتشام" ومع ذلك فإن الجذر العبرى المرادف وهو "حياه" لا يدل إلا على معنى واحد هو "يحيا"، ولكن اسم "حواء" أم البشر وهو "حواه" الذي يفسره سفر التكوين (الإصحاح الثالث، الآية 20) بصيغة قال بها بيل Piel تدل على "واهب الحياة" يمكن أن تمثل البداية المحسوسة لهذا الاشتقاق المعنوى نفسه.
وتدل كلمة حي في بعض اللهجات الحديثة على حي في مدينة أو محلة، كما تدل بصفة أدق على حي يسكنه أناس من عنصر عرقى أو قبلى واحد.
المصادر:
(1)
marriage in ancient Arabia Kinship and: Robertson Smith: ، سنة 1885.
(2)
Noeldeke: استعراض لما سبق في مجلة Zeitschr. der Morgen. Gessles، عدد 40، سنة 1886 ،ص 176.
(3)
Le propleme du J. Henninger totemisme chez Les Arabes apres quatre- Vingts ans de Recherches في أعمال المؤتمر الدولى السادس للاجتماع وعلم الإنسان والسلالات، باريس سنة 1964، جـ 2، ص 401 - 404.
(4)
المؤلف نفسه L، Antica societa La so- ciete bedouine ancienne في beduina (جامعة رومة، الدراسات السامية)، رومة سنة 1959، ص 69 - 93.
(5)
Bible du Centenaire باريس So ciete Biblique سنة 1941، جـ 1، ص 4، تعليق ف.
خورشيد [له سرف J. Lecert]
حي بن يقظان
اسم الشخصية الأولى في قصتين رمزيتين فلسفيتين إحداهما لابن سينا وهي "حي بن يقظان"، والأخرى لابن طفيل وهي "رسالة حي بن يقظان في
أسرار الحكمة المشرقية" "بضم الميم" (حسب نطق كوتييه L. Gauthier، ويرى حورانى Hourani أنها المشرقية بفتح الميم). وحتى نهاية القرن التاسع عشر، كانت قصة ابن طفيل أكثر شهرة بكثير من قصة ابن سينا الموجزة التي لم تكن محتوياتها معروفة بله عنوانها، وقد أدى تشابه العنوانين إلى القول بأن بينهما صلة وثيقة في الفكر، وقيل أحيانا إن إحداهما كانت ترجمة للأخرى. ويترجم مهرن (- Traites mys tiques: Mehren، جـ 1، ص 7 - 8) العنوان الذي أطلق سنة 1299 هـ (1882 م) على الرسالة المطبوعة في
إستانبول Traite Hayy ben yagzan sur la philosophie orientate، que L'Imam Abou Djafar ben Thofeil a tire des ouurages precieux du grand matitre Abou Ali ben sind وورد بالصفحة الأخيرة تعليق: ينسب فيه ابن خلكان هذه الرسالة إلى ابن سينا، "ولعله كتبها بالفارسية، ولذلك قد يكون بين أيدينا ترجمة عربية لها، قام بها ابن طفيل". وكان ده خويه De Goeje، في ليدن، أول من لاحظ حين بحث مخطوطة للرسالة، أن رسالة ابن سينا كانت في الحق مكتوبة بالعربية، وأن العنوان هو كل ما تشترك فيه مع الرسالة الأخرى. وليس ثمة شك الآن في أصالتها، وهي تظهر في جميع قوائم الكتب، ولكن متنها لم يثبت وينشر إلا بعد قرنين من نشر رسالة ابن طفيل.
1 -
قصة حي بن يقظان لابن سينا، كتبها وهو سجين بقلعة فردجان سنة 414 هـ (1023 م) فيما يرجح لأن سجنه ربما يكون قد حدث فيما بين سنة 412 هـ الموافقة لسنة 1023 - 1024 م (حين خلف الأمير البويهي شمس الدولة أباه في الحكم وكان ابن سينا عند وفاته مازال يعمل طبيبًا له)، وسنة 414 هـ الموافقة 1023 - 1024 م (حين استولى علاء الدولة علي مدينة همدان، وكان ابن سينا وزيره). ويذكر الجوزجانى قصة حي بن يقظان في ترجمته لنفسه ولغيره، تلك الترجمة التي يتردد ذكرها في جميع الإشارات العربية. وكانت قصة ابن سينا، مصدر
إلهام للقصة الشعرية الرمزية المسماة "حي بن مقيص" للكاتب الأسبانى العبرانى إبراهام ابن عزره (سنة 1092 - 1176).
طبعات محققة:
1 -
Traites mystiques: Mehren جـ 1، سنة 1889 ، وقد صدر المتن بما يشبه أن يكون ملخصا بالنثر، ولا يعد ترجمة له، ودخلت فيه مختارات من الشرح الذي كتبه بالعربية ابن زيله، أحد تلاميذ ابن سينا.
Corbin -2 - ، سنة 1952، وترجمته لا تلتزم بالنص العربي كل الالتزام، وتضع في حسبانها الترجمة الفارسية، بل الشرح الفارسي نفسه، وتصاحب النص هذه الترجمة الفارسية والشرح الفارسي، وهما مطبوعان بالكامل؛ وقد كتبا تلبية لرغبة الأمير علاء الدولة في السنوات الخمس التالية لوفاة ابن سينا كتبها كاتب مجهول يحتمل أن يكون الجوزجانى) Avicenne et Le rec- Corbin it visionnair، جـ 2، ص 151). وقد أضفى تقسيم الشارح الفارسي للرسالة فصولا قدرا عظيمًا من الوضوح على النص الذي هو في ذاته شديد الصعوبة، ولا تحاول الترجمة الفرنسية أن تنقل النص نقلا أمينا أو كاملا، زد على ذلك أن التعليقات المستفيضة المصاحبة لها، والدراسة الخاصة بآثار ابن سينا (- Etude sur le cy cle des Recits avicenniens) تقرر أن شرحها يقوم على تبسيطها كلها تقريبا بالاعتماد على مأثورات إيرانية وغنوصية، كما يقوم في حالات كثيرة على مأثورات ترجع إلى تاريخ متأخر كثيرا عن زمن ابن سينا. وعلى أية حال فقد كتب السهروردى أنه لم ير أية إشارات إلى هذه المأثورات في رسالة حي بن يقظان، وأن ابن سينا لم تكن له أية دراية بالمصادر الفارسية القديمة (Le Recit d. initiation et L.hermetis-: Corbin ، me en Iran، في Eranos Jahrbuch، العدد 17، ص 124، ص 135، Cycle des Recits avicenniens ص 48 - 49).
ومن الواضح أن مهرن Mehren لم يفهم قصة حي بن يقظان، فقد حكم بأنها مكتوبة في "أسلوب غامض، لغة بيانية معقدة"، وبها "مصطلحات ممعنة
في الصوفية" يغيب فيها المعنى، والواقع أن الشرح يكاد لا يحمل أي معنى"، ولا يسوق أية إشارة إلى المصادر التي تتكشف للقارئ اللبيب. وكان افتقار مهرن إلى الدراية بالمذهب المشروح في آثار ابن سينا العمدة، عقبة لا يمكنه هو نفسه التغلب عليها.
وعلى أية حال، فإن قصة حي بن يقظان، تزود القارئ الذي ألف ابن سينا، بذخيرة لأصداء موضوعات تم بحثها بالفعل إلى حد أن الترجمة الفرنسية التي نشرتها الآنسة ا. م. كواشون A.M. Goichon سنة 1959، قد زودت بشرح متصل منقول عن هذه الكتب نفسها التي كتبت في الفلسفة والطب، ولذلك فإنها تأخذ بنصيحة الشارح الفارسي. والحق أن الشارح الفارسي اختتم شرحه بهذه الكلمات:"لا مناص من أن ندرك أن بيانا بسيطا قد أدلى به هنا عن كل مسألة من المسائل المبحوثة في هذه الرسالة. ويمكن أن نجد لهذه المسائل عرضا كاملا في الكتب العمدة. والرئيس ابن سينا قد تناولها هو نفسه. ."(متبعة ترجمة Corbin).
