الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسلمين، والدروز، والبهائيين، والمسيحيين. ويعيش معظم المسلمين في حى وادي نسناس على منحدرات جبل الكرمل. وقد أعيد ترميم المسجد الجامع، أو جامع جرينة، الذي دمر في أثناء معارك سنة 1948 وأقيمت فيه الشعائر مرة أخرى في يونيه 1949. كما يسكن قرية كبابير بجبل الكرمل جماعة الأحمدية وتدخل الآن في حدود مدينة حيفا.
المصادر:
بالإضافة إلى ما ذكر في صلب المادة.
(1)
Palestine: Le Strange ص 446.
(2)
Textes geogra-: A.S. Marmardji phiques arabes sur la Palestine، باريس سنة 1951، ص 58.
(3)
Some: L. A. Mayer & J. Pinkerfeld -Principal Muslim religious buildings in is rael. القدس سنة 1950، ص 39 - 40 من النص الإنجليزى، ص 35 - 36 من النص العربي.
(4)
Survey: Palestine Exploration Fun of western Palestine، Memoir .
(5)
Description de la Pal-: R. Guerin estine. Samarie جـ 2، باريس سنة 1876، ص 251 - 259 gali - lee- جـ 1، باريس سنة 1880، ص 499 - 450.
(6)
Geographie de la pal-: F.M. Abel estine جـ 2، باريس سنة 1938.
(7)
Haifa: E.T. Dawling The town of، في QSPEF) (سنة 1914)، ص 183 - 191.
(8)
Haifa، or life in mod-: L. Oliphant ern palestine، لندن سنة 1887.
(9)
History of Haifa: J.J. Rothschild and Mt. Carmel (Popular outline). حيفا سنة 1934.
حسن شكرى [هيئة التحرير]
حيوان
أي المملكة الحيوانية، كلمة مشتقة من أصل سامى (انظر الكلمة العبرية ح ى هـ) ينطوى على فكرة الحياة. وقد وردت في القرآن مرة واحدة (سورة العنكبوت، الآية 64)، وفيه تعنى
"الحياة الحقة"، وتستخدم للدلالة على الدار الآخرة. وتذكر المعاجم أن عينًا في الجنة تسمى أيضا بهذا الاسم، ولكن المعنى المألوف الأكثر شيوعًا لكلمة "حيوان"، المستخدمة مفردًا أو جمعًا، هو حيوان أو حيوانات، بصفة عامة، ويشمل الإنسان الذي يسمى على وجه أكثر دقة "الحيوان الناطق".
1 -
الحيوان لغة: تناولت مادة "جزيرة العرب رقم 5" حيوانات شبه الجزيرة العربية. والراجح أن هذه الحيوانات لم تتغير أو كادت منذ العصر الجاهلي، إذا استثنينا اختفاء الأسد منذ عهد بعيد واختفاء النعامة في عهد أحدث من ذلك، بل إن المصطلحات اللغوية القديمة في شبه الجزيرة، بحسب ما وردت في المعاجم اللغوية العمدة، لم يقدر لها البقاء دائما؛ وعلاوة على ذلك فإن الحيوانات، سواء كانت مستوطنة في شبه الجزيرة العربية أو مجلوبة من خارجها، فإنها مع اتسامها بالخصائص المشتركة لحيوانات البحر المتوسط إلا أن مسمياتها لا تتفق كل الاتفاق مع المسميات في الجزيرة العربية القديمة؛ لأن المسميات اللهجية قد صنعت أو استعيرت من لغات محلية (انظر، مثلا Faune du Sahara: V. Monteil occidental باريس سنة 1951)، وعلاوة على ذلك فإن الكلمة نفسها يمكن أن تطلق على حيوانات مختلفة في مناطق مختلفة، ومهما يكن من أمر، فإننا نستطيع أن نقول بصفة عامة إن المسميات التي تطلق على الحيوانات المختلفة المألوفة أكثر من غيرها، متشابهة كل التشابه في جميع أرجاء البلاد الناطقة باللغة العربية.
وقد اتخذت هذه المفردات في العصر القديم منذ القرن الثاني إلى القرن الثالث الهجريين (الثامن - التاسع الميلادى) موضوعًا لسلسلة من الرسائل تتناول بصفة خاصة الحيوانات المستأنسة (الحصان، الجمل وغيرهما) وسجلت معاجم اللغة العربية في عناية هذه المفردات، ونجد من ثم معجمًا مثل "المخصص" لابن سيده يفرد للحيوانات فراغًا يتناسب وأهميتها في حياة العرب (جـ 6، ص 135؛ جـ 8، ص 186) ، والحق أن ثراء اللغة العربية
في المفردات التي تصف أنواعا معينة من الحيوانات أمر معترف به منذ أمد بعيد. وهذا الثراء يرجع بعضه إلى أن المحققين جمعوا ألفاظًا لها صلة بلغات قديمة مختلفة، كما يرجع بعضه الآخر إلى تعدد الاستعارات التي استخدمها الشعراء، وهو يرجع أخيرًا إلى تفرقة بين الحيوانات عظيمة الخطر من الدقة، من حيث السن، والجنس، والإخصاب، ولون الفراء أو الريش، وتكوين الأعضاء والشفاه إلخ؛ ومن ثم فإن ف. هوميل (Fr. Hommel في (Die Namen der Saugerhiere bei den Sudsemitischen Voelkern ليبسك سنة 1879) يسجل ما ينوف على 120 اسما للحصان وأكثر من 160 اسما للجمل. مهما يكن من أمر فإن عدد المسميات الخاصة بحق يختلف باختلاف عوامل مختلفة عددها ما بين واحد وأربعة.
(أ) معظم الحيوانات المتوحشة يدل عليها لفظ واحد، إذا ما استبعدنا الألفاظ المرادفة له أو أسماء الضروب المختلفة، التي من الصعب التعرف عليها (عقاب، مؤنث، وطاووس مذكر، الخ).
(ب) لفظان يستخدمان للدلالة على:
(1)
الحيوانات المتوحشة التي تعيش قطعانًا: اسم جمع واسم مفرد يستخدم لكلا الجنسين (نمل - نملة)، ولكن اسم الجنس، الذي يتسم في هذه الحالة بنفس الكاسعة مثل المؤنث، يميل بنا إلى أن نستشعر بأنه مؤنث (حمام/ حمامة)(أنثى حمام).
(2)
حيوانات متوحشة أو مستأنسة، يميز فيها بين الجنسين: وصيغة المذكر تقتصر على النوع حين تشتق صيغة المؤنث من نفس الأصل (كلب: كلبة)، وفي حالة العكس، فإن اللفظ للمؤنث، وإن كان مؤنثًا حرفيًا، تكون له صيغة مذكر، وكثيرا ما يدل على المؤنث وعلى النوع معًا [ضبع (أنثى): ذيخ (ضبع ذكر)].
(جـ) تستخدم ثلاثة ألفاظ للدلالة على عدد معين من النوع: اسم جمع، واسم جنس يستخدم بغض النظر عن الجنس، ولفظ للدلالة على ذكر حيوانات معينة تعيش قطعانًا [نعام/ نعامة لكلا الجنسين: ظليم (ذكر النعام)] وفي حالات مثل حمار/ وحمارة وأتان (أنثى
الحمار) ويبدو أن حمارة مؤنث ثانوى وليس اسم وحدة لأى واحد من الجنسين (انظر كلمتى حمور/ أتون العبريتين).
(د) بالنسبة لبعض الأنواع المستأنسة التي تعيش قريبًا جدًا من البدو، يمكن أن توجد أربعة ألفاظ: أحدها للنوع، والثاني للفرد بغض النظر عن الجنس، والثالث للأنثى، والرابع للذكر [إبل/ بعير (حيوان من القطيع) / ناقة (أنثى الجمل) / جمل (ذكر الجمال)]. وفي هذه الطائفة يكون اسم النوع، بصفة عامة، مذكرًا في الصياغة، ولكنه يعامل نحويًا معاملة المؤنث (مثل إبل وغنم، إلخ) بسبب رجحان كفة الإناث على الذكور.
ويتبين من دراسة عدد معين من أسماء الحيوانات أن اسم الأنثى مستقل عن اسم الذكر وأن صيغة المؤنث بإضافة الكاسعة أي تاء التأنيث/ والألف الممدودة هنا علامة تأنيث ثانوية؛ وهذه الكاسعة "المخصصة" تفيد أساسًا في صياغة أسماء الجنس المستخدمة للدلالة على كلا الجنسين (بغلة تعنى ذكر البغل، وكذلك أنثى البغل)، ولكن نظرًا لأن الإناث دائمًا أكثر عددًا من الذكور بين الحيوانات التي تعيش قطعانًا، فإن اسم الجنس أصبح يخلط بينه وبين اسم الأنثى (فمثلا دجاجة إحدى طيور الدواجن/ دجاج؛ وبالنسبة لهذه المسألة: انظر Sur quelques noms d'ani-: Ch. Pellat maux en arabe classique في GLECS، 25 مايو 1960).
ومن العدد الكبير من الأسماء الواردة بالمعاجم والمصنفات عن الحيوان نلاحظ بلا شك وجود تسميات، بالإضافة إلى ألفاظ نوعية أو مجازية مصاغة مثل الكنية أو المعرفة (الحِرْباء، وابن آوى الخ) وهذه الصيغ الاستعارية، التي استخدمت على نطاق واسع خلال القرون الماضية، وبخاصة في اللهجات العربية (Suppl،: Dozy، مواد ابن، وأبو، وأم) كانت تنتهي أحيانًا بأن تحل محل اللفظ المناظر الخاص، ولكن هذا لا يمكن أن يعد تشخيصًا منهجيًا للحيوانات موضوع البحث، لأن عددا من النباتات تحمل نفس الاسم، ولعله يجدر بنا أن نعدها
بمثابة توريات مستخدمة لغرض وقائى أو كضرب من أسماء التدليل، وبخاصة عندما تطلق على مخلوق جذّاب، كالعصفور مثلا ألقاب "أبي محْرِز" و"أبي يَعْقوب"؛ إلخ.
2 -
حيوانات بين ظهرانى العرب قبل الإسلام.
