الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأنصار
(*)
لقب الذين آمنوا بالنبي [صلى الله عليه وسلم] من أهل المدينة وآووه وأيدوه بعد هجرته من مكة، ويقال لهم أحيانا "أنصار النبي". وقد يكون هذا اللفظ جمعا لكلمة نصير التي لم ترد قط في هذا المعنى الشرعي. وينسب إلى الأنصار فيقال للمفرد أنصاري، وهو مشتق من الجمع. والأنصاري يطلق على الرجل من سلالة الأنصار، ويستعمل صفة، وجمعه "أنصاريون"(1).
ويبدو التشابه الموجود بين لفظ أنصار ونصارى، فمن قبل أطلق عيسى على الحواريين "أنصار الله"(2)(سورة آل عمران آية 52؛ سورة الصف، آية 14)، وكثيرا ما ردد النبي صلى الله عليه وسلم أن المؤمنين يجب أن يكونوا أنصار الله، وهو يخص الأنصار والمهاجرين بأنهم السابقون إلى الإِسلام وقد تبعهم باقي المؤمنين (سورة التوبة، آية 100). وإذا استثنينا الآية 117 من سورة التوبة فإن الآية 100 منها هي الآية الوحيدة التي أطلق فيها لفظ الأنصار بصفة مباشرة على المؤمنين من أهل المدينة.
ونجح محمَّد [صلى الله عليه وسلم] في تحبيب الإِسلام إلى فريق من رجال المدينة الذين كانوا يتوجهون إلى مكة حاجين، وذلك في وقت تحرج مركزه فيه من جراء الدعوة التي كان يبشر بها، وما إن اطمأن لتأييدهم حتى هاجر إلى المدينة عام 622 م ولقى هو وجماعته ما كانوا ينتظرون من عون. وكان عدد من هؤلاء يعيشون على الكفاف، فاضطروا إلى الاستعانة في الرزق بإخوانهم من أهل المدينة، وآزر الأنصار النبي [صلى الله عليه وسلم] أيضًا في نشر دعوته، وكان غالب أتباعه في أول الأمر من قبيلة الخزرج بالمدينة، وعلى ذلك فإذا قيل الأنصار كانت هذه القبيلة هي المقصودة. أما قبيلة الأوس فقد وقفت من النبي [صلى الله عليه وسلم] موقفا محايدا (3).
كانت جماعة المؤمنين تنقسم إذن إلى مهاجرين وأنصار، ولكن محمدا [صلى الله عليه وسلم] قد جاهد من أول الأمر في أن
(*) الهوامش تلي المقال في التعليقات.
يصل ما بينهما وذلك بمؤاخاته بين أفرادهما. وكان أخص صحابة النبي [صلى الله عليه وسلم] من المهاجرين وبقيت بين الأنصار بعض المنازعات القبلية وإن لم تبلغ قط ما كانت عليه من حدة (4). وسيطرت روح التضحية على الأنصار فكانوا يغيثون الفقير بالرغم مما في ذلك من إثقال لكاهلهم. وفيما عدا ذلك نجد الأنصار قد قصروا مساعدتهم أول الأمر على الذود عن الدين، ولم يساهموا في الحروب الأولى التي وجهت إلى مكة. وكانت قلة حماسهم في المبادرة إلى الجهاد كثيرا ما تقلق بال النبي [صلى الله عليه وسلم] حتى آثر الاعتماد على عون الله (5).
وأخذ الأنصار يناصرون النبي [صلى الله عليه وسلم] شيئًا فشيئا: كان عليهم تأييده في دعوته وعدم مساعدة خصومه، مثال ذلك أنهم أمروا بأن يكونوا عيونا للنبي [صلى الله عليه وسلم] على الكفار، على أنهم في الوقت نفسه احتفظوا -إلى حد ما- بحقهم في إبداء الرأي، طالبوا بتوقير أشخاصهم، وهو أمر أقرهم عليه النبي [صلى الله عليه وسلم]، وقد تحقق لهم ما ورد في القرآن الكريم من أن الله ينصر من ينصره. فما أن خلص الأنصار من المحن حتى تحسنت حالهم بتدفق الغنائم على المدينة ورواج تجارتها. ولما استولى المسلمون على مكة خشى الكثيرون من الأنصار أن ينقل النبي [صلى الله عليه وسلم] عاصمته إليها ولكنه بدد مخاوفهم بقوله إنه يريد أن يعيش حيث يعيشون ويموت حيث يموتون (6)، ومن الواضح أنه لم يكن ليجد مؤيدين يطمئن إليهم في آية بلدة كما وجد الأنصار في المدينة. ومع هذا فقد قدر لهم أن يروا أشراف مكة الذين ذهبوا في مناوأة النبي [صلى الله عليه وسلم] ينعمون برضاه (7).
وبعد أن قبض النبي [صلى الله عليه وسلم] كان جمهور المسلمين ينتخبون الخليفة في أول الأمر، ولكن لم ينل أحد من الأنصار شرف الخلافة. وأصبحوا مضرب المثل في التقوى وظلوا مخلصين لذكرى النبي [صلى الله عليه وسلم] مبرَزين في علم الحديث. وكانت هذه الفضائل هي التي رد بها الأنصار على تفاخر أهل مكة بجاههم، وكانوا يشيدون كذلك