ومع الالتزام الدقيق قدر الإمكان بالنص العربي فإن هذه الترجمة الجديدة قد ضبطت بمقارنة جميع الأفكار الواردة في النص، عبارة عبارة بل كلمة كلمة في كثير من الأحوال، بالفقرات التي تضمنتها الكتب العمدة لابن سينا، مما خطر منها بالبال. ويتيح هذا المنهج أن يحظى معنى قصة حي ابن يقظان بتقدير كامل من حيث الحكم العام، ومن حيث التفصيلات. وقد نظر إليها حينذاك نظرة تقوم على أنها قصة شعرية تنسب من حيث القالب إلى قصيدة ابن سينا الشهيرة في النفس، وأنها قامت كذلك على مذهب فلسفي، ويبقى وراء الخيال البديعى المجلوة فيه فكر محكم غاية الإحكام.
وهذا المعنى الفلسفي أكده البحث في المصادر التي نتبينها في آثار أرسطو، وأفلاطون، وفر فريوس، وجالينوس، وبطليموس، والفارابى، وفي القرآن الكريم، وفي الأساطير الشعبية السامية والإيرانية، وعند الجغرافيين العرب. ولكن فصولا بعينها يظهر فيها بخاصة أثر ابن سينا، وبالتحديد أكثر
ثلاثة فصول حسنا وهي التي تختتم بها قصة حي بن يقظان.
ويمكن من ثم استيعاب وحدة القصة: إنها هي نظرية الصور التي قال بها ابن سينا. وكذلك هي ثمرة العقل الفعال الذي هو منتهي العقول الخالصة، والصور المادية هي قوام العالم الأرضى، أما الصور العقلية فهي التي تتيح معرفة الكون معرفة تختص بها نفس الإنسان الناطقة، وبها يستطيع أن ينفذ إلى ما وراء ما تحصله الحواس. ومع أن الصور المادية للأجرام السماوية، وصور العقول الخالصة تسمو فوق العقل الفعال، والعالم الدنيوى، فإنه من المستطاع معرفتها. ومن ثم فقد وجدنا أن الغاية من قصة حي بن يقظان هي أن تحمل في طياتها نظرية ابن سينا في المعرفة في أسمى درجاتها، أي معرفة العلة الأولى وواجب الوجود.
ومن ثم، يسهل تبين مرمى الاسم الذي أطلق على القصة، ذلك أن حي بن يقظان اسم علم للعقل الفعال "حي"، ولما كان ابن سينا يضع كمال الحياة في العقل والفعل فقال:"ابن يقظان" لأن اليقظة تنبعث من العقل الخالص الذي لا يعرف النوم أو الغفلة. ويرتبط هذا الاسم ارتباطا وثيقا بنظرية الفيض الخلاقة التي قال بها الفارابى وابن سينا. والعقل الفعال هو أيضا الذي يتوسل بالمعرفة التي تسمو فوق العالم المحسوس، إلى هداية النفس إلى العلة الأولى والخالق الذي يشرق بنوره علي جميع الكائنات.
وفيما يأتي نص القصة (1):
بسم الله الرحمن الرحيم
وما توفيقى إلا بالله وإليه أنيب، وبعد فإن إصراركم معشر إخوانى على اقتضاء شرح قصة حي بن يقظان هزم لجاجى في الامتناع وحل عقد عزمى في المماطلة والدفاع فانقدت لمساعدتكم وبالله التوفيق.
(1) آثرنا ان ننقل قصة حي بن يقظان بنصها من كتاب "حي بن يقظان" لابن سينا، وابن طفيل، والسهروردى. تحقيق وتعليق أحمد أمين، لجنة التأليف والترجمة والنشر. القاهرة سنة 1958.
إنه قد تيسرت لى حين مقامى (1) ببلادى (برزة)، برفقائى إلى بعض المتنزهات (2) المكتنفة تلك البقعة، فبينا نحن نتطاوف إذ عن لنا شيخ بهي قد أوغل في السن وأخنت عليه السنون وهو في طراءة العز (3) لم يهن منه عظم ولا تضعضع له ركن وما عليه من المشيب إلا رواء من يشيب -فنزعت إلى مخاطبته وانبعثت من ذات نفسى لمداخلته ومجاورته (4)، فملت (5) برفقائى إليه فلما دنونا منه بدأنا هو بالتحية والسلام وافتر عن لهجة مقبولة، وتنازعنا الحديث حتى أفضى بنا إلى مساءلته عن كنه أحواله واستعلامه سنه وصناعته بل اسمه ونسبه وبلده فقال أما اسمى ونسبى فحي بن يقظان، وأما بلدى فمدينة بيت المقدس، وأما حرفتى فالسياحة في أقطار العوالم حتى أحطت بها خبرًا ووجهي إلى أبي وهو حي، وقد عطوت منه مفاتيح العلوم كلها فهدانى الطريق السالكة إلى نواحى العالم حتى زويت بسياحتى آفاق الأقاليم، فما زلنا نطارحه المسائل في العلوم ونستفهمه غوامضها حتى تخلصنا إلى علم الفراسة، فرأيت من إصابته فيه ما قضيت له آخر العجب، وذلك أنه ابتداء لما انتهينا إلى خبرها فقال: "إن علم الفراسة لمن العلوم التي تنقد عائدتها نقدا فيعلن ما يسره كل من سجيته فيكون تبسطك إليه وتقلصك عنه بحسبه، وأن الفراسة لتدل منك على عفو من الخلائق ومنتقش من الطين وموات من الطبائع (6) وإذا مستك (7) يد الإصلاح
(1) حين مقامى بتلك البقعة، أي وقت إقامتى، وبلاده هي بدنه وأعضاؤه التي هي محل قواه ويريد ببرزه النهضة والتيقظ إلى أن وراء حيلة البدن والأعضاء حياة روحية أخرى.
(2)
المتنزهات: هي الأمور البعيدة عن الأحوال التي كان فيها من قبل ويريد بها المعقولات.
(3)
أي لم يغيره الزمن بل حاله ثابت دائم لا يتغير كما يتغير الجسم.
(4)
يلاحظ القارى أن تعبيراته تعبيرات أعجمية غامضة لا كما هو الشأن عند ابن طفيل، ومقاصد أي بواعث.
(5)
أي عرفت المناسبة التي بين العقل وبين الغرائز.
(6)
أشار بذلك إلى ما يحصل للإنسان بقوة علم الفراسة الذي يريد به علم المنطق من تمييز بين الصدق والكذب والحق والباطل، وإلي ما جبل عليه.
(7)
"وإذا مستك يد إلخ" أشار به إلى أنه مع ذلك مستعد للرذائل وأنه يصير إلى الفضائل أو الرذائل بمقتضى الدواعي من العادات والأفعال.