ومع ذلك فإن البدوى، شأنه في هذا شأن أناس آخرين، نسب إلى الحيوانات صفات البشر وزلاتهم، كما ثبت من عدد من الأمثال، التي ترجع، بلا شك، إلى عصر ما قبل الإسلام. وهذه الأمثال تكاد تبدو في صورة مديح يعقبه اسم حيوان؛ ومن ثم فإن الكرم ينسب إلى الديك (أسخى من لافظة)، والغدر للعظاية (أخْدَع من ضبّ)، والغباء للحَبَارى (أحمق من حبَارى)، والجرأة للأسد (أجْرأ من ليث)، إلخ (انظر مجموعات الأمثال وبخاصة فهرست الأمثال في كتاب الحيوان للجاحظ). وقد لوحظ، علاوة على ذلك، أن عددًا معينًا من قبائل الجزيرة العربية القديمة تحمل أسماء حيوانات: أسد "ليث" وقريش (قرش) إلخ. وثمة مذهب يقول إنها قد تكون لها دلالة طوطمية؛ وفيما يتعلق بهذا الموضوع جمع سميث (W. R. Smith في، Kinship and marriage in early Arabia، لندن سنة 1903) بعض التفاصيل الواقعية عن الآثار الباقية لعبادة الحيوان، وتحريم أطعمة معينة، وجمع شواهد أخرى واستنتج منها وجود نظام طوطمى بين العرب الأوائل؛ ومهما يكن من أمر فإن نظريته في جملتها لم يقبلها علماء السلالات، ويمكن أن تكون الأهمية التي يعلقها البدو، للضرورة، على الحيوانات من كل نوع، لا تنبع على الإطلاق من الطوطمية، بل هي مجرد صورة من عقيدة حيوية المادة (انظر J. Henninger (تحقيق) L'antica society be-: F. Gabrieli duina، رومة سنة 1959، ص 85 - 86 والمراجع الواردة فيه) ولعل من الجدير بنا أن نذكر في هذا المقام أن العرب الأوائل صوروا أرواح الراحلين في صورة طائر (هامة)، وهو في المألوف ضرب من البوم، يحوّم بعض الوقت حول القبر، ويصرخ بين الفينة والفينة مطالبًا بالانتقام (انظر - I، Gold ziher في Globus، جـ 83؛ سنة 1903، ص 3 وما بعدها تحليل G. H. Bousquet،
في Arabica سنة 1960 - 1963، ص 257 - 260). وعلى الرغم من أن النبي [صلى الله عليه وسلم] أنكر هذه العقيدة (لا عدوى ولا هامة ولا صفر)، فإنها عاشت في الإسلام بصور متعددة.
ويندد القرآن (سورة المائدة، الآية 102 و 103؛ سورة الأنعام، الآية 138 و 139) بأفعال الجاهلية، التي تشمل تخصيص حيوانات معينة لآلهة معينة أو تحريم إبل وأغنام وحيوانات أخرى من القطعان.
وكانت عقيدة أن الإنسان حيوان ليست له صفات روحية، في العصر القديم، تشمل هي والبلية أيضا، قرابين مختلفة، وفيما يتعلق بها يكفي الإشارة إلى الكتاب الجامع لشيلهود (J. Chel - Le Sacrifice chez les Arabes: hod باريس سنة 1955؛ ومهما يكن من أمر فإن عددًا منها قد استبقى في الإسلام) ولا يزال المسلمون اليوم يقدمون أضاحى في مناسبات عديدة (انظر، مثلا: A. Coutumes des Arabes au pays de: Jaussen Moab ص 337 - 363). وكانت الحيوانات ولا تزال مرتبطة بممارسة سحر تعاطفي مثل الاستمطار؛ بل إن علماء الحيوان في عصر قريب يحبون أن يطنبوا في طريقة تفسير رؤية حيوان أو آخر في حلم كما يحبون أيضًا الإطناب في الخواص السحرية للأعضاء المختلفة التي يستخدمها السحرة إلى حد كبير. وكان ثمة حيوانات خرافية تسكن الصحراء وكثيرا ما كان الجن يواجهون الناس في صورة حيوان. ويرى البعض أن حيوانات مثل الإبل والخيل والبقر والغنم وكلاب الصيد والقطط والنحل فيها بركة ولكن الكلاب والقطط وغيرها لها عين شريرة (بشأن كل هذه المسائل انظر - E. Wester Pagan Survivals in Mohammedan: marck civilization؛ لندن سنة 1933، في مواضع مختلفة).
3 -
خلق الحيوانات: علاوة على الأمثال التي سبق ذكرها، فإن التراث الشعبى للجزيرة العربية قديمًا، في الصورة التي بلغتنا، لا يكاد يحتوى على أي قصص للحيوان (انظر ما يلى) ونحن نجد في الغالب أساطير تفسر خلق حيوانات معينة أو تحوير لها. ومن
ثم فإن الفأرة كانت زوجة طحان أو يهودية مسخت؛ وبالمثل فإن عظايا معينة كانت فيما سبق جباة ضرائب إلخ (انظر الجاحظ: التربيع، ص 197 والإشارات الواردة فيه).
ومسألة مسخ الحيوان تحتفظ بأهمية خاصة، حتى في عهد الإسلام، على حين يستبين أن القرآن حل هذه المسألة لأنه يقرر مرارًا أن الله خلق الحيوانات (سورة البقرة، الآية 164؛ سورة لقمان، الآية 10؛ سورة الشورى آية 29؛ سورة الزخرف، الآية 12؛ سورة الجاثية، الآية 4)، :"وما أنزل الله من السماء. . ." سورة البقرة، الآية 164، قال تعالى "ومن كل شئ خلقنا زوجين. . ."(سورة الذاريات، الآية 49).
وكلمة "دابة"(والجمع دواب) المستخدمة هنا بدلا من كلمة "حيوان"، وهي تشير بصفة خاصة إلى حيوانات الركوب والحيوانات المستأنسة، يقابلها في الآيات المقصود بها تأكيد العناية الإلهية، اللفظ "أنعام"، التي أنزل الله منها "ثمانية أزواج"(سورة الزمر، الآية 6؛ انظر أيضًا سورة الفرقان، الآية 49؛ وسورة يس، الآية 71)، وتستحق الإبل أن ينوه بها تنويهًا خاصًا لأن الله تعالى يقول:"والأنعام خلقها لكم"(سورة النحل، الآية 5).
ومهما يكن من أمر، فإن المعتقدات الأولى الخاصة بالمسخ الموقوت أو الدائم لبعض البشر حيوانات، تؤكدها آيات مثل "قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه، وجعل منهم القردة والخنازير. . ."(سورة المائدة، الآية 60) أو الآية: "ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين"(سورة البقرة، الآية 65؛ وانظر أيضا سورة الأعراف، الآية 116). وكان ثمة مسألتان واجهتا المفسرين: أولاهما معرفة الأحداث التي ذكرتها الآيات المشار إليها فيما سبق، والثانية تقصى المصير المدخر لهذه المخلوقات التي مسخت. وغنى عن القول أن الإجابات على المسألة الأولى متعددة، فالكسائي في (قصص الأنبياء ، ص 274) مثلا، رأى أن القردة ناس من بنى إسرائيل تعرضوا للمسخ في عهد داود لأنهم
صادوا سمكًا وطهوه يوم السبت، وأن الخنازير (المرجع السابق، ص 307) أناس معاصرون لعيسى لم يؤمنوا به. ويرى الكسائي نفسه، منتهجًا بذلك نهج كتاب آخرين، أن الحيوانات التي أسفر عنها المسخ المذكور، تكاثرت، بينما يرى آخرون عكس ذلك، ويقولون إنها ماتت دون أن تعقب، أي أن الله خلق، أنواع الحيوانات موضوع البحث خلقًا مستقلا عن خلق الأخرى (انظر الجاحظ: كتاب الحيوان، جـ 4، ص 68). والاعتقاد في خلق حيوانات بعينها بالمسخ أو التعديل لا يزال متداولا (انظر، مثلا، - H. Mas Croyances et coutumes Persanes: se باريس سنة 1938، جـ 1، ص 185 وما بعدها)، والمسخ مرتبط ارتباطًا وثيقا بمسألة التقمص، على الأقل، عند الفرق التي لا تتمسك بمذاهب السلف وعلماء الكلام الذين يسلمون بتقمص الأرواح في أجساد الحيوانات. ولابد من أن نذكر، في سياق الحديث، أن البهيمة مرتبطة، في فلسفة الأخرويات لدى المسلمين، باليوم الآخر، وأن آية قرآنية (سورة الأنعام، آية 38) تقول: "وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون" تسمح للمفسرين بأن يروا أن الحيوانات أيضًا تبعث وتحشر يوم القيامة. وعلاوة على ذلك فإن القرآن الذي يذكر نحو اثنى عشر نوعًا مختلفًا منها يحتوى على خمس سور مسماة بأسماء حيوانات: البقرة والنحل، والنمل، والعنكبوت، والفيل -وبهذا فإن أكبر المخلوقات وأصغرها مذكورة فيه.
4 -
الحيوان في الشريعة الإسلامية: يهتم الإسلام بالحيوانات في مسائل عديدة أخرى تتصل بها، ولا يكاد يكون هناك باب في الشريعة الإسلامية لا يتناولها بالحديث، فالحيوانات الأليفة تخضع للزكاة، وبيع الحيوانات مقيد بقيود، فيما يرتبط بجواز أكل لحمها شرعًا (فمثلا بيع، الخنازير محرم، ولكن بيع ديدان العلق مباح، وإن كان أكلها محرمًا؛ وعن مسألة مقايضتها بحيوانات أخرى: (انظر Origins J. Schacht، ص 108) أو إبرام عقد لتسليمها مع الدفع سلفًا
موضع جدل أيضا. وشعائر الأضاحى تخضع لحدود دقيقة، كما في ذبح الحيوانات المزمع أكلها ويرتبط بهذا باب الصيد والقنص، وفي المقام الثاني باب الفراء؛ والمحظورات المفروضة على الحجاج في حالة الإحرام مسألة شرعية أخرى، على حين تثير بعض أحاديث النبي [صلى الله عليه وسلم] مسألة: هل يجوز في غير حالة الإحرام ذبح حيوانات بعينها، وأكل لحمها في مناسبة من المناسبات. ومن ثم فإننا نقف عند المسألة الجوهرية التي تتعلق بالطعام، من جهة، وباستخدام جزء أو آخر من حيوان محرم على الناس، في أغراض أخرى، من جهة ثانية. وسنقتصر فيما بعد على الاهتمام بحكم الأنواع المختلفة من الحيوانات.
ويعدد القرآن في عدة مناسبات حالات التحريم الخاصة بأكل لحم الحيوان الذي لم يذبح وفق الشريعة الإسلامية، فيما يتصل بالدم المراق. والخنزير (سورة المائدة، الآية 3، 4؛ وانظر أيضًا سورة البقرة الآية 168، 173؛ سورة الأنعام. الآية 145 و 146؛ سورة النحل، الآية 115 و 116)، ولكن القرآن في الآية 115 ينص على رفع التحريم في حالة الضرورة المطلقة (فيما يختص بمسألة الخنزير وبالنسبة للدم المراق، فإننا نذكر أن العرب الأوائل، عندما كانوا يشرفون على الموت عطشًا، في الصحراء، كانوا يسلمون أحيانًا بذبح جمل وشرب دمه [مجدوح، انظر Arabica سنة 1955 عدد 3، ص 327]).
