الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إيمان
الفكرة الأصلية في المعنى الأولى لصيغة "أمن" هي راحة العقل والطمأنينة من الخوف (انظر الراغب: المفردات، ص 24، لسان العرب، جـ 16، ص 160، س 1، 6 وما بعده). وعلى هذا فكلمة "آمن" يمكن أن يكون معناها جعله في أمان أو صدق بشخص أو شيء. والمعنى الديني لكلمة الإيمان هو:
(1)
التصديق أو الاعتقاد في الله وفي النبي [صلى الله عليه وسلم] ورسالته.
(2)
تصديق ما اشتملت عليه الرسالة.
وينقسم أول هذين الاستعمالين إجمالا إلى ثلاثة أقسام (انظر الغزالي: الإحياء، الكتاب الثاني، الفصل الرابع).
(1)
ويفرق (1) القرآن الكريم أحيانا بين الإيمان والإِسلام ولا يفرق بينهما أحيانا أخرى، وعبارته في صلتهما بالعمل الصالح. واختلف علماء الكلام بعد ذلك فيهما، ولهذا نجد أن اصطلاح الفقهاء على معنى الإيمان يناقض اصطلاح المتكلمين. وفي الحديث أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال: يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان. ولكن ما معنى الإيمان هنا؟
يقول البعض إنه عقد بالقلب، وأضاف آخرون إلى هذا "الشهادة باللسان"، وزاد غيرهم شيئًا آخر هو "العمل بالأركان". قال بالرأى الأول الأشاعرة والماتريدية، وقال الأحناف بالرأى الثاني؛ أما الثالث فهو قول الخوارج، وذهب الكرامية إلى أن الإيمان هو "التصديق باللسان"، أي "الإقرار. وقال غيرهم كالجهمية مثلًا وهم فرقة من الجبرية: إن الإيمان إنما هو المعرفة بالله "بالعقل" والمعرفة برسله "بالوحي". وانتهى أهل السنة إلى رأى في الإيمان؛ وهو أن الإيمان هو التصديق بالقلب أي الاعتقاد والإقرار باللسان "القول" والعمل الصالح. والإقرار باللسان أقل درجات الإِسلام،
(1) من الأمور المقررة أن الفرق بين الإيمان والإِسلام عند أهل السنة هو الفرق بين العام والخاص، والإيمان لا يحصل إلا بالقلب وقد يحصل باللسان والإسلام أعم، لكن العام في صورة الخاص متحد مع الخاص، ولا يكون أمرا آخر غيره مثال ذلك؛ الحيوان أعم من الإنسان، ولكن الحيوان في صورة الإنسان ليس أمرا ينفك عن الإنسان، والعام والخاص مختلفان في العموم متحدان في الوجود. وعلى ذلك مسح القول بأن المسلم أعم من المؤمن وإطلاق العام على الخاص لا مانع منه فإذا سمى المؤمن مسلما لا يدل على اتحاد مفهوميها. والمطلع على القرآن والسنة يرى أنهما مملوءان بالأدلة على أن الإيمان مقرون بالعمل الصالح.
جاد المولى.
ومن صدق بقلبه وأقر بلسانه وعمل صالحا دخل الجنة.
ويذهب المعتزلة إلى أن صاحب الكبيرة إن كان مسلما مصدقا بقلبه ومات قبل التوبة فلا هو بالمؤمن ولا هو بالكافر، وإنما هو فاسق يخلد في النار. ويوافقهم الخوارج على الحكم الأخير، ولكنهم يذهبون أيضًا إلى أن كل معصية يخلد صاحبها في النار. وأهل السنة يسمون صاحب الكبيرة فاسقا أيضًا ولكنهم يقولون إن نهايته إلى الجنة؛ لأن أصحاب الكبائر من المؤمنين ستطهرهم النار ولن يخلدوا في الجحيم.