أتقنتك، وإن خرطك العار في سلك الذلة انخرطت وحولك هؤلاء الذين لا يبرحون عنك (1) إنهم لرفقة سوء ولن تكاد تسلم عنهم وسيفتنونك أو تكتنفك عصمة وافرة. وأما هذا الذي أمامك فباهت مهذار يلفق (2) الباطل تلفيقًا ويختلق الزور اختلاقًا ويأتيك بأنباء ما لم تزوده قد درن (3) حقها بالباطل وضرب صدقها بالكذب، على أنه هو عينك وطليعك ومن سبيله أن يأتيك بخبر ما غرب عن جنابك وعزب من مقامك وأنك لمبتلى بانتقاد حق ذلك من باطله والتقاط صدقه من زوره واستخلاص صوابه من غواشى خطئه، إذ لابد لك منه فربما أخذ التوفيق بيدك ورفعك عن محيط الضلالة وربما أوقفك التحير، وربما غرك شاهد الزور، وهذا الذي عن يمينك (4) أهوج، إذا انزعج هائجه لم يقمعه النصح ولم يطأطئه الرفق كأنه نار في حطب، أو سيل في صبب أو قرم مغتلم أو سبع ثائر، وهذا الذي عن يسارك فقذر (5) شره قرم شبق لا يملأ بطنه إلا التراب، ولا يسد غرثه إلا الرغام، لعقة لحسة طمعة حرصة كأنه خنزير أجيع ثم أرسل في الجلة، ولقد ألصقت يا مسكين بهؤلاء إلصاقا لا يبريك عنهم إلا غربة تأخذك إلى بلاد لم يطأها أمثالهم (6) وإذ لات حين تلك الغربة ولا محيص لك عنهم فلتطلهم يدك وليغلبهم سلطانك، وإياك أن تقبضهم زمامك أو تسهل لهم قيادك بل استظهر عليهم بحسن الإبالة وسمهم سوم الاعتدال فإنك إن متنت لهم سخرتهم ولم يسخروك، وركبتهم ولم يركبوك، ومن توافق حيلك فيهم أن نتسلط بهذا الشكس الزعر على هذا
(1) أشار به إلى القوى البدائية التي لا تفارق القوة العقلية.
(2)
أشار به إلى قوة التخيل، وأشار بقوله "يلفق الباطل" إلى أن من طبيعة هذه القوى أنها دائما تحاول أن تشبه الشئ بالشئ من دون أن تكون علاقة قوية بينهم.
(3)
لعلها درًا.
(4)
إشارة إلى القوة الغضبية وأنها أقوى من القوة الشهوانية التي وصفها بأنها على اليسار.
(5)
الفاء زائدة لسوء التعبير.
(6)
أراد بذلك ما عليه قوته للعقلية من ملازمة هذه القوى الأخرى لها، وضرورة مجاورتها إياها ولا مخلص للعقل ولا منجى، مادام مع البدن.
الأرعن الهم تزبره زبرًا فتكسره كسرًا وأن تستدرج غلواء هذا التائه العسر بخلابة هذا الأرعن الملق فتخفضه خفضا، وأما هذا المموه (1) المتحرص فلا تحتج اليه أو يؤتيك موثقًا من الله غليظا، فهنالك صدقه تصديقا ولا تحجم عن إصاخة إليه لما ينهيه إليك، وإن خلط فإنك لن تعدم من أنبائه ما هو جدير باستثباته وتحققه به، فلما وصف لى هؤلاء الرفقة وجدت قبولى مبادرًا إلى تصديق ما قرفهم به فلما استأنفت في امتحانهم طريقة المعتبر صحح المختبر منهم الخبر عنهم، وأنا في مزاولتهم ومقاساتهم فتارة لى اليد عليها وتارة لها على، والله تعالى المستعان على حسن مجاورته هذه الرفقة إلى حين الفرقة - ثم إني استهديت (2) هذا الشيخ سبيل السياحة استهداء حريص عليها مشوق اليها، فقال إنك ومن هو بسبيلك من مثل سياحتى لمصدود وسبيله عليك وعليه لمسدود (3) أو يسعدك التفرد، وله موعد مضروب لن تسبقه فاقنع بسياحة مدخولة بإقامة تسيح حينا وتخالط هؤلاء حينًا، فمتى تجردت للسياحة بكنه نشاطك وافقتك وقطعتهم، وإذا حننت نحوهم انقلبت إليهم وقطعتنى حتى يأتي لك أن تتولى براءتك منهم. فرجع بنا الحديث إلى مساءلته عن إقليم إقليم مما أحاط بعلمه ووقف عليه خبره، فقال لى إن حدود الأرض ثلاثة -حد يحده الخافقان (4) وقد أدرك كنهه وترامت به الأخبار الجلية المتواترة والغريبة يجل ما يحتوى عليه، وحدان (5) غريبان- حد المغرب وحد قبل المشرق، ولكل واحد منهما صقع قد ضرب بينهما وبين عالم البشر حد محجوز لن يعدوه (6) إلا
(1) أشار به إلى الطريق الذي يجب أن يسلك في تدبير القوة المتخيلة للوصول إلى السلامة. وذلك كأن لا يثق بها كل الثقة. ويميز صدقها من كذبها، وباطلها من حقها.
(2)
استهديت. أي لما وجدت العقل على هذا الكمال، وأنه منبع العلوم والمعارف. حرصت على سلوك سبيله، واقتباس العلم منه. ففزعت إليه ليهديني السبيل السوى.
(3)
أراد استحالة التعقل الخالص من شوب التخيل والحس، ولا يزال هذا دأبه وديدنه إلى أن يدركه الموت وتفارق النفس البدن.
(4)
"حد يحده الخافقان" هو عالم المركبات المحسوسة في عالمى الأرض والسماء، وهي التي يحيط بها الخافقان.
(5)
الحدان هما الهيولى والصورة فالتى وراء المغرب الهيولى، والتى من قبل المشرق الصورة.
(6)
أي لكل من الهيولى والصورة كنه وحقيقة قد ضرب بينهما وبين عالم البشر بسور.
الخواص منهم المكتسبون منه لم يتأت للبشر بالفطرة (1) ومما يفيدها الاغتسال في عين خرارة في جوار عين الحيوان الراكدة إذا هدى إليها السايح فتطهر بها وشرب من فراتها سرت في جوارحه منة مبتدعة يقوى بها على قطع تلك المهام ولم يترسب في البحر المحيط ولم يكأده جبل قاف ولم تدهدهه الزبانية هدهة إلى الهاوية، فاستزدناه شرح هذه العين فقال سيكون قد بلغكم حال الظلمات المقيمة بناحية القطب فلا يستطيع عليها الشارق في كل سنة إلى أجل مسمى، إنه من خاضها ولم يحجم عنها أفضى إلى فضاء غير محدود قد شحن نورًا فيعرض له أول شئ عين خرارة تمد نهرًا على البرزخ (2) من اغتسل منها خف على الماء فلم يرجحن إلى الغرق وتقمم تلك الشواهق غير منصب حتى تتخلص (3) إلى أحد الحدين المنقطع عنهما، فاستخبرناه عن الحد الغربى لمصاقبة بلادنا إياه فقال إن بأقصى المغرب بحرا كبيرا حامئا قد سمى في الكتاب الإلهي عينا حامئة (4) وإن الشمس تغرب من تلقائها وممد هذا البحر من إقليم غامر فات التحديد رحبه لا عمار له إلا غرباء يطرؤون عليه والظلمة معتكفة على أديمه (5) وإنما ينمحل المهاجرون إليه لمعة (6) نور مهما جنحت الشمس للوجوب، وأرضه سبخة كلما أهلت بعمار نبت لهم فابتنى بها آخرون، يعمرون فينهار ويبنون فينهال، وقد أقام الشجار بين أهله بل القتال فأينما طائفة عزت استولت على عقر ديار الآخرين وفرضت عليهم الجلاء تبتغى قرارا، فلا يستخلص إلا خسارا (7) وهذا ديدنهم (8) لا يفترون،
(1) يريد علم المنطق.
(2)
أي يصير مددا للعقل الهيولانى المستعد للمعارف.