وأحاديث النبي [صلى الله عليه وسلم] والشرع الإسلامي يسلمان بهذه الضرورة، ولكنهما بصفة عامة أشد صرامة، والحق أن المذاهب الفقهية وضعت قوائم بالحيوانات، التي يكون أكلها حلالا، أو حرامًا، أو مكروها، دون التوصل إلى اتفاق تام في هذا الأمر (وكتاب حياة الحيوان للدميرى الذي يجب أن نتناوله في حذر هو خير رسالة ينتفع بها في هذا الميدان، لأن المؤلف يبين التصنيف الشرعى لكل نوع، حسب المذاهب المختلفة). والانتهاء إلى حكم في هذا السبيل اتخذت جميع المذاهب عدة معايير عامة تعتمد على القرآن والحديث، ومن ثم فإنه بنص الآية 96
من سورة المائدة "أُحل لكم صيد البحر وطعامه" يعد جميع السمك حلالا، ويمكن أكل لحمه، ومهما يكن من أمر، فإن بعض الحيوانات البحرية أو المائية قد صرح بأنها حرام أو مكروهة أو لا تزال محل جدل، لأنها تدخل في النطاق، الذي يؤخذ فيه بمعايير أخرى؛ ومن ثم فإن الضفدع، الذي كان يمكن أن يكون في المألوف حلالا يعد حراما، لأن النبي [صلى الله عليه وسلم] نهي عن ذبحه. وعلاوة على ذلك فإن بعض الفقهاء المتزمتين، في بحثهم المستفيض المتحذلق يستنكرون أكل تلك الحيوانات المائية، التي لها أسماء تشبه أسماء الحيوانات البرية المحرمة ("كلب البحر"، و"خنزير البحر" و"حمار البحر")، وتؤدى بهم غيرتهم الدينية إلى تحريم حيوان، له الاسم نفسه الذي يطلق على حيوان محرم، حتى لو كان بلغة غير العربية، كما هو الحال بالنسبة للحمار، الذي يطلق عليه في غرب إفريقيا نفس الاسم الذي يطلق على الخنزير (انظر L،Islam: A.Gouilly dans l،Afrique Occidentale _francaise باريس سنة 1952، ص 205) أو تحريم حيوانات على هذه الصورة نفسها (وبخاصة ثعبان السمك الذي على هيئة الثعبان). وهم يذهبون إلى حد التصريح بأن جميع المخلوقات البحرية التي ليست على هيئة السمك حرام (الحنفية)، ويفسرون ذلك بأن النص القرآني يرخص بصيد البحر، ولكنه لا يجيز بالضرورة أكل كل شيء يصيده الناس (المرغنانى: الهداية، مخطوط، باريس رقم 6763، ورقة 5، 248). وثمة حالات خاصة هي السمك الآكل للبراز، وهو سمك وجد في بطن سمك آخر، ناهيك بالسمك "الطافي" أي السمك الميت يطفو فوق الماء، وهو حلال عند المالكية والشافعية فحسب، وإن كان الحنفية يجيزون "الطافي" إذا كان قد قتل بفعل حادث، ولم يمت ميتة طبيعية، وهذا يؤدى إلى إثارة جدل حول مسألة: هل إذا كان الموت من الحر أو البرد يعد موتًا طبيعيًا (المرغناني: المرجع السابق، ورقة 249، 5). والقشريات، في كثير من الأحيان، حرام أو مكروهة، كما هي الحال بالنسبة لجميع أنواع الحيوانات ذات الأصداف.
وتقضى الآية 4 والآية 5 من سورة المائدة: "قل أحل لكم الطيبات. . ." و"اليوم أحل لكم الطيبات. . ."، ويشمل باب ما هو من حلال، تلك الحيوانات التي يحظى لحمها بالتقدير لطيب طعمه (الدجاج والغنم إلخ)؛ وعلى العكس من ذلك نجد أن الطاووس وحيوانات أخرى قد صرح بأنها حرام لرداءة لحمها. ومن هذا القبيل "الاستقذار" أو "الاستخباث"، أي أكل الطعام المنفر، فإن الحيوانات التي يتصف لحمها بهذه الصفة تدخل في باب المحرمات مثل الخنافس.
ويحيط بهذا الحكم قدر من التأرجح وشئ كثير من البعد عن الفطنة، ذلك أن طائر اللقلق، الذي كان يمكن أن يكون حلالا، يعد حرامًا، لأنه يأكل الحيات، وأكلها يدخل طائر اللقلق في زمرة اللواحم. والحق أن من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم التي تثار في هذا الصدد حديث (انظر أبو داود)، جـ 26، ص 32) وزيد بن على: Corpus iuris رقم 538)، يصلح أيضًا أساسًا لتقسيم الحيوانات إلى بهائم وسباع (انظر ما يلى)، وبمقتضاه تكون جميع اللواحم محرمة، سواء كانت حيوانات ثديية من ذوات الناب أو طيورًا من ذوات المخالب، بيد أن هذا غير مقبول بصفة عامة. والمالكية (انظر القيروانى: الرسالة، تحقيق وترجمة Bercher، الجزائر، الطبعة الثالثة سنة 1949، ص 299) يجيزون أكل لحم الطيور الجارحة، بينما الأوزاعية (انظر الدميرى، تحت كلمة "بازى") يرون أنه ليس ثمة طائر حرام. وكل الفقهاء يرون أن القط والكلب والذئب والتمساح إلخ .. حرام، ويروى الرحالة في تقزز أية حالات رأوا فيها أناسا يأكلون لحم الكلاب (انظر مثلا المقدسى: musulman l،Occident Description de الجزائر سنة 1950، ص 61، تعليق 172)؛ ويعد أكل الثعلب، بصفة عامة، حلالا، أما ابن آوى والقط البرى فمحل خلاف، والضبع حلال إلا عند المالكية الذين يصرحون بأنه مكروه (ويقال إن النبي [صلى الله عليه وسلم] عندما سئل هل الضبع حلال رد بقوله:"ولكن ما يأكل الضبع؟ "؛ انظر الدميرى في مادة "أرنب"؛ وابن ماجه،
جـ 28، ص 15؛ والترمذي، جـ 23، ص 4). أما الفيل فموضع جدل، لأنه على الرغم من أنه حيوان آكل للعشب فإن لديه وسائل للدفاع اصطلح على تسميتها بالأنياب في اللغة العربية.
وفي حديث آخر يقال إن النبي [صلى الله عليه وسلم] قد حرم قتل النحل (لأن الله أوحى بها إليه) والنمل [للسبب نفسه]، والضفادع (لأنها كانت قريبة من الله، عندما استوى العرش على الماء، ولأن نقيقها تسبيح لله)، والهداهد (بسبب الشأن الذي كان لهدهد منها مع سليمان)، وأخيرًا الصرد (غراب الزاغ)، الذي كان أول من صام؛ ويترتب على ذلك أن لحم هذه الحيوانات محرم أيضًا، على الرغم من أن الآراء لا تتفق كلها في هذا الشأن. وطيور الخطاف والوطاويط تخضع للتحريم نفسه لأن النبي [صلى الله عليه وسلم] نهي عن أكلها لأسباب من هذا القبيل، ولكن الفقهاء بعيدون عن الاتفاق على صحة الأحاديث التي رويت بشأنها. وبالعكس نجد أن بعض الحيوانات حرام، لأن النبي [صلى الله عليه وسلم] أمر بقتلها لفسوقها؛ وهذه الفواسق هي الحدأة، والغراب الأبقع، والعقرب، والفأر والكلب العقور؛ والحدأة والكلب داخلان بالفعل في قائمة تحريم آخر؛ والأنواع الأخرى من الغربان حلال على حين يمتد التحريم المتعلق بالفأر إلى كل الحيوانات القاضمة، ما عدا اليربوع، الذي يدرج أحيانًا، على أية حال، في قائمة الحشرات، التي تعد حرامًا، إلا عند المالكية.
ومن ثم فإن العقرب سبق القول بتحريمه في باب الحشرات، ولكن فكرة الحشرات تغلب عليها البلبلة، لأن من بينها العظاية (وهي حلال) والقنفذ (حلال عند الشافعية)؛ ومن جهة أخرى فإن الجراد الذي هو غذاء ثانوى لدى البدوى، ليس محرمًا في أي مذهب، حتى لو وجد ميتًا (وهذا مع السمك، هو إحدى الميتتين اللتين يعدان حلالا في حديث شريف): ولكن البعض يصرون على أنه يجب أن يذبح عن نية وتقطع رءوسه. (ومع ذلك فإنه يمكن أن نذكر ما يناقض هذا عن على، فقد جاء أنه قال:"كله كله" حين كشف له عن كوم من الجراد بعضه ميت فعلا؛ (المرغناني:
المرجع السابق، ورقة 249، 5). وتعد الزواحف، بصفة عامة، حرام أو مكروهة، إلا عند المالكية، الذين يأخذون بمعيار الضرر فحسب، ويرخصون بأكل الثعابين السامة نفسها، إذا ما اقتطع الجزء السام .. ومهما يكن من أمر فإن من المسلم به في كثير من الأحيان أن الضب حلال، عملا ببعض الأحاديث التي نذكر منها أن النبي [صلى الله عليه وسلم]، أمسك عنها فحسب، بسبب نفور شخصى، بيد أن بعض الآخرين يقولون إن هذا النوع يمثل قبيلة من بنى اسرائيل، كانت قد مسخت، وهذا يؤدى إلى تحريمها (البخارى، جـ 19، ص 10، 28؛ أبو داود، جـ 26، ص 27؛ والدارمى، جـ 7، ص 80؛ ابن سعد، جـ 1 - 2، ص 111 وما بعدها إلخ .. ؛ وانظر الغزالى: إحياء علوم الدين، جـ 2، ص 93). والحيوانات التي تعد بلا دم سائل، هي حلال بصفة عامة إذ إن الدم هو الذي يسبب نجاسة الحيوانات التي لم تذبح على مقتضى الشرع (الغزالى: إحياء علوم الدين، جـ 2، ص 83). ومهما يكن من أمر فإن العديد منها محرم (إلا عند المالكية) بسبب الاشمئزاز الذي يشعر به الناس حيالها، ويجعلها تدرج في قائمة الخبائث التي يحرمها القرآن (سورة الأعراف آية 157) وهذه الدائرة المفرغة، من حيث المنطق، تطبق، فضلا عن ذلك، على أطعمة أخرى، وتبيح تقنين كل حالات التحريم. ويصدق هذا بصفة خاصة، على حشرات الأرض (أحيانًا خشاش) وهو مصطلح يشمل على نحو متغير بعيد عن المنطق، الحيوانات الصغيرة التي تعيش على ظهر الأرض، والتى هي، بصفة عامة، محرمة أو مكروهة، على الرغم من وجود حديث بشأنها أبو داود، جـ 26، ص 129؛ وانظر الدميرى). وهي تشمل العقارب، وجميع أنواع الحشرات، والديدان. وفيما يختص بالحشرات الأخيرة فإن هناك خلافًا شديدًا بشأنها، لأن من الصعب أن نتحاشى أكلها عرضًا مع أطعمة أخرى. وتبذل بعض المذاهب جهودًا للتمييز بين الحشرات التي تولدت من الطعام نفسه وبين تلك التي لم تتولد منه، وبين الحشرات الحية والحشرات الميتة، وتلك التي فيها روح والتي ليس
فيها روح (انظر البحث الذي كتبه الجزيرى، في كتاب الفقه جـ 2، ص 3، تعليق أ).