أما المرجئة فهم في الجانب الآخر، نشأت فرقتهم في صدر الإِسلام عندما اختلف السلف الصالح في أمر من كان مسلما باللسان دون العمل، قال الخوارج في صراحة إنه كافر، أما المرجئة فآثروا أن يؤخروا الحكم عليه إلى أن يكشف الله ما في غيبه، وقالوا بإسلام من اعترف بأنه على الإِسلام. وتلك مسألة أقرها الإِسلام في صيغ مختلفة ومراتب متفاوتة. فكل من عبد الله ميمما وجهه شطر القبلة وجب أن يعد مسلما. وتطرف متأخرو المرجئة في هذا الأمر إلى أن أصبح بدعة منكرة: قالوا إن الإيمان هو التصديق بالقلب ولا ينفع مع الكفر العمل الصالح، ولا يضر مع الإيمان المعصية (انظر Irdia: Van Vloten . في. Zeitschr. d Deutsch Morn. Gesell جـ 45، ص 161 ما بعدها، Vorlesungen: Goldziher index sub Murdschia) .
بقيت مسألة هي: ما حكم المسلم الذي يقرر بلسانه ويقوم بالعبادات والأعمال الظاهرة شأنه في ذلك شأن المسلمين، دون أن يؤمن بقلبه؟ أما مثل هذا فقالوا إنه منافق غير مؤمن. وينبغي أن نتذكر هنا أن الطاعة والعمل الصالح في الإِسلام إنما يقصد بهما الطاعة للعبادات.
(2)
هل يزيد الإيمان وينقص؟
ورد في القرآن الكريم كثيرا ما يدل على أن الإيمان يزيد، قال السلف إن
الإيمان يزيد بأعمال الطاعات وينقص بارتكاب المعاصي، وذهب متأخرو المسلمين إلى أن التصديق لا تقع فيه الزيادة والنقصان وأن العمل الصالح ينبغي ألا يعد جزءًا منه أو مؤثرا فيه بالضرورة ولكنه يعتبر شيئًا زائدا على التصديق وبهذا يزيد في قيمته وعلى خاوف ذلك المعاصى فإنها تقلل من قيمة التصديق وإن كان هو لا يزيد ولا ينقص. وقول النبي [صلى الله عليه وسلم](مثقال ذرة من إيمان) يشير إلى أن قيمة الإيمان قد تتفاوت. وقد أوضح الغزالي هنا الأمر توضيحا نفسيا (بسيكولوجيا) صادقا وكسا عبارته طلاوة وجمالا، وبين كيف أن العمل الصالح يزيد في الإيمان. ولكن المسألة ظلت مع هذا من مسائل الجدل اللفظى. فالذين قالوا إن الإيمان هو التصديق والعمل ذهبوا إلى أنه يزيد وينقص. والذين قالوا إنه التصديق فحسب ذهبوا إلى أنه لا محل فيه للزيادة والنقصان.
(3)
وهناك بحث آخر: اختلفوا في: هل يقول الشخص: "أنا مؤمن إن شاء الله"، أم يقول:"أنا مؤمن" من غير عبارة المشيئة؟ كذلك اختلفوا في: هل يقول الشخص: "أنا مؤمن حقا" أم يقول: "أنا مؤمن عند الله"؟ وقد أورد الغزالي أمثلة على هذه المسائل في كتاب الإحياء (جـ 2، فصل 5، المسألة الثالثة، انظر شرح السيد المرتضى).
قال الأشاعرة وقال معهم معظم الشافعية والمالكية والحنابلة بوجوب إضافة عبارة "إن شاء الله". أما الماتريدية والأحناف فأنكروا هذا وأجازوا قول الإنسان: "أنا مؤمن حقا" وحجتهم في هذا أن عبارة "إن شاء الله" قد تورث الشك، والشك في هذا الموضوع معناه الكفر. وأجاب الأشاعرة على هذا فقالوا إن صيغة المشيئة لا يراد بها إيقاع الشك في حقيقة التصديق العقلى، إنما يراد بها:
1 -
الاحتراز من الجزم خيفة ما فيه من تزكية النفس (انظر سورة النساء: آية 52؛ سورة النجم، آية 33).