(3)
أي بلغ علم المنطق درجة بحيث يطلع على الحقائق من غير تعب ولا نصب.
(4)
أشار بها إلى الهيولى. وغروب الشمس فيها نصيب الصورة منها وملابستها إياها.
(5)
أي إنه من إقليم واسع مشتمل على أصناف من الكائنات من العناصر. والصورة طارئة عليها من موضع بعيد عن موطن الهيولى. إذ من حق الهيولى أن تكون بلا صورة فهناك تكون الظلمة مستولية. والصورة نور من واهبها. وبواسطتها تزول الظلمة عن الهيولى المجردة.
(6)
لمعة، أي أن الكائنات الفاسدة استحدث نورها من صورها المستفادة عند أفول الصورة في هيولاها.
(7)
أي إن هذه الأحوال طبيعية في هذه الكائنات الفاسدة
(8)
أي أغراض تلزمها السبب الهيولى.
وقد تطوق هذا الإقليم كل حيوان ونبات لكنها إذا استقرت به ورعته وشربت من مائه غشيته غواش غريبة من صورها (1) فترى الإنسان فيها قد جلله مسك بهيمة ونبت عليه أثيث من العشب، وكذلك حال كل جنس آخر، فهذا إقليم خراب سبخ مشحون بالفتن والهيج والخصام والهرج يستعير البهجة من مكان بعيد. وبين هذا الإقليم وإقليمكم أقاليم أخرى (2) لكن وراء هذا الإقليم مما يلى محط أركان السماء إقليم شبيه به في أمور (3) منها أنه صفصف غير آهل إلا من غرباء واغلين، ومنها أنه يسترق النور من شعب غريب وإن كان أقرب إلى كوة النور من المذكور قبله، ومن ذلك أنه مرسى قواعد السماويات كما أن الذي قبله مرسى قواعد هذه الأرض ومستقر لها، لكن العمارة في هذا الإقليم مستقرة لا مغاصبة بين ورادها للمحاط، ولكل أمة صقع محدود لا يظهر عليهم غيرهم (4) غلابا فأقرب معامره منا بقعة سكانها أمة صغار الجثث حثات الحركات ومدنها ثمان (5) مدن ويتلوها مملكة أهلها أصغر جثثا من هؤلاء وأثقل حركات يلهجون بالكتابة والنجوم والنيرنجات والطلمسات والصنائع الدقيقة والأعمال العميقة، مدنها (6) تسع ويتلوها وراءها مملكة أهلها متمتعون بالصباحة مولعون بالقصف والطرب مبرأون من الغموم لطاف لتعاطى المزاهر مستكثرون من ألوانها تقوم عليها امرأة قد طبعوا على الإحسان والخير فإذا ذكر الشر اشمأزوا عنه ومدنها ثمانى مدن (7) ويتلوها مملكة قد
(1) أي أن الصورة الإنسانية إذا حصلت في المادة اقترنت بها أعراض غريبة، ولا تختص بشكل دون شكل، ولا قدر دون قدر، ولا وضع دون وضع.
(2)
يريد بالأقاليم الأخرى الأنواع المعدنية والنباتية والحيوانية. وبإقليمكم النوع الإنسانى.
(3)
أراد بها الأجرام السماوية التي أقربها إلينا فلك القمر، وهو أولها. وآخرها الفلك التاسع. وفوقه إقليم آخر وهو علة العلل وهو الله تعالى. وطبيعته مباينة لطبيعة الكون والفساد.
(4)
أي صورها صور لا تفارقها ولا تتبدل بأضدادها، وهذا شأن عالم الكون والفساد.
(5)
أشار بذلك إلى فلك القمر. وعنى بسكانها القمر نفسه. ووصفه بصفر الجثة، إذ كان حجمه أصغر من حجم الأرض.
(6)
يشير به إلى فلك عطارد، ووصفه بالكتابة والنجوم والطلمسات إلخ على مذهب أصحاب النجوم. واعتقادهم دلالة عطارد على هذه الأمور.
(7)
أشار به إلى فلك الزهرى، ووصفه بهذه الأوصاف على مذهب أصحاب النجوم.
زيد لسكانها بسطة في الجسم وروعة في الحسن ومن خصالهم أن مفارقتهم من بعيد عزيزة الجدوى ومقاربتهم مؤذية ومدنها خمس مدن (1). ويتلوها مملكة تأوى إليها أمة يفسدون في الأرض حبب إليهم الفتك والسفك والاغتيال والمثل مع طرب ولهو يملكهم أشقر مغرى بالنكب والقتل والضرب وقد فتن كما يزعم رواة أخبارها بالملكة الحسنى المذكور أمرها قد شغفته حبًا. ومدنها سبع مدن (2) ويتلوها مملكة عظيمة أهلها غالون في العفة والعدالة والحكمة والتقوى وتجهيز جهاز الخير إلى كل قطر واعتقاد الشفقة على كل من دنا وبعد وبذل علم وجهل وقد جسم حظهم من الجمال والبهاء ومدنها سبع مدن (3) ويتلوها مملكة كبيرة يسكنها أمة غامضة الفكر مولعة بالشر فإن جنحت للإصلاح أتت نهاية التأكيد وإذا وقعت بطائفة لم تطرقها طروق متهور بل توختها بسيرة الداهي المنكر لا تعجل فيما تعمل ولا تعتمد غير الأناة فيما تأتي وتذر ومدنها سبع مدن (4) ويتلوها مملكة كبيرة منتزحة الأقطار (5) كثيرة العمار بقعة لا يتمدنون إنما قرارهم قاع صفصف مفصول بإثنى عشر حدًا فيها ثمانية وعشرون محطًا لا تعرج طبقة منهم إلى محط طبقة إلا إذا خلا من أمامهم عن دورهم فسارعته إلى خلافها (6) وإن أمم الممالك التي قبلها لتسافر إليها وتترد فيها، ويليها مملكة لم يدرك أفقها إلى هذا الزمان لا مدن فيها ولا كور ولا يأوى إليها من يدركه البصر (7) وعمارها الروحانيون
(1) يشير به إلى فلك الشمس، ووصف الشمس بأنها أوتيت بسطة في الجسم لأنها عظيمة المقدار دون غيرها.
(2)
ذلك فلك المريخ، وهذه الصفات صفاته كما يزعم المنجمون.
(3)
وذلك فلك المشترى.
(4)
وذلك فلك زحل.
(5)
أي فضاء واحد مستو غير منقسم إلى بقاع مختلفة.
(6)
أشار بهذا إلى منطقة هذا الفلك التي تسمى فلك البروج وقد قسموه إلى اثنى عشر قسما سمي كل قسم منها باسم، وهي الحمل والثور، والجوزاء والسرطان. والأسد والسنبلة. والميزان والعقرب، والقوس والجدى. والدلو والحوت. وجعلها محطا إذ كان مقدار سير كل منها بقدر لا يتعداه، وأبعاد ما بينها ثابتة لا تتغير "لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار".
(7)
أشار به إلى الفلك التاسع، ويقولون إنه لا يعرف مقداره، لخلوه من الكواكب.