وعلى وجه العموم فإن الطيور التي ليست لها مخالب مباحة، ولكن بعضها محل جدل، وهي تتناول في تصنيفات مختلفة، حسب آراء المذاهب؛ وهذه هي الحال، وبصفة خاصة، بالنسبة للببغاء والبومة.
وغنى عن القول أن عددًا معينًا من الحيوانات لم تتناول بأى تصنيف، لأنه لم يحدث أن أكل لحمها. ويصدق هذا بالمثل على نوع نادر جدًا إذ لم يتيسر حل المشكل بشأنه لأنه لم ينشأ؛ ومن ثم فإن الدميرى يذكر أن أحدًا لم يهتم بالخرتيت، الذي يعده هو نفسه بالنظرة الأولى حلالا؛ وحالة الزرافة محل جدل؛ وأخيرًا فإن القرد يعتبر حرامًا إلا عند المالكية؛ وهنا توجد اعتراضات، كما في حالة النسناس (انظر ابن الأخوة: معالم القربة، تحقيق R.Levy، لندن سنة 1938، ص 105، الترجمة ص 34) والفكرة الجديدة عن وجود تشابه بين الحيوانات وأبناء آدم، وهي فكرة تمنع الناس، بضرب من القانون الطبيعى، من أكل هذه المخلوقات، دون أن يستوجب ذلك تحريم صريح (ابن عبد البر، فيما كتبه؛ الدميرى، حيث يوجد علاوة على ذلك حديث يستنكر أكل القردة).
وعلى حين لا يثير الجمل والثور والغنم إلخ .. من الحيوانات الأليفة أية مشكلة، فإن فصيلة الخيل تثير خلافات؛ والحصان حلال لدى الشافعية والحنابلة، أما المذاهب الأخرى فهو مكروه عندها؛ والحمار الأليف حرام إلا عند الحنابلة الذين يرون أنه مكروه، أما حمار الوحش فحلال عند المذاهب جميعًا إلا الحنفية. والبغل الذي ينشأ من تهجين نوعين مختلفين في التصنيف محرم، إلا أنه، على الأقل، عند من يرون الحصان حلالًا يعد من حيث هو نسل حصان وحمارة وحش مباحًا.
وعلى النقيض من المذاهب الأخرى فإن الظاهرية، وبخاصة ابن حزم يعتمدون بعد على معيارهم الأصولى، ويعولون أساسا على القرآن، سورة الأنعام، آية 119:"وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم" فينكرون حالات التحريم التي لم ينص عليها في القرآن.
ولا يختلف الشيعة عن أهل السنة اختلافًا جوهريًا، صحيح أنهم يختلفون عنهم في بعض التفاصيل، إلا أنهم يقيمون أحكامهم على معايير واحدة. ومن ثم فإن القاضى النعمان (كتاب الاقتصار، تحقيق محمد وحيد ميرزا، دمشق، سنة 1376 هـ = 1957 م، ص 95 - 96) الذي يبسط مذهب الإسماعيلية، يبين أن الله قد حرم أكل الميتة والدم ولحم الخنزير (القرآن، سورة المائدة، الآية 3)، وأن النبي [صلى الله عليه وسلم] صرح بأن اللواحم ذات الأنياب والطيور ذات المخالب حرام (انظر ما سبق)؛ وهو يضيف أن الضبع والثعلب محرمان وأن أكل العظاية والقنفذ والحشرات والثعابين وجميع الزواحف الصغيرة أو الحشرات التي تندرج تحت اسم خشاش مكروهة؛ ولا يباح إلا الجراد الذي يمسك به حيا وهو يطير. ومهما يكن من أمر فإن الشيعة يدخلون في لحوم الحيوانات المحرمة أو المكروهة لحم طيور عديدة بالذات (القنبرة إلخ). ولحم فصيلتين جديدتين: طيور تحوم أكثر مما تطير، وطيور ينقصها قونصة وجوارح أخرى (Droit Musul-: Querry man جـ 2، ص 232 وما بعدها). ولا يرخص الإسماعيلية أكل لحم الحصان إلا في الحالة التي يكون فيها الحيوان لا نفع منه في أي عمل، وهم يحرمون على وجه الإطلاق لحم البغال والحمير الأليفة، وحرم أيضًا لحم الحيوانات التي جرت على أكل الروث (الجلالة)، ما لم تكن قد أطعمت عشبًا، حينًا من الزمن. وحرام أيضًا الاغتذاء بلبن الحيوانات المحرمة أو بيضها، ولكن الإمساك عن أكل أجزاء معينة من الحيوانات المباح أكل لحمها -الغدد والطحال والأعضاء التناسلية إلخ- ممدوح أيضًا. وما لا قشر لها، أي (الفلوس) من الحيوانات المائية (انظر سفر اللاوييين، الإصحاح، ص 9، سفر التثنية، الإصحاح 14، الآية 9) أكلها حرام، مثل الحيوانات التي لا تكون على قيد الحياة عند صيدها. ومهما يكن من أمر فإن كل هذه التحريمات تترك في حالات الضرورة.
وتترك هذه الاعتبارات العامة الطريق مفتوحا للجدل، وبخاصة في حالة الحيوانات التي يصعب تصنيفها؛
وعلى سبيل المثال الجرى، أي سمك القط (انظر Profession de foi: H_Laoust on d'Ibn Batta ص 136 - 138).
وتظهر الاختلافات في الآراء كذلك بين فرق الشيعة؛ ومن ثم فإن ابن بطوطة (جـ 2، ص 352؛ ترجمة Gibb جـ 2، ص 468) يروى عن سكان سنوب الأحناف أن خير طريقة عندهم للاطمئنان إلى أن المسافر ورفاقه متمسكون بمذهب أهل السنة هي أن يقدموا لهم أرنبًا، لأن الرافضة لا يأكلون لحم هذا الحيوان (إلا أن الإسماعيلية يأكلونه).
ويضاف إلى مسألة جواز أكل حيوانات بعينها شرعًا، نهى الحجاج في حالة الإحرام عن سفك الدم، ومن هنا تنشأ مشكلة كيف يتعامل امرؤ مع إحدى الهوام؛ ويثور السؤال أيضًا فيما يرتبط بالصلاة.
وعلى صعيد آخر ينشأ السؤال عن الأسلوب الذي ينظر به إلى الحيوانات؛ فمثلا يجوز ذبح الديك، ولكن النبي نهي عن لعنه لأنه يقوم بالوظيفة الدينية الخاصة بإيقاظ المؤمنين في وقت الصلاة؛ والقاعدة نفسها على البراغيث "التي أيقظت نبيا". وينصح المسلمون، بصفة عامة، معاملة الحيوانات، وبخاصة مطاياهم، معاملة حسنة، لأنهم سوف يحاسبون في الآخرة عن أية قسوة أنزلوها بها (في شأن معاملة الحيوانات انظر Des ani-: G.H. Bousquet maux et de leur traitement selon le Ju- daisme .. le Christianisme et l،Islam في St. Isl، جـ 9، سنة 1958، ص 31 - 48؛ Das Meer der Seele: H. Ritter . ليدن سنة 1955، الفصل 22).
والمشكلة التي يثيرها استعمال أجزاء الحيوانات التي يحرم أكلها مشكلة معقدة لا يمكن أن نتناولها هنا بالبحث المستفيض الذي تستحقه (يسرد الدميرى تفاصيل دقيقة في هذا الموضوع). فعند المالكية (القيروان: المرجع المذكور، ص 297) على سبيل المثال: لا يمكن للمسلم الذي تدعوه الضرورة إلى أن يأكل لحم حيوان لم يذبح على مقتضى الشرع الإسلامي أن يتخذ من جلده سجادة للصلاة، ولا أن يبيعه. وبالمثل فإنه لا يمكن اتخاذ جلود
السباع سجاجيد للصلاة. وعلى الرغم من أن الخنازير محرمة بنص القرآن فإن المالكية يبيحون استعمال شعر الخنازير الشائك.
ولا يكاد يكون في الإمكان، في نطاق هذه المادة، التوسع في موضوع جواز الانتفاع شرعًا بالحيوانات لأن المذاهب توسعت في الأحكام التي أوجزت في صدر هذا الباب من هذه المادة فأخذت بمعايير مختلفة (وهم ليسوا دائمًا على اتفاق بالإجماع بشأنها) ومن ثم فإن تناول هذا الموضوع المتشابك كل التشابك يقتضى تدوين قائمة بجميع الحيوانات وبيان الحكم الذي اتخذه كل مذهب من المذاهب المختلفة بالنسبة لكل واحد منها. ومن المفيد أيضًا مقارنة هذه التصنيفات بالأحكام الواردة في التوراة؛ والإنجيل؛ (سفر "اللاويون"، الإصحاح 11، الآيات 1 - 47؛ سفر التثنية الإصحاح 14، الآيات 4 - 21 وانظر أيضًا سفر أشعياء، الإصحاح 65، الآية 4، الإصحاح 66، الآية 3 و 17) وبالمعايير المقررة فإن أكل الحيوانات المجترة من ذوات الأربع التي لها أظلاف حلال (وهذا يستثنى الحصان والحمار والجمل والأرنب والخزر والخنزير) وكذلك الحيوانات المائية ذوات الزعانف والحراشف؛ والطيور التي تستكره وتعافها النفس، والزواحف التي هي حلال، تدرج في قائمة منفصلة على حدة. وحالات التحريم المبينة في العهد القديم تعد في القرآن (سورة النساء، آية 160) عقابًا نزل باليهود لظلمهم وعصيانهم أوامر الله. وليس في القرآن الكريم نص يدعو المسلمين إلى التمسك بهذه الأحكام الصارمة، وهكذا فإن "الوبر" بوجه عام، يعد حلالا، على النقيض من حكم الكتاب المقدس، ولكنه موضوع تحريم يقوم على العادة، بين البدو المصريين مثلا (انظر - G.W. Mur Sons of Ishmael: ray لندن، سنة 1935، ص 90)، أو بين الجماعات المستوطنة لجنوبى الجزيرة العربية (انظر Freya Stark The southern gates of Arabia طبعة بنكوين Penguin لندن، سنة 1945؛ ، ص 67 وما بعدها).
5 -
الحيوانات في الأدب: تشغل أنواع عديدة من الحيوان مكانًا ملحوظًا
في الشعر العربي الجاهلي، وإذا شئنا أن نكون فكرة عن هذا المكان في المجلد الأول من كتاب المجانى الحديثة للبستانى، (بيروت سنة 1945) الذي يسوق إحصاء له دلالته عن هذا الشعر. فإننا نجده يورد بأسماء مختلفة حوالى 80 حيوانًا منها إبل وجياد ونعام وأسود تتردد أكثر من غيرها (درس م. م. د. النويهي هذه المسألة في رسالة لم تنشر، قدمت في لندن عام 1942 بعنوان: الحيوانات في الشعر العربي القديم [مع استبعاد الجواد والجمل]؟ وهناك رسالة في باريس بعنوان "الجمل في الشعر العربي قبل الإسلام"، قام بها أ. ك. زكريا).