من الملائكة لا ينزلها البشر ومنها ينزل على من يليها الأمر والقدر، وليس وراءها من الأرض معمور، فهذان الإقليمان بهما يتصل الأرضون والسماوات ذات اليسار من العالم التي هي المغرب، فإذا توجهت منها تلقاء المشرق رفع لك إقليم لا يعمره بشر بل ولا نجم ولا شجر ولا حجر، إنما هو بر رحب ويم غمر (1) ورياح محبوسة ونار مشبوبة، وتجوزه إلى إقليم تلقاءك فيه جبال راسية وأنهار ورياح مرسلة وغيوم هاطلة، وتجد فيها العقبان واللجين والجواهر الثمينة والوضيعة أجناسها وأنواعها، إلا أنه لا نابت فيه، ويؤديك عبوره إلى إقليم مشحون بما خلا ذكره إلى ما فيه من أصناف النبات نجمة وشجرة مثمرة وغير مثمرة محبة ومبرزة لا تجد فيه من يضئ ويقفز من الحيوان، وتتعداه إلى إقليم يجتمع لك ما سلف ذكره إلى أنواع الحيوانات العجم سابحها وزاحفها ودارجها ومدومها ومتولداتها، إلا أنه لا أنيس فيه وتخلص عنه إلى عالمكم هذا. وقد دللتم على ما يشتمله عيانًا وسماعًا فإذا قطعت سمت المشرق وجدت الشمس تطلع بين قرنى الشيطان، فإن للشيطان قرنين قرن يطير وقرن يسير (2) والأمة السيارة منها قبيلتان قبيلة في خلق السباع وقبيلة في خلق البهائم (3) وبينهما شجار قائم، وهما جميعا ذات اليسار من المشرق، وأما الشياطين التي تطير فإن نواحيها ذات اليمين من المشرق (4) لا تنحصر في جنس من الخلق بل يكاد يختص كل شخص منها بصيغة نادرة، فمنها خلق لمس في خلقين أو ثلاثة أو أربعة كإنسان يطير وأفعوان له رأس خنزير، ومنها خلق هو خداج من خلق مثل شخص هو نصف إنسان، وشخص هو
(1) يشير إلى الفلك العاشر الذي هو علة العلل وهو الذي له الأمر المطلق، وقدره ينزل إلى سائر الموجودات. ويشير بما يأتي إلى فناء الأجسام عنده لإخلاء ولإملاء، بل عنده تنقطع الأجسام، وسطحه ينتهي إلى لا شئ. وهذا النظام هو الذي كانت تجرى عليه فلسفة اليونان وفلسفة العصور الوسطى كلها.
(2)
أراد بالقرن الذي يطير القوى المدركة في الإنسان والقرن الذي يسير القوى المحركة له. وشبه الإدراك بالطيران لشدة حركته والوصول بها إلى الأشياء البعيدة وشبه المحركة بالسير لبطئها، والوصول بها إلى الأشياء القريبة.
(3)
يشير بهما إلى القوة الغضبية والقوة الشهوانية.
(4)
هذه هي القوة المتخيلة.
فرد رجل إنسان، وشخص هو كف إنسان أو غير ذلك من الحيوان. ولا يبعد أن يكون التماثيل المختلطة التي يرقمها المصورون منقولة من ذلك الإقليم، والذي يغلب (1) على أمر هذا الإقليم قد رتب سككا خمسا للبريد (2) جعلها أيضا مسالح لمملكته، فهناك يختطف من يستهوى من سكان هذا العالم ويستثبت الأخبار المنتهية منه، ويسلم من يستهوى إلى قيم على الخمسة مرصد بباب الإقليم ومعهم الأنباء في كتاب مطوى مختوم لا يطلع عليه القيم إنما له وعليه أن يوصل جميعه إلى خازن يعرضه على الملك (3) وأما الأسرى فيتكلفهم هذا الخازن، وأما آلاتها فيستحفظها خازنا (4) آخر وكلما استأسروا من عالمكم أصنافًا من الناس والحيوان وغيره تناسلوا على صورهم مزاجا منها وإخراجا إياها.
ومن هذين القرنين من يسافر إلى إقليمكم هذا فيغشى الناس في الأنفاس حتى تخلص إلى السويداء من القلوب. فأما القرن الذي في صورة السباع من القرنين السيارين فإنه يتربص بالإنسان طروا أذى معتبا عليه فيسفره ويزين له سوء العمل من القتل والمثل والإيحاش والإيذاء فيربى الجور في النفس ويبعث على الظلم والغشم (5) وأما القرن الآخر منهما فلا يزال يناجى بال الإنسان بتحسين الفحشاء من الفعل والمنكر من العمل والفجور إليه وتشويقه إليه وتحريضه عليه، قد ركب ظهر اللجاج واعتمد على الإلحاح حتى يجره إليه جرًا (6). وأما القرن الطيار فإنما يسول له التكذيب بما لا يرى، ويصور لديه حسن العبادة للمطبوع والمصنوع ويساود سر الإنسان أن لا نشأة أخرى ولا عاقبة للسوى والحسنى ولا قيوم على الملكوت (7) وإن من القرنين لطوائف تصاقب حدود
(1) أراد به النفس الإنسانية.
(2)
هي الحواس الخمس.
(3)
أراد بالملك النفس الإنسانية. وعنى بقوله "ويستثبت الأخبار" معرفة المعانى غير المحسوسة. وأراد بالقيم الحس المشترك.
(4)
الصواب خازن: ويشير بالخازن الآخر إلى القوة الوهمية. وأراد بقوله "وكلما استأثروا من عالمكم" المحاكاة والتركيب والتفصيل على حسب ما كان معروفا في القديم من علم النفس.
(5)
يشير به إلى القوة الغضبية التي في خلق السباع.
(6)
أي أن القوة الشهوانية تستولى على النفس. وتبعثها على العمل الشهوانى.
(7)
يشير بهذا إلى القوة المتخيلة.
إقليم وراء إقليمكم تعمره الملائكة الأرضية تهدى بهدى الملائكة قد نزعت عن غواية المردة وتقيدت سير الطيبين من الروحانيين، فأولئك إذا خالطوا الناس لم يعبثوا بهم ولا يضلوهم ويحسن مظاهرتهم على تطهيرهم وهي جن وجن (1) ومن حصل وراء هذا الإقليم وغل في أقاليم الملائكة فالمتصل منها بالأرض إقليم سكنته الملائكة الأرضيون وإذا هم طبقتان طبقة ذات الميمنة، وهي علامة أمارة، وطبقة تحاذيها ذات الميسرة وهي مؤتمرة عمالة، والطبقتان تهبطان إلى أقاليم الجن والإنس هويا وتمعنان في السماء رقيا، ويقال إن الحفظة الكرام والكاتبين منهما (2) وإن القاعد مرصد اليمين من الإمارة وإليه الإملاء (3) والقاعد مرصد اليسار من العمالة، وإليه الكتاب (4) ومن وجد له إلى عبور هذا الإقليم سبيل خلص إلى ما وراء السماء خلوصا، فلمح ذرية الخلق الأقدم ولهم ملك واحد مطاع، فأول حدوده معمور بخدم لملكهم الأعظم عاكفين على العمل المقرب إليه زلفي (5) وهم أمة بررة لا تجيب داعية نهم أو قرم أو غلمة أو ظلم أو حسد أو كسل قد وكلوا بعمارة ربض هذه المملكة ووقفوا عليه وهم حاضرة متمدنون يأوون إلى قصور مشيدة وأبنية سرية تنوف في عجن طينتها حتى انعجن ما لا يشاكل طينة إقليمكم (6) وإنه لأجلد من الزجاج والياقوت وسائر ما يستبطأ أمد بلائه، وقد أملى لهم في أعمارهم وأنسئ في آجالهم فلا يحرمون دون أبعد الآماد ووتيرتهم عمارة الربض طائعين. وبعد هؤلاء أمة أشد اختلاطًا بملكهم مصرون
(1) أراد بالجن القوة المتعقلة من الحواس.
(2)
أراد به النفوس الناطقة الإنسانية. أي إذا تجاوزت بنظرك رتبة هذه القوى البدنية انتهيت في النظر إلى رؤية الملائكة.
(3)
أراد بالحفظة والكرام الكاتبين قوة العقل من قوله تعالى "وإن عليكم لحافظين كرامًا كاتبين يعلمون ما تفعلون" وذلك لأن العقل هو الذي يحفظ الإنسان ويدبر أمره.
(4)
في الإنسان قوتان. قوة علمية وقوة عملية. وقد جعل العلمية ذات اليمين لشرفها، وفضلها على الأخرى العملية.
(5)
أشار به إلي النفوس الفلكية، فإنها تشرف بالقرب من الله في الاستكمال. وكانوا يعتقدون ذلك، وأنهم أمة بررة منزهة عن القوى الأرضية والغضبية والشهوانية.
(6)
أي ليست هي مجردة عن المادة كل التجريد، بل ملابسون لها على نوع من الملابسة، وقوله يأوون إلى قصور، هي صور الأفلاك التي شبهها في علوها وارتفاع محلها بالقصور المشيدة.
على خدمة المجلس بالمثول وقد صئنوا فلم يتبدلوا بالاعتمال (1) واستخلصوا للقربى ومكنوا من رموق المجلس الأعلى والحفوق حوله، ومتعوا بالنظر إلى وجه الملك وصالًا لا فصال فيه، وحلوا تحلية اللطف في الشمائل والحسن والثقافة في الأذهان والنهاية في الإشارات والرواء الباهر والحسن الرائع والهيئة البالغة، وضرب لكل واحد منهم حد محدود ومقام معلوم ودرجة مفروضة لا ينازع فيها ولا يشارك، فكل من عداه يرتفع عنه أو يسمح نفسا بالقصور دونه، وأدناهم منزلة من الملك واحد هو أبوهم وهم أولاده وحفدته (2) وعنه يصدر إليهم خطاب الملك ومرسومه، ومن غرائب أحوالهم أن طبائعهم لا تستعجل بهم إلى الشيب والهرم، وأن الوالد منهم وإن كان قد أقدم مدة فهو أسبغ منه وأشب بهجة، وكلهم مسخرون قد كفوا الاكتفاء. والملك أبعدهم في ذلك مذهبًا، ومن عزاه إلى عرق فقد زل (3) ومن ضمن الوفاء بمدحه فقد هذى قد فات قدر الوصاف عن وصفه وحادت عن سبيله الأمثال فلا يستطيع ضاربها إلا بتباين أعضاء بل كله لحسنه وجه ولجوده يد (4) يعفي حسنه آثار كل حسن ويحقر كرمه نفاسة كل كرم، ومتى هم بتأمله أحد من الحافين حول بساطه غض الدهش طرفه فآب حسيرًا يكاد بصره يختطف قبل النظر إليه، وكان حسنه حجاب حسنه. وكان ظهوره سبب بطونه، وكان تجليه سبب خفائه كالشمس لو انتقبت يسيرًا لاستعلنت كثيرًا، فلما أمعنت في التجلى احتجبت وكان نورها حجاب نورها، وإن هذا الملك لمطلع على ذويه بهاءه لا يضن عليهم بلقائه وإنما يوتون من دنو قواهم دون ملاحظته، وإنه لسمح فياض واسع البر غمر النائل رحب الفناء عام العطاء من شاهد أثرًا من جماله وقف عليه لحظة ولا يلفته عنه
(1) أشار به إلى العقول الفعالة المفارقة للمادة أصلا.
(2)
يريد به العقل الفعال الأول وهو المبدأ الأول وسماه أبا لهم إذ كان وجود ما سواه منه.
(3)
يشير بذلك إلى أن من انتسب إلى أصل من مادة أو صورة أو فاعل أو غاية فقد زاغ عن الحق.
(4)
أي أنه لا يتقسم على وجه من الوجوه لا معنى ولا مقدارًا، لأنه واحد من كل جهة.
غمزة، ولربما هاجر إليه أفراد من الناس فيتلقاهم من فواضله ما ينوبهم ويشعرهم احتقار متاع إقليمكم هذا، فإذا انقلبوا من عنده انقلبوا وهم مكرهون.
قال الشيخ حي بن يقظان لولا تعزبى إليه بمخاطبتك منبها إياك لكان لى به شاغل عنك وإن شئت اتبعتنى إليه والسلام.
تمت رسالة حي بن يقظان بحمد الله ومنه والصلاة على محمد خير خلقه وعلى آله وأصحابه.
2 -
رسالة حي بن يقظان في أسرار الفلسفة المشرقية، للفيلسوف الأندلسى والطبيب ابن طفيل المدافع عن ابن رشد، كتبها فيما يرجح بين سنة 565 هـ (1169 م)، وما قبل سنة 581 هـ (1185 م) ببضع سنوات، وهي السنة التي توفي فيها. وتعد رسالة حي ابن يقظان أفضل ما نعرف من آثاره، بل هي الآثر الوحيد من بين هذه الآثار الذي بقى إلى اليوم سليما لم يمس؛ وفيما يأتي قائمة تشمل مخطوطات الرسالة ومن قاموا بتحقيقها:
كوتييه Hayy ben Yaqdhan، Gauthier الطبعة الثانية، الفصل 22 - 33 وهي تكملة للقائمة الموجزة التي اشتملت عليها طبعة سنة 1900. وقد طبعت رسالة حي بن يقظان أول مرة سنة 1671، مصحوبة بترجمة لاتينية للمستشرق بوكوك Edward pocock في أكسفورد (أعيد طبعها سنة 1700)، وتلتها مباشرة ترجمتان إنجليزيتان، وترجمة هولندية عن اللاتينية، وترجمة ألمانية أيضا تاريخها سنة 1726 عن النص العربي: ترجمة عبرية، لكاتب مجهول مصحوبة بتعليقات عبرية بقلم موسى التربونى سنة 1349؛ ثم ترجمات من النص الذي حققه بوكوك Pocock: ترجمة إنجليزية للمستشرق أوكلى Ockley، لندن سنة 1708، وسنة 1731؛ وترجمة ألمانية للمستشرق آيخهورن Eichhorn برلين سنة 1783؛ وترجمة قشتالية للمستشرق بون بواجس Pons Boigues، سرقسطة سنة 1900 (أعيد طبعها في
القاهرة سنة 1905). ومن المحتمل أن رواية روبنسون كروزو التي ألف ديفو Defoe الجزء الأول منها سنة 1719، تدين ببعض الفضل لترجمة أوكلى Ockley لابن طفيل. وثمة ترجمة إنكليزية أخرى للمستشرق p. Broenni، ظهرت في لندن سنة 1904 (نقحها A.S. Fulton- سنة 1929)، وقد طبع نص الرسالة في القاهرة وحدها ثلاث طبعات سنة 1882، وسنة 1921، وطبعتين في الاستانة، وطبعة في بيروت (سنة 1936). هناك طبعات محققة مصحوبة بترجمة فرنسية: كجوتييه Gauthier، الجزائر سنة 1900، وتلتها طبعة جديدة للنص، ازدادت جودة بالاستفادة من مخطوطات جديدة، وصحبتها ترجمة جديدة، الجزائر سنة 1936، ترجمة روسية للمستشرق كوزمين Kuzmin. سان بطرسبرغ سنة 1920؛ وترجمة أسبانية للمستشرق كونزالز بالنثيا Gonzalez Palencia، مدريد سنة 1934، عن النص الذي حققه كوتييه Gauthier.