ومن الطبيعى أن حيوانات الصحراء في الشعر العربي في العصر الإسلامى تميل إلى أن تشغل حيزًا أقل أهمية، حتى بين الكتاب الكلاسيين والكلاسيين الجدد، على الرغم من أن هؤلاء يواصلون وصف إبلهم ويفاخرون برحلاتهم التي يقطعون فيها الأماكن المقفرة، وعلى الرغم من وفرة مصادر الإلهام الجديدة فإن "المجددين" لم يترددوا في استعراض معرفتهم اللغوية في "طرديات"، نحتوا فيها ذخيرة غنية كل الغنى عن المفردات اللغوية، ونظم بعضهم قصائد خلابة عن حيوانات مدللة، وبخاصة محمد بن يسير (انظر Ch. Pellat: محمد بن يسير الرياشى وأشعاره، في مجلة المشرق، سنة 1955، ص 289 - 338، أو القاسم بن يوسف بن القاسم؛ انظر Vizirat: D. Sourdel ، ص 229، الفهرست)، الذي نظم قصائد رثاء لماعز وقطط وطيور (انظر An: K.A. Fariq -Abbassid secretary- Poet who was interested in animals في Ic جـ 24، سنة 1950، ص 261 - 270). ويحتفظ الغراب والأسد، خلال القرون التالية لذلك، بمكانتهما في الأدب (لأنهما يرمزان على التعاقب للأسى على الفراق والقوة والجرأة)، على حين تظهر أنواع جديدة: مثل الفيل والزرافة. وتغرى أوصاف الطبيعة بتقديم موضوعات جديدة ورموز أصيلة، ويصف الشعراء أقبح الحيوانات وكذلك ألطفها، وتستخدم الحمامة والبلبل والطاووس رموزًا لا في الأدب العربي فحسب، بل
في الأدبين الفارسى والتركى أيضًا. واهتم شعراء المغرب الإسلامى كثيرًا بالحيوانات المدللة، وتجاهلوا الجمل الذي لا يكادون يعرفونه (انظر H. Peres: Poesie Andalouse ص 235 - 247). والموقف، في مجال النثر، مختلف تمامًا. فلا توجد قصص عن الحيوانات أيام الجاهلية في الجزيرة العربية التي لم تكن لديها، بصفة عامة، تراث شعبى متطور كل التطور، والخرافات المنسوبة إلى لقمان ترجع، في معظمها، إلى ما بعد صدر الإسلام. ومن ثم فإن ترجمة كليلة ودمنة كانت ضربًا من الإلهام، ولكنها ظلت رائعة تحاكى من حين إلى حين ولم يبزها أثر آخر أبدًا. وينبغى أولا ذكر القصيدة التي تعيد ترديد هذه الخرافات من نظم أبان اللاحقى ثم القصيدة التي نظمها ابن الهبّارية المعروفة باسم "نتائج الفطنة في نظم كليلة ودمنة"؛ ثم الآثار المقلدة لسهل بن هارون في مصنفه كتاب ثعلا وعفرا، وكتاب النمر والثعلب (مخطوط تم التحقق منه في تونس؛ انظر ع. المهيرى، في حوليات الجامعة التونسية، جـ 1، سنة 1964، ص 19 - 40) لابن ظفر في كتابه "سلوان المطاع في عدوان الأتباع" وكذلك كتاب "الصادح والباغم" لابن الهبارية، و"فاكهة الخلفاء لابن عربشاه" ويبدو أنه ليس هناك أثر من هذه الآثار نال من النجاح ما نال كتاب كليلة ودمنة، ويمكن أن يقال إن الأدب العربي لا يزال في انتظار شاعره الذي يناظر لافونتين. ونلاحظ أيضا أن عددًا بعينه من الحيوانات يدخل في ألف ليلة وليلة وأنه يرد فيها موضوع المسخ على نطاق واسع (انظر - N. Elis Themes et motifs des Mille et une: seeff nuits. بيروت سنة 1949، ص 93، 142 - 144 و 193 وفي مواضع مختلفة؛ The art of story-: M.I. Gerhardt telling. ليدن سنة 1963 ص 305 وما بعدها).
وإلى جانب الجن والغيلان يوجد أيضًا عدد معين من الحيوانات الخرافية، وبخاصة الطيور.
وحكايات الحيوان، في التراث الشعبى لبعض أقاليم العالم الإسلامى، متعددة جدًا؛ ففي شمالى إفريقية، بصفة خاصة، نجدها عنصرًا هامًا في
أدب البربر الشعبى، وتفصح عن وجود أوجه تشابه كثيرة مع الحكايات الغربية المناظرة لها؛ ونجد هنا أن ابن آوى، وهو بين الذئب والثعلب، يعد الشخصية المحورية في هذا التراث (انظر - H. Bas Essai sur in litterature des Berheres: set الجزائر سنة 1920، ص 240 وما بعدها). وفي اللهجة العربية بشمالى إفريقية يضاف تأثير البربر الملحوظ في الاستعارات الشرقية المستمدة أساسًا من كليلة ودمنة؛ وإلى جانب ابن آوى فإن معظم الشخصيات المألوفة حيوانات معروفة كل المعرفة: وهي الحمار والثور والكبش والجدى والدجاجة والكلب والقط، وكذلك الثعلب والغزال والضبع والأسد. وتردد معظم الرسائل ومجموعات النصوص باللهجة المحلية بعض هذه القصص.
آدم [ش بلا Ch. Pellat]
6 -
الحيوانات في الفن: لا تحتل صور الحيوانات إلا حيزًا محدودًا في فن الأقطار الإسلامية، تحدده الاتجاهات التي تفرض عدم تمثيل الأشياء والتجريد الزخرفي الذي يضفي على هذا الفن طرازًا خاصًا، وهو، وإن كان يختلف في نموه إلى حد كبير من إقليم إلى آخر ومن عصر إلى آخر، فإنه يسهم إسهامًا كبيرًا في أصالة الحضارة الإسلامية. ذلك لأن القيود الدينية هي التي أدت أولا إلى تحريم كل تصوير للأحياء، وتعلل عدم وجود هذه الصور إطلاقًا في العمائر العامة، مثل المساجد. ومهما يكن من أمر، فإن هذه القيود، لم تقف بحال حائلا دون أن تستلهم التكوينات المصورة أو المنحوتة ذات الطابع الدنيوى، وبخاصة من الحيوانات التي تعيش في موطن معين، حتى عندما تحاشت رسم صورة دقيقة جدًا للشكل الطبيعى، أو تجنبت أن تبرز كثيرًا، في نطاق الثقافة الإسلامية، أنها ماضية في إتباع التقاليد العتيقة أو إحيائها.
ولم يضطلع أحد بعد بوضع قائمة جرد منهجية بالأشكال الحيوانية المستخدمة على نحو ما ذكرنا وطرزها الأساسية العديدة، والحق أن تنوع المجالات المختلفة التي كانت خليقة بأن تكون موضع بحث، من زخرف
معمارى إلى رسوم إيضاحية للمخطوطات وتشمل كل أدوات الترف التي يبدعها الصناع المهرة، يكفي للدلالة على أهمية ذلك. ولكن ليس من شك في أن النتائج المحصلة سوف تختلف اختلافًا كبيرًا باختلاف طبيعة الأشياء موضوع البحث ومادتها. وسوف تكشف أيضًا عن اختلاف أساليب التناول لكل نوع من الحيوانات، تلك الأساليب التي تعتمد على أفكار مستمدة من الأدب أو من المشاهدة اليومية، كما تكشف عن الأهمية الرمزية والسحرية. وقد ألقى الضوء على هذه المسألة في جميع الدراسات النادرة جدًا، التي تتصف بشئ من العمق وتعتمد على موضوعات بعينها تمثل الصور الحيوانية كوحيد القرن أو الوعل وهو يلتهم ثعبانًا مثلا (انظر Studies in Muslim iconog-: R.Ettinghausen raphy، جـ 1، The Unicorn، واشنطون سنة 1950 و The "Snake-eating Stag. . ،in the East في Late and medieval studies in honour of Albert Mathias Friend Jr برنستون سنة 1955، ص 272 - 286).
بل إننا قبل الاضطلاع ببحوث أخرى من هذا النوع، يمكن أن نذكر أن بعض الأشكال الحيوانية المستخدمة بكثرة من أجل صفاتها الزخرفية. والمفهومات المختلفة التي يمكن أن تحملها والمرتبطة في كثير من الأحيان بسلطان الملوك، قد ظهرت في الفن الإسلامى في بواكير العصر الأموى. ومن ثم فإن بعض العناصر في مجموعة حكايات الحيوان تجسدت في أعمال النحت المنقوشة على الصور نصف البارزة فوق واجهة قصر مشتة على حين رسمت موضوعات من الطراز نفسه، وإن كانت أكثر شيوعًا، على عقد الحمام في قصير عمرة، والفسيفساء الكبرى لقلعة خربة المفجر قد رسمت عليها صورة موضوعها غزالان متقابلان وجهًا لوجه وهما يرعيان وأسد يهاجم أحدهما، على كل جانب من جانبى شجرة عظيمة. ولا مناص من ذكر التصوير الواقعى لجواد ينهب الأرض ركضًا وأيل جريح في صورة جصية جدارية بقصر الحير الغربى، لأننا نستطيع أن نرى في هذه التجارب أول شاهد للذوق الذي ظل من بعد
قائمًا في العالم الإسلامى. والحق أن زخرفة القصور والصروح الفخمة أخذت زمنًا طويلا تلتمس ذخيرة كاملة من موضوعات حيوانية تتراوح في جمودها على شكل معين، استمدتها من الشرق الساسانى أو من العصر اليونانى المتأخر في المشرق، وارتبطت هذه الذخيرة بعد بحياة الترف والمسرات التي كان يعيشها الحكام الجدد الذين تسلموا الملكية.
وتفسر هذه الأسباب نفسها تواتر هذه الموضوعات على قطع الأثاث المرتبطة بالحياة اليومية الرتيبة للأمراء وهل كانت المصنوعات الخزفية أو المعدنية، بل المنسوجات الثمينة، تتسم كلها على السواء بالحاجة إلى تأكيد مجد الرعاة الذين أمروا بصنعها وسعادتهم وطالعهم المشرق. ولهذا السبب ظهر إيثار خاص لتصوير تلك الحيوانات التي استفيد بها زمنًا طويلًا رموزًا للسلطان الملكى (الأسد والطير الجارح، الخ)، ذلك أنها يمكن أن تثير ذكرى الأيام الخالية للسلطان (مشاهد الصيد) أو أنها يمكن أن تتصف ببعض الخواص الكريمة لأصل طلسمى وتنجيمى (صور البروج). وأمدت هذه الصور الصناع المهرة بالعناصر الجوهرية للزخارف الخطية (مصورة، أو محفورة أو مرسومة على سطح مستو) التي تجمع، بصفة عامة، بين الأشكال النباتية والهندسية موشجة بشرائط منمقة بخيوط لحيوانات من ذوات الأربع أو الطيور، وكذلك أوسمة مزخرفة بأشكال تتكرر بدقة تامة أو يقابل أحدها الآخر أحيانًا في تناسق. وهي أيضًا تبرز موضوع أعمال النحت النادرة بالنقش البارز، التي تحاكى الصور الظلية لحيوانات معروفة، وبخاصة الجرار والمباخر.