وليس ثمة أدنى شك في أن ابن طفيل قد استعار عنوان رسالته من ابن سينا، ولكن الغريب كل الغرابة أنه استحدث رسالة فلسفية على طرفي نقيض من رسالة ابن سينا. ولقد رأينا فيما تقدم أن اسم حي بن يقظان نفسه وشأنه، كانا استلهاما من نظرية الفيض التي ترى أن العقل الفعال هو منتهي العقول القائمة بذاتها. وإذ نسب ابن سينا إلى العقل الفعال نعمة معقولات النفس البشرية فإنه يكون قد جرد النفس البشرية من أسمى وظيفة عقلية لها، أعنى تجريد المعقولات. ونقول بالنثا Gonzalez Palencia إن ابن طفيل في مقدمته (ص 22 - 23)، يعلمنا أن الإنسان لا يمكنه أن يطبق مقولاتنا عن الفكر أو طرق تفكيرنا عن الجواهر المفردة، وأثار بذلك مسألة وحدة العقل البشرى. وفي رأينا، أن ابن طفيل قد نزيد، ذلك أنه يعود إلى الاسم الذي يدل على العقل الفعال ناسبا إياه للإنسان. وهذا الإنسان، وهو الفيلسوف المعلم نفسه Philosophus auto didactus، كما أسماه Pocock في عنوان ترجمته، نجح نجاحا دقيقا في أن
يكشف وحده، وليس معه إنسان ما، العلوم والفلسفة، ومن الواضح أن هذا يتم عن طريق التجريد. أي أنه يظهر في صورة "تجسد العقل الفاعل في الإنسان""على حد قول كوتييه Ibn (Gauthier Thofail، ص 89)، وأفضل من ذلك بعد أن نقول إنه: "تشخص العقل البشرى الفعال في الإنسان" ومن ثم، فإن وظيفته الحقة ترد إلى عقل الإنسان وهذا تغيير أساسى في المذهب الذي تقدم وصفه متمثلا في صورة كتابة تقوم على الخيال. ويلخص هذا الأثر ما جرى في الغرب من خلافات استمرت قرنين من الزمان؛ لأنه يتضمن النظرية التي أبرزها القديس، توما الأكوينى بعد ما يقرب من مائة سنة، وهي تذهب إلى أن كمال الطبيعة البشرية يقتضى ألا يكون العقل الفعال خارجًا عن الإنسان (In Aristotelis Librum de Anima Commen tarium، الفصلان 730، 734).
ويشير استهلال الرسالة بصراحة إلى إبن سينا فيما يتعلق باختيار هذا الاسم، واسمى أسال وسلمان اللذين يردان في ثنايا القصة كما يشير في نقاط معينة إلى مذهب ابن سينا، ومذهب الغزالى الذي يدرس ويقارن "آراء قيلت في وقتنا هذا" من حيث إنها كلمات جعلت استخلاص الحقيقة أمرًا ممكنًا (طبعة سنة 1936، ص 6 - 7). وثمة أربعة شواهد مسهبة من متن كتاب الإشارات (تحقيق Forget. ص 202 - 204، الترجمة الفرنسية، ص 493 - 497) لا تدع أي مجال للشك في أن ابن طفيل سلم بما عرضه ابن سينا في أحوال الصوفية وزهدهم، وإرهاصات الوجد، والراجح أيضا أنه سلم بنهاية قصته حي بن يقظان التي لم يستشهد بها على أية حال كلمة بكلمة. ويعد هذا التوافق في الآراء أكبر دليل على أن الحرية التي يتناول بها مصدره هي كذلك أكثر ظهورًا، ويتمثل هذا أيضا في أن عدم ارتياحه إلى ما يثيره في نفسه الفارابى وكتاب الشفاء لا يقل عما يثيره فيها العلماء الأندلسيون (الترجمة، ص 10 - 11 وما بعدها). وليس في رسالة ابن الطفيل أية اشارة إلى نزعة باطنية من نزعات ابن سينا.
وقد لخصت قصة ابن طفيل عدة مرات، منها ملخص كاراده فو Carra de Vaux، كما لخصها كوتييه Gauthier نفسه تلخيصا موجزًا (Ibn Thofail ص 62 - 63) على النحو الآتى:
في جزيرة مقفرة من جزائر الهند تقوم على خط الاستواء، وفي ظروف ملائمة كل الملاءمة لتخمر طين البيئة المحيطة، ولد طفل لا أب له ولا أم. وفي رواية أخرى، يخبرنا المؤلف، أن التيار حمله إلى الجزيرة في صندوق كبير من الخشب، اضطرت الأم، وهي أميرة مضطهدة، تسكن بجزيرة مجاورة، إلى إلقائه في اليم لتنقذ حياة وليدها، . وكان هذا الطفل، هو حي بن يقظان. وتولت رضاعته ظبية، صارت مكان أمه. وحين شب الطفل أخذ يلاحظ ويتأمل. كان ذا عقل ألمعى مكنه من أن يوفر كل ما يحتاج إليه ببراعة، بل هو قد استطاع أيضا بالملاحظة والتعقل أن يكشف بنفسه سريعا أسمى حقائق الطبيعة وما وراء الطبيعة. وأدى به المنهج الفلسفي الذي بسطه، وهو منهج الفلاسفة بطبيعة الحال، إلى محاولة أن يلقى في الوجد الصوفي اتحادًا وثيقًا بالله الذي يجد عنده على الفور وفرة المعرفة والجلال، والنعيم الدائم الأبدى. فقصد كهفا، واستطاع أن يصوم أربعين يومًا سويا، ودرب نفسه على أن يستخلص عقله من العالم الخارجى ومن جسده بالانشغال بالله دون سواه وبذلك يتحد به تعالى وأفلح في هذا آخر الأمر. وهنالك لقى أسال، وهو رجل ورع، وفد من الجزيرة المجاورة، ليسلم نفسه في سلام لحياة الزهد على أرض هذه الجزيرة الصغيرة التي ظن أنها غير آهلة بالسكان. ويعلم أسال صاحبة اللغة على اعتبار أنه وحيد لم يكن يتوقع وجوده، ودهش إذ وجد في المذهب الفلسفي الذي اكتشفه حي ابن يقظان تفسيرًا ساميا للدين الذي كان يعتنقه هو نفسه، ولجميع الديانات المنزلة. ويأخذه أسال إلى الجزيرة المجاورة التي يحكمها ملك ورع هو سلمان، ويعهد إليه بنشر الحقائق السامية التي اكتشفها ولكن تصاب هذه الخطة بالفشل. وكتب على هذين الفيلسوفين أن يدركا بأن الحقيقة الخالصة، لا تناسب بحال العوام الذين
تستعبدهم الحواس كما أنها لا تنفذ إلى تلك العقول المادية، ولا تؤثر في تلك الإرادات المتمردة، وأن الضرورة تحتم أن تلبس ثوب الرموز التي تقوم عليها الديانات المنزلة، ولذلك نبذ الفيلسوفان أولئك التعساء إلى غير رجعة وأوصياهم في إخلاص أن يتبعوا دين آبائهم؛ وعادا من بعد إلى الجزيرة المقفرة، ليعيشا حياتهما السامية القدسية الخالصة التي خص بها الأقلون" (Ibn Thofail، ص 62 - 63؛ ثمة ملخص آخر أكثر تفصيلا، ص 101 - 113). ويمثل حي ثم أسال، ثم الملك الطيب سلمان، الفلسفة والتوحيد، والإيمان الفطري (Ibn Rochd، ص 20).
ويمكن أيضا تقسيم كتاب ابن طفيل بصورة أكثر منهجية وهو ما تقصاه حورانى (The principal: G.F. Hourani subject . . .، ص 40) على النحو الآتى:
1 -
مقدمة المؤلف، مصادر المعرفة في الفلسفة الصوفية، 2 - : حي يرتقى وحده بلا عون من المعرفة في بداياتها الأولى إلى أسمى أحوال الصوفية 3 - توافق فلسفة حي مع الدين الذي يزعم أسال أنه دين منزل 4 - انجذاب معظم الناس لوجوه الدين الظاهرة 5 - خاتمة المؤلف.
ويقول كوتييه Gauthier. إن المقصد الأكبر للرسالة هو إيضاح "التوافق بين الدين، وبخاصة دين الإسلام، وبين فلسفة الفلاسفة"(Ibn Thofail ص 89، تكررت العبارة نفسها في ابن رشد ibn Rochd، ص 20). ويبدو أن كل قاريء فسر الكتاب بطريقته الخاصة: فمونك Munk: يرى أنه رسالة مبسطة في الفلسفة الطبيعية، ويرى بوكوك Pocock: أنه تاريخ الفيلسوف المعلم نفسه، الذي ترتقى حياته سلم الرقى الممكن للعقل البشرى حتى منتهاه؛ ويرى رينان Renan: أنه باطنية صوفية (انظر Thofail Ibn ص 64 - 66)، ويرى مهرن Mehren: أنه يدلل على أن الحدس يمكن أن يقود الإنسان إلى التطور نفسه الذي تقوده إليه الحضارة الخ.
وقد عارض كوميز E. Garica Comez، تفسير كوتييه Gauthier الذي اكتشف قصة شعبية فيها جوانب تشبه رسالة ابن طفيل، وزعم أنه يجد فيها دليلا
على أنه كان ثمة مصدر مشترك لكل من ابن طفيل وكارسيان B. Carcian الذي كتب في القرن السابع عشر رواية رمزية يرى فيها كوتييه Gauthier تقليدًا لابن طفيل. وربما تغير الآراء التي عبر عنها كومز Garcia Gsmez منظور الرواية كله، ولكن هذا الفرض لا يفسر الإشارات إلى الفلاسفة الذين ذكرهم ابن طفيل بوضوح، كما أنه لا يفسر إلا بدرجة أقل تلك الفقرات الكثيرة المستوحاة من آثارهم ومن آثار الأطباء، التي لا تشير إلى مصدرها، وإن كان في استطاعتنا بعد التعرف عليه.
ويمكن أن ندحض ما ذهب إليه كوتييه Gauthier على أساس أكثر التزامًا بهذا بالرجوع إلى حورانى G. F.Hourani، الذي يشير إلى (The principal subject ، ص 42) أن مقدمة ابن طفيل التي تتأثر ابن سينا تبين أنها تصف الحالة الصوفية التي تم تناولها حقا في القسم الثاني، أي ترقى حي، الذي قدم في نهاية الرسالة على أنه الغاية من جميع رغباته، لأنه هجر الناس حتى يعود إليها.
ولا شك أن قصد الرسالة في نظر القاريء هو تبيان قدرة العقل البشرى، فهو ليس قادرًا على اكتشاف العلوم ووجود النفس وحسب، بل وهو قادر أيضا على الإحساس بوجود الله، فيما وراء العالم القابل للفساد، وأن يصل نفسه بالله وحده حين يجده وتحتم وصف رحلة حي بلغة المعرفة العلمية، ثم بالفلسفة التي فهمت آنئذ، ثم إن الرحلة في الوقت نفسه تجيب عن الشغل الشاغل للفلاسفة بتأكيد التوافق بين الفلسفة والدين. وهذا نوع من خلاصة التجربة التي حصلها حي بن يقظان، بيد أنه من الصعب بمكان القول بأن حيا قد تصور أنه يسوق دليلا عليها. وعلى أية حال، فإنه حين تم التوصل إلى النتيجة، فقد وجب على كوتييه Gauthier وعلى حورانى Hourani أن يقوما بمقارنتها بنظرية فلسفية أكثر تفردًا لهذا التوافق بين الفلسفة والدين، كما فسره ابن رشد خاصة في كتابه "فصل المقال".
المصادر:
1 -
ابن سينا: مخطوطات نوه بها خاصة بمعرفة الأب قنواتى، Essai de
bibliographie avicennienne سنة 1950 ورقم 219، والمهدوى، Biblio graphie d'ibn sina سنة 1954، رقم 65.- Traites mystiques: A.F.Mehren الكراسة رقم 1، ليدن سنة 1889، L'alleorie mystique Hayy benyagzan مسبوقة بمقال بالعنوان نفسه في Museom، سنة 1886. - رسالة حي بن يقظان، ص 91 - 113 في مجموعة جامع البدائع، القاهرة سنة 1917 ، وإستانبول سنة 1937 ، ص 41 - 53 في كتاب أحمد أمين حي بن يقظان لابن سينا وابن طفيل والسهروردى، القاهرة سنة 1952؛ ولكن الكتاب الموجز إيجازًا شديدًا والمنشور بهذا الاسم والمنسوب للسهروردى هو في الحقيقة "قصة الغريبة الغربية" الذي كتب استكمالا لما كان في رأيه ثغرة في رسالة حي بن يقظان لابن سينا، وهي رسالة لم يرد بها أي ذكر لجبل سيناء العظيم بالمعنى الباطني.- نصوص محققة، ترجمة فارسية، شرح فارسي، ترجمة فرنسية بقلم Le recit de Hayy ibn Yaq-: H.Gorbin zan المجلد الأول عن Avicenne et le recit visionnaire طهران سنة 1952، وتلاه المجلد الثاني، Etude sur le cycle des rec its Avicenniens سنة 1954. -. A.M Le recit de Hayy ibn Yagzan: Goichon commente par des textes d'Avicenne باريس سنة 1959، وترجمة فرنسية مصحوبة بتعليقات تفسيرية منقولة من كتب أخرى لابن سينا، وحواش؛ المؤلفة نفسها Le pretendu esoterisme d'Avicenne dans le Recit de Hayy ibn yaqzan محاضرة ألقيت في مؤتمر المستشرقين الرابع والعشرين ميونخ سنة 1957، ونشرت كاملة في Gior nale di metafisica: سنة 1959، ص 538 - 546، المؤلفة نفسها، La theorire des Formes chez Avicenne في Atti del Xll congresso internazionale Filosofia، العدد 9، ص 131 - 138،المؤلفة نفسها: Le srr، L'intime de coeur ، dans -la doctrnne avicennienne de la connais sance، في Melanges Jan Bakosh براغ سنة 1965.
2 -
ابن طفيل: انظر عن الطبعات والترجمات نص هذه المادة، وبروكلمان، القسم الأول، ص 460، والقسم الثاني،
ص 704، والقسم الأول ص 831. وانظر أيضا طبعة سنة 1952 تحقيق أحمد أمين المتقدم ذكرها، وترجمة فرنسية للمستشرق Quatremere، في مخطوطة في staatsbibliothek ميونخ؛ Leon Gauthier ibn Thofail، sa vie ses oeuvres باريس سنة 1909، المؤلف نفسه ، La theorie d'Ibn Roched (Aver roes) sur les rapports de la religion et de la philosophi، باريس سنة 1909، وخاصة ص 168 - 174. تشابه الفكر بين ابن طفيل وابن رشد؛ المؤلف نفسه
Ibn Rochd (Averroes) باريس سنة 1948: E. Garcia Comez Un cuento arabe، fuente comun de Abentofail y de gracian في Re vista de Archivos، Bibliotecasvy museos سنة 1926 The prin-: GeorgeF.Hourani cipal subject ibn Tufayl's Hayy ibn of yaqzan في JNES العدد 15 (سنة 1956) ص 40 - 46 المؤلف نفسه، Averroes on the harmony of religion and philosophy لندن سنة 1961.
حسن شكرى [أ. م. كواشون A،M. Goichon]