وتظل النماذج من هذا النوع نادرة بعض الشئ إبان القرون الأولى للإسلام، ولا نستطيع أن نذكر من هذا العصر إلا أعمال البرونز المتأثرة بالتقليد الساسانى، مثل المجموعة التي ينتمى إليها ما يسمى بإبريق مروان الثاني. ولكن عددها ازداد زيادة مطردة بنمو الحضارة العباسية، وتقبلها المتزايد لعادات أجنبية، وبعضها مشوب
بالمروق. وهناك دليل هام على هذا تقدمه المشغولات الذهبية للصاغة البويهيين أو المنسوجات التي روعيت فيها القواعد الجمالية للاستنماط والتكرار فزينت بحيوانات مثل السنانير والوعول والفيلة والنسور والطواويس بل بطيور العنقاء المغربة (هناك تحليلات لهذه الموضوعات في Soieries Persanes: : G. Wiet. القاهرة سنة 1947). بيد أننا نستطيع أيضًا أن نضرب مثلا بالعلب العاجية التي صنعت في الأندلس في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادى) والمنحوتات المصرية الفاطمية من البلور أو العاج أو الخشب (انظر بصفة خاصة Les Figures d'hommes et de: G. Marrais betes dans les bois sculptes d'epoque fatimite Conserves au Musee arabe du Caire، في Melanges Maspero III وسنة 1935 - 40، ص 241 - 257)، دون أن تغفل ذكر الأطباق والأقداح من القاشانى المزخرفة بزخرفة براقة صنعت في تلك الحقبة في أرجاء مختلفة من العالم الإسلامى.
ومن هذه الأمثلة المختلفة، التي تتخذ فيها الزخرفة الحيوانية مكانًا بارزًا، يستخدم البعض سلسلة من الأشكال على طراز "الرنوك"، ونجد هذه الأمثلة بصورة أخص في العراق أو إيران، ويمكن التعرف بلا صعوبة على أصولها الساسانية: وتظهر تفسيرات مبسطة لهذه الموضوعات الرئيسية حتى في أكثر الأنماط شيوعًا من الخزف المزخرف (انظر على سبيل المثال، من القرن الخامس الهجري الموافق الحادى عشر الميلادى، قطعًا، وجدت في بست، ودرست في كتاب - J. C. Gar Les trouvailles: din ا، Lashkari- Bazar، ص 45 - 49، الفهرست): وتكشف أشكال أخرى عن ظهور لمسات من واقعية لطيفة، تجدد، بصدق تفاصيلها أو بالوعى بالحركة، أسلوب التناول لموضوعات كلاسيكية وتبدى حرية راسخة في الوضع الذي تتخذه الحيوانات المحفورة على اللوحات المصرية، أو المصورة بضربات سريعة على الخزف تنتمى إلى الأصل نفسه (انظر ملاحظات Early: R. Ettinghausen realism in Islamic Art في- Studi Orienta
listici in onore di Giorgio Levi Della Vida جـ 1، رومة سنة 1956، ص 250 - 273). ولكن آثار هذه الواقعية تتجلى بصورة غالبة، أولا وقبل كل شئ، في الفن السلجوقى أو في الفن الأكثر تأخرًا الذي يرجع إلى القرن الخامس الهجري (الحادى عشر الميلادى) والقرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادى) وبداية من التاريخ الذي مهدت فيه الإمبراطوريات التركية الجديدة السبيل في الشرق الأدنى لقيام مؤثرات إيرانية وآسيوية مطردة.
وفي ذلك الوقت نفسه صنعت التحف المعدنية ذات الأشكال الحيوانية الأخاذة المعروفة في الفن الإسلامي، وهي تحف أمكن، بفضل المعارض المتعاقبة المخصصة للفن الإيرانى في السنين الأخيرة، الجمع بينها ومقارنة بعضها ببعض. وفي نفس الحقبة ظهرت في العمائر العامة ببلاد الجزيرة العليا والأناضول صور عديدة لحيوانات، نحتت على الحجر أو على ملاط الجبس وقصد بها أولا أن تكون بمثابة طلاسم، وكانت أحيانًا تستلهم الرمز بالنجوم ثم انتشرت على نطاق واسع جدا (موضوع حيوانات التنين المعقدة، وصور مختارة من منطقة البروج؛ انظر Amida: M. Van Berchem، هيدلبرغ سنة 1910، ص 78 وما بعدها؛ Medieval Harran: D.S. Rice في Anatolian Studies، جـ 2 سنة 1952، ص 65 - 66) ويمكننا أن نقارن هذه بضروب العملة المعاصرة لها وبخاصة الأرتقية والدانشمندية، التي تزودنا بموضوعات مماثلة -وفي العصور الأولى لم تكن هناك إلا شارة واحدة للخليفة العباسى المتوكل على وجهها الآخر صورة نجيبة (انظر T. Arnold: Painting in Islam أوكسفورد سنة 1928 لوحة 59 د) على حين نجد صدى متأخرًا عن ذلك ماثلا في أسود بيبرس، التي كانت بشبهها بالرنوك تمثل المنشآت الكبرى لهذا السلطان المملوكى.
وفي الحقبة نفسها استخدمت أشكال حيوانية في زخرفة خطية لتزيين جدران المبانى العامة، أو لتزيين
نمادج من التحف (انظر تحليلات الزخارف من هذا الضرب، مع رسوم رائعة، في دراسات D. S. Rice . المخصصة لنماذج من أشغال المعدن الإسلامية المكفتة بالفضة). والروائع التي تدين بنسبة كبيرة من أهميتها لهذه المظاهر، تنتمى لإيران أو الأناضول في عهد السلاجقة بقدر ما تنتمى إلى الشام ومصر (أولا في عهد الأيوبيين، ثم في عهد المماليك) ولا يفوتنا أن نذكر إقليم الموصل (بالنسبة للورش الخاصة بالعاملين في أشغال البرونز). ولكن لا مناص من أن نلاحظ أن ولايات خراسان فحسب هي التي شهدت تطور هذه الضروب العجيبة من النقوش الحيوانية المقصورة على تحف من المعدن، والتى اجتذبت حديثًا جدًا الأنظار، واستخدمت الصور الظلية لبعض الحيوانات، لتحديد ملامح الشخصيات الحقيقية أو "لتبعث الحياة" فيها برسمها داخل أوراق النبات المتشابكة، التي تشكل الخلفية (انظر The Wade Cup in the Cleve-: D.S. Rice land Museum of art، باريس سنة 1955، ص 21 - 33). وليس من شك في أن هذا يقتضينا أن نعده أكمل أنموذج لتطويع الحيوانات الأهلية لمقتضيات الفن الزخرفي العربي الذي نجده ماثلا في الضروب المثالية للفن القديم في الإسلام.
وفضلا عن ذلك فإن الميل إلى استخدام موضوعات حيوانية في الفنون الإيرانية أو الهندسية الإيرانية، خلال العصور المتأخرة، ظل يتخذ وسيلة لأنماط زخرفية حافلة بالنضارة، على حين تخلى الفنانون عنها شيئًا فشيئًا في مناطق أخرى من العالم الإسلامي.
ومن ثم فإن منسوجات الديباج والسجاجيد في عهد الصفويين، تزودنا حتى عهد قريب، بشاهد على موارد هذه الذخيرة الأنيقة والتقليدية في آن واحد، والتى وفق في إحيائها البحث في عصر المغول، وإن كان قد قدر لها فيما بعد أن تظل مجهولة لدى الصناع المسلمين، الذين كانوا يعملون في قطر آخر غير فارس.
وجنبًا إلى جنب هذه العناصر الحيوانية في الزخرفة الإسلامية، يجب
أيضًا ألا نغفل تصاوير حيوانات تكاثرت، وإن كانت قد اهتدت بروح مختلفة كل الاختلاف على يد مصورين أو رسامى منمنمات مسلمين، كانوا كثيرا ما يتخذون نماذجهم من عالم الحيوان، ونجحوا في تمثيل ذلك بصورة زخرفية جلية، ومع ذلك فإن هذا التمثيل لا يخلو أحيانًا من الدقة بل الواقعية.
والحق أنه في العصر القديم نفسه، وفي إبان نهضة رؤى حديثًا أنه يجب أن نطلق عليها اسم "التصوير العربي" (انظر Arab Painting: R. Ettinghausen. جنيف، سنة 1962)، وهي شاهد أدق على ازدهار ألم بالثقافة فيما بعد العهد السلجوقى العراقى الجزرى أو الثقافة السورية - المصرية (من نهاية القرن السادس الهجري الموافق الثاني عشر الميلادى إلى القرن الثامن الهجري الموافق الرابع عشر الميلادى) كانت الصفة الطبيعية الفعلية للآثار المصورة، أي كتب الأدب التي تشمل مجموعات من الخرافات أو الرسالات الفنية المؤثرة في علم الحيوان، تشجع أيضًا على ذلك الرواج المتفرد الذي لقيته في ذلك الوقت التصاوير الحيوانية؛ ويكفي، على سبيل المثال، الإشارة إلى ما بقى بين أيدينا من النسخ المحلاة بالصور لكتاب كليلة ودمنة لابن المقفع، (نسخ في باريس، المكتبة الأهلية، فن رقم 3465 و 3467؛ ميونخ، المكتبة القومية، القسم العربي، رقم 616؛ القاهرة، دار الكتب المصرية، الأدب الفارسى، رقم 61؛ أوكسفورد، مكتبة بود ليانا Pococke 400)، وكذلك إلى نسخ من كتاب منافع الحيوان، تحقيق ابن بختيشوع (بالفارسية؛ نيويورك، مكتبة مورجان، مخطوط 500؛ وواشنطون، صالة عرض فرير Freer ، رقم 27 - 5) وابن الدريهم الموصلى (مكتبة الإسكوريال فن 898) دون إغفال كتاب البيطرة لأحمد بن الحسين بن الأحنف (إستانبول، طوب قابى سراى، أحمد الثالث رقم 2115) وكشف الأسرار لابن غانم المقدسى (إستانبول، سليمانية، لالا إسماعيل، رقم 565) وكتاب الحيوان للجاحظ (انظر O.Loef Ambrosian fragments of an illumi-: gren nated manuscript containing the zoology
of al Gahiz أوبسالا - ليبسك سنة 1946).
على أننا ونحن بصدد هذه الآثار المختلفة، التي يمكن أن يضاف إليها "المشاهد الخاصة بنوع معين" المحلاة بالحيوانات المألوفة التي نجدها من حين إلى حين في مخطوطات مصورة أخرى ترجع إلى العصر نفسه (انظر على سبيل المثال، المشاهد المعروفة باسم "قطيع الإبل" أو "رحيل القافلة" أو "حديث قرب قرية" في مخطوط لمقامات الحريرى: باريس المكتبة الأهلية، فن رقم 5847)، نرى أنه من الأهمية بمكان أن ننوه بوجود تواصل نمطى يتيح لنا أن نتحدث عن أسلوب فنى خاص في تمثيل الحيوانات بالفن التصويرى، على نحو ما نراه ماثلا فيها. ويمكن تعريف هذا الأسلوب أساسا بأنه "مزيج من الإدراك الحسى الثاقب لصفات الحيوان الخاصة وأسلوب طبيعى في تصويرها" (- R. Et Arab Painting: tinghausen ، ص 136).
والحق أننا نستطيع أن نرى بسهولة في أقدم نسخة معروفة من كليلة ودمنة، ترجع إلى بداية القرن السابع الهجري الموافق الثالث عشر الميلادى؛ (مخطوط، باريس، المكتبة الأهلية، فن رقم 3465)، مبلغ ما بذل من عناية في إضفاء الحياة وصدق التعبير على أشكال الحيوان، وذلك بالتخلص شيئًا فشيئًا من النزعة التقليدية الفطرية في الأسلوب المأثور الإيرانى، الذي ينعكس أحيانًا في نسب الموازنة بكل صورة وأخيرا تتمثل الذروة التي بلغتها هذه النزعة في أثر نموذجى لما يسمى مدرسة بغداد مثل مخطوط الحريرى الذي حققه شيفر وسبقت الإشارة إليه، وهو يحمل توقيع كاتب يدعى الواسطى عام 634 هـ (1237 م). ويمكن أن نرى أن هذه النزعة اختفت إلى غير رجعة بعلو شأن المذهب الشكلى الذي اتسم به التصوير المملوكى، على حين قدر لهذه النزعة أن تبعث بصورة جديدة في مدارس التصوير الفارسية الخالصة، التي قدر لها أن تتخذ شكلها بعد التصدع الذي حدث بفعل الغزو المغولى. وكان من نصيب هذه المدارس حقًا أن تحافظ على
الإحساس بحركة الحيوان، حتى حين استبدلت بالمحاولات الأولى للواقعية العودة إلى تصور أكثر زخرفًا للموضوعات المختلفة التي تتناول، وحين تبلورت روائعهم باستلهام مشاعر جمالية مختلفة أشد الاختلاف (علاوة على الآثار الكلاسيكية عن الموضوع، انظر البحث الأخير للأستاذ ب. جراى Person Painting: B. Gray جنيف، سنة 1961).
ومن ثم يمكننا أن نضفي على رسامى المنمنمات المسلمين، باعتبارهم وحدة كاملة، لقب "أستاذة مصورى الحيوان"، وهو لقب يبدو من الصعب أن نوفق بينه وبين الأحكام المقيدة لحرية الخيال المبدع في تلك المدينة، وإن كان مع ذلك يؤكد بحق مظهرًا من المظاهر الخلابة في الفن الإسلامي.
المصادر:
ليست هناك دراسة شاملة مخصصة لهذا الموضوع. وهناك دراسات فردية مختلفة أشرنا إليها في صلب المادة. ومن شاء الاطلاع على دراسة أخرى لبعض المظاهر التي تناولها الحديث فيما سبق، فإنه يجدر به الرجوع إلى A Bibli-: K.A.C. Creswell ography of the architecture، arts and crafts of Islam لندن سنة 1961، ويمكن أن يضاف إليه Three minim-: E.J. Grube -tures from Fustat in the Metropolitan Mu seum of Art في Ars Or، جـ 5 (1963)، ص 89 ، 95، و Indo- Islamic: H. Goetz Figural sculpture المرجع نفسه، ص 235 - 241.
آدم [سوردل- تومين Sourrdel- Thomine]
7 -
علم الحيوان عند المسلمين:
على الصعيد العلمى قد يظن المرء أن الكتب المخصصة للحيوانات التي كتبها أرسطو مؤسس علم الحيوان المطابق للعقل، وربما تكون قد أتاحت لأولئك العلماء من العرب الراغبين في الإفادة من نتائج الدراسات الإغريقية، في إحراز تقدم عظيم في معرفة مملكة الحيوان وإدخال علم الحيوان في المناهج العلمية التي وضعها المسلمون، على مستوى الجغرافيا العلمية، أو الرياضيات، أو الطب، مثلا. ولكن على الرغم من ترجمة يحيى بن البطريق
لكتاب أرسطوطاليس "تاريخ الحيوان" Historia animalium (في القرنين الثاني والثالث الهجريين = الثامن والتاسع الميلاديين) فإن مما له دلالة أن علم الحيوان لم يكن قط من فروع المعرفة التي تروج كل الرواج بين الجمهور، كما أن مكانته كانت محدودة على نحو متزايد بين التصنيفات النظرية المختلفة للعلوم وهو في تصنيف أرسطوطاليس جزء لا يتجزأ من "الفيزياء" يرتبط بعلم النفس، ولا يزال يوجد مع النفس ضمن العلم الطبيعى في كتاب إحصاء العلوم للفارابى (تحقيق عثمان أمين، القاهرة سنة 1949 ص 99؛ انظر أيضًا M.M. Introduction a la: Anawati et L. Gardet .theologie mus، ص 106؛ وهو يظهر علمًا مستقلا بذاته عند إخوان الصفاء (Gardet- Anawati. ص 109) ويدرج بين العلوم الدخيلة في كتاب مفاتيح العلوم للخوارزمي (Gardet- Anawati. ص 111)، ولكنه لم يعد يوجد في كتاب إحياء علوم الدين للغزالي (Gardet- Anawati- ص 117) أو في كتاب المقدمة لابن خلدون (Gardet- Anawati، ص 123 - 124). ويبدو أنه لم يثر أيضًا اهتمام القلقشندى، الذي لم يذكر أي كتاب في علم الحيوان بمفهومه الصحيح في كتاب Les classiques du scribe egyption (G. Wiet، في St. Isl. جـ 18، ص 50 - 53) وهذا الإهمال المطرد الذي أبداه المفكرون والكتاب العرب، من الصعب أن نجد تفسيرًا له حين نرى الاهتمام الذي تحظى به الحيوانات في الشريعة الإسلامية، ولكن لعل هذا يرجع في معظمه إلى عدم وجود بحث منظم وكتب متخصصة ذات طابع علمي حقًا، على الرغم من وجود حدائق للحيوان (حير الوحش)، جمعت فيها أندر أنواع الحيوانات وأشدها ضراوة وأنفقت فيها مبالغ طائلة (انظر Renaissance: A. Mez ص 383؛ الترجمة الإنكليزية، ص 404 - 405 حيث يرد أيضًا ذكر وقائع نزال منظمة) وكان ذلك خليقا بأن يثير فضول علماء ويشجعهم على الاضطلاع بدراسات عميقة. ولكن علم الحيوان لدى المسلمين ظل على المستوى الأدبى، أو ربما يمكن القول على المستوى الديني؛ بل لا يمكن أن يقال أنه ظل على المستوى الوصفي
في كتب المؤلفين الذين بذلوا جهودًا لإضفاء شئ من الترتيب على حقائق سبق اكتشافها واصطناع قوائم بالترتيب الأبجدي. والراجح أن السبب البسيط لهذا القصور هو الجاحظ، صاحب كتاب الحيوان الضخم في سبعة مجلدات، وكان الغرض الصريح من تأليفه ليس الدراسة العلمية لأنواع الحيوان، وإنما كان الغرض إثبات وجود الخالق بالدليل عن طريق مشاهدة خلقه (جـ 2، ص 109 وما بعدها؛ جـ 3، ص 209 وما بعدها)، وتمجيد حكمة الله، الذي لم يخلق شيئًا عبثًا أو مؤذيًا كل الإيذاء: فالحيوانات الخطرة أو المؤذية التي يباح قتلها هي في الواقع محنة يبتلى بها الله الناس (جـ 3، ص 300). والجاحظ على علم تام بما قاله أرسطوطاليس وأحيانًا ينتقده (مثلا جـ 6، ص 17) وينقل منه على سبيل الاستشهاد فقرات كثيرا جدًا (انظر ط. الحاجرى: تخريج نصوص أرسطوطالية من كتاب الحيوان للجاحظ، في مجلة كلية الآداب بالإسكندرية، سنة 1953 وما بعدها)، ولكنه مقتنع بأنه ليس في حاجة إلى الالتجاء للأفكار الإغريقية، نظرًا لأن كل ما يرد في مصنفات الفلاسفة في علم الحيوان معروف بالفعل للبدو (جـ 3، ص 268)؛ وهكذا فإنه رغم أنه معجب بصاحب المنطق فإنه يتجاهل عمدًا مبادئ أرسطوطاليس في التصنيف التي من المسلم به أنها أدنى إلى السلبية ومن الصعب فهمها (انظر Parties des ani-maux، ترجمة J.M.Le Blond. باريس سنة 1945، جـ 1، ص 66) مما دعا الجاحظ إلى أن يتمسك بمذهب تجريبى أولى.
وبعد أن ذكر الجاحظ (جـ 1، ص 26) أن المخلوقات تنقسم إلى ثلاث طبقات: متفق ومختلف ومتضاد، فإنه بعد شئ من التردد حول المرتبة التي يضع فيها النجوم، والعناصر الأربعة إلخ، يفرق بين الجماد، من جهة، وبين النامي، من جهة أخرى. ثم يقسم النوع النامى إلى "مملكتين": حيوان ونبات. وتنقسم مملكة الحيوان، بدورها، إلى أربعة فروع، حسب الطريقة التي يتحرك بها الحيوان: ما يمشى، وما يطير، وما يسبح، وما ينساح، وهذا التصنيف الذي يقوم على مجرد المشاهدة الجارية
هو التصنيف نفسه الذي يتفق مع التقسيم الوارد في الكتاب المقدس (سفر الملوك الأول، الإصحاح الرابع، آية 33: "وكلم "سليمان" أيضا بهائم وطيرًا وزواحف وسمكًا")، ويطابق معيارًا من المعايير الأفلاطونية في التصنيف. وانطلاقًا من هذه "الطبقات" يكابد الجاحظ شيئًا من الحيرة، ذلك أنه لا يسلم بأن تقسيمه ليس مطابقًا للعقل فحسب من حيث أنه اضطر إلى استبعاد النعامة من "طبقة" الطيور، في حين أنه أدرج فيها الخفاش، بل إنه يجد لزامًا عليه أن يتخلى عن محاولة اختيار تقسيمات صارمة جدًا، بسبب العجز عن الانتقال من الخاص إلى العام في تحديد الصفات الأساسية للأنواع والأجناس. وأخيرًا فإنه يخلط بين المعايير الوظيفية وعادات الحياة لتحديد الأنواع، وبالرغم من أنه كانت لديه فكرة غامضة عما ينبغي أن يكون " قبائل" و"فصائل" و"أجناسًا" في التصنيف المنهجى الحديث، فإنه، بصفة عامة، يتمسك بالأنواع، التي قسمها إلى أربع طبقات، السابق ذكرها:
1 -
حيوانات تمشي: الناس والبهائم (أي حيوانات من ذوات الأربع ليست آكلة للحم، سواء كانت أليفة أو برية و"السباع" (حيوانات مفترسة، أي آكلة للحم، أليفة أو برية) وحشرات بلا أجنحة.
2 -
حيوانات تطير: ومن هذه الحيوانات ليس ثمة إلا ثلاث "قبائل": (أ) سباع الطير، وهي بدورها تنقسم إلى أحرار (أي طيور جارحة كبيرة مثل العقاب والنسر إلخ). وبغاث (وهي أقل تجهيزًا بوسائل الدفاع)، وطيور صغيرة تقتات بحشرات؛ (ب) طيور هي بهائم أي آكلة حبوب تحمى نفسها بالفرار؛ (ج) الهمج، وهي حشرات مجنحة.
وهو في مجريات كتابه يميز الكثير من الأنواع المختلفة للزواحف، ولكنه لا يعرض أي تصنيف لها. وكذلك لا يجسر على تصنيف السمك (الذي يدرج معه عمدًا ثدييات مثل الحوت)، وهو على أية حال يقول إنه لم يجد في الشعر القديم دليلا كافيًا يعتمد عليه وروايات الملاحين غير موثوق بها (جـ 6، ص 16).
وكتاب الحيوان، وهو مصنف في الأدب له طابع ديني، وليس كتابًا في العلم الطبيعى، يتسم بأكبر قدر من التشويش. ومصادره متنوعة، ولكن أهمها المعلومات الأدبية التي جمعها الباحثون في القرنين الثاني والثالث الهجريين (الثامن والتاسع الميلاديين) وأثرتها الروايات الشفوية، والمعلومات التي تحصلت من الأحاديث والمشاهدة السائرة ومن التجارب الصغيرة التي مر بها المؤلف نفسه أو أصدقاؤه من المعتزلة، وهي التي تتعلق بأثر المشروبات الروحية على الحيوانات (جـ 2، ص 228 - 229) أو بحوثه عن التولد الذاتى (جـ 3، 348) وهو لذلك نصير عن اقتناع (جـ 3، ص 372)؛ جـ 5، ص 371 الخ). مخالف لمن ينكرونه، ويزعمون أن الحيوان لا يمكن أن يلده إلا حيوان (جـ 5، ص 349). ويهتم الجاحظ اهتمامًا خاصًا بالحيوانات المولدة بالتهجين، ويخصص للبغل رسالة، تذيل كتاب الحيوان. والجاحظ على صعيد آخر، ينتهج نهج أرسطوطاليس، الذي يربط علم الحيوان بدراسة النفس، وينثر، في ثنايا مصنفه، ملاحظات سديدة عن نفسية الحيوانات (مثل ما ورد في جـ 6، ص 69 وما بعدها، عن الاعتزاز بالنفس) ثم إن الجاحظ إذ يرى أن تأثير البيئة بالغ الأهمية، فإنه يلم في إجمال بنظرية في التطور لا تخلو من شأن.
وعلى الجملة، فإنه تم بحث حالات ما يقرب من 350 حيوانًا على نحو يتفاوت في العمق، وإن كان على غير منهج، إذا أراد المرء، أن يجد ثمرة لذلك فإن الأمر يقتضيه أن يرجع إلى الفهرست الرائع للطبعة التي حققها عبد السلام هارون. ومن ثم يمكن سبر غور ما عرفه العرب الأوائل عن الحيوانات، وتحصيل فكرة عن الآراء التي يتخذونها عن بعض أنواع الحيوان. والجاحظ معتزلى حق، يخضع كل شئ لمعيار العقل، ولذلك فهو يبذل جهدًا في مضيه إلى تقويض دعائم بعض الأساطير (مثل، جـ 2، ص 14)، ويخلط الروايات التي يرويها بأفكار من صنعه، كانت كفيلة، لو لم يعبر عنها بطريقة مشوشة، بأن تكسبه
مكانة مشرفة بين أرسطوطاليس وبيفون (1) وعلى حين يسير كتابه "البيان" على منهج بعض الشئ، ويعرضه العسكرى في صورة أكثر تنظيمًا في مصنفه "كتاب الصناعتين" فإن كتاب الحيوان وعلم الحيوان بصفة عامة لا يكادان يلهمان الكتاب المتأخرين. وفي الوقت الذي ازدهر فيه الأدب فإن ابن قتيبة في كتابه "عيون الأخبار" (ترجمة The natural: L. Kopf history إلخ.، باريس وليدن، سنة 1949) وأبا حيان التوحيدى، بعد ذلك بقليل، في كتابه الإمتاع والمؤانسة (ترجمة L. Kopf، في Osiris جـ 12، سنة 1956، ص 390 - 466)، خصصا بعض الفراغ للحيوانات، ولكن دون أن يعنيا بالتصنيف العلمى. وثمة تناول للموضوع من هذا القبيل في الموسوعات العامة، وخير مثال لها هو المستطرف (فصل 62) للإبشيهي. ومن جهة أخرى عرض إخوان الصفاء بوضوح في نهاية الجزء الثاني من كتابهم "الرسائل" طبقات المخلوقات شاملة في ترتيب تصاعدى: المعادن والنباتات والحيوانات والإنسان والأجرام السماوية، وفي كل طبقة من هذه الطبقات نجد أعلاها رتبة قريبة من أدناها في الطبقة التالية: وهكذا فإن النخلة، التي تنتمى إلى أعلى رتبة بين النباتات، تزحزح قليلا عن الحلزون، الذي لا يتصف إلا بحاسة اللمس، ذلك أن الحكمة الإلهية لا تهب للحيوان أعضاء، ليس في حاجة إليها. ويحتل القرد الذي يقارب الإنسان غير المتحضر أعلى رتبة بين الحيوانات، ويوضع في أدنى درجة في الفرع التالى من التقسيم. ويكون الإنسان طبقة قائمة بذاتها، لأنه يتصف دون سواه بجميع المزايا، التي لا توهب للحيوانات إلا على حدة.
وظلت الحال على هذا المنوال حتى جاء القزويني (المتوفي سنة 682 هـ- 1283 م) فاصطنع بطريقة منهجية أفكارًا أقدم عهدًا، وأدخل في كتابه "عجائب المخلوقات" رسالة عن علم الحيوان؛ وهو يقسم الكائنات الحية
(1) الكونت جورج لوى لكلير دى بيفون عالم فرنسى في الطبيعات.
ثلاث "ممالك" ويضع الحيوانات في أعلى رتبة، ويعلق أهمية كبرى على طرقها في الدفاع، ويتخذ هذه الطرق معيارًا لتصنيفها:
1 -
حيوانات تصد أعداءها بقوتها مثل الأسد والفيل.
2 -
تلك الحيوانات التي تحمى نفسها بالفرار، مثل الغزال والأرنب والطيور.
3 -
تلك الحيوانات المزودة بوسائل خاصة للدفاع مثل القنفذ.
4 -
تلك التي تعيش في حصن مثل الفئران أو الحيات. ولكنه يقسم بعد ذلك الحيوانات إلى سبع فصائل:
1 -
الإنسان.
2 -
الجن.
3 -
الدواب (الحصان، البغل، والحمار).
4 -
الحيوانات الأليفة (النعم).
5 -
الحيوانات المفترسة.
6 -
الطيور.
7 -
الحشرات والزواحف الخ. وفي الأجزاء الثلاثة الأخيرة من رسالته، يخصص للحيوانات حواشى مرتبة بحسب الحروف الهجائية، وفيها بعض الملاحظات العامة البعيدة كل البعد عن العلم، تليها الخواص السحرية أو الطبية لأعضاء الحيوان المختلفة. وهذا بالمقارنة إلى الجاحظ هبوط في التصنيف واضح، ويمكن أن يصدق الشئ نفسه، من حيث الصعيد العلمى الخالص، على كتاب "حياة الحيوان الكبرى" للدميرى المتوفي عام 808 هـ-1405 م؛ الذي لا يأتي بتصنيف جديد، بل يقتصر على نقل (انظر كتاب الحيوان) تصنيف الجاحظ، بيد أنه يجمع بطريقة مفيدة، في حواشى مرتبة حسب الحروف الهجائية، ملاحظ لغوية، وروايات مختلفة، والموقف الشرعى الخاص للحيوان (بالأدلة التي قدمها فقهاء المذاهب المختلفة) والأمثال التي كانت الحيوانات مضربًا لها، والخواص السحرية أو الطبية لأعضائها المختلفة، وأخيرًا تفسير الأحلام التي تظهر فيها هذه الحيوانات.
وكان هناك أطباء أو علماء في الطبيعيات مثل ابن بختيشوع (كتاب
منافع الحيوان، انظر ما سبق فصل 6) أو ابن البيطار أو الأنطاكى يهتمون أحيانًا بالحيوانات أيضًا، ولكن الفروع الوحيدة لعلم الحيوان التي كانت حقًا موضع دراسات متعمقة ومنهجية هي علم الخيل والبيطرة وكذلك علم الطيور في تطبيقه على الصيد بالصقور.
وخارج نطاق المجال العربي بالمعنى الدقيق، فلا يوجد فيما يعلم كاتب هذه المادة، كتاب يتسم بأصالة. ولا يذكر أ. عدنان إديوار (عثمانلى توركلرنده علم، إستانبول سنة 1934، ص 15، 76، 91) إلا ترجمة تركية واحدة لكتاب حياة الحيوان مع بعض الإضافات، كتبها محمد بن سليمان، وهو معاصر للدميرى (مخطوط طوب قابى سراى، روان كوشكى سنة 1664)، و"تحفة الزمان وخريدة الأوان" للموسوعى التركى مصطفى بن على الموقت، الذي يشتمل على منهج في علم الحيوان يقوم على كتابى الدميرى والقزوينى، وأخيرًا ترجمة فارسية لكتاب حياة الحيوان، قام بها حكيم شاه قزويني لسليم الأول. وننهي حديثنا في ذلك بكتاب في علم الحيوان، وهو خواص الحيوان، جمعه وصنفه، في القرن الثاني عشر الهجري (الثامن عشر الميلادى)، الكاتب الفارسى حزين.
المصادر:
علاوة على المصادر المذكورة في صلب المادة:
(1)
Arab. zool. dict.: A. Malouf القاهرة سنة 1932، وهو كتاب مفيد في تحقيق أسماء الحيوانات.
(2)
شروح عن الحيوان في بلاد بعينها في A. Hanoteau و A. Letour - La Kabylie et les coutumes Kabyles: neux باريس سنة 1893 ، جـ 1، ص 208 وما بعدها.
(3)
Les mammiferes du: J.B. Panouse Maroc طنجة سنة 1957 ص 191 وما بعدها.
(4)
V. Montiel Occidental: Faune du Sahara، باريس سنة 1951. وانظر أيضًا.